ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 21/04/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

سورية بعيون مختلفة: الثورة أعطتها وجوداً حقيقياً وفضاء عاماً

الجمعة, 20 أبريل 2012

مازن عزي *

الحياة

أصعد إلى بيت صديقي المقيم في حي «الشعلان»، وعند بلاطة الطابق الثالث، يتحسسني جهاز ما، فيضيء الدرج، وتصورني كاميرا موجهة إلي تحسبت لطولي وموضعي، وتوقعت الكادر بدقة، وحسبت حساب مفاجأتي. أبتلع لعابي، وأدرك مدى انكشافي للآخر الخائف مني، أنا الغريب.

على إثر خلو الشوارع الدمشقية باكراً من المارة والازدحام المروري، على إيقاع الأخبار المتواترة لحملات القمع الأمنية للثورة السورية، يفاجأ المرء بأصوات خفيضة تترافق مع توهج أحمر خافت من مدافع الأشعة فوق الحمراء لكاميرات المراقبة الموضوعة فوق واجهات المحلات التجارية المغلقة، ومجال رؤيتها يأكل الأرصفة المقابلة، ويبتعد فعلياً عن الغرض الأساسي المخصص لها، وهو مراقبة أبواب المحال حضرياً، لينظر أبعد من مجال حفظ الأمن الخاص للمحل إلى التعدي السافر على خصوصية الناس بتوثيقهم وتسجيل صورهم على «هاردات» يسهل الوصول إليها من قبل الراغبين الشديدي الثقة بالوصول. وينطبق الواقع على أحياء الأغنياء وبيوتهم والمطاعم الفاخرة وحتى بعض بيوت العاديين الخائفين، حيث تختلط مخاوفهم برغبات الأجهزة الأمنية في كشف المجتمع واحتوائه.

لقد قامت أنظمة الحكم الاستبدادي على إلغاء خصوصية شعوبها تاريخياً، عبر حلقات متقاطعة تبدأ غالباً بالوشاة والمخبرين، الذين زرعتهم في البيوت وبين الحواري وفي الأكشاك وعلى البسطات، واسترقوا السمع عبر الجدران وصاروا أذانها، ونقلوا في تقاريرهم صوت الشعب الهامس بفقره وجوعه وذله وسخطه، لا بغرض تحقيق المطالب بل للكشف والمعرفة الأمنية، ثم الملاحقة والمعاقبة لمن تجرأ على التفكير والحديث علناً.

واختُرِقت بنفس الطريقة الأحزاب والنقابات وأجهزة الدولة والوزارات، في صيغ تمتد عبرها ذراع الأخ الأكبر إلى حيث يستطيع السمع. وتشكل لدى الأجهزة الأمنية أرشيف مهول بكل الناشطين السياسيين وآرائهم وأنفاسهم على امتداد أربعة عقود.

ورغم أن الأجهزة الأمنية لم تقصر تاريخياً في سعيها إلى التطوير، ولقد استحضرت لذلك دائماً أحدث المنتجات التقنية في ملاحقة وتتبع الناشطين، في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وكاميرات المراقبة، ودربت منتسبين عليها، فأصبح لها عيون في كل مكان، وباتت تراقب الناس في الفضاء العام للمدن الرئيسية والشوارع والمطاعم، تتنصت إلى محادثاتهم ومكالماتهم، تقرأ ما يكتبونه، وتتشارك معهم في صورهم العائلية على مواقع التواصل الاجتماعي.

إلا أنه وتحت وطأة الانفجارات الشعبية العربية ذات الطابع الزلزالي، ورغبة السوريين الجامحة بالاعتراف بهم كبشر أحرار تتمايز هوياتهم ضمن المشترك الوطني ولا تذوب في اختزال الديكتاتورية للبلد، خرجوا حاملين مطالبهم وأوجاعهم إلى الشوارع، رفضاً للذل والتركيع الممارس عليهم. وقد اكتشفت أجهزة الأمن قصور معرفتها بهم، قصور معرفة دولة الاستبداد برعاياها-المواطنين، إذ أن أجيالاً جديدة شابة خرجت من حيز المعروفين لديها بالحياد والمجهولين نسبياً، إلى حيز الرفض والمقاومة الشعبية والتغيير، كنهر جارف آخذاً معه كل المسلمات التي سادت سابقاً.

وفي حين يبرع السوريون في اكتشاف إمكانات التعبير السلمي للتغير، مأخوذين بقوة الصورة والفيديو لتوثيق حراكهم، يبثون صور تظاهراتهم عبر الإنترنت، يتشاركون في مشاهد عنف السلطة والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة بحق الشعب السوري، يبتكرون وسائل للاحتيال على حجب الاتصالات وندرة الكاميرات وأجهزة الاتصال الذكية وغلاء ثمنها. يوثقون صور شهدائهم، ويسعون بغرض الحماية إلى إخفاء وجوه ناشطيهم، يعطون لتظاهراتهم صوراً من البعيد تظهر قوة الحشد وتخفي هوية الفرد، أو تلحق بالتظاهرات من الخلف، ويستجيب لها المتظاهرون بجعل اللافتات تلتفت إلى الوراء لتكون الصورة في موقع اللاحق التابع للحدث لا الصانع له.

يدخلون إلى المدن المدمرة المحروقة، يبثون صور الخراب والموت، يسعون إلى البث المباشر عساه يمنع المجزرة المحتملة القادمة، فربما إذا شاهد القاتل ضحاياه المحتملين على الشاشات تردد قليلاً خجلاً من الفضيحة أو لوازع من إنسانية باقية. يجمعون صور الجلادين والشبيحة، يبحثون عنهم في جحافل الجند القادمين، يسجلون أسماءهم بدم الضحايا، يوثقون لأنهم يخشون النسيان إذا ما ماتوا.

تقوم الأجهزة بدورها بالتوثيق، تضع كاميراتها الحديثة على الأبنية المرتفعة، في قلب الساحات، تراقب الحشود، تخصص غرف عمليات للمتابعة، يلاحقون الوجوه عبر أجهزة قيادة تبدو كال joy steak. يمتلكون القدرة على الوصول إلى التفاصيل، ولا يهم أبداً خصوصية واحترام الحريات الفردية والعامة، إذ أن المهم فقط هو إذا كانت الكاميرات بصرية أم رقمية، ومجالها البصري، وقدرتها على «التزويم» ودقتها الأعلى إن كانت تقاس بعدد الخطوط الأفقية والعمودية أو عدد النقاط في واحدة المساحة، وإمكانية التخزين الأعلى، والصور الملونة حتى ليلاً، وجمع معلومات وتقاطعات حول المشتبه بهم في جرائم الحرية.

وللأقمار الصناعية عيون أيضاً، تأخذ صوراً شديدة الدقة، للدبابات والمدافع وبقية أنواع السلاح من جهة، والحفر والدمار الخارج من بطونها من جهة ثانية، ترصد بصمت سماء السوريين، تمسحها مرات عدة، وتقارن الكومبيوترات العملاقة الصور وتطابقها، وترسم حدود التغير بنقاط حمر، تجد طريقها إلى صفحات الناشطين. هكذا كانت بابا عمرو، وهكذا صارت.

ويبدو للصور وجه آخر يتمثل في ما يراه القناصة الذين على سطوح الأبنية الأشد علوا، يمتلكون معدات وشاشات تعطيهم نظرات بعيون الصقور، ومخالب أشد فتكاً، لبعضهم أشكال أشباح سوداء، تمت ترئيتها بكاميرات هواتف نقالة ترتجف لمشاهدتهم، وآخرون يختفون تحت ستائر عسكرية معدنية، لا يشف من داخلها سوى الرصاص، يخترق أجساد الراكضين الهاربين من هول ما شاهدوا. للقناصة مجال بصري حاد، يخطون به حدود المكان، وهوية العابرين، يرسمون بطبشور أحمر قان حدود السجن، حدود وطن ينزف.

بثورتهم امتلك السوريون وجوداً حقيقياً معرفاً باحتلالهم الفضاء العام لبلد كان كالثقب الأسود لم يخرج منه ضوء منذ زمن طويل، يتعرفون إلى ذواتهم الملونة، يتشاركون في الهتاف والأغاني، يحتفلون، يشيعون شهداءهم، يصنعون ثورتهم، ويعلمون حتماً بأنهم صاروا أخيراً مرئيين.

* كاتب سوري

===============

سورية: التدخل العسكري ام الحرب الاهلية؟

رأي القدس

2012-04-19

القدس العربي

شهدت العاصمة الفرنسية باريس يوم امس اجتماعا مختصرا لتجمع 'اصدقاء سورية' كان من ابرز المشاركين فيه السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية واحمد داوود اوغلو وزير خارجية تركيا علاوة على وزراء خارجية المانيا والمملكة العربية السعودية وقطر والن جوبيه وزير خارجية الدولة المضيفة.

هذا الاجتماع هو الثالث من نوعه لمثل هذا التجمع، وكانت النقطة الابرز المطروحة على جدول الاعمال المعلن هي كيفية العمل على انجاح خطة كوفي عنان المبعوث الدولي الى سورية والاجراءات التي يمكن اتخاذها في حال انهيار هذه الخطة.

معلومات قليلة تسربت عن اعمال هذا اللقاء المغلق والقرارات التي تم اتخاذها من قبل المشاركين فيه، لكن التصريحات التي ادلى بها جوبيه وزير الخارجية الفرنسي في ختام اعماله قد تسلط الاضواء على بعض جوانبها، خاصة قوله بان 'فشل خطة عنان سيكون الطريق لحرب اهلية وحرب اقليمية'.

فرص نجاح خطة عنان تبدو محدودة للغاية لان هناك اطرافا عديدة تريد لها الفشل، سواء كانت سورية مثل النظام والمعارضة، او خارجية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، لان النجاح يعني الاعتراف بالنظام الحالي واستمراره في الحكم ومن ثم التفاوض معه حول الاصلاحات الديمقراطية المطلوبة ونوعيتها.

بان كي مون امين عام الامم المتحدة اكد امس انه لم يتم تحقيق تقدم على الارض في تطبيق وقف اطلاق النار في سورية، وقال انه من المتوقع ان يتبنى مجلس الامن الدولي على نحو السرعة خطة نشر 300 مراقب عسكري ومدني، وان دمشق وافقت على توفير الدعم الجوي وامكانية الحركة للمراقبين وعدم عرقلة حرية تنقلاتهم.

التشكيك في فرص نجاح خطة عنان يمكن فهمه من زاويتين اساسيتين.

' الاولى: ان يكون الهدف من هذا التشكيك هو ممارسة ضغوط على الحكومة السورية للالتزام باتفاق وقف اطلاق النار تمهيدا للانتقال لتطبيق النقاط الاخرى في خطة عنان (ست نقاط) وخاصة الجلوس الى مائدة المفاوضات.

' الثانية: ان يكون هذا التشكيك بهدف اصدار شهادة وفاة مبكرة لخطة عنان، للقفز بسرعة الى خيار الحصار وربما تسليح المعارضة بكثافة او حتى التدخل العسكري الخارجي.

فعندما يحذر جوبيه من الحرب الاهلية كتطور طبيعي لفشل مهمة عنان، فان هذا يعني ان عمليات التسليح التي دعت اليها المملكة العربية السعودية وقطر قد تبدأ فورا، اما التحذير من حرب اقليمية فان هذا يعني التدخل العسكري، سواء من قبل حلف الناتو او بعض الدول العربية.

عندما سئل الدكتور احمد داوود اوغلو وزير خارجية تركيا من قبل رئيس تحرير هذه الصحيفة عن الفرق بين اصدقاء ليبيا واصدقاء سورية قال ان مجموعة اصدقاء ليبيا تأسست بعد التدخل العسكري، اما نظيرتها السورية فقبله.

يبدو ان موعد التدخل العسكري يقترب، والبحث جار عن غطاء، وقد يكون فشل مهمة عنان او الخلاف حول مهام المفتشين هو المطلوب لاشعال فتيله.

Twitter: @abdelbariatwan

===============

فرنسا والنظام السوري: سجل مراقصة الطغاة

صبحي حديدي

2012-04-19

القدس العربي

كُتبت هذه السطور قبل انعقاد الاجتماع الثالث لمجموعة 'أصدقاء سورية' في باريس، بعد تونس واسطنبول، بمشاركة 14 دولة؛ وبهذا فإنّ الدبلوماسية الفرنسية تقطع خطوة إضافية على درب مقاربتها للملفّ السوري، أو انخراطها فيه على نحو مباشر لا يقلّ عن انخراط الولايات المتحدة أو تركيا، ولعلّه يتميّز عنهما في عناصر كثيرة أيضاً. وتلك مقاربة تقلّبت مراراً منذ انطلاق الانتفاضة السورية، حين كان السفير الفرنس إريك شوفالييه (مستنداً إلى خطّ قصر الإليزيه في الواقع، وإلى قراءة سكرتيره العامّ آنذاك، وزير الداخلية الحالي، كلود غيان) ميالاً إلى ترجيح رواية النظام حول 'العصابات المسلحة' و'التدخل الخارجي'؛ واستقرّت عند رؤية وزير الخارجية الحالي آلان جوبيه، الذي لم يتردد في مطالبة رأس النظام بالتنحي، كما استقبل ممثلي المعارضة مراراً، وشارك في معظم الاجتماعات الدولية والأممية المكرّسة للوضع في سورية.

وفي الجانب الإنساني، قدّمت السفارة الفرنسية في دمشق خدمات ملموسة للمعارضين السوريين الملاحقين من الأجهزة الأمنية، ومنحت الكثيرين منهم  ومعظمهم لم يكن يحمل جوازات سفر، بالطبع  تأشيرات خروج، وتصاريح سفر مؤقتة. ولم يعد غريباً، والحال هذه، أن يستقرّ في فرنسا عدد كبير من هؤلاء، من المشتغلين بالعمل السياسي والحزبي، أو نشطاء التنسيقيات الشباب، أو الكتّاب والفنانين الذين انحازوا مبكراً إلى صفّ الانتفاضة. كذلك اخذت العاصمة باريس، والمدن الكبرى في فرنسا، تتميز بتظاهرات تضامن ذات سوية عالية، كانت أحدثها احتفالية 'الموجة البيضاء' في مناسبة عيد الجلاء السوري، 17 نيسان (أبريل)، التي شارك فيها فنانون وكتّاب وساسة ومشاهير، طالبوا بالحرّية للسوريين، وبإيقاف المجازر.

الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي استبق اجتماع 'أصدقاء سورية 3' بتصريح، 'شديد اللهجة' وفق ما تصنّف الرطانة الدبلوماسية عادة، أعلن فيه أنّ بشار الأسد 'يكذب'، و'يريد محو حمص من الخريطة'، على غرار رغبة الدكتاتور الليبي معمّر القذافي في 'تدمير بنغازي'؛ ولهذا أرادت فرنسا دعوة 'كلّ مَنْ لا يطيقون رؤية دكتاتور يقتل شعبه'. وإذا جاز القول بأنّ هذا التصريح لا يبدو مفاجئاً تماماً، بالمقارنة مع تصريحات أخرى تصعيدية أطلقها ساركوزي في مناسبات سابقة، خاصة حين انطلقت حملته الرسمية للانتخابات الرئاسة؛ فإنّ ما لا يجوز هو ذلك الجزم بأنّ جميع المشاركين في الاجتماع يطيقون سقوط النظام السوري، بسبب أنهم لا يطيقون ما يرتكبه الأسد من مجازر.

نسبية الأمر هنا لا تخفى إلا على السذّج، والأجندات  على كثرتها، وتطابقها هنا، أو تناقضها هناك  لا تنهض على التعاطف مع الشعب القتيل، بقدر ما تقتفي أثر المصالح الحية، خشية أن تُقتل!

خير للمرء أن يبدأ من المضيف نفسه، ساركوزي، الذي كان 'البطل' أو 'الرائد' على نطاق الاتحاد الأوروبي في تدشين سياسة حوار مع النظام السوري صيف سنة 2008، من خلال مشروع 'الاتحاد المتوسطي'، الذي وُلد ميتاً في الأصل، ولم يكترث أحد حتى بدفنه! آنذاك برّر ساركوزي دعوة الأسد (وكان عندئذ، مثلما كان في البدء ويظلّ حتى ساعة سقوطه، دكتاتوراً ابن دكتاتور)، بالقول إنّ سورية بلد متوسطي، وليس ثمة سبب واحد يبرّر عدم دعوتها إلى القمة المتوسطية، غير المكرّسة (في حدود علمه كما قال، وفي علم الجميع كما نقول) لمناقشة احترام أو انتهاك حقوق الإنسان على ضفاف المتوسط. ذاك كان منطقاً صورياً سليماً تماماً، وكان استبعاد سورية من هذه القمة هو الذي سيشكّل القرار الشاذّ غير الطبيعي.

ومن جانب ثانٍ، مَنْ الذي كان سيعيب على ساركوزي دعوة الأسد إلى منصّة الإحتفال بالثورة الفرنسية، يوم العيد الوطني لفرنسا، ما دام الحابل اختلط يومها بالنابل على تلك المنصة: ديمقراطيات غربية، ودكتاتوريات شرقية أو أفريقية، جنباً إلى جنب مع إسرائيل... 'واحة الديمقراطية' في الشرق الأوسط؟

ولهذا، وبصرف النظر عن قيمته الأخلاقية العالية، فإنّ النداء الذي وجهته إلى ساركوزي، يومئذ، ثماني منظمات حقوق إنسان دولية (بينها العفو الدولية، وميدل إيست واتش، والإتحاد الدولي لروابط حقوق الإنسان، والشبكة الأورو  متوسطية، والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب...) ظلّ حبراً على ورق في ما يخصّ مطلب الفقرة الأولى: 'تناشدكم منظمات حقوق الإنسان الموقعة على هذه الرسالة إيلاء اهتمام لوضع حقوق الإنسان في ذلك البلد في إطار محادثاتكم' مع الأسد. وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنر (حامل كيس الرزّ بوصفه أيقونة الغوث الدولي، وصاحب نظرية التدخّل الإنساني في الشؤون السيادية للدول، و'غير المبتهج شخصياً' بزيارة الأسد إلى باريس) تكفّل بهذا الأمر، كما قيل، ودسّ في جيب وليد المعلّم، وزير خارجية النظام، لائحة بأسماء حفنة من المعتقلين السياسيين السوريين الذين ستبتهج فرنسا بإطلاق سراحهم!

لكنّ ساركوزي لم يكن أوّل رئيس فرنسي يراقص طغاة الشرق الأوسط، سواء في العقود الأخيرة من عمر الجمهورية الخامسة في فرنسا؛ أم في عقودها الوسطى (كانت أوّل زيارة لحافظ لأسد قد تمّت في عهد فاليري جيسكار  ديستان، سنة 1976، بعد أشهر قليلة على دخول القوّات السورية إلى لبنان)؛ هذا إذا اعتبر المرء الأنشطة الدبلوماسية في تلك الأحقاب بمثابة تمرينات مبكّرة واستطلاعية على ما ستسمّيه التنظيرات الديغولية 'السياسة العربية لفرنسا'. بل، في وجهة أخرى لنقاش الأمر، لعلّ المرء لا يبالغ إذا اعتبر أنّ خيار ساركوزي في الانفتاح على النظام السوري كان أقرب إلى السلوك الطبيعي، المنتظَر، غير المستغرب البتة، من هذا الرجل بالذات. وثمة ما يغري بالقول إنّ ساركوزي لم يكن يواصل طبعة جديدة معدّلة، على هذا النحو أو ذاك، من ذلك الإرث السياسي والدبلوماسي، بل هو في الواقع سعى إلى طيّ تلك الصفحة نهائياً، واستبدالها بأخرى جديدة ذات شخصية مختلفة وستراتيجيات جيو  سياسية متعددة السمات، لكنها في العموم أقرب إلى الرؤية الأمريكية والأطلسية لشؤون الشرق الأوسط وشجونه.

والحال أنّ سياسة فرنسا العربية بدأت في صيغة أسطورة، وتواصلت هكذا في الأذهان والأبحاث والفرضيات... ليس أكثر! وباستثناء عبارة الجنرال شارل ديغول الشهيرة، عن الدولة العبرية بوصفها 'شعب النخبة، الواثق من نفسه، والمهيمن'، وقراره حظر بيع الأسلحة إلى الأطراف المتحاربة، فإنّ سجّل العلاقات العربية  الفرنسية ليس حافلاً بالكثير من الوقائع التي تشيّد سياسة متكاملة مترابطة، من نوع يستحقّ صفة 'السياسة العربية' التي ظلّ البعض يتشدّق بها طويلاً. هنالك سلسلة مبادرات بالطبع، لعلّ أشهرها كان حديث فرنسوا ميتيران، الرئيس الفرنسي الأسبق والأوّل الممثّل لليسار الفرنسي في الجمهورية الخامسة، منذ ربيع 1982، من سدّة الكنيست الإسرائيلي، أمام مناحيم بيغن وإسحق شامير وسواهم من صقور الليكود، عن ضرورة الدولة الفلسطينية؛ وكذلك استقباله ياسر عرفات في باريس، وكانت تلك أوّل زيارة رسمية يقوم بها القائد الفلسطيني الراحل إلى قوّة عظمى غربية.

غير أنّ هذه، فضلاً عن مشاركة فرنسا في إخلاء فصائل المقاومة الفلسطينية بعد الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، كانت مبادرات مسجّلة باسم ميتيران شخصياً، ولم يكن من حقّ اليمين الفرنسي تجييرها لصالح أسطورة السياسة العربية لفرنسا، كما شاع أنّ الجنرال دوغول رسمها. هي، في الآن ذاته ودونما مفارقة، لم تكن جزءاً من تراث السياسة العربية للحزب الاشتراكي الفرنسي، بدلالة السجال الذي أثارته تصريحات ليونيل جوسبان في ربيع 2000، وكان آنذاك رئيس الوزراء، حين استخدم مفردة 'الإرهاب' في وصف عمليات 'حزب الله' ضدّ جيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان. (في المقابل، لم يتجاسر أيّ من لائميه، في صفّ اليمين الديغولي خاصة، على اعتبار تلك العمليات مقاومة مشروعة!).

وأمّا الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك (صاحب الموقف الشهير من 'روائح' المهاجرين التي تدفع الفرنسي إلى الجنون!) فإنه  منذ تولّيه الرئاسة الأولى سنة 1995 وبعد خطبته الشهيرة في جامعة القاهرة، وزيارته الأشهر إلى القدس الشرقية حين تشاجر مع مرافقيه من عناصر الأمن الإسرائيليين  لم يفعل الكثير لتوطيد السياسة الديغولية تجاه العالم العربي، بل لعلّه جمّد النهج باسره، وأسبغ عليه مقداراً من الشخصنة لا يليق بالسياسة الخارجية لقوّة عظمى. المفارقة أنّ شيراك (الذي أعلن مقاطعة احتفالات فرنسا بالعيد الوطني لأنّ الأسد سوف يكون على المنصّة، بدعوة من ساركوزي) هو نفسه شيراك الأمس القريب: الذي دعا بشار الأسد (ولم يكن الأخير يشغل آنذاك أيّ منصب رسمي، ما عدا رئاسة 'الجمعية المعلوماتية السورية'!) إلى قصر الإليزيه، بترتيب مباشر من رئيس الوزراء اللبناني القتيل رفيق الحريري، وهنا الشطر الثاني من المفارقة.

بيد أن ساركوزي شاء أن ينفرد  ضمن إطار هوسه، شبه المرضي، بالانفراد عن جميع رؤساء فرنسا  بادعاء القدرة على حمل معظم، وربما جميع، بطيخ الشرق الأوسط بيد واحدة، سواء أكانت تلك اليد فرنسية خالصة من حيث المظهر الخارجي والأغراض القريبة المعلَنة، أم كانت تنوب عن اليد الأمريكية من حيث الدواخل والأهداف البعيدة الخافية. تعهد، تارة، بإعادة تأهيل النظامين الليبي والسوري في ناظر ما يُسمّى 'المجتمع الحرّ'، لمرامٍ شتى تتراوح بين عقد قمّة الإتحاد المتوسطي بأيّ ثمن، وتشجيع الاعتدال، والنأي عن التطرّف، وتوقيع العقود؛ فتنتهي الحال إلى تمنّع العقيد معمر القذافي إزاء العقود والمشروع المتوسطيّ على حدّ سواء، وإلى حيرة بشار الأسد بين أحمدي نجاد وإيهود اولمرت. وطرح، طوراً، فرنسا ضامناً، مسرحياً تماماً (بدلالة زيارته الاستعراضية إلى بيروت بعد انتخاب ميشيل سليمان، صحبة قادة الأحزاب السياسية الفرنسية، الروائي اللبناني الفرانكوفوني أمين معلوف!) للسلام الأهلي اللبناني وللمحكمة الدولية؛ فانتهت زيارته إلى ما يشبه إسدال الستار على فصل ناقص، أو معلّقة نهايته عند اندلاع الجولة التالية، بعد جولة اجتياح بيروت في 7 أيار (مايو) 2008.

واليوم، إذْ تقطع الدبلوماسية الفرنسية خطوة إضافية نحو مزيد من الانخراط في الملفّ السوري، فإنّ الخيارات سوف تدخل إلى الثلاجة مؤقتاً، وريثما يحسم الفرنسيون أمرهم حول تجديد ولاية ساركوزي الرئاسية، أم إحالته إلى التقاعد وانتخاب الاشتراكي فرنسوا هولاند رئيساً لسنوات خمس تالية. صحيح، من حيث المنطق البسيط، أنّ سياسة الحزب الاشتراكي تجاه النظام السوري أكثر تشدداً، وكانت خلال السنوات الماضية أكثر انفتاحاً على المعارضة والمجتمع المدني السوري؛ إلا أنّ تجارب الديمقراطيات الغربية تعلّمنا درساً بسيطاً، وبليغاً تماماً في آن: ما يُقال خلال الوجود في صفّ المعارضة، لا يتطابق بالضرورة مع الأفعال بعد الانتقال إلى الحكم.

وفي كلّ حال، لن يمتد عمر النظام السوري إلى أجل أطول يمكن أن يغري ساكن قصر الإليزيه، كائناً مَنْ كان، بإعادة النظر في مصير معلَن، صار ملك الشعب السوري، ورهن أسابيع.

' كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

===============

مفاوضات: من إسطنبول إلى بغداد!

تاريخ النشر: الجمعة 20 أبريل 2012

جيفري كمب

الاتحاد

لم يسفر الاجتماع الذي عقد في إسطنبول بين إيران ومجموعة (5+1) أي الدول الخمس العظمى وألمانيا، من أجل إحياء المفاوضات حول برنامج إيران النووي عن التوصل لاتفاق باستثناء الاتفاق فقط على الالتقاء مرة ثانية في بغداد في الثالث من مايو القادم.

وكانت الاستجابات لتلك المحصلة مختلطة، كما كان متوقعاً. فقد حاولت حكومات الدول المشاركة في الاجتماع إضفاء صبغة متفائلة على نتائجه، من خلال وصفه بأنه كان"بناءً"، ونوهت إلى أن كبير المفاوضين الإيرانيين سعيد جليلي بدا مهتماً بالمحادثات، وهو ما مثل تغييراً كبيراً بالمقارنة مع المحادثات السابقة. وقد رأى منتقدو الاجتماع، بمن فيهم رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وعدد من الجمهوريين في الولايات المتحدة، أن الحدث في حد ذاته يمثل "مكسباً" لإيران، حيث إنها لم تقدم أي تنازلات، كما لم توقف برنامجها لتخصيب اليورانيوم، واشترت الوقت، وأجّلت الضربة الجوية التي كان يمكن أن توجه إليها من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة.

والحال أن كلاً من إيران ومجموعة (5+1) لديهما من الأسباب ما يجعلهما حريصتين بشأن الخطوات التالية. وقد ألمحت إيران إلى أنه من أجل أن يكون اجتماع بغداد "منتجاً"، فإن البدء في إجراءات بناء الثقة من جانب الغرب، مثل تخفيف العقوبات المفروضة عليها، سوف يكون أمراً مفيداً. بيد أنه ليس من المرجح أن يحدث مثل هذا الشيء. كما أنه إذا لم يتحقق اختراق خلال اجتماع بغداد، فإن مجموعة جديدة من العقوبات القاسية من جانب الاتحاد الأوروبي، سوف تدخل حيز التطبيق اعتباراً من مطلع يوليو القادم، وهو ما سيجعل من قيام بنك إيران المركزي بإجراء المعاملات مع أوروبا أمراً في غاية الصعوبة. والعقوبات الجديدة إذا ما أضيفت إليها عقوبات أميركية جديدة، سوف لن يكون لها من نتيجة سوى إلحاق المزيد من الضرر بالاقتصاد الإيراني الذي يعاني من صعوبات بالغة بالفعل في الوقت الحالي. فالريال الإيراني بات ضعيفاً للغاية، والصفقات النفطية غدت أكثر صعوبة، وسلوك النظام يشي بأنه يشعر بالقلق.

وهذا كله يعني أن إيران لديها من الحافز ما يجب أن يدفعها لتقديم بعض التنازلات في بغداد لتأجيل تنفيذ عقوبات الاتحاد الأوروبي، وتعطيل أي خطط للقيام بعمل عسكري ضدها. ويتطلب هذا من الطرفين إعلان إجراءات متبادلة لبناء الثقة في نفس الوقت.

وهناك مشكلة تتمثل في أن إيران تعرف بأن الولايات المتحدة تعارض بقوة القيام بأي عمل عسكري ضدها، قبل انتخابات نوفمبر القادم، لأن ذلك سيؤدي لارتفاع أسعار النفط،، وللأضرار بفرص أوباما في الفوز بولاية ثانية، كما قد يعكس للوراء مسار التعافي الهش المسجل من آثار أزمة 2008.

والورقة الثانية المهمة التي يمتلكها الإيرانيون هي معرفتهم بأنه ليس هناك شريك من شركاء الولايات المتحدة في المحادثات الحالية، يريد دعم استخدام القوة، وأن بعضهم غير راضين عن احتمال توقف وارداتهم من النفط الإيراني وسط الأزمات الاقتصادية التي يعانون منها. وإذا ما قامت الولايات المتحدة، بتحريض من إسرائيل ربما، بضرب إيران فإنها ستنهي أي فرصة للمفاوضات، كما أن ذلك قد يدفع إيران إلى تطوير سلاح نووي.

والسيناريو الوحيد الذي يمكن أن يغير هذه الرؤية، هو إقدام إيران على القيام بعمل طائش ضد الولايات المتحدة كرد فعل على حادث عرضي في مياه الخليج العربي المزدحمة. وإذا ما قام فيلق الحرس الثوري الإيراني، على سبيل المثال، بشن هجوم ضد سفينة حربية أميركية، ونجح في إلحاق ضرر بها أو حتى إغراقها بما قد يترتب على ذلك من خسائر بشرية كبيرة في صفوف الأميركيين... فإن أوباما سيضطر حينها إلى توجيه ضربة عسكرية لإيران. وقدرة أميركا على الاحتفاظ بالدعم الأوروبي في هذه الحالة سوف تتوقف بالطبع على مدى تناسب رد الفعل الأميركي مع الهجوم الإيراني. بمعنى أنه إذا ما استغلت أميركا الفرصة ووجهت ضربة واسعة النطاق ضد أهداف عسكرية ونووية داخل إيران، بشكل لا يتناسب مع الهجوم الذي شنه الحرس على سفينة في الخليج، فإن ذلك قد يجعلها تجد صعوبة في الاحتفاظ بتأييد أوروبا لمثل هذه الضربة، بل إن رد الفعل الأوروبي يمكن أن يكون سلبياً في مثل هذه الحالة. وربما يصل الأمر إلى إنهاء التحالف الذي تمت تنميته ورعايته بين أميركا وأوروبا بشأن إيران.

والخطر هنا يكمن في أنه إذا ما بدا النظام الإيراني مستعداً للتوصل لتسوية بشأن برنامجه النووي، فإن ذلك قد يغري عناصر مارقة في الحرس الثوري الإيراني، تعارض تقديم أي تنازلات للغرب، بالقيام بعمل استفزازي لضمان عدم التوصل لأي صفقة.

ومن مصلحة إيران، في المدى الطويل، أن تتوصل إلى حل لموضوع برنامجها النووي على نحو يحفظ لها ماء وجهها. ويجب علينا أن ندرك أن إيران ليست كوريا الشمالية وأنها لا يمكن أن تسمح لنفسها بالتحول إلى "مملكة ناسكة" أخرى معزولة. فعلى النقيض من كوريا الشمالية التي لا يسمح للناس العاديين فيها بالاتصال بالعالم الخارجي، فإن سكان إيران الشباب على معرفة جيدة للغاية بما يحدث في الشرق الأوسط وغيره من الأماكن.

وأخشى ما يخشاه النظام الإيراني هو أن تؤدي التداعيات الناتجة عن اليقظات العربية إلى تسريع وصول ثورة مخملية حقيقية إلى طهران. وحدوث مواجهة مع الغرب يمكن أن تؤدي لتعزيز وضع المحافظين الإيرانيين في المدى القصير، لكن التغيير السياسي سوف يصبح أمراً ضرورياً في نهاية المطاف. والسؤال الوحيد الذي يمكن طرحه في هذه الحالة، يتعلق بما إذا كانت عملية التغيير التي ستتم سلمية أم عنيفة. والتوصل لحل متفاوض عليه للموضوع النووي الإيراني، سوف يجعل الاحتمال الأول (التغيير السلمي) أكثر جدوى.

===============

قبلة الحرية آتية.. في سوريا

خيرالله خيرالله

المستقبل

20-4-2012

من يراهن على التزام النظام السوري مبادرة كوفي انان، انما يراهن على سراب بغض النظر عن توجه مراقبين دوليين الى سوريا... ام عدم ذهابهم اليها. المسألة تتجاوز المراقبين الدوليين . ما على المحك مستقبل بلد عربي بات مهدداً. تمرّ سوريا حالياً بمرحلة مصيرية في ظلّ نظام يرفض الاعتراف بانه انتهى. لا يشبه النظام السوري سوى تلك الانظمة التي تحكّمت بدول اوروبا الشرقية فترة طويلة من الزمن امتدت بين العامين 1945 و1990.

عاشت تلك الانظمة نحو خمس واربعين سنة، اي ما يقارب عمر النظام السوري الحالي. كانت تلك الانظمة مرفوضة من شعوبها. انتهت مع انتهاء الاتحاد السوفياتي. منذ سقوط جدار برلين في تشرين الثاني من العام 1989، كرّت السبحة. استعادت المانيا الشرقية حريتها وعادت الى المانيا. لم تمض اشهر الاّ واستعادت تشيكوسلوفاكيا بدورها حريتها ثم اختارت بطريقة حبية ان تصبح دولتين هما تشيكيا وسلوفاكيا. عادت هنغاريا الى اهلها، كذلك رومانيا التي تخلّصت من عائلة حاكمة جسّدت كل انواع التخلف والوحشية. على الدرب نفسه سارت كلّ من بولندا وبلغاريا.

لم تكن يوغوسلافيا جزءاً من المنظومة السوفياتية. انتهت يوغوسلافيا مع انتهاء تيتو الرجل الذي وحّدها وتوفى في العام 1980. انتهت يوغوسلافيا بعد عقد على وفاة تيتو دولاً عدة اثر سلسلة من الحروب التي حركها انفلات كل انواع الغرائز.

دفعت يوغوسلافيا ثمن الوحدة غير الطبيعية التي استطاع الماريشال جوزف بروز تيتو فرضها بفضل شخصيته القويّة. ما لا يمكن تجاهله ان تيتو، احد مؤسسي حركة اللانحياز، تحدّى ستالين عندما كان في عزّ قوته وجبروته وابقى على مسافة بين بلده والاتحاد السوفياتي. لكنّ ذلك لم يحل دون انفراط عقد يوغوسلافيا في مرحلة كانت دول اوروبا الشرقية تستعيد حريتها!

لم يكن الوضع في اي دولة من دول اوروبا الشرقية طبيعياً. كانت هناك شعوب تقاوم الديكتاتوريات والانظمة الامنية والدبابات السوفياتية منذ ضمها الى دائرة النفوذ السوفياتية. قاومت هنغاريا الظلم، فكانت انتفاضة بودابست في العام 1956 تعبيراً عن تلك المقاومة. وكان "ربيع براغ" في العام 1968. اما بولندا، فلم ترضخ او تهدأ يوماً وقد لعبت كل من الكنيسة الكاثوليكية والحركة النقابية دوراً حاسماً في مجال تأكيد ان انظمة تقوم على الامن وعلى دعم الدبابات السوفياتية لا يمكن ان تستمرّ الى ما لا نهاية.

بعد تحرر دول اوروبا الشرقية، لم يبق في العالم سوى عدد قليل من الدول تتحكم بها الاجهزة الامنية. بقي مثلا النظام العراقي، وهو نظام عائلي- بعثي يشبه الى حد كبير النظام السوري. اعتقد صدّام حسين في العام 1990 انه لا يزال في استطاعته لعب دور اكبر من دوره. ذهب الى الكويت هرباً من ازمته الداخلية. لم يجد من ينقذه عن طريق صفقة يعقدها مع الولايات المتحدة. تخلّى الاتحاد السوفياتي، الذي كان في اواخر مراحل التحلل، عن صدّام ونظامه وترك المجتمع العراقي يتفكك والمؤسسات العراقية تنهار من داخل في انتظار التدخل العسكري الاميركي في العام 2003.

من سوء حظ سوريا اقتناع النظام فيها انه يستطيع الرهان على روسيا التي تعتقد انها ورثت قسماً من القوة التي كان يمثلها الاتحاد السوفياتي. كلّ ما تفعله القيادة الروسية حالياً يتمثل في البحث عن صفقة تستفيد منها موسكو وليس النظام السوري. ان عذابات الشعب السوري تبدو آخر همّ من هموم القيادة الروسية التي تدرك قبل غيرها ان ليس في الامكان تغيير مجرى التاريخ. لو كان ذلك ممكناً، لكان الاتحاد السوفياتي لا يزال حيّاً يرزق.

في حال كان فلاديمير بوتين وديمتري ميدفيديف يمتلكان حدّا ادنى من الشعور الانساني، لكانا افهما النظام السوري انه ليس اقوى من النظام الروماني ايّام تشاوشيسكو ولا النظام البلغاري ايام جيفكوف ولا النظام الالماني الشرقي ايّام اريش هونيكر. في آخر المطاف، جاء ميخائيل غورباتشوف الى برلين وتكرّم على الزعيم الالماني الشرقي بقبلة الموت. كانت قبلة على الفم على الطريقة المتبعة بين زعماء دول حلف وارسو. لم تكن تلك القبلة في الواقع سوى قبلة الوداع لهونيكر والنظام وقبلة الحرية للالمان. كان غورباتشوف يعرف ان كلّ شيء انتهى وان ليس في الامكان انقاذ انظمة لا تمتلك سوى الشعارات والدبابات لاكتساب شرعية ما. وهذه حال النظام السوري الحالي.

مهّدت تلك القبلة لاستعادة المانيا وحدتها. كانت قبلة غورباتشوف لهونيكر بمثابة قبلة الرحمة للشعب الالماني كلّه. اظهر غورباتشوف انه رجل عظيم يعرف الى اين يتجه العالم.

برفض موسكو التكرّم بقبلة الموت على النظام السوري، تسمح بقتل آلاف السوريين الابرياء الذين لا يريدون سوى استعادة حريتهم وكرامتهم. هل تفعل ذلك عن قصد من منطلق رفض الاعتراف بان هناك عالماً جديداً نشأ عن انهيار الاتحاد السوفياتي؟ هل هناك في موسكو من لا يريد الاعتراف بانّ جدار برلين انهار قبل ثلاثة وعشرين عاما، ام ان كلّ ما في الامر ان موسكو تعتقد ان في استطاعتها الاستفادة من حرب اهلية في سوريا تؤدي الى تقطيع اوصال البلد؟ انه بالفعل منطق اللامنطق في عالم معروف فيه مصير نظام مثل النظام السوري، نظام في مواجهة يومية مع شعبه.

المسألة مسألة وقت ليس الاّ. ليس طبيعياً ان تتوقف رياح الحرّية عند ابواب دمشق وحلب. ليس طبيعياً ان يتفرّج السوريون على النظام يزيل احياء كاملة في حمص عن الخريطة. قبلة الحرية للشعب السوري آتية لا محالة مهما بلغت درجة الوحشية والدعم الايراني والروسي للنظام...

===============

الأسد يستنفد صبر المجتمع الدولي

"حتى متى تعتقد أنه بمقدورك استنفاد صبرنا؟!"

(شيشرون مخاطباً كاتيلينا في مجلس الشيوخ الروماني)

د. نقولا زيدان

المستقبل

20-4-2012

يخطئ الذين يتساءلون لماذا لم نهدأ قط منذ نشوب الثورة السورية عن كتابة المقالات التي تساند الشعب السوري وعلى وتيرة واحدة دون توقف أو ضعف أو تخاذل، ويخطئون أكثر عندما يعتريهم ملل آثم وضيق مدان فيقدّمون لنا النصائح بضرورة معالجة مشكلات أخرى في غير مكان من العالم العربي. ذلك أن الانتفاضة السورية لم تتوقف بتاتاً عن تصدر رأس الأولويات منذ سنة كاملة من هموم الشعوب العربية في توقها الى الحرية والعدالة والديموقراطية. وانها مسألة قومية وطنية وانسانية مبدئية بامتياز.

ان الانتفاضة السورية في معركتها المحتدمة الجارية الآن تمثل منعطفاً مصيرياً وتاريخياً في حاضر الربيع العربي ومآله ومستقبله. فإما أن ينتصر الشعب السوري،الذي يقدم نيابة عن الشعوب العربية ما يفوق العقل والمخيلة من الآلام والمعاناة والبذل الأسطوري لتحقيق أهدافه الكبرى العادلة والمشروعة، أهداف الثورة العربية الحديثة، أو تتمكن القوى الفاشية والظلامية داخل سوريا وخارجها في الوطن العربي بأسره من كسر سواعدها وليّ رقبتها فتعيدنا مرة أخرى الى عهد السجون والزنازين وكمّ الأفواه ومصادرة الرأي وكبت الحريات وذلك على ركام هائل من المدن المحترقة والجثث المبعثرة والأطفال المذبوحين والفتيات المغتصبات والأشلاء والشظايا المجبولة بالدم المسفوح. إنها المعركة الفاصلة الدائرة الآن. سمّها ما شئت سواء ستالينغراد أو العلمين أو مونتي كاسينو، أو هانوي أو ديان بيان فو. القوى الفاشية بمواجهة القوى الديمقراطية، هكذا نعم! بل القوى الهرمة الصدئة بمواجهة القوى الجديدة الحية الصاعدة.

إنه دفاعاً عن طموحاتنا العربية يخوض الشعب السوري معركته. فإما الوقوف بإصرار وثبات وعناد بطولي الى جانب هذا الشعب الحامل صليبه فوق بحر حقيقي من الدماء حتى النهاية دون تخاذل أو ضعف أو تلكؤ، وإما الانحياز الخياني الى جانب الطغاة، ولا موقف ثالث آخر قط.

من منعطف الى آخر، ومن مفصل الى مفصل، ومن جامعة الدول العربية الى مجلس الأمن، الى هيئة الأمم ذهاباً وإياباً، الى المراقبين العرب، الى الرسائل وطلبات التوضيح وبروتوكولات تحديد الألفاظ والمفردات، الى المراقبين الدوليين، كلها دهاليز وأنفاق ومتاهات أدخلنا فيها نظام دمشق الفاشي كي نفقد رشدنا وصوابنا حتى يسقط من أيدينا الخيط الموصل، لكي يظل متربعاً فوق رقاب السوريين.

والآن الى أين يريد نظام الأسد الذهاب بنا، وماذا يعدّ لنا من ضروب وفنون تلاعيبه ونفاقه وكذبه المتمادي؟ أي فخ جديد وكمين موصوف مبتكر يرمي إيقاعنا فيه؟.

منذ أيام خرج علينا النظام السوري بلسان "بثينة شعبان" بلعبة شيطانية جديدة ملخصها أن النظام الأسدي في الوقت الذي بدأت طلائع المراقبين الدوليين تطأ مطار دمشق، يحذر المجتمع الدولي انه ليس مسؤولاً عن أمن وسلامة هؤلاء المراقبين إلا إذا شاركت أجهزته الأمنية بتحديد خطط سير (itinéraires) هؤلاء المراقبين بصورة مسبقة، بل عليها أن ترافقه في كل جولاته الاستطلاعية والتفقدية! (انتهى البلاغ).

ان النظام الأسدي يريد التلاعب بعقولنا والاستخفاف بنا. انه يريد إعادتنا الى نقطة الصفر، أي الى النتيجة المفلسة التي أودى إليها المراقيبن العرب منذ أشهر خلت، وهي فرض خطط السير التي تتوافق مع اخفاء والتعتيم على أماكن الجرائم والمجازر والمحارق التي ارتكبها، وهي فظائع تقشعر لها الابدان ويندى لها جبين الانسانية، بل أسوأ من ذلك بكثير، انه يعد العدة لمخططات تفجيرية وكمائن مسلحة ليردي فيها عدداً من هؤلاء المراقبين، حتى يعودوا أدراجهم، تماماً كما فعل مراقبو الجامعة العربية. لعل هذا ما دفع الجنرال "وود" لمغادرة دمشق معتذراً على متابعة مهامه.

من لم يدرك بعد عليه أن يفعل. إن نظام دمشق مصرّ في هستيريا دموية على متابعة حربه ضد الشعب السوري، مهما كان الثمن. فالحرب مستمرة والصراع في ذروته الآن، وهو ذاهب الى حتفه حتى الرمق الأخير.

===============

مخاطر تحوّل سوريا "دولة فاشلة"

رندى حيدر

2012-04-20

النهار

يبدو أن إسرائيل مستعدة لتحمل بقاء نظام بشار الأسد على تحول سوريا نموذجا آخر "للدولة الفاشلة" الى جانب النماذج الأخرى المحيطة بها مثل لبنان والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية و"حماس" في قطاع غزة، أي دولة تعاني ضعف السلطة المركزية وانهيار مؤسسات الحكم نتيجة التقاتل الداخلي والفوضى وتنافس التنظيمات المسلحة على تقاسم النفوذ والسيطرة على الحياة السياسية.

إن التخوف الإسرائيلي الأول ليس في صعود القوى الإسلامية الى الحكم في سوريا فحسب، ولا من انعكاسات تحول الثورة ضد نظام الأسد نزاعا مذهبيا طائفيا دمويا، وإنما من أن يصير مصير سوريا بعد ذهاب الأسد شبيهاً بمصير ليبيا بعد اطاحة نظام العقيد القذافي. ومعنى ذلك "تفكيك الدولة" والمؤسسات الحاكمة والقوى الأمنية، وتحول سوريا غابة من الفوضى، ومرتعا للميليشيات المسلحة، مع كل ما يمثله ذلك من مخاطر كبيرة على الهدوء في الجولان المستقر منذ حرب تشرين 1973، واحتمال تحول المنطقة الحدودية مع سوريا الى ما يشبه الوضع القائم حالياً على الحدود مع غزة وفي شبه جزيرة سيناء، أي ساحة لحروب عصابات صغيرة غير متكافئة بين الجيش الإسرائيلي النظامي والميليشيات المسلحة من الصعب على إسرائيل حسمها على رغم تفوقها العسكري. فقد أثبت تاريخ الحروب العربية-الإسرائيلية أن إسرائيل قادرة على تحقيق الحسم والانتصار في المواجهات الجبهوية العسكرية التقليدية، وهي أقل قدرة على حسم مصير المواجهة في حرب العصابات التي تشنها عليها تنظيمات مسلحة لا تنضوي في الإطار الرسمي للدولة.

لقد شكل ما حدث في ليبيا درساً مهماً للغرب ولإسرائيل في آن واحد في سبل التعامل مع ثورات "الربيع العربي". كما كان السبب الرئيسي، بين أسباب أخرى، لتلكؤ الغرب ولا سيما منه الولايات المتحدة في تقديم المساعدة العسكرية لأطراف المعارضة السورية المسلحة. وهو أيضاً السبب الذي أضاء الضوء الأحمر في إسرائيل، وساهم في تعزيز وجهات النظر الإسرائيلية المحافظة التي لا تزال تعتبر بقاء نظام الأسد ربما في مصلحة إسرائيل على رغم تحالفه مع عدوها الأول حالياً إيران، وعلى رغم الدعم العسكري الذي يقدمه هذا النظام لخصمها الآخر أي "حزب الله".

إن اختلال المعادلة القائمة على الحدود مع سوريا منذ سنوات نتيجة سقوط نظام الأسد هو آخر ما ترغب إسرائيل في حصوله، وخصوصا الآن وهي في خضم تحضيرها لمعركتها المصيرية مع السلاح النووي الإيراني الذي يشكل في رأي نتنياهو تهديداً لوجود إسرائيل ومصيرها.

===============

تجويف سوريا... لتقسيمها؟!

راجح الخوري

2012-04-20

النهار

كانت الدبابات السورية قد انسحبت من بلدة عربين عندما دخلها المراقبون الدوليون بعد ستة ايام من وصولهم الى دمشق، لكن ذلك لم يحل دون تعرض الاهالي الذين خرجوا للتظاهر امام عيون الدوليين، لإطلاق النار وسقوط ثمانية جرحى.

شاشات التلفزة نقلت صور الحادث، لكن العقيد المغربي احمد حميش تحدث على طريقة السوداني محمد الدابي نافياً تعرض المراقبين للنار وقائلاً انه لا يقدم التقارير الى الصحافة بل الى الامم المتحدة. حصل هذا بعدما منعت السلطات المراقبين من الذهاب الى حمص طبعاً "لأسباب امنية"، في وقت واصل النظام وضع شروط تقيد عمل البعثة الدولية إن لجهة اختيار جنسيات اعضائها بحيث يأتون من دول تؤيد النظام، او لجهة تقرير تحركاتهم بحيث لا يرون إلا ما يريد النظام ان يروه!

على هذا الاساس وقياساً بالواقع الملتهب على الارض حيث سقط اكثر من 200 قتيل منذ وصول طليعة المراقبين قبل ستة ايام، تبدو رسالة الامين العام للامم المتحدة بان كي - مون الى مجلس الامن، التي دعا فيها الى نشر بعثة من 300 مراقب على مدى ثلاثة اشهر، بمثابة وصفة لسقوط ثلاثة آلاف قتيل اضافي لأن المؤشر اليومي للضحايا منذ قرار وقف النار هو ما بين 25 و30 قتيلاً!

المبعوث الخاص كوفي انان يتحدث عن فرصة للتقدم من دون ان يقلل خطورة التحديات، لكن الحديث عن نشر تدريجي للمراقبين على مدى اسابيع في حوالى عشرة مواقع سورية يبدو بلا فعالية في ظل استمرار العنف، الذي لن يتوقف بعد هذا الطوفان من الدم والمآسي. فمن الواضح ان النظام لن يتراجع عن الحل العسكري فيسحب الدبابات والاسلحة الثقيلة ويطلق المعتقلين ويسمح بالتظاهرات التي ستغرق المدن فوراً مطالبة بسقوط الرئيس بشار الاسد، ومن الواضح ايضاً ان المعارضة لن تتراجع بدورها بعد كل ما تكبدته من ضحايا وتدمير للمدن والاحياء.

حتى الآن تبدو الاجتماعات الدولية المتلاحقة على هامش مهمة انان وكأنها محاولات لتبرئة الذمم من الدم السوري المتدفق ولنفض قميص عثمان مما يجري، والذي قد يكون بداية لسنوات من الحرب الاهلية التي يراد لها في مطابخ الاستراتيجيات الكبرى ان تستنزف سوريا وتجوفها وتنهك قواها ومن ثم تدفع بها الى التقسيم!

 وفي الواقع تبدو دول العالم مثل اوركسترا جنائزية تواكب المأساة المتصاعدة منذ عام ونيف، فالعزف الاميركي اليومي مثلاً على جروح السوريين ليس اكثر من مسلسل من الاكاذيب التي تتلطى وراء حماقة الروس في وقوفهم الفظ ضد الشعب السوري واعتبار كل المعارضين من الخارجين عن القانون، واذا اضفنا الى هذا العجز العربي الصارخ والتردد التركي الفاضح والسهر الاسرائيلي الوقح على تسويق موقف دولي فحواه "دعهم يقتلون بعضهم بعضاً حتى الانهيار"، يمكن القول انها فعلاً حرب يا قاتل يا مقتول ولن تنتهي إلا بانهيار سوريا او بتقسيمها!

===============

روسيا والصين: ضمانة النظام العالمي أم دماره؟

شارلز غرانت، مدير المركز الأوروبي للإصلاح

ترجمة: هيفاء زعيتر

New York Times

السفير

20-4-2012

يبدو النظام العالمي في حالة ضمور. قمة العشرين أصبحت محطة للنقاش، مفاوضات الدوحة لتحرير التجارة العالمية تحتضر، مؤتمر الأمم المتحدة حول تغيّر المناخ لم يحقق إنجازاً يذكر... ما سبق يشي بأننا نتجه نحو عالم يحكمه ميزان القوى السياسية والأحلاف المتنافسة.. والمشاريع الأحادية.

أحد أسباب هذه الحال هو أوروبا الغارقة في الوهن الاقتصادي والدبلوماسي والعسكري، بعدما كانت الداعم الأكبر للمؤسسات الدولية.. السبب الآخر يتمثل بما شهدته أميركا من ضعف نسبي على امتداد العقدين الماضيين، كما اتجاهها نحو التصرف الأحادي بشكل متزايد. أما السبب الثالث فهو ميل لدى القوى الصاعدة أو العائدة - الصين وروسيا بشكل خاص - للاستخفاف أو التشكيك بالمؤسسات الدولية: إنها ترى في هذه المؤسسات بدعة غربية تخدم المصالح الغربية.

كلا الاثنتين، موسكو وبكين، ترفضان الهيمنة الأميركية، وتستخدمان حق النقض في مجلس الأمن لإحباط أهداف الولايات المتحدة. تمسكهما القوي بسيادة الدولة يجعلهما تنفران من مفهوم «التدخل الإنساني».. روسيا والصين تعتقدان أن القوة أهم من القواعد في العلاقات الدولية. وعليه، هما تفضلان الحفلات الدبلوماسية - الاجتماعات غير الرسمية التي تعطي للقوى العظمى مكانة كما اجتماع الدول الست. كلتاهما تتوجسان من المؤسسات الدولية التي تتيح للدول الصغرى عرقلة رغبات الدول الكبرى.

ولكن البلدين لا يظهران متشابهين تماماً في مقاربتهما للنظام العالمي. تأخذ روسيا المؤسسات الأمنية وأنظمة الانتشار النووي على محمل الجدّ. وقعت على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية وانضمت إلى المبادرة الأمنية لمكافحة الانتشار النووي. أما الصين فلم توقع قط على أية معاهدة للحدّ من الأسلحة النووية أو التقليدية. وبكين تظهر أكثر تهرباً من موسكو في موضوع تطبيق الحدّ من الانتشار النووي: تبيع المعدات ذات الاستخدام المزدوج لإيران وكوريا الشمالية وباكستان. من جهة ثانية، الصورة شديدة الاختلاف على صعيد الإدارة الاقتصادية. هنا روسيا تعاملت بشكل معاكس لجهة توقيع المعاهدات الدولية، فهي انضمت مؤخراً لمنظمة التجارة العالمية، بعد 18 عاماً من المفاوضات. كما أنها تقف على هامش محادثات الأمم المتحدة لتغيّر المناخ، ودورها سلبي في إطار منتديات التنظيم المالي. أما الصين ففاعلة إلى حد كبير في صندوق النقد الدولي و«البنك الدولي». وعلى الرغم من أن بكين كانت مترددة في قبول القيود الملزمة على انبعاثات الكربون، إلا أنها أقرت في مؤتمر دوربان الأخير أنه بحلول العام 2020 ستفرض قيوداً على انبعاثاتها.

هذه الاختلافات تجد لها تفسيراً في الاقتصاد والتاريخ. فكونها أكبر مصدر في العالم للسلع المصنعة، الصين بحاجة إلى قيود عالمية على التجارة. ومع الاتجاه إلى تحول «الرنمينبي» إلى عملة عالمية، تولي بكين اهتماماً كبيراً للنظام المالي الدولي. في المقابل، تعتمد روسيا على تصدير النفط والغاز، ولا يوجد نظام عالمي لضبط هذا القطاع.

في مجال الأمن، الصين هي قوة صاعدة واثقة بقدرتها، لذلك فهي غير راغبة بتكبيل نفسها بالقواعد الدولية في مجال التسلّح. في المقابل، تحتفظ روسيا بترسانة نووية ضخمة وترى في معاهدات الحدّ من التسلّح حماية لوضعها.

ما سبق يطرح السؤال الشائك عما إذا كانت كل من الصين وروسيا ستبذلان، على المدى البعيد، جهوداً لتعزيز النظام العالمي المتعدد الأطراف أم لتقويضه؟ قد يعتمد هذا، في جزء كبير، على مدى نجاح البلدين في تأمين التوازن لاقتصاديهما.

===============

المعارضة السورية وخطة كوفي أنان!

أكرم البنى

الشرق الاوسط

20-4-2012

الحديث السلبي عن المعارضة السورية وما يؤخذ عليها من تشتت وعجز عن توحيد صفوفها يفقد اليوم الكثير من زخمه، ليس فقط بسبب تشابه العهود والمواثيق التي أعلنت مؤخرا من قبل أهم فصائلها، المجلس الوطني وهيئة التنسيق وجماعة الإخوان المسلمين وغيرهم، وبدت أحيانا وثائق متطابقة في الموقف من التغيير وطابع الدولة المدنية والديمقراطية، وإنما أيضا جراء قبولها بما يشبه الإجماع بخطة كوفي أنان لمعالجة الأوضاع المأساوية في البلاد، حتى وإن اختلفت أسباب ودوافع القبول بين هذا الائتلاف أو ذاك.

تتفق الغالبية العظمى من المعارضين على أن الشعب المنتفض هو الطرف المستفيد من تطبيق الخطة الأممية، وما كان لبنودها الستة أن تفرض على النظام فرضا لولا استبسال الناس في الدفاع عن حقوقهم وما قدموه من تضحيات لا تقدر بثمن. وبلا شك ستكون النتائج في مصلحتهم مع وقف العمليات العسكرية والقصف وسحب الأسلحة الثقيلة من الشوارع والأحياء السكنية، وتوفير ممرات لتقديم الدعم الإنساني، وإطلاق سراح المعتقلين والسماح بالتظاهر السلمي، ثم فسح المجال أمام وسائل الإعلام الحرة ونشر نخبة من المراقبين للرصد والمتابعة، وبعبارة أخرى سيكسب الحراك الثوري فرصة ثمينة كي يلتقط أنفاسه ويستجمع قواه ويوظف حقه في التظاهر والاحتجاج لإبقاء جذوة الثورة متقدة ومدها إلى قطاعات جديدة، مطمئنا إلى أن المتابعة الحثيثة للمجتمع الدولي عبر عيون المراقبين والإعلاميين سوف تقيد بلا شك أيادي آلة القمع والتنكيل وتحاصر ممارسات النظام.

ثمة معارضون يجدون الخطة ضرورية لحماية المدنيين بالدرجة الأولى، والأهم عندهم هو إيصال ما يمكن من مساعدات إنسانية إلى سكان المناطق المنكوبة بعد أن قطعت الآلة العسكرية والأمنية كل سبل التواصل معهم، فإن يجبر النظام على ضمان وصول المعونات المعيشية والصحية للمحتاجين والمتضررين هو أمر لا يدرك قيمته الحقيقية والنوعية سوى من يعش في تلك المناطق ويلامس معاناة أهلها وآلامهم، هذه المساعدات ومع استمرارها قد تشجع الكثيرين للعودة إلى بيوتهم ممن تركوا مناطقهم الساخنة ويكابدون من شروط الهجرة والتشرد.

وهناك معارضون دعموا خطة أنان كوسيلة جديدة لتعرية ممارسات النظام السوري وإظهار فشل خياره الأمني والعسكري، بما هو فشل إعادة زرع الخوف والرعب في المجتمع، فوقف العنف والسير على طريق حل سياسي يضع النخبة الحاكمة في موقع لا تحسد عليه أمام مناصريها وحلفائها وهي التي لم تكل أو تمل من الحديث عن جدوى العنف ضد عصابات مسلحة ومجموعات متآمرة على البلاد، خاصة أمام أولئك الذين أحرقوا مراكبهم لهول ما ارتكبوه من فظاعات، ويخشون انكشاف الحقائق والمحاسبة، والذين يدركون جيدا ما سوف تؤول إليه أوضاعهم في حال البدء بسحب القوات العسكرية والالتزام بإطلاق سراح المعتقلين وفسح المجال لحرية الإعلام والصحافة كما للمظاهرات والاحتجاجات السلمية، ولا يغير هذه الحقيقة بل تؤكدها محاولة السلطة السورية الظهور بمظهر المنتصر على ركام الدمار الكبير الذي أحدثته في الكثير من المناطق، كأنها تريد أن تقنع نفسها قبل إقناع الآخرين بنجاعة ما حققه الحل الأمني والعسكري وأنها لم ترضخ للضغوط الدولية، وأنها وافقت على خطة عنان وأعلنت تأييدها للمعالجة السياسية من موقع القوة وليس من الموقع الضعيف. بما يؤكد أن هدفها الثابت هو شراء مزيد من الوقت كي تتوغل أكثر في القمع والتنكيل، عبر توظيف ما تمتلكه من خبرات لتمييع الخطة الأممية وإفراغها من محتواها، كإغراقها في التفاصيل وإشغالها ببعض الاشتراطات المسبقة، كما نسمع اليوم عن أولوية تجفيف مصادر إمداد المعارضة بالسلاح والمال، وعن شرط موافقة السلطات على جنسية المراقبين قبل نشرهم، وقس على ذلك!.

وأخيرا هناك دافع في وقوف بعض المعارضين مع تنفيذ خطة أنان لأنها برأيهم تدعم الوجه السلمي للثورة، ومن هؤلاء من يجاهر برفضه عسكرة الحراك الشعبي ويذكر بمخاطر ذلك على مصير الثورة ذاتها وحرفها عن أهدافها في الحرية والكرامة، بينما يرى آخرون أن خطة أنان حين تسعى لوقف العنف فهي تعيد الاعتبار لأولوية المظاهرات والاحتجاجات السلمية بما يعني إعادة الأهمية لدور المجتمعين المدني والأهلي والفعاليات السياسية في ترشيد الثورة ومد انتشارها وتمكينها.

ويبقى الأوضح نجاح المعارضة السورية على اختلاف تكويناتها وائتلافاتها، في الالتفاف على نقطة الخلاف الوحيدة المتعلقة بالحوار مع النظام، فلا يمكنك اليوم وضع مسافة افتراق بين من يرفض الحوار بالمطلق لأن النظام فقد شرعيته، وبين من يرفضه بسبب الحرج الأخلاقي من شدة القمع والتنكيل الذي يمارس دون رادع، أو من يرفضه لأنه مقتنع بأن النظام غير جاد في موافقته على الحل السياسي ولا يريد منحه فرصة أو غطاء للاستمرار في خياره العنفي، وبين من وجد مخرجا توافقيا في اعتبار الحوار شكلا من أشكال التفاوض ليس إلا، وظيفته ضمان نقل سلمي للسلطة ووضع خطة عملية وزمنية لإرساء قواعد الحياة الديمقراطية وهو الأمر الذي يعني ضمنا وضع الأمور بيد حكومة انتقالية تدعو لانتخابات برلمانية حرة ولصياغة دستور جديد جوهرة إقامة دولة مدنية تضمن الحريات وحقوق المواطنة المتساوية.

والخلاصة أن توافق أطراف المعارضة السورية على قبول خطة كوفي أنان ودعمها، يفتح أفقا جديدا أمامها، خاصة إن تمكنت من الالتفاف على محاولات أهل الحكم إفشال هذه الخطة وإفراغها من محتواها، ونجحت في نيل ثقة المراقبين الدوليين والصحافة الحرة بما تقدمه لهم من بيانات دقيقة حول المعتقلين والمفقودين وأشكال القمع والتعذيب وجديد المظاهر المسلحة وغيرها، وهو أفق سوف يفضي وإن بشكل متدرج إلى تعديل توازن القوى ما إن يطمئن الناس ويتوافدوا بثقة إلى ساحات التظاهر والاحتجاج!

===============

أصوات تركية ضد التدخل

عبد الرحمن الراشد

الشرق الاوسط

20-4-2012

غالبية الأتراك مع الثورة السورية، وهم، مثل كثير من شعوب المنطقة، تؤلمهم الصور المروعة لما يفعله النظام السوري في المواطنين هناك منذ عام. وتعرف حكومة رجب طيب أردوغان أنها تقف في موقف سليم ضد نظام بشار الأسد ينسجم مع رأي الشارع التركي، لكن توجد جيوب لا تقف نفس الموقف، وعادة لها أسبابها الأخرى. هناك من هو محسوب على التيار الإيراني، وبعضهم مغرق في يساريته المعادية لكل موقف يتخذه الغرب دون تمييز، وبعضهم بكل بساطة يتبنى مواقف معارضة لحكومته فقط لاعتبارات داخلية.

ولأن تركيا دولة مهمة، فهي تكاد تكون الوحيدة القادرة على التدخل لإنقاذ الشعب السوري، فإنه يهمنا أن نتعرف على طبيعة الحوار الذي يدور داخلها حيال سوريا. وكما قلت، فإن أكثرية المثقفين والعامة هم ضد النظام السوري، لكن ليسوا جميعا كذلك.

جان أطاكلي كاتب في «وطن»، وهي صحيفة مملوكة للحزب التركي الحاكم، العدالة والتنمية. كتب أطاكلي محذرا حكومة أردوغان من التدخل العسكري في سوريا. وقد تفاجأ بحجم المغالطات التي تضمنها مقاله دفاعا عن نظام الأسد وجرائمه، إنما يظل صوتا من بين الأصوات القليلة التي تدافع عن بشار، وتنتقد أردوغان. وجدت من المناسب عرض وجهة نظره لفهم طبيعة الحوار. فهو بداية يدعي أن محاكمة الانقلابيين العسكريين في تركيا لها هدف في سوريا، ويقول: «أجزم بأن الهدف الأوحد منها هو إخراج الأزمة السورية من دائرة اهتمامات الرأي العام التركي».

ويقول: «يزعمون أن في سوريا ربيعا عربيا لكن ما حقيقة ما يحصل هناك؟ المؤكد أن الأسد ديكتاتور. لو لم يكن ديكتاتورا هل كان ليبقى في السلطة ما يزيد على أربعين عاما هو ووالده؟ لكن هل تأكد بالدليل أنه مجرم قتل شعبه بوحشية؟ تأكدنا مرارا أن أخبار الإعلام كاذبة، والأفلام التي يبثونها مفبركة ومزورة. إذن هدفهم الأساسي هو الإطاحة بالأسد، ولتحقيقه يستخدمون كل أنواع الغش والخداع».

ثم يثير الكاتب المخاوف من دخول تركيا في الحرب في سوريا. أما أسباب اعتراضه على التدخل العسكري، فإنه يقول لأنه «سيشعرنا بارتداده الشديد في جنوب شرقي تركيا، وسيمنح النشاط الإرهابي لحزب العمال الكردستاني الشرعية. إيران سترد (علينا) بحشود عسكرية على طول حدودنا، كذلك ستحشد روسيا الجيوش على حدودنا؛ حسنا، هل نحن نمتلك القوة للرد على كل تلك الحشود؟ لا أدري إن كنا متنبّهين أم لا؛ فالتدخل العسكري التركي في سوريا سيشعل فتيل حرب عالمية ثالثة بشكل مصغّر. ستكون تركيا الجبهة المركزية في هذه الحرب، وأنا لا أريد تصور الأضرار والخسائر التي ستتكبدها تركيا»، ويغرق الكاتب التركي في تحليلاته التخيلية، فيدعي أن الهدف الحقيقي من استهداف نظام الأسد هو رغبة الغرب في ضرب إيران.

ويقول أطاكلي: «أستغرب تحول أردوغان إلى صقر تجاه سوريا الصديقة، لكن أشعر بالفضول الشديد لمعرفة كيف ستكون سياسة أردوغان تجاه إيران عندما تتحول بوصلة الاستهداف الغربي نحوها».

ويقول إنه «سيطلب من تركيا أن تلعب الدور ذاته في التدخل العسكري في إيران بعد سوريا، يمكن تقديم الأسد للشعب التركي على أنه (ديكتاتور ويداه ملطختان بالدماء) للحصول على التأييد الشعبي للتدخل العسكري. حسنا ماذا ستكون الذريعة التركية للاعتداء المسلح على إيران؟». ويبحر الكاتب المعارض بعيدا في تفسيره لموقف حكومة أردوغان، حيث يقول: «ما فهمته أن أردوغان وأركان حكومته، وعلى رأسهم أحمد داود أوغلو، يبدون متأثرين بنظرية أنه (لا يمكننا أن نقود المنطقة ما لم نخاطر). أردوغان يفكر في قيادة الشرق الأوسط اعتمادا على شعبيته ونجوميته عند العرب. لكن كل لعبة تلعبها في الشرق الأوسط هي خطيرة، فالشعوب التي تبدو إلى جانبك اليوم، قد تتحول إلى بخار في لحظة، ولسبب بسيط جدا، وفي التاريخ أمثلة كثيرة على ذلك».

ويرد الكاتب على تزايد الشعور عند الشعب التركي المؤيد للتدخل ضد قمع نظام الأسد، فيقول: «إلى دعاة الحرب الذين يتهمون كل من يقف في مواجهة دعايتهم بخيانة الوطن. الحرب ليست كما تتصورون فيلما تشاهدونه وأنتم تأكلون ال(بوب كورن)».

هذه أبرز مبررات الكاتب التركي المعارض للتدخل العسكري، بناء على اعتقاده بأن ما يراه من قمع وقتل مجرد أفلام مفبركة، ويتهم أن هناك مؤامرة غربية هدفها ضرب نظام الأسد لمحاصرة إيران. وهو تقريبا يردد ما يقوله الإعلام السوري الرسمي والإيراني الذي يركز على الدعاوى القديمة بأن هناك مؤامرة غربية، وما نراه مجرد مسرحية لتبرير التدخل. لحسن الحظ أن الذين مثل الكاتب أطاكلي قلة؛ سواء في تركيا أو الدول العربية. هذه المرة لم يعد ممكنا خداع أغلبية الناس مهما لعب المعارضون على أوتار التاريخ ونظريات المؤامرة.

============================

قبعات زرقاء في منطقة حمراء

فهيم الحامد

عكاظ

19-4-2012

مرة أخرى نحن أمام مهمة جديدة لبعثة المراقبين في بلد لايحتاج إلى رقابة لما يجري من أعمال قتل وتدمير وطغيان، ظاهرة للقاصي قبل الداني، ولكن الفرق هذه المرة أن بعثة المراقبين ليست عربية، بل هم من ذوي القبعات الزرقاء الأممية.

بين الدابي رئيس البعثة العربية لسورية، وأحمد حميشة رئيس البعثة الأممية، سقط الآلاف من السوريين برصاص قوات الأسد، وتطول المهل ليقتل هذا الشعب الأعزل. نعم ستطيل مهمة المراقبين أمد الأزمة إلى أجل غير مسمى؛ باعتبار أن بعثة المراقبين الدولية لا تملك التأثير، وليس لديها القرار لوقف القتل وعمليات الإبادة في سورية، وسترفع تقريرها إلى المبعوث الأممي كوفي عنان الذي سيعد بدوره تقريرا موسعا لعرضه على مجلس الأمن. وبين التقريرين يستمر النظام المتلسط في سورية في إراقة الدماء والبطش بالشعب المناضل.

ولسنا هنا بصدد الحديث عن مهمة المراقبين العرب التي أحاطها كثير من اللغط، ولانرغب في التشكيك في مهمة المراقبين الدولية، ولا نقول إنها ستنجح أم لا، إلا أن كل ما هو مهم فيها أنها هل ستوقف استمرار القصف، وارتكاب المجازر والقتل، وهل ستؤدي إلى وصفة مجدية ومفيدة لوقف إراقة الدماء. وثمة أمر آخر يجب التوقف عنده، وهو ما يتعلق بالصلاحيات الممنوحة للفريق التي تبدو غير واضحة، فضلا عن أن خارطة انتشارهم في سورية مبهمة، وهل يسمح لهم بلقاء عناصر التنسيقيات، وأفراد الجيش الحر، والتنقل بحرية في جميع أنحاء سورية.. هذه الأسئلة وغيرها تضع العديد من علامات الاستفهام على مهمة البعثة. ورغم ذلك فإن العقيد أحمد حميشة رئيس الفريق الدولي متفائل. فضلا عن أن الوضع الإنساني السوري أصبح كارثيا، والشعب لا ينتظر نتائج إيجابية من هذا الفريق، لأنه سيعطى مهلة مجانية لشبيحة الأسد للقيام بمزيد من الجرائم والقتل والتدمير.

وأعتقد أن عدم معارضة روسيا أو الصين على القرار الأممي بشأن إرسال فريق المراقبين يعود إلى أنهما يعلمان جيدا أنه لاجدوى من نتائج عمل الفريق الذي يشكل غطاء للنظام لاستمرار المراوغة والمماطلة والتعنت.

المعضلة في الأزمة السورية أن الجميع يرغب في الحل، والجميع يرغب أن يرحل النظام. ولكن كل على طريقته. وأمام هذه المحاولات يستمر شلال ونزيف الدم السوري.. هذا النزيف الذي لم يستطع أحد إيقافه منذ 13 شهرا.

=================

فورين بوليسي:الأسد حطم سوريا لكن المجتمع الدولي ووسائل الاعلام زادوا الامور سوءاً فيها

تاريخ النشر : 2012-04-19  

 غزة - دنيا الوطن

نشرت مجلة "فورين بوليسي" اليوم الاربعاء تحقيقاً على موقعها الاليكتروني يقول فيه كاتبه جيمس هاركين ان الرئيس السوري بشار الاسد هو الذي حطم سوريا "لكن المجتمع الدولي ووسائل الاعلام جعلوا الامور اسوأ بالنسبة الى السوريين. وهنا نص التحقيق: "كنت اتردد على سوريا منذ عدة أعوام، كصحافي وكمواطن عادي معا، وكان ملهما بالنسبة إلي أن أرى التغيير الذي حدث في البلاد. عدد من أصدقائي مدنيون عاديون، وغيرهم هم الآن مشاركون في مجموعة متنوعة من منظمات المعارضة التي ظهرت منذ اندلاع الانتفاضة في آذار (مارس) العام الماضي. وما هو مفقود بشكل متكرر في الرواية عن الأزمة التي تواجه أنصار حقوق الإنسان، وصور اجسام الموتى والروايات عن الشر الذي لا يمكن تفسيره، هو كيف كانت الثورة ملهمة في الاصل بالنسبة الى كثير من السورين العاديين. وفعليا فإن كل الناس الذين أعرفهم في سوريا غيروا آراءهم بشكل جذري خلال العام الماضيين واصبحت مطالبهم أكثر جرأة وطموحا.

وفي الوقت الذي تلا فيه ربيع العام 2011 صيف وخريف، وتحرك النظام البعثي المتداعي لقمع المعارضة فكرت بعض منظمات المعارضة في اللجوء الى القوة المسلحة لحماية مظاهراتهم. وحوالي هذا الوقت ادت الجهود الدولية لممارسة الضغط على النظام إلى فرض عقوبات لا يريدها أي سوري (حتى الجيش السوري الحر). وقد خيبت مهمة سيئة المصير قام بها مراقبون عرب آمال الجميع، وحاليا هناك مبادرة من جانب الأمم المتحدة قللت مبدئيا حصيلة القتلى اليومية، لكنها فشلت في إرضاء الحكومة والمعارضة في آن واحد.

والسؤال هو ما الخطأ الذي وقع؟ المشكلة في رأيي هي أن أدوات القانون الدولي عاجزة عن حل المشكلات الحقيقية للصراع المدني. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) مثلا، هرّبت نفسي إلى حمص في الوقت الذي بدأت فيه المعارضة السورية اليائسة في التوجه نحو الجامعة العربية للتوسط بشأن صراعها مع نظام يزداد وحشيةً. ومع تدهور الوضع، كانت المظاهرات اليومية (التي كنت أستطيع سماع انطلاقها في تشرين الثاني/نوفمبر مترافقة مع لعلعة رصاص القناصة) ينضم إليها أفراد ميليشيات مسلحة لحماية الأحياء السنية في المدينة. ثم بدأ استغلال الأحداث سياسيا وجغرافيا.

وفي كانون الأول (ديسمبر) بدا وكأن المجلس الوطني السوري قام بجهد منسق لتحويل حمص إلى بنغازي سورية- وبنغازي هي المدينة الواقعة في شرقي ليبيا التي تسبب تهديد قوات معمر القذافي بتدميرها في التدخل الدولي في ليبيا العام الماضي. ونشر المجلس اخبارا في وسائل الإعلام العالمية على سبيل المثال أشار فيها إلى ان الجيش النظامي السوري حرك تعزيزات لضرب المدينة، وانه أعطى الحمصيين 72 ساعة لإلقاء أسلحتهم أو التعرض للقتل. وعندما اتصلت بناشط قديم في حمص اخبرني ان هذا القول ليس صحيحا ببساطة. كانت الامور سيئة، كما قال، دون الحاجة لاختلاق قصص مرعبة. وباثر رجعي، واعتمادا على السوابق في القانون الدولي، وليس من خلال قوة حركة المعارضة السورية في المنفى، بدا وكانها تضخم الخسائر في صفوف المدنيين في المدينة إلى حد القول إن هناك إبادة عرقية من أجل الضغط على أزرار المجتمع الدولي.

الأمم المتحدة وقعت في الشرك. وقالت نافي بيلاي، المفوضة العليا في الامم المتحدة لحقوق الإنسان: "هناك أصوات كثرة تحذر من هجوم كبير" على حمص على وشك أن يبدأ وأن حشودا عسكرية بدات تتجمع. واضافت: "لست في موقع يمكنني من تأكيد هذه التقارير. لكن إمكانية وقوع هجوم كهذا مقلقة للغاية".

وإذا كانت هناك استراتيجية لتدويل الصراع، فإنها فشلت على اي حال. ولا تستطيع الامم المتحدة فعل اي شيء، لكن الوعد بأنها ربما تفعل ذلك ربما وضع الناشطين العاديين وثوار الجيش السوري الحر حتى أمام خطر اكبر. فالكثيرون دُفعوا للاعتقاد بان النجدة قادمة بينما هي ليست قادمة بكل تأكيد.

تاريخ معظم التدخلات الإنسانية خلال السنوات ال 15 الأخيرة مشابه. ومن خلال تعهد الأمم المتحدة بالمزيد من الامن أكثر مما تستطيع توفيره منطقيا، فقد وضعت حياة الذين تلقوا الوعود بمواصلة جهودهم في خطر اعظم في كل مكان، بدءا من سريبرينيتسا إلى جنوب لبنان. ومن خلال تغيير الحوافز التي تواجه طرفي الصراع، فالأمم المتحدة، في أسوا الحالات، تجعل تلك الحوافز عكسية النتائج- كما تجعل تحديد مواقفهما التفاوضية أكثر إشكالية.

وينطبق الشيء نفسه الى حد كبير على وسائل الاعلام الدولية. فابتداء من اواخر كانون الاول (ديسمبر) انتشر الصحافيون الغربيون مختبئين وراء مراقبي الجامعة العربية ليبحثوا عن "قصة الحرب". وسرعان ما قابلوا اعضاء الجيش السوري الحر وعادوا مسرورين بصور جنود مقنعين يبدون محترفين وهم يحملون قنابل صاروخية. وعلى المدى القصير كانت النتيجة فوزا دعائيا لكل من الصحافيين والجيش السوري الحر. ولكن ما ان غادرت وسائل الاعلام حتى جاءت القوات الحكومية لتقتل او تقبض على كثيرين من اؤلئك المقاتلين والذين اثبت ادعاؤهم بأنهم يستطيعون السيطرة على مناطق لاي فترة من الزمن انه ادعاء فارغ الى حد خطير.

كان هذا في الماضي. ولكن مع تحول الوضع الى حالة استعصاء موقت، يدرك كل شخص في المعارضة الان ان حلف شمال الاطلسي (ناتو) لا يملك الجَلَدَ او الموارد الان لتكرار ما فعله في ليبيا. ان هذا النوع من التدخل العسكري المنظم لن يحدث ببساطة. لكن المرحلة التالية من الديبلوماسية تحمل معها خطر جعل الامور اسوأ بكثير. ذلك ان المغريات المتبقية التي تعرض على نظام بشار الاسد تقرن الان بتهديدات مبطنة يعد فيها المجتمع الدولي بأن يغض الطرف عن الجهود السعودية والقطرية لدعم المعارضة المسلحة بقوة الاسلحة.

وقابل السوريون العاديون تدويل الصراع بمزيج من عدم التصديق والانتهازية. فقد توقفت، بينما كنت اتجول بالسيارة في نهاية شباط (فبراير) في حمص (الى ان اعتقلني الجيش السوري واعادني الى دمشق) عند مجموعة من الرجال المتقدمين في العمر في وسط المدينة واستفسرت منهم عن وجهة كنت ذاهبا اليها. وكان اول سؤال وجهوه الي هو "هل انت روسي؟". ويحتمل ان هؤلاء كانوا مؤيدين للحكومة ومن الممكن جدا انهم علويون وكانوا يعلمون ان الاجانب الوحيدين الذي يريدون التحدث اليهم بالفعل هم الروس، لكون موسكو اعلى المؤيدين صوتا في الدفاع عن نظام الاسد على المسرح الدولي.

ووسط ما يعانيه سوريون كثيرون من انحدار كارثي في المستوى الاقتصادي فإنهم فخورون بان يكونوا محط هذا الاهتمام الدولي، وبان بلادهم لا يجري تجاهلها او نسيانها، كما يقولون. لكنهم ذوو حس وطني عميق ايضا وفخورون بالفسيفساء الاثنية والدينية لبلادهم. وكما قال لي بضعة مراهقين سوريين، فإن الحكومة القطرية نفسها التي تتحرك لحماية حقوق السوريين الانسانية، هي التي تحرمهم من تأشيرات لزيارة قطر. ولم يفت على انتباههم ايضا ان قطر والمملكة العربية السعودية متأخرتان ديمقراطيا لدرجة تجعل الحكومة السورية تبدو وكأنها ديمقراطية متسامحة. وقد بدا قرار المجلس الوطني السوري قبول اموال من دول الخليج لدفع رواتب لجنود الجيش السوري الحر متسما بالغرور، وهو يمثل سياسة سيئة للغاية. ذلك ان هذا لا يعطي مصداقية فقط لنظريات المؤامرة التي تشيعها الحكومة والقائلة بأن التمرد هو من عمل محرضين اجانب، وانما يحمل معه خطر تقسيم حركة المعارضة الداخلية وزيادة قوة نوع الجماعات السنية المتطرفة التي من المرجح جدا ان تذكي التوترات الطائفية.

ولا يعني اي من هذا ان السوريين لا ينبغي ان يأخذوا الامور بأيديهم. فبعد اكثر من سنة من عنف الدولة القاسي لم يعد هناك سوى قلة قليلة من المهادنين في صفوف المعارضة السورية. وكل من قابلتهم في سوريا كانوا متخوفين من ان الامور لا بد ان تصبح اسوأ بكثير قبل ان تتحسن ولا يتمنون تعرض ابناء وطنهم للعنف. ولكن اذا سمح للسعوديين والقطريين بتمرير كميات غير محدودة من الاموال النقدية والاسلحة عبر ممرات التعهريب التقليدية في البلاد فإن النتيجة المرجحة ستكون تعزيز طبقة جديدة من وسطاء بيع الاسلحة وتهربيها وتقوية مجموعات سلفية هامشية يسعدها ان تحول نفسها وجميع من عداها الى شهداء من اجل القضية.

ومهما قالت الحكومة السورية الان فإن نفوذ هذه الفئات السنية المتطرفة هامشي حالياً حتى داخل الجيش السوري الحر. ومعظم العسكريين الفارين هم ببساطة سنيون محافظون من قرى زراعية. ولكن تبدو على سوريا الآن اعراض فترة ما بعد الحرب على الارهاب. ولا يريد السوريون العلمانيون والجماعات اليسارية الاقرب الى القيم الغربية تدخلاً من جانب "ناتو"، بينما نجد ان نوع الناس الذين لا يحبون الغرب – اي البقايا القديمة من جماعة الاخوان المسلمين، وكذلك السلفيين الاحدث عهداً والاكثر راديكالية، هم الذين يتوسلون للغرب ان يتدخل.

ومن يدري: اذا استمر انجراف التفكير نحو ايجاد قوة "مجاهدين" في سوريا وايران (وهذه استراتجية نادى بها جيمس تاروب من "فورين بوليسي")، بعد عقد من اتلزمن صار فيه الراديكاليون السنة العدو رقم واحد في نظر اميركا، فقد يتعين تحويل اسامة بن لادن بعد موته الى صورة المقاتل من اجل الحرية التي رآها الاميركيون فيه في ثمانينات القرن العشرينوهو يزحف في المعركة لدحر آخر بقايا الكفر في الشرق الاوسط.

=================

سوريا الظلام.. سوريا الكلام !!

إبراهيم علي نسيب

الخميس 19/04/2012

المدينة

* العالم كله في جهة؛ وسوريا وروسيا والصين في جهة، فبالنسبة لسوريا وروسيا هناك علاقة لا علاقة لها بالعلاقات الدولية، حيث تتشابه أحرف البلدين، وشر البليّة ما يُضحك، كما أن شر البلية ما يُبكي، وهي إضافة أتمنى من إعلام أسد سوريا إضافتها في دفاتر ثورته الدموية، وحرب الإبادة على شعبه الأعزل، وهو ما يزال يعتقد أن العالم كله أغبياء وهو الذكي الأول، والفاتح الأول والملهم الأول، في حين أنه الكاذب الأول في كل ما يقوله من الحكي الفارغ الذي لا أحد يصدقه غيره وأنذاله الجبناء؛ الذين وصل بهم الأمر إلى ما لم يكن في حسبان أحد، ليتّهموا بلاد الحرمين وتركيا وقطر بتمويل الجماعات الإرهابية التي دفعوا بها للدفاع عن سوريا؛ التي ودّعت عشرات الألوف وما تزال تودّع يوميًّا المئات من أبنائها وبناتها، وهي قضية هذا الشعب الذي ابتلاه الله ببلوة كبيرة، اسأل الله أن يعينهم على تجاوز هذه المحنة، ويُنجِّيهم ممّا هم فيه، ويشهد الله أن قلوبنا معهم، لكن من يُقنع أسدهم ومن يُصدِّق مَن!! والأمل في الله لا أكثر.. لكن أن تكون التهمة لبلدي وأرضي التي تزرع الخير في الدنى فهذا ما لا أقبله، فيا سبحان الله كيف قررت تمويل الإرهاب؟! لست أدري.. أسد سوريا يدري!! وأين هم الإرهابيون؟! أجزم أنهم هم جنود بشار الأقوياء على العُزَّل، هم قتلة النساء والأطفال، أعتقد أن العالم يرى، وأن لا أحد يُصدِّق هذه الكذبة الكبيرة غير سوريا وروسيا والصين، والسلام على سوريا التي أصبحت خرائب أشباح، والسلام على روسيا والصين..!!!

* ومن يُصدِّق أن يُقدِّم الإنسان رجب الطيب أردوغان دعمًا للإرهابيين ليقتلوا السوريين، وهو الرجل الذي يحاول جاهدًا إنقاذهم، ومخيّمات اللاجئين الذين وصل عددهم اليوم ل(25000) لاجئ، تشهد له بالموقف الكبير والدعم الإنساني للإنسان السوري، وهو بذلك يشبه الفارس الأصيل في نبله، وهو لا يتمنى لسوريا سوى الحياة، لكن القضية أن الظالم لا يهمه خلط الأوراق، لأن همّه الأول هو أن يبقى في مكانه حتى ولو مات الشعب كله، هكذا هو تاريخ القتلة الذين نسوا أن الصورة الشاهد الذي ينقل عنهم للعالم كل أفعالهم التي يقترفونها يوميًّا في شعب وجد نفسه محاطًا بالبطش والجبروت، وما أظن قرار الموت فجائي لأنه ببساطة كان شعب سوريا يموت من قبل الموت بعقود، وقبل تاريخ الثورة بقرون، ليجدوا الأسد اليوم في هيئة كريهة، وتبدو سوريا أرضًا تئن، وشعبًا ينتحب، وفخامته يقول.. إرهابيون..!!!

* (خاتمة الهمزة).. ولا أسوأ من الظلم، وغياب العدل، ولا أهم من الحرية، ولا أجمل من الكرامة، ولا أرقى من الموت دون الوطن، وقبل الختام رحم الله شهداء سوريا، وعجَّل لأشقائنا في سوريا بالفرج والتمكين، وهي خاتمي ودمتم.

=================

جدل في ألمانيا حول قصيدة غراس عن إسرائيل .. هستيريا حول غراس: ''ما ينبغي أن يُقال'' بين كسر ''التابوهات'' والتزام ''الصوابية السياسية''

هل تنم قصيدة الأديب الألماني غراس التي انتقد فيها السياسة الإسرائيلية تجاه إيران عن موقف معادٍ للسامية؟ وما هي دلائل ردود الفعل على هذه القصيدة التي وصلت إلى درجة يمكن وصفها بالهيستيرية؟ سمير جريس في محاولة للإجابة على هذه الأسئلة في تعليقه التالي.

سمير جريس

مراجعة: لؤي المدهون

موقع قنطرة

15/4/2012

قصيدة مباشرة وخطابية وساذجة سياسياً – ولكن هل تنم عن موقف معادٍ للسامية؟ وما هي دلائل ردود الفعل على هذه القصيدة التي وصلت إلى حد الهيستيرية؟ ما الجرم الذي ارتكبه كاتبها لكي تعلن إسرائيل أنه شخص غير مرغوب فيه؟ هل أنكر الهولوكوست؟ هل طالب بمحو إسرائيل من الخريطة؟ ولماذا طالب البعض بسحب جائزة نوبل منه؟

نعم القصيدة في معيار الشعر تافهة ولا تستحق التوقف عندها، ولكن هل هذا هو السبب؟ ولماذا ترتفع على الفور الأصوات، التي تتهم الكاتب بمعاداة السامية إذا تجاوز في انتقاده لإسرائيل حداً معيناً، فلنقل إذا تجاوز حد "الصوابية السياسية"؟ ومن يحدد معايير هذه الصوابية؟

منذ أن نشر غونتر غراس قصيدته "ما ينبغي أن يقال" لم تتوقف ردود الفعل المستهجنة والمنتقدة لمضمونها، والمهاجمة لكاتبها. في هذه القصيدة النثرية يهاجم صاحب "الطبل الصفيح" توريد ألمانيا غواصة أخرى إلى إسرائيل، وهي الغواصة السادسة، التي يمكن أن تُزود برؤوس نووية قد تُستخدم لتدمير المنشآت النووية الإيرانية.

غراس يتهم إسرائيل بأنها "تهدد السلام العالمي الهش بطبيعته"، غير أنه لا يتحدث عن سياسة إيران ولا عن طموحها النووي أو تهديداتها لإسرائيل. مرة واحدة يصف غراس أحمدي نجاد بأنه "بطل صوتي جعجاع"، أي أنه، مثلما يرى منتقدوه، يهون من أخطار سياسة الرئيس الإيراني ويقلل من شأن تهديداته بمحو إسرائيل من الخارطة.

"الحكم الشائع: معاداة السامية"

 

شن الأديب الألماني المعروف غونتر غراس، الحائز على جائزة نوبل للآداب هجوما على إسرائيل ووصفها بأنها تهديد للسلام العالمي، نظرا لتهديها بشن هجوم عسكري على إيران

 

لم يسبق لغراس أو أي أديب ألماني أن انتقد قدرات إسرائيل النووية بهذه الصراحة وبهذا الوضوح. هل كسر بذلك "تابوهاً" في ألمانيا؟ في قصيدته يقول غراس أنه لا يستطيع مواصلة هذا "الصمت العام" حول الملف النووي الإسرائيلي، لأنه يشعر به "مثل كذبةٍ تدينني / وإرغام إذا لم أرضخ له / لاحت العقوبة / الحكم الشائع: "معاداة السامية"."

بمجرد نشر القصيدة توالت الاتهامات على غراس وكأنها رد فعل انعكاسي، وما لبث خصوم الكاتب أن اتهموه بملء الفم: أنت معاد للسامية. وبذلك أكد خصوم غراس ما ينفون وجوده، أي أن إسرائيل فوق النقد وفوق القانون الدولي، وأن من يتجرأ ويقول مثلاً إن إسرائيل القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط وأنها بذلك تمثل تهديداً للسلام العالمي - حتى وإن كانت حتى الآن لم تستخدم سلاحها النووي - فهو معاد للسامية، وهو لهذا شخص "غير مرغوب فيه" وممنوع من السفر إلى واحة الديمقراطية والحرية في الشرق الأوسط.

أما الطامة الكبرى فهي أن يصدر النقد من شخص شارك في الحرب العالمية الثانية مثل غراس، بل وتطوع في أحد أكثر الأسلحة النازية دموية ووحشية، وهو سلاح الإس إس. "شخص كهذا ليس من حقه إصدار الأحكام الأخلاقية"، هكذا تردد في إسرائيل؛ ولكن هل ما قاله غراس حكم أخلاقي، أم رأي سياسي قد يخطئ أو يصيب؟ رأي سياسي يستوجب النقاش والرد عليه؟

صديق إسرائيل

 

شبه الأديب الألماني غونتر غراس قرار منعه من دخول إسرائيل بالحظر الذي فرضته عليه شرطة ألمانيا الشرقية، غير أن غراس يؤكد في القصيدة – ومواقفه طيلة حياته تثبت ذلك – أنه صديق لإسرائيل ومتضامن معها، ويود أن يظل كذلك.

 

ربما كان غونتر غراس في الحوار التلفزيوني الذي أدلى به للمحطة الأولى ARD أكثر وضوحاً في أفكاره وفي حججه مما كان في "قصيدته"، ولعله لذلك كان من الأفضل له أن يصوغ تلك الأفكار في مقالة وليس في نص يكاد يجمع كل من قرأه ألا علاقة له بالشعر. بالطبع قصيدته غير متوازنة وإحادية، تهاجم إسرائيل ولا تكاد تذكر شيئاً عن تهديدات الرئيس الإيراني وإنكاره الهولوكوست.

غير أن غراس يؤكد في القصيدة – ومواقفه طيلة حياته تثبت ذلك – أنه صديق لإسرائيل ومتضامن معها، ويود أن يظل كذلك. في الحوار التلفزيوني يقول غراس إنه لم يهاجم إيران في القصيدة لأن هذا من نافلة القول. لقد كان هدفه كسر الصمت الذي يغلف الملف النووي الإسرائيلي، ومهاجمة سياسة حكومته التي تزود إسرائيل بغواصة بعد الأخرى، ولهذا اعتبر بلاده "شريكة في الذنب".

كما يؤكد غراس أنه حصل على طوفان من الرسائل المؤيدة له. وبالفعل، من يطالع بريد القراء في الصحف أو يقرأ ردود الفعل في الانترنت على قصيدته يجد عددا كبيرا من التعليقات المؤيدة لغراس والمصفقة له، وكأنها وجدت أخيراً من ينطق بما يدور في رؤوسهم. قد يكون من بينهم من ينتمي لليمين المتطرف أو المعادين بالفعل للسامية، ولكن لا يمكن الادعاء بأنهم كلهم كذلك.

وعلى النقيض من ذلك كان رد فعل معظم السياسيين والكتّاب الذين يلتزمون "الصوابية السياسية"، وإذا ذكروا نقداً لإسرائيل فلابد أن يعقبه تأكيد على حق إسرائيل في الوجود، حتى إذا لم يكن هذا الحق محل تهديد، كما هو الحال في موضوع بناء المستوطنات على أرض فلسطينية مثلاً. كما أن مهاجمي غراس ينسون أن هناك أصوات كثيرة داخل إسرائيل تهاجم أيضاً مخططات الهجوم على إيران، ومن هؤلاء الروائي الإسرائيلي الكبير دافيد غروسمان.

لماذا الآن؟

 

قصيدة "ما ينبغي أن يقال" تتصدر صفحة زوددوتشه تسايتونغ الألماني

 

لماذا كسر غراس حاجز الصمت الذي يحيط بملف إسرائيل النووي؟ لماذا يهاجم أبناء ضحايا الهولوكوست وهو يعلم أنه من جيل الجناة، وأن هناك من سيذكره بماضيه في جيش هتلر، وهو ما فعله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو على الفور؟ هل هي شجاعة من يكتب ب"آخر قطرات الحبر"؟

المتتبع لأعمال غونتر غراس ومواقفه يجد أنه في السنوات الأخيرة يحاول جاهداً، المرة تلو الأخرى، البوح ما كبته طوال السنين. لقد اعترف غراس في عام 2006 - أياً كانت دوافعه اعترف - بأنه كان تطوع اختيارياً في سلاح "الإس إس". كانت مذكراته "أثناء تقشير البصل" صدمة لكثيرين. طوال عقود كان غراس "سلطة أخلاقية" في ألمانيا، وكان يلوم الآخرين لأنهم لم يفصحوا عن ماضيهم النازي. لكنه صمت طويلاً عن ماضيه. هل عندما تحدث عن ماضيه آنذاك كان يريد العودة إلى دائرة الضوء بأي ثمن، مثلما اتهمه خصومه؟ هل كان يخشى نشر وثائق تدينه، فأسرع بتقديمه الاعتراف بنفسه؟ هذا ما يردده بعض الصحفيين. لكنه – عموماً – كان شجاعاً، حتى وإن كانت شجاعته منقوصة ومتأخرة جداً.

واليوم، عندما يقول الأديب الذي يناهز الخامسة والثمانين "ما ينبغي أن يُقال"، رغم أنه يعرف ما ينتظره: "الصمت العام عن هذا الفعل الإجرامي / الذي يندرج تحته صمتي / أشعر به مثل كذبةٍ تدينني / وإرغام إذا لم أرضخ له / لاحت العقوبة / الحكم الشائع: "معاداة السامية" فهو يتوقع بالطبع أن يُوجه إليه السؤال: "لماذا صمت حتى الآن؟".

على ما يبدو فإن هذا السؤال يعذب غراس في سنواته الأخيرة. وهو كان قبل سنوات افتتح روايته "مشية السرطان" بالسؤال نفسه: "لماذا الآن؟" في تلك الرواية تناول غراس قصة المشردين الألمان الهاربين من وجه الجيش الأحمر، أي أحد المحرمات في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية: التحدث عن الألمان كضحايا. والآن عاد غراس ليكسر "تابو" آخر، وهو يقول: أن كونه ألمانياً "التصقت به عيوب لا يمكن أن تُمحى أبداً" هو الذي منعه "من البوح بهذه الحقيقة / وأن أواجه بها إسرائيل، البلد / الذي أتضامن معه / وأريد أن أبقى كذلك".

"طاعناً في العمر، وبآخر قطرات الحبر" يتجرأ غراس ويقول: "إن القوة النووية إسرائيل تهدد / السلام العالمي الهش بطبيعته؟ / لأنه ينبغي أن يُقال / ما قد يفوت أوانه في الغد". وفي ختام قصيدته يؤكد غراس: "لن أصمت بعد اليوم / لأنني سئمت نفاق الغرب / ولأنني آمل أن يحرر كثيرون أنفسهم / من أغلال الصمت". نعم، اعتراف متأخر جداً، ولكنه خير من الاستمرار في الصمت. في نهاية القصيدة يطالب غراس، بسذاجة، "المتسبب في الخطر الواضح / بنبذ العنف / والإصرار في الوقت نفسه / على مراقبة دائمة لا يعوقها عائق / لقدرات إسرائيل النووية / ومنشآت إيران الذرية / تقوم بها هيئة دولية / توافق عليها حكومتا كلا البلدين. / هكذا فقط يمكن مساعدة الجميع / الإسرائيليين والفلسطينيين / بل كل البشر / في هذه المنطقة التي يحتلها الجنون / الذين يعيشون في عداوةٍ جنباً إلى جنب / وبهذا نساعد في خاتمة المطاف أنفسنا أيضاً."

قد تبين هذه المطالب "اليوتوبية" أن صاحب "القطة والفأر" قد أصبح يعيش في برج عاجي بعيد عن أدران السياسة. ولكن من حق الشاعر أن يتمنى، ومن حقه أن يكسر الصمت ولو متأخراً جداً، وأن يكتب ب"آخر قطرات الحبر" أنه سئم النفاق والمحرمات.

__________

*سمير جريس صحفي ومترجم مصري الأصل يعيش في برلين. ترجم عدداً كبيراً من الأعمال الأدبية الألمانية إلى العربية، منها: "عازفة البيانو" لإلفريده يلينك و"الكونتراباص" لباتريك زوسكيند و"الوعد" لفريدريش دورنمات، و"رجل عاشق" لمارتين فالزر.

===========================

واشنطن لا تستطيع التخلي عن الشرق الأوسط

تاريخ النشر: الخميس 19 أبريل 2012

الأمير الحسن بن طلال

الاتحاد

في موعد سابق من هذا العام أشّرت "المراجعة الاستراتيجية" التي أجرتها وزارة الدفاع الأميركية على تحول في أولويات السياسة الخارجية للولايات المتحدة يتم بموجبه توجيه المزيد من الاهتمام نحو منطقة آسيا- الباسيفيكي. كما تحدثت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون عن هذا الأمر باعتباره يمثل"محوراً" يتجه نحو آسيا مشيرة بذلك إلى ما يعتبره الكثير من المحللين والأميركيين العاديين انتقالًا تأخر طويلاً بعيداً عن العراق، وأفغانستان، والشرق الأوسط بشكل عام.

ولكن هناك مشكلة مع هذا، ألا وهي أن فعل التمحور يتضمن إدارة الظهر في حين أن الولايات المتحدة لا يجب بحال أن تدير ظهرها للشرق الأوسط. من المنطقي بالطبع أن تبذل الولايات المتحدة المزيد من الاهتمام لمنطقة آسيا- الباسيفيكي التي ستصبح قائدة للنمو الاقتصادي والتحدي الأمني خلال القرن الحادي والعشرين. ولا ينطبق هذا على الولايات المتحدة فحسب، حيث نقوم في الأردن بتوجيه المزيد من الاهتمام ناحية الشرق، وهذا أمر منطقي، لأننا ومع الكثير من دول الشرق الأوسط نقع في غرب آسيا، ندرك أن مراكز الثقل الجغرافي والعسكري، تتغير كما هو واضح للعيان.

مع ذلك، يتعين القول إن أميركا عليها واجب ينبغي أن تؤديه تجاه هذه المنطقة والعالم العربي بشكل عام. ذلك لأن النشوة التي تولدت جراء" اليقظة العربية" لا يمكن أن تخفي حقيقة أن الشرق الأوسط يمر بحالة من الاضطراب والفوضى لم يسبق أن مر بها من قبل. في عام 2009 قال أوباما في القاهرة: "في حين أن الولايات المتحدة كانت تركز في الماضي على النفط والغاز في هذا الجزء من العالم، فإننا نسعى الآن إلى انخراط أوسع نطاقا". وهذا الانخراط الذي نأمل فيه جميعاً لا يمكن إدامته من خلال المحاور. إن فك الاشتباك العسكري الأميركي في العراق وأفغانستان أمر مرحب به داخل العالم العربي، ولكن لا بد من القول إنه ما تزال هناك حاجة لأنواع أخرى من الانخراط الأميركي.

فرغبة العديد من دول الشرق الأوسط في الحصول على قدر أكبر من حق تقرير المصير مؤطرة بسؤال واضح في عباراته هو: بعد عقد من الحرب والجمود المتواصل في عملية السلام... هل ستترك أميركا المنطقة كي تلملم البقايا؟.

إن ذلك الشعور ب"إنهاك المهمة" الذي ساد في واشنطن كان يعني أن دروس التاريخ قد جرى إغفالها. وما لم يتحقق السلام بين إسرائيل وفلسطين، فإن هذه المنطقة من العالم ستظل تتصدر مكاتب وقرارات مجلس الأمن الدولي. وهناك في الوقت الراهن أربع قوى مركزية في الشرق الأوسط هي: إسرائيل، وإيران، وتركيا، والولايات المتحدة الأميركية وهي جميعها قوى غير عربية. ومن هنا فإن أي انسحاب جوهري من قبل الولايات المتحدة سيخلق على الأرجح فراغ قوة. وفي منطقة يعد فيها الوسطاء مهمين، فإن ذلك سيترتب عليه تداعيات. فعلى سبيل المثال، ليس هناك منتدى أمني في الشرق الأوسط يمكن فيه لإيران والمملكة العربية السعودية الجلوس سوياً على نفس الطاولة.

وبالإضافة لموضوع إيران هناك إمكانية متزايدة لحركة المواد النووية الانشطارية بما في ذلك تقنية التسليح والوسائط البيولوجية عبر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد خلصت مبادرة التهديد النووي الذي أتشرف بعضويتها إلى أن هناك 32 دولة في المنطقة تمتلك ما مقداره كيلو جرام أو يزيد من المواد النووية، التي يمكن استخدامها في الأسلحة. وإذا انتقلت تلك المواد بطريقة غير شرعية إلى أي مكان ما، فإن الأمر سينتهي بها على الأرجح هنا في منطقتنا، ذلك لأن منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا كانتا لفترة طويلة مختبراً لتجريب كل سلاح.

وإذا أخذنا في اعتبارنا أن الانتفاضات الأخيرة في المنطقة قد جعلت الحدود أكثر قابلية للاختراق فإننا سندرك أن عملية تقييد حركة المواد القابلة للاستخدام في الأسلحة، والاقتصاد السري القائم على الأسلحة لم تكن في أي وقت على هذا القدر من الصعوبة، التي هي عليه اليوم كما أن احتمال الإرهاب النووي في المنطقة لم يكن أخطر مما هو عليه الآن.

لذلك فإن الولايات المتحدة ستجانبها الحكمة إذا حولت اتجاهاً أبعد مما يجب وأسرع مما يجب. فهناك الكثير من الأشياء التي تركت من دون إنجاز. ويمكن لأميركا أن تساعد بثلاث طرق: الطريقة الأولى: من خلال التركيز على ما تتسم به شعوب المنطقة من ذكاء وقدرة على تدبير الأمور بدلاً من الاعتماد على موارد الحكومات فحسب. إن البرامج التي تدعم ثقافة المبادرة والمشروعات الخلاقة والحكم المحلي الرشيد، والتي توفر فرصاً تدريبية أو قروضاً مصغرة يمكن أن تقوم وبكفاءة بمقاومة الدعاية المناوئة للغرب وتدعم التماسك المجتمعي وتنشر "الأمن الإنساني".

الشيء الثاني الذي تستطيع الولايات المتحدة أن تقوم به هو أن تعمل على تعزيز العلاقات بين دول المنطقة، فالإطار الذي يربط غرب آسيا وشمال أفريقيا هو إطار مؤقت ومشخصن لدرجة متزايدة، كما أن الافتقار إلى مؤسسات إقليمية يعني أنه عندما يكون هناك توتر، فإننا لا نجد صمام أمان، ليقوم بتنفيث ذلك التوتر، وهو ما يزيد من احتمالات وقوع الصراعات.

الشيء الثالث: يمكن لأميركا تجديد ميراثها في الشرق الأوسط وصورتها في العالم من خلال تحقيق تسوية راسخة وعادلة ومنصفة لعملية السلام.

إن التحرك من أجل إبراز قيادة أميركا في منطقة آسيا- الباسيفيكي من خلال النمو الاقتصادي والأمن الأقليمي والقيم الدائمة، وهو يعتمد بشكل عام وعلى حد كلمات هيلاري كلينتون على ثلاثة من عناصر قانون هليسنكي 1975 وهي: الأمن، والتعاون الاقتصادي والتقني، وحقوق الإنسان، وهي عناصر إذا أخذت في مجموعها تكون أساس مشروع واعد جديد للعلاقات ليس مع منطقة آسيا- الباسيفيكي وإنما مع غرب آسيا أيضاً.

_______________

*الأمير الحسن بن طلال

مؤسس منتدى غرب آسيا- شمال أفريقيا وعضو مجلس إدارة مبادرة التهديد النووي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم.سي.تي إنترناشيونال"

=================

سوريا بين حرب داخلية وأخرى بالوكالة!

تاريخ النشر: الخميس 19 أبريل 2012

د. وحيد عبد المجيد

الاتحاد

لايزال صعباً توقع الاتجاه الذي سيمضي فيه الصراع على سوريا في عامه الثاني الذي بدأ قبل أسابيع قليلة. فكثيرة هي احتمالات التطور في مسار هذا الصراع. وإذ يبدو احتمال الحل السلمي مستبعداً، في الوقت الذي يزداد فيه الميل إلى "عسكرة" الاحتجاجات بعد أن بلغت وحشية النظام أعلى مبلغ، يصبح السؤال المطروح هو: إلى أي نوع من الحرب يمكن أن يتجه هذا الصراع؟ فرغم أن التركيبة الفسيفسائية للمجتمع السوري الذي يضم سنة وعلويين ومسيحيين ودروزاً وإسماعيليين وفقاً للانتماء الطائفي، وكرداً وعرباً حسب الانتماء العرقي، ورغم الوضع الغريب الذي تهيمن في ظله نخبة من إحدى الأقليات (العلوية) على سلطة الدولة... فقد لا يكون احتمال الحرب الأهلية على خلفية طائفية هو الأرجح، رغم الجدل الواسع الجاري حولها منذ مذبحة كرم الزيتون في حمص يوم 13 مارس الماضي. فلم تكن هذه مذبحة أهلية لأن من ارتكبها عناصر أمنية وشبيحة.

صحيح أن شبح الحرب الطائفية يبدو كما لو أنه يحوم في سماء سوريا منذ أشهر، لكنه لايزال بعيداً عن أرضها رغم تركيز الآلة الدعائية الرسمية فيها عليه. فالتحذير من حرب أهلية طائفية هو السلاح السياسي الوحيد بين يدي نظام لا يملك الآن غير أسلحة القتل والتعذيب والاعتقال.

لكن للحروب الطائفية مقومات وعوامل تتراكم عبر الزمن، وفي مقدمتها تنامي الكراهية بين فئات المجتمع أو بعضها. ولم تشهد سوريا مثل هذه الحال في العقود الماضية لأن الأسد الأب حرص على إيجاد نوع من توازن المصالح بهدف عدم إثارة غضب الأغلبية السنية.

وليس هناك، وفق الصورة التي يمكن تكوينها عن بُعد، ما يدل على وجود مقومات كافيه لحرب أهلية طائفية حتى الآن رغم تصاعد التوتر بل ازدياد حدته في بعض المناطق الأكثر اشتعالاً، خصوصاً في حمص التي يتجاور فيها السنة والعلويون والمسيحيون. فقد تركت عائلات سنية أحياء تسكنها أغلبية علوية مثل حي كرم اللوز، والعكس أيضاً، حيث يدفع التوتر المتزايد بعض السكان إلى المغادرة والتوجه نحو أحياء توجد فيها أغلبية من أبناء الطائفة، سواء في المدينة نفسها أو في مدينة أخرى.

غير أن هذه التحركات لا تشكل ظاهرة، ولا ترتبط في كل الأحوال بوجود تهديد حقيقي أو بحدوث استهداف على الهوية. فالروايات المتواترة تفيد بأن التوتر الطائفي يبدأ عادة بشكوك من جانب بعض قادة "تنسيقيات الثورة" تجاه موقف بعض الأفراد ودعمهم للنظام، أو شعور هؤلاء بالخوف من ردة فعل انتقامية قد تحدث ضدهم.

والحاصل أن هذا المستوى من التوتر المحدود لا يزال محصوراً في المناطق الأكثر تعرضاً للتنكيل، خصوصاً في حمص التي قدمت نحو ثلث شهداء الحراك الحالي. كما أن هذا الحراك ليس مقصوراً على السُنة الذين يمثلون جسده الأساسي. فقد التحق به، بل شارك فيه منذ البداية، بعض أبناء الأقليات. ومن الطبيعي أن يكون العلويون والمسيحيون هم الأقل مشاركة فيه. فالعلويون يخشون تعرضهم للانتقام إذا أُسقط نظام الأسد الذي تنشر آلته الدعائية الفزع في أوساطهم ليل نهار وبلا هوادة. والمسيحيون ينظرون حولهم حيث أدى الحراك في بلاد عربية أخرى إلى صعود حركات وأحزاب إسلامية إلى السلطة.

ومع ذلك لا يخلو حضور بعض رموز الأقليات السياسية والدينية والثقافية والفنية في الحراك السوري من دلالة يصعب تقليل أهميتها. فمن أبرز المعبرين عن هذا الحراك الآن رموز دينية علوية مثل الشيوخ: ياسين حسين ومهيب نصيافي وموسي منصور، وأخرى سياسية وفنية مثل محمد صالح العلي وفدوى سليمان وسمر يزبك. وهناك رموز مسيحية مثل ميشيل كيلو وفارس الحلو وجورج صبرا. كما يوجد رموز من الدروز مثل فنان الثورة سميح شقير وريما فليحان ومنتهى الأطرش (ابنة سلطان باشا الأطرش) وغيرهم. وقد أدان شباب من الدروز في "تنسيقية السويداء" وغيرها موقف قياديين غير سوريين من طائفتهم لدعمهم نظام الأسد.

لذلك لا يبدو احتمال الحرب الأهلية ذات الخلفية الطائفية هو الأقرب في سوريا، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أن قلق الأقليات من النتائج التي يمكن أن يقود إليها التغيير، يوازنه ضيقها بسياسات النظام التسلطية التي أفقرت أكثر من نصف السوريين ولم تميز في ذلك بين سني وعلوي ومسيحي ودرزي.

وإذا صح هذا التقدير، ومع استبعاد احتمال حل سلمي ربما يعرف النظام أن فيه نهايته، يصبح الاحتمال الأقرب إلى معطيات الواقع الآن وتجربة العام المنقضي هو نوع من الحرب المزدوجة التي يقصد بها مزيج من الحرب الراهنة بين النظام والمحتجين المطالبين بإسقاطه مع توسع نطاقها واقترانها بحرب بالوكالة نتيجة ازدياد تدخل لاعبين إقليميين ودوليين فيها بأشكال مختلفة.

فليس لدى الأطراف المؤيدة للتغيير استعداد لتدخل عسكري وفق "الصيغة الليبية"، وقد لا تكون راغبة حتى في تدخل مباشر على مستوى أدنى. لكنها قد تضطر لاتخاذ تدابير لدعم المحتجين أو حمايتهم، خصوصاً بعد أن أسدل العام الأول للصراع ستاره على مشهد تراجعهم وتقدم قوات النظام لتدمير بعض أهم معاقلهم. ويمكن أن تشمل هذه التدابير تسليح المحتجين، وقد تصل في مرحلة تالية إلى إقامة ملاجئ آمنة لهم على حدود سوريا مع بعض جيرانها.

وسيزداد في المقابل الدعم الذي يتلقاه النظام من الأطراف التي تسانده، خصوصاً إيران على المستوى الإقليمي وروسيا والصين على الصعيد الدولي. وقد اقترن مطلع العام الثاني للصراع بعودة بوتين إلى الكرملين، وبدأ عهده الجديد بشن حرب سياسية ضارية على الغرب معتبراً أنه يتبنى "سياسة وقحة" تشارك في تغيير أنظمة عربية من أجل مصالحه الاقتصادية وليس حرصاً على حقوق الشعوب في هذه البلاد وفقاً لرأيه.

ويبدو بوتين عازماً على المضي في هذا الاتجاه مدفوعاً بما يعتبره مصالح اقتصادية واستراتيجية لبلاده. لذلك يصعب توقع إمكان تغير موقف روسيا في وقت قريب بخلاف ما حدث من قبل وكان آخرها في ليبيا. وكذلك الحال بالنسبة للصين.

ومن شأن ثبات روسيا والصين على موقفهما أن يجعل النظام السوري أكثر قدرة على الصمود وأوفر استعداداً للذهاب إلى مدى أبعد في استخدام القوة أملاً بإنهاء الاحتجاجات. ولأن احتمال نجاحه في ذلك محدود للغاية، لأنه فقد شرعيته من الناحية الفعلية بمقدار ما أسال من دماء، فهذا يعني أن الحرب الداخلية مرشحة لأن تتواصل لوقت قد لا يكون قصيراً، مقترنةً بصراع إقليمي ودولي يمثل نوعاً من الحرب بالوكالة.

=================

سوريا أظهرت ضعف تركيا

محمد نور الدين

السفير

19-4-2012

على الرغم من التصريحات اليومية المشككة بمهمة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا كوفي انان، فإن المسؤولين الأتراك يمرون بمرحلة من الترقب القلق على دخول العملية السياسية في سوريا منعطفاً جدياً في البحث عن حل للأزمة، وسط مناخ من الضياع والإحباط على ما كان يخطط لسوريا من قبل قوى إقليمية، من بينها تركيا، من أجل غاية واحدة، وهي شطب نظام الرئيس السوري بشار الأسد من أي صيغة حل مقبلة.

ومع استبعاد نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي، المطلوب من قبل القضاء العراقي بتهم «الإرهاب»، أية محاولة لتدخل تركي منفرد في سوريا باتت مراجعة الموقف وأخذ الدروس والعبر وتوجيه السهام إلى الحكومة، وتراجع حتى وتيرة الحماسة والانفعال لدى المؤيدين لها بين الكتّاب الإسلاميين، العنوان العريض للمزاج التركي. طبعاً هذا لا يمنع أن يخرج مسؤول تركي غداً ويعيد وتيرة الحدة في التصريحات إلى نقطة الصفر، أو أن يعاند بعض الكتاب ويواصلون التحريض في لعبة باتت على ما يبدو اكبر من قدرة تركيا على أن تواصل السير بها كما ترغب، وكما كانت تشتهي.

وإذا كان من عبر جديدة على تركيا أن تستفيد منها، في وقت غابت عنها معايير الموقف والاستفادة، فهو نجاح إيران في أن تفرض شروطها على مجموعة الخمسة زائداً واحداً، وأن تسحب من يد تركيا آخر ورقة كانت تحاول أنقرة أن تغطي فيها عجزها عن النجاح في الساحة السورية، وأن تبقى في صورة الوسيط الضروري بين إيران والغرب، وهي نقل المفاوضات النووية من اسطنبول إلى بغداد، وهذا تطور ليس هامشياً في لعبة الصراع المفتوحة بين أنقرة وطهران من جراء مغامرة حزب العدالة والتنمية بمحاولة إسقاط الأسد، بما يعنيه من تهديد للنفوذ الإيراني والروسي والصيني في المنطقة.

متين منير، الكاتب في صحيفة «ميللييت»، يعترف أن تركيا فقدت دورها الرئيسي في سوريا، وتراجع لتحتله القوى الكبرى الأساسية من الولايات المتحدة إلى روسيا والصين. ويقول إن هذه القوى لم تعط لتركيا دوراً رئيسياً في الأزمة السورية.

ويشبّه منير موقع تركيا من الأزمة في سوريا «بشاب يدعو صديقته إلى الغداء، وشرط الدعوة أن يكون في جيبه المال الكافي لدفع فاتورة الطعام. وهكذا تركيا لم تستطع إعلان الحرب على سوريا، لأنها تدرك انه بعدها سيأتي الانهيار الاقتصادي، لأن لا قدرة لها على تمويل مثل هذه الحرب. وفي لحظة عبور الجيش التركي الحدود السورية سيكون أمام أنقرة خطر العودة إلى ما قبل العام 2002 من تضخم وإفلاس وانهيار وعجز في الميزانية»، خصوصا أن التقارير الاقتصادية الغربية تواصل وصف حالة النمو التركية بأنها هشة ومعرضة للكسر، وبأنها الأكثر تعرضاً للمخاطرة بين اقتصادات الدول النامية.

ويتابع الكاتب إن «خطأ تركيا أنها وضعت الانتفاضة السورية في الكفة نفسها للحركات الشعبية في تونس ومصر وليبيا، بينما سوريا مختلفة، حيث يقف وراء النظام فيها أصدقاء عنيدون، مثل روسيا وإيران والصين».

ويضيف منير «لكن الخطأ الأكبر لأنقرة أنها لم تنتبه إلى أن إسقاط نظام الأسد لا يصب في مصلحتها بل هو ضد مصالحها. فسوريا تماماً مثل العراق بلد متعدد دينياً ومذهبياً، ولا سيما السنة والشيعة، وإتنياً بين عرب وأكراد. وفي حال ذهاب الأسد سيحصل في سوريا ما حصل في العراق، وهذا سيكون سيئاً جداً لتركيا».

ولكن، يتابع منير، «تحولت سوريا إلى قضيتنا لأن حزب العدالة والتنمية دخل في الفلك الأميركي في الشرق الأوسط، فخسر سوريا وخسر أيضاً إيران. فمن يرى انه لم يعد هناك أي شيء في أيدينا؟ لقد أظهرت سوريا لنا، ليس قوة تركيا في الشرق الأوسط بل ضعفها. لقد ظهر أن هناك لاعبين أكبر منا، وسيبقى الأمر كذلك إلى أن تجف آخر نقطة نفط وغاز، ولن يعطونا دوراً رئيسياً».

وفي صحيفة «زمان» كتب عبد الحميد بالجي، الإسلامي المتحفظ أحياناً على سياسات حزب العدالة والتنمية تجاه دمشق، أن الوضع في سوريا يواجه ثلاثة مآزق، «الأول التناقض بين التوقعات العالية لحكومة رجب طيب اردوغان من الوضع هناك وبين محدودية القدرة التركية على تنفيذ هذه التوقعات».

ويوضح أن «المأزق الثاني دولي، ويتمثل في ان المجتمع الدولي لن يتحرك إلا بعد فترة طويلة، تماماً مثل البوسنة التي تركت لمصيرها بعد سقوط عشرات آلاف القتلى. أما المأزق الثالث فهو الارتباكات والترددات التي أصابت تحرك القوى الخارجية خوفاً من انفجار الوضع في كل الشرق الأوسط، من لبنان الى فلسطين ومن إيران الى العراق، ومن المسألة الكردية الى المحور الشيعي».

=================

الأزمة السورية... وخطر انقسام المعارضة

جوشوا لانديس

مدير مركز دراسات الشرق الأوسط وأستاذ مساعد بجامعة أوكلاهوما

ينشر بترتيب خاص مع خدمة

«تريبيون ميديا سيرفيس»

تاريخ النشر: الخميس 19 أبريل 2012

الاتحاد

حسبما تدل كافة المعطيات، فإن فرص نجاح قرار مجلس الأمن الدولي الذي تمت الموافقة عليه منذ أيام، والذي يدعو إلى وضع نهاية للحرب الأهلية في سوريا "ضئيلة للغاية". ويرجع ذلك في المقام الأول لحقيقة أن نظام الأسد يعتقد جازماً أن الوقت في صالحه، وأنه سيكسب هذه الحرب في نهاية المطاف، وأن قواته المسلحة ما تزال متماسكة، وأن هناك دولًا مهمة تساعده وتقف لجانبه مثل الصين وروسيا وإيران، وإنه قادر في النهاية على قمع التمرد.

وفي الوقت نفسه تعتقد المعارضة السورية أن مصير نظام الأسد قد بات"معلقاً بخيط رفيع"، بسبب تزايد حالات الانشقاق عن نظامه، والهروب بين قواته خصوصاً من قبل المسؤولين والجنود السنة، وأن المجتمع الدولي، ودول الخليج ودولاً أخرى أهمها تركيا تقف لجانبها في سعيها لإسقاط نظام الأسد.

كما تدرك المعارضة أن الطائفة السُنية التي ينحدر معظم أفرادها منها تشكل 65 في المئة من سكان سوريا، وأنهم سينجحون في نهاية المطاف في إنهاء نظام الحكم العلوي الممقوت عالمياً.

بيد أننا لو نظرنا لوضع المعارضة في الوقت الراهن، لوجدنا انقساماً آخذاً في الاتساع، ووجدنا أنها تعاني من "حالة من الفوضى الشاملة في الوقت الراهن". فالمجلس الوطني السوري الذي يقوده سوريون ذوو ميول غربية، والذي نجح في إقناع المجتمع الدولي في فرض العقوبات على نظام الأسد، قد فشل في إقناع الغرب بالتدخل العسكري في سوريا، وهو ما كان كفيلاً في حالة حدوثه بتتويج نجاحهم، وإسقاط النظام كما حدث في ليبيا القذافي خلال الصيف الماضي.

ومن مظاهر هذا الانقسام أن المجلس لم يعد يثق بالمسلحين الإسلاميين الذين يخوضون القتال على الأرض بالفعل ضد قوات الأسد في سوريا بعد أن أيقنوا أن خيار المواجهة العسكرية هو الحل، ويرفض مدهم بالأموال والسلاح، وهو ما كان سبباً في تعرض تلك القوات لهزائم ساحقة من قوات الأسد الأكثر عدداً، والأقوى تنظيماً والأحدث عدة وعتاداً.

ومما فاقم من حجم المشكلة التي تواجهها قوات المعارضة السورية التي تحارب على الأرض أن الجيش السوري النظامي، وبعد "الفيتو" الصيني والروسي في مجلس الأمن، قام بتنفيذ حملة عسكرية كلاسيكية تعتمد على استرداد المناطق التي استولت عليها المعارضة والتمسك بها(على غرار الحملة الأميركية في أفغانستان تماماً) مما عرض قوات المعارضة لخسائر كبيرة.

وفي الواقع أن المعارضة السورية. قد ارتكبت خطأ فادحاً عندما دفعها الحماس الثوري الساذج للاعتقاد أن حملتها المضادة لنظام الأسد، ستشبه إلى حد كبير الحملتين المماثلتين في تونس ومصر، وهو ما جعلها لا تهتم الاهتمام الواجب بتنظيم صفوفها جيداً، ولم يجد أعضاؤها داعياً للسرية ولا لإخفاء وجوههم، فراحوا يصورون أفلام الفيديو التي تكشف نشاطهم، بل وعن أماكن وجودهم، باعتقاد أن نظام الأسد سيسقط خلال شهور على الأكثر، وهو ما سهل على النظام تعقبهم وقتل العديدين منهم.

ومن المهم في هذا السياق الإشارة إلى أن المليشيات الصغيرة العدد المكونة من الفارين من الجيش السوري التي تكاثر عددها كالفطر، والتي يظهر أفرادها على "اليوتيوب" بالزي الرسمي، وهم يحملون أسلحتهم ويظهرون بطاقاتهم العسكرية، ويطلقون على وحداتهم التي يتراوح عددها ما بين 20 - 30 جنديًا أسماء المحاربين الإسلاميين العظام عبر التاريخ، ويدلون بتصريحات حماسية عن نقل القتال لمناطق النظام ذاتها، تحتاج بشكل ماس إلى دعم وإلى سلاح وأموال ومساعدات لوجستية، ولكن قيادة المجلس الوطني السوري الموجودة بالخارج، ترفض تقديم تلك المساعدات لهم وهو ما أثار موجة واسعة من المساجلات داخل المجلس كانت سبباً في انشقاق بعض من كبار القيادات عنه.

من تلك القيادات هيثم المالح على سبيل المثال المناضل السوري الذي قضى فترات طويلة من حياته في سجون النظام والذي يرى أن ذلك النظام ليس من السهل كسره، وإن المعارضة وعلى رأسها المجلس الوطني السوري يجب أن تتبنى خيار المواجهة العسكرية كخيار أساسي حتى تتمكن من إسقاطه.

ورفض المجلس الوطني السوري تبني هذا الخيار حتى الآن، دفع الرئيس المفترض للجيش السوري الحر العقيد رياض الأسعد الذي يتخذ أنصاره من تركيا قاعدة لهم، إلى انتقاد المجلس الذي يرأسه المعارض المعروف برهان غليون، لرفضه مد "الجيش الحر" بالأموال والسلاح.

سبب تردد المجلس الوطني السوري يرجع إلى خشيته من سيطرة التوجهات الإسلامية المتطرفة وتنظيم "القاعدة" على هؤلاء المقاتلين مما يجعل من السيطرة عليها مسألة بالغة الصعوبة، علاوة على أنهم سينقسمون، بسبب عدم وجود قيادة مركزية واحدة لهم، لعدد كبير من المليشيات الصغيرة المتفرقة مما يخلق حالة عامة من الارتباك والفوضى.

ونظراً لاحتفاظ قيادات هذا المجلس بعلاقات جيدة مع العديد من الدول والجهات الغربية ذات النفوذ، فإنهم نجحوا في نقل وجهة نظرهم هذه ومخاوفهم من "أسلمة" المعارضة السورية لها، وهو ما كان له تأثير واضح يتبدى في حقيقة أن العديد من تلك الدول والجهات راحت تراجع نفسها، لأنها لا ترغب في حدوث ذلك، وإن كانت تدرك في ذات الوقت أنه لا بديل لها عن ذلك، لأن السوريين مسلمون، وعقيدة التمرد في سوريا هي الإسلام، الذي يؤمن أتباعه أنك إذا ما أردت أن تقاوم جيش احتلال أو جيشاً أقوى عدداً وعدة كما في الحالة السورية، فإنه لا بديل عن اتباع تكتيك العمليات الفدائية وتكتيكات الكر والفر لحرب العصابات. كما يؤمنون أنه لنجاح تلك العمليات، فإن القائمين بها يجب أن يتميزوا بقدر كبير من الدافعية والاستعداد للتضحية بالنفس، وأن لا شيء يقدم هذا سوى الإسلام الذي يمنحهم إلى جانب ذلك إحساساً بأن الله يقف إلى جانبهم وأن النصر سيكون من نصيبهم في نهاية المطاف.

على ضوء ذلك قد نجد هناك من يسأل: طالما أن الأمور على هذا القدر من التعقيد فلماذا لم يُقترح على "الأسد" التوصل لصفقة؟ لأنه يدرك أن نظامه "البعثي" الذي يقوم على أساس الولاء للعائلة الحاكمة وفي نهاية المطاف الولاء لرجل واحد، هو نظام سهل الإنكسار، على الرغم من صلابته الظاهرة. وإنه إذا تم البدء في العبث بهذا النظام فسيسقط.

ويتذكر الرئيس السوري أنه قد فعل شيئاً مثل ذلك عندما جاء إلى السلطة عقب وفاة والده عام 2000 وشهدت سوريا ما أطلق عليه في ذلك الحين "ربيع دمشق" عندما خاطب هو السوريين كقائد جديد شاب متفتح وطالبهم بأن ينتقدوا من يشاءون ويتكلمون مثلما يريدون.

وخلال ثلاثة أسابيع فقط، طالبت كل جماعة سورية نجحت في تنظيم نفسها بإنهاء احتكار الطائفة العلوية للسلطة وللمجال السياسي، وبدأت في المطالبة بالحرية، وبإنهاء الديكتاتورية، وهو ما لم يكن النظام الطائفي القائم على الولاء مستعداً للاستجابة له، فانتهى "ربيع دمشق" خلال شهر واحد فقط من بدايته، بعدما اتضح للجميع أن النظام شديد الفساد وشديد القمعية، وأنه ويقوم على الوصاية والولاء للعائلة وللفرد، وأن القائمين عليه يفهمون جيداً أن أي عبث بهذا الترتيب سيجعله يتهاوى، وهو ما بات الأسد يعرفه جيداً، ولا يشجعه بالتالي على قبول الدخول في صفقات.

=================

باريس تستضيف المؤتمر في أسبوع انتخاباتها .. رسالة ضاغطة بعدم التهاون سورياً

روزانا بومنصف

2012-04-19

النهار

أظهر اصرار فرنسا ومعها بعض الدول الاقليمية والغربية على انعقاد مؤتمر اصدقاء سوريا مجددا في باريس بعد اقل من اسبوعين على انعقاده في جلسته الثانية في اسطنبول عزم هذه الدول على وجوب عدم الرهان على تراخي الضغوط على النظام السوري في هذه المرحلة بل على تشديدها. اذ ان الحرص على هذا الاجتماع الثالث في وقت ضيق ودقيق عشية بدء المرحلة الاولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية نهاية الاسبوع الجاري يؤكد الدور الذي حرصت فرنسا على اتخاذه من الموضوع السوري وابراز هذا الدور وعدم الافساح في المجال لان تكون الانتخابات ذريعة لتأجيل الموعد الثالث لهذا الاجتماع. والسبب من وراء ذلك تقني في الدرجة الاولى باعتبار ان التوافق على موعد ثالث للمؤتمر يعقد في فرنسا سبق التوافق الدولي في مجلس الامن على قرار في شأن سوريا ودعما لخطة كوفي انان ثم ان الانتخابات وما يستتبعها من تأليف حكومة جديدة في فرنسا قد يستلزم بعض الوقت، الامر الذي قد يوحي بتهاون او ضعف آلية الضغط التي تعتمدها او تتبناها الدول الغربية ومعها الدول الاقليمية على النظام السوري في حين ان تواتر الرسائل الضاغطة في هذا الاطار لا ينبغي ان يتجاوز مرحلة زمنية معينة لئلا تفقد هذه الرسائل زخمها. الامر الذي يعني ان هذا المؤتمر والقيمين عليه قد يأخذون اجازة لبعض الوقت نتيجة اولويات مختلفة لدى الدول المعنية على ان تكون خطة انان قد اثبتت قدرتها خلال هذا الوقت على ان تكون فاعلة ام لا.

والرسالة الاهم من استمرار آلية الضغوط قد توحي بان لا ثقة للغرب عموما او للدول المشاركة في مؤتمر اصدقاء سوريا بتطبيق النظام السوري خطة كوفي انان ولذلك لا نية للتنازل مسبقا او التهاون ازاء استمرار الضغوط قبل رؤية طبيعة التنفيذ على الارض. لكن هذه المصادر تعتبر ان انعقاد المؤتمر في هذا التوقيت انما يتصل باسباب فرنسية غير انتخابية ضرورة كون السياسة الخارجية الفرنسية في ما يتعلق بالمنطقة لا تحظى باهتمام كبير لدى الرأي العام الفرنسي وليست عاملا حاسما في الانتخابات لمصلحة الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي. لكنه ليس حكما للتشكيك بمهمة انان او اي شيء من هذا القبيل. وتعتقد ان فرصة تنفيذ الخطة قد تكون جيدة وافضل من خطة الجامعة العربية التي لحظت ارسال مراقبين عرب الى سوريا قبل بضعة اشهر باعتبار ان المسألة تختلف ولا يمكن التلاعب مع هؤلاء كما تم التلاعب مع المراقبين العرب على رغم فقدان الثقة بالنظام السوري والاقتناع بقدرته ورغبته في المماطلة والمناورة حتى يستتب الوضع له مجددا. لكن الامر يظل رهنا بما سيحصل على الارض في المدى المنظور. اذ انه من السابق لاوانه الحكم على احتمال نجاح الخطة والتزام سوريا اياها في حين لا ينبغي التنازل عن الاوراق الموجودة بين ايدي هذه الدول على نحو مسبق فضلا عن ان المصادر تتحدث عن تضارب كبير في الرؤية الغربية والروسية لخطة انان يعبر عن نفسه على نحو شبه يومي ولكنه لن يلبث ان يظهر اقوى بعد حين. اذ ان روسيا ستتفرغ اكثر في ظل انشغالات دول غربية بانتخاباتها الى الموضوع السوري في حين ان الدول الاقليمية تبدو مقيدة نوعا ما في حركتها بين تركيا التي تعتمد في استيراد 40 في المئة من الطاقة لديها على ايران وحساسية الموضوع الكردي، والدول الخليجية مقيدة باعتبارات اخرى بحيث تحتاج الى منفذ للضغط المباشر على النظام السوري. كما يعتقد ان روسيا تحاول ان تلعب دورا استباقيا للمرحلة السياسية من خطة انان من خلال ما ظهر من استقبال وفد من المعارضة السورية في الداخل اقله بالنسبة الى البعض. ومع ان هذا الدور مرغوب لجهة اضطلاع روسيا بدور طالبها به كثر في الاشهر الماضية الا ان المصادر المعنية تكشف ان ما تنتظره الدول من مؤتمر اصدقاء سوريا من الخطة في حال جرى تنفيذ بنودها الستة المتعلقة بوقف النار العمل على خطة انتقال سلمي من دون بقاء الرئيس السوري في السلطة في حين تجهد روسيا في المقابل من اجل محاولة تطبيق هذه الخطة على قاعدة عدم الاستغناء عن الرئيس السوري واستمراره في منصبه.

وبحسب هذه المصادر فان اداء روسيا في هذا الموضوع يثير حفيظة كل الدول التي يعتبر غالبيتها ان روسيا عمدت الى استخدام الازمة السورية من اجل استعادة نفوذ في المنطقة كانت فقدته في الواقع من خلال ما اظهره عزمها على ارسال بوارج تتمركز قبالة الشواطئ السورية فضلا عن انها ترسل مؤشرات متضاربة او متناقضة عن رغبتها في رعاية مرحلة سياسية انتقالية في حين تؤكد من جهة اخرى دعمها المستمر للنظام مع محاولة تقويض المعارضة الخارجية وحض الدول الغربية على وقف الدعم لهذه المعارضة بما يوحي انها تسعى الى استبعاد هذه المعارضة على ما يرغب النظام السوري. وتلفت هذه المصادر الى رد الفعل المستمر من جانب روسيا على الخرق الذي يقوم به النظام لوقف النار والدفاع عن النظام مع تحميل المعارضة تبعة ما يجري وانتقاد الدول الغربية لدعمها هذه المعارضة ورغبة روسيا في وقف هذا الدعم.

=================

في غياب حل سياسي سوريا تتفتّت

سركيس نعوم

2012-04-19

النهار

تحدث السوري الاميركي المعروف بسبب دوره الاساسي في قيادة عملية تفاوض غير مباشر بين سوريا الراحل حافظ الاسد ثم سوريا ابنه بشار استمرت سنوات وكادت ان تنجح لولا تسريب اسرائيلي مقصود احرج دمشق، عن الحرب الاهلية في سوريا التي قلتُ انها بدأت، قال: ”حسناً. وهي ستستمر وتكبر. النظام انتهى لكنه لم يسقط. والثورة تُضرَب لكنها لن تُخمَد. سيسيل دم كثير في سوريا، واذا لم يتم التوصل الى حل سياسي ستذهب سوريا الى التفتيت. سيتراجع اهل النظام و”عصبيته” اي شعبه الى جبل العلويين وسيحتفظون بمدن الساحل السوري رغم الانتماء المذهبي المختلف لأهلها وربما بمدن اخرى، وقد تقوم دولة علوية او كانتون علوي او شيء مشابه. وبعد ذلك يفرجها الله. عام 1982 أخافت احداث حماه بل الاحداث التي أدت اليها الرئيس في حينه حافظ الاسد، وتحديداً خشي ان لا يتمكن من حسمها لمصلحته، فأسس فرعاً رئيسياً للبنك المركزي السوري في المنطقة العلوية، وانشأ جامعات وأقام بنى تحتية مهمة. وكان هدفه من ذلك تحضير المنطقة في حال اضطر الى الانكفاء في اتجاهها، ونقل يومها كل موجودات المصرف المركزي من القطع النادر الى الفرع المذكور. ماذا يمنع ان يحصل ذلك اليوم او شيء يشبهه. أنا أعرِف النظام السوري. إذ كنت على اتصال بالرئيس الراحل ثم بعد ذلك بنجله الرئيس الحالي وعملنا معاً على موضوع السلام مع اسرائيل. سبعة آلاف سقطوا قتلى في سوريا. الدم يسيل. لا يستطيع بشار ان يستمر. لكنه لا يستطيع ايضاً ان يرحل. يداه ملطختان بالدماء. انه لا يحكم. الذين حوله يحكمون. عندما قابل كولن باول وزير الخارجية الاميركي قبل سنوات وعده بأمور كثيرة بقيت من دون تنفيذ. كان سبب عدم التنفيذ رفض الذين حوله. قالوا له انت الرئيس. لكن لا تتخذ قرارات ولا تعطِ وعوداً لأنك قد لا تستطيع تنفيذها. الحديث الصحافي الذي اعطاه لبربارة والترز يُثبت انه لا يمون على شيء”. هل كل الذين يعملون مع بشار وخصوصاً من العلويين يؤيدونه؟ سألت. أجاب: ”هناك احتمال ان تتركه مجموعات من العسكريين العلويين، وربما ينضم هؤلاء الى الثورة إذا كان لهم مكان فيها. أو يبقون في بيوتهم وخصوصاً بعدما اتخذت الانتفاضة او الثورة طابعاً مذهبياً. ربما لا يوافق قسم مهم من العلويين على سياسة بشار، وربما يكرهه بعضهم. لكنهم يتمسكون به لخوفهم من المذهبية السنّية بل من ”الاخوان المسلمين” والاصوليين. تصوّر ان المذهبية وصلت الى أبناء سوريا المقيمين في فرنسا. في احد المستشفيات الفرنسية يعمل 19 طبيباً سورياً، 12 منهم سنّة والثالث عشر علوي. كانوا أصدقاء ويعملون معاً. بعد الثورة امتنع ال12 عن التكلم مع الثالث عشر. في اميركا التي انا مواطن فيها لا يُدعى العلويون المقيمون فيها الى اجتماعات المعارضة السورية. على اميركا والغرب ايجاد حل للأزمة السورية حقناً للدم وتلافياً للتفتيت. لكن ذلك لا يبدو مهماً عندهما. وهما لن يتدخّلا عسكرياً. ربما يرسلان او يسمحان بارسال اسلحة وأموال، علماً ان اميركا كانت حاسمة عندما دعت الاسد الى التنحي. اي لا حوار معه. لو كان جاهزاً لتسوية في الاشهر الاولى للأزمة كان ”ظمط”. سألتُ: هل لا يزال ”النظام السوري” يحكي معك؟ وماذا يطلب من اميركا؟. أجاب: ”هناك اتصال. يطلب ان لا تضغط عليه اميركا. هل هذا طلب معقول؟ لا يطلب الاسد شيئاً عملياً ولا يقترح شيئاً عملياً”. سألتُ: هل الاسد حليف لايران ام أسير عندها؟ أجاب: ”كان حليفاً. صار الآن أسيراً”. أبوه كان حليفاً وشريكاً على نحو كامل. هو ”شريك” صغير جداً. لا يستطيع ان يرفض طلباً لايران بسبب مساعداتها من مال وأسلحة وتدريب. اما الروس الذين يدعمونه في حربه على الثورة المطالبة بتنحّيه فانهم لا يدعونه يخرج من السلطة ولا يسهّلون قيامه بتسوية. ”المجلس الوطني السوري” لا يمثّل بغالبيته. اعضاؤه بعضهم يقيم في الغرب، وبعضهم في تركيا، وبعضهم في دول عربية، بعضهم هُجِّر أو هاجر من زمان، وبعضهم هجرته حديثة. هناك اختلاف بينهم على الدور والريادة. الممثلون الفعليون للشعب السوري الثائر هم لجان التنسيق والجيش السوري الحر في الداخل. في أي حال هناك ديبلوماسيون سوريون في الخارج يريدون ”الانشقاق” ولا يستطيعون لأن عائلاتهم داخل سوريا تحت المراقبة الدائمة”.

ماذا في جعبة باحث اميركي وناشط على خط عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وصاحب موقف مناهض بصراحة لسياسة نتنياهو واليمين الاسرائيلي؟

=================

مع تسليح "الجيش السوري الحر" فوق رؤوس الأشهاد

علي حماده

2012-04-19

النهار

عنوان هذا المقال قبل اي شيء آخر، هو ردنا العلني والصريح على ما ورد البارحة في كلمة أحد نواب "حزب الله" خلال جلسات المناقشة العامة في مجلس النواب، حيث قال: "ان الحكومة لم تتحرك ضد سياسيين وصحافيين دعوا الى تسليح الداخل السوري، وإن هناك من جاهر بفعل ذلك. وان عدم تحرّك هذه الحكومة يطيح أهم مرتكزات اتفاق الطائف". بالطبع نحن لم نجاهر مرة واحدة بأننا نسلح المعارضة في سوريا، ولم تفعل ذلك أي مرجعية سياسية استقلالية في لبنان. وحدها بروباغاندا "حزب الله" ولفيفه تكفلت برمي الاتهامات جزافا. ومع اننا لم نقم بتسليح المعارضة، فإننا لا ننكر انه لو قيض لنا ان نتمتع بواحد في المئة من امكانات قتلة الاستقلاليين في لبنان لما ترددنا لحظة واحدة في امداد ثوار الحرية والكرامة في سوريا. ولذلك فإننا لا نكف عن دعوة كل الجهات القادرة عربيا ودوليا الى الاسراع في تمويل "الجيش السوري الحر" وتسليحه تسليحا نوعيا لمواجهة قتلة الاطفال في سوريا. ودعوتنا هذه صريحة وعلنية لا شأن لها باتفاق الطائف الذي تتذرعون به بالاصطفاف الى جانب الحق ضد الباطل، أي الى جانب الشعب السوري الحر البطل ضد جمهورية حافظ الأسد، والتي قبل ان تقتل الناس عملت بلا هوادة على قتل الانسان في عمق كل سوري على مدى أربعة عقود.

نعم، نحن مع تمويل المعارضة السياسية والعسكرية ومع تسليح الجيش الحر، ومع سلوك كل الطرق لإسقاط هذا النظام. ومن هنا دعوتنا لقادة "حزب الله" الى ان يراجعوا سياستهم التي تناصر قتلة الاطفال في سوريا.

ومن "حزب الله" ننتقل الى كلام ورد على لسان أحد نواب ميشال عون الجهابذة، اذ حاضر صبيحة البارحة وخلال الجلسة عينها في محاسن مناصرة بشار الأسد، ولم يتوان عن تقديم شروح في فضائل سياسة البطريرك بشارة الراعي المصطف خلف النظام في سوريا، بحجة أنه لا يريد أن يتكرر مشهد مسيحيي العراق في سوريا ولبنان، ولا يرف له جفن لدى مشاهدة آلاف الشهداء من الأطفال والنساء والرجال، ولا عندما يشاهد كيف يدك صديقه بشار الأسد مدناً بأسرها بالمدفعية كحمص وحماه وإدلب ودرعا. ويعتبرون ان مصالحة المسيحيين تكمن في الاحتماء ب" نيرون" سوريا، وبقتلة الاستقلاليين في لبنان. نعم، لقد كانت مداخلة النائب الجهبذ في جلسة الامس مختصرا مفيدا، لأنه ظهّر بوضوح حقيقة السياسة البطريركية الجديدة. والحق نقول، إنه كلما أمعن قتلة الاستقلاليين وأتباعهم هنا في الدفاع عن الراعي، زدنا اقتناعاً بأن البطريرك الجديد لن يعود الى جادة الصواب والحق!

نختم بالتعبير عن اقتناعنا الراسخ بأن لا حلول سياسية مرتجاة مع بشار الأسد، ولا حل إلا بتعديل موازين القوى على الأرض، أي بتسليح "الجيش السوري الحر" وتمويله.

=================

الأزمة السورية بين الظاهر والباطن

الرأي الاردنية

نصوح المجالي

19-4-2012

بعد الاعلان عن قبول الحكومة السورية قرار وقف النار وسحب الجيش السوري من المدن والقبول بخطة كوفي عنان, لم يتغير شيء على الارض ولم يتغير شيء في موقف وتفكير الحكومة السورية, ولا في اجراءات وتكتيكات المواجهة العسكرية بين الجيش السوري المدجج بالسلاح وبين الاغلبية الثائرة على النظام ومعظمهم من المدنيين العزّل.

وفي الوقت الذي نرى فيه صور الدمار التي خلفها القصف العشوائي المتعمد على المدن والاحياء السورية, ومعظمها مناطق سنية وفي الوقت الذي تُشيّع المدن السورية يومياً عشرات القتلى يُدفَنُ بعضهم على قارعة الطريق أو حدائق المنازل من شدة الهجمات التي تشن على المدن بينما يطالعنا الرئيس السوري في التلفاز وهو يتلقى التأييد ويترأس حملة توزيع المعونات على المناطق المتضررة.

في الصورة الاولى يشاهد العالم كيف يمكن لنظام ان يدفن الالاف من شعبه تحت الانقاض وأن يهدد قادة حيشه الملايين بمسح مدن عريقة من خارطة سوريا وكيف تحاصر مدن في الشمال والشرق والجنوب والوسط بالدبابات وراجمات الصواريخ والطائرات لأنها اعترضت على اسلوب الحكم وطالبت بالحرية.

وفي الصورة الاخرى كيف يقتطع الرئيس السوري بشار الاسد من وقته الثمين ليوزع بعض المساعدات على من تضرروا من حملات جيشه التي لم تُفرّق بين طفل وشيخ وامرأة وشاب واسترخصت ارواح السوريين، تحت زعم مطاردة عصابات استحضرها النظام في خياله ومزاعمه، قبل ان يضطر بعض المواطنين للدفاع عن انفسهم بالقليل من السلاح الذي حصلوا عليه من الجيش.

هناك مليون سوري مُهجرين في الداخل، إما بدون مأوى، او باستضافة سوريين آخرين منكوبين من حملات النظام العسكرية وملايين آخرين محاصرين، بدون ماء او كهرباء او طعام، وبعضهم هدمت بيوتهم فوق رؤوسهم، والرئيس يظهر في الشوارع مبتسما يوزع المعونة على الشعب السوري.

لقد تدخلت الجامعة العربية في الازمة السورية، وضاعت في المتاهة التي يقودها النظام، ولم تسفر الجهود العربية الا عن تصعيد نوعي في الهجمة العسكرية على المدن والمناطق السورية والمعارضة.

وها هي الامم المتحدة، تتدخل في سوريا والمعارك تتواصل وستنتهي مهمة عنان الى نفس المتاهة التي وصلت اليها مهمة الجامعة العربية لان النظام السوري يرى خلاصه في المواجهة الامنية وقهر شعبه ويرى سقوط نظامه في التنازل الذي يفك قبضته الامنية عن سوريا.

ولهذا تصر حكومة الاسد على انكار وجود مشكلة اساسها مطالب الشعب السوري بالحرية ويصور النظام نفسه كمدافع عن الشعب السوري والحرية.

سيناريو المواجهة في سوريا اليوم مطابق تماماً لسيناريو المواجهة التي طبقها النظام السوري في حماة عام 1982 وكأن ما يجري حملة أخرى موسعة كحملة حماة تدرب عليها جيش النظام واستعد لها طويلا.

وبالرغم من الترفع الذي نراه في صفوف الشعب الثورة السورية عن التطرق للبعد الطائفي، الا ان رائحة الحرب الطائفية التي تشن على السنة في سوريا تزكم الانوف وكذلك تحالف النظام مع خصوم السنة في لبنان، ونصرة خصوم السنة في بغداد للنظام السوري ودعم طهران للنظام السوري ضد شعبه كل ذلك يدفعنا للتأمل بحجم وخطر امتداد النفوذ الايراني الطائفي وسيطرته في مراكز القوة العربية ومناطق الانتشار السني وابعاده الباطنية ودور النظام السوري في ذلك.

وقد يكون هذا ما يقلق دول الخليج التي تحيط بها دولة فارس وتعبث في اوضاعها الداخلية.

في سوريا تختلط الحقائق ويلتبس الحق بالباطل احيانا وقد يعلو الباطل الى حين فمن هذا الحمى العريق انقسمت دولة الاسلام عندما علت قوة ودهاء بني امية على حق احفاد النبي فهل يعلو هوى ودهاء النظام الفارسي الجديد وانصاره على حقيقة سوريا العربية وهل في الربيع العربي صحوة تتجاوز الحقائق الباطنية وتجلياتها السياسية.

=================

قرار مجلس الأمن 2042: فرصة نادرة لإنقاذ سوريا من حرب أهلية

عبد الحميد صيام

2012-04-18

القدس العربي

عشرات الآلاف من السوريين في مظاهرات سلمية في جمعة 'سوريا لكل السوريين' وصل عددها حسب مصادر المعارضة إلى 650 بؤرة، عن توقهم الحقيقي للانعتاق من النظام السلطوي بطرق سلمية حضارية كما كان الحال في الشهور الستة أو السبعة الأولى للانتفاضة السورية الباسلة.

تلك المظاهرات جاءت بعيد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ صباح الثاني عشر من نيسان (أبريل) الحالي ولكن قبل التصويت على مشروع القرار حول آلية تنفيذ خظة كوفي عنان يوم السبت الرابع عشر من نفس الشهر حيث صدر القرار 2042 بالإجماع. كان من المتوقع أن تصمت المدافع والصواريخ والطائرات العمودية والأسلحة الثقيلة والخفيفة من كافة الأطراف. لكن الأمور لا تبشر بالخير إذا ما إستمرت المناوشات المسلحة على هذه الوتيرة وخاصة بعد وصول حفنة صغيرة من طلائع المراقبين الدوليين لا تكفي لمراقبة مباراة رياضية. ما معنى هذا القرار للأطراف جميعها؟ هل سيتخلى كل طرف عن وسائل تعامله مع الآخر بالأسلوب القديم القائم على كسر العظم أم ستتعامل الأطراف جميعها مع الفرصة النادرة التي فتحها القرار لتجنيب سوريا حربا أهلية، كما تتمنى بعض الأطراف، وتأهيل شعبها العظيم للدخول مرحلة التحول السلمي نحو الديمقراطية والتعديدية وسيادة القانون وتداول السلطة ومحاربة الفساد وحرية الصحافة وحرية التعبير وحرية التجمع وحرية الرأي وبدء مرحلة التنمية الرشيدة التي تؤسس لقيام دولة القانون والمؤسسات التي ستعمل على تعميق دور سوريا التاريخي في النضال لاستعادة الأراضي العربية المحتلة بدعم حقيقي من شعبها الذي سيلتف حول قياداته الحقيقية المنتخبة والمعبرة عن طموحه وخياراته وآماله وآلامه.

النظام السوري وفشل الحل الأمني

لو إستطاع النظام السوري حل معضلة الانتفاضة الشعبية العارمة عن طريق القتل والتعذيب والتدمير والاعتقالات والترهيب، إذن لما كان هناك حاجة لقرار مجلس أمن أو لبيان رئاسي أو لزيارات مكوكية لموسكو. لقد تجاوزت الثورة في صلابة عودها وصمودها وإصرارها وبسالة شعبها توقعات كل مراقب وخبير ومطلع على الأوضاع في سوريا. فعلى عكس معظم الثورات العربية، فالمشاركة في مظاهرة سلمية في سوريا عبارة عن مشروع إستشهاد أو إعتقال ليس للمشارك فحسب بل ولأفراد عائلته وأقاربه الصغار قبل الكبار وتدمير الممتلكات وهدم البيوت.

على النظام أولا أن يعترف أولا بفشل الحل الأمني، من جهة ومن جهة أخرى عليه أن يقر بأصابعه العشرة أن صبر حلفاء النظام وخاصة روسيا والصين على ما يرتكبه من مجازر قد بدأ ينفذ. عليه أن يعترف، كما توقعنا في مقال سابق، أن روسيا بعد الانتخابات لن تنفرد بموقف مغاير للمجتمع الدولي لأنها تريد أن تكون لاعبا أساسيا على المسرح الدولي لكن دون أن تتهم بأنها تحمي الأنظمة السلطوية. فقد تناغمت مع المجتمع الدولي في فرض العقوبات على إيران وفي تحويل ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية وفي التخلي عن ميلوسوفيتش.

ومن المؤكد أن سياسة النظام في إستخدام القوة المفرطة والاستمرار في سياسة الضرب بعرض الحائط بكل ما جاء في القرار وصم الآذان عن نداءات المجتمع الدولي والعربي والسوري لإقتناص الفرصة السانحة لحل الأزمة بالطرق السياسية وعن طريق وساطة دولية مقبولة إنما سيؤدي في النهاية إلى إحتراق النظام وإغراق نفسه في بحر من الدم سيؤدي إلى سقوط مروع وتدمير سوريا نفسها فيكون النظام قد هدم الهيكل على رأسه ورؤوس خصومه معا. النظام يعرف بنود الخطة التي وافق عليها وتتضمن سحب الآليات والمعدات الثقيلة من المدن وهو ما لم يحدث ويبدو أن النظام ليس في وارده أن يمتثل لهذا البند. فوجود الآليات الثقيلة تشكل مصدر تهديد وترهيب واستفزاز لكل المواطنين وليس فقط 'للعناصر المسلحة' والتي من السهل عليها تجنب المعدات الثقيلة لكن من الصعب مواجهة الشبيحة والأجهزة الأمنية والميليشيات. فالمعدات الثقيلة لن تنتصر على 'العناصر المسلحة' بل ستهدم بنيان الدولة السورية نفسها. إنها فرصة للنظام أن يعلق فشله وحماقته على مشجب القرار الدولي لعله يضمن شيئا من حفظ ماء الوجه عند الوصول لنقطة التحول التاريخي لسوريا من السلطوية إلى الديمقراطية وهي لحظة لا شك قادمة والأفضل أن تأتي بأقل الخسائر على الشعب السوري.

المعارضة وفشل الاستنجاد بالتدخل الخارجي

أكثر من سنة وبعض القوى في المعارضة تصرخ ليل نهار طلبا للتدخل الدولي على الطريقة الليبية. آن الأوان أن يقتنع المتحمسون للتدخل الخارجي سواء من داخل أطياف المعارضة السورية أو من بعض أعضاء الجامعة العربية أو قلة من المتطرفين من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي أن التدخل العسكري لصالح المعارضة لن يتحقق لأسباب عديدة أهمها أن التدخل سيدخل المنطقة كلها في حرب شاملة يصعب السيطرة عليها في حالة إنطلاقها. لقد خلا القرار الأخير من أية إشارة إلى التدخل العسكري أو إسقاط النظام وهما الخطان الأحمران اللذان تمسكت بهما روسيا منذ البداية وخلال فترة المشاورات غير الرسمية قبل إعتماد القرار. إن من مصلحة المعارضة ألا تبادر في إفتعال عمل عسكري رغم إستفزاز قوات النظام. فمن السهل على النظام أن يردد مقولة قيام 'العناصر المسلحة بالمبادرة بالهجوم أو بإطلاق النار'. فإذا كان من الممكن تجنب مثل هذه المناوشات فليكن وذلك لإعطاء المشروع فرصة للحياة ولحشر النظام في زاوية المفاوضات لا في إعطائه المجال الأوسع في ميدان العمل العسكري الفسيح.

إذن على المعارضة السورية أن تلملم مواقفها حول ثلاثة أهداف:

أولا، توحيد موقفها السياسي حول رؤية واحدة حول إسقاط النظام بالطرق السلمية؛

ثانيا العمل على تحريك الشارع السوري لمزيد من الزخم في المظاهرات السلمية. تستطيع القوات النظامية وشبيحتها أن تقمع مظاهرة من ألف أو ألفين لكن مظاهرة يسير فيها عشرات الألوف ثم مئات الألوف ثم الملايين لا بد ستنتصر دون حاجة إلى تدمير البلاد وتصعيد المواجهات إلى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر؛

وثالثا على المعارضة أن تتوجه بخطاب سياسي موحد نحو الدول القليلة التي ما زالت تقف جزئيا أو كليا خلف النظام دون تخوين أو إزدراء أو تهديد. عليها أن تتوجه بخطاب التطمين والعقلانية لكل من روسيا والصين وإيران وحتى حزب الله، لأن مصالح هذه الأطراف من ناحية إستراتيجية تقف في نهاية المطاف مع الشعب السوري لا مع نظام آيل للسقوط إن لم يكن اليوم فسيكون غدا. إن تصويب الخطاب السياسي بعيدا عن المهاترات والمزايدات والتهديدات يوسع دائرة أصدقاء المعارضة ويضيق الخناق على النظام. كما أن بعض الخطابات التي تصدر عن رموز المعارضة حول التصالح مع إسرائيل والانفتاح المبكر على بعض التنظيمات الصهيونية لا يفيد إلا النظام ولا يضر إلا بالمعارضة. إن مثل تلك التصريحات غير المسؤولة تزيد من تشكك القاعدة العريضة الداعمة للثورة السورية وتثير مخاوف العديد من القوى الوطنية التي لا تستطيع أن تبلع مثل هذه المواقف والتي قد تشير إلى مقايضة مشبوهة من بعض القوى المعارضة للنظام مع ركائز دعم الكيان الإسرائيلي في الولايات المتحدة. نود أن تعلن الجهات المسؤولة في قوى المعارضة الأساسية براءتها من مثل تلك التصريحات والعمل على كتم أو طرد مردديها.

في الختام نود أن نؤكد مرة أخرى أن قرار مجلس الأمن الأخير(2042) قد منح فرصة قد تكون الأخيرة لكافة الأطراف كي تقتنص اللحظة وتنتقل إلى المرحلة التالية: تطبيق مبادرة كوفي عنان بكافة بنودها والتي، إن طبقت، ستجنب البلاد الانزلاق إلى حرب أهلية يتمناها أعداء سوريا كي يتم تدمير قلب العروبة النابض ومركز دولة العرب الأولى وصانعة مجدهم وحضارتهم. إن دعاة تسليح المعارضة في هذه المرحلة ليسوا معنيين بنجاح الثورة السلمية في سوريا ولا بنجاح أية ثورة أخرى سواء كانت في مصر أو تونس أو ليبيا أو البحرين أو اليمن. فلنيتصر صوت العقل على صوت الرصاص ولتنتصر كف إرادة الجماهير الشريفة المناضلة الباسلة على مخرز الشبيحة والأمن والعسكر فلا أقوى ولا أعظم ولا أصلب من إرادة شعب حر يريد أن يسترد حقوقه المهدورة منذ نصف قرن أو يزيد بطرق حضارية وسلمية ومتواصلة.

' أستاذ جامعي وكاتب عربي مقيم في نيويورك

=================

النظام يخشى التظاهرات ووقف النار وإطلاق المعتقلين والحل السياسي

الخميس, 19 أبريل 2012

عبدالوهاب بدرخان *

الحياة

ينقل الزوار النادرون لدمشق، من وسطاء وأصدقاء وأزلام وأبواق، أحاديث وانطباعات من لقاءاتهم مع الرئيس السوري أو المحيطين به، قد تختلف بطريقة عرضها إلا أنها تلتقي عند النهاية ذاتها: إنكار الحقائق ونفيها، ورواية واحدة للترويج. يخرج الوسطاء محبَطين لا يدرون كيف يُقنعون النظام بالاعتراف بما تغيّر من أحواله وأحوال سورية ليتمكنوا من العمل معه في معالجة الأضرار. ويخرج الأصدقاء -كالروس مثلاً- متشجعين بما يعتقدون أنه مرونة لمسوها لدى النظام وبالحجج التي يتزوّدونها لدعم مصالحهم ومقارعة الخصوم، لكنهم كلما حاولوا استخلاص سياسات لا يجدون ما يمكن الاستناد اليه غير رزمة من الادعاءات، وحتى «الالتزامات» صارت كلاماً في كلام. أما الأزلام والأبواق، فهم مجرد زبانية عليهم أن يبثّوا التطمينات رغم تأكدهم بأن الوقائع كذّبتها دائماً، ولا يبالون بمصداقيتهم لدى الناس بل فقط عند النظام الذي يستخدمهم.

رغم عملية الإنقاذ الروسية–الإيرانية، وفي اللحظة الأخيرة ل «خطة» كوفي انان، لا تزال حظوظ الفشل أقوى. ورغم أن إرسال بضعة مراقبين دوليين أوحى بولادة ثانية لمهمة انان وهي تترنّح، إلا أن مغزى قرار مجلس الأمن يكمن في أنه الأول في سلسلةٍ ستتبع لتأكيد «تدويل» الأزمة السورية. ثانياً في كونه ارتكز الى «خطة انان»، التي لم تعد مجرد نقاط مقترحة بل إلزامات حاول النظام التملّص منها ثم اضطر لقبولها بإصرار من حليفيه الرئيسيين، وثالثاً في المواظبة على ابقاء النظام تحت الضغط، فهذا هو المتاح حالياً في ظل انقسام المجتمع الدولي، اذ كان يجب نزع احتكار ادارة الأزمة من قبضتي النظام الذي لا يتقن سوى القتل، والثنائي الروسي–الايراني الذي يحاول جاهداً استثمار فائض القوة لدى نظام يعلم جيداً انه انعطب.

صحيح أن القتل يضع حداً لظهور معارضة قوية وموحدة في الداخل، والترهيب يحول دون توحيد معارضتي الداخل والخارج بمعزل عما بينهما من اختلافات فكرية أو فئوية. لكن هذا لم يمنع ترسّخ الحقائق الجديدة في سورية، وأولى هذه الحقائق وأهمها أن هذا النظام لم يعد يصلح لسورية. انتهى عمره الافتراضي، وانكشفت التركيبة التي ابتدعها باسم «الاستقرار» تارةً و «الممانعة» او «المقاومة» تارةً أخرى، فيما أهمل الداخل كلياً. يمكنه أن يصدّق كل الروايات التي يفبركها، وأن يعتمد على القوة والبطش، بل يمكنه أن يجرّب إرباك المنطقة، لكنه سيؤكد عندئذ اندفاعه الى نهايته المحتومة، ولن يستطيع الإقناع بأن الحكم في سورية ليس مقبلاً على تغيير جوهري وعميق. والأهم أنه لن يحصل على «الحل السياسي» الذي يحلم به جامعاً الموالين والمعارضين تحت ولائه، فهذه خدعة لم تعد قابلة للتسويق.

كانت تجربة المراقبين العرب، على تعاستها، كشفت طبيعة النظام وكيف أنه لا يستطيع الاستمرار إلا محمياً بالعنف. أما خطة انان، ففضحت عجزه عن وقف اطلاق النار، فهو كافح لكي يُعامل بصفته ممثلاً سيادة الدولة وسلطتها الشرعية، وقد خاطبه انان باعتباره كذلك، بل بنى خطته على هذا الأساس. لكن المتوقع من أي دولة ذات سيادة وأي سلطة شرعية، مخالف تماماً لممارسات النظام، بدليل أنه يسيء استخدام السلطة والقوة ولا يبدو معنياً بسقوط عشرة آلاف قتيل وإصابة عشرات الألوف، واعتقال، أو إخفاء أو تصفية عشرات ألوف آخرين من المواطنين، وكلّها أرقام متحفظة، عدا الدمار الذي تعمّدته قواته، وكذلك الترهيب والترويع والتنكيل والاغتصاب والتعذيب. كل ذلك مسؤولية مَن؟ الشعب؟ لا، إنه بالنسبة الى العالم مسؤولية الدولة، اذا كانت دولة حقاً. وأي دولة حقيقية تبذل المستحيل لملاقاة شعبها ومصالحته ولحقن الدماء، لا لدفع مواطنيها الى طلب السلاح للدفاع عن أنفسهم، وبالأخص لتجنيب جيشها خسائر بشرية ناهزت (حسب مصادر النظام) الخمسة آلاف قتيل (قضى عدد كبير منهم بتصفيات ميدانية لرفضهم قتل المتظاهرين) وأضعافهم من الجرحى. لكن كيف يمكن ذلك مع نظام يقول أحد وجوهه: «ولا مليون قتيل يمكن أن يُسقِطوا هذا النظام»، ويقول آخر: «... حتى لو اضطررنا للاستغناء عن ثلث الشعب»؟

لن ينفذ النظام من خطة انان إلا ما يناسبه، فهذه كانت التوصية الروسية-الايرانية. إنه لا يخشى وقف النار فحسب، بل يخشى التظاهرات غير المسلحة، ولا يخشى اطلاق المعتقلين فحسب، بل يخشى فتح الأبواب أمام الإعلاميين، ولا يخشى تسهيل دخول المساعدات الانسانية فحسب، بل يخشى حتى «العملية السياسية الشاملة» وفقاً لتوصيف خطة انان التي تمثل في نظر النظام حقول ألغام تستهدفه، وهي لا تستهدفه، وانما تحاول أن تبني معالجة عملية للأزمة وتتطلب منه مساهمة باعتباره «الدولة»، لكنه أيضاً طرف وليس حَكَماً، فلو كان دولة تطبق القوانين الانسانية المتعارف عليها لما بلغ هذا الحد في مأزقه، ولو كان دولة لما سمح لوزير داخليته بأن يدعو النازحين والمهجّرين الى العودة طالما أنه مسؤول عن تطفيشهم ولم يحترم أمنهم وأمانهم وكراماتهم يوم كان ذلك في مستطاعه.

قد يكون الأمين العام للأمم المتحدة فاجأ الكثيرين حين أعلن أن عدد النازحين تجاوز المليون سوري، بين الداخل والخارج، لكن النظام وأصدقاءه لم يبدوا معنيين، بل لعلهم يعتبرون هذا العدد عبئاً مخفَّفَاً، ففي اليوم نفسه كان المندوب الروسي في مجلس الأمن أشبه بحفّاري القبور والقتلة بدم بارد وهو يساوم على الكلمات في القرار الخاص بإرسال مجرد ثلاثين مراقباً دولياً، بل قال: «انطلاقاً من الاحترام لسيادة سورية حذرنا من المحاولات المدمّرة للتدخل الخارجي» أو فرض أي نوع من «الحلول الوهمية»، ويعني ذلك أن مهمة أنان تحظى بدعم متماهٍ من النظامين الروسي والسوري، فالحلول «الواقعية» عند روسيا هي التي تبقي النظام ولو على جثة سورية وجثث السوريين.

طالما أن نظام دمشق لا يرى في نقاط انان الست سوى عملية استدراج لإسقاطه، فلا يمكن توقع امتثاله لها، ففي الجوهر تتعامل الخطة مع منطق الأحداث ولا تريد القفز الى النتائج، لكن النظام الذي يتطلع خصوصاً الى الشق السياسي، يدرك أن الطريق اليه يمرّ بالضرورة بوقف العنف، لذلك فهو سيفضّل دائماً خطّته على خطة انان، حتى لو لم يكن قادراً على تنفيذ أي منهما. وإذ تحاول الجهود الدولية تفادي تكرار السيناريوين العراقي والليبي، فإنها تسعى الى الحفاظ على الجيش ومؤسسات الدولة، فيما يصرّ النظام على إبقائها رهائن في قبضته. أما روسيا، التي توجّه نقداً قاسياً لتدخل «الناتو» في ليبيا وتدّعي أنها تقف سدّاً منيعاً أمامه، فإنها تقوم بدور مماثل في سورية لكن في اتجاه معاكس، ولن تتوصل الى نتائج أفضل. 

* كاتب وصحافي لبناني

=================

طهران تقترع لأوباما

الخميس, 19 أبريل 2012

حسان حيدر

الحياة

لا تثير سمعة ايران في المراوغة اختلافاً ولا حتى مجرد نقاش. وهناك اجماع دولي، بناء لكل التجارب السابقة، على أن وحي «الاعتدال» الذي هبط فجأة على الوفد الإيراني المفاوض في الملف النووي، ليس سوى محاولة مكشوفة لكسب الوقت، فيما اجهزة الطرد المركزي تعمل بكل طاقتها في تخصيب اليورانيوم بنسبة عشرين في المئة وفق ما هو معلن.

كما ان هناك قناعة اكيدة لدى معظم الدول، بأن ايران بطرحها خلال جولة المفاوضات الاخيرة اقتراحات وصفت ب «الجريئة» انما تسعى لجعل مفاوضيها يعتقدون بأن القبول ولو المحدود بفرضية «سلمية» برنامجها يمكن ان يلقى تجاوباً أكبر من جانبها، لكن التأكد من حسن نياتها والتزامها بما تقترحه او تتعهد به عملية صعبة وطويلة تنطوي على مخاطر ليس اقلها اضاعة الجهد والوقت في التفاصيل بينما المخاوف الحقيقية لا تتبدد.

ولا شك في ان متابعي الشأن الايراني يدركون ان العقوبات التي فرضها الغرب بدأت تضغط بقوة على نظام طهران الذي تتراجع عملياً قدرته على بيع نفطه وقدرته على قبض ثمنه اذا نجح في بيعه، وهي مشكلة ستزداد تفاقماً مع دخول المقاطعة الاوروبية الشاملة للقطاع النفطي الايراني حيز التنفيذ في تموز (يوليو) المقبل، بما يحرم طهران ليس فقط من العائدات، بل ايضاً من المعدات التقنية اللازمة لتطوير انتاجها.

وهناك احتمال ايضاً بأن تتراخى قبضة واشنطن التي ترفض حتى الآن منح اسرائيل الضوء الاخضر لتوجيه ضربة عسكرية الى ايران، ولو ان مثل هذه الضربة لا يمكن ان تنجح من دون مشاركة اميركية فاعلة.

ولعل هذا هو «بيت القصيد» في الموقف الايراني المستجد، فإضافة الى الدوافع الظاهرة التي يدركها الجميع، ترغب القيادة الايرانية على ما يبدو في «رد الجميل» للرئيس الاميركي باراك أوباما المنهمك في حملة انتخابات رئاسية حامية تشتد يوماً بعد يوم، ويتعرض فيها لضغوط اللوبي اليهودي واليمين المحافظ الذي يدعوه الى اتخاذ قرار بضرب ايران يلهب اسعار النفط ويجرف آماله في اعادة انتخابه. وتجد طهران ضرورة لإثبات ان مقاربة البيت الابيض الحالية لملفها النووي «تؤتي ثمارها» وان أوباما على حق في التروي والتركيز على الديبلوماسية، رغم تكرار قوله انه لا يستبعد أي خيار آخر.

كما ان ايران الساعية الى تظهير نظام نوري المالكي دولياً باقتراحها عقد الجولة المقبلة من المفاوضات النووية في بغداد، تقدر لواشنطن ايضاً موقفها الرافض لأي تدخل عسكري مباشر في سورية او حتى لتسليح المعارضة السورية.

وكان مرشد الجمهورية خامنئي اعتبر قبل اسابيع قليلة ان مواقف اوباما «ايجابية»، وقلل من أثر العقوبات مؤكداً ان الاميركيين سيغيرون موقفهم في النهاية عندما يتبينون عبثيتها. ثم تحدثت صحف اميركية مرموقة عن رسالة من اوباما الى خامنئي نقلها رئيس الوزراء التركي اردوغان اواخر الشهر الماضي وتفيد بأن واشنطن قد تقبل بمواصلة طهران برنامجاً نووياً مدنياً مقابل ضمانات عدة من بينها التزام ملموس بأنها لن تسعى اطلاقاً الى امتلاك سلاح نووي.

ومع ان اياً من الطرفين لم يؤكد هذا التفاوض غير المباشر، فإن «مرونة» طهران المفاجئة تشكل اعلاناً عن تقدمه، وفي الوقت نفسه اقتراعاً لمصلحة أوباما.

=================

حقوق الإنسان والحماية الدولية

محمد صادق جراد

الشرق الاوسط

19-4-2012

على الرغم من المواقف الدولية المختلفة تجاه القضية السورية فإن الجميع يتفق على ضرورة توفير الحماية للشعب السوري الذي يتعرض لجرائم وحشية وانتهاكات خطيرة يرتكبها النظام في مجال حقوق الإنسان خلفت آلاف القتلى والجرحى في صفوف المدنيين وعكست طبيعة العلاقة بين الحكومة وبين الشعب وطريقة تعامل المؤسسات الأمنية مع المعارضين والمتظاهرين.

انتهاكات حقوق الإنسان اليوم لم تعد شأنا داخليا ولم يعد أحد قادرا على سحق الجموع وراء الأسوار العالية أو في سجون تحت الأرض، وسوريا ليست الوحيدة التي تخرق قوانين حقوق الإنسان حيث تعاني الكثير من الشعوب في العالم انتهاكات كثيرة في حقوق الإنسان على مختلف المستويات الأمر الذي يجعل الحاجة قائمة إلى إجراءات وقوانين يتم من خلالها تسييس وتدويل مبادئ حقوق الإنسان لتكون هذه القوانين سلاحا للضغط على الأنظمة وعلى الجهات التي تمارس هذه الانتهاكات ضد الإنسان في كل مكان.

وعندما نطالع معظم ما جاء في الدساتير التي كتبها الإنسان على مدى العصور نجد أن هذه الدساتير لا تخلو من نصوص ومواد حقوق الإنسان والحرص على حمايتها من قبل الدولة إلا أن تلك النصوص ليست أكثر من مواد دستورية كتبت لتزيين تلك الدساتير ولم تمنع الأنظمة من ارتكاب الكثير من الانتهاكات بحق الحريات والحقوق مما جعلنا نشهد في العقود الأخيرة نشاطا ملحوظا للمنظمات المطالبة بتطبيق مبادئ حقوق الإنسان وإيقاف التجاوزات التي يتعرض لها الإنسان على يد المتطرفين من السياسيين والقوميين والمتدينين في جميع بقاع الأرض.

وهناك حقيقة يجب أن نعترف بها وهي إن تطبيق تلك المواد والمبادئ يختلف من مجتمع إلى آخر ومن دولة إلى أخرى حسب المستوى الثقافي وحسب ظروف البلد السياسية والاجتماعية فتلك الانتهاكات تصل إلى ذروتها في الدول التي تعيش مجتمعاتها في ظل حكومات ديكتاتورية ومشكلات طائفية وسط وجود أفكار متطرفة تدعو للتصفية العرقية والطائفية. ولقد شهدت الكثير من دول العالم ضريبة هذه الحروب وقدمت آلاف الضحايا في انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان.

من أجل ذلك قام الكثير من المنظمات المدنية ومنظمات حقوق الإنسان بالتحرك باتجاه توفير حماية قانونية لحقوق الإنسان توفرها المظلة الدولية لتتمكن من حماية المواطنين في كافة دول العالم ولقد جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نتيجة لهذه الجهود في العاشر من ديسمبر (كانون الأول) 1948 في 30 مادة عندما اقترحته بعض المنظمات والحكومات على الأمم المتحدة حيث اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة وأصدرته كأهم وثيقة دولية تهتم بحقوق الإنسان، ويعد هذا الإعلان حدثا تاريخيا ونقطة تحول في تاريخ البشرية، ولقد طلبت الجمعية العامة من جميع الدول الأعضاء أن تدعو لنص الإعلان وأن تعمل على نشره وتوزيعه وقراءته وشرحه، ولا سيما في المؤسسات التربوية في محاولة لتوعية القاعدة الشعبية بالمفاهيم التي جاء بها الإعلان لحماية الحقوق الفردية والجماعية لكي يدرك المواطن أن له حقوقا منتهكة ومغتصبة أهمها الحق في الحياة والحرية والأمان والحق في التعبير، وحق تقرير المصير، ولا بد له من المطالبة بها وأن هذا الإعلان كوثيقة دولية سيساعده في هذا الأمر من خلال تدويل وتسييس مبادئ حقوق الإنسان وجعلها وسيلة وسلاحا للضغط على الأنظمة التي تنتهك هذه الحقوق، وما يحدث في سوريا من تدويل للأزمة يدخل في هذا الإطار حيث تساهم المنظمات الدولية ووسائل الإعلام والمنظمات الإنسانية في حملة لإيقاف الانتهاكات الخطيرة بعد أن اختار النظام الحل العسكري بدلا من الإصلاحات الحقيقية..

=================

إيران وسوريا في «عناكب» لعبة الأمم

هدى الحسيني

الشرق الاوسط

19-4-2012

يتردد أن ما يجري في إيران وسوريا هو صراع سنّي - شيعي، قد يكون في جزء منه صحيحا، خصوصا إذا أردنا أن نتجاهل نوعية النظامين في البلدين. لكن الصراع هو أيضا أميركي - روسي. بدأ طويلا قبل إعادة انتخاب فلاديمير بوتين رئيسا للمرة الثانية، وسيزداد حدة بعد تسلمه السلطة فعليا في السادس من الشهر المقبل.

قبل انتخابه بأسبوع نشر بوتين «خريطة طريق» لسياسته المقبلة: لا حرب على سوريا، لا حرب على إيران، لا ل«القصف الإنساني» أو التحريض على «الثورات الملونة». بالنسبة إليه هندسة واشنطن للنظام العالمي الجديد لم تعد واردة، ما يريده هو أن يسود «مبدأ سيادة الدولة».

بالنسبة إلى بوتين، سوريا هي تفصيل مهم، لأسباب ليس أقلها القاعدة البحرية الروسية في ميناء طرطوس على البحر المتوسط، ولديه هاجس بأن الحلف الأطلسي يريد «إلغاء» هذه القاعدة.

استعد بوتين أيضا للمواجهة عبر إيران. ففي شهر سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، وعلى الرغم من قرون العداء بينهما، قررت روسيا وإيران الدخول في مفاوضات لتشكيل تحالف من أجل تعزيز التعاون الأمني المشترك، وعلى الرغم من أن روسيا كانت قد وافقت على بعض عقوبات الأمم المتحدة بشأن برنامج إيران النووي، فإن المناقشات حول إقامة تحالف استراتيجي بين الدولتين كانت جارية لشهور. عمل خلالها رئيس الوزراء الروسي آنذاك، بوتين على إشعار الدول الغربية بتجنب مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. وكان قبل ذلك أكد على أنه لن يسمح بأن تُستخدم أي دولة من دول الاتحاد السوفياتي السابق لشن هجوم على إيران، وكان يقصد أذربيجان.

مع دفاعه عن إيران، لم تستبعد مصادر غربية مطلعة، أن يشمل بحث التحالف الاستراتيجي بين روسيا وإيران، إقامة قواعد روسية عسكرية فوق الأراضي الإيرانية، وقدرت هذه المصادر أن تكون هناك قاعدة في شمال إيران في محافظة أذربيجان الشرقية، والأخرى قرب مضيق هرمز الاستراتيجي. إذا سُمح لهذا التعاون الاستراتيجي بأن يتحقق، وأقامت روسيا قواعد عسكرية فسيُعتبر ذلك بمثابة دعم للاستخبارات الروسية من أجل معرفة ما يجري في جورجيا المجاورة، وفي تركيا وأذربيجان.

بعد مؤتمر اسطنبول الأخير لبحث برنامج إيران النووي، ورغم التعليقات من كل الأطراف بأنه كان إيجابيا، قال علي أكبر صالحي يوم الاثنين الماضي إن بلاده مستعدة لحل كل المشكلات النووية العالقة، في الجولة المقبلة في بغداد، إذا أقرّ الغرب رفع العقوبات المفروضة على إيران. لكنه أضاف أن إيران ستؤكد دائما على حقها في تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية. أما محمود أحمدي نجاد فقد قال قبل يوم من مؤتمر اسطنبول إن بلاده متمسكة بحقوقها الثابتة ولن تتراجع قيد أنملة حتى أمام أقوى الضغوط.

في ظل المؤتمرات التي عقدت وسوف تعقد ووسط عاصفة التصريحات الإيرانية، لم تتوقف التوقعات عن احتمال حرب في المنطقة. في الولايات المتحدة يقولون، إذا قصفت إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية، واكتفت إيران بالرد بالصواريخ على إسرائيل، فإن أميركا لن تدخل الحرب، لكن إذا توسع الرد الإيراني ليشمل دول الخليج فسوف تجد أميركا نفسها مضطرة للتدخل. ويقولون أيضا: إذا وقعت الحرب في شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، أي قبل شهر واحد من الانتخابات الأميركية، فإنها لن تؤثر على حظوظ الرئيس باراك أوباما، لا بل على العكس، إذ إن الرأي العام الأميركي صار يتقبل التخلص «عسكريا» من «تحديات» إيران وسوريا أيضا.

أما المصادر العسكرية الروسية فإنها تتوقع أن يقع الهجوم على إيران خلال فصل الصيف، ولهذا وضعت موسكو خطة عمل لتحريك القوات الروسية عبر جورجيا، فأرمينيا التي تقع على الحدود مع إيران. وأكد رئيس مجلس الأمن العسكري فيكتور اوزيروف على أن القيادة العسكرية الروسية أعدت خطة في حال شن هجوم على إيران. وحذر نائب رئيس الوزراء الروسي ديمتري روغوزني (كان سابقا سفير روسيا لدى الحلف الأطلسي) من أي هجوم على إيران «إيران جارة لنا. إذا تعرضت وشاركت في أي عمل عسكري، فإن ذلك يشكل تهديدا مباشرا لأمننا».

مصادر وزارة الدفاع الروسية تقول إن الجيش الروسي لا يعتقد أن لإسرائيل ما يكفي من العتاد العسكري لضرب الدفاعات الإيرانية وبالتالي فإن تدخلا أميركيا عسكريا سيكون ضروريا.

وكان الروس حذروا «من عواقب لا يمكن التنبؤ بها» إذا ما هوجمت إيران، مع إشارة إلى احتمال أن يشارك الجيش الروسي إذا ما شعرت روسيا بأن مصالحها الحيوية مهددة. وكانت صحيفة «نيزافيسيمايا» ذات التأثير، نقلت عن مصدر عسكري قوله إن «الأوضاع التي تتشكل حول سوريا وإيران تدفع روسيا إلى الإسراع في مسار تحسين مجموعاتها العسكرية في جنوب القوقاز، ومناطق بحر قزوين والبحرين المتوسط والأسود».

من أجل حماية مصالحها الحيوية في هذه المناطق، تقول المصادر إن الاستعدادات الروسية لمثل هذا الهجوم بدأت قبل عامين مع تحديث القاعدة العسكرية «102» في أرمينيا، وهذه تحتل مكانة جيوسياسية رئيسية في المنطقة، ويتخوف الكرملين من أن يفقد هذا الموقع.

توقعات الحرب على إيران، والرغبة في المحافظة على القواعد العسكرية وحماية المصالح الحيوية الروسية، قد تدفع بوتين بعد تسلمه الرئاسة إلى شن هجوم على جورجيا والتخلص من رئيسها مايكل شاكاشفيلي.

يعتقد الروس أن جورجيا سوف تتعاون مع الولايات المتحدة في منع أي إمدادات عسكرية من الوصول إلى القاعدة «102»، التي يتم تزويدها الآن، بالجو، لأن جورجيا قطعت كل طرق النقل البري أمام الإمدادات الروسية. حاليا، وقود هذه القاعدة يأتي من إيران، وفي حال وقوع الحرب، سيُغلق هذا المعبر الحدودي. ووفقا ليوري نيتكاشف النائب السابق لقائد القوات الروسية في القوقاز، فإنه سيكون من الضروري اللجوء إلى القوة العسكرية لخرق الحصار البري الجورجي وإقامة ممرات النقل المؤدية إلى أرمينيا، وهذه الممرات يجب أن تمر وسط جورجيا بالقرب من العاصمة تبليسي نظرا للطرق وتضاريس البلاد.

يعتقد الجيش الروسي، أنه إذا ما اضطرت أميركا للمشاركة في الحرب على إيران، فهي قد تنشر قواتها في جورجيا وأسطولها الحربي في بحر قزوين مع احتمال مساعدة من أذربيجان (أعلنت أخيرا أنها لن تسمح باستعمال أراضيها من قبل إسرائيل للهجوم على إيران). وكانت مصادر دفاعية أميركية كشفت مؤخرا عن أن إسرائيل استأجرت قاعدة لها في أذربيجان، وقد أثار هذا حنق تل أبيب. والمعروف أن إسرائيل وافقت مؤخرا على بيع أذربيجان معدات عسكرية بقيمة 1.6 مليار دولار.

وكان الخبير الأميركي بافل فلجنهاور من «مؤسسة جيمستاون» كتب أن روسيا قد تستغل أي هجوم على إيران لتحرك قواتها جنوبا، لمنع ما تفترض احتماله وهو نشر قواعد عسكرية أميركية في منطقة القوفاز، وللربط مع القوات في أرمينيا، والاستيلاء على ممر الطاقة في جنوب القوقاز، الذي عبره يصل الغاز الطبيعي والنفط من أذربيجان، وتركمانستان والقوفاز إلى الأسواق الأوروبية.

وأضاف أنه «من خلال هجوم عسكري واحد وسريع، قد تضمن روسيا السيطرة على كل مناطق القوقاز وبحر قزوين التي كانت ضمن فلكها في السابق، فتفرض واقعا على الغرب، المشغول إلى أقصى الحدود بإيران، لا يمكنه أن يغيره أو يعيده إلى ما كان عليه».

إن أي انتصار عسكري ولو صغيرا، سيوحد الأمة الروسية وراء الكرملين. لقد دخلت إيران وسوريا في «عناكب» لعبة الأمم، لن يكون هناك احتلال لأي من الدولتين، لكن أيضا، لن يكون هناك استقرار، دخلتا ضمن الصراع الأميركي - الروسي وفي هذه الحالة الجديدة، يجب التفتيش عن النفط والغاز.

ملاحظة عابرة: سيزور الرئيس الروسي بوتين إسرائيل في شهر يونيو (حزيران) المقبل.

=================

تصورات متداولة.. رحيل الأسد مقابل بقاء حكم الطائفة العلوية!

صالح القلاب

الشرق الاوسط

19-4-2012

الألاعيب ذاتها والمناورات نفسها، وكأنك «يا أبا زيد ما غزيت»، إذ إن ما حصل مع المراقبين العرب ها هو يتكرر مع طليعة المراقبين الدوليين الذين استقبلوا – وهم في طريقهم إلى دمشق - بتكثيف القصف على مدينة حمص وإشعال بؤر التوتر جميعها ومواصلة عزف مقطوعة «المجموعات الإرهابية» إياها والقول إن القوات السورية «الباسلة»!! سوف تمنع هذه المجموعات من الاستمرار باعتداءاتها، ومع كل هذا فقد أظهر الجيش الحر التزاما شديدا بوقف إطلاق النار المتفق عليه بموجب بنود خطة كوفي أنان رغم استمرار جيش النظام و«شبيحته» بعملياتهم العسكرية السابقة ولكن بوتيرة عالية.

في اليوم الذي وصلت فيه طليعة المراقبين الدوليين إلى العاصمة السورية، أي مساء يوم الأحد الماضي، سقط 28 قتيلا من أبناء الشعب السوري، غالبيتهم في حمص وفي درعا، وكذلك وكبداية لإغراق مهمة كوفي أنان في التفصيلات الثانوية، فقد بادر الناطقون الرسميون باسم نظام بشار الأسد إلى قول ما كانوا قالوه في بداية مهمة المراقبين العرب، وهو أن سوريا لا تضمن سلامة هؤلاء المراقبين الدوليين، وأنها تريد معرفة مسبقة بالدول التي ينتمون إليها، وأنها لن تسمح لهم بالانتقال من مكان إلى مكان آخر وزيارة أي موقع من دون التنسيق مع الجهات السورية الأمنية المعنية.

وهكذا، فإن ما استقبل به نظام بشار طليعة المراقبين الدوليين من تأكيدات على عدم وقف العمليات العسكرية مع من يسميهم «المجموعات الإرهابية المسلحة» وعلى عدم ضمان سلامة هؤلاء المراقبين والإصرار على المعرفة المسبقة بأسماء الدول التي ينتمون إليها، يدل على أن هذا النظام مستمر في ألاعيبه ومناوراته السابقة، وأنه عازم على إفشال هذه المبادرة الدولية، كما كان أفشل المبادرة العربية، وأنه مصر على المضي بالحلول الأمنية والعسكرية حتى النهاية.

ثم وفي هذا السياق ذاته، فإن المؤكد أن روسيا تنصب ومنذ الآن «كمينا» للاجتماع الدولي، الذي تقرر عقده في الأسبوع المقبل لإصدار قرار جديد بإرسال ما تبقى من المراقبين بحيث يصبح العدد الكلي 250 مراقبا، وبحيث تثار مهمة هؤلاء المراقبين مرة أخرى، وكذلك الأمر بالنسبة لجنسياتهم ولضمان سلامتهم وضرورة تنسيقهم المسبق مع الأجهزة الأمنية المعنية بخصوص تنقلهم في الأراضي والمناطق السورية.

وكل هذا، واستنادا إلى كل هذه الحجج واعتمادا على المناورات والألاعيب التي أفشلت وأجهضت المبادرة العربية قبل أن تحقق ولو خطوة واحدة، فإنه غير متوقع وعلى الإطلاق أن يلتزم نظام بشار الأسد حتى بالبند الأول من خطة كوفي أنان، الذي ينص على وقف فوري لإطلاق النار وسحب القوات النظامية إلى معسكراتها التي كانت ترابط فيها قبل انفجار هذه في مارس (آذار) من العام الماضي، والمعروف أن هذا البند كان يجب أن يتم تنفيذه في العاشر من هذا الشهر وقد مددت هذه المهلة لإعطاء فرصة لحسن النيات حتى الثاني عشر منه، لكن أي شيء لم يحصل، والمؤكد أن أي شيء بالنسبة لهذا الأمر لن يحصل، لأن هذا النظام كان قد اتخذ قرارا منذ البدايات باستبعاد أي حل سلمي لا يحقق له عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل بداية هذه الانتفاضة الشعبية.

وهنا فإن ما يشير إلى أن مصيرا كمصير المبادرة العربية ينتظر مهمة المبعوث العربي الدولي كوفي أنان هو أن كل مندوبي الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، باستثناء مندوبي روسيا والصين، قد أعربوا عن اعتقاد يصل إلى حدود اليقين بأن النظام السوري سيفشل هذه المهمة، وأنه مصر على المضي بقتل شعبه حتى النهاية، وأنه لا يريد إصلاحا ولا تغييرا، وأنه سيواصل مناوراته وألاعيبه بالطرق السابقة ذاتها، مبتدئا كل هذا بإدخال مهمة المراقبين في دوامة لا نهاية لها من التفصيلات والاشتراطات لتكون نهايتها كنهاية مهمة المراقبين العرب البائسة المعروفة.

وإزاء هذا كله، فإن ما يجمع عليه بعض الذين لهم إطلالة قريبة على الأوضاع في سوريا هو أن هذه الأزمة التي باتت أزمة دولية وإقليمية ستبقى مفتوحة على شتى الاحتمالات، وإن من بين هذه الاحتمالات إما أن تتحرك تركيا بعد توفير غطاء عربي بالإمكانات المتاحة والمتوفرة لإنشاء المنطقة المحمية التي يجري الحديث عنها ولتحويل الجيش الحر إلى قوة عسكرية فاعلة هذا إذا توفرت إمكانية اللجوء إلى عمل عسكري جراحي من قبل حلف شمالي الأطلسي على اعتبار أن الدولة التركية التي تم الاعتداء على أراضيها من قبل جيش النظام السوري مرات عدة عضو فيه.

وهنا وقد وصلت الأمور إلى كل هذا الحجم من التعقيدات إقليميا ودوليا وفي سوريا نفسها فإن بعضا من كبار المسؤولين العرب السابقين الذين كانت تربطهم علاقات عمل وأيضا علاقات صداقة مع الرئيس السوري السابق حافظ الأسد وكبار مساعديه، والذين بحكم هذه العلاقات لهم معرفة واسعة وبأدق التفاصيل بالشؤون الداخلية السورية لا يستبعدون أن يتقدم الآن خيار الانقلاب العسكري الإنقاذي الذي بقي متوقعا ومطروحا منذ بداية انفجار هذه الأزمة. ويقول هؤلاء إن كل هذه المماطلات التي تواجه بها خطة كوفي أنان تدل على أن الأمور باتت تفلت ولأول مرة من يد بشار الأسد، وأن القرار لم يعد قراره، وأن هناك من بين كبار جنرالات جيشه من باتوا ليس يفكرون فقط، بل ويعملون على التضحية به لضمان أن يبقى الحكم في يد الطائفة العلوية، وهذا ما كان أشار إليه رفعت الأسد، عم الرئيس الحالي، والذي يعيش في المنافي الأوروبية منذ عام 1984، في الآونة الأخيرة أكثر من مرة.

وحول ما كان من الممكن أن يكون صاحب الحظ الأوفر من بين كبار الجنرالات العلويين في حال الاتفاق نهائيا على التضحية بالرئيس السوري الحالي لقاء بقاء حكم الطائفة العلوية، قال مسؤول عربي سابق إنه سأل الجنرال مصطفى طلاس الذي كان وزيرا للدفاع عما حصل بعد وفاة الأسد الأب كي يتم تعديل الدستور السوري خلال دقائق والمجيء ببشار الأسد وعمره 34 عاما رئيسا لدولة عربية محورية وأساسية كسوريا، وذلك مع أنه لم يخضع للتهيئة التي خضع لها شقيقه باسل الذي توفي في حادث سيارة على طريق مطار دمشق الدولي كما هو معروف.

ووفقا لهذا المسؤول العربي السابق الكبير، فإن رد مصطفى طلاس على سؤاله كان بأن أشار إلى أنه استدعي على عجل، وأنه ذهب مسرعا إلى القصر الجمهوري ليفاجأ بأن حافظ الأسد الذي بقي يعاني من مرض عضال لسنوات طويلة قد توفي، وأن الجنرالات العلويين من قادة الفرق العسكرية كانوا يملأون ردهات القصر، وأن كل واحد منهم يطرح نفسه على أنه البديل الأحق للرئيس الراحل، ولذلك وتلافيا للصدام والاحتكام إلى الثكنات، فقد تم الاتفاق على الاستنجاد ب«المجلس الملي» للطائفة العلوية الذي أشار إلى ضرورة اختيار بشار الأسد لأنه الأضعف من بين كل المرشحين والذين يرشحون أنفسهم لموقع رئاسة الجمهورية، وكذلك لأنه خلافا لما حصل لاحقا لا يشكل خطرا على تطلعات وطموحات أي من هؤلاء!!

والآن وإذا كانت هناك محاولات بالفعل للتضحية بالرئيس بشار الأسد من أجل ضمان عدم خروج الحكم من يد الطائفة العلوية، كما أشار إلى هذا رفعت الأسد وبصراحة أكثر من مرة في الآونة الأخيرة، فإن السؤال الذي يجب ترك الإجابة عنه للأيام المقبلة التي قد تكون غير بعيدة هو: من سيكون يا ترى الرقم الثانوي والضعيف الذي سيرسو عليه الخيار هذه المرة من بين كبار الجنرالات العلويين؟ ثم وهل إن مثل هذا الحل المستغرب سيكون بموافقة عربية ودولية وبموافقة إيران وروسيا الاتحادية؟!

=================

روسيا.. الرابح الأول

وليد أبي مرشد

الشرق الاوسط

19-4-2012

بين احتمالات نشوب حرب أهلية قد يحفزها تسليح «الجيش السوري الحر»، وحرب إبادة للشعب السوري يشجعها حجب السلاح عنه.. اختارت إدارة باراك أوباما «مراقبة» الأزمة السورية عبر ثلاثين مبعوثا دوليا بدل حلها أو تقريب حلها، وذلك بانتظار تقطيع الفترة الزمنية الفاصلة عن موعد انتخابات الرئاسة الأميركية دون أن يعكر صفوها عودة هاجس «عراق جديد» أو «أفغانستان جديدة» إلى الجدل الانتخابي الأميركي المتنقل من قضية إلى أخرى.

شعار المرحلة في واشنطن ليس ديمقراطية سوريا ولا حق شعبها في استعادة حرياته السليبة، بل تجنب «التورط» في أي قرار خارجي قد يهدد مصداقية تعهد الرئيس أوباما، المطروح منذ حملته الانتخابية الأولى، بإعادة «الشباب» (جنود القوات الأميركية) إلى بلادهم في أقرب فرصة ممكنة. ولأن الكثير منهم لم يعد بعد فإن أي تطور دولي يهدد بإعادة نشرهم في الخارج لن يصب في مصلحة أوباما الانتخابية، حتى ولو كان دافعه الظاهري تأكيد المبادئ الديمقراطية التي لا تكف واشنطن عن التذكير بأنها الدولة التي تحمل رايتها.

ولأن قاعدتي دبلوماسية واشنطن الثابتتين في الشرق الأوسط لا تزالان أمن إسرائيل وأمن الخليج (وتحديدا نفط الخليج)، ولأن النظام السوري لا يهدد أيا من هاتين الأولويتين - خصوصا بعد أن أحبطت دولة «الممانعة» نظامها بيدها - فإن أي «تورط عسكري» في المنطقة لن يصب في خانة المصلحة الأميركية، إضافة إلى أنه يصعب تبريره للناخب الأميركي في أجواء معركة انتخابية ترتفع حرارتها باطراد.

بالنسبة لإدارة أوباما، جاء وضع الكرة في ملعب الأمم المتحدة بمثابة «أهون الشرين» بين خياري الحرب الأهلية وحرب الإبادة في سوريا.

ولكن إذا كان قرار نشر المراقبين التابعين للأمم المتحدة في سوريا، المتخذ بإجماع مجلس الأمن، يشكل الأرضية الوحيدة التي تلتقي فيها واشنطن وموسكو حاليا على موقف موحد من الأزمة السورية، فإن روسيا، لا الولايات المتحدة، هي الجهة المرشحة لقطف مردوده السياسي في المنطقة.

بالنسبة لموسكو، كرس القرار موقع روسيا الدولي في الشرق الأوسط وخصوصا دورها «المحفوظ»، وبقرار دولي، في أي حل مرتقب للأزمة السورية.

بعد قرار مجلس الأمن لا حل عربيا خالصا، أو عربيا - غربيا مشتركا في سوريا، دون «ضوء أخضر» روسي. وهذا الإنجاز الذي يستهل به فلاديمير بوتين عهده المجدد في الرئاسة الروسية سيسمح له بالادعاء أنه هو وحزبه، لا الاتحاد السوفياتي البائد، الوريثان الفعليان لطموحات روسيا القيصرية في الشرق الأوسط.

ولن يكون مستبعدا، في سياق تأكيد الدور الروسي في سوريا، أن تثبت الأيام المقبلة أن ما توخاه القرار الدولي من «وقف للعنف» في سوريا لن يتحقق ميدانيا دون مساعدة روسية مباشرة، أي دون أن تضع روسيا كامل ثقلها إلى جانب باقي دول مجلس الأمن لإنجاح مهمة المراقبين الدوليين.. وكامل الثقل في هذا السياق يعني استعدادها للضغط على دمشق لضمان التزامها بالقرار الدولي. أما بالنسبة لواشنطن، فلن تفلح كل مبررات معارضتها لاقتراح تسليح «الجيش السوري الحر»، في تبديد شعور الكثير من السوريين بأن موقفها يرقى إلى مصاف التخلي المصلحي عن انتفاضتهم الشعبية من قبل الرئيس نفسه، الذي دعا بشار الأسد علنا، قبل سنة من اليوم، إلى التنحي عن سدة الحكم، وأكد في أكثر من مناسبة واحدة أنه فقد شرعيته كرئيس لسوريا.

مع ذلك يفرط في التفاؤل من يعتقد أن نشر المراقبين التابعين للأمم المتحدة سيوقف عمليات «قمع» الانتفاضة بوسائل أمنية أخرى، وما أكثرها في سوريا، أو أنه سيوقف انتفاضة دفعت، حتى الآن، أكثر من عشرة آلاف ضحية ثمن استعادة حرياتها المصادرة.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ