ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 14/04/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

إيران ومحاولات تخفيف الضغط على سورية

2012-04-13

الوطن السعودية

ليس مستغربا أن يقوم الرئيس الإيراني بزيارة إلى جزيرة أبو موسى، فمن يجرؤ على الاستمرار في احتلال الجزر الإماراتية الثلاث لن تنقصه الجرأة لزيارتها وكأنها جزء من أراضيه. زيارة أحمدي نجاد لجزيرة أبو موسى، وهي التي احتلتها إيران مع جزيرتي طنب الصغرى وطنب الكبرى في 1971 بعد انسحاب البريطانيين منها، لن تغير من وضعها القانوني شيئا. فهي جزر عربية إماراتية وستعود كذلك طال الزمن أم قصر، والإيرانيون يعرفون ذلك جيدا. لكن توقيت الزيارة هو الذي يثير التساؤل. فما الذي يجعل الرئيس الإيراني يقوم بزيارة إلى هذه الجزيرة المحتلة في هذه الفترة بالذات، وهو يعرف تماما أن هذه الزيارة سوف تستفز مشاعر الدول العربية؟ لا يمكن أن تكون هذه الزيارة مثلا رسالة إلى مجموعة دول 5+1 التي تحاورها إيران حول ملفها النووي، فليس هناك مخازن لليورانيوم ولا منشآت نووية في هذه الجزيرة!

إن التفسير الوحيد الذي يمكن تقديمه لهذه الزيارة الاستفزازية هو أن النظام الإيراني يحاول أن يشغل أجهزة الإعلام العربية والعالمية بفقاعة لا معنى لها عله بذلك يبعد شيئا من الأضواء عن التركيز الإعلامي المسلط على حلفاء إيران في دمشق، خاصة مع بدء وقف إطلاق النار المفترض في سورية والاحتمالات الكبيرة لمعظم المراقبين بأن النظام السوري لن يلتزم به. التفسير نفسه يمكن تقديمه للتفجير الإجرامي الذي قامت به مجموعة إرهابية في البحرين منذ أيام قليلة بتحريض من طهران، والذي أوقع عددا من الجرحى في صفوف قوات الأمن البحرينية.

إن إيران لم توفر جهدا ماديا أو إعلاميا أو عسكريا في مساعدة حلفائها في دمشق، ولم تحاول في أي مرحلة من المراحل أن تستغل علاقتها القوية بنظام الرئيس بشار الأسد في سبيل وضع حد لنزيف الدم السوري الذي ملأ ساحات وشوارع هذا البلد الجريح على أكثر من عام.واستمر حتى بعد ادعاءات النظام بأنه ملتزم بوقف إطلاق النار، إذ شهد يوم أمس خروقات واضحة ومتوقعة. وبدلا من البحث عن فقاعات إعلامية فارغة للتغطية على ما يقوم به النظام السوري من فظائع يومية، كان يفترض بإيران كدولة فاعلة في المنطقة أن تسعى لتكون وسيطا حياديا يسعى لتهدئة الوضع في سورية ورفع الظلم عن شعبها.

=================

وقف جزئي للقتل

رأي الراية

الراية

13-4-2012

انخفاض أعداد القتلى في المدن والبلدات السورية إلى ما دون المائة قتيل مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ صباح أمس لا يمكن اعتباره بالإنجاز الذي يمكن أن يحتفي به أحد، فالقتل استمر، وسقوط الضحايا وقصف المدن ومنع التظاهرات السلمية المطالبة بالحرية والديمقراطية من قبل النظام تواصلت وكأن شيئًا لم يكن.

رغم دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ إلا أن النظام مازال يماطل في تطبيق الشق الأول من مبادرة المبعوث الدولي ومبعوث الجامعة العربية كوفي عنان والمتعلق بسحب الجيش والآليات الثقيلة من المدن والبلدات السورية ما يلقي بالمسؤولية على عنان للضغط من أجل تطبيق المبادرة كرزمة واحدة وليس حسب شروط النظام.

من الواضح أن الاستمرار في نشر الجيش في العديد من المدن والبلدات وعدم إعادته إلى الثكنات يهدف إلى الحيلولة دون زحف المتظاهرين إلى الميادين الرئيسة في المدن والبلدات للتظاهر والمطالبة بإسقاط النظام.

النظام السوري سيكون اليوم الجمعة أمام امتحان عسير مع الدعوات التي انطلقت للخروج إلى الشوارع والتظاهر للمطالبة بالحرية والديمقراطية فإن استخدم القوة والعنف لفض التظاهرات ومنعها يكون بالتالي قد أفرغ مبادرة كوفي عنان من مضمونها لأن الحق بالتظاهر السلمي نقطة أساسية من نقاط خطة عنان.

لقد ساهم دعم المجتمع الدولي الذي يقف بقوة خلف مبادرة عنان في الضغط على النظام للتخفيف من وتيرة العنف والقبول بالمبادرة رغم التفسيرات والشروط التي يقدمها لبعض بنودها كما أن نجاح مجلس الأمن الدولي في إصدار قرار بنشر مراقبين دوليين المتوقع للتأكد من مدى تنفيذ المبادرة على الأرض وتطبيق جميع الأطراف "النظام والمعارضة " لها يعد خطوة مهمة ودفعًا باتجاه حل الأزمة التي تفاقمت كثيرًا مع ارتفاع أعداد الضحايا والمنكوبين.

الكرة الآن في ملعب النظام السوري الذي تقع عليه المسؤولية الكبرى في تطبيق مبادرة عنان ذات النقاط الست دون شروط مسبقة الأمر الذي سيخلق مناخًا إيجابيًا يمكن معه تطبيق الشق السياسي المتعلق بالمبادرة والمتمثل بالحوار الوطني الشامل حول العملية الانتقالية الذي تشارك فيه جميع الأطياف السورية داخل وخارج سوريا سعيًا للتوصل إلى مخرج من الأزمة بما يحقق مطالب الشعب السوري بالحرية والديمقراطية والتعددية والتغيير.

=================

طهران تقلب ساعة الرمل في دمشق .. العلاقة بين تخليص السوريين من الأسد، والإسرائيليين من إيران، مثل ساعة الرمل التي تقرر خطوات واشنطن في الملفين

عبدالمنعم مصطفى

الجمعة 13/04/2012

المدينة

فيما يبدو فقد تمكن الرئيس السوري بشار الأسد من إقناع قطاع دولي مؤثر بأنه يسد ببقائه في سوريا، فوهة قمقم عفاريت الشرق الأوسط، وأن الإطاحة به تعني السماح لحمم بركان السياسة في سوريا باجتياح المنطقة على نحو عشوائي يصعب التكهن بشدته ومداه ووجهته، هكذا يقول السلوك الدولي تجاه جرائم بشار الأسد اليومية بحق شعبه على مدى ثلاثة عشر شهرًا. لكن التعامل مع نظام بشار الأسد، على أنه سدادة مفيدة لفوهة قمقم عفاريت الشرق الأوسط، لا ينبغي أن يعني الاستسلام للسدادة، أو التسليم بجدوى استمرارها في موضعها، وإن كان سلوك الكافة من أول جامعة الدول العربية ومجلس الأمن وحتى المبعوث المزدوج (عربي - أممي) كوفي عنان، يعزز قيمة الأسد/ السدادة، ويمنحها مشروعية البقاء طالما أنها تحجب عن العالم سيلا من الكوارث والمخاطر، تهون أمامها أرواح كل السوريين.

الثلاثاء الماضي، انتهت مهلة كوفي عنان لنظام الأسد في دمشق، والتي كان يتعين ببلوغها أن تكون دمشق قد سحبت آلياتها الثقيلة من المدن الرئيسية، وأوقفت إطلاق النار. لكن نظام بشار الأسد لم يسحب الآليات الثقيلة ولم يوقف إطلاق النار، وخرج وزير خارجيته المعلم متحدثًا عن سوء فهم من قبل المجتمع الدولي لأن بلاده لم تقبل بوقف لإطلاق النار، وأنها لن تفعل ذلك ما لم توقع المعارضة على تعهدات مكتوبة تلتزم بموجبها بوقف مقاومة النظام، وكذلك بتسليم ما تحت أيديها من أسلحة.

يا سلام.. هكذا، يريد النظام السوري استسلام المعارضة، بينما توقف المجتمع الدولي -وحتى العربي- عن مطالبته هو بالرحيل، بل إن ما يحدث تحت عنوان «جهود التسوية» لا يعني سوى الإقرار بشرعية نظام أسقطه شعبه. فمهام كوفي عنان المكوكية من وإلى دمشق، تسبغ شرعية على نظام «يأكل» شعبه كل يوم، ونجاح الروس والصينيين في تغيير مفردات الأجندة الدولية بشأن النظام السوري، يزود النظام بمفردات البقاء، بينما تتراجع المطالبة برحيل الأسد حتى في الخطاب الإعلامي الأمريكي، لتحل محلها مطالب شديدة التواضع مثل حماية المدنيين ودعوة النظام إلى الكف عن قتلهم.. وكأنما من الممكن أن يستمر النظام بعد سقوط عشرة آلاف قتيل وعشرات الآلاف من الجرحى والمعتقلين. أو أن مهمة أي نظام سياسي رشيد هي أن «يكف عن قتل شعبه»!! ثمة عوامل لابد من الاعتراف بأن نظام الأسد قد استثمرها أو استفاد منها -حتى الآن- بأكثر مما استطاع خصومه، فالرجل قد تمكن من تسويق التصور الجيوبولتيكي لموقع سوريا، واستطاع أيضًا استيعاب أزمة النظام الدولي مع إيران واستخدامها لإطالة عمر نظامه أو لتحسين فرصه في التفاوض على -خروج آمن- إذا لزم الأمر، وهكذا بات يلعب دون ضغوط كبيرة تتعلق بفرصه الشخصية في النجاة بنفسه وعائلته عند الضرورة. إدراك صناع السياسة الأمريكية مبكرًا لحقائق العلاقة بين ملف تخليص السوريين من نظام الأسد، وتخليص الإسرائيليين من تهديدات البرنامج النووي الإيراني، ظل بمثابة ساعة الرمل التي تقرر مواعيد الخطى الأمريكية في الملفين السوري والإيراني، فكلما دخل الملف النووي الإيراني مرحلة السخونة، استحث الأمريكيون خطى التغيير في سوريا، مع ملاحظة أن كلمة التغيير بالنسبة لهم، لا تعني تغيير الأسد، وإنما تغيير خارطة تحالفات سوريا، سواء بالأسد أو بدونه، ولهذا فقد تراجعت حرارة الملف السوري في البيت الأبيض، بعدما تمكن الرئيس أوباما من إقناع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، بتأجيل ضرب إيران إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر المقبل. أما وقد دخلت طهران في مفاوضات حول ملفها النووي تبدأ جولتها الثانية غدا (السبت) في اسطنبول، فإن ثمة من يقلب ساعة الرمل في غرفة ساونا الجحيم السورية، ليحصل نظام الأسد على فسحة إضافية مستفيدًا من مهلة جديدة تمنحها له مفاوضات إيران مع مجموعة (5 + 1).

تسريع خطى التخلص من نظام دمشق، سيظل رهنًا بقدرة الساعين إلى إنجازه على تبديد الأوهام حول العفاريت التي يسد الأسد قمقمها ببقائه فوق مقعد الحكم في دمشق، وهي مهمة ليست صعبة وإن احتاجت إلى الكثير من الخيال السياسي المفتقد في منطقتنا.

=================

في مصر وسوريا مخاض المستقبل العربي  

آخر تحديث:الجمعة ,13/04/2012

عوني فرسخ

الخليج

يعيش الوطن العربي منذ انبثاق ثورة تونس مخاض تغيير جذري في أغلبية الأقطار العربية، وفي تقديري أن تداعيات ثورة 25 يناير/ كانون الثاني في مصر وما يجري في سوريا هما الأشد تأثيراً في حاضر ومستقبل الأمة العربية، على أهمية ما هو جارٍ في مشرق الوطن العربي ومغربه . وذلك لأهمية القطرين في التاريخ العربي، خاصة على صعيد الفكر والعمل السياسي، والصراع العربي - الصهيوني على الأخص . فضلاً عن واقع قوى مخاض التغيير في الساحتين، وخطورة التدخلات الدولية والإقليمية لدى القوى المتصارعة فيهما .

فمصر شكلت تاريخياً درع الأمة العربية في التصدي لغزاتها ودحرهم، من الغرب الأوروبي جاؤوا، أم من الشرق الآسيوي . كما كانت عبر الزمن العربي حاضنة الثقافة العربية الإسلامية، وموطن الفكر الإسلامي ومركز الإبداع واستقطاب المبدعين من مشرق الوطن ومغربه . وكان لها في العصر الحديث ثلاثة إسهامات تاريخية على صعيد الفكر الإسلامي: أولها ريادة الأمام محمد عبده في تجديد الفكر الإسلامي التي لما تزل موضوع استلهام رواد الإصلاح والنهضة والوسطية العقلانية ومقاصد الشريعة المواكبة للعصر والتفسير الموضوعي والمعاصر لآيات القرآن الكريم . وثانيها، تأسيس الإمام حسن البنا لجماعة الإخوان المسلمين ووضعه أسس بناها فكراً وتنظيماً . وثالثها أدبيات سيد قطب التي باتت مادة لاستلهام الجماعات السلفية على اختلاف فرقها .

ومنذ بداية الدعوة القومية العربية مطلع القرن العشرين كانت سوريا الحاضنة الأولى والأهم للفكر والعمل القومي العربي، ومصدر استلهام أساسي لأصحاب التوجه القومي في عموم الأرض العربية . وكانت صاحبة المبادرة التاريخية في قيام الجمهورية العربية المتحدة، وحتى بعد إجهاض التجربة التاريخية لم ينتكس الفكر والعمل القومي في قلب العروبة النابض الذي عارض جمهوره بما يشبه الإجماع الانقلاب الانفصالي، ودفع غالياً في معارضته . فضلاً عن أنه منذ تفجر ثورة فلسطين الكبرى في ربيع 1936 شكلت سوريا العمق الاستراتيجي لمقاومة المشروع الصهيوني، وحافظت على دعم ومناصرة سائر قوى الممانعة والمقاومة، ما جعلها مستهدفة ليس فقط من رعاة المشروع الصهيوني على جانبي الأطلسي، وإنما أيضاً من قوى التجزئة التي لا تتناقض مصالحها تناقضاً عدائياً مع الاستعمار الاستيطاني الصهيوني .

ثم إنه من بين التيارات الفكرية والسياسية الأربعة التي ألهمت النخب والجماهير العربية منذ بواكير اليقظة العربية أواخر القرن التاسع عشر: القومي، والإسلامي، والليبرالي، والماركسي . تميز التياران الأولان بسعة الانتشار على صعيد النخب والجماهير، وبكونهما الأصدق تعبيراً عن التراث الحضاري لشعوب الأمة العربية من غير استثناء، برغم كل المتغيرات والمستجدات في واقع مشرق الوطن العربي ومغربه .

فالإسلام في ضوء النصوص من الكتاب والسنة، والقراءة الموضوعية لمسيرة الأمة العربية خلال ما يتجاوز الأربعة عشر قرناً، تأسس على مبدأ “لا إكراه في الدين”، واختصت شريعته بالحق والعدل، ورفض العدوان والتصدي للمعتدين، وعلى الاعتراف بالنصرانية كدين سماوي، ومعتقدوه، حيث وجدوا باعتبارهم جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي، محفوظة حقوقهم الدينية والمدنية ومشاركين بقية مواطنيهم في الواقع السياسي القائم . ولقد كان الفتح العربي الإسلامي في الهلال الخصيب ووادي النيل والمغرب العربي محرراً لشعوبها من السيطرة الأجنبية والنزاعات الطائفية . وفي مواجهة الحملات الاستعمارية شكلت المساجد ومنابرها مراكز انطلاق مواجهة الغزاة المستعمرين، والاستعمار الاستيطاني العنصري الصهيوني راهناً . ما فيه الدلالة القاطعة على تناقض تعاليم الإسلام وقيمه وتجربة الأمة التاريخية مع ادنى تفريط في الثوابت الوطنية والقومية في الصراع العربي- الصهيوني والموقف التاريخي من الاستعمار الأوروبي والإمبريالية الأمريكية .

ولقد تميز الفكر والعمل القومي العربي كيفياً عنهما في أوروبا، لاختلاف ظروف النشأة في الحالين . ذلك لأن الدعوة القومية العربية لم تنشأ كدعوة قوى برجوازية طامحة لتوسيع سوقها الوطنية على حساب الشعوب الأخرى، وإنما كدعوة نضالية في التصدي للتسلط العثماني والاستعمار الأوروبي وأداته الصهيونية . وعليه احتل التحرر الوطني والتقدم على طريق الديمقراطية المقام الأول في الأدبيات القومية بشكل عام . وتاريخ الناصرية في التصدي للأحلاف والصهيونية بغير حاجة لحديث، وهي وأن تجاوزت الليبرالية فكراً وممارسة أرست قواعد “الديمقراطية الاجتماعية” القائمة على الجمع بين الحريات العامة والخاصة وبين العدالة الاجتماعية . وعليه يمكن القول تأسيساً على تجربة القوى القومية حتى مطلع سبعينات القرن العشرين إن مما يتناقض مع الفكر والعمل القومي العربي الفصل ما بين مقاومة العدوان الخارجي وتوفير أكبر قدر من الحرية والعدالة على الصعيد الداخلي في أي قطر عربي، ناهيك بسوريا التي لما تزل قلب العروبة النابض المستهدف من سائر القوى المعادية للأهداف القومية .

ومع أن مخاض التغيير في مصر متمايز عنه في سوريا من حيث قواه المتصارعة وشعاراته المرفوعة، إلا أنه غير مختلف كيفياً في مضمونه . ذلك أن المستهدف في الساحتين يكاد يكون واحداً . فثورة 25 يناير/ كانون الثاني حين نادت لحظة انطلاقتها بالحرية والكرامة كانت في دوافعها وغايتها إنما تقصد تحرير مصر من تبعات وتراكمات الردة الساداتية، التي جعلت منها دولة وظيفية مرتهن قرارها السياسي وإرادتها الوطنية للقوى الخارجية مقدمة “المعونات” التي توفر للنظام قدرة احتواء الأنصار . فضلاً عن تغييب دورها القومي بالارتباط التبعي للتحالف الاستراتيجي الأمريكي - “الإسرائيلي” . ويقينا أن ثورة ميدان التحرير لا تكتمل ما لم تحرر إرادة مصر وقرارها الوطني من أوزار تركة السادات وخلفه، واستعادة دورها القومي بأفضل مما كان عليه زمن عظيميها محمد علي وجمال عبدالناصر .

والمخاض في سوريا كما يستدل عليه من معطيات الواقع الراهن، مرشح لأن ينتهي بسوريا صامدة في موقفها التاريخي كعمق استراتيجي للمقاومة العربية، خاصة في مواجهة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، ومتغيرة جذرياً على صعيد الحياة السياسية والواقع الاجتماعي، بحيث يستعيد قلب العروبة النابض دوره التاريخي كمنارة للفكر القومي العربي بأفضل مما عرف به .

ويعلمنا التاريخ أنه كلما تكاملت مصر وبلاد الشام توفرت في عموم الوطن العربي مقومات التجدد الحضاري على كل الصعد . ما يجعل منطقياً القول: في مصر وسوريا مخاض المستقبل العربي .

=================

هل يصمد وقف النار في سوريا وإلى متى؟ .. وما العمل إذا فشل تنفيذ خطة أنان؟

اميل خوري

2012-04-13

النهار

هل يصمد وقف العمليات العسكرية في سوريا وإلى متى، خصوصا في غياب مراقبين يحددون الجهة التي تخرقه ومع بقاء الطرفين المتواجهين في مواقعهما وكل منهما على سلاحه في انتظار تنفيذ قرار خطة المبعوث الخاص كوفي أنان بانسحاب الآليات العسكرية في المدن وبنودها كاملة؟ وهل بات في الإمكان القول إن خطة أنان أخذت تسلك طريق التنفيذ بسهولة وان الحل السياسي للأزمة السورية له حظوظ؟ لكن يبقى السؤال المهم وهو: ماذا لو أن العمليات العسكرية استؤنفت في سوريا وأُعلن فشل تنفيذ خطة أنان، هل يعود البحث في عقوبات جديدة أو في تدخل عسكري خارجي أو في تسليح المعارضة السورية أو في إقامة مناطق عازلة؟

الواقع انه بعد مرور اكثر من سنة، لا النظام السوري استطاع الحسم عسكرياً والقضاء على الثورة القائمة عليه، ولا الثورة استطاعت إسقاط هذا النظام، ولا المجتمع العربي والمجتمع الدولي توصلا الى حل سياسي للأزمة السورية، ولا قرار اللجوء الى الحل العسكري كان متيسراً وذلك مخافة أن تشتعل حرب واسعة في المنطقة يتواجه فيها المحوران الاميركي ومن معه من جهة والمحور الإيراني ومن معه من جهة اخرى، وعلى نتائج هذه المواجهة يتقرر مصير المنطقة ويعرف لون وجهها. فالنظام السوري عندما كان على وفاق مع دول الغرب وتحديداً مع الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا، وعلى وفاق ايضا مع الدول العربية المعنية وتحديداً مصر والسعودية، كان العمل جارياً لتغيير سلوك النظام وبخاصة في لبنان، ولم يمر في بال أحد تغييره لأن ذلك صعب وله مضاعفات. واستمرت محاولات تغيير سلوك النظام سنوات ولكن من دون طائل لأن من يربى على شيء يشيب عليه...

وعندما قامت ثورات شعبية في عدد من الدول العربية وأسقطت الأنظمة القائمة فيها، جاء دور النظام في سوريا، لكنه قرر التصدي للثائرين عليه اعتماداً منه على الجيش الذي ظل قوياً على رغم ما واجه من انشقاقات، واعتماداً على دعم ايران وروسيا. فلا الجامعة العربية نجحت في تنفيذ الحلول والمبادرات السياسية التي اقترحتها لأن النظام السوري رفضها وكان له شروطه للقبول بها، ولا الحلول الدولية أمكن تنفيذها لأنها اصطدمت ب"الفيتو" الروسي والصيني المزدوج. وكانت روسيا تعتقد أن الجيش السوري قادر على الحسم عسكرياً خلال أشهر، وبعد هذا الحسم يدعى المعارضون للجلوس الى طاولة الحوار للبحث في الاصلاحات المطلوبة التي يتم تطبيقها خلال ما تبقى من عهد الرئيس بشار الاسد.

لكن الجيش السوري لم يتوصل الى الحسم عسكرياً على رغم اعطائه مهلة بعد مهلة بحجة البحث في الحلول السياسية، ولا يزال الرئيس الاسد يأمل في التوصل الى هذا الحسم إذا ما فشل الحل السياسي الاخير الذي يعمل عليه انان، وظلت ايران وروسيا تساندان النظام وترفضان تنحي الرئيس الاسد، فيما المعارضون يواجهون الحل العسكري بمحاولة الحصول على مزيد من الاسلحة من مصادر مختلفة، ومن دون إعلان رسمي من جانب اي دولة تقوم بذلك، وعندها تدخل سوريا في حرب أهلية لا أحد يعرف مدتها ونتائجها.

وقد يكون هذا هو الوضع الذي يفرض نفسه اذا فشل الحل السياسي وظل التدخل العسكري الخارجي لاخراج سوريا من هذا الوضع ممنوعاً خوفا من ان يؤدي الى إشعال حرب واسعة في المنطقة، أخطر ما فيها أن تكون حرباً مذهبية بين الشيعة والسنّة.

وهكذا يكون المجتمع العربي والمجتمع الدولي اللذان فشلا في تغيير سلوك النظام في سوريا، قد فشلا في تغيير النظام ايضاً.

لقد بات واضحاً للجميع ان لا شيء يغير هذا النظام إلا اذا غيرت روسيا موقفها واقتنعت بأن الرئيس الاسد لا يمكن ان يستمر في السلطة حتى وإن انتصر عسكرياً على خصومه. لذا ينبغي البحث عن بديل منه بالاتفاق مع الولايات المتحدة الاميركية ودول عربية معنية، وان لا سبيل لإجراء الاصلاحات المطلوبة والدعوة الى انتخابات نيابية حرة ونزيهة إلا بعد تنحي الرئيس الاسد وتشكيل حكومة تشرف على المرحلة الانتقالية. لكن لا شيء يدل حتى الآن على أن روسيا باتت في وارد تغيير موقفها من النظام في سوريا ولا تزال تأمل في أن ينجح الرئيس الاسد إذا ما أعطي مزيداً من الوقت لمواصلة الحسم العسكري إذا لم يصمد وقف اطلاق النار. ذلك ان روسيا تشعر بأنها في موقع قوي كونها تملك مفتاح الحل في سوريا، والولايات المتحدة الاميركية لا تملك هذا المفتاح ما دام موقفها يصطدم ب"الفيتو"، والحل العسكري غير ممكن لأنه قد يشعل المنطقة، وهذا ما لا تريده في الوقت الحاضر، وليس سوى روسيا من يستطيع تنفيذ حل سياسي في غياب الحل العسكري يبقي الأسد في السلطة الى ان يتم الاتفاق على بديل منه ترتاح إليه.

=================

إيران تفاوض في ملفها معززة بالهدنة السورية .. إشارة إيجابية للأسرة الدولية حول مفتاح حلّ

روزانا بومنصف

2012-04-13

النهار

ليس واضحا اذا كانت الهدنة في سوريا، التي يفترض ان مفاعيلها سرت منذ صباح امس الخميس تقيدا من النظام والمعارضة بخطة المبعوث المشترك للامم المتحدة والجامعة العربية كوفي انان، ستساعد ايران في تحصين موقعها التفاوضي ازاء الغرب في المفاوضات حول ملفها النووي الذي تستأنف المحادثات في شأنه غدا السبت في اسطنبول. لكن بعض المصادر المعنية يعتقد انها تساهم في ذلك. ففي المعلومات التي تتداولها هذه المصادر ان طهران حضت الرئيس السوري بشار الاسد على القبول بوقف النار والتزامه رغبة منها في اعطاء اشارة ايجابية للأسرة الدولية حول قدرتها على التأثير في هذا الملف ومن اجل تعزيز موقعها. كما تحدثت معلومات اخرى عن ان المسؤولين الاتراك تحدثوا مع نظرائهم الايرانيين على قاعدة المساهمة في وقف النار والضغط على النظام في حال ارادوا كسب الوقت وإبعاد شبح الحرب التي تتهددهم على خلفية الملف النووي الايراني. وهذا الامر ليس غريبا باعتبار انه منذ انعقاد الجلسة الاخيرة من المفاوضات بين ايران والدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الامن زائد المانيا قبل خمسة عشر شهرا حصل الكثير من التطورات والتي يمكن ان تؤثر في شكل او في آخر في موقع ايران، ولو ان الجدل حول الملف النووي الايراني سابق لهذه التطورات جميعها المتصلة في شكل اساسي بالانتفاضة الشعبية في بعض الدول العربية. ولعل ابرز هذه التطورات وما يمس طهران مباشرة من انفجار الثورة في سوريا قبل سنة وثلاثة اشهر على نحو درامي لم يعرف، للمفارقة، هدوءا نسبيا سوى قبل يومين فقط على موعد استئناف المفاوضات بين ايران والدول الخمس زائد واحد. الامر الذي يوحي بأنه يمكن ايران ان تذهب مجددا الى المفاوضات معززة بفكرة انها دولة اقليمية تمارس تأثيرا ايجابيا لدى النظام السوري في وقت لا يزال الاخير ممسكا بالسلطة مما يفيد بان عناصر القوة التي تستند اليها طهران لا تزال قائمة من حيث المبدأ ولو ضعفت راهنا وانها تستطيع ان توظف هذا التأثير ايجابا لمصلحتها اي انها عامل مساهم في الحل وليس دولة تسعى الى تصادم مع الدول الكبرى فحسب.

 ووفق هذه المصادر، فان واقع ما يجري في سوريا لا يمكن عزله في المعطى الايراني حتى لو ان الملف النووي يتعلق بطهران وحدها، فهي عارضت في الايام الاخيرة فكرة انعقاد جلسة استئناف المفاوضات حول ملفها النووي في تركيا نظرا للاختلاف في وجهات النظر بين مسؤوليها والمسؤولين الاتراك حول الموقف من النظام السوري وطالبت طهران بان تعقد الجلسة المقبلة للمفاوضات في بغداد. لذلك تعتقد هذه المصادر ان دخول النظام السوري في هدنة انان بذريعة ما اعلنه انه سيطر على كل البلاد وانه يطالب المواطنين السوريين بالعودة، من شأنه ان يريح طهران الى استمرار عناصر قوتها في المنطقة من حيث المبدأ او ان تستند الى هذه الخلفية، خصوصا ان هناك اقتناعا معمما لدى حلفاء النظام السوري عن نجاته مما اصاب سواه من الزعماء العرب في انتفاضات شعوبهم وانه لا يزال يحظى بدعم بعض الدول كروسيا والصين وايران بما يطمئن هؤلاء الى ان هذا المحور لا يزال قائما حتى لو اصابه بعض الوهن. ولذلك تعتقد المصادر بعدم وجوب الاستهانة بعامل التقاط النظام السوري أنفاسه في التأثير بالمحور الايراني او بجوهر هذا المحور في مواجهة الغرب. واستتباعا لهذا الملف لا يمكن اعتبار ان ايران تحظى في ضوء التطورات في الدول العربية بالدعم الذي تحتاج اليه من محيطها خصوصا انها جزء من المشكلة على خلفية ما حصل في البحرين ومن ثم ما يحصل في سوريا ايضا.

هناك عامل اخر لا يستهان به في قرار ايران استئناف المفاوضات مع الدول الخمس زائد واحد، وكان من بين التطورات التي طرأت بين الجولة الاخيرة للمفاوضات والاخرى التي تنعقد غدا، وهو يتصل بالعقوبات النوعية الجديدة التي فرضت على طهران والتي اثرت على نحو كبير بالاقتصاد الايراني وصولا الى وقف استيراد الغرب النفط الايراني اعتبارا من تموز المقبل مع ما يرافق ذلك من نتائج وآثار بالغة على الوضع الايراني على صعد عدة. لكن ايران لم تظهرعلنا سوى لامبالاة ظاهرية كبيرة ازاء ذلك كما ازاء الوضع السوري في وقت سابق من اجل عدم الايحاء بان ثمة عوامل تضغط على موقفها من الملف النووي وتدفعها مجددا الى طاولة التفاوض علما ان ايران تحتاج الى تحصين موقعها عشية التفاوض، شأنها شأن كل دولة تسعى الى تجميع اوراقها عشية اي تفاوض محتمل. وقد برز هذا الامر على الاقل في الضغط على النظام السوري كما في رسائل من الداخل تتصل بالتظاهرات التي خرجت في شوارع طهران دعما لموقف السلطات الايرانية في هذا الملف. اضف الى ذلك وجود المخاطر الكبيرة في ضوء التهديدات الاسرائيلية التي وصلت الى حدود الكلام على ضربة اسرائيلية مرتقبة لايران قبل الانتخابات الاميركية.

اما ماذا يمكن ان تنتهي اليه الجولة الجديدة من المفاوضات بناء على المعطيات الجديدة، فهذا امر ستسمح النتائج وحدها بتقويم اي تقدم على اساسها في الملف الايراني، والبعض يقول في ملف الازمة السورية ايضا.

=================

النار حتمية في سوريا؟!

راجح الخوري

2012-04-13

النهار

سواء دخلت سوريا في هدنة موقتة او في وقف ثابت للنار، فإنها لن تعود قط الى ما كانت عليه. ما حصل ويحصل فيها منذ عام ونيف زلزال مدمر ودموي لن يتيح للنظام ان يخرج مسيطراً يفرض ارادته على السوريين بالرهبة والقوة والاكراه، ولن يبقي المعارضة في شرنقة الخوف والاستسلام لسطوة الحكم الذي يمسك بالبلد منذ اربعين عاماً.

اذا كنا امام هدنة موقتة فليس من المستغرب ان تستأنف دورة العنف التي اجتاحت معظم المحافظات السورية لتصل هذه المرة الى حلب ودمشق وبزخم اكثر من السابق، وهو امر ليس خافياً على احد، وخصوصاً على النظام الذي يعرف ان حركة تسليح المعارضة ستنشط اكثر وبضوء اخضر دولي هذه المرة.

اما اذا كنا امام وقف ثابت للنار (وهو ما لم يحصل كما اعلنت المعارضة امس) فإن تطبيق المتطلبات الواردة في خطة كوفي انان ستدفع النظام حتماً الى استئناف تحريك المدرعات بهدف استكمال الحل العسكري. ذلك ان النقطة السادسة في مبادرة المبعوث العربي – الدولي تدعو النظام صراحة الى اطلاق المعتقلين والسماح بالتظاهرت السلمية وبدخول الوسائل الاعلامية، وهنا يبرز السؤال:

بعد مسارعة "المجلس الوطني" و"الهيئة العامة للثورة" امس الى دعوة السوريين للتظاهر، هل سيسمح النظام بنزول مئات الالوف من المطالبين برحيل الرئيس بشار الاسد الى الشوارع، بما يؤكد ان المعارضة السورية هي حركة شعبية عارمة لا مجموعة من "الارهابيين" كما يقول؟

وهل هناك من يشك لوهلة في انه بعد سقوط 10 آلاف قتيل وعشرات آلاف الجرحى وبعد التدمير الزلزالي للاحياء والبيوت وتهجير ما يزيد عن مليون سوري داخل سوريا، كما قيل، سيندفع السوريون الى الشوارع مثل سد انفجر بعد كل الدم الذي اريق والمآسي التي حصلت والمدن التي دمرت؟

في المقابل هل هناك من يشك لحظة في ان النظام لا يمكن ان يقبل بقيام مثل هذه التظاهرات التي ستعجل في سقوطه، وانه بعد كل ما قام به في سياق الحل العسكري المدعوم من قوى كبرى مثل روسيا والصين والذي تؤيده ايران وتدعمه بالسلاح والرجال، على ما تقول المعارضة، يمكن ان يتردد في استئناف اطلاق دباباته وآلته العسكرية لمواصلة تلك المواجهة الدموية التي كان واضحاً منذ البداية انها قياساً بالواقع الميداني الراهن والموروثات التاريخية الاليمة، تخاض على قاعدة يا قاتل يا مقتول؟

على هذا الاساس تبدو عودة النار الى الاشتعال في سوريا حتمية لا مفر منها، سواء بالنسبة الى النظام الذي قد يخسر نفسه اذا اطلق العنان للتظاهرات الحرة، وسواء بالنسبة الى المعارضة التي خسرت كل شيء تقريباً قياساً بفواتير الدماء التي تكبدتها،وخصوصاً بعدما كسرت جدار الخوف الطويل، وهو ما يمنعها من قبول العودة الى الماضي الذي لا يقبل النظام إلا بالعودة اليه!

=================

الطريق إلى دمشق يمر ببغداد

عريب الرنتاوي

الدستور

13-4-2012

يبدو أن معركة إسقاط المالكي، قد بلغت واحدة من أهم ذراها...تحالف عراقي عريض يضم “المكون الكردي” وقسم رئيس من “الكتلة العراقية” وبعض منافسي المالكي من “المكون الشيعي”، يتحرك بدعم قوي من تحالف إقليمي يضم قطر والسعودية (تركيا ليست بعيدة عن هذا المحور)...تارة بحجة “رفع القبضة الإيرانية عن العراق”، وثانية بحجة إنصاف “المكون السنيّ” ذي الحقوق المنقوصة، وثالثة لقطع الطريق على عودة “الديكتاتورية” للعراق، مُجَسّدةً هذه المرة في شخص المالكي الذي يجمع بين يدي رجل واحد، سلطات وصلاحية “نصف دستة” من كبار المسؤولين.

كل ما سبق ذكره عن المالكي وحكومته صحيح...بل وصحيح إلى حد كبير...فالرجل استغل ولاياته المتعاقبة على رئاسة الحكومة، وجمع بين يديه سلطةً ونفوذاً، لم يحظ بهما رجل واحد في “عراق ما بعد صدام حسين”...ثم أن الرجل اشتهر بإجادته فن “الرقص على أكثر من حبل واحد”، ولم يسجل حتى الآن، تعثراً أو سقوطاً يمكن أن يودي به وب”سطوته”...قريب من واشنطن وحليف لإيران...خصم نظام الأسد اليوم حد التلويح بطلب تشكيل لجنة تحقيق دولية على شاكلة لجنة التحقيق بقضية الحريري، وحليف للأسد غداً، إلى حد التساؤل “ولماذا يسقط الأسد؟”...بدأ بمشروع الأقاليم منافحاً عن الفكرة ومروجاً لها، وانتهى خصماً شديداً لدعاتها وأنصارها الذين باتوا يتركزون في المحافظات السنية...تحالف مع الأكراد، وهو اليوم اكبر مهدد لمشروع بناء دولة كردية منفصلة، لا يكف السيد مسعود البرزاني عن التلويح بها، كلما وقع “استعصاء” داخل المنطقة الخضراء.

وافق على اتفاق أربيل لتقاسم السلطة بين مختلف التيارات والكتل العراقية الفائزة في الانتخابات، واستمر في إدارة الظهر لكل بنوده الأساسية...انتقل إلى موقع السلطة الأول من على رأس أصغر الأحزاب السياسية الشيعية، لينتهي إلى موقع الشخصية الشيعية الأقوى والأبرز، والرقم الصعب في معادلة “المذهب” و”الدولة” و”العملية السياسية العراقية”.

كل هذا كان واضحاً...بل وأصبح واضحاً وضوح الشمس منذ وقت طويل نسبياً...لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم بإلحاح هو: لماذا فُتحت المعركة على المالكي الآن، وفي هذا التوقيت بالذات؟...وكيف أمكن بناء كل هذه “الجبهة الوطنية/الإقليمية” العريضة في مواجهة الرجل؟...هل بدأ العد التنازلي لأيام المالكي الأخيرة في موقع رئاسة الحكومة العراقية؟

إلإجابة على هذه الأسئلة والتساؤلات، لا تجدها في بغداد، بل في دمشق...فالرجل وحكومته و”الائتلاف العراقي/الإقليمي” الذي يتكئ عليه، لم يخف وقوفه إلى جانب نظام السوري بشار الأسد...وهو لم يشعر بالحرج عندما رفض تنحي الرئيس السوري من على شرفة في البيت الأبيض الأمريكي، وعلى يمينه الرئيس الأمريكي باراك أوباما شخصياً...وهو برغم التنازلات التي قدمتها لتمهيد الطريق أمام قمة بغداد، لم يتورط في كسر “خطوطه الحمراء”، أو الانتقال من خندق دعم النظام في دمشق، إلى خندق القتال ضده...وثمة أقاويل ومعلومات عن دعم عراقي للنظام السوري، ولا معنى للعقوبات المفروضة على دمشق إن لم تلتزم بها بغداد، وهذا لن يتحصًل بوجود المالكي على رأس الحكومة العراقية....لهذا السبب، وربما لهذا السبب بالذات، استحق الرجل كل هذه الغضبة القطرية – السعودية..فالطريق إلى دمشق باتت تمر ببغداد من منظور “التحليل السياسي” لهذا المحور.

والحقيقة أنه لا يمكن النظر للتحفظ الخليجي (السعودي – القطري) على قمة بغداد، ورئاسة العراق للقمة العربية...لا يمكن النظر للحفاوة التي استقبل بها نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي في الرياض والدوحة...وحديث البلدين على “تهميش السنة” في العراق، إلا في سياق الأزمة السورية وتفاعلاتها، والتي تكاد تأخذ المنطقة إلى “فالق زلزالي” سنّي – شيعي غير مسبوق...لقد أخذت المعركة للإطاحة بالنظام السوري تدور رحاها في بغداد وأربيل، ويبدو أن خصوم الأسد والمالكي، باتوا يتعاملون مع رأسيهما كرزمة واحدة.

هي معركة ذات طبيعة “استراتيجية” على تواضع أدواتها ووسائلها وشعاراتها...هي معركة مع إيران وهلالها ومحورها...ويمكن القول أنها “أم المعارك” على هذه الجبهة...الأمر الذي يجعل الرهان على حل قريب وسريع لها، رهاناً في غير محله...وقد تفضي الطريق إليها، لا إلى تقسيم سوريا وإشاعة حرب أهلية بين مكوناتها فحسب، بل وقد تعيد شبح الانقسام والحرب الأهلية، ليخيم على المشهد العراقي من جديد...وأحسب أن تلويح البرزاني بالانفصال في دولة كردية مستقلة، ليس سوى “أول غيث” هذه المواجهة الإقليمية الشاملة.

خصوم المالكي كثر، وهو يمثلون جبهة محلية – إقليمية واسعة النطاق والنفوذ...بيد أن أصدقاءه ليس أقل “وزناً” أو تأثيراً...إيران التي أظهرت استماتة لافتة في الدفاع عن نظام الأسد، ستبدي “شراسة” غير مسبوقة في الدفاع عن نفوذها ومصالحها وحلفائها في العراق...وهي مستعدة لهذه الغاية لبذل كل ما يمكن أن تصل إليه يداها، من أجل إنقاذ مصالحها وحليفها...وليس بعيداً أبداً أن نشهد حركة اصطفافات وتحالفات متحركة في قادمات الأيام...ليس بعيداً أن تمتد شظايا الحرب على المالكي إلى عموم العراق، بل وإلى دول في الإقليم، أخذت تغلي على مرجل الأزمة السورية، بما فيها لبنان ودول خليجية...ألم نقل أن الزلزال السوري الذي بدأ من درعا، سيطال الإقليم برمته؟...ها نحن نشهد “أول الرقص” على إيقاع الأزمة السورية”.

التاريخ : 13-04-2012

=================

قراءة في أوهام النظام السوري: تحويل الثورة إلى 'قضية'التقسيم والطائفية

الياس س الياس

2012-04-12

القدس العربي

في مثل هذه الأيام من العام الماضي، وبينما كان أهل حوران يتظاهرون دعما لدرعا على خلفية اقتراف قوات أمن بشار الأسد وعاطف نجيب وفيصل كلثوم مجازر بحق المدنيين، راحت مستشارة بشار الأسد (والآن يتبين أن بشار لديه مستشارات كثيرات بدءا بأمه وانتهاء بمن لم نتعرف عليهن بعد) تتحدث عبر مؤتمر صحفي مرتبك عن 'الفتنة' وعن 'الطائفية'... تدحرجت الكرة إلى حد أن البعض من متحدثين رسميين وغير رسميين ذهبوا بنا إلى حديث عن استهداف سورية بالطائفية والتفكيك... البعض حمل خرائط ليدلل على صدق إدعاءاته... وفي مثل هذه الأيام كان الشعب السوري يهتف بشعاره المعروف: واحد... واحد... الشعب السوري واحد!فمن الذي نكل بالشعب السوري وأهانه باسم عائلة الأسد؟ ومن الذي اعتبر أن سورية التي نعرفها اليوم لن تكون على ما هي عليه غدا :'الأسد أو لا أحد'؟... ما المقصود ب أو لا أحد؟ هل هذا يتماشى مع أكاذيب الإصلاح والدستور الذي يتفاخرون به؟ أم أنه مقصود أن سورية المستقبل رهينة بتنبؤات 'الجفر' بابادة الشعب السوري بعقلية تظن أنها قادرة على إركاع شعب كامل بأخذه رهينة عنتريات القوة التي دفع ثمنها الشعب نفسه... في 2012 وبعد عام على ثورة الكرامة، ما نزال نسمع صرخة 'بدكن حرية' ونسمع الركل والصفع والقصف بسبب مطالبات بالحرية والانعتاق من حكم أسرة حولت سورية إلى مزرعة تنهب خيراتها وترمي بالفتات لشعبها صاحب الحق بهذه الثروات.

ما زلنا نشهد عمليات دهم واعتقالات على خلفية مطالبة الناس بالمظاهرات السلمية بما هو حق لهم كبشر.لكن، في 2012 أيضا وبعد عام كامل على خطاب القهقهة والتصفيق في 'مجلس الشعب' حيث قال بشار بعد أسبوع على ارتكاب قواته لمذبحة 23 مارس ' أرادوها معركة مفتوحة ونحن مستعدون لها' ثم حدثنا عن قصة الرسائل النصية الطائفية 'لهذه القرية وتلك' ( بدون أن يفسر لنا أبو المعلوماتية كيف عُرفت الانتماءات المذهبية والطائفية لعلي السني وعلي العلوي وعامر المسيحي وصلاح الكردي)... في ذلك الخطاب الشهير قلت لنفسي: هذا شخص لا يريد الاعتراف أبدا بما يواجهه... كثرة التملق والتصفيق ممن يسمون ممثلي الشعب ستزيد الأمور استفزازا ولن يعود الناس إلا وقد أسقطوه.

لا داعي للخوض كثيرا في روايات النظام التي بشرت بالطائفية والانقسام المجتمعي، لكن لا داعي أيضا من التعمية على حقيقة أن مافيا الحكم ( من كل الطوائف) صنعت لنفسها طائفة تدعي أنها 'حامية الأقليات'، وبالمناسبة لم يكن في بال الناس أصلا أن تسمية 'الأقليات' ورادة لا في الشعار ولا في الممارسة.يكثر الحديث المتخبط هذه الأيام عن الطائفية والتقسيم، قلت في مرات سابقة أن لعبة الطائفية هي المفضلة لهذا النظام، فاستخدام أسماء الأقليات بات حجة للإمعان في القتل وفي الإصرار على إنكار حقيقة أن الثورة الشعبية في سورية لم يحركها لا بندر ولا قناة الجزيرة أدى بنا إلى مشهد سوري بات فيه حكم العائلة والتكتل الانتهازي الإجرامي يتحدث بشكل تهويلي انتقل إلى موسكو وحديثها السمج عن سنة وشيعة وعلويين... وما دام للافروف الحق في التدخل الفظ في تركيبة المجتمع السوري أعطي لنفسي الحق كعربي في التحذير من الآتي:- يلعب النظام السوري بمساندة علنية مادية ومعنوية من طهران وبغداد والضاحية الجنوبية والرابية لعبة 'تحالف الأقليات'... إنه يستخدم المسحوقين والفقراء من العلويين والسنة... يستخدم المرشديين... يستخدم الشيعة والمسيحيين في لعبة لا يتوقف عندها حتى من لديه بعض عقل من الساسة والمفكرين المؤيدين له في أروقة الحكم في سورية وخارجها... ويشكل طائفته الخاصة من كل انتهازيي طوائف الشعب السوري...- تضخيم الإشاعة عن 'دولة علوية' كمخرج تقسيمي لسورية هي من أفكار النظام... فلم يتحدث سوريا واحدا مشاركا في الثورة عن اللون الطائفي والمذهبي لسورية المستقبل... ولم يلمح حتى هواة المعارضة عن التقسيم... لا عربي ولا كردي تحدث عن التقسيم... الكل يتحدث عن دولة المواطنة لا دولة السيد والعبيد...  إن تصريحات لافروف الأخيرة عن دولة سنية' لهي تعبير أهوج عما يخطط له هؤلاء لأجل حماية نظام فاشي يلفظه شعبه ولتحسين شروط التفاوض على المصالح.

فمن ذا الذي يتحدث عن عدم فرض التدخل الخارجي بينما يصمت عن دس الروس لأنفهم حتى في قضايا فتنوية طائفية عدا عن التدخلات المفضوحة ضد الثورة السورية؟ فإما أن لافروف يخضع للتنظير الصهيوني في موسكو أو أنه حقا يعبد الطريق لتقسيم سورية وبكل غباء وفظاظة لم يجابهه هؤلاء ممن كانوا يلهثون من دمشق وخارجها لشكر روسيا على الفيتو... هل سمع أحدكم صوتا ممن سماهم النظام وشريف شحادة 'معارضة شريفة' يرد على ترهات لافروف؟ بل كيف يهرف أزلام النظام عن 'السيادة' ويسمحون للروس وغيرهم أن يخردقوا ما تبقى من سيادة؟ -تترقب إسرائيل هذا المشهد السوري، تفرك يديها فرحا وهي تقول:نحن لم نستطع حتى في عز الحرب الأهلية اللبنانية أن نفتت هذا البلد ونقسمه، بينما يقدم لنا نظام 'الممانعة' خدمة كبيرة في حديثه عن 'الطائفية' وتقسيمات مذهلة للمجتمع السوري الواحد... نحن نسمي العرب هنا 'بدو/ شركس/ مسلمين/ مسيحيين/ أحمديين...إلخ'.

وهناك حيث أصحاب نظرية 'أمة عربية واحدة' يقدمون على ما لم نستطع القيام به طيلة 63 عاما...التهجير والتطهير الذي يجري في حمص ومحيط إدلب أمر لا يمت للدولة 'القومية والوطنية'... اللعب على مصالح الشعب الكردي بمحاباة بعض تياراته المعزولة باسم 'برلمان غرب كردستان' تعني كلها أن هذا النظام يهرب إلى الأمام نحو حالة من التشظي وتقسيم المجتمع السوري بما يكفل له اللعب على المتناقضات... ما يمارسه نظام الأسد اليوم هو 'سايكس- بيكو' أسدي داخل وبين المدن السورية... باسم محاربة 'المؤامرة'... ما الهدف من كل هذا؟إذا كنا نسمح لأنفسنا أن نقرأ خطورة ما يرمي إليه هذا النظام من تشييع الحديث والمخططات التي هي من نسج خيال المدافعين عنه، تارة بخرائط تقسيميه و تارة أخرى بسرد ممل لنظرية المؤامرة على سورية... رغم إصرار الدول العربية والشعب السوري على وحدته ووحدة وسيادة الشعب وبناء دولة وطنية ديمقراطية تعددية تكون المواطنة فيها حجر الزاوية دونما تفريق على أساس ديني أو قومي أو مناطقي فلماذا يذهب هذا النظام نحو لعبة 'الأقليات'؟ بل لماذا يساعده البعض في لعبته هذه / والتي ستفشل رغم أنف الطائفيين ورغم تذاكي لافروف/ بتصديق ما يخرجه من عقله الباطني بالتفجيرات المصطنعة بحق أحياء بعينها؟ ليس فقط لأنه يريد أن يقول: إذا سقط نظامي فستكون سورية مقسمة، وستعمها الفوضى والطائفية.

إن خطورة ما يوحي به هذا النظام هو تصديقه لحالات التملق التي رأت في الشعب السوري شعبا خائنا غير قادر على فهم 'الممانعة' وفهم 'التعايش' والتشويش على مكوناته بالإيحاء للعرب والغرب وما صار يُطلق عليه 'أقليات'/ وهنا لا أفهم ما معنى أقليات؟ فهل المسيحي المهاجر في عهد البعث وعائلة الأسد هو أقلية أم مواطن سحقته سياسات البطش بالمجتمع السوري، وهل محاولات تحييد الدروز بحجج يصطنعها هذا النظام تجعل منهم أقلية مستهدفة؟/ ستكون مستهدفة... لكن لماذا ستكون مستهدفة وما الداعي لتصوير الشعب السوري بهذه الطريقة الهمجية وكأنه من أكلة لحوم البشر سينهش بلحم أخوته في الوطن؟يدرك النظام أن 'دولة علوية' غير قابلة للحياة إلا في حالة وجودها في محيط مضطرب وغارق في مستنقع التخلف والجهل... تماما مثلما هي الدولة الصهيونية التي باتت تخشى التحولات العربية... وقبل هذا وذاك كيف سيسمح العلويون أنفسهم لأن تقوم مثل هذه الدولة التي ستكون أسدية وليست علوية.

والعودة إلى نظام استعباد البسطاء من مافيا سرقت ونهبت حتى هؤلاء ومنعت عنهم الحياة الكريمة والشعور بالاطمئنان نتيجة اختطاف اسمهم، وما هي الحدود لهذه الدولة الأسدية؟ هل سيكون للمرشدية والاسماعليين مكانا فيها؟أين ستبنى الدولة المسيحية؟ وهل ستكون الدولة الدرزية على الحدود الخمسة لسورية الطبيعية؟ هل ستقوم الدويلة الأسدية بتهجير قسري متبادل؟.... كل هذا المشروع سيجر ويلات لا يفقها من يتحسس جيبه ومصالحه كوطن نهائي له... ولا هؤلاء الذين يعتبرون 'الوطن' مزرعة و بقرة حلوب وجب حرقها حين يشعر أنها لم تعد ملكه: الأسد أو نحرق البلد... فلماذا يتم تدمير القرى وحرق بيوتها ثم الإصرار على كذبة أن العصابات هي من تفعل ذلك؟ هل يفكر عبيد الأسد في عواقب ما يفعلونها اليوم في اليوم التالي لسقوط نظام المافيا؟ بعض السوريين يعتبرون هذا النقاش من المحرمات، لكنه بالنسبة لي كعربي لا أجده محرما إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الاغراق الذي يقوم به النظام وأبواقه في الحديث تلميحا وتصريحا عن الأمر واليوم أيضا بمساندة روسية وبعض دعاة 'تحالف الأقليات'... والحديث عن ايجاد نظام 'طائفي' للحكم وفق ما هو مطروح من مشاريع حلول!يهدف النظام السوري الذي لا يواجه عصابات بالدبابات والقصف وتدمير المدن والاغتصاب والمقابر الجماعية التي تثير الغرائز الطائفية إلى جعل الثورة السورية تبدو على النحو التالي' القضية السورية'...فبعد أن كان الحديث عن 'الأزمة' يظن هذا النظام ومن يسانده بأنه قادر على الاستمرار فيما لو هدد وعربد وأشاع الكثير من أجواء التخويف بحق الأقليات وبأن المسلم به بعده هو 'نظام إسلامي' من أكلة لحوم البشر!هؤلاء البشر الذين عاشوا، قبل وبعد ولادة آل الأسد الفجائية في سورية، كأخوة متناغمين مع تراث قيم لكل من العرب والأكراد والمسلمين والمسيحيين واليزيديين وغيرهم من الملل والنحل لم يشعروا بفداحة الاضطهاد مثلما شعروا به في ظل حكم أسرة الأسد التي عاشت على اختلاق النعرات في الجزيرة السورية وتأليب الناس على بعضها والشغل على تطبيق سياسة 'فرق تسد' والدس بين المدن السورية بسياسات تحابي وتميز...إذن، تحاول مافيا الحكم إخافة الجميع من الجميع بتحويل الثورة السورية، التي لم تخرج كثورة سنية أو ثورة عربية فقط، إلى قضية يعود فيها المجتمع الدولي ودول الإقليم إليه وحده لمساومته على حلها بوهم البقاء أو تغيير بالرتوش مع استمرار النظام الأمني الفاشي في حكم سورية. وتحويل الثورة إلى قضية 'معارضة وسلطة'.

إن التسريبات المقصودة لممارسات جنود الأسد وشبيحته بحق الناس، لم تظهر أنها تواجه عصابات ولا إرهابيين بل بشر عاديين يطالبون بالحرية والكرامة، كان يراد منها وقوع الثورة في فخ الثأر والطائفية... والقصف رغما عن سكان أحياء موالية للنظام بحق أحياء أخرى يصب في ذات الاتجاه... كذا الأمر الذي تم توثيقه عن حالات الاغتصاب والتعذيب وإلقاء الجثث هنا وهناك والإيحاء بأن من فعل ذلك هم من طائفة معينة باستخدام شباب تائه ومضيع من المرشدية بلكنة معينة أرادت دائما هذه المجموعة الحاكمة تخيير الناس بين: الحرية والفوضى!لقد لعب الإعلام السوري البائس وحليفه اللبناني لعبة التحريض والتهويل الطائفي... ومر عام كامل ولم يقع المجتمع السوري في الفخ... لكن هل يستطيع كائن أن يضمن أن لا يقع أحد في الفخ كردود أفعال على ما يجري من ظلم للثورة السورية ووصمها بما لا يليق بها وبما تحملته طيلة عام؟

إذا كان أركان حكم النظام يظنون أن اللعب على حافة الهاوية هو في مصلحتهم فهم واهمون بالتأكيد، فلا الشعب الثائر سيعود قبل إنجاز أهداف ثورته في إسقاط النظام وأدواته كلها ولا التهديد بالطائفية والتقسيم سيجعل مجرم حرب ( وبقية المجرمين) في منأى عن العدالة والمحاسبة...وإذا كان التهديد بالتقسيم وباللعبة الطائفية يظنها النظام مجرد ورقة فقد يجد أنها ستحرقه وتحرق معه كل من يؤيده في دول الجوار... فلا روسيا ولا الصين التي ترددان ما يريده في المحافل الدولية ستدخلان حربا لإنقاذه... ولا حتى الأحزاب والتيارات التي تتحدث اليوم في دول الجوار ستكون قادرة على مواجهة الكارثة التي يقودهم إليها عقل عصابة تحكم بطريقة انكشفت.

ورغم ذلك كل هذا سيكون بلا فائدة...ما هو مطلوب اليوم أن يقف هؤلاء الذين يتاجر النظام في دمشق باسمهم في مذبحة متنقلة على امتداد الأرض السورية ليقولوا: لا... ليس باسمنا تجري هذه الفظائع وليس باسمنا يذبح الأطفال وتهدد سورية بالطائفية والتقسيم... من فلسطين يجب أن يقال كفى متاجرة باسمها... ومن كل الأقليات التي 'يخاف عليها' لافروف وميشيل عون وبشارة الراعي وحسن نصر الله ومقتدى الصدر والمالكي وروبرت فيسك يجب أن ترفع صوتها لتقول لمن يقتل باسم الحفاظ عليها ويهدد بذلك تاريخ ومستقبل النسيج الوطني السوري: لسنا نحمى من أهلنا الذين تذبحهم باسمنا... بل يجب حمايتنا من حالة الجنون التي تقود البلد إليها أنت!

كلمة للحركة الوطنية السورية في الخارج

ثمة كلمة يجب أن تُقال لممثلي الحركة الوطنية السورية، لا يفهم المراقب هذا الارتباك الحاصل، ون كان مفهوما نتيجة أوضاع سورية خلال العقود الماضية، فالبعض، كتابا ومحللين وحقوقيين وسياسيين، يقع في مطب النظام السوري ويظن أنه قد انتخب ليكون ممثلا للشعب السوري... فلم ينتخب أحد أحد بل طلب الثوار على الأرض من هؤلاء الذين نخروا رؤوسنا بمعارضتهم للاستبداد أن يحملوا قضية ومطالب الثورة بما يليق بها وبتضحياتها وليس اللعب في مربع النظام.

ليس كافيا أن يكتب أحدهم مقالا للشرق الأوسط عن 'قصة الفيزا إلى لندن' ولا يكفي أن يتفاخر أحدهم باعتقاله لمدة ساعة والإفراج عنه بينما تطحن عظام الثوار... المناكفة ليست فعلا ثقافيا ولا تمت للثقافة الثورية بصلة... لماذا يجب أن يكون الجميع 'قيادات' و 'رؤوس' لماذا لا يتواضع هؤلاء أمام المهمة والتكليف الممنوح لهم من الثوار؟ وهل يظنون أن الثوار غير قادرين على افراز قيادة سياسية وثورية؟ أظن أن الثوار احترموا نضالات البعض ممن تبين أنهم يسيرون كالسلحفاة في مجاراة فعل ثوري متجذر... فليغادر هؤلاء نرجسيتهم وليكونوا أكثر جرأة في طرح ما لديهم فلا يصبحوا كمعارضة المفرشخين لسيقانهم.... فالثورة منتصرة، لكن فقط المطلوب من هؤلاء أن يقللوا من خسائر شعبهم... وأن يكون لهم رؤية واضحة ومؤتمر صحافي يومي على الأقل.

=================

امريكا والمعارضة السورية: حساب العجوز وحميّة المراهق

صبحي حديدي

2012-04-12

القدس العربي

كان طبيعياً أن تسفر الانتفاضة السورية عن تشوّهات شتى في صفوف المعارضة، أو زاعميها على نحو أدقّ، تخصّ السياسة والتفكير والتنظير، ولا تغيب كذلك عن السلوك والممارسة، وتشمل موضوعات حساسة ذات بُعد ستراتيجي، وأخرى أقلّ أهمية وأقرب إلى تغذية التكتيكات الصغيرة. مآل رديف، في هذا المضمار، أن تتوالد  كالفطر الشيطاني المجنون، المنفلت من قوانين النموّ الطبيعية  أنساق من المراهقة الصرفة، تنحطّ فيها المحاكمة العقلية إلى درك ردّ الفعل السطحي، المتسرّع والطائش والمتبلد؛ وتهبط اللغة إلى مستوى الردح والسباب والتعريض، وتخوين الآخر (المختلف في الرأي فقط، وليس المنخرط في صفّ معادٍ، أو حليف للنظام مثلاً)، فضلاً عن اتهامه بالتخاذل إزاء واجب إغاثة الأهل، ونصرة الانتفاضة.

هذه مناخات تخيّم على ملفات سجال كثيرة، لعلّ أبرزها مسائل تسليح المعارضة (وليس 'الجيش السوري الحرّ' وحده)، وعسكرة الشارع الشعبي؛ واستدراج المال السياسي ('حتى من الشيطان الرجيم'، كما قد يقول قائل)؛ وتجميل التدخل العسكري الخارجي (كيفما أتى، وأياً كانت الجهة أو الجهات التي تتولى قيادته)؛ والتطبيع مع الخطاب الطائفي البغيض الذي يدين طوائف بأكملها (ولا يستثني، أيضاً، المعارضين للنظام من أبنائها، المنضوين مباشرة في مختلف أنماط الحراك الشعبي)... وثمة، ضمن السياقات ذاتها، ذلك الشعار/ السعار الذي يخوّن كلّ مشكك في 'صدقية' و'مصداقية' الموقف الأمريكي من الانتفاضة، سواء ذاك الذي تعلنه الإدارة الحاكمة، أو يعتنقه ساسة أفراد ليسوا في الحكم، أو يعبّر عنه معلّق سياسي هنا، أو باحث مختصّ هناك.

فإذا نظر امرؤ بارتياب إلى زيارة السناتور الجمهوري جون ماكين، صحبة زميله السناتور المستقل جو ليبرمان، إلى مخيّم النازحين السوريين في تركيا؛ وأقام نظرته على ركيزة ديكارتية بسيطة تطالب بتحكيم العقل وقطع الشكّ باليقين، استناداً إلى حزمة مواقف ماكين وليبرمان من القضايا العربية، وكذلك تاريخ علاقات الرجلين بنظام 'الحركة التصحيحية'، من الأسد الأب إلى الأسد الابن؛ فإنّ المرء، عند بعض مراهقي المعارضة السورية، يخذل الشعب والانتفاضة، وينفّر الأصدقاء، ولعلّه ينكر الجميل أيضاً. 'أليسا أفضل من سواهما، الساكتين الصامتين؟'، سوف يسألك أكثر المراهقين تهذيباً؛ مقابل غرّ طائش، لن يتورّع عن اتهامك بالخيانة... ليس أقلّ!

ما ارتكبه المرء ذاته من 'إثم' التفكير النقدي في مواقف أمثال ماكين وليبرمان، وممارسة الحقّ في وضع آرائهما الراهنة ضمن سياقات أعرض، عقلية ومنطقية ومقارنة؛ سوف ينقلب إلى 'جريمة' حين يتحوّل النقاش إلى ملفّ تسليح المعارضة السورية، الذي يحضّ عليه السناتوران بحماس مشبوب وحميّة مذهلة: 'المجتمع الدولي يتخلى عن الشعب السوري، والوسيلة الوحيدة للارتداد عن هذا هو مساعدة المعارضة على تغيير ميزان القوة العسكرية على الارض'، يقول ماكين؛ زميله ليبرمان يردف: 'يتعين علينا أن نقدم أسلحة لمقاتلي الحرية، لمساعدتهم في الدفاع عن أنفسهم وعن عوائلهم في الحد الأدنى'.

فإنْ كان هذا باطلاً، وهو كذلك بالفعل، لأنّ ميزان القوى بين الانتفاضة والنظام ليس عسكرياً، حتى إشعار آخر على الأقلّ، فإنّ تصريحات ماكين وليبرمان ليست في صالح الشعب السوري، بل هي محض نفاق لن يخدم إلا النظام في نهاية المطاف. أمّا إذا كانت الأقوال تشتغل على مبدأ كلام الحقّ الذي يُراد منه الباطل، فإنّ قيام بعض المعارضين بإعادة إنتاجها، ثمّ تسويقها، كمنافذ دعم ونوافذ أمل، لا يخدم النظام وحده فحسب، بل يسوّق الباطل أيضاً. والحراك الشعبي العبقري، الذي يتعاظم ويرتقي منذ سنة ونيف، أسقط جدران الخوف واحداً تلو الآخر، وأرسى ثقافة مقاومة رفيعة من طراز جديد، وبالتالي فإنه لم يعد البتة بحاجة إلى إحقاق الأباطيل، وإشاعة الآمال الكاذبة.

وعلى النقيض من اعتقاد البعض في صفوف المعارضة  خاصة أولئك الذين أدمنوا اللقاءات بنساء ورجالات البيت الأبيض والخارجية الأمريكية والكونغرس ومراكز البحث والاستخبار المختلفة، وصاروا حماة مفهوم 'الدور الأمريكي'، وأخصائيي الترويج له، وتجميله، وتنزيهه عن كلّ غرض يمسّ الانتفاضة  ما يزال الموقف الرسمي الأمريكي غير قاطع بصدد طيّ صفحة 'الحركة التصحيحية'، وغير مستقرّ على سياسة واضحة تنتهي إلى إسقاط النظام. وكما سبق لي أن ساجلتُ في مناسبات سابقة، تدرك الولايات المتحدة أنّ سقوط النظام السوري لم يعد أمراً قابلاً للأخذ والردّ، إذْ حسمته الإرادة الشعبية نهائياً، وصار مسألة وقت، بصرف النظر عن التعقيدات التي تتراكم، والتضحيات التي تزداد جسامة. تلك كانت حال واشنطن مع مستبدّي تونس ومصر وليبيا واليمن، وهذه ستكون حالهم مع الاستبداد السوري: كانت انظمة بغيضة، في ناظر سادة البيت الأبيض، لكنها ظلّت الخادمة الأوفى للمصالح الأمريكية، والضامنة الأفضل لأمن إسرائيل، والتابعيات الأطوع!

مسألة أخرى مختلفة تماماً، في المقابل، أن تتبنى الولايات المتحدة شعار 'إسقاط' النظام، لأنّ هذا الخيار سوف ُيلزمها بالمشاركة في سلسلة العمليات، السياسية والاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية والاستخباراتية، الكفيلة بالتوصل إلى هدف الإسقاط. ولا تغيب عن تلك العمليات إجراءات بالغة الخطورة، مثل إقامة المناطق الآمنة، والممرّات الإنسانية، وتأمين خطوط الإمداد في حال إقرار مشاريع تدخل عسكرية، وزرع الوحدات المكلفة بالعمليات الخاصة الحساسة، والارتباط مع الوحدات العسكرية أو المدنية الحليفة المحلية، في طول البلاد وعرضها وليس على خطوط جبهات منتقاة... فليدلّنا السادة الواقعون في غرام 'الحلّ الأمريكي' على أي إجراء من هذا القبيل، أو حتى أي علائم على نيّة تنفيذه، لكي نقرّ لهم بوجاهة حماسهم، وخطل تثبيط همّة العمّ سام!

والحال أنّ واحدة من طرائق تلمّس الموقف الأمريكي الراهن تجاه الانتفاضة السورية، وربما انتفاضات العرب جمعاء في الواقع، هي الوقوف على آراء وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، صاحب الظلّ الطويل والثقيل الذي لم ينحسر بعد عن الكثير من ركائز السياسة الخارجية الأمريكية، رغم انقضاء عقود على تقاعد الرجل. صحيح أنّ كبار مسؤولي إدارة باراك أوباما توقفوا عن تلقّي النصح المباشر (والمأجور، بالمناسبة!) من 'عجوز السياسة الواقعية'، إلا أنّ الأسباب تخصّ الحرج المهني غالباً، وليس لأنّ ما ينصح به كيسنجر بات بضاعة قديمة او مستنفدة. إقرأوا، دون كبير عناء، ترجمة شبه حرفية لأفكاره في معظم ما تردّده وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون، أو كبار مساعديها، حول الأمن الإقليمي الجيو  سياسي في الشرق الأوسط بصفة خاصة.

وفي أحدث مساهماته العلنية، وأوضحها حتى الساعة، مقالته بعنوان 'تعريف دور للولايات المتحدة في الربيع العربي'، التي نُشرت في صحيفة 'نيويورك تايمز' مطلع هذا الشهر، يثير كيسنجر الأسئلة التالية: 'هل ستحلّ إعادة البناء الديمقراطي محلّ المصلحة القومية كمنارة هادية لسياسة الشرق الأوسط؟ هل إعادة البناء الديمقراطي هي ما يمثّله الربيع العربي بالفعل؟ وما هي المعايير؟'. إجاباته تبدأ بالغمز من قناة القائلين بأن الواجب الأخلاقي يقتضي من الولايات المتحدة الاصطفاف مع الحركات الثورية في الشرق الأوسط، من باب 'التعويض' عن سياسات أمريكا خلال الحرب الباردة، والتي فضّلت التعاون مع حكومات لاديمقراطية، خدمة لأغراض أمنية. لكنه، بعد الغمز، بات يتأخر في استعادة أقانيم 'السياسة الواقعية' الأثيرة عنده، وامتداح 'الأخلاقيات' القديمة دون سواها، حيث المصلحة القومية تعلو على كلّ مبدأ.

وهكذا، يقول كيسنجر: 'إذا فشل النسق الناشىء اليوم [عن الربيع العربي] في إقامة علاقة ملائمة مع الأغراض المعلَنة، فإنه يهدّد بانعدام الاستقرار منذ البدء، ويمكن أن يُغرق القِيَم التي سعى إليها'. ذلك لأنّ الربيع العربي 'يُقدّم كثورة أقليمية يقودها الشباب بالنيابة عن المبادىء الليبرالية الديمقراطية'، في حين أنّ الأمور في ليبيا ومصر انتهت إلى النقيض (في نظره: ليبيا بلا دولة، ومصر تتحكم بها أغلبية إسلامية ناخبة). وأمّا في سورية، فإنّ الأمر 'يعكس النزاع القديم، العائد إلى آلاف السنين، بين الشيعة والسنّة، ومحاولة الأغلبية السنّية استرداد الهيمنة من الأقلية الشيعية'؛ وهذا هو السبب، يضيف كيسنجر، في أنّ 'الكثير من مجموعات الأقليات، كالدروز والكرد والمسيحيين، ليسوا مرتاحين للتغيير في سورية'!

والخلاصة هي أنّ 'الاهتمامات الإنسانية لا تلغي الحاجة لربط المصلحة القومية بمفهوم محدد للنظام العالمي. وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، سوف يتضح العجز عن إرساء عقيدة عامة للتدخل الإنساني في ثورات الشرق الأوسط، إلا إذا رُبطت بمفهوم لأمن الولايات المتحدة القومي. التدخل يقتضي الأخذ بعين الاعتبار مغزى البلد الستراتيجي وتجانسه الاجتماعي (بما في ذلك إمكانية تقويض تكوينه الطائفي المعقد)، وتقييم ما يمكن بناؤه حقاً محلّ النظام القديم'. لا مفرّ، بالتالي، من العودة إلى جذور السياسة الأمريكية في المنطقة: ضمان تدفق النفط، ضمان سلام إسرائيل مع جيرانها، ضبط التسلح النووي، ضبط الإسلام السياسي، الخ... وبين الضمان والضبط، ثمة الحفاظ على 'أنظمة حليفة' حتى إذا كانت بغيضة، مستبدة، فاسدة، لاديمقراطية!

عجوز الذرائعية، و'شيخ الواقعية السياسية' كما يسمّونه أحياناً، لا يخون سلسلة النواظم التي خطّها في كتابه الضخم 'دبلوماسية'، 1994:

1  العالم الراهن يقتضي، أكثر من أي وقت مضى، امتلاك المعنى الأشدّ وضوحاً وبروداً ونفياً للعواطف، بصدد مضمون وجدوى مفهوم المصلحة الوطنية (والكونية، لأنّ المصلحة الوطنية الأمريكية هي مصلحة البشرية جمعاء، شاءت تلك البشرية أم أبت).

2  ينبغي وضع أكبر قدر ممكن من علامات الاستفهام والريبة، أبد الدهر ودونما تردّد أو تلكؤ، على أي ترتيبات متصلة بالأمن الجماعي، سيما تلك التي ترتكز جوهرياً على 'الإجماع الصوفي الغامض' حول أخلاقية انتفاء القوّة (وبالتالي اللجوء إليها) في مختلف ميادين العلاقات الدولية.

3  لا مناص من ترجيح (ثمّ صياغة وتطوير) التحالفات الصريحة القائمة على المصلحة المشتركة، وغضّ النظر عن التحالفات المقابلة، أي تلك التي تحوّل مقولات 'السلام' و'الحرّية' إلى شعارات وشعائر زلقة ومطاطة وجوفاء. أعراف 'القرية الإنسانية الكونية' ليست قابلة للصرف في سوق مزدحمة شرسة لا ترحم. أعيدوها إلى أفلاطون والأفلاطونيين، يطلب كيسنجر، وفي الإعادة إفادة وتجنيب لشرّ القتال!

4 تأسيساً على ذلك، لا بدّ من إقرار واعتماد الحقيقة القاسية التالية: التنازع، وليس السلام، هو الأقنوم الطبيعي الذي ينظّم العلاقات بين الشعوب والقوى والأفراد.

5  'لا يوجد أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون، بل توجد مصالح دائمة فقط'. كان اللورد بالمرستون (وزير خارجية بريطانيا في ثلاثينيات القرن الماضي)، على حقّ حين اجترح هذه العبارة الذهبية. إنه على حقّ اليوم أيضاً، في نظر كيسينجر، أكثر من أي وقت مضى.

وللمغفلين والمراهقين، إسوة بصرعى الغرام ب'الحلّ الأمريكي'، أن يتغافلوا عن جرائم الولايات المتحدة بحقّ الشعوب، والشعب السوري خاصة؛ هيهات، في المقابل، أن يحجبوا ظلّ كيسنجر الثقيل، الممتدّ من البيت الأبيض إلى مخيّم النازحين السوريين في تركيا، عبر تل أبيب وطهران وأنقرة، فالرياض والقاهرة وبيروت، وصولاً إلى ... دمشق!

=================

الخوف من تحوّل خطة أنان إلى عملية شراء للوقت

الجمعة, 13 أبريل 2012

راغدة درغام - نيويورك

الحياة

مهما كابرت القيادة الروسية أو السورية، إن كل منهما ينتمي إلى كتلة من كتل الضعفاء، وهما في ذلك ليستا في وحدة. فالدول الغربية تتكتل في الضعف عندما يتعلق الأمر بالمسألتين الإيرانية والسورية - ضعف اللاقدرة على اتخاذ إجراءات. المعارضة السورية ضعيفة في انقساماتها وقدراتها وتمزقها في كتل. تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر كادت تشكل كتلة أقوياء لولا التصميم الأميركي على إضعافها بسبب اختلاف الغايات والأولويات. مجلس الأمن الدولي مثقل بالضعف ليس فقط بسبب شبح الفيتو الروسي - الصيني الذي يكرسه وإنما أيضاً لأنه علّق قبعته على المبعوث الأممي والعربي، كوفي أنان، الذي بدوره تكبّل بالضعف لأن الاستضعاف جزء أساسي من لغة الديبلوماسية. كل هذا الضعف المنتشر في كل مكان قد يقود إلى الاستنتاج أن لا أمر ولا حيلة، وأن الزمن وحده سيفرز أقوياء الأمر الواقع مهما كانوا ضعفاء. الجمهورية الإسلامية الإيرانية تتموضع لتكون في قيادة المؤهلين للاستقواء، لكن إسرائيل تتربص لها في حال مضت طهران ببرامجها النووية العسكرية. إسرائيل قد تعتبر نفسها في نأي عن الضعف، لكن الاحتلال يثقلها بالضعف، والديموغرافية تثقلها بالهموم. الدول الخليجية، بكل قواها النفطية، تقبع في ظل الضعف طالما لا تطلق يدها إلى الإصلاح الجذري الضروري لتزاوج الثروات مع الاحتياجات السكانية، الاقتصادية منها وتلك التي تتعلق ببديهيات حقوق الإنسان. أما الولايات المتحدة، فإنها اختارت الضعف أو الاستضعاف في عهد باراك أوباما لأنها تجد في ذلك الخيار قوتها وقوّتها. في ظل كل هذا، يبدو أن الضعيف تقليدياً هو الذي يمتلك الآن أدوات كان محروماً منها في المعادلات المعهودة القديمة. لذلك، وقبل أن تعود القيادات في الدول الكبرى أو الصغرى إلى طاولات رسم السياسات العفنة، قد يفيدها ويفيد بلادها خلع غمامات الخيل عن وجوهها وتجنب العفن إلى الاستنتاجات قبل الأوان.

الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية ليست ربيعاً مزدهراً بالورود، بل إن عواطف الاستيلاء على إنجازات انتفاضة الشباب قضمت الكثير من نشوة الأمل وأطفأت وهج التفاؤل. ولكن. لكن الجديد المدهش الذي يستحق كل التقدير والتنبه له هو زخم المشاركة غير التقليدية في صنع المراحل إلى المستقبل، وفي صنع المستقبل نفسه.

تونس مثال ساطع على عدم رضوخ القطاع المدني لإملاءات القطاع الإسلامي حتى بعد خيبة الأمل بمصادرة ثورة الشباب. نساء تونس لسن المفاجأة إذ انهن دوماً في صلب الإصرار والإسهام في العملية السياسية والاجتماعية وحقوق الإنسان في تونس. لكن نساء تونس ازددن زينة وعنفواناً وهن يأخذن مصيرهن في أيديهن ويرفضن الخضوع والاستسلام لقوانين تجعلهن رهينة أو هامشاً. إنهن في قيادة التغيير، ولن يقبلن بالركون إلى خانة الضحية. إنهن، مع شباب تونس، يجذبن إلى معسكرهن المستنيرين من الرجال بمن فيهم أولئك الذين لم يتنبهوا أساساً إلى إفرازات استيلاء الأحزاب الإسلامية على السلطة، فاستدركوا والتحقوا بركاب الحرية والعدالة والديموقراطية.

ليبيا تعاني بالتأكيد وعليها يخيم شبح انتصار البدائية والتقسيم والانتقام. ليبيا ما زالت في العناية الفائقة. إنما مَن يستمع إلى ناشطة حقوق الإنسان فريدة العلاقي التي ناضلت لأكثر من 30 سنة من أجل الحريات، ينتفض أملاً وثقة بشباب وجدّات ليبيا. الجدات اللواتي تم «تجنيدهن» للتأثير في الشباب ومنعهم من التجاوزات بوقوفهن شامخات في وجوه الذين ركبوا رحال الانتقام. الشابات اللواتي لم يحلمن يوماً أن يكون في وسعهن رفع الرأس أو الخروج عن الصمت المدمن. إنها ورشة مدنية، تقول فريدة، لم تحلم بها ليبيا ولذلك إنها لا تخشى العراقيل ولا الصعوبات. فالبناء توه قد بدأ.

مصر أخافتنا وكادت تبتلع أي احتفاء بالتغيير بعدما صادرت الأحزاب الإسلامية كل المحافل السياسية وهرولت إلى الاستفراد بالسلطة. لكن الميادين الشبابية بقيت حية بعدما غادرتها كاميرات التلفزة. انصبّ شباب مصر، برجاله ونسائه، على رفض الانصياع وإلحاق أكبر انتكاسة سياسية لجماعة «الإخوان المسلمين» على أيدي قوى الليبرالية والمدنية واليسارية التي أصرّت على منع التيار الإسلامي من الهيمنة على الجمعية التأسيسية المكلفة وضع الدستور. فصدر حكم قضائي بوقف تشكيل الجمعية التأسيسية وذلك في ضوء الدعوى القضائية التي أقامها محامون وأساتذة في القانون الدستوري، وأحبط الحكم مشاريع الهيمنة والاستفراد بصياغة الدستور، ولقّن درساً للإسلاميين بأن الثورة في مصر لم تأت من أجل استفرادهم بالسلطة أو فرض دستور إسلامي على مصر.

اليمن يبدو في طريقه إلى «الصوملة» وإلى تحوله رسمياً إلى «دولة فاشلة». إنما في اليمن ما زال هناك مَن يعمل على الحؤول دون ذلك من الشباب الجديد ومن الحكماء السياسيين في اليمن الذين كانوا في الحكم سابقاً ثم التحقوا بالانتفاضة اليمنية. التغيير الذي طرأ على اليمن يصعب على العالم الخارجي فهم تفاصيله لأن التركيبة اليمنية معقدة وصعبة. إنما الواضح أن اليمن لم يتدهور إلى الحضيض بل انه مر بعملية سياسية تخلى بموجبها الرئيس السابق علي عبدالله صالح عن الرئاسة. وهذا بحد ذاته جديد، أتى تلبية لإرادة شعب لم يكن له حق الإرادة.

القيادات السياسية في موسكو وبكين تخدم نفسها وشعوبها لو توقفت عند المسيرة العربية للتغيير ودققت في مجراها. خوفها من إرادة الشعوب وانتفاضة «الشعب يريد» يمكن فهمها نظراً لنوعية الحكم في روسيا والصين. إنما ما يحدث في المنطقة العربية ليس حدثاً استثنائياً طارئاً سيزول، وإنما هو عملية ومسيرة صبورة وعازمة لا مناص من التنبه لها.

كذلك واشنطن والعواصم الغربية التي هرولت إلى الاستخفاف بقوى الاعتدال والاستنارة والحقوق المدنية والليبرالية يجب عليها الاستدراك. فهي أسرعت إلى الاستنتاج أن قوى الحكم الجديد إسلامية حصراً وأن القوى المدنية باتت مهمشة وهامشية مبعثرة في أقلية نخبوية لا علاقة لها بالبنية التحتية الشعبوية. هذه الهرولة إلى الاستغناء عن قوى الاعتدال والقوى المدنية تكشف ازدواجية مرعبة لدى الدول الغربية التي تزعم الديموقراطية. تكشف جهلاً خطيراً للحدث وللمسيرة في المنطقة العربية. وتكشف أيضاً تقليدية تقويم المصالح بلغة خشبية بالية لن تدوم.

تستفيد القيادات في موسكو وبكين وواشنطن ولندن وباريس وغيرها من العواصم الأوروبية لو راعت وفهمت عنصر الناس في مسيرة التغيير والتحول في المنطقة العربية بحلته الجديدة. كذلك جامعة الدول العربية ستستفيد لو توقفت عن أرجوحة مواقفها نحو سورية مثلاً، شأنها شأن الأسرة الدولية المتأرجحة بين إغراء القيادة السورية بالخروج من السلطة تارة وإغرائها بالتفاوض على تقاسمها السلطة تارة أخرى.

الشعب السوري لربما اتخذ قراره بأن رئيسه بشار الأسد ونظام حكم «البعث» الواحد انتهى سياسياً، مهما حدث ومهما طال الزمن. فلقد أتت علامة العشرة آلاف قتيل لتطلق حتمية الانفجار داخلياً وسقوط النظام. الأسرة الدولية، ومعها أحياناً جامعة الدول العربية، تريد التمهل، كل لغاية في نفس يعقوب. الأكثرية الساحقة ترى أن لا مجال لعودة الحياة إلى مجاريها في سورية، إنما القرار الدولي هو الإسهاب في تأخير انفجار يجر الدول إلى تورط لا تريده، لا سيما وأن إيران عنصر أساسي في كل المعادلات السورية.

ما نشهده الآن هو تداخل بين ديبلوماسية التوفيق وتصادم المفاهيم. المبعوث الأممي والعربي المشترك كوفي أنان ينطلق في مهمته الموكلة إليه من منطق أن لا مجال لنجاح عملية ديبلوماسية إذا ارتكزت على المطالبة بتنحية بشار الأسد عن الرئاسة. الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يعتقد أن بشار الأسد احترق سياسياً ولا مجال سوى لخروجه أو إخراجه من السلطة. كلاهما قرأ المعطيات السياسية لدى الدول الكبرى، لا سيما الولايات المتحدة، ووجد أن لا مناص من الديبلوماسية حتى وإن كانت أساساً موعودة بالفشل.

كوفي أنان يرى أن الديبلوماسية تتطلب الصبر ويقرأ الخريطة السياسية لتفيد أن لا أحد من الدول الكبرى يريد العجلة بل معظم الدول يرضى بأن يكون «القليل أفضل من لا شيء»، ويرضى بالقلة. لكن كوفي أنان لن يتمكن من الاستمرار في مجرد إدارة العلاقات بين الدول الكبرى فيما القيادة السورية تستهدف الناس أمنياً. لا مجال أمامه سوى الإقرار بأن إعطاء المهلة تلو الأخرى سيُترجَم بإطالة النزاع، وهذا بدوره ينذر بحرب أهلية بدل أن يحول دون اندلاعها. فالإطالة والسماح بالمماطلة هو الذي سيقوّي العناصر المتطرفة المسلحة ويرجح كفتها على كفة ثورة الناس.

استقطاب إيران إلى العملية الديبلوماسية التوفيقية قد يبدو منطقياً، لكن الجمهورية الإسلامية الإيرانية جزء عضوي من الأزمة السورية. إنها لاعب في قمع السوريين وفي تحويل سورية إلى أداة إيرانية تستخدمها طهران في إطار صراع إقليمي مع الدول العربية، وفي استراتيجية التواصل مع «حزب الله» في لبنان. وبالتالي، أي حل ترضى به طهران سيشترط مسبقاً إضعاف المعارضة السورية والتمسك بالنظام في دمشق.

الخوف من خطة أنان السداسية التي دعمها مجلس الأمن هو أن تتحول إلى عملية إلهاء مطاطية على نسق عملية التفاوض المعروفة ب 5+1 أو 3+3، وتقوم بها الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائد ألمانيا مع إيران حول المسألة النووية الإيرانية فبعد جولات وسنوات، ما زالت هناك «العملية» وليس النتيجة. هكذا الأمر في «عملية السلام للشرق الأوسط». باتت «العملية» هي النتيجة بلا نتائج. والآن هناك «الخطة» التي يُخشى أن تتحول إلى عملية مفتوحة الأفق، على حساب الناس، إذا اتخذت دمشق مجرد خطوات تجميلية أو إجرائية للإلهاء وشراء الوقت.

الأرجح أن ذلك لن يحصل. لن يحصل لأن الناس تطوروا من مستلقٍ في انتظار قرارات القيادات المحلية والإقليمية والدولية إلى فاعل في تقرير المصير، وصابر من أجل التغيير، وجاهز لدفع ثمن الحريات. فلتستدرك القيادات وتتوقف عن المكابرة، وإلا، فإنها شريك في سفك الدماء.

=================

13 نيسان وفرادة الثورة السورية

الجمعة, 13 أبريل 2012

وليد شقير

الحياة

يستدعي إحياء ذكرى اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في مثل هذا اليوم قبل 37 سنة في 13 نيسان (إبريل) 1975، الخواطر والمحطات والمقارنات مع هذه الأيام وأولها المآسي التي تخلفها الحروب الأهلية وتغذيها وتظللها وتبررها الشعارات الكبرى التي تدّعي مواجهة الصهيونية وإسرائيل وأميركا والحفاظ على السيادة ومحاربة الغرباء.

تتكرر الذكرى في لبنان ولم يُشفَ اللبنانيون من فظاعات تلك الحرب. وابرز هذه الفظاعات، إضافة الى آثارها على الاقتصاد وما فرضته من خسائر لإعادة الإعمار وعودة المهجرين وتراجع القيم الاجتماعية ومستوى المعيشة، استمرار قضية المفقودين بلا حلول أو معالجات، ما يضع شكوكاً حول مدى قدرة مجتمع متناحر المكونات على أخذ العبر، على رغم أن قطاعات واسعة من الشعب ومن الطوائف والقيادات بلغت مرحلة «التوبة» من تكرار التجربة، وأخذت تعي أن الانزلاق الى نزاع أهلي يتم بسهولة إذا انساق المرء وراء الشعارات الكبرى التي تغلف تناقض الخيارات السياسية وتعطيها أبعاداً كونية وتغذيها ادعاءات واهمة.

لكن للذكرى هذه السنة في لبنان أبعاداً أخرى وثيقة الصلة بتصاعد الأزمة السورية والمواقف الخارجية المحيطة بها. وإذا كانت الخشية هي من أن تتكرر الحرب الأهلية في سورية، التي ينقسم الناس بين اعتبارها واقعة لا محالة وبين القول إنها ثورة على النظام المستبد، فلأن الحروب الأهلية تبدأ تحت الشعارات الكبرى التي تبررها بهدف إنكار الانسياق إليها، لكن الأمر ينتهي بوصفها حرباً أهلية وبالإقرار بأنها كانت كذلك. يختلف لبنان عن سورية بأن من هم في السلطة في دمشق هم الذين يقودونها الى الحرب الأهلية، بينما في لبنان تلاقت إرادات من لهم اليد الطولى في السلطة مع أولئك الذين يطمحون الى دور أكبر فيها.

وليس صدفة أن النظام نفسه في سورية، كان طرفاً في حرب لبنان الأهلية، وكان شريكاً أساسياً فيها (والبعض يرى أنه كان مفتعلها الأوّل مع دول أخرى). أي أنه سبق أن «تمرّن» على افتعال حرب أهلية ويعرف كيف تدار مع إنكار تورطه فيها، الى درجة تصوير نفسه المنقذ منها. إنه يكرر اللعبة نفسها، مع اختلاف الساحة واللاعبين والرقعة الجغرافية ومدى اتساعها. في الحرب الأهلية يستولد الطرف الأقدر على استخدام العنف خصمه عبر المزيد من العنف الأعمى والوحشي ويجبره على المنازلة وفقاً لمقاييسه هو فيجبره على التسلح وممارسة العنف المضاد في حلقة مفرغة لا نهاية لديناميتها.

وفي الحرب الأهلية يموت الناس بنيران يفترض أنها «صديقة»، كما حصل مع الشهيد المصور من محطة «الجديد» قبل أيام علي شعبان الذي قضى برصاص الجيش السوري، تماماً كما كان يحصل بين أبناء الطائفة أو الجهة الواحدة في حرب لبنان، بعدما كان يفيض جنون مواجهة الخصم عن طاقته فيفتك بالأبرياء بلا رحمة.

تستهلك الحروب الأهلية الوساطات والمبادرات والمبعوثين العاملين على وقفها كما حصل مع الوسطاء العرب الكثيرين منذ بداية الأزمة السورية الذين سعوا الى التوسط من أجل الإصلاحات في سورية (القطريون، الأتراك والأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي) تماماً كما حصل مع الفرنسيين والفاتيكان واللجان العربية الرباعية والسداسية... وحسن صبري الخولي في الحرب اللبنانية.

وحين تجد الدول الكبرى والقوى الخارجية أن لا بدائل لديها عن مبادرة تموت، تجد طريقة في التمديد لهذه المبادرة واختراع آمال في إمكان إحيائها وإنجاحها تمهيداً لظروف تسمح بتوافق على غيرها لاحقاً، تماماً كما حصل مع كوفي أنان الذي نجحت موسكو في التمديد لمهمته عبر الإصرار على القيادة السورية أن تقبل بمهلة سحب الدبابات من المدن، بعدما كادت تفشل لعدم التزام النظام بتلك المهلة.

أوجه المقارنة والتشابه والاختلاف كثيرة، إلا أن هناك نقطة تمايز رئيسة في ما يحصل في سورية عن بقية الحروب الأهلية والثورات. فوقائع الثورة السورية تقتضي من أي مراقب أن يسجّل أن ما من ثورة في التاريخ، استمر جزء من الشعب ينزل الى الشارع أعزل من دون سلاح، من أجل أن تستمر، وسط غابة من الأسلحة، في شكل يومي وعلى مدى 14 شهراً، من دون خوف أو تراجع، مع أن الموت أمام عينيه.

يخوض الشعب السوري تجربة فريدة سيسجلها التاريخ. فثمة ثورات دامت 25 عاماً مثل جنوب أفريقيا، وأخرى دامت 10 سنوات مثل الثورة الفرنسية، وغيرها استمرت عقوداً لكنها اعتمدت بالكامل على السلاح والعمليات العسكرية فقط. وهناك ثورات دامت سنوات وشهدت تدفقاً بالملايين الى الشارع في شكل متقطع وغير يومي مثل الثورة الإيرانية، إلا أن ما من شعب واصل يومياً احتجاجاته وسط بطش وظلم ومجازر كالتي تحصل ضده في سورية.

=========================

إسرائيل والثورة السورية : عدو  عدوي = عدوي

الباحث العراقي: مصطفى العاني

صحيفة الحياة -12-4-2012

في أحد الاجتماعات شبه الرسمية المخصصة لتقويم الموقف الدولي تجاه ثورة الشعب السوري ، التي عقدت أخيرا في إحدى الدول الأوروبية ، جلست بكل حواسي استمع لكلمة المتحدث الإسرائيلي الذي حاول وبصراحة تلخيص موقف حكومته المعارض لتوفير الدعم للثورة السورية. بدأ المتحدث الإسرائيلي بالقول ( إن القيادة الإسرائيلية تعمل على حسابات أن عدو - عدوي قد يكون عدوي كذلك. ولا تؤمن بقدسية القول الشائع إن عدو عدوي : صديقي ) واسترسل شارحا أسسَ الحسابات الاستراتيجية الإسرائيلية التي قادت إلى اتخاذ قرار محدد المعالمِ وعلى أعلى مستويات الدولة ، بوجوب الوقوف ضد مشروع توفير أي شكل من أشكال الدعم الخارجي للثورة السورية. قال المتحدث :(إن أمن وسلامة إسرائيل هو المعيار الوحيد الذي يؤسس عليه القرار الإسرائيلي. ولا تجد القيادات الإسرائيلية ، على اختلاف مشاربها ، أو انتماءاتها السياسية أو الحزبية ، أي منفعة عملية أو مصلحة فعلية في تغيير النظام السوري القائم. ففي حسابات الخسارة والربح. يُعَدُّ سقوط النظام السوري القائم تطورا سلبيا خطرا على أمن إسرائيل ، قد تنتج عنه عواقب لا يمكن تخمين آثارها الآن ) . وعلى رغم تأكيد المتحدث بوجود تعاطف في إسرائيل مع معاناة الشعب السوري ، ومع مطالبه في تحقيق الحرية و الديمقراطية ( فإن التعاطف الحقيقي و الأخير في الدولة و المجتمع الإسرائيلي سيكون مع مصالح الشعب الإسرائيلي ومع السياسيات التي تخدم أمن واستقرار دولة إسرائيل ) .

عند انطلاق ظاهرة الربيع العربي وبداية سقوط الأنظمة السياسية في تونس ومصر وغيرها ، قامت أجهزة المخابرات الإسرائيلية بدرس إمكان انتشار الثورات الشعبية إلى سورية ، انقسم المجتمع المخابراتي الإسرائيلي ببن واثق من حتمية انتشار الثورة إلى سورية ، وبين قائل بأن النظام السوري يختلف في طبيعته عن الأنظمة العربية الأخرى ، واحتمالُ انتشار الثورة إلى سورية يعد احتمالا ضئيلا ، ومع بداية أحداث الثورة في مدينة درعا أواخر شهر آذار (مارس) 2011م ‏طلبت القيادة السياسية الإسرائيلية من أجهزة المخابرات تقويم الموقف الإسرائيلي تجاه الثورة السورية ، وقد برز سؤالان تقليديان أمام صناع القرار ، الأول : هل توجد مصلحة إسرائيلية في دعم عملية إسقاط النظام ؟

والثاني : ما البديلُ المحتمل ، وما مواقفه وسياساته المحتملة تجاه أمن ومصالح إسرائيل ؟ استرسل المتحدث الإسرائيلي قائلا : ( إن إجابة المجتمع المخابراتي الإسرائيلي عن السؤال الأول كانت محددة وغير قابلة للجدل ، إذ تم التأكيد على أن إسرائيل لا تجد أي منفعة أو مصلحة بإسقاط النظام السوري القائم ، وهذا الاستنتاج استند إلى الحقائق العملية المتصلة بطبيعة العلاقات بين نظام الأسد و اسرائيل. ذهب المتحدث موضحا أن العلاقة بين إسرائيل والنظام السوري علاقة غريبة بين طرفين عدوين كانا ولا يزالان في حال حرب رسمية ، فعلى رغم الخلافات والاختلافات بين النظام السوري القائم ودولة إسرائيل ، فالنظام السوري ، بالتقديرات المخابراتية الإسرائيلية ، تمكن من إدراك وقبول قواعد اللعبة ، مع إسرائيل , ويتفهم ويحترم الخطوط الحمر لصُنَّاع القرار الإسرائيلي ، لذا وخلال ال0 ٤ ‏عاما الماضية ، أي منذ نهاية حرب عام ١٩٧٣م ‏، برز عامل الثقة غير المعلنة بين الطرفين ليتحكم بالعلاقات الإسرائيلية - السورية ، وعلى رغم أن النظام السوري سعى لفتح جبهات خارجية ضد إسرائيل، فإنه لم يفكر خلال ال 40 عاما الماضية بفتح الجبهة السورية. هذا على رغم احتلال إسرائيل المستمر للأراضي السورية ، وعلى رغم توسع عمليات الاستيطان الإسرائيلي ‏المستمرة ، وعلى رغم قيام الطائرات الإسرائيلية بمهاجمة أهداف ضمن الأراضي السورية بين فترة وأخزى ، كان آخرها عام 2007م ‏، حين هاجمت الطائرات الإسرائلية موقعا نوويا مفترضا في عمق الأراضي السورية ، لذا فإن المتحدث الإسرائيلي حاول إقناع المجتمعين ، أن قرار إسرائيل المعارض للثورة السورية يقوم على أسس واقعية ، تنبع من حماية المصالح العليا للدولة الإسرائيلية.

الجزء الثاني من السؤال الذي تعامل معه المجتمع المخابراتي الإسرائيلي ، قبل إصدار توصياته للقيادة السياسية ، يتعلق بطبيعة النظام البديل المحتمل للنظام السوري القائم ، فالنظام البديل لنظام الأسد سيكون ذا صبغة إسلامية أو وطنية أو قومية تضعه تلقائيا في خانة معاداة إسرائيل. وستكون أول أهدافه المطالبة بالأراضي السورية المحتلة أو العمل على استعادتها بالقوة، وتطور مثل هذا سيدخل إسرائيل في دوامة جديدة من الصراع على الجبهة السورية ، الذي قد ينتشر إلى الجبهات الأخرى ، وقد تتحول سورية إلى مركز للجماعات الجهادية والإرهابية التي ستجد موطئ قدم لها في جبهة ظلت هادئة لأربعة عقود زمنية ، لذا فإن حصيلة التقديرات المخابراتية الإسرائيلية : أن البديل للنظام السوري القائم قد يشكل أخطارا وتهديدات كبيرة لأمن واستقرار إسرائيل ، وأن الافتراض بأن النظام البديل في سورية سيكون معاديا لإيران أو لحزب الله لا يعني شيئا كثيرا بالنسبة لأمن الدولة الإسرائيلية ، لأن هذا النظام البديل سيكون ، في الوقت نفسه ، معاديا لإسرائيل لذا فإن القيادة الإسرائيلية في قرارها بتبني موقف معارض لتوفير الدعم للثورة السورية استندت إلى قاعدة :عدو  عدوي = عدوي.

وكنتيجة لتبني هذا الموقف قررت الحكومة الإسرائيلية وضع (فيتو) واضح وقاطع على أي جهود خارجية ، إقليمية أو دولية ، لتوفير الدعم للثورة السورية. وتم إعلام جميع الأطراف الدولية بنية إسرائيل بالعمل على إعاقة أي مشاريع لتوفير الحماية الدولية للثورة السورية ، أو تقديم أي إسناد سياسي أو عسكري قد يساعد الثورة في تحقيق الانتصار.

‏إفشال الثورة السورية أمسى اليوم أحد الأهداف الاستراتيجية للدولة الإسرائيلية ، ومن سخريات القدر ومهازل التاريخ أن تقف إسرائيل و ايران وحزب الله على أرض مشتركة ، وفي خندق واحد لحماية النظام السوري من ثورة الشعب.

‏مصطفى العاني: مدير قسم الدراسات الأمنية والدفاعية في مركز الخليج للأبحاث.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ