ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 06/05/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

10 دقائق في حمص... مدينة بلا سكان

السبت, 05 مايو 2012

الحياة

حمص - رويترز - منازل محترقة ومبان منهارة وشوارع تتناثر فيها الأنقاض والزجاج المحطم وفوارغ القذائف في أحياء حمص المدمرة التي ظلت لشهور الخط الأمامي في الانتفاضة.

وخلال رحلة استغرقت عشر دقائق بالسيارة عبر حي بابا عمرو حين رافق صحافيون مراقبي الهدنة التابعين للأمم المتحدة لم نشاهد سوى امرأتين مسنتين. وتهدمت المباني في الشارع الرئيسي والأزقة القريبة خلال قصف الجيش.

وتمثل حمص ثالث أكبر مدينة سورية مركزاً صناعياً مهماً على الطريق السريع الرئيسي الذي يربط بين الشمال والجنوب قرب الحدود مع لبنان.

وشهدت المدينة والمحافظة التي توجد بها أكبر خسائر في الأرواح خلال الانتفاضة الممتدة منذ 14 شهراً ونزوح عشرات الآلاف.

وفي حي الإنشاءات قالت امرأة إنها عادت إلى المنطقة مع أسرتها الأسبوع الماضي لأنهم لا يستطيعوا الاعتماد على الآخرين في رعايتهم بلا نهاية.

وأضافت: «ماذا بوسعنا أن نفعل غير ذلك؟ الدمار هائل لكننا لا نستطيع أن نستمر في العيش في منازل الناس». وقال جندي عند نقطة تفتيش على مقربة استدعي من مدينة دير الزور في شرق سورية للمساعدة في الحملة على المعارضين إنه فوجئ حين وصل إلى حمص منذ شهر. وأضاف: «فوجئت حين رأيت كل هذا الدمار. شعرت بالأسف على بلدي وأهلي... لكن كل هذا بسبب المسلحين».

في بابا عمرو تشيد عبارات على الجدران في الحي المعارض بالرئيس مثل «بنحبك يا بشار» و «بشار إلى الأبد».

وفي حي الحمراء الذي يوجد به مقر إقامة المحافظ لم تمس المنازل وتزين الزهور والأشجار الشارع.

لكن في حي الخالدية الذي ما زال مسلحو المعارضة يقاتلون فيه قوات الجيش يمكن سماع دوي إطلاق النيران باستمرار فضلاً عن قذائف المورتر وانفجارات قال سكان إنها نيران دبابات.

وينطق كل شيء من المراكز التجارية المحترقة إلى الأضرار التي لحقت بمسجد خالد بن الوليد الرئيسي بالعنف الذي شهدته حمص وفيما انتظر صحافيون انتهاء مراقبي الأمم المتحدة من المحادثات مع ممثلي المعارضة تم نقل جثمان مقاتل لقي حتفه في المحافظة لدفنه وكان ملفوفاً ببطانية مخضبة بالدماء.

وساعد عبد الرزاق طلاس قائد كتيبة الفاروق وهي إحدى وحدات مقاتلي المعارضة الرئيسية في نقل الجثمان وإقامة الجنازة.

وقال غانم (24 سنة): «الناس في حمص لا يتوقعون الكثير من المراقبين. الآن يتحدثون عن الحوار. من قال إننا نريد حوارا... خرجنا الى الشارع لإسقاط بشار الأسد وليس للحديث معه».

وتحدث آخرون غاضبين عن منازلهم التي فقدوها وأقاربهم الذين خسروهم.

وقال محمد عز الدين (62 عاما) إن الجيش أحرق منزله في حي البياضة بحمص مما اضطر اسرته الى التوجه الى دمشق او مغادرة البلاد او الانتقال الى منطقة اخرى من حمص. وأضاف «من الذي سيعوضني وكيف ستعيد الموتى؟». وقال محمود (12 عاما) إن أسرا كثيرة تكدست في أحياء صغيرة وأضاف «في منزلي يعيش تسعة اشخاص ومنزلنا صغير جدا. لا يوجد طعام ولا مياه نظيفة ولا اي شيء. لا توجد متاجر مفتوحة ولا نتناول الا وجبة واحدة في اليوم. انظر حولك كيف يمكن أن نعيش هكذا؟».

=================

الثورة في سورية ... ثورة مضادة

السبت, 05 مايو 2012

طوني فرنسيس *

الحياة

اختلفت مسارات الاوضاع في سورية منذ البداية عن غيرها في بلدان عربية اخرى، فالصراع فيها وعليها لا يشبه ما حصل في ثورة تونس ولا يمت بقرابة الى ثورة مصر، كما انه بعيد من اشكال اخرى من التحولات التي شهدها ويشهدها اكثر من بلد عربي...

لم تكن اطاحة زين العابدين بن علي ثم حسني مبارك مؤامرة اميركية، ولا يبدو ان الغرب كان يستعجل نهاية معمر القذافي. حتى اللحظة الاخيرة كان بن علي يقيم سعيداً في قصر قرطاج، حيث احتفل ب24 سنة على توليه السلطة في حضور ممثلين لكل الأصدقاء، غرباً وشرقاً.

وقبل ايام قليلة من تنحي مبارك، كانت الإدارة الأميركية تميل الى إيجاد تسوية لا تطيح الرجل، اما القذافي فكان منخرطاً مع اصدقائه في بريطانيا في مشروع بناء مسجد ضخم في احدى العواصم الغربية يجذب اليه مناصري «القاعدة» .

لم يفت دمشق ومعسكر «الممانعة»، وهي ركنه العربي، ملاحظة الامر، اعتبرت بسرعة ان ما جرى هزيمة لأميركا، وزاد الركن الاقليمي للمعسكر، إيران، انه اشارة الى «صحوة اسلامية». حتى حينه كانت «الثورات» تضرب في المعسكر الآخر: المغرب، تونس، ليبيا، مصر و... البحرين.

لم يلتفت «الممانعون» الى الدوافع العميقة للانتفاضات: رفض القمع، المطالبة بالحرية، تأمين فرص العمل، اسقاط الدكتاتورية ورفض التوريث... بل ذهبوا الى اختصار تحرك مئات ألوف المواطنين بعنوان لم يرد طوال ايام انتفاضاتهم: رفض السياسة الاميركية.

لا يعني ذلك غياب الهم «الوطني» عن الثورات، لكن الثورات حددت اولوياتها بشكل مختلف عن جدول اولويات الانظمة الي قامت ضدها، والتي مارست القمع والإفقار وفرضت حالات الطوارئ بحجة مواجهة الإمبريالية والصهيونية، فما سقطت الإمبريالية ولا خرجت الشعوب الى مستقبل افضل.

أعطى الممانعون لثورات عرب شمال افريقيا صفات ليست لها. في تبرير لنهجهم السياسي والسلطوي من جهة، وللقول من جهة ثانية إن ثوراتهم منجزة وهي في سبيلها لأن تكون نموذجا يحتذى. تلك هي حالة ايران التي تستند الى تجربتها الثورية قبل33 عاماً، وهذا حال النظام في سورية، الذي يحتفل سنويا بذكرى «ثورة» 8 آذار (مارس)، التي جاءت بحزب البعث الى السلطة. فاذا كانت ثورات الآخرين مصنفة ضمن كاتالوغ معاداة اميركا، ستصبح دمشق وطهران قيادتها حكماً، وعليهما تقع مهمة تشخيص ثورية الثوار او عمالتهم.

في هذا السياق، قد يكون خطأ فادحاً توصيف ما بدأ في سورية في آذار (مارس) 2011 بأنه ثورة منظمة ضد النظام. صحيح ان مبررات الانتفاض على واقع التسلط والقمع والحرمان كانت متوافرة بقوة، إلا أن الاستعدادت السياسية والتنظيمية والقدرات التعبوية كانت غائبة، حتى أن المجلس الوطني للمعارضة لم ينشأ الا بعد شهور.

الأصح القول إن ما جرى في سورية كان معركة استباقية شنها النظام ضد احتمالات انطلاق حملة معارضة شاملة، وضمن هذا المنطق تستمر المعركة منذ 14 شهراً، حادثة درعا كان يمكن استيعابها، يقول كثيرون... ومع استيعابها يرجَأ صِدامٌ أو توضع اسس للانطلاق في عملية إصلاحية جدية. حصل العكس، تحولت درعا الى منصة لمواجهة خطة كونية و «صخرة تتحطم عليها مؤامرات الاستعمار».

هو المنطق نفسه الذي حكم سلوك النظام السوري في لبنان بعد اضطراره الى سحب جيشه منه. فرضت مقتضيات الانسجام مع الثورات العربية ضد «اميركا» ضربة استباقية تمثلت بإطاحة حكومة سعد الحريري لحظة اجتماعه مع «الشيطان الاكبر».

قبل ذلك كان يوم 7 أيار «المجيد» معركة حاسمة لمنع أي وهم لدى فريق «14 آذار» في تثبيت التغيير الحاصل بعد 2005 عبر المؤسسات الدستورية. وربما في سياق مماثل، يصح إدراج معارك البارد وغزة (مع فتح الاسلام ومع اسرائيل) وقبلهما حرب تموز (يوليو)، من دون اغفال الوظيفة الاقليمية والدولية لتلك المحطات.

بديهي ان يلقى رفع مستوى المواجهة الى حدود الصدام مع الغرب وزعيمته واشنطن، صدًى في عواصم لا ترتاح الى الانفراد الغربي في ادارة شؤون العالم. هكذا تحولت موسكو الى مُدافِع متطرف عن النظام في دمشق وعن حليفه في طهران، ولم تنظر الى ما آلت اليه حرب حليفها في درعا التي تحولت الى صدام مفتوح يدفع ثمنه الشعب السوري ويهدد مصير سورية كبلد موحد سيد ومستقل.

لم تنظر موسكو ايضاً الى «مبادرات» صديقها الايراني الاستفزازية تجاه دول الخليج العربي والتي يمكن تصنيفها في خانة الهجمات الاستباقية، وكأن جبهة جديدة قامت ليس فقط في مواجهة ربيع عربي عنوانه الحرية، وانما في مواجهة العرب انفسهم في بلدانهم وثرواتهم ومستقبلهم.

الأكثر تفاؤلاً يقولون بإمكانية تغيير في المشهد انطلاقاً من سورية، استناداً الى خطة كوفي انان، لكن الأكثر تعقلاً يعتبرون ان تلك الخطة لن تكون سوى اداة تستعمل في خدمة النهج اياه، الذي واجه امتعاض الشعب السوري بثورة مضادة.

* صحافي من أسرة «الحياة»

=================

سورية .. وأحذية بوتين الناعمة

عامر أرناؤوط

عكاظ

5-5-2012

عبارة « الضرب بيد من حديد» الصادرة عن وزير الخارجية الروسي لافروف في تصريحه حول ما أسماه واجب الدولة السورية تجاه من نعتهم بالإرهابيين، شكلت استرجاعا لتصريح الرئيس الروسي بوتين بعيد توليه رئاسة الكرملين عقب تنحي الرئيس يلتسين المريض.تصريح ناري لبوتين أتبعه بسحق غروزني واحتلال كامل الشيشان، ومصادرة حرية تقرير المصير في هذا الإقليم ذي الأغلبية الإسلامية مع تسجيل أوسع انتهاك لحقوق الإنسان على مرأى من العالم ومسمعه في الوقت الذي كان الغرب يرغب في حياد الكرملين عن مواجهة أو عرقلة مشروعه المكتسح لمنطقة الشرق الأوسط ما جعل سكوته عن جرائم الكرملين يوازي سكوتها عن الانتهاكات الفاضحة التي صاحبت هذا التمدد في أفغانستان والعراق.المواقف الروسية باتت تشكل غطاء للنظام السوري متيحة له قتل شعبه والتراخي في تطبيق الالتزامات القانونية بما في ذلك التطاول على أعلى رمز يمثل الشرعية الدولية بحسب ما صرح بالأمس نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد الذي شن هجوما لاذعا على الأمين العام للأمم المتحدة مون متهما إياه بالانحياز في إشارة واضحة لاستخفاف الجانب السوري بمبادرة الحل العربية والدولية وذلك بغطاء روسيٍ مريب.ربما نفع بوتين سحق غروزني آنذاك ومصادرة حريتها لكن مراهنته على المنصة السورية ستخيب ولن يطول أمدها.وفي مطلق الأحوال لن يكون قادرا على تكرار الابتزاز مثلما فعل أسلافه في خليج الخنازير في كوبا في إطار حرب روسيا الباردة مع الولايات المتحدة الأمريكية. فسورية ليست كوبا وبوتين بأحذيته الناعمة وصوته الرقيق لن يستطيع إحداث ضجيج في مجلس الأمن كما فعل سلفه خروتشوف بحذائه.فزمن الديكتاتوريات ولى واليوم جاء زمن الشعب الذي سيعلو بأحذيته قصور التسلط، وثكنات القتل والتعذيب والقهر والذي سينتج نظاما يشبهه في حبه للوطن ورغبته الجامحة في التطور والتنمية .وإن غدا لناظره قريب.

=================

سلطة مضطربة ومعارضة مبعثرة

حسين العودات

التاريخ: 05 مايو 2012

البيان

يتساءل السوريون المعتدلون والمتطرفون أنه حتى لو فشلت الثورة، واستطاعت السلطة القضاء عليها، فكيف يمكن أن يحكم رجال السلطة شعباً قتلوا منه وجرحوا وسجنوا الكثيرين، وما زال في زنازينهم الكثيرين، وزاد عدد المهجرين داخلياً من بيوتهم ومدنهم وقراهم إلى بيوت ومدن وقرى أخرى على عشرات الآلاف، فضلاً عن عشرات آلاف اللاجئين في بلدان مجاورة (الأردن، لبنان، تركيا).

إضافة إلى أن الرافضين للنظام السوري يحملون قوات الأمن والقوات المسلحة وزر ومسؤولية نهب عشرات آلاف البيوت والسيارات أو حرقها وتدميرها ويقولون أن المسروقات من كل نوع تباع في شوارع المدن جهاراً نهاراً وبأسعار رمزية).

فكيف بإمكانهم إذن أن يحكموا بلداً أوقعوا فيه كل هذه الكوارث، ثم إنهم، أي أهل السلطة، يتحملون_ حسب رأي المعارضة السورية _ مسؤولية ردود الفعل على سياستهم الأمنية العنفية، التي أخذت نتائجها تظهر منذ الشهر الخامس للثورة، كحمل السلاح، وانشقاق الجيش (وتشكيل ما سمي بالجيش الحر) وعسكرة الصراع.. فهل من عمل هذا، ومازال يعمل مثله، له الرغبة أو القدرة ليستمر في الحكم، وهل لم يبق لديه بعض الحكمة والمحاكمة والتعقل التي تمنعه من تبني مثل هذا الخيار؟.

في الوقت نفسه، كان من الممكن أن تلعب المعارضة السياسية السورية دوراً هاماً، يجعل الخروج من الأزمة وحلها ممكناً، وهو أن تقوم بدور الجسر والإشراف على المرحلة الانتقالية من خلال وحدتها، وقبل ذلك وضع برنامج واضح ومفصل لمواجهة السلطة والنظام الشمولي، بالتنسيق فيما بينها، وبالتفاهم والتعاون (والتلاحم) مع الحراك الشعبي، بما يصل إلى مرحلة تشكيل قيادة موحدة منسجمة، تنسق النضال وأساليبه وحراكه، وتواجه السلطة بالوسائل التي تراها مناسبة، بما يكفل تصدعها وسقوطها، أي أن تمتلك القدرة على إدارة عملية المعارضة وقيادة الثورة. إلا أنه.

وبسبب ظروف عديدة بعضها موضوعي ومعظمها ذاتي، هرب المجلس الوطني السوري (معارضة الخارج) إلى الأمام، واستسهل استدعاء التدخل الأجنبي، الذي كان يعتقد أنه في متناول اليد، وأهمل التنسيق والوحدة مع أطياف المعارضة الأخرى.

ولم يضع برامج سياسية وخططاً بديلة أو موازية لهذا الهدف، واكتفى بشعارات لا يتبناها سياسي حكيم يتصرف بمسؤولية، وكأن شعاره الرئيس (إننا نتبنى شعارات الحراك الشعبي ونمثله) بدلاً من أن يعمل على قيادة هذا الحراك، المظلوم المقموع والمقهور، والذي لا يمكن له أن يضع شعارات تصلح لتكون أساساً لبرامج سياسية، وما أن فشل طلب التدخل الخارجي، حتى تعمقت الخيبة في نفوس جماهير الثائرين.

ولم يجد المجلس الوطني بداً من أن يستسلم لطلبات الآخرين غير السوريين، خاصة وأنهم الممولون، وقادة الدعم السياسي للمجلس، ومالكو وسائل الإعلام التي تشيد به وتكرس وجوده وتضخم دوره، ولذلك لم يستطع المجلس ومؤسساته ومعظم أعضائه سوى الاستجابة لرغبات هؤلاء الداعمين، وهكذا ساهم فعلياً بتدويل الأزمة، ولم يعد للشعب السوري دور في حلها.

ومن طرف آخر، لم تستطع هيئة التنسيق في الداخل (المعارضة الداخلية)، عقد الصلات الجدية مع الحراك الجماهيري، ومع التنسيقيات، وإقناعها أن الأمر ليس أمر شعارات بل موضوع برامج وأساليب نضال، وبقي تاريخ أحزاب هيئة التنسيق العشرة، وآلامها التاريخية تسحقها، حتى كادت أن تلغي فعاليتها، رغم برنامجها السياسي المتوازن الذي استطاع منذ الأيام الأولى لتأسيسها فهم الأزمة، واستيعاب معطياتها، ووضع الإطار العام لمعالجتها، وهكذا كانت هيئة التنسيق أيضاً متواضعة الفعالية والتأثير.

ربما لهذا كله، لم يثق الأمريكيون والأوروبيون وأعوانهم من الدول الأخرى بنجاعة المعارضة السورية (الداخلية والخارجية) وبأنها (ستجلب الترياق من العراق) كما فشلوا في تدبير انقلاب من داخل أهل النظام، يسقط السلطة، ويشرف على المرحلة الانتقالية لتمر بأمان.

و يبدو أنهم يراهنون الآن على أن يستطيع (جيش سوريا الحر) القيام بهذه المهمة، فيوحد أطرافه ويتسلح ويبدأ صراعاً عسكرياً، ويتولى السلطة في المرحلة الانتقالية بعد سقوط النظام، وينحي المعارضة السياسية جانباً على مختلف فصائلها اليسارية والقومية والإسلامية، لتبقى الخيوط بيد الأمريكان والأوروبيين.

بقي أن نشير إلى الرغبات الإسرائيلية، التي تريد قبل أي شيء ضمان قبول النظام السياسي السوري المقبل بما قبل به النظام الحالي، أي أن يستمر الهدوء على حدودها الشمالية، ويغض الطرف عن تحرير الجولان، كما تريد ضماناً آخر هو أن يتم تدمير سوريا (الدولة، والمؤسسات) العسكرية والاقتصادية والاجتماعية نتيجة صراع عسكري بين الجيش النظامي والجيش الحر. كما دُمر العراق ودُمرت ليبيا، على أن لا تقوم لسوريا قائمة خلال عشرات السنين، أي أن لا يتم الاكتفاء بتدمير السلطة الحاكمة فقط.

فهل ستبقى المعارضة السورية متشظية بدون تنسيق جهودها وبدون الاتفاق على برنامج موحد، وامتلاك القدرة على قيادة الشارع، وعلى مصارعة النظام وجهاً لوجه؟ وهل يعود حل الأزمة السورية ليد السوريين بدلاً من التدويل، كما ينبغي أن يكون الحال؟ وهل سيبقى أهل السلطة راكبين رؤوسهم يجرون الأمور للتدويل والتدخل الخارجي بسبب سوء رؤياهم ؟.

إنها تساؤلات، وإن بدت ساذجة، فإن الجواب عليها يشكل إطاراً لأي حل مقبل للأزمة السورية.

=================

العنف في سوريا... متواصل مع وجود المراقبين!

فريق من مراسلي «لوس أنجلوس تايمز» - بيروت

ينشر بترتيب خاص مع خدمة إم سي تي إنترناشيونال

تاريخ النشر: السبت 05 مايو 2012

الاتحاد

على الرغم من وجود قائد بعثة المراقبين التابعين للأمم المتحدة في سوريا، منذ مطلع الأسبوع الماضي، إلا أن الانفجارات والهجمات تواصلت يوم الاثنين الماضي في أماكن ومدن مختلفة من سوريا، وذلك في وقت بدا فيه أن القوات الموالية لبشار الأسد ومجموعات المعارضة مازالت بعيدة عن وقف إطلاق النار بعد مرور 13 شهراً على انطلاق الاحتجاجات الحالية المطالبة بالحرية والديمقراطية وإسقاط النظام.

ففي مدينة إدلب الواقعة شمال البلاد، تسبب انفجار سيارتين مفخختين في وقت مبكر من صباح الاثنين في قتل ثمانية أشخاص على الأقل وجرح أكثر من 100 شخص آخرين، حسب وسائل إعلام رسمية تابعة للدولة ونشطاء. وقد استهدف التفجيران فرع مقر المخابرات الجوية في المدينة ومباني أمنية عسكرية أخرى في الجزء الجنوبي من المدينة الذي تتركز فيه المباني الحكومية، ومن ذلك مقر الأمن العسكري في حي القصور.

وسائل الإعلام التابعة للدولة حصرت حصيلة ضحايا العمليتين في ثمانية قتلى، غير أن النشطاء قالوا إن 20 شخصاً، من بينهم مدنيون وعناصر أمن، قد قضوا في الهجومين.

ولم تتضح بشكل فوري الجهة المسؤولة عن الهجومين. غير أن وسائل الإعلام التابعة للدولة حملت مسؤولية التفجيرين للمجموعات الإرهابية، وهو مصطلح شامل تستعمله الحكومة لوصف المعارضة منذ بدء الانتفاضة ضد الأسد قبل أكثر من عام. هذا في حين حمل العديد من النشطاء الحكومة مسؤولية التفجيرين.

وفي هذا السياق، قال الناشط علاء الدين اليوسف إن التفجيرين وقعا في منطقة تخضع لحراسة مشددة تدعى المربع الأمني، حيث من الصعب على أي شخص دخولها.

ويأتي التفجيران بعد يوم على وصول قائد بعثة المراقبين التابعة للأمم المتحدة، الجنرال النرويجي روبرت مود إلى سوريا. والجدير بالذكر هنا أن الدفعة الأولى من المراقبين التابعين للأمم المتحدة التي توجد في سوريا منذ نحو أسبوعين من المتوقع أن تتعزز بمراقبين جدد بحيث يصل قوامها في الأخير إلى 300 مراقب.

غير أنه في وقت فشل وقف إطلاق النار الذي ينص عليه مخطط سلام عنان في الصمود، يتساءل البعض حول ما إن كان المراقبون سيستطيعون المساعدة على سحب سوريا من شفير حرب أهلية محتملة.

وفي هذا السياق، قال مود للصحفيين في العاصمة السورية دمشق: "إن عدد أعضاء البعثة سيرتفع إلى 300 مراقب فقط، غير أننا نستطيع إحداث فرق"، مضيفاً القول: "إن ثلاثين مراقباً غير مسلح، أو 300 مراقب غير مسلح، أو حتى 1000 مراقب غير مسلح، لا يستطيعون حل كل المشاكل".

وفي إدلب، وقع التفجيران في حوالي الساعة السادسة والنصف صباحاً، بعيد صلاة الفجر، كما أفادت بذلك امرأة من سكان حي في الجزء الشمالي من المدينة، حيث قالت في هذا الصدد: "إننا نسكن بعيداً جداً عن الانفجار ومع ذلك سمعناه بقوة".

ومن جهة أخرى، أفادت الوكالة العربية السورية للأنباء "سانا" بأن مجموعة من المسلحين قامت بمهاجمة البنك المركزي السوري في دمشق بواسطة قاذفات صواريخ محمولة على الكتف، مما تسبب في أضرار طفيفة لحقت بالمبنى. وفي أماكن أخرى من العاصمة، قامت مجموعة مسلحة بمهاجمة دورية إنقاذ بالقرب من أحد المستشفيات بواسطة قاذفة صواريخ محمولة على الكتف، مما أسفر عن جرح أربعة أفراد شرطة، وفق وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا".

وبالمقابل، أعلنت لجان التنسيق المحلية، وهي شبكة تابعة للمعارضة، في بيان صدر عنها أن الهجمات التي وقعت يوم الاثنين، وخلال الأيام السابقة، كانت من تدبير الحكومة، وذلك من أجل صرف الانتباه عن التزامها بمخطط السلام الأممي الذي اقترحه كوفي عنان، مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية المشترك إلى سوريا. ويشار هنا إلى أن المخطط المؤلف من ست نقاط ينص من جملة ما ينص عليه على ضرورة أن تقوم الحكومة بوقف هجماتها على المعارضة وسحب دباباتها وآلياتها الثقيلة من المدن والبلدات، وهو ما لم يحدث حتى الآن.

ويوم الاثنين أيضاً، أعلنت وزارة الداخلية اللبنانية أن رجلاً تعرض لطلق ناري في الكتف من قبل قوات الأمن السورية عندما كان هو ومجموعة من أصدقائه يتزلجون على جبل الشيخ، وقد تم نقل الرجل إلى أحد المستشفيات القريبة في حين تم تسليم أصدقائه إلى الاستخبارات العسكرية اللبنانية، غير أن الوزارة لم توضح ما إن كانوا يخضعون للتحقيق معهم أم لا.

=================

حول حق الشعب السوري في التدخل الإنساني

د. عبدالله تركماني

2012-05-04

القدس العربي

قتلت سلطة الاستبداد، تحت قيادة النظام السوري الحالي وشبيحته، أكثر من اثني عشر ألفاً من السوريين أمام مرأى العالم، واجتاحت مدناً وقرى ودمّرتها على رؤوس ساكنيها، دون أن تجد من يلجمها أو يحد من جرائمها التي فاقت كل تصور. فبالرغم من قراري مجلس الأمن 2042 و2043، فإنّ آلة قتل السلطة ما زالت تحصد الأرواح في مدن وبلدات وقرى عديدة، وقد سقط منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار يوم 12 نيسان/أبريل الماضي أكثر من ألف شهيد.

وعليه، فإنّ أنظار السوريين تتجه إلى الطريقة التي سيتعامل بها المجتمع الدولي مع مأساتهم، فما هو رقم الشهداء السحري الذي سيحرك المجتمع الدولي ويدعوه إلى التدخل الإنساني في سورية ؟

إنّ المبادئ الإنسانية التي تحث على التدخل لا تعدمها سورية: عشرات آلاف القتلى والجرحى والمعتقلين والمفقودين ومئات آلاف النازحين واللاجئين، والحملة العسكرية - الأمنية الشرسة التي دفعت السيد أحمد فوزي، الناطق باسم عنان للقول: ' النظام لا يسعى لإفشال المراقبين فحسب بل وإلى الانتقام من المواطنين الذين يعرضون للمراقبين حقيقة ما يجري '، واحتكار النظام السوري كل أسباب القوة، من جيش وشرطة وأجهزة أمن واستخبارات وشبيحة، مقابل شعب وقف بشجاعة مطالباً بالحرية والكرامة، إلا أنه لا يستطيع بوسائله البسيطة، بما فيها تضحيات أفراد الجيش السوري الحر، دفع جبروت سلطة الاستبداد.

لقد تطورت منظومة الشرعة العالمية لحقوق الإنسان من كون سلطات الدول هي المعنية الوحيدة بما تفعله لمواطنيها إلى أنّ السيادة تفرض مسؤولية هذه السلطات تجاه شعوبها، وحق المجتمع الدولي في مساءلتها عن التزاماتها بالشرعة العالمية لحقوق الإنسان. وشكّل هذا الرصيد المتنامي والمتطور للقانون الإنساني الدولي النواة الأساسية، المعرفية والأخلاقية والإنسانية والعرفية، التي أفسحت في المجال للتدخل الأممي الإنساني في الدول، فيما إذا وقعت جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو جريمة الإبادة الجماعية. بل أنّ هذه المنظومة تطورت نحو إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، على افتراض مؤداه أنّ القادة والمسؤولين الذين يتحملون، بحكم مواقعهم وأدوارهم، مسؤولية ارتكاب جرائم ضد الإنسانية يجب أن لا يفلتوا من العقاب العادل.

إنّ العالم شهد ويشهد تغيّرات مهمة، سواء في بنية النظام الدولي أو إدارته أو أولويات موضوعاته، حيث تجاوزت متطلبات العمل الإنساني القواعد التقليدية، وفي مقدمتها الطبيعة الخيرية للاستجابة الإنسانية. إذ أصبح ممكناً للمجتمع الدولي ممارسة مسؤولياته، التي تقتضي أحياناً تخطي السيادة الوطنية للدول والتدخل في شؤونها عند الحالات الطارئة، سواء تم ذلك عبر فرض العقوبات الدولية، أم عن طريق استخدام القوة في أسوأ الحالات، بهدف إنقاذ حياة المواطنين.

وفي الواقع لم يعد من الممكن التمييز الكلي بين الداخلي والخارجي، بين الوطني والعالمي، بسبب ثورة الاتصالات وتشابك المصالح والمشتركات الإنسانية، وإذا لم يعد من الممكن التعامل مع الدولة حسب نموذج 'الصندوق المقفل' لأنه لم يعد مقفلاً على صعيد الواقع فإنه أيضاً ليس من الممكن فتح الدولة كلياً للخارج، مما يفترض تحديد شروط التدخل وكيفية تنفيذه، مثل تحديد ما يعتبر 'صاعق التفجير' للتدخل أو لحظة حتمية اللجوء إليه، ومثل اعتماد مقاربة تدريجية لمحاولة إحداث تسوية للأزمة لتلافي التدخل المباشر. وفي حال الفشل في ذلك تحديد الطرف الذي يقوم بالتدخل، إذ من المفترض أن تكون الأمم المتحدة بقوات سلام أممية، أو من خلال إعطائها غطاءً شرعياً لمؤسسة دولية للقيام بذلك، شريطة أن يتم تحت مظلتها وأن تقود هي التدخل.

ويعكس المشهد الإنساني الراهن عدة عناصر من أهمها:

(1) - حق المساعدة الإنسانية، من كونها استجابة خيرية تحكم علاقات الأطراف إلى حق للضحايا في تلقي المساعدات الإنسانية. وأعتقد بأنّ النظر إلى المساعدات الإنسانية على أنها حق يلغي تقديرات الاستجابة الطوعية ويزيل عوائق وصول المساعدات للضحايا التي قد تضعها السلطات لأي سبب من الأسباب.

(2) - حق التواجد الإنساني، إذ يبدو واضحاً أنّ تسييس العمل الإنساني يعبر عن المشهد الراهن لتدخل بعض الدول لإيصال المساعدات الإنسانية، وإن تم ذلك باستخدام القوة. في حين اختبأت دول أخرى وراء ستار السيادة لمنع وصول المساعدات وفي بعض الأوقات ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، كما هو الحال في سورية منذ آذار/مارس 2011.

وهكذا، يقتضي التدخل الإنساني إمكانية تقديم المساعدة الإنسانية ولو بوسائل عسكرية إذا استدعى الأمر ذلك، عبر مناطق وممرات آمنة، من أجل إغاثة السكان ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، دون الحصول بالضرورة على موافقة الدولة المعنية. ولاشك أنّ المفهوم واجه - منذ البداية - عاصفة من التشكيك والانتقاد ما فتئت تتصاعد، خصوصاً مع تكريس طابع الانتقائية والتسييس لبعض العمليات التي تمت تحت شعار الديمقراطية والتدخل الإنساني منذ بداية تسعينيات القرن الماضي وحتى الآن.

ففي 11 أيار/مايو 1993 تم التوقيع على خطة سلام تهدف إلى إنهاء الحرب البوسنية المشتعلة في وسط أوروبا، وحسب الخطة كان يتعين على صرب البوسنة وقف قصفهم لسراييفو، حيث يقاسي المسلمون البوسنيون من حصار امتد لسنة كاملة، وكانت الفكرة الداعمة لإمكانية نجاح الخطة هي احتمال تدخل القوى الغربية عسكرياً لضمان تطبيق وقف إطلاق النار. ولم تحدث النقلة النوعية إلا في تموز/يوليو 1995 عندما قتل صرب البوسنة أكثر من سبعة آلاف مسلم في سيبرينتشا، وهي اللحظة التي قرر فيها الغرب التحرك لوقف المجازر، فاستخدم حلف شمال الأطلسي سلاح الجو لوقف هجمات الصرب على سراييفو. وبحلول كانون الأول/ديسمبر 1995 كان حوالي 60 ألف جندي من قوات 'الناتو' يشقون طريقهم في اتجاه البوسنة لتطبيق اتفاق السلام. وبحساب الكلفة البشرية خسر مسلمو البوسنة الآلاف من الأبرياء، ما بين عامي 1993 و1995.

ومن جهة أخرى، هناك جرائم دولية حددتها النصوص والمعاهدات والاتفاقيات الدولية كجرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية، ووضعت قواعد خاصة بشأنها كمبدأ المساواة بين المساهمين لناحية المسؤولية الجزائية وعدم خضوع جرائمهم لمرور الزمن وعدم إفلات المسؤولين من العقاب، مهما علت وظيفتهم في الدولة، وعدم سريان الحصانات الدبلوماسية بحقهم (الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش ومعاوناه كاراديتش وميلاديتش)، والحال فإنّ ما يحصل في سورية من أعمال وحشية ترقى إلى مصاف جرائم ضد الإنسانية، من شأنها أن تضع النظام السوري وبطانته في مرمى العدالة الدولية، وفي يوم ليس ببعيد.

والأسئلة التي تطرح نفسها هنا هي: هل سيستطيع الشعب السوري الأعزل وحده إيقاف جرائم سلطة استبداد النظام السوري وشبيحته، أم أنه سيحتاج إلى الدعم الدولي، وما هو دور هذا الدعم وحدوده ؟ ألم يصل المجتمع الدولي بعد إلى أنّ خريطة طريق المبعوث الدولي العربي كوفي عنان، بما فيها المراقبين الدوليين الذين لم يستطيعوا حماية الشعب السوري، بل أنّ عدد القتلى قد وصل إلى ما يزيد عن 1000 شهيد بالرغم من وجودهم؟ وهل يتوجب على السوريين، الذين يحتاجون لمؤازرة الأسرة الدولية للانعتاق من قهر سلطتهم الفاسدة أن يدفعوا ثمن تلك المساندة وفق تسعيرة تفرضها شروط المصالح الدولية والإقليمية؟

ومع أنّ نتائج التدخل الإنساني قد لا تكون مثالية في جميع الأحوال، إلا أنها ساهمت في إنقاذ حياة الناس وهيأت الظروف للوصول إلى تسوية سياسية. وهذه هي الرؤية التي يتعين استحضارها في الحالة السورية المستمرة منذ أكثر من ثلاثة عشر شهراً، بعد أن شكل التضارب في المصالح الإقليمية والدولية نقطة الإنقاذ الأساسية لسلطة الاستبداد.

إنّ الأثر الأكثر تشاؤماً، الذي تركته لا مبالاة القوى الإقليمية والدولية الفاعلة أمام المأساة السورية، هو شعور السوريين بالمرارة، التي قد تدفعهم لتقبل مساعدة الجماعات الجهادية التي تبحث لنفسها عن قضية وأرض وشعب لقيادة المعارك، مما قد يؤسس لنوع من الانكفاء على الذات ورفض العرب والعالم ومخاصمتهم، في عصر سمته الأساس هي الانفتاح والشراكات الإقليمية والدولية.

=================

أعرب روسيّا سوريّاً

السبت, 05 مايو 2012

حازم صاغيّة

الحياة

الدور الروسيّ في المنطقة، وتحديداً في سوريّة، نذير شؤم مؤكّد. والشؤم يكون أكبر كلّما كان الدور الروسيّ أكبر. فهذا «الحوار» الذي تريد موسكو أن ترعاه، والذي يعوّل عليه خليط من أتباع النظام السوريّ ومن البسطاء والسذّج ومن الذين يُتعبهم طول الطريق، هو نقطة تتقاطع عندها تيّارات سيّئة فينا وفي روسيّا، معلنةً حجم الانسدادات والاخفاقات في الطرفين.

والحال أنّ تضخّم هذا الدور يشي بأنّ الغرب غير جاهز وغير مستعدّ ل «التورّط» ضدّ الحاكم السوريّ أو سواه من حكّام تلفظهم شعوبهم. وهذا إذا ما تعدّدت أسبابه، وفي عدادها الانتخابات الأميركيّة والتوجّهات الإسرائيليّة، فإنّه يبقى شهادة على ضعف النظام الدوليّ وعلى ارتباكه. فإذا ما أتاحت نهاية الحرب الباردة، المصحوبة بتصدّع روسيّ، أعمال تدخّل إنسانيّ تجرّأت على مبدأ «السيادة الوطنيّة»، فإنّ الصحوة الروسيّة على يد فلاديمير بوتين كانت صحوة للسيادات الاستبداديّة المسمّاة تزويراً وطنيّةً. وحين يطرح الغرب علامات تعبه واستكانته أمام تلك السيادات الجائرة يكون هذا خبراً سيّئاً للعالم كلّه ولمسائل الحرّيّة والتقدّم فيه.

وتضخّم الدور الروسيّ يشي أيضاً بأنّ النظام السوريّ فقد مناعاته الداخليّة تماماً، إلاّ أنّه يشير أيضاً إلى أنّ المجتمع لا يزال عاجزاً عن حسم الصراع معه وعن وقف قدرته على ممارسة البطش الخالص. مثل هذا التوازن، مع اختلافات كبرى بالطبع، سبق أن خبرته سوريّة أواسط الخمسينات: آنذاك كان الدخول الروسيّ إليها، من باب التسلّح، مقدّمة لدخولها في مجهول لم تخرج منه إلاّ بوحدة 1958 التي أزالت وجودها كدولة وطنيّة. وأيضاً مع الاختلافات، يمكن أن نضع اليوم إيران الخمينيّة حيث حلّت آنذاك مصر الناصريّة.

ويشي تضخّم الدور الروسيّ برغبة مخيفة لا تبعث إلاّ على التشاؤم، هي أن يغدو الطرف الأقوى في تقرير مستقبل المنطقة أقلّ قوى العالم تقدّماً وأقلّها ديموقراطيّة، بل أقلّها قوّة بالمعنى المتكامل لكلمة «قوّة». وهذا، إذا ما كُتب له التحقّق، يعني ربط سوريّة، ومن ورائها المشرق العربيّ، ببلد معاق في تطوّره السياسيّ، آلت إعاقته هذه إلى مسخ اشتراكيّته لتصير ستالينيّة، ثمّ مسخ ليبراليّته لتصير يلتسنيّة، قبل أن تستقرّ الأمور فيه على نظام بوتينيّ مهجّن.

ولأنّه نظام معاق، فإنّ الصلة به لا تؤول إلاّ إلى تحكيم الجيوش، مرّة أخرى، في مصائر شعوبنا. ذاك أنّ الجيوش هي الفئة الاجتماعيّة الوحيدة التي تجيد روسيا التعاطي معها، ليس فقط لعجزها عن إنتاج نظام ديموقراطيّ يتفاهم مع مدنيّين، بل أيضاً لبراعتها في إنتاج السلاح سلعةً وحيدة للتصدير الخارجيّ. وهذا يعني، بين ما يعنيه، أنّ ازدهار الصلة بروسيا ازدهار للاستبداد الداخليّ من جهة، ولقضايا التوتّر الإقليميّ الدائم من جهة أخرى. فالحياة الطبيعيّة تقود حكماً إلى الغرب، فيما القضايا المنفوخة، التي يراد إحياؤها اصطناعيّاً إلى ما لا نهاية، فتقود إلى موسكو.

... أغلب الظنّ أنّ الشعب السوريّ إذ يمضي في إسقاط نظامه، يكون يعلن إسقاطه الخيار الروسيّ وإسقاطه روسيّا كخيار له.

=================

أدوات قديمة لا تصنع جديدا

منذر خدام

الشرق الاوسط

5-5-2012

كثرت في بداية عهد بشار الأسد مساعي السوريين لتأسيس أحزاب سياسية، بحيث تجاوز عدد الأحزاب الليبرالية وشبه الليبرالية منها العشرين حزبا. وإذا ما أضيف إليها ثلاثة عشر حزبا كرديا، والأحزاب الخمسة المنضوية في إطار التجمع الوطني الديمقراطي، وحزب العمل الشيوعي، وتيار قاسيون، والمنظمة الآشورية، وثلاثة فصائل (أحزاب) للقومي السوري الاجتماعي، إلى جانب الأحزاب المنضوية في إطار الجبهة الوطنية التقدمية، يمكن القول: إن في سوريا تعددية حزبية، يدل عليها وجود أكثر من خمسين حزبا سياسيا، ومنذ بداية ثورة الشعب السوري من أجل حريته وكرامته وبناء نظام سياسي ديمقراطي تسارعت عملية تشكيل الأحزاب بحيث تجاوز عددها اليوم المائة حزب. بعضها جاء تشكيله بدافع من الانتفاضة، وبعضها الآخر جاء بتحفيز من قانون الأحزاب الذي أصدرته السلطة السورية، أو بتحفيز وتشجيع ودعم مباشر من السلطة ذاتها، وذلك من أجل إعطاء صورة موحية بأنها تجاوزت مسألة الحزب القائد في المجتمع والدولة باتجاه تعددية حزبية وسياسية نص عليها دستورها الجديد. إن عودة الروح السياسية للمجتمع بدافع من الانتفاضة كان أمرا متوقعا، ويمكن تفهمه في مجتمع حرم لعقود طويلة من ممارسة حياة سياسية طبيعية.

من جانب آخر، فإن هذه الأحزاب السياسية المعلنة في سوريا، رغم كثرتها، لا تؤشر إلى حياة سياسية طبيعية في سوريا، أو إلى سياق معين ليصيرها كذلك، بل إلى مزيد من التشويه سوف يتكشف أكثر فأكثر بعد انتصار الثورة وذلك عندما يتسارع تشكيل الأحزاب الأهلية والإقوامية والجهوية وتراجع الأحزاب الوطنية الجامعة. بطبيعة الحال أسباب ذلك كثيرة، بعضها يعود إلى أثر الاستبداد المزمن في تكوين شخصية المواطن السوري، وبعضها الآخر يعود إلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية المحيطة بحياة السوريين، التي حولتهم إلى كائنات غير سياسية، حدود اهتماماتها يرسمها البيولوجي بما هو بحث عن مقومات الوجود، بالمعنى المباشر للكلمة، ولا يخفى دور الفساد المعمم في ذلك، بما رسخه من قيم وسلوك في حياة الناس. تفتقر الأحزاب السياسية في سوريا إلى الجماهير. إنها أقرب إلى التشكيلات الفوقية النخبوية، لا فرق في ذلك بين أحزاب السلطة وأحزاب المعارضة، ولا يشذ عن ذلك حتى حزب البعث بمنتسبيه الذين يقارب عددهم المليوني عضو، لقد برهنت الثورة على أنهم أرقام دفترية فحسب، سرعان ما كشفت الثورة عن عدم جدواهم في الدفاع عن حزبهم وسلطته، بل انقلبوا عليه ليشكلوا قوة من قوى الثورة الميدانية في أكثر من مكان.

وهي أيضا، في غالبها الأعم، أحزاب تناسلت بعضها من بعض، فتلك التي في السلطة لها مثيلات في المعارضة، لا تكاد تختلف عنها كثيرا، ربما إلا من حيث مصالح ومزاج الأشخاص الواقفين عليها. الأحزاب في سوريا أحزاب استبدالية تتحدد سلبا بعضها ببعض الآخر، وحتى الأحزاب التي تدعي العلمانية والليبرالية لا تشذ عن ذلك، بل إن بعضها (الليبراليون الجدد) يكاد يكون أكثر تطرفا في تحدده السلبي بدلالة الأحزاب الأخرى المختلفة عنها.

ورغم صخبها الديمقراطي، فإن الأحزاب السياسية في سوريا هي أحزاب غير ديمقراطية، لأن من تصير في ظروف غير ديمقراطية لا يمكن أن يكون ديمقراطيا، خصوصا أن كابوس الاستبداد لا يزال يملأ جميع مسام الحياة الاجتماعية في سوريا. واقع الحال يشير إلى أن الأحزاب في سوريا هي أقرب إلى الأخويات التي تجمعها طقوس السرية، أو طقوس الخطاب السياسي بمفرداته الخشبية التي تدل عليه ويعرف من خلالها. الحقيقة بالنسبة للخطاب الطقوسي دائما كاملة، فهي مسطرته التي يقيس بها مواقف الآخرين، والتي يحدد بالقياس إليها علاقاته الممكنة مع غيره من الأحزاب، أو القوى والشخصيات العامة، هذا يعني أن الخطاب السياسي في سوريا لا يزال محكوما بثنائية الأبيض والأسود، ويرفض منطق المساومات والحلول الوسط.

إن العقل المنتج لهذا الخطاب هو عقل ديني طقوسي بامتياز، لا يستطيع التفريق بين ما هو ممكن نظريا وما هو ممكن عمليا، يتوهم أن ممكناته دائما عملية وواقعية، وممكنات الآخرين نظرية، بل خاطئة أيضا. وبصفته هذه فهو عقل تكفيري بالضرورة، يقف في مواجهة الآخر بصفته مبشرا وهاديا، أو نافيا له، لا بصفته طرفا في علاقة حوارية، يبحث عن فسحة رمادية للتلاقي. وهذا يفسر عجز القوى السياسية السورية عن التلاقي والعمل المشترك، في إطار حركة عامة، أو تيار أو جبهة. في الواقع هذه المفاهيم الأخيرة لا تزال غريبة عن العقل السياسي السوري، أو ليست متأصلة لديه.

من المؤسف حقا أن القوى السياسية المعارضة رغم حاجة الثورة السورية إلى من يمثلها في الحقل السياسي ويعبر عن مطالبها فإنها بقيت متمسكة بتخوم تمايزها التي نسجتها مخيلتها، وهي بذلك قدمت خدمات موضوعية للنظام الاستبدادي السوري. واليوم وأمام استحقاق اجتماعها القادم في القاهرة فإنها مطالبة بتجاوز تخوم وهمها، وأن تنتقل من وضعية ادعاء التمثيل وتقديم المطالب للآخرين، إلى وضعية تقديم الحلول والعمل المشترك عليها، سواء في مواجهة السلطة، أو من أجل تكريس وعي ديمقراطي بها، يمهد لاستجماع القوى المجتمعية حولها، لممارسة مزيد من الضغوط لإسقاط النظام وإنجاز التحولات المطلوبة من وضعية الدولة الأمنية إلى وضعية الدولة الديمقراطية.

لقد ذكر نبيل العربي في أحد لقاءاته مع معارضين سوريين أن أكثر من ثمانين تشكيلا سياسيا سوريا معارضا تقدم إليه بادعاء تمثيل الحراك الشعبي وثورته، وإذا أضيف إليهم دكاكين المثقفين تصير اللوحة شديدة التعقيد، في هكذا وضعية يصير الرهان على نجاح مؤتمر المعارضة السورية في القاهرة الذي دعت إليه جامعة الدول العربية أقرب إلى الخسارة. ومع أن هناك محاولات جادة، من حيث الشكل على الأقل، أو لنقل من حيث توفر النية، للخروج من هذه الوضعية الآسنة للقوى السياسية المعارضة، يمكن ملاحظتها عند هذا الحزب أو ذاك، أو لدى تجمع هنا أو تجمع هناك، إلا أن القضية بمجملها لم تخرج عن الإطار النخبوي العام. إن الأحزاب السياسية المعارضة في سوريا محكومة بالتجاوز، إنها أدوات قديمة لا تصلح لصنع جديد.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ