ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 29/04/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

النظام السوري... بين بان وأنان

خيرالله خيرالله

الرأي العام

28-4-2012

بقرار من المجتمع الدولي، سيزيد عدد المراقبين الدوليين في سورية ليصل الى ثلاثمئة مراقب. اتخذ القرار مجلس الامن التابع للامم المتحدة باجماع الاعضاء. ما يؤكده القرار ان ثمة حسنات كثيرة للخطة التي طرحها كوفي انان المبعوث الدولي والعربي المكلف معالجة الازمة السورية. الاكيد ان من بين هذه الحسنات السعي الى وقف اراقة الدماء في بلد يؤمن النظام فيه بانّ لا خيارات امامه منذ اليوم الاول لوصوله الى السلطة قبل اثنين واربعين عاما سوى الغاء الآخر جسديا، بما في ذلك الشعب السوري. ولكن تبقى الحسنة الاهمّ. تتمثّل هذه الحسنة في ان العالم يكتشف اخيرا، مع بعض العرب وغير العرب طبعا، ما هو هذا النظام السوري وما هي طبيعته الحقيقية.

ما الذي يترتب على هذا الاكتشاف؟ يترتب اوّلا الاعتراف بان النظام السوري غير قابل للاصلاح لا اليوم ولا غدا ولا بعد غد، وان لا مفرّ من مرحلة انتقالية تبدأ بتسليم الرئيس بشّار الاسد السلطة. تمهّد تلك المرحلة، او هكذا يفترض، لعودة الديموقراطية والحياة السياسية والاقتصادية الطبيعية الى بلد مهدد بالتفتت وبحرب اهلية تطلّ برأسها بين حين وآخر.

الاهمّ من ذلك كلّه، ان اكتشاف طبيعة النظام السوري تعني ان ليس في استطاعة النظام تنفيذ خطة انان، اقله لسبب واحد. يتمثل هذا السبب في عدم قدرة النظام على سحب قواته و«شبيحته» من المدن السورية. لذلك، لا امل يرجى من خطة الأمين العام السابق للامم المتحدة، الذي اصبح مبعوثا دوليا وعربيا. فأنان يعرف قبل غيره ما هو النظام السوري وكيف يتصرّف مع القرارات الدولية ومع جيرانه. واذا كان انان في حاجة الى من ينعش ذاكرته، فانّ بان كي مون الأمين العام الحالي للمنظمة الدولية يستطيع التكفّل بذلك.

ليس لدى النظام السوري ما يقدّمه لا لشعبه ولا لجيرانه العرب، على رأسهم لبنان او تركيا، لا شكّ ان الاردن اوّل من يعرف ذلك بعدما عانى طويلا من تصرّفات نظام كان لا بدّ من ردعه بين حين وآخر وافهامه اين عليه ان يتوقّف عند حدود معيّنة، اكان ذلك في عهد الملك الحسين، رحمه الله، او الملك عبدالله الثاني. كم يتذكّر رفض ترسيم الحدود بين البلدين؟ من يتذكّر حشد القوات السورية على الحدود الاردنية في مناسبة انعقاد القمة العربية في عمّان في العام 1980 من القرن الماضي؟

اكتشف الاتراك متأخرين ما اكتشفه اللبنانيون والاردنيون منذ زمن. اكتشفوا ان لا امل من النظام وان كلّ همه محصور في البحث عن غطاء، اي غطاء، له في عملية القمع والقهر التي يمارسها في حق ابناء شعبه. اما انان، فانه يعرف منذ السنة 2000 بالتأكيد، وربما قبل ذلك ان لا امل يرجى من النظام السوري الذي لا يمتلك سياسة اخرى غير الابتزاز.

في السنة 2000، انسحبت اسرائيل من جنوب لبنان تنفيذا للقرار الرقم 425 الصادر عن مجلس الامن التابع للامم المتحدة في العام 1978. حسنا، نفّذت اسرائيل القرار اخيرا لاسباب مرتبطة باستراتيجية خاصة بها ذات علاقة بالقضية الفلسطينية ومنع ياسر عرفات، رحمه الله، من اتخاذ مواقف مرنة تستجيب مع تطلعات الادارة الاميركية وقتذاك.

صدر موقف عن مجلس الامن باجماع الاعضاء يؤكد ان اسرائيل نفّذت القرار 425. ماذا فعل النظام السوري الراغب في ابقاء جبهة جنوب لبنان مفتوحة والمتاجرة باللبنانيين واهل الجنوب تحديدا؟ اخترع ما يسمّى قضية مزارع شبعا المحتلة منذ العام 1967، وهي أرض لبنانية اصلا، اقلّه في معظمها، لكنها خاضعة للقرار 242. لقد احتلت القوات السورية تلك الارض في العام 1956 وخسرتها في 1967. الى الآن، لا تزال ترفض توجيه رسالة الى الامم المتحدة تؤكد لبنانية الارض كي يسهل على لبنان استعادتها عبر الامم المتحدة. يعرف انان ذلك جيّدا ويعرف ما هو النظام السوري وكيف تعاطى مع الامم المتحدة ومجلس الامن عندما كان في موقع الأمين العام للمنظمة الدولية.

لم يتغيّر شيء في تصرفات النظام السوري. قبل ايّام قليلة، صدر عن بان كي مون الامين العام الحالي للامم المتحدة تقرير في غاية الاهمية عن تنفيذ القرار الرقم 1559 الصادر عن مجلس الامن في السنة 2004. الى الآن، لا يزال النظام السوري يتجاهل الجانب الذي يخصه من القرار. في مرحلة معيّنة، بدأ يقول انه نفّذ الجانب المتعلق به عندما انسحب عسكريا من لبنان. نسي انه لم ينسحب الاّ تحت ضغط اللبنانيين الذين انتفضوا، باكثريتهم الساحقة، في وجه الاحتلال والوصاية بعد اغتيال رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط- فبراير 2005.

لم تنطل الاعيب النظام السوري على الامين العام الحالي للامم المتحدة. اشار بوضوح في تقريره نصف السنوي عن تنفيذ القرار 1559 الى استمرار تدفق السلاح من سورية الى لبنان وتمسك النظام السوري باقامة قواعد لفلسطينيين تابعين له في الاراضي اللبنانية. فوق ذلك كلّه، هناك رفض سوري لتحديد الحدود مع لبنان وترسيمها.

يستبيح النظام السوري حرمة القرى والبلدات والمدن السورية ويستبيح سيادة لبنان. انان يعرف ذلك. كذلك بان. انهما يعرفان، تماما، مثلما يعرف اللبنانيون، ان الهدف الوحيد للنظام السوري كسب الوقت. لذلك، ليست خطة انان سوى مرحلة لا بدّ منها في انتظار اليوم الذي يتخّذ المجتمع الدولي قراره بالانتهاء من النظام بطريقة او باخرى.

الامل كبير بألا تطول اضاعة الوقت نظرا الى انّ كلّ يوم يمر يعني مزيدا من الدماء السورية تهرق على يد نظام يعتقد ان المخرج الوحيد الباقي امامه يتمثل في ازالة مدينة مهمّة اسمها حمص من الوجود!

كاتب لبناني مقيم في لندن

=================

غليون والحل على الطريقة اليابانية

عامر أرناؤوط

عكاظ

28-4-2012

أعاد استقبال وزير الخارجية المصري محمد كامل عمر للسيد برهان غليون رئيس المجلس الوطني السوري المعارض في القاهرة، الأمل باستعادة مصر لعافيتها واضطلاعها بدورها التاريخي العروبي اللافت. اللقاء الذي جاء في إطار الجهد المصري لحث المعارضة السورية على توحيد صفوفها والانتظام في كيان مشترك ربما يخرج خلافا لكل ما سبقه بنتائج مضمونة تؤيد الاتجاه نحو ترتيب أجندة المعارضة وإدخالها ولو قسرا في حوار جدي حول إقرار الورقة السياسية الجامعة لها، والاتفاق نهائيا على عناوين المرحلة الانتقالية التي باتت ضرورية في زحمة المشاريع القادمة على المشهد السوري الملتهب. ولعل النقطة الأهم اليوم ليس انتظار مراقبين إضافيين من عدمه، بل التركيز على ترتيب البيت السياسي السوري البديل الذي يحاول النظام عبر تصعيده المستمر، ومراوغته المتتالية إلهاء العالم فضلا عن السوريين عن ضرورة ولوج هذا الاستحقاق المصيري والاستراتيجي الذي يثير تساؤلات العالم بإزاء نظام عربي أساسي يقع في منطقة استراتجية بالغة التعقيد يحوطها التجاذب والفعل السياسيان، بل ربما لا نبالغ إن تحدثنا عن تداعيات سقوط آخر أحجار النظام السياسي العربي البائد الذي أقام حكمه على البطش والقوة والكذب والخديعة وانتهاك حقوق الإنسان والاستخفاف بالشعب قدرا وقيمة وقدرة فاتحا الباب لتعديلات جوهرية في الشكل السياسي للنظام العربي. النظام السوري يحمل آخر أوراق التوت يحاول أن يخفي بها سوءة وعيوب العقود الماضية يحميه ويطيل بقاءه فيها نظامان قاما على فكرة القتل وانتهاك حقوق الإنسان روسيا والصين وبعض قليل ممن ارتبطت مصالحه بهذا النظام أو أنه ما زال أسير خداع ممجوج تجاوزه.

=================

الفصل السابع.. لحظة الحقيقة في سورية

علي عانوتي

عكاظ

28-4-2012

«لحظة الحقيقة ستحل في الخامس من مايو».

اختار وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه الاستراتيجية الفرنسية لا، بل الأوروبية والغربية جمعاء تجاه الأزمة السورية، ومبادرة المبعوث الدولي والعربي عنان. لقد وضع رئيس الدبلوماسية الفرنسية خط الوصول للسباق الذي يخوضه عنان ما بين دمشق والعواصم الداعمة لها من موسكو إلى طهران وبينهما بكين، هو خط وصول لتحرك أكثر المتفائلين به لا يرون فرصا كبيرة بالنجاح، فالكل مقتنع أن نظام بشار الأسد لا يملك القدرة ولا الرغبة على ولوج طريق الحل، فهو غير قادر على ذلك لأن ماكينة النظام اعتراها الصدأ، وغير قادرة على التكيف مع مفردات جديدة تبدأ من حقوق الإنسان وتمر بالحوار وتنتهي بإطلاق المعتقلين، ماكينة مفرداتها محدودة ولونها أحمر وأسود تحدث عن القتل والقمع والتهجير والذل والقصف والقنص، مفردات فعلها المعجمي اسم «الدماء». كما أن هذا النظام لا يمتلك الرغبة أيضا لأنه يدرك هو وحلفاؤه أن كل المسارات تؤدي إلى نتيجة واحدة هي «التغيير» هو تغيير حتمي بناء على إرادة الشعب السوري الذي قدم وما زال منذ ما يزيد على السنة التضحيات الكبيرة من أجل تحقيق هذه الإرادة.

على خلفية كل هذا، فإن جوبيه أشار بقوة إلى قرار جديد عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع، وهذه الإشارة تقرأ عبر مسارين، بداية أنها جاءت بعد استقباله ثلاث سيدات سوريات ناشطات في الحراك الشعبي السوري وهن (سهير الأتاسي ريما فليحان سمر يزبك) وعبرهن ترسم صورة المجتمع السوري بتنوعه الثقافي والديني، وسلمية ثورته وحراكها الشعبي وكأن بالوزير جوبيه يقول إن الفصل السابع هو خيار الشعب السوري، كما أن إشارة جوبيه للفصل السابع مجددا تأتي هذه المرة مع نجاح المبعوث الدولي والعربي كوفي عنان في توحيد مجلس الأمن نسبيا حول الأزمة السورية، توحيد لا يمكن عبره إلا قراءة التغيير الملموس في الموقف الصيني تجاه ما يحصل والتغيير البسيط الذي أصاب الموقف الروسي.

=================

الأزمة السورية والقراءات الخاطئة

حسين العودات

التاريخ: 28 أبريل 2012

البيان

يبدو أن من أطلق صفة (سلطة إضاعة الفرص) على السلطة السورية لم يكن مخطئاً، فقد أضاعت هذه السلطة خلال اثني عشر شهراً من انطلاقة الحراك الشعبي ثم الثورة عديداً من الفرص، وسيطرت مبكراً على سياستها وسياسييها أفكار وآراء مسبقة وغير واقعية ولا صحيحة ولا تصلح لمعالجة بداية أزمة واضحة الخطورة منذ يومها الأول. فبدلاً من أن تنتبه السلطة إلى أن هذه الانطلاقة أتت في إطار حراك عربي شامل، وبعد سقوط نظامين سياسيين في تونس ومصر وبدء الثورة على نظامين آخرين هما ليبيا واليمن، وبدلاً من أن تدرك أنها نتاج شرط موضوعي لا ينبغي معالجته بخفة واستخفاف، قالت عن الحراك منذ الساعات الأولى، أنه من فعل مندسين، وعصابات ومتمردين، ومتآمرين، ومدفوع بقوى أجنبية.

وبالتالي، فإن الرد عليه كان حسب رأي السلطة ليس بدراسة دوافعه الحقيقية، وتفعيل الحوار بين السلطة وأطرافه، وإنما يكون بالرد بالقمع (والقتل والقضاء على التمرد والتآمر وغير ذلك وهذا ما فعلته)، ولذلك استخدمت منذ اليوم الثاني أو الثالث لانطلاقة الحراك، آلة القمع المسلحة، وفتحت الطريق للحل الأمني من أوسع أبوابه، لأن الفاعل الأساس في اتخاذ القرار كان أجهزة الأمن الأثيرة لديها أساليب القمع، ورغم أن معظم الأحزاب المعارضة والشخصيات الوطنية السورية والمحللين السياسيين أشاروا بوضوح إلى أن الأمر ليس تمرداً ولا من فعل مندسين أو مؤامرة خارجية وإنما هو تعبير عن أزمة سياسية اقتصادية اجتماعية في النظام السياسي بل وفي المجتمع.

ويحتاج علاجه إلى عقد مؤتمر وطني يضم كافة فئات الشعب السياسية والاقتصادية والاجتماعية وقواه الحية ومؤسساته الأهلية والمدنية وأحزابه السرية والعلنية وغيرها، باعتبار أن هذا المؤتمر هو الطريق الوحيدة لتشخيص أسباب الأزمة واقتراح الحلول، لكن التمسك بالسلطة والجشع وقصر النظر السياسي وعدم الشعور بالمسؤولية الوطنية، والجهل والأمية السياسية لدى بعض أهل السلطة ومستشاريهم، ونقص خبرتهم، واستسهالهم للحل الأمني.

وغير ذلك، جعل السلطة لا ترى الأزمة ولا أسبابها ولا تتلمس حلولها، بل زاد الطين بلة، أنها أوحت بوجود دوافع طائفية وراءها، في الوقت الذي كان فيه الحراك الشعبي يهتف (واحد واحد واحد الشعب السوري واحد) فضلاً عن اعتقادها بوجود أسباب اقتصادية دون غيرها، فزادت الرواتب ووعدت (بمكرمات) جديدة، لكن الرد الشعبي كان حاسماً ورافضاً لكل هذه التفسيرات والحلول.

المدقق بشعارات شرارة الانتفاضة الأولى يلاحظ أنها كانت بسيطة، وتنم بوضوح عن العفوية وعدم وجود برنامج سياسي شامل ومتكامل لدى المنتفضين، وأنها لم تقطع مع النظام أو ترفضه مسبقاً، بل كانت موجهة أساساً ضد الفساد والقمع والقهر والإذلال وأجهزة الأمن (نادت بالكرامة كهدف رئيس) إلا أن تجاهل السلطة، واتهاماتها، وإصرارها على وجود عصابات مسلحة (حيث أكدت وسائل إعلامها وجود أسلحة في الجامع العمري بدرعا وعرضتها بواسطة التلفزيون)، وقد دهش أهل درعا من هذه التهم، فرفعوا مستوى شعاراتهم وبدأ تسييس هذه الشعارات، فأخذوا يطالبون بالحرية، واستمرت أجهزة السلطة في استخدام وسائل الحل الأمني ما أدى إلى انتشار الحراك الشعبي في محافظات أخرى من جهة وتعميق الشعارات لتصبح شعارات سياسية واضحة على رأسها المطالبة بإصلاح النظام السياسي.

لم يتعظ أهل النظام ومستشاروه، واستمروا بتجاهل أسباب الأزمة، وبرفض التخلي عن امتيازاتهم في الاستبداد والهيمنة على السلطات جميعها، وزادوا عمليات القمع، فرد الشعب والحراك الشعبي، بشعارات متطرفة على رأسها المطالبة بإسقاط النظام، وهذا ما أصاب أهل النظام بالذعر، وأطلقوا كل ما يملكون من وسائل القمع، دون أن ينتبهوا إلى أن هذه الوسائل تزيد الحراك اشتعالاً وتحوله إلى ثورة، مع الإصرار على رفض أي حوار جدي أو حل سياسي، وتفويت فرص المصالحة الوطنية، وإصدار قوانين سميت (إصلاحية) وهي في الواقع لا علاقة لها بالإصلاح، ولم تمس المشكلة الأساس أي إشراك الناس في السلطة والثروة.

إن إمعان السلطة في إجراءاتها القمعية أدى إلى اتساع الحراك الجماهيري وتحوله إلى ثورة، وبداية تدخل عربي ودولي في الشؤون السورية، ومحاولة إيجاد حل للأزمة التي اتسعت (واستعصت)، وبقوا عملياً خارج اللعبة، غير مدركين ما يجري، أو مستوعبين آفاق تطوره المقبل أو نتائجه، فرفضوا واقعياً مبادرات الجامعة العربية الأولى والثانية مع أن كلا منهما كانت تشكل خشبة خلاص للنظام، يحفظ له ماء الوجه، كما رفضوا عملياً أيضاً عديداً من المبادرات الدولية، أو اقتراحات جهات عديدة منها جهات صديقة (كروسيا وإيران والصين) ولم يتصوروا أنه ينبغي التراجع.

وأن الظروف غير الظروف، والحال غير الحال، إلى أن وصلت السلطة إلى قطيعة مع الشعب من جهة ومع العرب من جهة ثانية ومع الشرعية الدولية من جهة ثالثة بل ومع معظم دول العالم من جهة أخيرة، وما زالت ترفض المبادرات كلها، وتحاول أن (تتمشطر) وتناور وتعتقد أن سلوكها هذا هو نوع من أنواع (التكتيك) مع أنه في الحقيقة قراءة بعيدة عن الحكمة والتعقل، ومواقف سياسية خاطئة تعتمد على مشاعر ذاتية ولا تأخذ باعتبارها الشرط الموضوعي الداخلي والخارجي.

=================

الأزمة السورية...ودواعي التدخل العسكري

كيرت فولكر

سفير أميركي سابق لدى "الناتو" وباحث بجامعة "جونز هوبكنز"

ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"

تاريخ النشر: السبت 28 أبريل 2012

الاتحاد

كان أوباما على صواب عندما أعلن في الأسبوع الجاري إطلاق جهود جديدة لمراقبة البؤر الساخنة حول العالم ومنع المجازر والفظاعات قبل أن تحدث، لكن ماذا عن الأهوال اليومية التي تجري في سوريا حيث تتراجع فرص نجاح خطة أممية لوقف إطلاق النار يوماً بعد يوم، فيما العالم يقف متفرجاً ومستنكفاً عن التدخل، في هذه الحال فإن درساً من التاريخ يفرض نفسه ويدعونا لاستذكاره.

ففي 11 مايو 1993 تم التوقيع بإحدى المنتجعات القريبة من أثينا على خطة سلام تهدف إلى إنهاء الحرب البوسنية المشتعلة في وسط أوروبا، وحسب الخطة كان يتعين علن صرب البوسنة وقف قصفهم لسراييفو، حيث يقاسي المسلمون البوسنيون من حصار امتد لسنة كاملة، وكانت الفكرة الداعمة لإمكانية نجاح الخطة هي احتمال تدخل القوى الغربية عسكرياً لضمان تطبيق وقف إطلاق النار.

وهكذا انطلقت المفاوضات عام 1993 بين وزير الدفاع الأميركي وقتها، "وارين كريستفور"، والحلفاء الأوروبيين حول مدى استعداد الولايات المتحدة للتدخل العسكري، لكن بدلاً من إبداء أميركا التزامها الواضح بضمان تطبيق الاتفاق من خلال إرسال قوات عسكرية دار الحديث عن مدى قدرة الأوروبيين على تحمل هذا العبء فيما يشبه القيادة الأميركية من الخلف وفقاً للتعبيرات الحالية، غير أن الأوروبيين وبعدما استشعروا عدم رغبة كلينتون في التدخل العسكري بعد صعوده إلى السلطة وبناء برنامجه على الاقتصاد عبر الأوروبيون أنفسهم عن التحفظ والامتناع عن إرسال قوات إلى البوسنة لرعاية خطة السلام، كما اتُفق عليها بين الأطراف المتصارعة.

هذا التحفظ الغربي شجع برلمان صرب البوسنة على رفض الاتفاق بعد أسبوع واحد على التوقيع عليه ليواصل الصرب قصفهم لبلدات المسلمين والزحف عليها ثم طرد سكانها.

ولم تحدث النقلة النوعية إلا في يوليو 1995 عندما قتل صرب البوسنة أكثر من سبعة آلاف مسلم في سريبرينتشا، وهي اللحظة التي قرر فيها الغرب التحرك لوقف المجازر، في تلك المرحلة حسم كلينتون موقفه بالتدخل العسكري وقيادة العمليات، فاستخدم حلف شمال الأطلسي سلاح الجو لوقف هجمات الصرب على سراييفو، وخلال شهر واحد وافق على إرسال قوات لرعاية اتفاق "دايتون" الذي رعاه الدبلوماسي المخضرم ريتشارد هولبروك.

وبحلول ديسمبر 1995 كان حوالي 60 ألف جندي من قوات "الناتو" يشقون طريقهم في اتجاه البوسنة لتطبيق اتفاق السلام، 20 ألفاً منهم من الجيش الأميركي، فما الفرق بين ما حصل في مايو 1993 ويوليو 1995؟ الحقيقة أن لا شيء تغير فيما يتعلق بالتدخل الغربي، لأنه ما جرى في 1995 كان يمكن القيام به في 1993، لكن بحساب الكلفة البشرية خسر الآلاف من الأبرياء أرواحهم، والأمر لا يقتصر على البوسنة، بل شهدنا على مدار العقود الأخيرة تدخلاً خارجياً لوقف عدد من المجازر سواء في البوسنة نفسها، أو في كوسوفو والعراق وليبيا بالإضافة إلى حالات أخرى.

ومع أن نتائج التدخل قد لا تكون مثالية في جميع الأحوال، إلا أنها ساهمت في إنقاذ حياة الناس وهيأت الظروف للوصول إلى تسوية سلمية، هذه هي الرؤية التي يتعين استحضارها ونحن نتعامل مع الأزمة السورية المستمرة، وللتذكير فقط تكتسي جميع الدفوعات المعارضة للتدخل في سوريا قدراً من الوجاهة، فالتدخل إما صعب بسبب قوة الجيش السوري، أو بسبب التعقيدات الإقليمية وانخراط إيران وروسيا، أو التساؤل عما سيأتي بعد النظام واحتمال اختطاف الثورة وغيرها من المخاوف، وهي نفس الطروحات، مع بعض التعديلات، التي سُمعت من قبل لمعارضة التدخل في ليبيا وكوسوفو والمنطقة الكردية بالعراق والبوسنة وغيرها.

لكن السؤال هو ماذا بعد سماع هذه المقولات وفي نفس الوقت استمرار القتل اليومي في سوريا؟

ولنتخيل أنه بعد قصف حمص وبعد ضرب ريف دمشق، وبعد كل ما جرى خلال عام كامل حدث فجأة مجزرة كبرى قُتل فيها خمسة آلاف شخص أو أكثر في ضربة واحدة، لا سيما وأن الأمر حدث من قبل عندما أرسل حافظ الأسد في 1982 قواته إلى مدينة حماة المنتفضة فسقط فيها أكثر من عشرة آلاف مدني، فما هو إذا ذلك الرقم السحري الذي سيحرك المجتمع الدولي ويدعوه إلى التدخل في سوريا؟ فالمبادئ الأخلاقية التي تحث على التدخل لا تعدمها سوريا منها الحملة العسكرية الشرسة ضد كل من يرفع صوته معارضاً للنظام، كما أن الدولة السورية تحتكر كل أسباب القوة من جيش وشرطة وأجهزة أمن واستخبارات مقابل شعب وقف بشجاعة ضد الظلم، إلا أنه لا يستطيع بوسائله البسيطة دفع جبروت النظام، فضلاً عن عدد القتلى الذي تجاوز التسعة آلاف منذ انطلاق الانتفاضة الشعبية.

لكن كيف التدخل في سوريا؟ الحقيقة أنه لا يوجد جواب سهل على هذا السؤال، إلا أن الأسوأ من ذلك هو عدم التحرك، فعلى الصعيد السياسي علينا توقع امتناع روسيا وتعطيلها للتدخل في مجلس الأمن الدولي، ما يحتم على العالم الاستعداد للتحرك دون الأمم المتحدة تماماً مثلما حدث في كوسوفو سنة 1999، كما أن مساهمة القوى الإقليمية مهمة مثل تركيا والسعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة. أما على صعيد العمليات، فسيتطلب الأمر ضرب الدفاعات السورية وقدراتها الجوية والتشويش على الاتصالات مع إقامة منطقة آمنة داخل البلد تسمح بتوزيع المساعدات الإنسانية وخلق مكان يمكن فيه للمعارضة الحصول على التدريب وتنظيم نفسها على شاكلة ما حصل في بنغازي بليبيا. لكن ما ينقص حتى هذه اللحظة ليس إدراك ضرورة التدخل ولا الإمكانات المادية والعسكرية لتحقيق ذلك، بل الحافز الذي يدفع إلى استخدام القوة، فلو حصلت مجزرة كبرى ستهب الولايات المتحدة وباقي القوى للتدخل ليجدون أنفسهم في الأخير أمام سؤال جوهري: لماذا لم نتدخل من قبل لمنع ما جرى وتوفير حياة الأبرياء؟

=================

من ميلوسوفيتش الى تايلور فبشّار

علي حماده

2012-04-28

النهار

في تسعينات القرن الماضي قتل الرئيس الصربي الاسبق سلوبودان ميلوسوفيتش ومعاونوه كاراديتش و ملاديتش آلاف المدنيين المسلمين العزل في البوسنة تحت شعار الحفاظ على وحدة يوغوسلافيا. وبعد سنوات تدخل المجتمع الدولي رغما عن روسيا الاتحادية حليفة ميلوسوفيتش، وحسم المعركة ليخرج ميلوسوفيتش وقادته العسكريين من المعادلة الاقوى على الارض الى زنزانة المحكمة الدولية الخاصة بيوغوسلافيا. بعض القادة مثل كاراديتش وملاديتش ظلوا هاربين من وجه العدالة الدولية لسنوات عدة، الى ان جرى اعتقالهم وسيقوا الى المحكمة في لاهاي.

مات سلوبودان ميلوسوفيتش في السجن و لم تهتز الدنيا.

شارلز تايلور الذي وصل سدة الرئاسة في ليبيريا خاض حربا شبيهة بحرب البوسنة في الفترة عينها بين ١٩٩٦ و ٢٠٠٢ وذهب ضحيتها عشرات الآلاف وتخللتها اعمال وحشية منهجية من قتل واغتصاب وتعذيب . وفي النهاية جرى تدخل دولي أنهى الحرب وخرج تايلور من الرئاسة ليساق بعدها الى زنزانة المحكمة الخاصة بسييراليون التي انتهت الى ادانته قبل أيام بارتكاب جرائم حرب، بما شكل الادانة الاولى بهذه التهمة منذ محكمة نورمبرغ التي قامت بعد الحرب العالمية الثانية لمحاكمة قادة المانيا النازية. وقد عُدّت ادانة تايلور على انها احدى أقوى الرسائل التي تبعث للقتلة اينما وجدوا بأن العدالة الدولية، وإن تكن ماكينتها بطيئة، فإنه يستحيل الافلات منها.

قبل سنوات وللتذكير فقط شهدنا كيف ان محاكم عادية في بلدان اوروبية أصدرت أحكاما بتوقيف ديكتاتور تشيلي اوغوستو بينوشيه الذي أنهى حياته طريد العدالة في كل مكان على الرغم من حماية المؤسسة العسكرية التشيليانية له حتى بعد تقاعده و بلوغه سنّا متقدمة. على صعيد آخر، كلنا يتذكر كيف قامت المحكمة الخاصة بلبنان لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري ورفاقه و قادة الاستقلال المتصلة قضاياهم بجريمة الحريري. فقد فعل قتلة الداخل والخارج كل ما في وسعهم لعرقلة التحقيق اولا، ثم قيام المحكمة و لم يفلحوا. و المفارقة ان الحكومة الحالية التي تدين بقيامها ل"حزب الله" والنظام في سوريا ما وجدت سبيلا للتملص من موجبات لبنان كدولة حيال المحكمة فمولتها ثم جددت لها. وقد صدر قرار اتهامي أول يوجه التهمة لعناصر قيادية في "حزب الله" باغتيال الحريري، ويتوقع صدور قرار اتهامي آخر يتهم النظام في سوريا ايضا.

يستفاد مما تقدم ان قطار العدالة الدولية عندما يتحرك فإنه يصير أشبه بالكاسحة التي لا يقف امامها شيء. والحال ان ما يحصل في سوريا من أعمال وحشية يرتكبها النظام و ترقى الى مصاف الجرائم ضد الانسانية ومن شأنها ان تضع بشار الاسد وبطانته في مرمى العدالة مهما حصل، وفي يوم ليس ببعيد، لن يجد له مكانا يلجأ اليه هربا من العدالة الدولية، وخصوصا ان عناصر قيام محكمة خاصة بسوريا صارت جاهزة. فمتى دور "الدكتور"؟

=================

التراجع الدولي يتفاقم حيال سوريا .. مهلة الأشهر الثلاثة مزيد من القمع؟

روزانا بومنصف

2012-04-28

النهار

 على رغم ان الوضع السوري بقي في الأيام الأخيرة على جدول أعمال مجلس الامن الدولي فان معنيين متابعين للوضع يعتبرون ان بعض المؤشرات تذهب عكس ما يوحيه الاهتمام الدولي في الامم المتحدة. ذلك ان هذه المؤشرات تعبر عن مدى عمق المأزق الذي تجد الدول الكبرى نفسها فيه ازاء ما يحصل على الارض من دون قدرة كبيرة على حسمه على الاقل راهناً بالضغط لوقف العنف على رغم الخطة التي تبنتها في مجلس الامن، ما يشي بامرين على الاقل احدهما محدودية الهامش امام الدول الكبرى على رغم تطور الوضع السوري سلباً على الارض والاخر هو استمرار استفادة النظام من الظروف المناسبة له لاكمال ما يقوم به بغض النظر عن مآل ذلك وبغض النظر عن تقويم هذه النتائج . وقد برزت في اليومين الاخيرين مواقف تستمر في الايحاء بمدى تردد المواقف الاميركية ان لم يكن تراجعها عما كانت عليه سابقاً علماً انها لم تكن متقدمة كثيراً على سواها من الدول من مجموعة اصدقاء سوريا والتخفيف عن كاهلها راهنا في حمأة الحملات الانتخابية الرئاسية من خلال الخطة التي اقرها مجلس الأمن بغض النظر عن التقويم السلبي لتطبيقها حتى الآن. و اعتبرت واشنطن في التعليق على ادانة الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور ان هذه الادانة بارتكاب جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب في سيراليون " تشكل رسالة قوية الى مرتكبي جرائم حرب والى كل الذين يرتكبون فظاعات بمن فيهم الذين يتولون مناصب عالية وهي انه لا بد من محاسبتهم". وهذا يكفي من الزاوية الديبلوماسية بالايحاء بان الرسالة موجهة في هذه المرحلة بالذات الى النظام السوري في ضوء ما يقوم به ضد السوريين علماً ان فرنسا كانت قالت صراحة بوجوب محاكمة الرئيس السوري على ما ارتكب من فظائع في سوريا ويقول مسؤولوها انهم لن يتراجعوا عن ذلك اياً تكن التسويات السياسية اللاحقة حول الوضع السوري واياً تكن الادارة الفرنسية المقبلة ويوافقهم في ذلك عدد من الدول الاخرى.

 ثم ان الدول التي هالها ما كان يقوم به الرئيس الليبي السابق معمر القذافي ضد الشعب الليبي لم تجزع لرؤية عملية دفن مواطن حي تقوم بها قوات الامن السورية بثت صورتها عبر وسائل الاعلام الى جانب ما يجري في مدن واحياء عدة، وقد تجنبت حتى الان طلب احالة الرئيس السوري على محكمة الجنايات الدولية بذرائع مختلفة احداها ان سوريا ليست من الدول الموقعة على المحكمة او انها تود ان تترك المجال مفتوحا للاخذ والرد وعدم ارتكاب خطأ يعتقد انه حصل على الصعيد الدولي باحالة القذافي على نحو مبكر على محكمة الجنايات الدولية مما دفعه الى اعتماد سياسة الهروب الى الامام وعدم التفاوض واقفل المخارج المحتملة في وجهه مما ادى الى تصفيته على النحو الذي حصل. ولعل هذه النقطة الاخيرة هي من الدروس التي لجمت المجتمع الدولي عن خوض المغامرة نفسها التي اعتمدت مع ليبيا في سوريا.

وفي مجلس الامن أعلنت مندوبة الولايات المتحدة سوزان رايس وفي ضوء تكرار المبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية الى دمشق كوفي انان ان دمشق لم تلتزم حتى الآن ما تعهدته من وقف للنار ونعي دول اوروبية كفرنسا مثلا خطة انان "انه يتعين على الامم المتحدة ان تكون مستعدة لتبني عقوبات ضد الحكومة السورية اذا منعت هذه الاخيرة مراقبي المنظمة الدولية من القيام بعملهم". وقالت "سنتحقق بدقة حول ما اذا كان لهذه البعثة امل في النجاح والا فسنكون على اتم الاستعداد مع انتهاء مهلة التسعين يوماً للعودة الى مجلس الامن للبحث عن وسائل الضغط التي يجب استخدامها". ويناقض ما ذهبت اليه رايس في هذا الاطار ما اعلنه وزير الخارجية الان جوبيه من ان موعد 5 ايار سيكون حاسماً في ضوء تقديم انان تقريره الى مجلس الأمن واحتمال قيام فرنسا بالضغط من اجل تفعيل الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة الذي يقضي باللجوء الى القوة في حال وجود خطر على السلام. ومع ان موقف جوبيه يحافظ على وتيرة الموقف الفرنسي وزخمه في حمأة الانتخابات الرئاسية الفرنسية علماً ان التغييرات في الادارة الفرنسية قد لا تحمل جوبيه نفسه مجدداً الى وزارة الخارجية، فان موقف رايس يخفف وطأة موقف دولة حليفة ويظهر تناقضا يفيد منه النظام باعتبار ان الانقسامات الدولية والتضارب ازاء التعامل مع ما يجري في سوريا شكلا حتى الان نقطة الانقاذ الاساسية بالنسبة اليه. لكن يضاف الى ذلك في شكل اساسي اشارة رايس الى مهلة الاشهر الثلاثة التي اتفق عليها مجلس الامن بحيث يمكن ان تشكل مجالاً رحباً لتحرك كبير يمكن ان يقوم به النظام ضمن الوتيرة التي يقوم بها من دون ان يهتز لانكار انان في تصريحات شبه يومية التزام النظام خطته على ما زعم ويزعم يوميا في التقارير التي يرسلها وزير الخارجية السوري وليد المعلم الى انان حول تنفيذ النظام هذه الخطة .

==================

المعارضة السورية.. عطالة الثورة الذاتية

فراس قصاص

2012-04-27

القدس العربي

لم يكن متوقعا أن يصمد نظام بشار الاسد كل هذا الوقت في وجه ثورة الشعب السوري التي تتكثف فيها أحد أهم الاجابات عن سؤال الحرية في المنطقة العربية، كان مستبعدا تماما أن يقتل بشار الاسد أكثر من اثني عشر ألفا من مواطنيه أمام مرأى العالم، وأن يجتاح مدنا وقرى ويدمرها على رؤوس سكانها دون أن يجد من يلجمه أو يحد من جرائمه التي فاقت كل تصور .

فما الذي ميز الربيع العربي في سورية حتى استطاع نظامها الاستمرار طويلا في معركة صعبة هي ضد الشعب وضد حركة التاريخ وقوانينه في ان معا؟

لأن العوامل المسببة لذاك المشهد كثيرة، بعضها ذاتي مغرق بالتعقيد، وبعضها موضوعي ليس أقل تعقيدا، ستركز هذه السطور على الجانب المتعلق بالمعارضة السورية التقليدية ودورها في تعقيد الوضع الثوري الذي تعيشه سوريا وشعبها هذه الايام.

إن من يعرف المشهد السياسي السوري السابق على الثورة جيدا، يستطيع أن يخلص إلى أن سلبية المعارضة التاريخية للنظام السوري، سواء تلك المنضوية في المجلس الوطني السوري، أو في هيئة التنسيق، أو حتى القوى التي تقع خارجهما تنبثق عن بنيتها المتبلورة ،وفقا للواقع الافتراضي التي كانت تنشط فيه قبل الثورة، حين اقتصر معظم نشاطها خلال العقد الذي ورث فيه بشار الاسد السلطة عن ابيه ،على صفحات الإنترنت وعالمها الافتراضي، فلم يتح لها اختبار خطاباتها السياسية كما يجب، ولم تستطع فتحها على العملي واليومي والواقعي، لقد انحبست السياسة في وعيها، على المقولات الكبرى والفكر السياسي المكتنز أيديولوجيا، والمعبر عنه في واقع الكتروني ليس إلا، مفتقدة القدرة على نحت المسارات العملية القادرة على مواكبة متطلبات إدارة الواقع والوفاء بمستلزماته، لذلك كان طبيعيا أن تفشل المعارضة السورية أثناء الثورة في ضبط سياساتها على الابعاد العملية والممنهجة ،الحسابية والبراغماتية، للسياسة والعمل السياسي. ليبقى البعدين، الايديولوجي المغلق والنظري دون العملي، لتفاعلها مع الواقع الثوري، مضافا اليهما الصراع السياسي المبكر والمراهق على سورية ما بعد الانتصار المأمول على النظام السوري، من أهم العوامل التي دفعت بالمعارضة، أثناء تعقد الاحداث وتداخل مستوياتها وأطرافها، كي تصبح أكبر وأكثر قوى العطالة الذاتية إعاقة للثورة السورية.

فالذي ساهم بشكل ملموس في إضعاف استعداد العالم للتدخل من أجل حماية الشعب السوري، ليس الوضع المجتمعي المخيف لسوريا وتداعياته المحتملة اثناء وبعد التغيير، وليس النظام وتحالفاته الداخلية والاقليمية والملفات المعقدة التي ينخرط فيها،وليست أوضاع القوى الدولية الرئيسية التي يعاني بعضها اقتصاديا وينتظر بعضها الاخر استحقاقات انتخابية مفصلية، وليست البيئة الدولية ذات الملامح الجديدة التي تبدو روسيا فيها، أكثر استعدادا وطموحا لممارسة دور الدولة العظمى، ليس كل ذلك وحسب، بل أيضا سلوك المعارضة السورية ومواقفها، لقد رفض غالبيتها التدخل العسكري الدولي حتى ولو كان لمصلحة الثورة وحماية الشعب، لم يأل جهدا سياسيو هيئة التنسيق ومعهم أبرز الفاعلين في المجلس الوطني، في إبلاغ حكومات العالم المتحكمة بصناعة القرار الدولي رفضهم لذلك التدخل، بحجة سيادة سورية التي تناقضت في وعيهم مع مساعدة شعبها على حريته واستعادة سيادته المسلوبة على وطنه وقراره.

العمل من أجل التدخل لحماية المدنيين في سورية إنما كان يتطلب من المعارضة السورية التقليدية ،و منذ البداية، خلع العباءة الايديولوجية ومعها السمات والدلالات الساكنة والمفوتة للوعي بمفهوم السيادة ،والعمل الحثيث تاليا على اقناع المجتمع الدولي بضرورة وجدوى ذلك التدخل، سواء بالنسبة لسوريا أو حتى للمنطقة والعالم، فقد تستطيع القوى الدولية حينها أن تكون أكثر حزما مع النظام وأكثر استعدادا لمواجهة معوقاتها الذاتية والتعقيدات المحلية والإقليمية المتوقع حصولها إثر حصول التغيير في سورية.

لم يقتصر الاثر الرديء للمعارضة السورية عند هذه الحدود، بل أدت خلافاتها البينية وقراءاتها المختلفة لحقيقة الوضع في سورية ،ولنوع النشاط الثوري الواجب الالتزام به، الى ترك الساحة أمام النظام، بل ومساعدته على تشويش صورة الثورة والتشكيك بالقوى القائمة عليها والداعمة لها في نظر قوى دولية رئيسية، بما صب في مصلحة السلطة القمعية، وسمح لها في مرحلة لاحقة أن ترفع سقف عنفها الى درجة لم يتوقعها أحد . إن المجلس الوطني السوري الذي كان حريا به أن يعطي الاشارات لروسيا والصين بوجود مكونات علمانية كبيرة وفاعلة بين صفوفه، وأن لا صحة لما يشاع عن سيطرة الإسلاميين المتشددين على عضويته وهياكله، والمجلس الوطني الذي كان عليه أن يفتح خطا ساخنا مع الروس والصينيين لكي يعمل على تفنيد الرواية الرسمية للنظام عن الثورة والمؤامرة والعصابات المسلحة، وأن يدخل وبقوة على خط العلاقات العامة مع الدوائر الاستشارية والقريبة من صنع القرار في كلتا الدولتين، وأن يدعم الجالية السورية المقيمة فيهما من أجل المساعدة في العمل على هذا الملف، بقي متفرجا ولم يحرك ساكنا، بل لم يستطع أن يفعل شيئا وقد سطا عليه وشل معظم جسمه السياسي واختزله، مكتبه التنفيذي الذي اقتصرت ممارسته للسياسة على زيارة الحكومات وإجراء اللقاءات الاعلامية، تاركا لأجهزة النظام وآلته الدبلوماسية والسياسية فرصة العمل ليلا نهارا وعلى كافة الصعد والمستويات لكسب الموقف الروسي والصيني، وقد تم لهم ذلك، الامر الذي منح النظام الغطاء المطلوب للعنف والتوحش الذي لجأ اليه لقمع الثورة.

هيئة التنسيق هي الاخرى وبدلا من أن تلعب دورا يصب في كبح عنف النظام السوري وإجرامه، تسببت موضوعيا بانفلات عنف النظام الى درجة مهولة، بوقوعها فريسة لرومانسية الفاعلين في صناعة قرارها ودخولهم في تجاذبات حادة وصراع 'هيمنة' على الثورة مع الفاعلين في المجلس الوطني السوري .إن تواصل هيئة التنسيق وزياراتها للعديد من دول العالم، روسيا والصين على وجه الخصوص، وتبنيها العلني أحيانا والضمني احيانا أخرى لموقف تجريم الثورة بعد تحولها المشروع الى المقاومة العنفية، وادعاءها بتورط جماعات إرهابية خارجية في إشعال العنف الحاصل في سورية، واتهامها لقوى ودول خارجية غربية وعربية بالتدخل في الشأن السوري، أكمل ما يحتاجه الروس والصينيون من معطيات لكي يرسموا صورة للوضع في سورية تتناسب والاستجابة للإلحاحات المصلحية ولإكراهات الثقافة السياسية والحكومية السائدة في كلا البلدين والمهجوسة بتآمر غربي يسعى إلى تقويض دورهما ومصالحهما الاستراتيجية ويهدد أمنهما القومي، الأمر الذي ساهم في صناعة الموقف الروسي والصيني وأدى إلى -الفيتو الكارثة- في مجلس الامن، الفيتو الذي تدفع الثورة الان ثمنه باهظا والذي نتج عنه في الوضع السوري كل هذه الماسي وكل هذا العدد الهائل من الشهداء.

فهل تستمر المعارضة - المهيمنون التقليديون عليها - في مواقعها المعطلة والمعيقة للثورة السورية موضوعيا؟ وهل تدرك أن الشعب السوري يدفع أثمانا هائلة وإضافية لحريته نتيجة لأزماتها البنيوية وعقليتها الجامدة وصراعاتها المزرية على الهيمنة؟ أم ان الوضع سيدوم هكذا حتى انتصار الثورة النهائي ليسقط حينها النظام ومعه تلك المعارضة دفعة واحدة.

' كاتب وناشط سوري

=================

قناصة في كل زاوية وخوف من رجال الاسد

صحف عبرية

2012-04-27

القدس العربي

في ساعات النهار يسود الصمت في الحي القديم من درعا. الشوارع مهجورة. الدكاكين مغلقة.

في ساحات المدينة تنتشر إطارات السيارات المشتعلة، الحجارة، حطام الزجاج وطوب الاسمنت بقايا المعارك التي عربدت في المساء الماضي. جنود مسلحون يملأون شبكة مكتظة من الحواجز على الطرقات. وهم يتمترسون خلف أكياس الرمال قرب الدبابات ويوجهون سلاحهم نحو المواطنين القلائل الذين يتجرأون على التجول في الشوارع.

في المسجد العمري الذي كان في حينه بؤرة الانتفاضة واستخدم بعد ذلك كمستشفى ميداني، يتمترس الان جيش الرئيس الاسد. في المسجد وفي كل أرجاء المدينة.

'انصرفوا بسرعة، يوجد قناصة في كل زاوية'، يهتف نحونا رجل يعمل وحده في المقبرة في المدينة. فهو يحفر عميقا في الارض، وذلك لان جنازتين اخريين ستصلان اليوم. وفي محيطه صفوف طويلة من القبور حديثة العهد مغطاة بالتراب الاحمر، كالجروح المفتوحة في اللحم البشري. فالعشب لم يتمكن بعد من أن ينمو على القبور.

الموت، الاعتقال، الدمار: يبدو ان درعا، مدينة المائة ألف نسمة التي تقع على بعد كيلومترات معدودة من الحدود الاردنية، تخرب في الحرب الاهلية. هنا اندلعت الانتفاضة ضد الرئيس الاسد في منتصف آذار 2011. المظاهرات تحول الى معارك شوارع ورد الحكم باعمال القمع العنيف. والنهاية لا تبدو في الافق، مثلما في ساحات اخرى من الكفاح المدني السوري في مدن حمص، إدلب وحماة.

وتبلغ المعارضة السورية عن 11 ألف قتيل منذ بدات الاضطرابات. 1.385 شخص قتلوا هنا، في درعا، والقتل مستمر.

القناصة يطلقون النار على المتظاهرين في الليالي، السلاح الثقيل يضربهم في النهار، بعضهم يذوي تحت التعذيب في السجون. لا ذكر لتطبيق خطة المراحل الست لمبعوث الامم المتحدة كوفي عنان والتي زعم ان النظام السوري تبناها.

فقط في هوامش المدينة يمكن ان نرى سكانا يديرون نوعا من الحياة العادية. يوجد بعض الدكاكين المفتوحة التي يمكن ان يشترى منها بضائع اساسية قليلة. اما المؤسسات العامة كالمدارس، فلا تعمل.

مرتان فقط حظيت درعا بزيارة من بعثة مراقبي الامم المتحدة، 'وعندما وصلوا كان يرافقهم 600 شرطي. هذه مزحة، لم يتغير شيء هنا. العالم لا يهمه، العكس هو الصحيح. هذه الخطة تمنح الاسد مهلة اخرى وفوق كل شيء مكان آخر للمناورة يسمح له بقتلنا جميعا'، تقول عائشة الحريري، ابنة الاربعين. وهي تجلس في غرفة الانتظار في المستشفى البلدي، وابنتها الصغيرة تنام في حضنها. 'عندها حرارة عالية. أحاول أن اجد طبيبا يساعدني، ولكني أجلس هنا عبثا.

الناس مثلي، ممن يتجرأون على التظاهر ضد النظام، لن ينالوا هنا العناية.

ولا حتى الاطفال. أنا قلقة جدا عليهم لا مدارس، لا أدوية، لا طعام كافٍ. نحن نربي أطفالنا على اليأس والخوف'.

المستشفى تحت الحصار. الجنود، الشرطة والاسلحة تملأ المركز الطبي، في ظل الخرق الفظ لاتفاق وقف النار. ولكن من يهمه؟

صمت أليم يسود فجأة في الوقت الذي يصل فيه رئيس قوات الامن المحلية، محمد أسعد، الى المكان. عائشة، والى جانبها نساء أخريات ينتظرن بيأس العناية الطبية، يوجهان نحوه نظرات مريرة، ويهمسن: 'هو مجرم، مثل الجميع، مثل بشار، كلهم مجرمون'.

أسعد يلبس بزة فاخرة. وقد سار نحو غرف الموتى في المستشفى، وهناك سيعرض على الصحافيين الجثمان المنكل به لغالب غساس، شرطي ابن 45.

ويروي أسعد، 'انه اصيب بالنار في بيته هذه الليلة، امام ناظر زوجته. 15 مسلحا هاجموا بيته'.

'امور كهذه تحصل كل الوقت'، يضيف أسعد ويقدم رواية خاصة به للمعركة المتواصلة في دعا: 'نحن نقاتل ضد العصابات المسلحة، الارهابيين الاسلاميين الذين يستغلون الانتفاضة والمظاهرات لاغراضهم. هذه الجماعات تهرب الى سوريا من دول اخرى. هم لا يريدون الحرية، هم مجرمون'.

ولكن القليل من سكان درعا سيؤيدون روايته. مالك، عامل بناء في الثلاثين من عمره يتوجه الى الحاضرين في الغرفة فيقول: 'صوتوا رجاء. من يتلقى المال من الخارج؟ من اسلامي؟ من يصلي على الاطلاق؟ لمن يوجد سلاح؟ من يخدم في الجيش السوري؟'.

في الغرفة يعقد لقاء سري للنشطاء، لتنظيم المظاهرة المخطط لها هذا المساء. بعضهم يصوتون عندما يسأل مالك عن الصلاة. أحد منهم لا يعرف نفسه كاسلامي، ولا واحد سمع عن الجيش السوري الحر. لا احد مهم يحصل على الاموال. 'نحن عالقون بين القوات التي تتصارع على الحكم في الدولة'، يقول مالك، 'ما هذه الاقوال عن النقل الهادىء للحكم؟ من يسألنا على الاطلاق. لن نوافق ابدا على قبول الاسد كرئيس. المعارضة نشطة في الخارج. الجيش السوري الحر يختبىء أينما كان ويظهر فقط ويهاجم بين الحين والآخر. الاسرة الدولية خانتنا. عندما بدأنا اعمال الاحتجاج، رأينا صورا من بنغازي، رأينا كيف دعم الناتو الانتفاضة الليبية. فكرنا بيننا وبين أنفسنا، بان من يكافح في سبيل حقوقه وحريته سيحظى بالحماية. ولكن هذه كانت كذبة. نحن وحدنا تماما. يتركوننا في طريق لا مخرج له'.

هذه هي المرة الاولى التي توفرت فيها لهؤلاء الاشخاص الامكانية للحديث بحرية مع صحفي أجنبي، وقد قفزوا فورا على الفرصة، رغم الخطر الشديد الذي تنطوي عليه. هذا الحديث كفيل بان يجب لهم حكما بالموت أو على الاقل بالاعتقال.

'عندما وصل مراقبو الجامعة العربية الى درعا في الشتاء الماضي، كل من تحدث معهم اعتقل. حتى اليوم لا يعرف احد ماذا حصل لمصيرهم. اليوم نحن نخشى بان يحصل ذات الشيء لمن يتحدث مع مراقبي الامم المتحدة. هذا يمكن ايضا ان يحصل لي، لاني تحدثت معكِ'.

' مراسلة نمساوية مختصة بالحروب والأزمات

هآرتس 27/4/2012

=================

الأَخلاق أَولاً بشأن الضحايا في المشهد السوري

السبت, 28 أبريل 2012

معن البياري *

الحياة

كان الظنُّ أَنَّ الثرثرةَ البائسةَ عن انتشار عناصر «القاعدة» في سورية، يقاتلون النظام الحاكم هناك، مقصورةٌ على هواةِ كلامٍ، في مواقعَ إلكترونيةٍ وفضائياتٍ وجرائد، من محبي النظام المذكور ومشايعيه. ولكن، أَنْ يقول الأَمين العام ل «حزب الله»، السيد حسن نصر الله، هذا الكلام، وإِنْ لا يجد دليلاً عليه سوى دعوة أَيمن الظواهري إِلى الجهاد في سورية، فذلك مما يعني أَنَّ التشنيعَ على الثوار والضحايا من الشعب السوري، وإِغماض الأَعين عن جرائم النظام، غاصب السلطة هناك، مهمةٌ أَساسيةٌ لها مطرحُها المتقدم في أولويات زعاماتِ أُولئك الهواة وقياداتهم، ونحسبُ أَن لا أَحدَ بين هذه الزعامات والقيادات يفوق السيد نصر الله مكانةً. ومعلومٌ أَنه شاعَ في جرائدَ، وفي بعض وسائط الإنترنت، وفي تلفزاتٍ غير قليلة، أَنَّ مسلحين من «القاعدة»، وآخرين مع الليبي عبدالكريم بلحاج، وعناصر عصاباتٍ دعمتها تركيا وغيرها بالسلاح والإمداد، عبروا إِلى سورية للانقضاض على النظام، سعياً إِلى إِقامة نظام بديل، إِسلاميٍّ متشدد، وروَّجَ هذا الكلام أَنصارٌ للنظام ممن لا يريدون أَن يحيدوا عن أُزعومةِ المؤامرة الكبرى على سورية المقاومة والممانعة.

ولمّا كان لافتاً أَنَّ الترويجَ البائس لهذا التخريف لم يجدْ دليلاً واحداً يُوثِّق به صدقيَّتَه، فإِنَّ الأَمر نفسَه نقع عليه عند من انقطعوا إِلى تهريجٍ مقابل، مفادُه أَنَّ عناصر من جيش المهدي العراقي، وعسكريين ومخابراتيين إِيرانيين، وكذا مسلحين من «حزب الله»، يعاونون الجيش السوري والشبيحةَ وأَجهزة النظام الأَمنية في استهداف المدنيين المتظاهرين وضرب المسلحين في الجيش السوري الحر. لا دليل عند هؤلاءِ يُشهرونه، كما خصومُهم أولئك، ونحسبُ أَنَّ لدى النظام من عديدِ الشبيحة والعسكر والمُخبرين ما لا يجعله في حاجةٍ إِلى عونِ أَيِّ «قطعان»، وفق مفردةٍ شديدةِ الرداءَةِ ينعتُ بها بعضُ مناهضي بشار الأَسد هؤلاءِ المستعان بهم، والمتوَّهمين وفق صاحب هذه السطور، والذي يحدسُ احتمالَ تواجدِ خبراتٍ أَمنيةٍ واستخباريةٍ إِيرانية في دمشق تُستشارُ فيما يمكن الاستشارة بشأنِه، ويؤكدُ العون الاقتصادي الإيراني المعلن، والتسليحيَّ بقطع غيار وغيرِها، للنظام السوري. ومثيرٌ للحزن، وباعثٌ على التعاطفِ أَيضاً، أَنْ تكون الثورةُ السوريةُ الباسلةُ ملعباً لتقاذفِ اتهاماتٍ من هذا النوع المستنكر بين ذينك الطرفين، ونحسبُهم، هنا، متساوين في الإساءَة اليها، من حيث يدرون أَو لا يدرون.

لا نرسمُ لوحةً ورديةً لحالِ هذه الثورة، الظافرةِ قريباً، حين نُشهرُ نظافََتها من أَيِّ شبهةٍ قاعديةٍ وإرهابية، فليس اللجوءُ الفطري إِلى الله والدين في أثناء المحن دليلاً على هذا الزعم، وقد حدَّثَ شابٌّ في حمص كاتب هذه السطور عن هذا الالتجاءِ المنزَّه من الانتساب إِلى أَيمن الظواهري. وإِذا انقطع الشغوفون بنظام بشار الأَسد إِلى تصيُّدِ أَخبار وتقارير، صحيحةٍ وغير صحيحة، عن ممارساتٍ شنيعةٍ يحدُث أَنْ يرتكبَها مسلحون في الجيش السوري الحر تجاه بعضِ من يقاتلونهم، فهذه مدانةٌ ومستنكرةٌ، من دون تأتأة أَو تلعثم، على أَنّه لا يليق اعتبارُها الأساسَ والجوهريَّ في نشاطِ المعارضةِ الجماهيرية السلمية، والتي تُؤازرها أَنشطةٌ مسلحةٌ معلنةٌ، تُواجه توحشاً مرعباً تقترفُه الآلة الحربية للنظام، في غيابِ مراقبين عربٍ أَو دوليين أَو في وجودِهم. ولأَن المسألةَ السورية الراهنة، في أَهمِّ وجوهِها، أَخلاقيةٌ تماماً، قبل أَنْ تكونَ سياسية، لارتفاعِ منسوب قتل المدنيين والعسف واستباحةِ المدن والبلدات والقرى، مع التهديمِ والحرق والتخريب، فإِنَّ إِشهار مواقفَ تدين أَي ارتكاباتٍ من المعارضين المسلحين مسيئةٍ الى هذا الوجه الأَخلاقي يصبحُ شديدَ الوجوب والضرورةِ والأَهمية.

لا نُخفِّفُ من أَهوالِ توحشِ النظامِ الذي يستهدفُ مواطنيه، الثائرين على عُسفِه واستبدادِه بالقذائفِ وجرائمِ الحربِ والقتلِ الموثقة، حين ننفي عنه استعانتَه ب «حزبِ الله» وجيش المهدي العراقي، وإِنما هو الحرصُ على التحديقِ في المشهدِ قدّامنا، كما هو، ما أَمكننا ذلك، والحرصُ على السمت الأَخلاقي في توصيفِنا محنةَ الشعب السوري الظاهرة، وفي حديثِنا عن المشهد العام هناك. ومن تفاصيلِ هذا المشهد المؤكدة أَنَّ «المقاتلين السوريين المنتفضين ضد النظام شرفاءُ وشجعان، لكنهم يفتقدون أَيَّ شكلٍ من التنظيمِ الذي يمتلك الصدقية، ويمكنُ الغرب أَنْ يتعاملَ معه، ويُوفر له السلاح»، على ما كتبَ مارتن فليتشر في تحقيقٍ ميدانيٍّ شديدِ الأَهمية، في صحيفة «التايمز» الشهر الجاري، من بلدة تل رفعت في ريفِ حلب (35 ألف نسمة)، ينقلُ عن مزارعٍ فيها قوله إِنَّ «الشبيحة ليسوا بشراً، ولا أَخلاق لهم، وليست لديهم إِنسانية»، بعد أَنْ سرقوا بيته، وحمّلوا في سياراتٍ وشاحناتٍ ما نهبوه من منازلَ كثيرةٍ في البلدةِ التي سرقوا سيارات الإسعاف فيها أَيضاً. وكتب الصحافي، أَيضاً، إِنَّ هؤلاءِ دمّروا 600 بيت ومحل تجاري في البلدة التي كتبوا على جدرانِها، بين ما كتبوا، «الأَسد... وإلا حرقنا كل القرية». ذلك كله بعد أَنْ أَحرقَ الأهالي صور الرئيس، وطردوا البعثيين من بينهم، وتخلصوا من الجواسيس، وأَقاموا نقاط تفتيش على حدود البلدة التي يتمركز فيها 250 مقاتلاً ومنشقاً مع الثوار. نُطالع تفاصيلَ شديدةَ الصعوبة، ينقلها مراسل «التايمز» من هناك، بعد أَيامٍ على مطالعتِنا تفاصيلَ عن استباحةٍ دامية لبلدةِ تفتناز قرب إِدلب، والتي يُفاجئنا أَصدقاءُ سوريون أَنهم لم يسمعوا بها من قبل، ومنهم من أَشهروا اعتذارَهم الحصيف عن عدمِ معرفتهم السابقة بقرىً وبلداتٍ منتفضةٍ في أتون الثورةِ الراهنة.

ثمَّة حرقُ مئةِ منزلٍ في يومٍ واحدٍ في قريةٍ أُخرى، وثمَّة تهديمٌ مهولٌ في بلداتٍ وأَحياءَ وقرى ومدن، منه أَنَّ نحو خمسين في المئة من حمص صار مدمراً، عدا عن قتلٍ يوميٍّ يقضي فيه عشراتُ المدنيين، وبعض العسكريين من جيش الأَسد ومن الجيش الحر الذي يُحارب بإمكاناتٍ ضعيفةٍ، وببسالةٍ وجسارةٍ مشهودتين. نحسبُ أَنَّ أَسوأَ أَذىً يلحقُ بالثورةِ السوريةِ أَنْ نُشيحَ الأَبصارَ عن فظاعاتٍ مثل هذه المرتجلةِ التفاصيل هنا، وعن التوحشِ والعنفِ الفالتِ، مع الانشغالِ بالكلام الثقيل في سماجتِه عن «القاعدةِ» و «ثوار الناتو» الليبيين في سورية، وكذا عن محاربين من «حزب الله» وجيش المهدي وعسكريين إِيرانيين، ينتشرون في هذا البلدِ المدمّى، والذي يُغالب شعبُه عسفاً يعصى على الوصف. هو الانتباهُ الدائم إِلى مكابدةِ هذا الشعب هذه الأَهوال أَولى، أَخلاقياً وإِنسانياً، من كل كلامٍ سياسيٍّ فيه من الثرثرة المرتجلة ما يفيضُ عن أَيِّ لزوم، ذلك أَنَّ الإنصاتَ للضحايا أَوجبُ وأَدعى من أَيِّ شأنٍ آخر، وهذه مسألة أَخلاقيةٌ أَولا وأَخيراً، ونظنُّها الأَخلاق أَهمُّ ما يلزمُ أَنْ يُفتتحَ بها أَيُّ حديثٍ عن الراهن السوريِّ المثقل بدماء ناسٍ صار عدُّهم صعباً.

* كاتب فلسطيني

=================

عن الخارج والداخل و«مالنا غيرك يا الله»!

السبت, 28 أبريل 2012

بكر صدقي *

الحياة

من المحتمل أن المتظاهرين في مختلف المدن والبلدات السورية الذين ضغطوا، في النصف الأول من عام الثورة، على قوى المعارضة السورية لتشكيل إطار موحد يضمها، كان يراودهم الأمل في تدخل دولي ما على غرار النموذج الليبي، يختصر مسيرتهم الشاقة نحو الحرية، ويوفر بعض دمهم.

كان أبرز تجليات هذين الضغط والأمل في ذلك المؤتمر الصحافي الذي عقده، في الصيف الماضي في أنقرة، الناشط الشاب ضياء الدين دغمش وأعلن فيه عن تشكيلة ل «مجلس وطني سوري» مفترض برئاسة برهان غليون وعدد من الشخصيات السياسية المعارضة، من غير استشارة أي منهم. فقد شكلت تلك الخطوة المرتجلة ذروة ضغط الشارع على قوى المعارضة لتوحيد صفوفها، وأشارت إلى شكل الإطار السياسي المناسب واسمه ورئيسه معاً.

كان اختيار الاكاديمي برهان غليون للرئاسة موفقاً لجهة أنه لم ينخرط في السياسة سابقاً فلم يكن طرفاً في التجاذبات المعتادة داخل البيئة المعارضة، ويمكنه أن يحظى بإجماع يصعب توافره لغيره من شخصيات المعارضة. وعبَّرَ اسم «المجلس الوطني السوري» عن الحاجة إلى بديل ناجز يمكنه أن يقود البلاد في المرحلة الانتقالية، كما عن اقتداء بالمجلس الوطني الانتقالي في ليبيا الذي نجح في استدراج تدخل عسكري دولي، ما كان للثورة أن تنتصر لولاه.

لم تحظ تلك المبادرة بالنجاح، وتنصل معظم الواردة أسماؤهم في قائمة دغمش من الاستجابة لها، بدعوى أنه لم يستشرهم أحد في إدراج أسمائهم. لكنها شكَّلَت خَضَّة قوية في وسط المعارضة السورية مهَّدَت لتكثيف اللقاءات والمشاورات بين أطرافها، وصولاً إلى إعلان قيام المجلس الوطني السوري، في مطلع تشرين الأول الماضي، برئاسة برهان غليون.

غير أن ما نجح في ليبيا لم ينجح في سورية. على رغم حمام الدم الذي واظب نظام الأسد على اقترافه في طول البلاد وعرضها، تبين أن ما يسمى المجتمع الدولي غير متحمس لأي تدخل عسكري على غرار ما حدث في العراق أو ليبيا. في المقابل بلغ التدخل الروسي والإيراني لمصلحة النظام مستوىً غير مسبوق في أي مكان آخر. كشف هذا الوضع عن زيف الخلاف الصاخب بين قوى المعارضة السورية من أنصار التدخل وخصومه. هذا الخلاف المصطنع بين تيار يرحب بالتدخل ويعمل ما في وسعه على توفير أسبابه، وتيار بنى هويته الأيديولوجية وسبب وجوده على رفض التدخل الخارجي، لم ينفع غير النظام الآيل للسقوط، فمد بعمره وأطال زمن المأساة السورية.

من الآثار التي ترتبت على غياب التدخل الدولي لوقف مجازر النظام، أن المجلس الوطني السوري الذي اعترفت به بعض الدول «ممثلاً شرعياً» للشعب السوري، ظهر في مظهر الهزيل العاجز الذي تمزقه، فوق ذلك، تجاذباته الداخلية، وتطعن في احتكار تمثيليته تجاذبات خارجية مع قوى معارضة أخرى. في المقابل، بدت هيئة التنسيق الوطني لقوى التغيير الديموقراطي في مظهر «الخائن» لتطلعات الشعب الثائر، وكتلة من عجائز المعارضة ممن أمضوا قسماً من أعمارهم في سجون النظام، وانتهوا إلى إصلاحيين يدعون إلى الحوار معه في زمن الثورة، ويحجون إلى موسكو أفواجاً في الوقت الذي يرفعون فيه عقيرتهم ضد أي تدخل خارجي مفترض.

غير أن الأثر الأكثر شؤماً الذي تركته لا مبالاة القوى الدولية الفاعلة أمام المأساة السورية، هو شعور بالمرارة يؤسس لنوع من الانكفاء على الذات ورفض العالم ومخاصمته، في عصر سمته الأساس هي الانفتاح والعولمة. شاهدنا نموذجاً مشابهاً في التاريخ القريب لهذه المنطقة، هو نموذج العراق الذي طوَّرَ نوعاً من الخصومة مع العالم العربي بسبب عدم اكتراثه لمآسي العراقيين على يد نظام صدام حسين. فقد مرت مجازر الأنفال وحلبجة واستخدام السلاح الكيماوي ضد الكرد في الشمال والشيعة في الجنوب، بصمت عربي قاتل ومتواطئ... مما أسس لنوع من العداء للعروبة في العراق، لم تزل آثاره إلى اليوم.

ويعبر شعار «مالنا غيرك يا الله» الذي يهتف به السوريون في تظاهراتهم عن نزعة مشابهة من مخاصمة العالم والانكفاء على الذات، تنطوي على مخاطر انعزالية في سورية ما بعد الأسد. ومنذ الآن يتحدث سوريون عن «مؤامرة» مضادة لسردية النظام التقليدية عن المؤامرة الكونية المفترضة ضده. المؤامرة الجديدة التي يتحدث عنها الشعب ومعارضون شعبويون تنطلق من تل أبيب فواشنطن فموسكو لتضم معظم عواصم العالم المتواطئة في رأيهم مع النظام ضد الشعب.

نزعة الانغلاق على الذات التي طالما مثّلها تيار الممانعة المتداعي، من المحتمل أن تنبعث بصورة مفارقة من خلال خصومه الثوريين بالذات، في مرحلة ما بعد الأسد. وهذا مما لا يسر أحداً.

* كاتب سوري

=================

خيارات الثورة السورية

منذر خدام

الشرق الاوسط

28-4-2012

لا يهتم الثائرون السوريون إلا بقضية واحدة، وهي قضية انتصار الثورة التي فجروها في وجه نظام مستبد ظالم لا يعرف أي أسلوب للتعامل مع شعبه إلا أسلوب القتل، ومن أجل ذلك فقد قدموا آلاف الشهداء، ولا يبدو في الأفق أنهم سوف يتراجعون عن قضيتهم، وهم في ذلك محقون. غير أنه لكي تنتصر الثورة لا يكفي التركيز على الهدف وحده، بل على طريق الوصول إليه، وعلى الوسائل المناسبة لتحقيقه.

لطالما قلنا إنه في ما يتعلق بقضايا الثورة لا يجوز اللعب، بل الحساب الدقيق حتى نجعل «هزيمة النظام محتومة وأقل إيلاما»، على حد قول الصديق ميشيل كيلو، وهذا ما لم تقُم به المعارضة السورية بكل أطيافها للأسف الشديد. في غياب التحليل الدقيق لواقع سوريا وتشخيص عوامل القوة والضعف لدى النظام والمعارضة، صار الحراك الشعبي يتعلق بمخارج غير ممكنة لثورته، من قبيل استدعاء الخارج ليتدخل عسكريا في شؤون سوريا ليسقط نظامها تحت عناوين ولافتات مختلفة، فتبين بعد كثير من الوهم، وكثير من الدماء، أن الخارج لن يتدخل عسكريا في سوريا، وبالتالي ليس في وارد إسقاط نظامها السياسي. واليوم بعد أن تخلت المعارضة والحراك الشعبي عن مناشدة الخارج ليتدخل عسكريا لإسقاط النظام السياسي السوري، ثمة دعوات تظهر في أوساط بعض المعارضين السياسيين، وفي أوساط الحراك الشعبي، تدعو إلى الحرب الأهلية كطريق وحيد لإسقاط النظام السوري.

إن الدعوة لتبني خيار الحرب الأهلية لا يقل خطورة ووهما عن سابقه، خيار التدخل العسكري الخارجي، ولذلك ينبغي تجنبه قبل فوات الأوان. بداية، لن تكون الحرب الأهلية في حال سيطرتها على المشهد السوري بين النظام والحراك الشعبي فقط، بل بين جميع المكونات الأهلية الإثنية والطائفية والمذهبية في المجتمع السوري. في هذه الحالة سوف يفقد الحراك الشعبي طابعه الوطني العام ليتقمص أردية طائفية، بل سوف يتغير هدف الحراك أيضا من كونه هدفا ثوريا وطنيا جامعا يتمثل في إسقاط النظام الاستبدادي ليشيد على أنقاضه نظاما ديمقراطيا تعدديا تداوليا، إلى هدف آخر يتمثل في تحقيق الغلبة الطائفية، وهو الاحتمال الأقل سوءا لكنه الأبعد منالا، أو إلى تمزيق الوطن السوري إلى كيانات طائفية، وبالتالي دمار الدولة، وهو الخيار الأكثر سوءا لكنه الأكثر احتمالا.

وكما هو حال خيار التدخل العسكري الخارجي فإن خيار الحرب الأهلية يحتاج إلى تغذية خارجية كثيفة بالسلاح والمال، لكنها في هذه الحالة لن تكون تغذية لطرف دون آخر، هذا من جهة. ومن جهة ثانية يتطلب ذلك تدمير الدولة السورية، وهي دولة قوية كما هو معلوم. وإذا كان هناك دول أبدت استعدادها لإمداد الداخل السوري بالسلاح والمال فإن ذلك لا يعدو باعتقادنا عن كونه نوعا من الضغط السياسي على النظام من أجل أن يتوقف عن إراقة دماء السوريين. ثم إن دول الجوار الإقليمي لسوريا سوف يكون لها الكلمة الفصل في هذه الحالة، باعتبارها دولا سوف يمر السلاح والمال من أراضيها إلى سوريا، وهذه الدول كما أعلنت مرارا لن تسمح بذلك؛ خشية أن تنتقل الحرب إلى أراضيها أو تصيبها بعض شظاياها. إضافة إلى كل ذلك فإن المنطقة برمتها، بل العالم أجمع، لا يستطيع تحمّل أفغانستان جديدة كمفرخة للإرهاب، ولا حتى كعراق جديد. بكلمات أخرى، إن الحرب الأهلية خيار غير واقعي، وإذا حصل كحالة استثنائية فإنه سوف يدمر الدولة والكيان السياسي السوري ولن يكون فيها منتصر، بل مهزومون فقط.

خلاصة القول ومؤداه أن إسقاط النظام السوري لن يتم عن طريق التدخل العسكري الخارجي، ولا عن طريق الحرب الأهلية، في الحالة الأولى لا توجد دولة على استعداد لإرسال قواتها العسكرية لإسقاط النظام السوري لأسباب كثيرة، بعضها من طبيعة استراتيجية وبعضها الآخر من طبيعة آنية وعملية. وفي الحالة الثانية لا أحد جاهز لقبول حالة أفغانستان ثانية في منطقة شديدة الحساسية حيث النفط وإسرائيل.

ما العمل في هذه الحالة إذا كان النظام لا يستطيع هزيمة الثورة مهما طال الزمن بها، ولا الثوار على ما يبدو قادرون على إسقاط النظام في الشارع في المدى المنظور بالاعتماد على الوسائل العنفية؟! إذا صح ما ذهبنا إليه فإن الخيار الوحيد المتبقي هو العمل على هزيمة النظام بالوسائل السياسية.

لكن المعركة السياسية هي معركة لا تقل ساحتها ضراوة عن ميادين القتال، غير أن النظام في هذه الحالة سوف يكون الأضعف، وبالتالي سوف تكون هزيمته مؤكدة رغم أنها لن تكون سهلة. لقد نجح النظام حتى الآن في جر قسم من الحراك الشعبي ومن المعارضة إلى الساحة التي يتفوق فيها، أعني ساحة العنف، من خلال تكثيف قمعه للحراك الشعبي، فهل تستطيع المعارضة والحراك الشعبي معها جره إلى ساحة المعركة السياسية حيث يمكن تعطيل أدواته العنفية؟

في الساحة السياسية تتفوق مطالب الحراك الشعبي والمعارضة السياسية المتمثلة في الحرية والتنمية والديمقراطية والدولة المدنية وتداول السلطة عبر صناديق الاقتراع من خلال انتخابات حرة ونزيهة ومراقبة، استنادا إلى دستور ديمقراطي وقوانين ديمقراطية مكملة له على مطالب النظام في الاستئثار والفساد والدولة الأمنية. في الساحة السياسية يصير ممكنا تفكيك عناصر القوة التي يستند إليها النظام، سواء من بنى أهلية ناصرت النظام بدواعي الخوف أو لأنها لم تجد ما يطمئنها على مستقبلها لدى المعارضة، وفي الساحة السياسية تنعدم فعالية أدواته القمعية، كما يصير ممكنا تعريته وعزله أكثر أمام أصدقائه وحلفائه وفي النهاية إسقاطه.

هل يصمد النظام أمام المطالبة بدستور ديمقراطي تعده جمعية تأسيسية أو حتى لجنة من الخبراء في القانون الدستوري تشارك فيها المعارضة السياسية، لا تكون أجهزته الأمنية وصية عليها؟ هل يصمد النظام أمام المطالبة بقوانين للأحزاب والإعلام والانتخابات تكون ديمقراطية فعلا؟ هل يصمد النظام أمام المطالبة بإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وفصل حزب البعث عن الدولة ومؤسساتها؟ هل يصمد النظام أمام التحدي بإجراء انتخابات ديمقراطية وشفافة ومراقبة دوليا؟ هل يصمد النظام أمام المطالبة بلجنة تحقيق ذات مصداقية في الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوري؟ أسئلة كثيرة جوابها في الحقل السياسي هو النفي. لكن من جهة أخرى، هل المعارضة السياسية والحراك الشعبي جاهزون لخوض المعركة السياسية؟ سؤال أبقيه مفتوحا.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ