ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 02/04/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مرحلة جديدة في سوريا

رأي الراية

الراية

1-4-2012

تستدعي خطة المبعوث الدولي والعربي كوفي عنان التي نالت إجماعاً دولياً من المجتمع الدولي المبادرة للضغط على النظام السوري الذي أعلن موافقته على الخطة ذات النقاط الست لكي يقوم بالبدء بتطبيق الخطة فوراً ودون مماطلة أو تسويف لكسب الوقت خاصة مع استمرار عمليات القتل التي يقوم بها الجيش النظامي في المدن والبلدات السورية.

لقد حثّ الاجتماع الوزاري الأول لمنتدى التعاون الاستراتيجي بين دول المجلس والولايات المتحدة الأمريكية الذي ختم أعماله في الرياض المجتمع الدولي على القيام بواجبه تجاه الشعب السوري مطالباً بوقف القتل والعنف الذي يرتكبه النظام ومؤكّداً الحاجة إلى وقفه فوراً ووضع حدٍّ لجميع أعمال العنف.

لقد دخلت الأزمة في سوريا مرحلة جديدة بالتوافق الدولي الذي حدث على خطة المبعوث المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية كوفي عنان الذي أصبح مطالباً في الوقت نفسه بوضع حدٍّ زمنيٍّ لتحديد الخطوات المقبلة في حالة استمرار القتل. وضرورة التزام سوريا بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 11207 الصادر في السادس عشر من فبراير الماضي، وقرارات جامعة الدول العربية الصادرة في 22 يناير 2012 و12 فبراير 2012، بما يسمح بانتقال سلمي للسلطة من أجل تحقيق إرادة وتطلعات الشعب السوري.

إن المهمة الأساس أمام اجتماع أصدقاء الشعب السوري الذي يُعقد في اسطنبول اليوم في هذه المرحلة تتمثل في تنسيق جهود المجتمع الدولي من أجل توفير الدعم والمساعدة للشعب السوري. من خلال تكثيف الضغوط على النظام ليُوقف القتل والسعي لإيصال المساعدات الإنسانية إلى المدن والبلدات المنكوبة ودعم وحدة المعارضة السورية والسعي لتقديم المسؤولين عن العنف والقتل إلى المحاكمة.

إن انقسام المجتمع الدولي حول سبل معالجة الوضع في سوريا شجّع النظام على الاستمرار في انتهاج الحل العسكري في مواجهة الثورة الشعبية المطالبة بالحرية والديمقراطية والتغيير ما تسبّب في استمرار نزيف الدم وسقوط الضحايا المدنيين.

لقد أكّد وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل أن مذابح النظام السوري جرائم ضدّ الإنسانية لا يُمكن للمجتمع الدولي السكوت عنها تحت أي مبرّر، مشدّداً على أن الوقف الفوري للقتل الممنهج يجب أن يُشكّل أولوية للجهود ضمن خطة الجامعة العربية وأنه لا يُوجد خلاف مع الأمريكيين حول سوريا وأن الأولوية هي لوقف نزيف الدم وسحب القوات من المدن وإطلاق سراح المسجونين وبدء مفاوضات تحت إشراف الجامعة العربية لنقل السلطة وهي المطالب التي يجب أن يتبنّاها المجتمع الدولي ويتحدّث فيها بصوت واحد.

=================

مؤتمر أسطنبول..

بقلم/ طه خليفة:

الراية

1-4-2012

لولا بقية من عقل وأمل لانضممت إلى أصدقاء الأسد. أصدقاءه يبدون كأقلية في الظاهر، إلا أنهم كثيرون في الباطن. الأصدقاء الصريحون: روسيا والصين وإيران وحزب الله وحكومتا بغداد وبيروت ، أما الأصدقاء السريون فهم كثيرمن دول العالم التي تتراخي عن اتخاذ القرارات الحقيقية لإنقاذ المدنيين من المجازر ، رغم ما يبدو من أنها تخاصم الأسد وتحاربه بالدبلوماسية وبالعقوبات. ذلك أن هذه الإجراءات بجانب مؤتمرات أصدقاء سوريا، والجلبة في الجامعة والقمة العربية والجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان والاتحاد الأوروبي وبرلمانه هو مجرد تحصيل حاصل للآن، حيث فشلت كل هذه التجمعات في إحداث تأثير حقيقي على أرض الواقع لوقف المجازر. الأسد مطمئن لأنه في حماية ودعم أصدقائه العلنيين الذين يوفرون له كل أسباب البقاء والقتل، والرسائل الالكترونية المسربة تكشف أنه يعيش حياته ويستمتع بها كأنه يحكم واحداً من بلدان اسكندنافيا، أما زوجته فهي تتسوق على الانترنت بسفه كالعادة، وتهزأ ممن يحدثها عن المذابح والدماء، وكأنها السيدة الأولى في السويد مثلاً. أحسد الأسد على إخلاص أصدقائه له، الذين يدعمونه كأن الثورة ضد أنظمتهم هم، حيث يتسابقون إلى تقديم أقصى ما يمكن من الدعم له.

بالمقابل ماذا فعل أصدقاء الشعب السوري؟. لا شيء.. غير الدعم بالكلام وبعض العقوبات، وأحدثها العقوبات الأوروبية على أم الأسد وزوجته وبعض نساء أسرته، وكأن ذلك هو ما سيسرع بإسقاط النظام.!

الدعم الحقيقي الغائب حتى الآن كان أعلاه هو التدخل العسكري بقرار أممي أو من دونه، وعلى غرار ما حصل قريبا في ليبيا، ومن وقت بعيد في صربيا، وعلى غرار ما فعله بوش في العراق عندما هددت فرنسا بالفيتو. لكن أمريكا أوباما والاتحاد الأوروبي يفتقدان الإرادة والقدرة على فعل ذلك، ويكبلان الدول الراغبة بإخلاص في المساعدة الحقيقية، لذلك يستحق هذا المحور "سوريا وإيران وحزب الله" أن يأخذ المنطقة رهينة لمشروعاته، وأن يطلق التهديدات بأن المنطقة ستشتعل إذا تم الاعتداء على سوريا، وأن يسخر من أمريكا والغرب.

كيف ستتصرف أمريكا إذن تجاه إيران التي تقترب كل يوم من إنتاج القنبلة ، بينما هي غير قادرة على مجرد تخويف الأسد أو إجباره على التوقف عن القتل وليس التنحي؟، وإيران قوة عسكرية واقتصادية ونفطية وبشرية أضخم من سوريا مرات، وخطورتها على المصالح الأمريكية في المنطقة أكبر من سوريا مرات.

وإذا كان الغرب غير قادر على التدخل العسكري، فهناك البديل المطروح منذ وقت مبكر، وهو مناطق آمنة عازلة يحتمي بها المنشقون من الجنود وأسرهم، وتسليح المعارضة للدفاع عن نفسها وعن المدنيين ، لكن هذا لا يحدث أيضاً رغم أكثر من عام من المذابح .إذا لم يكن كل ذلك كافياً لتسليح المعارضة فمتى يقتنع الغرب بهذا الحل؟. فهو في ليبيا لم يسلح المعارضة فقط، إنما تدخل عسكرياً حتى سقط النظام، والحالة الليبية لا تختلف عن السورية فكلاهما نظامان فاحشان في الاستبداد، بل إن القذافي كان قد طبع علاقاته مع الغرب، وأقلع عن التمرد والمشاكسة، وأصبح مروضاً تماماً، أي لم يكن هناك خطر منه إطلاقا في السنوات الأخيرة، بعكس الأسد المتمرد على الغرب، والذي يشارك في تحالف للتحكم في أخطر منطقة مصالح لأمريكا حيث الطاقة وخطوط المواصلات وإسرائيل.

من الواضح جدّاً أن الغرب سرّع بالتدخل في ليبيا من أجل النفط أكثر من حماية المدنيين . ومن الواضح أن عدم وجود نفط في سوريا يجعل القوى الكبرى لا تبالي بذبح شعب، كما أن إسرائيل عامل حاسم في تواطؤ الغرب، إذ أنها لن تجد أفضل من نظام الأسد المستأنس ، والذي يحافظ على أمنها وحدودها طوال أكثر من 40 عاماً رغم أن الجولان محتل، حيث لم يطلق رصاصة واحدة فيه. إسرائيل لا تريد إسقاط الأسد، حيث لا تضمن النظام القادم، وهو غالباً سيكون إسلامياً، وتجربة مصر تجعلها قلقة، لكني كتبت مرة سابقة أنه إذا كان الأسد مفيداً لإسرائيل، وسقوطه لن يتسبب في خسارة لها ، فإنها ستكون مستفيدة من القادم، حيث سيأتي نظام واقعي لا يسعى للحرب بقدر ما يسعى للسلام الحقيقي، ولن يتاجر بالجولان أو الفلسطينيين، وستقل أهمية ورقة حزب الله، وسيغلق طريق إيران إلى المنطقة .

اليوم سيعقد في أسطنبول التركية المؤتمر الثاني لأصدقاء سوريا، فهل سيكون مجرد مكلمة كسابقه ، أم يأخذ القرار المؤجل منذ عام وهو التدخل الفوري وبأي شكل لإنقاذ شعب خرج بالأمس بعد أن فاض به الكيل قائلا:" خذلنا العرب والمسلمون"، بل والغرب أيضا.

=================

«ما بعدي الطوفان»... من تونس الى سورية!

خيرالله خيرالله

الرأي العام

1-4-2012

لم تأتِ الثورات العربية من عدم. استثمرت الانظمة المنهارة في الامن بدل استثمارها في التنمية الحقيقية وفي كيفية توزيع الثروة بدل حصرها في العائلة والمحيطين بها بشكل مباشر. ولذلك كان ما حصل اكثر من طبيعي. على الرغم من ذلك، لا يزال هناك من يعتقد ان الثورات العربية خطوة الى الخلف وان الوضع الذي كان قائما في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية قبل هذه الثورات كان مفترضا ان يستمرّ الى ما لا نهاية. أليس شعار «الأسد الى الأبد» هو المرفوع في كل الاراضي السورية؟

اكثر من ذلك، يظنّ الذين ينادون بهذه النظرية ان كلّ ما حصل هو ضرب للاستقرار. قد يكون ذلك صحيحا الى حدّ ما. ولكن اذا نظرنا الى ما حصل في تلك البلدان، نجد ان الانفجار كان اكثر من طبيعي وانّ المرجح ان تمر كلّ من تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية في مرحلة انتقالية يمكن ان تمهّد لقيام دولة المؤسسات كما يمكن ان تؤدي الى تفتيت لهذه البلدان.

الاكيد ان تفتيت هذه البلدان بمثابة كارثة على الوضع العربي ككلّ نظرا الى انه يفتح الابواب على حروب اهلية معروف كيف تبدأ وليس معروفا كيف تنتهي، في غياب القدرة على الطلاق الحبي بين هذه المنطقة او تلك.

تبدو الثورات التي سمّيت عن حقّ «الربيع العربي» اكثر من طبيعية. ذلك عائد الى سبب في غاية البساطة يتمثل في الحاجة الى التغيير بعدما سئم المواطن التمييز الذي يمارس في حقه على كلّ المستويات.

في تونس على سبيل المثال، كان هناك نجاح نسبي على الصعيد الاقتصادي بشهادة الارقام، المعترف بها دوليا، التي جعلت من تونس تقترب من الخروج من وضع الدول النامية، اي دول ما يسمّى العالم الثالث. لكنّ مشكلة زين العابدين بن علي الذي حكم البلد منذ العام 1987 وحتى 2011 تكمن، اضافة الى تسخيفه السياسة والسياسيين وتفرده بالسلطة، في انه دخل في لعبة الرضوخ لرغبات زوجته السيّدة ليلى طرابلسي. حوّلت ليلى طرابلسي عائلتها الى عائلة مميّزة لا تسري على افرادها قوانين البلد. انها القوانين التي كان تطبيقها على كلّ مواطن من المواطنين امرا عاديا... باستثناء ابناء العائلة الحاكمة!

قضى بن علي، بسبب قصر نظره ورضوخه لرغبات زوجته، على طموحات مجموعة كبيرة من التونسيين كان مفترضا ان يدافعوا عن نظامه. ذهب ضحية عملية التوريث التي كانت تسعى اليها الزوجة الطموحة التي تصرّفت بصفة كونها الوصية على مقدرات تونس. كانت النتيجة ان المجتمع كله، بما في ذلك القوات المسلحة، انتفض في وجهها وفي وجه العائلة التي لم تعد على علاقة بالواقع التونسي.

ما شهدته تونس ينطبق الى حدّ كبير على مصر حيث تحوّل حسني مبارك اسيرا لرغبات الزوجة والمحيطين بها. كانت السيدة سوزان، التي لم تفهم في ايّ لحظة طبيعة النظام القائم في مصر، عاجزة عن ادراك ان المؤسسة العسكرية ترفض التوريث. كان همّها محصورا في «ألا تكون جيهان سادات اخرى» وذلك بعدما شهدت ما حلّ بأرملة الرئيس انور السادات في مرحلة ما بعد اغتياله في تشرين الاوّل- اكتوبر 1981 وحلول زوجها مكانه.

ما ميّز بن علي ومبارك هو السقوط في اسر العائلة. ما يجمع بينهما هو العجز عن التفكير في المستقبل وفي كيفية بناء دولة المؤسسات التي لا علاقة لها بشخص معيّن او بعائلة معيّنة. لم يدر حسني مبارك في اي لحظة ان مصر تواجه تحديات من نوع مختلف، على رأسها النمو السكاني والتطرف الديني وبناء المؤسسات الديموقراطية، وانه من دون التصدي لهذه التحديات، كانت الاوضاع مقبلة على تدهور كبير، خلف جمال مبارك والده ام لم يخلفه!

امّا بالنسبة الى ليبيا، فكان الجنون هو السائد. لم يكن هناك منطق من ايّ نوع كان. الى الآن ليس معروفا هل كان معمّر القذافي يسعى الى توريث نجله سيف الاسلام ام انه كان يشعر بالغيرة تجاهه.

في كلّ الاحوال، يبدو ثابتا ان القذّافي الاب لم يكن يعبد سوى نفسه وكان لديه اعتقاد بانّ ليبيا بدأت به وتنتهي معه. ربّما نجح في تحقيق ما كان يحلم به بدليل ان ليس في استطاعة احد التكهّن بمستقبل ليبيا باستثناء ان آبار النفط فيها ستظلّ تعمل بكلّ طاقتها لأسباب لا علاقة لها بالليبيين بل بالمصالح الاوروبية والاميركية لا اكثر.

بالنسبة الى اليمن، هناك وضع مختلف. هناك وضع في غاية التعقيد ادرك علي عبدالله صالح انه غير قابل للحل. خرج من السلطة من دون ان يخرج منها تاركا كتلة النار في ايدي خصومه. سيتوجب على هؤلاء التعاطي مع مجموعة من المشاكل الكفيلة بتحويل اليمن الى صومال آخر. تبدأ هذه المشاكل بالاقتصاد المُدمّر والنمو السكّاني غير المنطقي وتنتهي عند ارهاب «القاعدة» مرورا بالحوثيين واوضاع الجنوب، حتى لا نقول اكثر من ذلك.

تجمع سورية بين كلّ تونس ومصر وليبيا واليمن. يكفي ان رئيس الدولة فيها لا يريد الاعتراف بأنّه يواجه ثورة شعبية حقيقية وانه لم يعد لديه ما يقدّمه لبلده سوى اطالة الازمة وتحويلها الى حرب اهلية ذات طابع مذهبي بحت. لم يعد السؤال هل انتهى النظام السوري ام لم ينته. السؤال اي مصير ينتظر سورية وهل من مجال لتفادي تكرار التجربة العراقية في هذا البلد الذي لا يزال شعبه المقاوم يرفع شعار «الشعب السوري واحد» ويصرّ على التمسّك به.

لم يكن من مجال لتفادي «الربيع العربي» بعد كلّ ما فعلته الانظمة القائمة ببلدانه وبشعوبها. هل من مجال لتفادي انهيار دول عربية معيّنة رفع حكامها شعار «من بعدي الطوفان». يبدو انه ليس مجرد شعار بمقدار ما انه نظرية متكاملة تستند اول ما تستند الى احتقار انظمة معيّنة للشعوب العربية والاصرار على اذلالها...

كاتب لبناني مقيم في لندن

=================

«إخوان» سورية وعهد جديد

د. محمد علوش

الرأي العام

1-4-2012

وثيقة «العهد والميثاق» التي قدمتها جماعة اخوان سورية يوم الخامس والعشرين من الشهر الجاري في تركيا لم تكن مفاجئة من حيث توقيتها، وانما كانت مفاجئة ببعض البنود التي قدمتها. ومن المجحف نقد الوثيقة في مقالة واحدة، إلاّ أني أرغب في تسليط الضوء في عجالة على بعض بنودها التي أعتقد ان فيها تطوراً نوعياً لجهة خطاب الإخوان عموماً.

الجماعة تتحدث في وثيقتها عن «دولة مدنية حديثة، تقوم على دستور مدنيّ... يحمي الحقوقَ الأساسية للأفراد والجماعات، من أيّ تعسّفٍ أو تجاوز، ويضمن التمثيلَ العادل لكلّ مكوّنات المجتمع... دولة ديموقراطية تعددية تداولية، وفق أرقى ما وصل إليه الفكر الإنسانيّ الحديث، ذات نظام حكم جمهوريّ نيابيّ، يختار فيها الشعب من يمثله ومن يحكمه، عبر صناديق الاقتراع، في انتخاباتٍ حرة نزيهة شفافة».

واللافت في ما تقدم أن الجماعة لم تتحدث عن «دولة مدنية بمرجعية اسلامية» على غرار ما تنادي به جماعات الإسلام السياسي بما فيها حركة الاخوان الأم في مصر. ولم نعثر في «العهد والميثاق» على أثر لشعار «الإسلام هو الحل».

وتعلن الجماعة التزامها قيام «دولة مواطنة ومساواة، يتساوى فيها المواطنون جميعاً، على اختلاف أعراقهم وأديانهم ومذاهبهم واتجاهاتهم، يحقّ لأيّ مواطنٍ فيها الوصول إلى أعلى المناصب، استناداً إلى قاعدتي الانتخاب أو الكفاءة. كما يتساوى فيها الرجالُ والنساء، في الكرامة الإنسانية، والأهلية، وتتمتع فيها المرأة بحقوقها الكاملة». وانسجاما مع هذا الطرح فقد رفعت الجماعة من شأن المواطنة لتصبح المعيار الاساسي والوحيد للوصول للسطة في اطار التداول السلمي والديموقراطي، حيث لا اعتراض في وصول لرئاسة الدولة مسيحي أو امرأة طالما كان ذلك خيار الشعب أو من ينوب عنه في البرلمان. وهذا تقدم ملحوظ في فكر جماعات الإخوان الذين يشترطون في أدبياتهم التاريخية أن يكون المرشح للرئاسة ذكراً مسلما عاقلاً بالغاً، مشهود له بالعدالة والالتزام، نزولاً عند الشروط التي حددها فقهاء الأمة.

نقطة أخرى ينبغي التوقف عندها، إذ تلفت الجماعة على لسان المراقب العام السابق صدر البيانوني الى أنه ليس من حق الأكثرية السياسية، أي تلك التي تصل الى الحكم عن طريق صناديق الاقتراع في سورية الحديثة، أن تجهز على الأقلية السياسية الخاسرة كما هو معمول به حتى في اكثر الدول الغربية ديموقراطية، حيث لا ينبغي تهميش أي من فئات المجتمع السياسي، إذ ان بناء الدولة يحتاج لكل أطياف المجتمع.

 وكأننا، إزاء ما تقدم من طروحات، أمام جماعة تشابه في ايديولوجيتها حزب الحرية والعدالة الحاكم في تركيا ذا الجذور الإسلامية أكثر مما هي متماهية مع جماعات الإسلام السياسي في العالم العربي وسواء كنّا نتفق معهم في هذا الطرح أم لا، إلا اننا نلاحظ أن جماعة اخوان سورية تلحظ بعمق الواقع السوري المتنوع طائفيا ومذهبيا وعرقيا وتدرك حاجاته الى عقد اجتماعي يتناسب مع خصوصيته، وهي تتخطى على ما يبدو نضوج جماعة الإخوان الأم في مصر التي لم تستفد من التجارب التي مرّت بها خلال حقبتي السادات ومبارك على ما يبدو.

وبما أننا لا نستطيع أن نحكم على النوايا أو التكهن بمدى التزام الإخوان مستقبلا بهذه الوثيقة في حال وصولهم للسلطة، إلا أنهم في ما يقدمونه من تعهد حالياً ينبغي أن يزرع الطمأنينة في قلوب أطياف ومكونات المجتمع السوري كافة، إذ لم تصدر جماعة معارضة في سورية حتى اللحظة أي وثيقة سياسية تشرح فيها الدولة المراد بناؤها بعد دولة الأسد اذا ما استثنينا التصريحات والشعارات التي ترفع في اجتماعات المعارضة السورية التي في الغالب ما تكون جواباً عن سؤال طُرح عليها، وليس في إطار دراسة متأنية تراعي الواقع السوري وخصوصيته الداخلية والإقليمية.

=================

التسوية في سوريا: الأرباح والخسائر

فاروق حجّي مصطفى

كاتب سوري

تاريخ النشر: الأحد 01 أبريل 2012

الاتحاد

من خلال جولات كوفي عنان على سوريا وعدد من البلدان العربية والإقليمية، ولقائه المعارضة السورية، وكلمته أمام المجتمع الدولي... يَظهر أن ثمة تسوية سياسية تنتظر سوريا من قبل الأمم المتحدة والجامعة العربية، وبغطاء روسي أميركي، وذلك تبعاً لضرورة مصلحية. فروسيا لها مصلحة قوية في إجراء تسوية تحفظ لها نفوذها في سوريا. أما الأميركيون فهم الآن منشغلون بوضعهم الداخلي، لاسيما الانتخابات الرئاسية، ما يصعِّب عليهم القبول بالتدخل العسكري ضد سوريا، لذلك نراهم يميلون إلى حلول التسوية السياسية.

والحقيقة أنّ فكرة التسوية ليست جديدة على السوريين، فعمرها من عمر الثورة السورية، لكن الطرفين الرئيسيين؛ السلطة والمعارضة، تجنبا طرحها، ولكلٍّ أسبابُه: فالمعارضة تجنبت طرح التسوية لثلاثة أسباب رئيسية:

1 - غياب الثقة بالنظام، كما أنها مقتنعة تماماً بأن النظام لن يقبل بأية تسوية، لأنه لم يتجاوب مع الشروط التي وضعتها المعارضة في بداية الانتفاضة للبدء بمحاورته، وهي شروط تلخصت بإعادة الجيش إلى مواقعه الأساسية، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ووقف القمع، وكف التدخل الأمني في شؤون الناس وأحوالهم... وذلك لبناء بيئة لنجاح الحوار الوطني.

2 - ثمّة مناخ سائد (نجاح بعض الثورات العربية) دفع بالمعارضة إلى الاقتناع بإمكانية نجاح الثورة السورية، فمادامت الثورة نجحت في بعض البلدان العربية ذات النظم الشبيهة بالنظام السوري، فماذا يمنع نجاحها في سوريا؟

3 - وجود رغبة جدية لدى الشارع السوري في الخلاص من النظام القائم والموصوف بالفساد والاستبداد.

أما النظام فرفض القبول بالتسوية لاعتقاده بالقدرة على سحق الثوار والمنتفضين عبر الأساليب الأمنية والعسكرية، ومن خلال وعود للسوريين ببعض الإصلاحات.

هذا مع أن ثمة حقائق، وهي بمثابة تحدٍّ لكل من النظام والمعارضة والوسطاء: الحقيقة الأولى هي أنه من المفترض بالنسبة للنظام أن يعرف بأن عدداً من الأنظمة تباهت بالعظمة وبمشروعية البقاء، لكنها سرعان ما سقطت.

الحقيقة الثانية أن المعارضة، ومنذ ربيع دمشق، تؤمن بالانتقال التدريجي نحو التغيير، وكان بالإمكان التأسيس على هذه القناعة. الحقيقة الثالثة أن الوسطاء السياسيين لم يلعبوا دوراً إيجابياً كما يجب، لأن من كان يطرح التسوية أراد من ورائها التوظيف السياسي لأكثر من جهة. هذا علاوة على غياب آليات عملية في تنفيذ مقترحات الوسطاء من جهة أخرى.

هذه العوامل أسهمت في إفشال أية تسوية في سوريا، بينما تمنّى البعض طرح رؤية سياسية من قبل طرف دولي أو إقليمي أو عربي، لتفعيل العملية السياسية على حساب العملية الأمنية. ولا نستغرب أن الكثيرين راهنوا على نجاح التسوية لأنه من الغرابة بمكان ألا يقبل النظام تسوية تحفظ له ماء وجهه وبعض مصالحه الخاصة، خلافاً لما حدث مع أنظمة عربية أخرى.

والحقيقة أن الشعب السوري دفع فواتير كثيرة في حياته، ولا يمكن إجباره على دفع المزيد، فكلما قلَّت الخسائر كان ذلك لمصلحته، حتى وإن ربح النظام في أية تسوية.

ولا نستغرب أن أية تسوية تخدم النظام قبل المعارضة، حتى وإن تظاهر بأنه الطرف الذي يملك الأحقية، وأنه يتنازل عن شيء له لأن المصلحة السورية تقتضي ذلك، فإنه يحقق هدفين من وراء التسوية، أولهما أنه ينقذ نفسه، وثانيهما أن يقول: ها قد تنازلت لأجل المصلحة الوطنية!

وذلك ما يتعارض مع هدف المعارضة، والتي تبدو غير متشجعة لقبول التسوية لأنها تعرف مدى عدم جدية النظام، وأنه بقبوله التسوية السياسية يعزز مكانته لدى الشارع. وعلى ضوء ذلك فالمعارضة غير مكترثة كثيراً بالتسوية وليست مجبرة على إعطاء النظام صك البقاء لفترة أخرى.

والحال أن هناك لدى السوريين تصوراً بأن التسوية لن تحدث أي تغيير في النظام الحالي، إنّما سيقتصر الأمر على توزيع الأدوار ومشاركة بعض الأطراف في الحكم، على أن تبقى ثقافة النظام قائمة، وهذا لن يخدم الشعب السوري. فالتسوية المطروحة من قبل الجامعة العربية وروسيا وورقة تركيا في التفاهم مع إيران لا تتضمن تغيير النظام وبنيته الدستورية. ما يتراءى لنا أن التسوية الحالية لن تحقق هدف الثورة، إنما قد تسهم في تغيير سلوكية النظام الحالي.

وإذا كان قبول التسوية يشرع الحوار السياسي، فهذا يعني أن ورقة الحوار ستقتصر على مسألة الحريات، وربما تشمل إجراء تغييرات في بعض المؤسسات، الأمر الذي يثير المخاوف لدى بعض المكونات المجتمعيّة والسياسيّة، لاسيّما المكون الكردي، من أن التسوية لا تتضمن فكرة بناء عقد اجتماعي وسياسي جديد بين مكونات ما انفكت تتمسك بالحوار الوطني الذي تفرزه الوقائع كما فرضتها الثورة، على أن يكون هذا الحوار فعلاً داخلياً وطنياً، ومعبِّراً عن إرادة الجميع، ويهدف إلى بناء عقد اجتماعي وسياسي جديد.

فهذا الأخير هو فقط ما يمكن الرهان عليه، كونه يفتح الآفاق نحو بناء دولة ديمقراطية وتعددية.

لكن إلى أي مدى ستتحقق التسوية الحالية بين المصالح والمكونات السياسية في سوريا؟ وهل تحل أزمتنا الوطنيّة وتوقف نزيف الدم ؟!

=================

"شبّيحة" ولهم الفخر!

عمر قدور

المستقبل

1-4-2012

"إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب.. وإن لم تكن شبيحاً بادر إلى الانتساب"؛ هذه العبارة ليست مأخوذة من تعليقات لناشطين في الثورة السورية، وليست دعاية ساخرة يطلقها هؤلاء على الموالين. إنها مأخوذة حرفياً من صفحة على الفيس بوك يُطلق عليها اسم "شبيحة الأسد"، وشعارها "شبيحة للأبد.. لأجل عيونك يا أسد"، أما التوصيف الذي اختاره لها محررو الصفحة فهو "منظمة سياسية"!. الصفحة غيض من فيض صفحات ينشئها موالو النظام وشبيحته الافتراضيين، تطوعاً أو ضمن المعركة التي يخوضها النظام على الشبكة العنكبوتية ويفرّغ لها عدداً كبيراً من الشباب والشابات مهمتهم إنشاء صفحات موالية ومحاولة تخريب صفحات المعارضة والحسابات الشخصية للمعارضين. وإذا كانت المعركة الافتراضية استكمالاً لمعركة النظام على الأرض فإن جولة على صفحات التشبيح تقدّم صورة فاضحة لطبيعتها بعيداً عن التزويق الإعلامي المفترض، ومن الواضح أن خطاب هذه الصفحات موجه إلى الشبيحة ذاتهم بغية رص صفوفهم وبث الحماس فيما بينهم، دونما أدنى اكتراث للآخر الذي لا بد أن يكون خائناً أو متآمراً.

لا يفترق التشبيح الالكتروني عن التشبيح الواقعي، فالشعارات المتداولة على الصفحات العامة للشبيحة بعضها مطابق تماماً لهتافات المسيرات المؤيدة، والأخبار المنشورة هي ذاتها التي تروجها القنوات التلفزيونية للنظام، باستثناء أن صفحات النت معفاة من الحرج المتواضع الذي يغلف أحياناً الخطاب الرسمي، أحياناً وليس غالباً. كما في هتافات المسيرات المؤيدة نقرأ على إحدى الصفحات "يا بشار لا تهتم.. نحنا رجالك م نشرب دم"، وفي خطاب موجه للرئيس ومرفق بصورة ببزته العسكرية "ما بدنا بدلة رسمية وما بدنا كرافات.. بدنا بدلة عسكرية وجيش ودبابات"، ولا يخلو الأمر من صورة للأمين العام لحزب الله مرفقة بتعليق من هذا القبيل: "نحن أبناء ذاك الإمام الذي قال: أبالموت تهددني يا بن الطلقاء؟ إن القتل لنا عادة، وكرامتنا من الله الشهادة"، وبالطبع لا تخفى محاولة التوظيف الطائفي في التعليق الأخير.

الأوصاف التي يطلقها خصوم النظام للنيل منه نجدها هنا ذاتها ولكن على سبيل الفخر، "الله محيي الجيش الأسدي" هكذا نقرأ في رد غير مباشر على من يصفون الجيش ب"كتائب الأسد"، أما الولع الذي لا يخفى فهو استخدام البسطار في دعس كل من يرفع رأسه؛ "جيش بلادي دوس دوس، اِمحِ الخائن والجاسوس"، وأيضاً "إذا المندسّ أراد الحرية فلا بد أن تستجيب النعال العسكرية، ولا بد للجيش أن ينتشر ويدعس على رأس مَن طالب بالحرية"، بل إن الأمر يتعدى الحدود الجغرافية كما في القول: "إذا كنت قطرياً ارفع رأسك. وإذا كنت من المعارضة السورية ارفع رأسك. وإذا كنت من مؤيدي بشار الأسد ادعس على كل رأس مرفوع". لا شك في أن هذه الشعارات تعيد إلى الأذهان تلك التسجيلات عن قيام قوات الأمن بالدعس والرقص على أجساد المدنيين في مدينة درعا وقرية البيضا وغيرهما؛ التسجيلات التي حاول الإعلام الرسمي إنكارها سابقاً والادعاء بأنها حدثت في مكان غير سوري، أو حتى الادعاء بأنها مجرد تلفيق تقني.

أن يفخر الشبيحة بما يؤخذ عليهم ويُفترض بهم أن يخجلوا منه؛ هذا ليس بالفارق القيَمي فقط، ولا تكفي النكايات المتبادلة بين الطرفين لتبرير التباهي الفظ الذي يطال قيماً إنسانية عامة كالحرية، فالأمر تطور خلال سنة من عمر الثورة بدءاً من نفي ما يُنسب إلى الشبيحة، مروراً بمحاولة تبرير سلوكياتهم وتصويرها على أنها دفاع عن النفس، وانتهاء بتبني التشبيح علناً والهتاف في المسيرات المؤيدة "شبيحة إلى الأبد"؛ هذا الهتاف الذي لم يخجل البعض من ترديده بحضور "الرئيس" نفسه في ساحة الأمويين في اليوم التالي لخطابه الأخير!.

بالتأكيد تتواضع مخيلة الماركيز دوساد أمام ممارسات الشبيحة على الأرض، وربما تقدّم الأخيرة مادة دسمة لنظريات جديدة في علم النفس، إلا أن تبني التشبيح كمنهج سلوكي واعٍ لن ينتظر اقتراحات علم النفس، ولا ينفع واقعياً تفنيد شتى الانحرافات السلوكية ما دامت تتجه لأن تكون خطاباً سلطوياً يخرجها من خانة الانحراف إلى مكانة السلوك المقبول، بل السلوك الطبيعي والمطلوب تكريسه وتعميمه. قد نهوّن الأمر بأن ما كان مضمراً انتقل إلى العلن، وبأن التشبيح ليس طارئاً على ممارسات السلطة، إلا أن التبني الإعلامي الفاجر لهذه الممارسات يُنذر بالانتقال إلى مرحلة هي الأفظع تزامناً مع قصف المدن السورية واستباحة كافة مقومات الحياة لمجتمع الثورة. إن التهليل للفظائع، والاحتفاء بها، يخرجها من نطاق الضرورة "السياسية" الطارئة، فحرب النظام على المؤامرة الكونية المزعومة لن تكون في سبيلها إلى التوقف ما دام العالم موجوداً ولم يتم مثلاً محو أوربا من الخارطة كما زعم دبلوماسي رفيع من النظام.

"الأسد أو لا أحد"؛ هذا شعار ينتشر بكثافة على صفحات الشبيحة، وربما رآه الكثيرون على شاشات التلفزيون، حيث الموقع الأنسب له كتابته على جدار باقٍ من بناء سكني دمره القصف المدفعي أو الطائرات. لقد اختبر أهالي حي الإنشاءات وحي بابا عمرو في حمص هذا الشعار جيداً. وحتى لحظة كتابة هذه السطور مرّ الشعار على كثير من قرى جبل الزاوية وبلدتين على الأقل من ريف حلب، ويستعد للانقضاض على أربعة أحياء أخرى من مدينة حمص؛ شعار مدجج بكافة أصناف الأسلحة التي تجعل تطبيقه على الجغرافيا السورية مسألة وقت لا أكثر. شعار لم تتوفر له يوماً مثل هذه الرغبة العارمة في الإبادة، وبحيث يبدو الخيار الثاني منه، أي اللاأحد، هو الخيار المأمول، وأيضاً بحيث يصبح شعار آخر من نوع "مكتوب على المسدس حب الأسد مقدس" شيئاً أشبه بلعبة للشبيحة الصغار.

فيما عدا الشعارات تأتي الصور لتكمل صفحات الشبيحة، فالصور المفضلة هي بالزي العسكري حصراً، مع حضور يشتد لوسائط القتل وعلى رأسها الدبابة بعد أن فقدت بندقية القناص أهميتها الرمزية بالنسبة إليهم. للشبيحة رموزهم أيضاً، إذ سنلمس على صفحاتهم احتفاء شديداً بالذين رقصوا على أجساد المعتقلين في قرية البيضا أو في مدينة درعا، وسنجدهم أفردوا صفحات مخصصة ل"أبطالهم" كما هو الأمر بالنسبة إلى ضابط الأمن الذي أشرف على اعتقال وتعذيب أطفال درعا مع مستهل الثورة؛ في الواقع لهذا الضابط حظوة لم تتح لغيره، فناشطو الثورة أيضاً أفردوا له صفحة خاصة ساخرة باعتبار أن انتشار الثورة مدين لارتكاباته الفظيعة.

لا شكّ في أن متابعة هذه الصفحات مشقةٌ لأصحاب الحس الإنساني، مهما بلغت بلادته، إلا أن جولة من هذا القبيل ضرورية لفهم الحملة "الغرائزية" التي تحيط بأعمال الإبادة والتكيل، وتجعل منهما امتداداً منطقياً لوعي مستقر ومقبول من قبل أصحابه. هي، للمفارقة، لحظة الانسجام القصوى بين وعي التشبيح وممارساته، حيث لا يعاني التشبيح السياسي أو النظري أي وخز من الكلفة الإنسانية كما نراها نحن، بل على العكس يستزيد منها ويطور تطلباته طرداً مع كل ضحية جديدة أو حي سوري تم محوه من الخارطة. إن الإحاطة الشاملة بثقافة التشبيح تقتضي تفرغاً طويلاً لفريق مختص، لأن كل ما رُصد ميدانياً حتى الآن لا يعدو كونه جزءاً صغيراً من آليات التدمير النشطة، لكن الإنذار الأهم هو في الصورة التي يقترحها التشبيح لسوريا الغد، فيما لو أتيحت للنظام أدنى فرصة للبقاء.

=================

الثورة السورية والمراجعة الإخوانية

ماجد كيالي

المستقبل

1-4-2012

بغضّ النظر عن عفويّتها وافتقادها للبرامج النظريّة والهياكل التنظيميّة والقيادة الكاريزميّة، وبغضّ النظر عن نواقصها ومشكلاتها، فإن الثورات الشعبية الحاصلة في عديد من البلدان العربية أحدثت نوعاً من ثورة في الثقافة السياسية السائدة.

فهذه الثورات مكّنت المواطنين من التعرّف على ذواتهم، أي على معنى مواطنيتهم في وطن متعيّن، كما على معنى تشكّلهم الجمعي كشعب في دولة محدّدة، تماماً مثلما مكّنتهم من التعرّف على حقّهم في المشاركة السياسية، باعتبار ذلك جزءاً من متطلّبات المواطنة والحقوق الشخصية، بعد أن كانت هذه تعتبر من الممنوعات وربما المحرّمات أو بمثابة توكيل قدري أو سماوي لا شأن لهم بها.

وعلاوة عن أن هذه الثورات اقتلعت الخوف المقيم في قلوب الناس، فهي عمّقت إدراكاتهم، أيضاً، لمعنى الحرية والكرامة والمواطنة والدولة والدستور والقانون وتداول السلطة والديمقراطية والقانون، محقّقة في كل ذلك نقلة نوعية غير مسبوقة في إدراكاتهم السياسية، قد لا يتحصّلون عليها في عقود.

على صعيد أخر فقد أحدثت هذه الثورات هزّة عنيفة داخل الأحزاب والتيارات والمنظومات السياسية السائدة، أيضاً، التي فاجأتها هذه الثورات، وضعضعت يقينيّاتها ورؤيتها عن دورها وعن توهّماتها، والتي وجدت نفسها في ذيل الحركات الشعبية التي تجاوزتها، بنضاليّتها وتضحياتها وشعاراتها، وربما بمفاهيمها.

هذا حصل مع الجميع، أي مع الأحزاب والتيارات والمنظومات السياسية السائدة، اليسارية والدينية والليبرالية والعلمانية والقومية والوطنية. لكن ما يمكن ملاحظته في هذا الإطار أن تيارات الإسلام السياسي كانت هي الأكثر مبادرة إلى مراجعة أوضاعها وأشكال عملها وخطاباتها، وتحشيد صفوفها، من باقي القوى والتيارات الأخرى، التي ظلّت عاجزة ومشتّتة؛ وهو ما شهدنا حصوله في مصر وتونس.

في هذا الإطار يمكننا فهم المبادرة التي أقدمت عليها حركة الإخوان المسلمين في سوريا والمتمثلة بإصدار "وثيقة العهد"، التي تتضمّن رؤيتها لسورية المستقبل، باعتبارها "دولة مدنيّة حديثة، تقوم على دستور مدنيّ...يحمي الحقوقَ الأساسية للأفراد والجماعات من أيّ تعسّفٍ أو تجاوز، ويضمن التمثيلَ العادل لكلّ مكوّنات المجتمع...دولة تحترمُ المؤسسات، وتقومُ على فصل السلطات..دولة zيمقراطية تعددية تداولية... ذات نظام حكم جمهوريّ نيابيّ، يختار فيها الشعب من يمثله ومن يحكمه...دولة يكون فيها الشعبُ سيدَ نفسه...دولة مواطنة ومساواة، يتساوى فيها المواطنون جميعاً، على اختلاف أعراقهم وأديانهم ومذاهبهم واتجاهاتهم...يحقّ لأيّ مواطنٍ فيها الوصول إلى أعلى المناصب، استناداً إلى قاعدتي الانتخاب أو الكفاءة. كما يتساوى فيها الرجالُ والنساء... دولة العدالة وسيادة القانون، لا مكانَ فيها للأحقاد، ولا مجالَ فيها لثأر أو انتقام.. حتى أولئك الذين تلوثت أيديهم بدماء الشعب، من أيّ فئة كانوا، فإنّ من حقهم الحصولَ على محاكمات عادلة، أمامَ القضاء النزيه الحرّ المستقل."

هذه الوثيقة هي في مختلف المعايير، بمثابة ثورة في التفكير السياسي لهذه الحركة، وهي تشكّل افتراقا، بمعنى ما، عن بعض الأفكار الضيّقة التي شابت هذه الحركة، ومثيلاتها، في محاولاتها الدؤوبة للمماهاة بين الدنيوي والديني، وبين البشري والمقدس، وبين السياسي والروحي، والتي تم اختزالها في شعار: "الإسلام هو الحلّ"، وفي تعريف الأمة بأمة المسلمين، وفي تحديد المواطنة بالدين أي بالمسلمين، وفي رفض القبول بالدولة الوطنية الزمنية، وبالحنين إلى العودة إلى زمن الخلافة العادلة (المتخيّلة).

ففي هذه الوثيقة ثمة مصالحة بين الإسلام وحقائق العصر، وهو ما تجلى بقبول الدولة المدنيّة، والاحتكام للدستور والقوانين الوضعية. وهنا ثمة قبول بالآخر وبالمواطنة الحرة المتساوية وبعدم النص على دين الرئيس وقبول حتى بتولي المرأة مكانة الرئاسة.

ومع أن ثمة سوابق لهذه الحركة في إصدار هكذا وثائق (20012004)، في سياق تفاعلاتها مع قوى وطنية أخرى، إلا أن إصدارها في هذه المرحلة يعبّر عن مدى النضج والتطور في التفكير السياسي لهذه الحركة، وعن استجابتها لمتطلبات الثورة السورية، وللتفاعلات السياسية الحاصلة في المجتمع السوري.

طبعا ثمة تحفّظات ومخاوف، مشروعة وغير مشروعة، طبيعية ومصطنعة، عند كثير من الذين لا يؤمنون بأي دور لحركات الإسلام السياسي، أو عند الذين لا يثقون بها، ويعتبرون الوثيقة مجرّد خطوة تكتيكية ونوع من ممارسة لسياسة "التقية"، لتهدئة المخاوف الناجمة عن تنامي دور هذه الحركة في مجريات الثورة السورية، ويأتي في اعتبار هؤلاء أن هذه الحركات في تكوينها الديني لاتؤمن بالدولة المدنية ولا بالديمقراطية ولا بتداول السلطة.

ومع التأكيد على المشكلات الناجمة عن تسييس الدين بدل تنزيهه، وعن أسلمة السياسة بدل اعتبارها شأنا دنيوياً، تخصّ مصالح البشر ونزعاتهم الغريزية وأنانياتهم الشخصية وأهواءهم، ثمة وقائع من حركات سياسية إسلامية لا ينبغي تجاهلها، أو تجاهل حقّ أفرادها في التعبير عن ذواتهم، وهذا من مستلزمات الديمقراطية اصلاً. وفي الواقع فإن إتاحة الفرصة لهؤلاء للتعبير عن ذاتهم، ووضع افكارهم في مختبر الحياة، ربما هو الشرط اللازم لتحويلهم إلى سياسيين عاديين، ولنقل افكارهم من حيّز المقدّس المتخيّل إلى أفكار بشر، تحتمل الخطأ والصواب، والكذب والصدق، والتورية والتلاعب.

أما بالنسبة للمخاوف المشروعة المتمثلة بتراجع هذه الحركة عن مضامين الوثيقة، على ضوء التجارب السابقة، فهو أمر لايمكن التيقّن منه، فضلاً عن أن ذلك يصدق على كل التيارات التي صعدت إلى السلطة أو تحالفت مع السلطات الاستبدادية القائمة، وضمنها تيارات قومية ويسارية وليبرالية وعلمانية ووطنية من تلك التي لم تثبت صدقيتها في الدفاع عن قضايا الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية في مجتمعاتها.

وبالتأكيد فإن حركة الإخوان المسلمين معنية لتأكيد صدقيتها في هذا الأمر بتحويل هذه الوثيقة إلى نوع من ثقافة سياسية لمجمل قواعدها، كما إنها معنية بتأكيد ثقافة نبذ العنف في علاقاتها مع القوى الأخرى، وفي انحيازها للعقل وقيم الحرية والمساواة والمواطنة وقبول الأخر في صوغ التشريعات وفي إدارة الدولة والمجتمع.

في كل الأحوال فقد قالت حركة الإخوان المسلمين قولها بشأن المستقبل، ويبقى أن القوى الأخرى (اليسارية والقومية والوطنية والليبرالية والعلمانية) معنية بنفس المقدار بأن تقول قولها أيضاً فهي ليست معفية من ذلك، لاسيما أنها لم تثبت في التجربة بأنها ديمقراطية تماماً أو أنها مع دولة المواطنين الأحرار المتساوين أمام القانون حقاً، وهذا ينطبق على حزب الله في لبنان وعلى مجمل حركات الإسلام السياسي (في العراق وفلسطين وغيرهما) من التي لم تقل كلمتها في هذه الأمور بعد، ومن التي لم تصل في تفكيرها السياسي إلى الحدّ الذي وصلته وثيقة الإخوان المسلمين في سوريا.

عموما فإن ما قامت به حركة الإخوان المسلمين في سوريا هو خطوة في الاتجاه الصحيح يؤمل أن تترسّخ وأن تتحول إلى ثقافة عامة في الحركة، وان لاتقتصر على قياداتها، وان لاتكون وليدة ظرف راهن، ولنأمل أن البقية ستأتي، وأن باقي التيارات الأخرى ستقدم إسهاماتها الخاصّة في هذا المجال، لمصلحتها ولمصلحة شعبها وبلدها.

=================

مؤتمر اسطنبول واولية تسليح الجيش الحر

علي حماده

2012-04-01

النهار

ينعقد "مؤتمر اصدقاء سوريا" الثاني اليوم على ضفاف البوسفور في اسطنبول حيث الأمل بأن تسير أعماله بشكل أفضل من المؤتمر الأول الذي عقد في تونس فيتم تظهير مشهد جديد للمعارضة السورية اكثر توحداً بأجندة اكثر وضوحاً. ولعل التحدي الأكبر الذي يواجهه المؤتمر اليوم هو تزامنه مع اعلان النظام في سوريا "الموافقة" على خطة المبعوث الدولي - العربي كوفي انان لحل الأزمة السورية. وبالتالي فمن الناحية المبدئية ينعقد المؤتمر في مرحلة ضبابية نوعاً ما حيث يبدو المجتمع الدولي وكأنه علّق اندفاعه لتقويض النظام في سوريا الى أن تتوضح المواقف التنفيذية من خطة انان. وعليه سيتعين على المؤتمرين ان يخرجوا بصورة نتائج ينبغي ان تصب في اتجاه تعزيز المعارضة ودعمها ومساعدتها على رصّ صفوفها. ولعل الموقف الأكثر بروزا في الآونة الاخيرة هو ما يكرره المسؤولون السعوديون والقطريون من انه لا بد من تسليح المعارضة السورية كي تقف في وجه آلة القتل النظامية. وقد عاد وزير الخارجية الامير سعود الفيصل وكرر الموقف خلال مؤتمر صحافي عقده مع وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون التي لا يبدو انها تجاري الموقف السعودي في ما يتعلق بتسليح الجيش السوري الحر.

 ولكن ووفقا لقراءة نظام بشار الاسد فإن تطبيق الخطة بأمانة وسرعة ليس بالبند الموضوع على اجندة النظام. فالمتحدث باسم وزارة الخارجية جهاد مقدسي قال بالأمس ان انسحاب الجيش الاسدي من المدن "يتم عندما يتاح لأي منطقة العودة الى الحياة الطبيعية وعندما يستطيع المواطنون ارسال اولادهم الى المدارس واستعادة حياتهم الطبيعية..." ويستنتج من هذه القراءة ان الهجوم العسكري على الثورة باجتياح المدن والقرى والبلدات السورية مستمر في ظل الجدل البيزنطي في شأن من يوقف القتال اولاً جيش النظام أو الجيش الحر والثوار. والجدل هذا يثيره النظام على هامش الموافقة على خطة انان فيما يستمر القتل بلا هوادة.

بناء على ما تقدم المطلوب من مؤتمر اسطنبول اليوم البحث في خطوات وكأن شيئا لم يتغير، بمعنى انه ينبغي التطرق الى امر دعم المعارضة وتمويلها وتسليح الجيش الحر بشكل جدي بالتزامن مع توسيع مروحة العقوبات والضغوط على النظام.

اننا نرى ان السعودية وقطر مدعوتان الى فرض بند تسليح الجيش الحر على المؤتمر ليتخذ في شأنه قراراً ايجابياً يمنح المعارضة والجيش الحر شرعية واسعة. وفي غياب اعتماد القرار علينا ألا نضيع مزيداً من الوقت ونعمل بجدية على تدريب ودعم الجيش الحر ليتحول بسرعة الى قوة مقاتلة حقيقية مهمتها قلب النظام بالقوة. فالأولوية تبقى اسقاط النظام بكل الوسائل الممكنة وبينها القوة المسلحة.

=================

سوريا.. والحلول المؤجلة!

د. محمد ناجي عمايرة

الرأي الاردنية

1-4-2012

كان من الطبيعي ان تخرج قمة بغداد العربية بالقرارات التي تضمنها البيان الختامي وخاصة في المسألة السورية، وعلى الشكل الذي أعلنت به نظرا لسعيها الى تحقيق توازن بين اطراف عربية مختلفة، بين من هواه مع النظام السوري وبين من قلبه على الشعب السوري، وبين من يريد ان ينأى بنفسه وبلده عن مغبة الصراع والنزاع لاسباب معروفة!!

غير ان اللجوء الى هذه التسوية لن يساعد على حل الازمة السورية بل سيعني تركها تتفاقم وتزداد سوءا، ويعني استمرار القتل والتدمير والعنف الممنهج.

واذ يواصل النظام عملية القمع والاعتقالات ومحاصرة المدن والقرى الثائرة، تجد المعارضة نفسها في موقع لا تحسد عليه حيث لا تقوى على المواجهة العسكرية وتفتقد الى مقومات ذلك، ويبقى «الجيش الحر» عاجزا عن حماية الانتفاضة الشعبية ولا يستطيع ان يستمر في التصدي للقوات النظامية الاكثر عددا وعدة وتنظيما وتسليحا بينما يزداد وجود عصابات مسلحة ليست من المعارضة في شيء!

والخلافات العربية الموجودة منذ بدايات الانتفاضة السورية تزداد والانقسام لم يحسم حتى الان، وهذه الخلافات تندرج تحتها الخلافات والانقسامات التي اصابت الحركة الشعبية فهي غير موحدّة، وواضح جدا مدى تباين الاراء بين جماعات الداخل ومعارضي الخارج على الرغم من المؤتمرات التي عقدت في الخارج لتسوية الامر والخروج بموقف موحد، لكن فاقد الشيء لا يعطيه!

وعلى الرغم من ان تنظيم «الاخوان المسلمين» يحاول ان يعطي صورة لنفسه اكبر مما هي في الواقع، فان بيان «الجماعة» الاخير الذي اخذ اسم «وثيقة دمشق» كان مهما جدا فيما طرح من تصورات ووجهات نظر بشأن مستقبل سورية على انه كان شديد التفاؤل بقدرته على الحسم والامساك بمفاتيح الحلول والقفز الى المستقبل.

وثمة خلافات اشد في الموقف الدولي تعكس نفسها عربياً وسورياً، وعلى النظام وعلى المعارضة، مما لا يعطي المبادرة العربية ولا خطة المبعوث الاممي والعربي كوفي عنان فرصة النجاح او الضوء الاخضر للمرور الهادئ.

وبين المواقف الاوروبية (الفرنسية - البريطانية) المتشددة المطالبة بعمل عسكري بتدخل خارجي مباشر، والموقف الاميركي غير الواضح الذي لم يصل بعد الى حد القبول بتسليح المعارضة وتقديم العون العسكري المادي للقوات المنشقة عن الجيش السوري النظامي.. وبين المواقف الروسية والصينية المترددة والممانعة معاً.. يبقى الموقفان الايراني الداعم للنظام بقوة والتركي الداعم للمعارضة بقوة، هما عنوان ميزان القوى، ومن ثم مؤشر المستقبل.

ثمة دماء تسيل وارواح تزهق وقرى تدمر ومدن تنزف ألماً وجوعاً وخوفاً ورعباً، وشعباً يعاني بالجملة من الاضطهاد والقهر والموت اليومي.. وثمة حاجة الى عمل ما، يبعد شبح التدخل الاجنبي والحرب الاهلية والطائفية.. ثمة حاجة ماسة الى حل، يخرج سورية من تحت الركام؟ فمن يجترح هذه المعجزة؟! من يفتح القمقم ليخرج الينا مارد الحلول المؤجلة؟ ومتى؟!

=================

ما هو الموقف الأميركي من الثورة السورية؟

الأحد, 01 أبريل 2012

خالد الدخيل *

الحياة

ما إن بدأت الثورة السورية، حتى بادرت قيادة النظام إلى تأكيد أن سورية تتعرض لمؤامرة أميركية إسرائيلية، أضيفت إليها مؤامرة «المستعربين في الجامعة العربية»، ثم مؤامرة «الأعراب في مجلس التعاون الخليجي». وقد ظلت فكرة المؤامرة تسيطر على الخطاب الإعلامي السوري، ومعه أنصاره اللبنانيون، وخاصة الأمين العام ل «حزب الله» حسن نصرالله. في الواقع، ليس في الأمر من جديد، فقد كانت نظرية المؤامرة، ولا تزال، تحتل مكاناً مركزياً في الثقافة السياسية لمنطقة الشام، وذلك نتيجة للتجربة المريرة لهذه المنطقة مع الاستعمار. خرج الاستعمار من المنطقة، لكن هذه المنطقة لم تخرج من مدار تأثيره الثقافي، وكانت القيادات السياسية، ولا تزال، هي المستفيد الأول والأخير من استمرار التلويح بهذه النظرية، بمناسبة ومن دونها. اللافت أن النظام السوري كان يخالف نظريته هذه باستمرار: يقول بالمؤامرة وفي الوقت نفسه يلتزم بمَطالبها، أي باستعداده لتطبيق الإصلاحات المطلوبة. ثم جاء الموقف الأميركي، وبعده الإسرائيلي ليكشفا ما كان معروفاً، وهو أنه ليس هناك مؤامرة. تستطيع واشنطن تحمُّل مَشاهد القتل اليومي في المدن السورية، لكنها لا تتحمل تكاليف تدخل عسكري لوقف هذا القتل. إسرائيل مشغولة بالملف النووي الإيراني أكثر من انشعالها بالثورة السورية. ماذا نستنتج من ذلك؟ أن الهدف السمين للأميركيين والإسرائيليين هو في طهران وليس دمشق، وأن ما يقوله النظام عن نفسه بأنه «المقاوم الممانع» لا يزعجهم كثيراً. المؤامرة الوحيدة أن الشعب طفح كيله من استبداد النظام، وفساده، وسياساته القمعية، ويريد استبداله. ووفق المنطق العادي، مَطالب الشعب حق طبيعي له، فالشعب هو العنصر الأول والمركزي للدولة. الرئيس بشار نفسه قال إنه لم يأتِ الى الحكم إلا بموافقة الشعب، ولن يبقى من دون موافقته. لكن، بموازاة ما كان يقوله الرئيس لمجلس الشعب، كانت قوات النظام تواصل انتشارها في المدن والقرى لقمع مطالب الشعب.

من بين «الجمهوريات» العربية التي واجهت ثورة شعبية، كان النظام السوري هو الوحيد، إلى جانب نظام العقيد معمر القذافي، الذي فقد بسرعة لافتة شرعيته المحلية وغطاءه الإقليمي والدولي. صحيح أن روسيا لم تتخلَّ عن النظام السوري، وإلى حد ما اتخذت الصين الموقف ذاته في مجلس الأمن، لكن الموقف الروسي ليس موقفاً نهائياً، لأنه نابع ليس عن التزام أيديولوجي بالنظام، أو عن تحالف سياسي يرتكز إلى أهداف مشتركة، بل هو محاولة لاستخدام الثورة السورية كبوابة لاستعادة مكانة موسكو في النظام الدولي من خلال المحافظة على ما تبقى لها من دور في الشرق الأوسط. وبهذا المعنى، لا يختلف موقف موسكو من النظام السوري كثيراً عن موقفها من النظام الليبي، لكن روسيا شعرت بأنها خدعت في الحالة الليبية، ولا تريد تكرار ذلك في الحالة السورية. من ناحية ثانية، تخشى روسيا من أن يؤدي سقوط النظام السوري إلى انتقال عدوى الربيع العربي إلى إيران، ومنها إلى جمهوريات الاتحاد السوفياتي المجاورة لها، بالإضافة إلى أن القيادة في موسكو تعتقد، كما يبدو، أن سقوط النظام السوري سوف يكمل الطوق الغربي حولها، وهو الطوق الذي أقامته الولايات المتحدة سياسيا بقبول حلفاء موسكو السابقين في حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، وعسكرياً بنصب منظومة صواريخ في أوروبا الشرقية وتركيا. وما يؤكد طبيعة الموقف الروسي من سورية هو التفهم الواضح للرؤية الروسية من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، خاصة الكبيرة منها: بريطانيا وفرنسا وألمانيا، ولذلك بدل أن تدخل واشنطن في صدام مع موسكو حول الملف السوري، اختارت أن تتفاهم معها حول المشتركات الموجودة بينهما حول الموضوع السوري، في هذه اللحظة على الأقل.

ما هو الموقف الأميركي من الثورة السورية في هذه الحالة؟ يبدو أن موقف إدارة باراك أوباما ليس واضحاً تماماً. في الأيام الأولى للثورة السورية حدّد أوباما موقفه من الثورة بقوله «على الرئيس الأسد أن يقود التحول الديموقراطي أو أن يتنحى جانباً». طبعاً لم يقد الرئيس التحول الديموقراطي ولم يتنحَّ جانباً. هل تغير الموقف الأميركي؟ أبداً، لا زالت إدارة أوباما تتمسك بمطلب تنحي الأسد، وكان آخر تعبير عن ذلك عندما وافق الأسد على خطة أنان، عندها علقت المتحدثة باسم البيت الأبيض بأن ذلك لا يغير في الموقف من الرئيس السوري ومطالبته بالتنحي. تعرف الإدارة أن بشار لن يتنحى طوعاً، وتعرف أن الحملة الأمنية لنظامه مستمرة، وضحاياها يسقطون يومياً.

على ماذا تفاهمت واشنطن اذن مع موسكو؟ تفاهمت على خطة أنان بنقاطها الست. ويبدو أن من بين أهداف زيارة هيلاري كلينتون للرياض اول امس الجمعة إقناع السعودية أيضاً بالانضمام إلى هذا التفاهم. لكن هناك ما يشبه الإجماع بأن الفشل هو المآل الأخير لخطة أنان، وذلك لأن النظام السوري غير قابل للإصلاح، وأن السر الوحيد لبقائه الآن هو القوة العارية تماماً، مدعوماً بإيران عسكرياً ومالياً، وب «حزب الله» اللبناني، وبالتالي فإن سقوط النظام السوري في هذه الحالة، كما صار معروفاً، يعني سقوط هذا الحلف الثلاثي في المنطقة إلى الأبد تقريباً، وهذا فحوى ما يقال عن تعقيد الحالة السورية مقارنة بالحالة الليبية. موسكو تعتبر الموقف بحالته هذه ورقة سياسية رابحة. هي تغامر هنا، لأنها تقف مع النظام ضد الشعب، وتعتقد بأن الثورة في الظروف السائدة إقليمياً ودولياً لا تستطيع تحمل المزيد من الضحايا إلى ما لا نهاية، ومن ثم سوف يتمكن النظام في الأخير من إخماد الثورة. لكن موسكو لم تأخذ في الاعتبار الافتراض المعاكس، وهو أن النظام السياسي لا يستطيع أن يحافظ على بقائه استناداً إلى طرف واحد من المعادلة: القوة العسكرية، فسقوط آلاف القتلى وعشرات الآلاف من المصابين، ومثلهم من المفقودين والمعتقلين، يعني انقطاع خطوط الرجعة بين الشعب والنظام، ويعزز السبب الأساسي الذي من أجله قامت الثورة، وهو أن النظام فاسد ودموي وظالم. ومن ثم، فإن انكسار الثورة سوف يعزز من هذه الطبيعة المتوحشة للنظام، ومن فرضيته بأن القوة والبطش هما السبيل الأنجع، إن لم يكن الوحيد، للبقاء في الحكم والاحتفاظ به رغماً عن الجميع.

ماذا عن واشنطن؟ ترى إدارة أوباما، كما يبدو من مواقفها ومن التصريحات التي تخرج من أقطابها، أن الخيار العسكري في سورية مكلف سياسياً ومالياً، ولذلك فهو خيار غير عملي في هذه اللحظة: فسياسياً، لا يمكن الإدارة التي سحبت قواتها من العراق وتستعد لسحبها من أفغانستان، أن ترسلها إلى سورية، خاصة مع بداية موسم الانتخابات الرئاسية. ثم هناك العامل الإسرائيلي، فلا واشنطن ولا تل أبيب تريد أن تنشأ حالة عراقية على حدود الدولة العبرية. تعاملت إسرائيل مع النظام السوري الحالي لأكثر من أربعين سنة، وعرفت عن كثب أنه رغم كل الظروف والتحديات والاستفزازات، أثبت التزامه بسياسة التهدئة على جبهتها الشرقية، وضمت الجولان فلم يفعل شيئاً، وحلق طيرانها على القصر الصيفي للأسد في اللاذقية فلم تتحرك الدفاعات الجوية السورية، وقصفت موقع الجبهة الشعبية-القيادة العامة على الحدود مع لبنان فبقي النظام السوري ملتزماً بهدوئه، وأشعلت حرباً مدمرة على لبنان في 2006 فاختار النظام عدم الانجرار إليها، واخترق طيرانها المجال الجوي السوري وذهب إلى دير الزور، إلى عمق أكثر من 1500 كلم داخل سورية، ودمر ما قيل إنه موقع نووي، وأيضاً لم تتحرك دفاعات النظام الجوية. ماذا يعني ذلك؟ يعني أن فلسفة النظام هي أنه إذا لم يتعرض بقاؤه للخطر، فإنه مستعد لاستيعاب كل شيء تقريباً. الحملة الأمنية الشرسة للنظام ضد الشعب تؤكد هذه الفلسفة. ثورة الشعب تستهدف بقاء النظام، ولذلك تحركت قواته بكل شراسة ضد هذا الشعب. إذا كان الأمر كذلك، تقول واشنطن، لماذا التدخل؟ النظام معزول شعبياً وإقليمياً ودولياً، ويواجه ثورة لا يبدو أنها ستتوقف، نتركه لمصيره يستنزف نفسه من الداخل، يتحمل هو نهايته، ويتحمل هو وحلفاؤه تكاليف هذا المصير. كل ما علينا فعله هو تشديد الحصار الاقتصادي، وتشديد عزلة النظام السياسية، ودعم المعارضة، وتشجيع عوامل استمرار الثورة، ولننتظر ما سيحصل. هدف الصراع على سورية لم يكن يوماً سورية نفسها، هدف الصراع الآن هو إيران وبرنامجها النووي. قد تأتي لحظة تفرض الخيار العسكري مع إيران، عندها إما أن النظام يكون قد واجه مصيره المحتوم، أو أنه سيكون من الضعف بما لا يسمح له بإشعال منطقة الشام كخط دفاع عن طهران. هذه ليست سياسة الاحتواء المزدوج، وإنما سياسة الحصار، والاستنزاف المزدوج.

* كاتب وأكاديمي سعودي

=================

مؤتمر أصدقاء سوريا بلا أكاذيب

طارق الحميد

الشرق الاوسط

1-4-2012

أهمية مؤتمر أصدقاء سوريا المنعقد اليوم باسطنبول تكمن في أنه يأتي بمرحلة سقطت فيها جل الأكاذيب والأوهام التي تم ترويجها حول الثورة السورية، إما دفاعا عن الطاغية الأسد لتمكينه من شراء الوقت، وإما أنها أكاذيب جاءت بسبب عدم تصديق أن الثورة السورية حقيقية، أو عن جهل بسوريا.

فكذبة تشرذم المعارضة سقطت، والحقيقة أنه لو كانت المعارضة موحدة من البدء لكان الأمر أدعى للريبة، فكيف تكون المعارضة موحدة وهي نتاج أسوأ نظام عربي قمعي؟ فمن زار سوريا، أو يعرفها، يعي تماما ما الذي فعله النظام الأسدي، الأب والابن، بالسوريين طوال عقود من الزمان. كما سقطت كذبة توغل «القاعدة» في سوريا، مثل الأكاذيب الأخرى عن الإرهابيين والسلفيين وغيرهما، مثلما سقطت تماما كذبة الإصلاح التي روجها نظام الطاغية، وسقطت كذبة الحرب الأهلية، وعلى مدار عام كامل من عمر الثورة، وسقطت كذبة طائفية الثورة السورية أيضا؛ حيث الثابت والواضح أن النظام الأسدي هو من سعى إلى تكريسها لتبرير جرائمه، وإخافة الأقليات السورية. وعلى عكس ما كان يقال، تحركت دمشق وحلب، وقُمعتا بسلاح الطاغية. وسقطت أيضا كذبة الحل الأمني، وإن روج لها الشبيحة، ومنهم حسن نصر الله.

والكذب لا يتوقف عند هذا الحد، فقد سقطت كذبة التشكيك في الجيش الحر، وحجم الانشقاقات بالقوات الأسدية، فها هي الانشقاقات متوالية، وبأعلى الرتب، ويوميا. بل ها هو رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركي الجنرال ديمبسي يقول إن المعارضة السورية بدأت بالتوحد، واتخاذ خطوات من شأنها دفع المجتمع الدولي لدعمها، حتى بالسلاح، وهو عكس ما قيل سابقا. كما سقطت أيضا كذبة الحل العربي، فرغم كل الجهود والقرارات العربية لم يتحقق شيء ملموس بسوريا، كما سقطت أيضا كذبة القول – غربيا - بأنه لا بد من غطاء عربي، فرغم كل ما فعله العرب فإن الغرب، وتحديدا أميركا، ما زالوا يستخدمون تبريرات واهية، ومنها جملة الأكاذيب التي سقطت، ونرصد بعضها هنا. وبالطبع سقطت كذبة قبول الأسد بمبادرة كوفي أنان التي حظيت بدعم عربي ودولي، وحتى من قبل أبرز المروجين للأكاذيب الأسدية مثل الروس، مما يعني أنه لا أمل بحل دبلوماسي للأزمة السورية، وعلى غرار ما جرى في اليمن.

ومن هنا يتضح أن مؤتمر إسطنبول يأتي بعد أن استنفد النظام الأسدي الأكاذيب والحيل، من أجل شراء الوقت، وبات هذا الأمر مفضوحا للجميع، وعليه فإن ميزة ومأزق مؤتمر إسطنبول أنه ليس أمامه أي مجال لمنح طاغية دمشق مزيدا من الوقت والفرص، خصوصا أن عدد القتلى بسوريا قد قارب العشرة آلاف، وهناك مليون سوري بحاجة لمساعدات إنسانية عاجلة، وقرابة السبعة عشر ألف لاجئ سوري إلى تركيا، ناهيك عن أضعافهم في لبنان والأردن. وعليه فإن الوقت الآن هو وقت فرض المناطق العازلة، وتوفير السلاح للجيش السوري الحر، وعدا عن ذلك فإنه يعد فرصة جديدة لطاغية دمشق من أجل قتل مزيد من السوريين الأبرياء.

وهذا ما يجب استيعابه في مؤتمر اسطنبول اليوم.

=================

هل حقا ماتت الثورة السورية؟

عبد الرحمن الراشد

الشرق الاوسط

1-4-2012

إن «معركة إسقاط الدولة في سوريا انتهت بلا رجعة»، كان هذا بيانا مدروسا صدر عن حكومة الرئيس بشار الأسد، أعلنه، أمس، الناطق باسم وزارة الخارجية السورية، جهاد مقدسي، ليسبق به مؤتمر إسطنبول الذي ينعقد اليوم تحت شعار «أصدقاء سوريا»، والذي يمثل أكبر تجمع دبلوماسي لمواجهة النظام، وتشارك فيه أكثر من 70 دولة. وما قاله مقدسي يعززه تقرير نشرته صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية التي نقلت عن نشطاء الثورة السورية التقتهم في تركيا قولهم إنهم «فقدوا الأمل في إسقاط بشار الأسد»!

فهل الأسد باستعجاله إعلان الانتصار يناور لإضعاف التجمع الدولي في إسطنبول وإفشاله، حيث سبق أن أعلن، قبل أسبوع، عن قبوله بالنقاط الست التي تضمنتها مبادرة المبعوث الدولي، كوفي أنان، لكنه لاحقا وضع شرطا يطالب بإيقاف تسليح المعارضة، طلب هلامي لم يثبت أنه حقيقي وموجود حتى يمكن إثبات وقفه. ولجأ لمثل هذه الحيلة الناطق مقدسي، أمس، الذي قال إنهم انتصروا لكن حتى يسحبوا آلياتهم العسكرية (على اعتبار أن المعركة انتهت)، فإن الأمر يستغرق بعض الوقت. مجرد تبديد للوقت لاستمرار القتل والتدمير والقضاء على الثورة، وقد بدأ هذه المماطلات لخدمة نظام بشار الأمين العام للجامعة العربية، نبيل العربي، بفكرة إرسال مراقبين عرب، ووسطاء عرب، ثم وسطاء دوليين، ولا نزال نتفرج على نفس اللعبة المستمرة كرخصة للقتل.

العالم كله يعلم أن المعركة غير متكافئة أبدا، ومع هذا يتحدث إما عن مسلحين أو الخوف من مسلحين في المستقبل، ولا أحد يتحدث عن أكثر من نصف مليون عسكري وأمني مسلحين يمارسون يوميا القتل والتدمير ضد بضع مئات، وربما بضعة آلاف على الأكثر، من المسلحين المستقلين أو المنخرطين تحت عنوان الجيش السوري الحر. عمليات السحق بشعة لا مثيل لها في حروب سابقة، مثلا في قرية دير سنبل، في ريف إدلب، دمرت قبل ثلاثة أيام قوات الأسد ثمانين من مباني القرية البالغ عددها مائتي منزل فقط، كما روت صحيفة «ديلي تلغراف»، ونحن نعرف أن الوضع مكرر في أنحاء البلاد. هذه هي صورة الثورة السورية طوال سنة من المواجهات اليومية؛ فريق مسلح، هو النظام، وفريق ثائر أعزل، هو الشعب السوري، وعالم يتفرج ويعلن خوفه من تسليح المعارضة.

من الطبيعي أن الثوار المرابطين على الحدود التركية - السورية يشعرون بالإحباط، وهم يخاطرون كل يوم بحياتهم عابرين الحدود، ناقلين المؤن واللاجئين والمنشقين والصحافيين. إنهم أمام حالة غير مألوفة؛ حصار مطبق على ثورتهم، تجاهر روسيا وإيران بمحاربتهم، ولا توجد قوى أخرى تعلن استعدادها للرد وتعديل كفة الميزان.

للأزمة السورية زوايا متعددة سأترك الحديث عنها لوقتها من حيث ميزان القوى الإقليمي إن نجح نظام بشار في قمع الثورة، لكن اليوم يعقد مؤتمر أصدقاء سوريا على مقربة من الحدود السورية، ونحن نعرف أنه لا توجد هناك مفاجآت بل بيانات تأييد شفهية واستنكار للمذابح التي يرتكبها النظام. الجديد في مؤتمر إسطنبول ويختلف عن مؤتمر تونس، تحت العنوان نفسه، أن الجماعات المعارضة السورية أعلنت رسميا التزامها بمبادئ الحكم التعددي والديمقراطي واحترام الحريات للأديان والطوائف، نفس المبادئ التي كانت الدول المختلفة تلح على إعلانها قبل تأييدها الثورة. لا أتصور أننا سنلمس خطوة موازية لدعم ثورة الشعب السوري.

الذي نريد أن نقوله للمجتمعين اليوم في إسطنبول، إن السوريين لن يقبلوا العيش تحت نظام أذلهم أربعين عاما، نظام قتل منهم في سنة آلافا من أبنائهم، وأخفى تحت الأقبية والسجون نحو مائتي ألف. ونقول للسبعين دولة الصديقة إنهم خذلوا شعبا بأكمله، حتى في تزويده بالمعونات الإنسانية، شعب بلا أدوية ولا فرق إنقاذ وأكل ولا مياه منذ أكثر من عام في مناطق قطعها النظام بأجهزة قمع شرسة. وكلنا في استغراب مما يفعلونه في إسطنبول، أو (عفوا) ما لا يفعلونه، حيال أكبر الكوارث الإنسانية والسياسية في المنطقة. إنهم يقتلون شعبا بصمتهم وتجاهلهم، ولهذا يحق لمقدسي أن يقول لهم ساخرا، قبل أن يجتمعوا، أمس، إن «معركة إسقاط الدولة في سوريا انتهت بلا رجعة».

=================

سوريو الشتات

فايز سارة

الشرق الاوسط

1-4-2012

تتفاوت تقديرات أعداد السوريين في الشتات. وأحد الأسباب يكمن في الخلط بين السوريين الذين ما زالوا يحملون جنسية بلدهم ويعيشون أو يقيمون في الخارج، وبين ذوي الأصول السورية ممن هاجروا إلى المغتربات، واستقروا فيها لسبب ما، ثم صاروا في عداد مواطنيها، وإن كان كثير منهم على ارتباط عاطفي أو مصلحي مع سوريته السابقة.

غير أنه وبغض النظر عن الفئة الأخيرة من السوريين في الشتات، فإن أعداد السوريين في الخارج تبدو كبيرة جدا، وحسب التقديرات فإن أعداهم تصل إلى نحو أربعة ملايين نسمة، وقد زادت أعدادهم خاصة في ضوء أحداث السنة الأخيرة التي شهدتها البلاد، والتي دفعت بمئات ألوف السوريين إلى الخارج، بينهم أكثر من مائة ألف تسربوا إلى دول الجوار المباشر.

وإذا كانت الأحداث بين أسباب تزايد أعداد السوريين في الشتات نتيجة خروجهم من بلدهم، فإن ثمة أسبابا أخرى متعددة ومتداخلة، شكلت دافعا لخروج السوريين إلى الشتات، والأهم فيها ثلاثة: أولها سياسي ناجم عن الظروف التي أحاطت بالبلاد في فترة ما بعد الاستقلال، والتي غلب عليها عدم الاستقرار وخاصة مع الانقلابات العسكرية، وما شهدته البلاد من أحداث دموية تكررت بمعدل مرة كل عشر سنوات منذ أن استولى البعث على السلطة في العام 1963، وبعضها استمر سنوات كما حدث في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات، وقد دفعت الأسباب السياسية حشودا من السوريين إلى الخارج فارين من عسف الأنظمة، وكثير منهم التحقت بهم عائلاتهم، وآخرين كانوا راغبين بالعيش في بيئة سياسية مناسبة، والبعض بفعل الخوف المعمم من احتمالات المستقبل، ووحدها سنوات الثمانينات دفعت بنحو ربع مليون سوري هاربين من عسف النظام.

والسبب الثاني سبب اقتصادي، تمثله ظروف حياة السوريين الناتجة عن الخيارات الاقتصادية، التي غلب عليها طابع الشعارات أكثر من الوقائع، والتي اتخذت طابعا تجريبيا لا مؤسساتيا، وقد خلفت كوارث كان بين تعبيراتها تردٍّ اقتصادي كبير في مختلف المجالات، وتضييع فرص النمو، إضافة إلى ما خلفته السياسات من فقر وبطالة وتضخم طحنت السوريين وما تزال، بل إن تلك السياسات أدت في بعض نتائجها إلى هروب الرساميل السورية مبكرا إلى الخارج، وأسست لنهج مراكمة رؤوس الأموال السورية في الخارج، حيث يوجد هناك اليوم ما بين 120 و180 مليار دولار، وهذه الأسباب الاقتصادية ونتائجها حولت سوريا إلى قوة طاردة لمواطنيها بحثا عن فرص عمل هربا من الحاجة، أو طموحا إلى حياة أخرى تليق بتطلعات الناس، وكان من نتائج ذلك وجود عشرات آلاف السوريين في أغلب بلدان الخليج العربية، بينهم كثير من العاملين والمقيمين، وبعضهم من الباحثين عن فرص استثمار خارج السياق القائم في سوريا.

والسبب الثالث لحالة الشتات السوري يكمن في أسباب حضارية وثقافية، ناتجة عن سياسات الانغلاق الفكري والثقافي التي اتبعت بصورة متواصلة منذ استيلاء البعث على السلطة، حيث جرى تعميم ثقافات تعبوية في مختلف نواحي الحياة، وتم تطبيق نظام عسكرة الحياة وضبطها على نحو ما كانت عليه منظمات الفتوة في الفترة الأولى، ثم في تجربة الجيش الشعبي، وتاليا في التدريب الجامعي، وما بينها، مختلف القطاعات والمجالات، وتم إحكام القبضة الأمنية على الحياة العامة، وكلها غيرت الطابع العام للحياة السورية في جوانبها الحضارية الثقافية والتعليمية، ودفعت كثيرين للهجرة إلى الخارج، وبينهم كادرات نخبوية وطلبة دراسات عليا وتخصصية، وكثير ممن ذهبوا في هذا الاتجاه لم يعودوا، وأرقام هؤلاء ليست بسيطة. ففي ألمانيا وحدها هناك عشرات آلاف أطباء الأسنان السوريين، وفي الولايات المتحدة أكثر من ذلك بكثير.

وزادت أحداث العام الأخير من أعداد الشتات السوري، ليس فقط بسبب العوامل السابقة، إنما بسبب تدهور الأوضاع الأمنية نتيجة السياسات والممارسات الأمنية العسكرية، التي جرى تطبيقها في إطار حل الأزمة القائمة بدل الذهاب إلى معالجات سياسية، وعلى الرغم من أن أرقام اللاجئين السوريين إلى بلدان الجوار تحت تأثير العمليات الأمنية والعسكرية، تشير إلى عشرات الآلاف ممن ذهبوا إلى تركيا ولبنان والأردن، وأغلبهم مسجلون باعتبارهم لاجئين، فإن تقديرات المغادرين إلى الخارج بصفة مؤقتة أو دائمة تزيد على ذلك بكثير، لكن لا تتوفر أرقام رسمية عن هؤلاء.

وأضافت حركة النزوح الأخيرة إلى واقع الشتات السوري ملامح جديدة، كان أبرزها حدوث تغييرات جوهرية في حياة ومواقف الجاليات السورية، بأن أعادت ترتيب علاقاتهم ببلدهم ومواطنيهم، وأخذت تتكرس ملامح جديدة للجاليات وخاصة في الأوساط الشبابية، كان من نتائجها إعادة إدماجهم مع الشأن العام، والتفاعل مع ما تشهده البلاد من أحداث، اتخذ فيها البعض مواقف مؤيدة للنظام، فيما اتخذ آخرون مواقف المعارضة، وتفاعلوا بصورة إيجابية مع حركتي الاحتجاج والتظاهر، فنظموا مظاهرات، إضافة إلى حملات الإعلام والإغاثة المالية والطبية المتواصلة لدعم ضحايا الحل الأمني العسكري، غير أن الإضافة الأهم التي ظهرت في دور الشتات، هي تحوله إلى حاضن رئيسي للمعارضة السورية بمختلف تعبيراتها، ولا سيما المجلس الوطني السوري.

لقد تغيرت على نحو واضح ملامح الشتات السوري اليوم. وبعد أن كان الأبعد عن الهموم العامة للداخل السوري، صار الأقرب إليه، وبدل ما كان عليه الحال في تركيز الجاليات على المنافع الفردية لنخبتها خاصة، صارت أغلبية الجاليات تبحث عن المنفعة العامة لأكثرية السوريين، ومن أجل تخفيف معاناتهم والتفاعل الإيجابي مع مساعيهم من أجل التغيير والانتقال بسوريا إلى بلد حر ومعاصر.

=================

سياسات لضبط السلاح!

ميشيل كيلو

الشرق الاوسط

1-4-2012

مع استمرار وتصاعد الحلول الأمنية التي يعتمدها النظام لقهر شعب سوريا المظلوم، الذي يطالب بحريته وحقوقه، ومع بروز دور الجيش السوري الحر كطرف رئيسي في المعارضة المسلحة، واتساع معارك جيش النظام الرسمي ضده، ومعاركه هو ضد هذا الجيش، ومع انتشار السلاح وما يؤدي إليه من عسكرة حراك شعبي بدأ واستمر مدنيا وسلميا لفترة طويلة، وبعد ظهور عناصر مسلحة غامضة الهوية والدور يظن أنها متطرفة وأصولية ولا يعرف أحد لمن تعمل أو من تخدم، وبعد التداخل بين هذه الأطراف وما يمكن أن يترتب عليه من نتائج غير محسوبة أو مسيطر عليها، صار من الضروري أن ترسم حاضنة سياسية للعمل المسلح، كي لا ينفلت من أي ضوابط، ويخرج عن الأهداف والقيم الحاكمة للحراك الشعبي والمجتمعي، التي يؤدي تجاهلها إلى إلحاق ضرر بالشعب وقضيته يفوق كل ما يمكن أن يسديه السلاح له من خدمات.

لم يكن السلاح رهان الانتفاضة الشعبية السورية عند انطلاقتها، بل كانت السلمية هي رهانها، وقد صدحت بالكلمات والشعارات السلمية حناجر عشرات ملايين السوريين طيلة معظم أشهر الانتفاضة الأولى، رغم ما واجه المتظاهرين من إطلاق نار مستمر وأعمى، وما نجم عن العنف الرسمي من قتلى وجرحى ومقعدين تزايدت أعدادهم بلا انقطاع، بينما تعرض الأحياء من المواطنين لعمليات تنكيل لا حدود لفظاعتها، وخضعت ممتلكاتهم لعمليات تدمير منهجي استهدف القضاء على موارد عيشهم ومصادر رزقهم. كانت السلمية صنو الحرية وقرينها، وكان السلاح منبوذا ومستبعدا من الفعل النضالي الشعبي الواسع والمتشعب، بينما كان ضغط النظام على المتظاهرين يرمي إلى تحقيق الهدفين الرئيسين التاليين:

- فك تحالف المجتمع الأهلي مع المجتمع المدني، على أمل أن يفضي ذلك إلى جنوح الأخير، الذي هو حامل الحراك والتمرد الشعبي الحقيقي، نحو التطرف المذهبي والصراع الطائفي.

- دفع المجتمع الأهلي إلى التسلح وممارسة عنف مضاد لعنف السلطة، تهميشا لدور كتل المواطنين الرئيسية، وخاصة منها أولئك الذين ينتمون إلى المجتمع المدني وقيمه.

وقد صمد أبناء الشعب طيلة أشهر الانتفاضة الستة الأولى لضغوط العنف الرسمي، وامتنعوا عن الانسياق وراء هاتين النزعتين القاتلتين. لكن استمرار وتصعيد الأعمال الأمنية وما رافقها من فظاعات تقشعر لهولها الأبدان، ألجآ أعدادا متزايدة من هؤلاء إلى التسلح دفاعا عن أنفسهم وممتلكاتهم. ومن الثابت أن أول ظهور للسلاح في حمص كان في الشهر الرابع من التظاهر، وأنه عبر عن نفسه من خلال مسدسين رفعهما متظاهران وسط حشد هائل ضم مئات آلاف المواطنين.

غير أن السلطة كانت تزيد في هذه الأثناء عملياتها المسلحة وتحولها من حل أمني إلى حل عسكري إلى حل منفلت من أي عقال، نشر أمنها وجيشها وفرق الموت غير الرسمية في كل مكان، كانت نتيجته طلبا متزايدا على السلاح، الفردي غالبا، المخصص للدفاع عن النفس والأهل، وبما لا يتضمن عمليات تتجاوز النطاق الشخصي والمحلي الخاص. حين بدأت عمليات الانشقاق عن الجيش وتصاعدت، وأعلن عن تشكيل «الجيش السوري الحر»، ألزم هذا نفسه بأمرين:

- عدم القيام بعمليات تتخطى الدفاع عن المواطنين وحمايتهم.

- عدم مهاجمة الجيش الرسمي، لخطورة ذلك على السلم الأهلي وتجنب الوقوع في فخ النظام، الذي خطط لاقتتال أهلي وعسكري يحرف الانتفاضة عن أهدافها ويقلص قاعدتها الشعبية ويثير السوريين بعضهم ضد بعضهم الآخر.

واليوم، وقد صار هذا كله وراءنا، بعد أن قوض العنف الرسمي الكثير من طابع الحراك السلمي، وأعادت السلطة احتلال مدن وقرى سوريا كي تمنع الشعب من التظاهر، تمس الحاجة إلى أسس يعتمدها حملة السلاح من أبناء الشعب، أهمها:

- خضوع العمل المسلح للعمل السياسي وليس العكس، وخضوع المعارضة المسلحة للمعارضة السياسية ولخطها العام، وعدم الانجرار إلى العسكرة، التي تعني رؤية الانتفاضة الشعبية من خلال فوهة البندقية وإخضاعها لها ووضع كل الجهود في خدمتها. لتوفر هذا الشرط الرئيسي لوحدة الكفاح الشعبي السلمي والمسلح، الجماهيري العام والعسكري التخصصي، لا بد من بلورة رؤية سياسية واضحة يتوفر لها إجماع وطني لا شك فيه ولا خلاف عليه، من واجب المعارضة إنجازها إن كانت تريد حقا قيادة معركة متشعبة معقدة تجمع الحراك السلمي الشعبي إلى المقاومة المسلحة المنظمة.

- امتناع السلاح القطعي عن خوض أي معارك طائفية، وعن الانخراط في أي عمليات صغيرة أو كبيرة تقوم على أو تؤدي إلى التمييز بين المواطنين، وامتناعه عن تقليد النظام، سواء من حيث طلب العنف لذاته، أو لترويع المواطنين ودفعهم إلى مغادرة بيوتهم أو أماكن عيشهم، أو انتزاع ممتلكاتهم، أو الاعتداء عليهم بسبب انتماءاتهم ومعتقداتهم، والالتزام المطلق بسلوك لا محيد عنه يرتكز على احترام حياتهم، واعتبارهم أصحاب حقوق مقدسة لا يجوز انتهاكها، أهمها قاطبة حقهم في الحياة والأمن والكرامة والحرية والاختلاف.

- صيانة وحدة الدولة والمجتمع والامتناع عن أي فعل يناهضها أو يمس بها تحت أي ظرف ولأي سبب. هنا، لا بد من التمييز بين مؤسسات تابعة للدولة لا يجوز أن تمس، ومؤسسات تابعة للسلطة، وخاصة تلك القمعية منها، ولا بد من رفض التفريق أو التمييز بين بنات وأبناء المجتمع في كل ما يتعلق بحرياتهم وعقائدهم وانتماءاتهم وحقوقهم، بمن في ذلك العاملون منهم في النظام، الذين يجب احترام حياتهم وكرامتهم الإنسانية وحقوقهم، إن هم وقعوا في الأسر أو بعد سقوط النظام. لن تنتصر انتفاضة الشعب إن وقع تمييز طائفي أو إثني بين المواطنين، أو تم النظر إلى من ليس من الثوار باعتباره عدوا يجب القضاء عليه أو إخراجه من المعركة، أو رأى حملة السلاح في أملاك الشعب رزقا مباحا لهم، أو اعتبروا القمع والعنف سبيلهم إلى كسب القبول والولاء.

- الحرص على اتباع مدونة أخلاقية رفيعة القيم نزيهة الممارسات، فلا اختطاف ولا اغتصاب ولا قتل عشوائي ولا اعتداء على كرامات وممتلكات الناس، ولا عداوة مسبقة أو بالجملة لأي جهة، ولا احتماء بالعزل، ولا معارك لا تنضوي في سياق سياسي وطني، ولا تسيب بل انضباط صارم يقوم على إطاعة الأعلى رتبة وتنفيذ أوامره، واحترام كرامة وحياة الأدنى رتبة، والتفاني والشجاعة والزهد، والإيمان بأن المقاتل مواطن يلبس بزة عسكرية وليس كائنا أسمى أو مختلفا عن غيره، وأن وضعه وقتي وعابر، وأن المواطنة نفسها تلزمه باحترام معايير السلوك العسكري، التي لا بد من أن تكون وطنية وإنسانية في كل ما يتعلق بتطبيقها ومقاصدها.

- الإيمان بأن الحرية أقوى سلاح يمتلكه الإنسان في قتاله ضد الطغيان والاستبداد، وأنها أمضى ما لدى المحروم والمظلوم في مواجهة الفاجر والظالم، لأنها قيمة عليا جامعة يجب أن يلتف أبناء الشعب جميعهم حولها، وعلى رأسهم المقاتلون منهم، كي لا يخونوا أمانة النضال ويمتنعوا عن التخلي عن سلاحهم بعد نهاية المعركة وسقوط النظام.

ليس السلاح بغية الشعب أو مطلبه. إنه من الخيارات التي أجبره النظام على اللجوء إليها دفاعا عن نفسه، فلا يجوز أن يستعمل لغير الدفاع والردع، ويستخدم حيث توجد وسائل وأدوات أخرى تؤدي وظائفه. ومن غير الجائز أن يستهدف إلغاء النزعة السلمية لدى المتظاهرين أو أن يحل محلها، أو أن يخرج عن إطار الحرية: الهدف المجتمعي والوطني الجامع.

بالتزام هذه الأسس وما يشابهها، لن يوقع السلاح أي قدر من الضرر بالحراك، وسيكون بردا وسلاما على المواطنين، الذين يكويهم ويشويهم بسلاح اشتراه الشعب ليحميه، لكن النظام سخره لنشر الموت والرعب في كل مكان من أرض وطنه.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ