ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 14/05/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

تفجيرات سورية ..لماذا؟ وماذا بعد؟

أسامة عثمان

ايلاف

13-5-2012

بين يدي هذا المقال قد يكون من الضروري تأكيد بعض الأمور.

أولا: من حق الشعب السوري، كغيره من الشعوب، أن يقرر حكامَه، وليس نظام البعث في دمشق، بالنظام المُجْمَع عليه، ولا هو بالنظام الذي لا يَقْبَل المفاضلة، أو سنة التغيير والتطوير.

ومثل هذا النوع من النظم ليس من السهل أن يتطور، إلا في حدود ضيقة، غير جوهرية، فهو من نوع الأنظمة البوليسية الأمنية الدموية، وتاريخه، في بلده، يشهد.

ثانيا: الطريق الأسلم للتغيير هو التغيير السلمي، المعتمد على حشد التأييد الداخلي.

ثالثا: أسلوب التفجيرات الذي يطال الأبرياء، ويهدد بفتن داخلية، ويعكر المياه، ويفتح الأبواب على مصاريعها لكل متدخل شرير المآرب، والأهداف، هذا النوع من الأساليب مدان ومستنكر، ولا يخدم لا النظام ولا المعارضة، ولا الثورة، واللاجىء إليه يائس، وضيق الأفق.

ولا يخفى أن انزلاق سورية إلى هذا النوع من التفجيرات يُدخل البلاد والنظام والثورة في نفق مظلم، ويعلن عن فشل جميع الأطراف، بما فيها الإقليمية والدولية، كلها في تحقيق أهدافها، على اختلاف تلك الأهداف، وتناقضها.

وقد نكون أمام احتمالين: إما أن الأمور قد انفلتت فعلا من السيطرة، وأن عناصر، أو جماعات دموية، ليست في صميم الثوار، قد نجحت في استغلال الحالة المنفلتة؛ لتصنع البيئة التي تراها مناسبة لنشاطاتها.

وإما أنَّ طرفا من الأطراف المتصارعة، أو فروع من تلك الأطراف، بتوافق، مع قادتها، أو دون توافق، قررت الدفع، نحو السلاح الأخير، وهو التصعيد المفضي إلى تغيير المعادلة التي لا تبدو قريبة الحسم.

فمن جهة قد يستفيد النظام من هذا الحالة الجديدة التي قد يؤمِّل منها التغطيةَ على الاحتجاجات السلمية التي لا يفلح في القضاء عليها، بعد ما يزيد عن العام، على اندلاعها، برغم كل الوسائل البالغة العنف والاتساع التي استخدمها.

وهذه التفجيرات في الأماكن السكنية والتي حرصت وسائل الإعلام الرسمية على تكرار عرضها بصور شديدة القسوة، تلقي بالرعب في نفوس السوريين من أن يؤول مصير وطنهم إلى ما آل إليه العراق، على مدى سنوات...

ثم قد يؤمِّل النظام في أن تؤدي تلك التفجيرات إلى التلويح بحرب أهلية كَثُر التحذير منها، إذا استمرت الثورة، أو النزاع، على هذا النحو غير الحاسم.

وهذه الحرب آخرُ ما يتمناه السوريون، ولا سيما في دمشق، وحلب اللتين تأخرتا في الانخراط في الثورة، ولمَّا تدخل كل مناطقها فيها، بعد.

وقد يكون للنظام دافع آخر للقيام بمثل هذه التفجيرات، وهو إفشال خطة أنان، تلك الخطة التي يلتقي عليها «المجتمع الدولي» والجامعة العربية، وهي تفضي، في حال التزم النظام بها، إلى نقل السلطة، بعد حوار مع المعارضة، وبعد سحب الأسلحة الثقيلة من المناطق المتمردة، وبعد السماح بالتظاهر السلمي، وإطلاق سراح المعتقلين، والسماح للإعلام الدولي، بالتغطية.

ولو أن هذه الخطة، في الوقت الحاضر، لا تشكل تهديدا جِدِّيا، للنظام؛ لأنه لا يلتزم بها، بشهادة أنان، نفسه، ومع ذلك، لا يُستتبع، ذلك، بمواقف دولية ردعية، بل يُسارَع إلى التلميح بعدم وجود وسيلة أخرى بعدها، إلا الانزلاق إلى حرب طائفية، أو أهلية، مع أنه من المفترض، أن تُترجَم هذه الإرادة الدولية التي تمثلت في هذه الخطة، إلى قرارات تصعيدية أخرى، تحمل النظام، على الانصياع لمطالبها، ووقف القتل.

ولكن هذا التراجع، أو التعجُّل، في نفض اليد، لا يؤشر على إرادة دولية، أو أمريكية،( في الوقت الراهن، على الأقل، وفي الوقت القريب، حتى الانتخابات الرئاسية، في نوفمبر/ تشرين الثاني، المقبل) تتجه نحو إنهاء هذه الأزمة، وإنما إدارتها، كما بات معلوما للكثيرين من المهتمين.

ومن الاستراتيجيات التي تنتهجها أمريكا، في إدارة الأزمات، أنها تترك الأطرافَ المتنازعة، في مناطق الأزمات، يُنهك بعضُها بعضا؛ حتى تَخْفِضَ سقف مطالبهم، وحتى تُلجئهم إلى الحلول التي تريد، بعد دفع أثمان باهظة، تكون هي في معزل عنها.

لكن ارتفاع وتيرة العنف، والقتل، في سورية، إلى هذا الحد، أمر خطر، ولا يبدو أنه يصب في سياسة الإدارة الديمقراطية، في البيت الأبيض التي ترى في التهدئة، في منطقة الشرق الأوسط، علامة مهمة على نجاح الرئيس الأمريكي، باراك أوباما.

صحيح أن ما يهم واشنطن، بالدرجة الأولى، هو أن لا تخرج الأزمة من سورية إلى الجوار، ومنه لبنان، والعراق، ولكن ارتفاع وتيرة العنف إلى هذا الحد ليس من السهل تقبله، فضلا، عن كون احتمالات خروجه إلى خارج نطاقه، سيكون أكبر.

ولو كانت واشنطن ترغب في الوقت الحاضر بتصعيد، لغضت الطرف، على الأقل، عن رغبة بعض الدول العربية، في تسليح المعارضة، وهذا الخيار، على محاذيره، فإنه يأتي قبل التفجيرات، فظاعة، ولا سيما، إذا تكررت، وتكرَّست. 

وأخيرا، فإن التفجيرات الرهيبة، تضر بجميع الأطراف، في سورية، وحتى غيرها، لكن المسئولية الأكبر تقع على عاتق الدولة، والخطورة الأكبر، سياسيا، عليها؛ فهي لا تقوى على أداء وظيفتها، وعلى إثبات مسوِّغات بقائها، في هذا الوقت الذي يُشكَّك فيه بشرعيتها...والضحية هو الناس في سورية..نسأل الله أن لا يكون هذا بداية تعويم للأزمة، أو خلطا للأوراق.

=================

في أي مرحلة يعيش النظام السوري؟ موت الأفراد وموت الأنظمة (2-2)

بقلم / خالص جلبي:

الراية

13-5-2012

في الدراسة التي قامت بها (إليزابيث كوبر روس E.K.Ross) على مئات المرضى الذين يواجهون الموت لاحظت أنهم يمرون بخمس مراحل قبل تسليم الروح ولبس الكفن.

نلاحظ هنا أن هناك تداخلات بين كل مرحلة والتي بعدها. هي في سوريا نهاية الدورة الغضبية والقتل بالعشرات إلى الثالثة بالمفاوضات.

إن وضع الأسد الصغير يذكر بالآية: {والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون}.

{ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون}.

{إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون. فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا}.

4 تقول الباحثة (روس Ross) ثم تأتي المرحلة الرابعة من امتزاج شعورين متبادلين من الاكتئاب مترافقا مع الاعتراف (Confession) بأن الموت أصبح قاب قوسين أو أدنى، وهو ما سنراه مع النظام السوري ربما في وقت قريب أو بعيد، وهذا يظهر على شكل تداخل موجتين مختلفتي الاتجاه والارتفاع من تناقص عدد القتلى وارتفاع عدد المتظاهرين، كما هو الحال في المريض المصاب بالصدمة من انخفاض الضغط وتسارع النبض مع الشحوب والتعرق، فعلينا رصد ظاهرة الصدمة عند النظام التي هي قادمة لا ريب فيها.

5 وفي نهاية الرحلة تأتي مرحلة الاستسلام (Surrender) لقدر الموت حين يواجه النهاية التي لا مفر منها، هكذا فعل هتلر فانتحر مرتين بالسم والرصاص، وانتهى موسوليني معلقًا مثل الخاروف في المسلخ البلدي، وكان مصير القذافي فرحل منبوذا مدحورا لمن خلفه. وحوكم شاوسسكو وضرب بالرصاص فلم يعثر له على قبر مع إيلينا رأس الأفعى المزدوج كما سيكون مصير الميدوسا الغرغونية التي تقود الجوقة في دمشق عفوا أنيسة مخلوف زوجة الطاغية السابق حافظ الأسد، وشنق صدام فبئس الرفد المرفود، وأحيانا أتمنى أن يكون قد مد الله في عمر حافظ الأسد حتى يرى زوال دولة المخابرات التي صنعها كثيبا مهيلا، {فكلًا أخذنا بذنبه} ولن ينجو بشار الأسد من يد العدالة بعد المجزرة السورية، والله{عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا}.

علينا رسم الحقائق التالية:

 أن لكل دولة عمرًا، كما قرر ابن خلدون ودولة البعث دالت، فقد آذنت شمسها بالمغيب، وجهز لها الكفن، ووزعت النعوة، وحفر حفار القبور بالرفش والمعول وجهز الحفرة.

وسبحان الباقي ينزع الملوك من عروشهم، يورث المستضعفين مشارق الأرض ومغاربها؛ فبعد أن كان حافظ الأسد والعصابة معه من المستضعفين تحولوا إلى مستكبرين، فدمرهم الله تدميرا.

وهي نفس دورة جالوت وداوود وبنو صهيون واليهود فهم استضعفوا ثم عتوا، ثم سوف يأتي دمارهم على يد الفلسطينيين فيجوسوا خلال الديار ويتبروا ماعلوا تتبيرا.

وهي نفس دورة الثورة الإيرانية فبعد أن تخلصوا من الشاه لبسوا ملابس الشاهنشاهية على نكهة قمية بملابس خامينائية فتحولوا إلى زمرة المستكبرين ولسوف يأتي أجلهم ولو بعد حين ربما في السنوات العشر القادمة فيحل عليهم ما يحل على كل المستكبرين في الأرض.

إن الثورة تنفض ثيابها وتفرز أصدقاءها من أعدائها، لقد انكشفت عورة البوطي وسوأة حزب الله وخزي إيران وتخاذل آل عثمان.

 ثانيا علينا تذكر القانون الثالث من قوانين إزالة الاستبداد عند الكواكبي: قبل تغيير الموجود يجب توفر البديل.

وهو نفس ما كان يكرره موسى على قومه وهم يقولون {أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا} كان جوابه: {عسى ربكم يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون}.

لقد تجمدت سوريا في البراد نصف قرن وعلينا توقع مفاصل مريض متيبسة في العناية المركزة أمدا طويلا ويحتاج إلى نقاهة طويلة وإعادة تأهيل.

لقد تغيرت سوريا على كل حال والرحلة الفعلية هي البناء فالتدمير سهل، والرفع يهد الجبال الراسيات، والخراب الذي أحدثه الانقلابي الدموي حافظ الأسد في سوريا هائل ويحتاج عقودا طويلة من الترميم.

وربما كان حديث موسى مع ملك الموت تمثيلا رمزيا عن هذه المراحل الخمس حين جاءه ملك الموت فرفض فرجع وقال أي ربي أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت فقال ارجع إليه فقل له ليضع يده على متن ثور فله بكل شعرة سنة فقال أي موسى أي رب ثم مه أي ماذا بعد ذلك قال الموت قال فالآن.

سألت صديقي أبو حسن البارحة وعبد الواحد كيف تريان نهاية بشار الأسد ومتى؟

كانت تقريبًا أجابتهما مع زوجتيهما أن النظام السوري مات، أما الدكتور بشار فلن يرجع مع زوجته إلى بريطانيا وربما تركته هي مع الأولاد ورجعت تطقطق بالإنجليزية، وتستعرض أيام الحياة الشاهنشاهية مقلدة ليلى طرابلسي، وتتمتع ببقية المليارات المخزونات في بنوك بريطانيا لا يحملها قبان ولا تأكلها النيران والجرذان هي وأحفادها من بعدها فقد كانت فرصة العمر مع شلة الحرامية.

أما هو فالمكان الآمن له بالتأكيد أن يضع على رأسه عمامة خضراء في قم ويبدأ في تعلم العلوم الشرعية هناك؛ فإيران أكثر مكان للأمان.

إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً.

هكذا أقول ولكن شيطان السياسة شيء مختلف لأن (راتوك ميلاديتش) و(رادوفان كاراديتش) و(سلوبودان ميلوسوفيتش) انتهوا في محكمة لاهاي للعدالة الدولية بعد أن سلمهم الصرب فرسا مصيرهم في حبوس هولندا يستجوبون، وملالي قد يضحون به مثل كبش أملح في يوم العيد.

أقول هذا ولكن يبقى هامش من الاحتمالات أن ينجو رأس النظام مع بعض من العصابة، ولكن الأكيد أن سوريا تغيرت فعصر ما بعد البوعزيزي يكتب أن عصر العروبة تغير إلى الأبد ودخل العرب التاريخ بعد ستة قرون من الشخير العميق.

ويقولون متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبا..{يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا}.

==========================

حيث كان عيد الشهداء مجرد بروفة

المستقبل

13-5-2012

عمر قدور

في النهاية التصق اللقب باسمه، وعرف باسم جمال باشا السفاح بعد أن أصدرت المحكمة التي شكّلها في عاليه حكمها بالإعدام شنقاً على العديد من المواطنين اللبنانيين والسوريين. كان عدد الذين أعدموا حوالي خمسين شخصاً بين عامي 1915 و1917، وكما هو معلوم اشتهر من بينهم أولئك الذين أُعدموا في السادس من أيار في ساحتي البرج في بيروت والمرجة في دمشق. كان جمال باشا يحاول الحفاظ على سلطة إمبراطوريته العثمانية الآخذة بالأفول، وكما في كل استبداد طغى همّ البقاء على القيم الإنسانية والأخلاقية، ولكن على الرغم من ذلك أقام "السفاح" محكمة، وإن تكن صورية، وأُتيحت للمحكومين تلاوة كلماتهم أو قصائدهم الأخيرة على منصة الإعدام؛ بالطبع هذه الشكليات لم تنقص من سمعته كسفاح.

لم يكونوا الشهداء الأوائل الذين سقطوا على أيدي العثمانيين أنفسهم، ولكنهم كانوا طليعة الأحرار بالمفهوم الحديث لكلمة الحرية، فكانوا أيضاً طليعة الشهداء بالمفهوم الوطني الحديث لكلمة الشهادة، وربما كانوا يأملون بأن يكونوا آخر من يُضطر إلى افتداء الحرية بهذا الثمن الباهظ. كان يا ما كان في سالف العصر والأزمان، كان هناك والٍ على بلاد الشام اسمه جمال باشا، ولشدة جوره وبطشه لُقّب بالسفاح، وقد بلغ به البأس أن أعدم واحداً وعشرين ثائراً في يوم واحد. ولم توجد آنذاك قبعات زرقاء لتراقب مجازره ولا قانون دولي إنساني يدعو إلى التدخل لحماية أولئك الذين دعوا الدول الغربية لمناصرتهم!.

حدث ذلك قبل أقل بقليل من قرن، وهي مدة كافية لينسى الكثيرون الأصل في عيد الشهداء. وفضلاً عن بُعد ذلك العهد، فإن ذاكرة السوريين واللبنانيين اكتظت بسير الشهداء. في الواقع راح العيد يفقد زخمه المعنوي بقدر ما تراكم عليه من شهداء، تضاءلت حصة الشهداء الأولين من العيد، بعد أن زاحمتهم كثرة الوافدين الجدد وطزاجة دمهم، وبعد أن طغت نسبة الذين قضوا على أيدي أبناء جلدتهم، فتاه نَسَبُ العيد بين أطراف متصارعة عليه. كل ذلك من دون أن نأخذ بالحسبان أولئك الذين جعلوا الشهادة تجارة سياسية رابحة، وسعوا إلى احتكارها ليتربعوا أسياداً فوق طهرانية الدم، أولئك الذين جعلوا من شهدائهم سوطاً على أفكارنا فحرمونا من الحزن اللائق وحرموهم من كرم التضحية.

كأن ما فعله جمال باشا كان مجرد تمرين بدائي على مسيرة طويلة من القتل. صحيح أن المشانق لم تُعلّق فيما بعد على هذا النحو في ساحتي البرج والمرجة، إلا أن تلك البداية تتواضع أمام ما أنجزه زعيم صغير لميليشيا صغيرة؛ زعيم لم ينل لقباً حتى، أقله في هذا الميدان. لقد كان جمال باشا يمثّل سلطة احتلال، وليس بالزعيم "الوطني" ليبني مجده على سحق خصومه السياسيين، وكلما أوغل في التنكيل والقتل ازداد إصراراً على اكتساب المزيد من الألقاب النبيلة، وتبارى أنصاره في ابتداعها كلما ازدادوا تصاغراً أمام بأسه.

ثمة افتراض نظري بأننا كلما مضينا قدماً في الزمن اكتسبنا تقديراً أكبر للذات الإنسانية، فالقرن الفائت شهد على المستوى العالمي تطورات فكرية متوالية فيما يتعلق بالحقوق الأساسية للفرد، تلتها تطورات قانونية لا تقل شأناً. على صعيد مواز لتلك التطورات شهد العالم ارتفاعاً كبيراً في عدد الحروب الخارجية والداخلية، وعرف تطوراً متسارعاً في الأدوات المستخدمة للقتل، بالإضافة إلى القدرة الرهيبة على القتل بلا رحمة، وتسويغ هذه الأفعال بشتى القيم النبيلة. ولعل المفارقة الأكبر هي أن الحروب الأهلية شهدت ضراوة أكبر من حيث توافر النية بالقتل، ووضعها موضع التنفيذ على نحو معمم، من دون أن يأخذ الضحايا حقهم من التقدير، إذ غالباً ما سعت الذاكرة إلى تناسي تلك الحقبة المؤلمة بتجاهل مآسيها ووفرة قتلاها.

لكن الأقل حظاً من الإعلام هم ضحايا الأنظمة الاستبدادية، فهؤلاء وقعوا ضحية حرب غير معلنة، حرب قامت بها الأنظمة على شعوبها بصمت رهيب مستخدمة أفظع أنواع الإرهاب الفكري والجسدي، حرب لم يكترث بها العالم إلا ببيانات قليلة خجولة تذكّر بحقوق أولئك الأفراد وتستجدي من الأنظمة القاتلة ذاتها رحمة لم يثبت وجودها يوماً. متسلحة بحقها بالسيادة، راحت الأنظمة المستبدة تنقل هذا المفهوم من السيادة على الأرض إلى السيادة على كل قاطن فيها، وإلى الوصاية المطلقة على كل فكرة تلوح في فضائها، وفي المحصلة إلى السيادة على حق الحياة برمته وحجبه تحت دعاوى الوطنية. لم تعد الأوطان تُفتدى بحرية، بل بات الناس يُساقون كقرابين مجهولة الهوية ومعدومة المصير.

في السادس من أيار عام 1916 كانت حصة ساحة المرجة في دمشق ثمانية شهداء، ووفق الرواية البعثية (وهي الرواية الرسمية المعتمدة حتى الآن) بطش جمال باشا السفاح بهؤلاء بظلم لا نظير له، وإذا مضينا بالزمن مع الرواية ذاتها سنرى الانتداب الفرنسي يرتكب الفظائع أيضاً، ويقصف مبنيين في دمشق أيضاً!. تصمت الرواية عند الوصول إلى عهد الوحدة بين سوريا ومصر، فلا تشوبها أية إشارة عن الذين قضوا في المعتقلات إبان الوحدة، وبالطبع لا يرد أي ذكر عن استخدام الأسيد لتذويب بعض الجثث. من يقرأ الرواية الرسمية لن يجد في ثنايا الاحتفال بثورة البعث أي إشارة إلى المحاكم الثورية التي شهدتْها تلك المرحلة، لا ذكر إطلاقاً لقتلى تلك المحاكم ولو بوصفهم أعداء خطرين للثورة؛ لكن تلك المحاكم أيضاً لا تعدو كونها تمارين بدائية على القتل.

إن كان ثمة حصيلة رسمية دقيقة للقتلى السوريين في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي فهي ليست معممة على نطاق واسع، لكن من المؤكد أن عدد القتلى في كافة الحروب مع إسرائيل لا يناهز سوى نسبة بسيطة من قتلى مدينة حماة وحدها على أيدي قوات النظام قبل ثلاثة عقود، أما حجم الدمار الذي لحق بالمدينة فيدلنا عليه الآن ما عرضته الشاشات من دمار لحق بأحياء الإنشاءات وبابا عمرو في حمص على سبيل المثال لا الحصر. لم تُتح لضحايا ثمانينيات القرن الماضي حتى الآن نعمةُ أن يُعرف عددهم بدقة، إذ لم يُكشف حتى الآن عن مصير الآلاف من المعتقلين، والذين يُعتقد على نطاق واسع أنهم تعرضوا للتصفية المنهجية، فضلاً عن المجازر الكبرى المعروفة التي وقعت في المعتقلات. مرة أخرى بوسع الحاضر أن يدلنا على الماضي القريب، إذ تشير تقارير المنظمات الحقوقية إلى أنها تنشر فقط ما أمكن توثيقه من ضحايا الثورة السورية الآن، مع التنويه بوجود قتلى لم يتم التأكد منهم، وبوجود مفقودين ومعتقلين لا يُعرف مصيرهم، وبوجود قتلى لا يفصح أهاليهم عنهم خوفاً من الانتقام.

في العام الماضي، وعلى مقربة من ذكرى عيد الشهداء، سُلّمت جثة الطفل حمزة الخطيب إلى ذويه بعد قتله تحت التعذيب وبترعضوه التناسلي!. منذ ذلك التاريخ إلى الآن ارتفع عدد شهداء الثورة ليناهز الخمسة عشر ألف شهيد، وبالتأكيد من دون وجود حصيلة نهائية. في الواقع لقد أصبحنا على مسافة كبيرة من تلك التمرينات الأولى على القتل، ولم يعد من اعتبار للضحايا يمكّنهم من الحصول على محاكمة صورية، أو يحترم الحد الأدنى من حرمتهم كموتى.

لقد تسرع أسلافنا بإطلاق لقب "السفاح"، كان عليهم أن يتحسبوا لزمن قد تعوزنا فيه الأوصاف!

=================

ماذا يفعل الوقت بالثورة السورية؟ يضعفها أم يعزّزها؟

دلال البزري

المستقبل

13-5-2012

روتْ صديقتي السورية عفاف القصة التالية: "يوم الجمعة هو يوم التفجير "الارهابي" الاسبوعي في حيّ الميدان الدمشقي... لذلك، تحولت ساحته الى مربعات أمنية كثيفة، حواجز مسلحة كل مترين، رجال أمن ومخابرات مدجّجين بالسلاح. طبعاً في الميدان يقع مسجد، ولا أحد في دمشق يصدق مسألة "الارهاب" هذه؛ والجميع يعتقد بأن هذه التفجيرات مقصودة، ولها أهداف...

"في هذا اليوم بالذات، الجمعة الماضي، قرر عمي شفيق، الساكن في الميدان، أن يأخذ زوجته وأولاده الثلاثة للعداء في أحد المطاعم الشهير بكبابه المشوي. وذلك بعدما ألحّوا عليه كثيراً، فهم زهقوا وضاقوا ذرعاً بقعدة البيت هذه التي لا تنتهي. ركب إذن عمي وعائلته السيارة وساروا بضعة امتار متجهين نحو المطعم. لم يصلوا الى ربع مشوارهم حتى أوقفهم حاجز أمني، صوَّب أفراده سلاحهم نحوهم جميعا، وهم يكرّرون على عمي بهستيريا:

"وين رايح؟ وين...؟! وكل العائلة معك؟!".

" عمي الذي ألِف، وبسرعة يُحسد عليها، التوتر الأمني في العاصمة، ردّ عليهم بهدوء انه آخذ العائلة الى مطعم "كذا" في الساحة، فهم اشتاقوا الى الطعام اللذيذ، والى الفسحة.... الخ. كان يستفيض بالشرح، كأنه يصرّ على إلفته هذه، على تكيّفه المجنون... رجال الأمن الذين على الحاجز أذهلهم رواقه، ربما استفزهم، وبالتأكيد حرّك شيئا في عقلهم. إذ بادر أحدهم وصرخ في وجهه:

"شو ما بتسمع الاخبار؟! ما بتعرف شو عم بيصير..؟!".

"ردّ عمي بمزيد من الهدوء انه لا، لا يعرف... لم يسمع. طبعا كان يعرف، ولكنه في هذه اللحظة كان من مصلحته، هو وعائلته، أن يبدو ساذجاً، أبلهاً، أن لا يتورّط معهم... فما كان من الجندي نفسه إلا ان صرخ في وجهه:

"شو الظاهر ما تحضر إلا تلفزيون "الدنيا؟"،

"وهي القناة الأسدية، التي تروّج ليلاً نهاراً بأن شيئا لا يحصل في سوريا، وان "كلو تمام، كلو تحت السيطرة ضد السلفيين الارهابيين". ثم تابع الجندي بلهجة غاضبة وصوت عال:

"قناة "الدنيا" هيدي... نسيها! لغيها من راسك! حفاظا على سلامتك وسلامة عائلتك، ما تحضر إلا قناة "الجزيرة"، لا قناة "الدنيا". منها بتعرف الأخبار الصحيحة، وبتعرف شو عم بيصير بالشام!".

هذه قصة من بين عشرات القصص روتها لي عفاف اثناء زيارتها القصيرة الى بيروت. استوقفتني هي بالذات. ربما لأنها تجسيد حيّ لما يمكن للوقت ان يفعله بالسوريين في ثورتهم الفريدة هذه: "تمرير الوقت"، "الوقت ليس لصالح أحد"، "إعطاء الوقت للقتل أو التفاوض"، "تأخر الوقت"... الوقت حاضر كما لم يحضر من قبل. ليس علينا سوف تتبع أثر مروره على الثورة، كل هذه الايام، كل هذه الشهور: ماذا فعل بالناس؟ وبثورتهم؟

قصة العم شفيق تعطيك مؤشرات، ولو ضئيلة: أولها ان العنف والتوتر والموت والعذاب والتشريد، الآتي كله مع الثورة، صار عند بعض المواطنين من الامور النافلة، شبه الطبيعية، التي لا يتوجب على الحياة ان تتوقف بسببها. المؤشر الثاني هو انه حصل أمر ما في عقل النفر الواقف على الحاجز، والذي يفترض ان النظام حشى عقله بكل الأكاذيب الممكنة، ها هو يرشد مواطن الى قناة "عدوّة" و"متآمرة" على النظام الذي يقتل الناس من أجله، ورفاقه الجنود يسمعونه، وكأن ما يقوله عادي، طبيعي.

بالأمثلة الصغيرة، اليومية، العادية، يمكننا الخلوص الى ان للوقت أوجهاً متعددة، سلبية وايجابية. لائحة هذه الأمثلة المصغرة مفتوحة على مزيد من الوقت، على صفحات من الروايات صاحبة مؤشرات أخرى إضافية، لا نحتاج إلا للوقت، اذا رغبنا بالتقاطها وفرز معانيها.

الآن لنأخذ الموضوع بالمكبّر، فماذا نرى؟ ماذا اعطانا امتداد وقت هذه الثورة؟ الموت والدمار... كما نعلم. نقول الأسد أخذ مزيداًً من والقت يعتقد بأنه يحتاجه، مثلما يحتاج الى الذخيرة، ليقضي على جسد الثورة وروحها. في هذا الوقت نفسه، تزداد وتيرة الموت والدمار، فتتصاعد معها الطائفية والأسْلمة والعسْكرة؛ تلك الخطوط الحمر التي دعت الثورة الى عدم تجاوزها في بدايتها. مع وقت آخر، يستفحل الموت، وقد يبلغ عدد الشهداء المليون، كما في ثورة الجزائر ضد فرنسا الكولونيالية، أو الثلاثة ملايين، كما في ثورة الفيتكونغ ضد أميركا الامبريالية. والمعلوم ان الثورات التي قدمت تضحيات خارقة، تليها عادة كوابيس من العنف والقمع والاستبداد. الجزائر وفيتنام ما بعد ثورتهما المجيدة، وقعتا في نقيض ما أحيتاه من آمال.

وللوقت مفعول آخر أيضا: انه يشجع الباحثين عن أدوار على المتاجرة بقضية الثورة المحقة. تماماً مثلما حصل مع قضية فلسطين: دامت عقودا، وشجعت عدالتها المزمنة راكبي الأحصنة الرابحة على التلاعب برصيدها حتى الثمالة. هذا هو الحاصل الآن بالنسبة الى ما صار قريباً من ان يسمّى "القضية السورية"، قضية الديموقراطية وإسقاط الاستبداد، بعد قضية فلسطين العادلة. طبعا يمكن لأهل سوريا أو فلسطين ان يعيشوا أبأس ما في هذه الدنيا من حياة. ولكن قضيتهم هي في أحلى حالات الغواية للباحثين عن الادوار الفاتنة. أنظر الى عدد الشخصيات السورية وحدها التي امتطت قضية الشعب السوري، من أمثال عبد الحليم خدام ورفعت الأسد، ومؤخرا أيضا نوفل الدواليبي. أنظر أيضاً الى الذين يناصبون العداء لثورة الشعب السوري، باتوا يرفعون قضية فلسطين بوجهها، يهربون اليها، يلجأون اليها، يتذرعون بها، ليحتموا من تهمة العداء لحريات الشعوب. آخر المآثر، حملة النائب البريطاني جورج غلاوي، الذي ينظم حملة فك الحصار عن غزة، انطلاقا من ميناء اللاذقية، حيث قصف النظام السوري اللاجئين الفلسطينيين عقابا على مشاركتهم في تظاهرات الاحتجاج ضده: قضية فلسطين، العادلة، بوجه قضية سوريا، العادلة ايضا. عسى ان لا تدوم القضية الأخيرة قدر دوام الأولى...

ولكن للوقت أيضا وجه آخر: الوقت حرر، وهو في طريقه الى تحرير المزيد من السوريين، في عقلهم. الوقت أعطى للنظام مجالا للقتل، ولكنه في الآن عينه اعطى للمواطن السوري الفرص العديدة لملاحظة إمعانه في القتل؛ فامتدّت الثورة الى أبعد القرى عن المركز. امتدّ القتل، فتمدّدت الثورة. بدأت طرفية هامشية ريفية، ثم زحفت شيئا فشيئا نحو المركز؛ في بعض اللحظات من اشتداد هذه الديناميكية الطرفية، بالتشييع والتضامن والعدوى الثورية... بدت الهوية السورية كأن الوقت يحرثها من أطرافها وحتى مراكز قلبها.

الوقت يستنزف طاقة السوريين على التحمّل والاستمرار، ولكنه يسمح لهم، أو ربما يرغمهم على اختراع طُرق وسُبل وأطر لم يعهدوها أيام الاستبداد؛ يرغمهم على المبادرة احيانا تحت وطأة موت أو حياة. يطلق العنان لمخيلتهم، لسخريتهم، لمواهبهم المدفونة، لمهاراتهم ومعرفتهم. الوقت يصدّرهم الى العالم، يحول وجوههم وأسماء بلداتهم وقراهم وشعاراتهم الاسبوعية... الى شيء مألوف. من متابعة الشعارات وحدها، تفهم كم يتطور حسهم السياسي مع الوقت، كيف يتابعون ماذا يحصل في بلدهم وفي العالم اجمع؛ فقط لأن العالم كله يلعب الآن في ساحتهم.

مع الوقت بالتالي، تشك الثورة بنفسها، تلاحظ عيوبها، تنقد نفسها، تتشذّب، تعرّي أساطيرها، تطور رؤيتها، أو تعدلها، أو تغذيها بالتجربة المباشرة، تبلور أجندتها، تبتكر أطرا جديدة، تتمرن، تتعلم بعدما قتل النظام شبابها الأول، بعدما دمر أطرها الاولى، تلك التي اشعلت الثورة... مع الوقت ايضاً، يطلع الشعب السوري، كأنه قادم من أعماق بركان نام عقودا من الدهر، راكم خلالها خبرة دقيقة في أقنعة الاستبداد وأحابيله وأفخاخه. من بعده، صار يمكنك القول، "السوريون قبل الثورة والسوريون من بعدها". الوقت الذي امدّت به هذه الثورة غيّرهم، صاروا شعبا آخر، يستحق بجدارة حياة أخرى. وذلك ليس بفضل أحد آخر غير الذين يشكلون وقود هذا الوقت، أي أعمار السوريين وخراب بيوتهم وانسداد سُبل عيشهم.

=================

سورية: العنف بين النظرية والممارسة

الأحد, 13 مايو 2012

عبدالله إسكندر

الحياة

كان الشعب السوري كامل الاوصاف، بحسب التوصيف البعثي. فهو في مجموعه، باستثناء خونة وعملاء ومتآمرين و»اخوان مسلمين»، من نوع «البطل» النموذجي الذي يراه حزب البعث الاشتراكي. كان مقاوماً وممانعاً ومعادياً للغرب والاستعمار والامبريالية والصهيونية وعملائها. وأهم من كل ذلك كان، بحسب التوصيف نفسه، متطابقاً مع قيادته الحكيمة والصلبة وداعماً لها في احباطها للمؤامرات.

وحتى ايام قليلة قبل اندلاع الحركة الاحتجاجية في سورية، وفي ظل بدء انهيار النظم في تونس ومصر وليبيا، كان هذا التوصيف ما زال صالحاً.

لم يصدر هذا التوصيف عن ثقة ما في الشعب السوري، حتى لو كان لهذا الشعب، منذ الاستقلال وحتى وصول البعث الى الحكم، ارث في العمل الوطني والديموقراطي والدفاع عن الحريات. لقد كانت وظيفته الاساسية والوحيدة هو مسح أي مسافة بين التطلع الى الحرية والديموقراطية وبين الحكم. واستندت هذه الوظيفة الى نظرية، اعتمدت خصوصاً منذ الحركة التصحيحية، ان للشعب ما تيسر من مأكل ومشرب، اما السياسة ومنافعها فهي للحاكم ومحيطه. وعلى هذا الاساس، وُضع الدستور وأُصدرت القوانين وأُجريت انتخابات وُشكلت حكومات. اي ان كل ما أقدم عليه الحاكم هو في اطار احتكاره التام للسياسة ومنعها عن الشعب. وفي هذا المعنى تُفهم خطوات نسف النقابات التي حاولت الاعتراض على سياسات الحكم، والزج بالسجون للمعارضين وتشريد آخرين. ذلك ان احتكار السياسة في ذاته ينطوي على إكراه وعنف، تبدى في شكل دموي لدى انتقاله من صيغة فردية الى جماعية قد تؤدي الى عصبية وجمهور معارضين.

ادوات اثبات هذه النظرية كانت الاكراه والقمع. وتحققت اغراضها حتى بدا الاستقرار في سورية اأبدياً، بحسب مفهوم الحكم الذي افترض انه قضى على أي تحد داخلي. وذلك بعد إحكام السيطرة على ادوات الامن والاقتصاد. وهذا ما نوّه به الرئيس بشار الاسد باستبعاد أي تهديد لهذا الاستقرار واعلانه العلاقة الخاصة مع شعبه، في حديثه الشهير. اي ان لا تحدي ممكنا للحكم في سورية، في ظل اندلاع الحركات الاحتجاجية العربية.

استولدت هذه النظرية رديفتها حول «المجموعات المسلحة» والمؤامرة، فور اندلاع الحركة الاحتجاجية. ومع استمرار التظاهر، جرى تغيير في توصيف المتظاهرين، وهم جرء من الشعب السوري الذي بات يضم خليطاً من العملاء والمتآمرين.

اذ ان أي نظرية اخرى حول مطالب اجتماعية واصلاحية تعني كسر احتكار الحكم للسياسة، وانتقال العمل السياسي الى المجال العام. ما يعني نفياً لطبيعة الحكم وآلية سيطرته على البلاد.

ومن هنا يمكن فهم الدعاية الاعلامية لهذا الحكم وممارسته العنيفة ضد المتظاهرين على الارض. فوظيفة الحرب الاعلامية على «المجموعات المسلحة» والتكفيريين و»القاعدة» هي بالضبط لنفي أي طابع سياسي داخلي للحركة الاحتجاجية. اما عمليات مطاردة المتظاهرين والاعتقلات والقتل والتدمير، فهي عقاب للشعب الذي لم يعد يرضى بالتوصيف البعثي، ويطالب بحقه في المشاركة السياسية. وفي هذا المعنى يمكن فهم ذلك الشريط المصور حيث ينهال احد الشبيحة بالضرب على متظاهر معتقل، ويؤنبه لمطالبته ب»الحرية»، أحد الشعارات الثلاثة لحزب البعث.

اما التفجيرات الدموية التي باتت تتزايد وتيرتها وتطاول مواقع مختلفة، وبغض النظر عن المسؤولين الفعليين عنها، فهي تؤكد النظرية نفسها عن «المجموعات الارهابية».

وتحتاج هذه النظرية حالياً، في ظل وجود المراقبين الدوليين والجدال حول دورهم وطبيعته وكيفية الانتقال الى الشق السياسي من خطة كوفي انان، الى مزيد من العنف على الارض، خصوصاً التفجيرات الارهابية.

=================

القوانين وتطبيقاتها!

ميشيل كيلو

الشرق الاوسط

13-5-2012

وصلتني قبل أيام نسخة الدستور السوري الجديد، الذي بقي محل أخذ ورد بين قيادة السلطة السورية وأطراف حزبية وسياسية متنوعة، وسمي دستور الإصلاح أو التغيير. ومع أن بعضا من خيرة كتاب سوريا ناقشوا الوثيقة الرسمية الجديدة، التي قيل إنها نتجت عن حوار شاركت فيه أطراف سياسية متنوعة، فإنني أود التوقف هنا عند نقطة محددة تتصل بالفارق بين نص الدستور والواقع الذي ينصب عليه: نصه الملتبس في معظم صياغاته والواقع البشع الذي نجم عنه أو المفارق تماما له، مع العلم بأن هذا النص متهافت تؤكد جمله أن «الخبراء الدستوريين» الذين أسهموا في كتابته «مش ولا بد»، وأنهم كتبوه بقليل من الجدية، حتى إن المرء يجد نفسه مدفوعا إلى أن يصرخ بأعلى صوته: ما هكذا يكتب الدستور.

تقول المادة الثامنة من الدستور الجديد: «يقوم النظام السياسي للدولة على مبدأ التعددية السياسية، وتتم ممارسة السلطة ديمقراطيا عبر الاقتراع». لو كانت هذه المادة مطابقة للواقع القائم اليوم في سوريا، لميزت بالتأكيد بين التعددية السياسية والتعددية الحزبية، فالجمهورية العربية السورية لا تعرف التعددية السياسية، وإن كانت قد عرفت دوما تعددية حزبية تحولت بعد حكم البعث إلى تعددية الواحد، بعد أن تبنت جميع الأحزاب الموجودة في الساحة مقررات مؤتمرات السلطة القطرية، وألزمت نفسها بالامتناع عن العمل في المجالين الطلابي والعسكري «حفاظا على الوحدة الوطنية»، كما يقول نص مادة من ميثاق الجبهة الوطنية التقدمية. يتحدث الدستور عن التعددية السياسية ويقصد الحزبية، التي ليست تعددية سياسية بأي حال، كما يتبين من طابع الأحزاب القائمة وموالاتها للنظام، ومن منع أحزاب المعارضة جميعها من العمل السياسي، تطبيقا لاستراتيجية تقوم على إغلاق المجال السياسي أو احتلاله بالكامل من قبل السلطة، التي حولته إلى مجال سلطوي تماما، وأفقدته تعدديته وجعلته مجالا حزبيا مغلقا وعنفيا. وكان أحد قادة المعارضة قد زار ذات يوم الأستاذ عبد الحليم خدام نائب رئيس الجمهورية آنذاك. خلال الحوار سأله المسؤول الرسمي عن مطالبه، فقال إن حزبه يريد المشاركة في الحياة السياسية. أجاب الأستاذ خدام بعصبية: السياسية أم الحزبية. المشاركة في الحياة السياسية ممنوعة، أما الحزبية فهي قابلة للنقاش والحوار. لماذا يتحدث الدستور عن «نظام سياسي يقوم على مبدأ التعددية السياسية»، إن كانت التعددية المقصودة كمية وليست نوعية، تعددية تماثل وليست تعددية اختلاف، تعددية رقمية تتباهى بالأعداد وتزعم أن لدينا عشرة أحزاب أو ربما عشرات الأحزاب، بينما التعددية السياسية لا تكون غير تعددية المتنوع والمختلف، ولا يمكن أن تتفق مع تعددية الدستور الجديد، النافية للتنوع والاختلاف، والتي لا تنهض ديمقراطية ولا تكون حرية دونها. وجد منذ عام 1972، تنوع حزبي في سوريا، لكنه لم يوجد أي تنوع سياسي. وكان عليك أن تبحث عن عضو في الحزب الشيوعي أو حزب قومي جبهوي، إن أردت الاستماع إلى من يدافع عن البعث والنظام، لأن هذا العضو كان يعطيك الانطباع بأنه ضل طريقه إلى البعث ودخل خطأ في الحزب الشيوعي أو القومي الجبهوي، حتى إنني سألت ذات مرة «قائدا قوميا» لماذا لا يدخل في البعث إن كان يراه على ذلك القدر من العظمة، الذي يتحدث دائما في خطبه عنه، فقال لي أحد مرافقيه مداعبا: شو ما بتعرف يا أستاذ إنو البعث فرزه لعنا وكلفه بقيادتنا.

تقول المادة 15 في الفقرة ب: «لا تنزع الملكية الخاصة إلا للمنفعة العامة بمرسوم ومقابل تعويض عادل وفقا للقانون». ويقول الواقع: إن ملكية 92 في المائة من أراضي بلدة المعضمية القريبة من دمشق نزعت من قبل سرايا الدفاع، التي كانت بقيادة رفعت الأسد، وإن هذا بنى عليها ثكنات وضاحية سكنية لمنفعة جنوده وضباطه، وإن أصحاب الأرض لم يعوضوا عنها إلا بعد ثلاثة عقود، وإن التعويض كان عادلا جدا، فقد قبض صاحب الأرض ليرة ونصف الليرة ثمن المتر من أرضه، بينما قبض سكان السومرية - اسم الضاحية -، الذين يقطنون مدينة مخالفة للقانون، فتحوا فيها حوانيت بلا رخصة وتاجروا خلال ثلاثة عقود بمواد مهربة من لبنان، ثمن متر أرض ليست لهم عشرين ألف ليرة سورية. هذه هي المنفعة العامة، وهذا هو التعويض العادل، وهذا هو القانون. عندما روى أصحاب الأرض للرئيس بشار الأسد مأساتهم ضحك وأخبرهم أنه لا يعرف شيئا عن القضية، وانتهى الأمر. واليوم يقال إن المعضمية خارجة عن القانون، وإن شعبها مجرد عصابات مسلحة، ولا يقال إن المنفعة الخاصة لم تترك لهم أي شبر أرض يستخدمونه في زراعة أو بناء، وإنهم لا يطالبون بالحرية إلا لاعتقادهم أنها وسيلتهم الوحيدة والأخيرة لاسترداد حقوقهم الضائعة، التي لا يكفلها دستور ولا يصونها قانون، ما دامت هناك إرادات كثيرة فوقهما، وما دام الشعب صامتا ومشتتا ومذعورا. تقول الفقرة التي بعدها (16): «تجوز المصادرة الخاصة لضرورات الحرب والكوارث العامة بقانون لقاء تعويض عادل». من الذي يحدد ما هي ضرورات الحرب؟ إذا قال قائد لواء لصاحب أرض إنه يريد نشر دباباته في حقله لضرورات الحرب، وأظهر له أمرا مكتوبا يسهل الحصول عليه من الأركان العامة، ماذا يستطيع هذا المسكين أن يفعل؟ أعرف رجلا فعل هذا. عندما عاد بعد أسبوع من دمشق إلى مزرعته وجد الدبابات في حفر كبيرة تحت أشجارها، والجنود في كل مكان، لضرورات حرب لا ولن تقع، ولا يثق عاقل في سوريا بأنها قد تقع في يوم من الأيام. ما الفاصل بين حالة الحرب والكوارث العامة، التي تحدث الدستور عنها؟ هناك فاصل بالتأكيد، سأشرحه على النحو التالي: إذا لم تقتنع بأن ضرورات الحرب تحتم عليك قبول التخلي عن ملكيتك وحقوقك، حلت بك كارثة شخصية تفوق في هولها أي كارثة عامة قد تحل بأي وطن!

يحفل الدستور بمثل هذه الخزعبلات، التي اكتوى السوريون بنارها طيلة نيف وأربعين عاما، وها هو النظام يعيد إنتاجها وتسويقها باعتبارها حلولا لأزمة مستعصية، متجاهلا أنها هي التي دفعت السوريين إلى القيام بثورة يرون فيها فرصة وحيدة لنجاتهم، رغم ما تتطلبه من تضحيات جسيمة ويومية يقدمونها بحماسة تثير دهشة العالم الذي لا يعرف خلفياتها، لكنها لا تثير دهشة من يعرف سوريا والمفارقات التي تفصل نصوص نظامها المزركشة بالكذب عن واقع شعبها الشديد القتامة والبؤس.

لا يصلح الدستور الجديد لسوريا الحرة، ولا يقبل السوريون أن يضحك عليهم بالنصوص الدستورية المنمقة، بعد أن خرجوا على نص الاستبداد متنا وهامشا، وشرعوا يسيرون بالملايين تحت راية نص نقيض هو نص الحرية المضرج بدمائهم!

=================

خميس دمشق الأسود: هل هو إنذار أخير!

فايز سارة

الشرق الاوسط

13-5-2012

كان خميس دمشق الأخير دمويا. عشرات القتلى ومئات الجرحى، عشرات السيارات المحطمة والمحروقة منتشرة على مساحة كبيرة من الطريق السريع في قلب دمشق، واجهات بيوت ومحلات قريبة من مركز الانفجار إضافة إلى واجهتي فرعين للمخابرات العسكرية السورية ظهرت منهارة أو مدمرة. كان مشهدا مأساويا بكل معنى الكلمة، كان في أحد وجوهه يلخص خمسة عشر شهرا من مسارات القتل والدمار السوري الذي رسمه الحل الأمني العسكري الذي اختاره النظام مسارا لمعالجة أزمة سياسية اقتصادية اجتماعية وثقافية، بدل أن يختار حلا ومعالجة سياسية للأزمة كما هو مفترض.

بعيد الانفجار المزدوج، اتهم النظام جماعات إرهابية بارتكاب التفجير المدمر في إشارة لمعارضيه، فيما كانت المعارضة توجه أصابع الاتهام مباشرة للنظام بارتكاب الجريمة.

ورغم أن كل طرف ساق مبرراته لاتهام الآخر، فإن المعارضة، بدت أكثر قدرة على نفي إمكانية قيامها بمثل هذا العمل سياسيا وتقنيا، وشددت على أن المستفيد الرئيس من هكذا عمل هو النظام سواء لسعيه إثبات وجود جماعات إرهابية في البلاد أو من أجل تعميم الخوف في صفوف السوريين أو للاثنين معا.

وبغض النظر عن مرتكب هذا العمل، فإنه ينبغي العمل في كل المستويات المحلية والخارجية على كشف المرتكبين، وتقديمهم للقضاء ليقول بحقهم قراره جراء ما قاموا به من عمل إجرامي، يلحق الأذى بمدنيين عزل وأبرياء، ويساعد في انزلاق سوريا نحو عنف أوسع ستكون له تداعيات إقليمية ودولية أكثر بكثير من المتوقع.

وخطورة حدث الخميس الأسود، لا تعود إلى تفاصيله فقط، فقد شهدت سوريا ما هو أخطر منه في إطار الخطة الأمنية العسكرية في معالجة الأزمة كما حدث في حمص ودرعا وريف إدلب، إنما تعود أيضا إلى ظرفه، إذ جاء الحدث بمحتوياته وتفاصيله في ظرف تواجه خطة أنان انسدادات جدية في تطبيقها ولا سيما بصدد البند الأول الخاص بوقف العنف وسحب الأسلحة الثقيلة من الأماكن السكنية ومحيطها، والذي صار بمثابة أحجية يصعب حلها، الأمر الذي اعتبره كثيرون بمثابة نهاية لخطة أنان أو مؤشر بهذا الاتجاه على الأقل، ووسط هذا الاعتقاد جاء حدث الخميس بكل محتوياته دافعا نحو احتمالات تفجر عنف أعمى أوسع نطاقا في سوريا.

والصحيح أن التخوفات من انزلاق الوضع السوري في ضوء ما تواجهه خطة أنان من انسدادات في تطبيقها، لها ما يبررها في ظل أمرين اثنين؛ الأمر الأول ما تسوقه السلطات من مبررات تمنع تنفيذ ما يخصها في وقف العنف وسحب الأسلحة نتيجة خرق ما تسميه بالجماعات المسلحة لوقف النار، والأمر الثاني عدم تقدم الموفد الدولي وفريق مراقبيه لتنفيذ بقية بنود الخطة، والبقاء في حالة دوران حول البند الأول، ونسيان أو تجاهل بقية بنود الخطة الأخرى وفيها خمسة بنود منها ثلاثة يمكن تنفيذها دون أي إرباكات وهي المتصلة بإطلاق سراح المعتقلين، والسماح بمرور المساعدات الإنسانية، وحق الوجود الحر للإعلام، إضافة إلى بند السماح بالتظاهر للسوريين والذي يجد رفضا من جانب السلطات السورية.

إن بدء تنفيذ هذه البنود، إذا كانت هناك إرادة سياسية وعملية للتنفيذ من شأنه أن يدخل تعديلا جوهريا في مسار الخطة كلها، لأنه يوفر بيئة إيجابية للخروج من نفق بند وقف العنف وسحب الأسلحة الثقيلة، والمضي في حل سياسي يكون بديلا للحل الأمني العسكري للأزمة، مما يجنب البلاد انزلاقات الدخول في حرب داخلية وتداعياتها الإقليمية.

وبالخلاصة، فإن خميس دمشق الأسود بما حمله من تفاصيل، وما يحيط به من ظروف، يمكن اعتباره بمثابة إنذار نهائي، يؤشر إلى الأخطار التي يمكن أن تكون بعده في أخذ سوريا ومحيطها الإقليمي إلى أخطار، لا يمكن العودة منها في مدى منظور، وهذا يعني، أن على المعنيين فعلا بمعالجة الأزمة في المستويات المحلية وخاصة النظام، وفي المستويات الإقليمية والدولية، أن يعملوا بجد وبمسؤولية للخروج من الأزمة، ولعل أقرب الطرق، وأيسرها البدء الفوري بتنفيذ النقاط التالية من خطة أنان، التي وافق عليها الجميع، بدل التوقف عند النقطة الأولى ومشكلاتها سواء كانت هذه المشكلات جدية كما تقول السلطات السورية، أو أنها حسبما يقول الآخرون مجرد ذريعة لتهرب سلطات دمشق من مسؤولياتها وموافقتها غير المشروطة على خطة أنان.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ