ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 22/03/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

الثورة السورية ... تختنق

زين الشامي

الرأي العام

21-3-2012

في الخامس عشر من آذار الماضي كانت الذكرى السنوية الاولى للثورة السورية، ففي ذلك اليوم من عام 2011 خرج المئات من الشبان والشابات في سوق الحميدية وسط العاصمة دمشق وتظاهروا هاتفين للحرية والكرامة، حينها أيقن الكثيرون ان رياح التغيير وموجة الربيع العربي قد وصلت سورية، رغم أن الكثير من المراقبين توقعوا ألا يحدث شيء في هذا البلد نظرا لقوة النظام وبطشه، أو ربما لاختلاف سياساته الداخلية والاقليمية والعربية والدولية عن بقية الانظمة التي تهاوت قبله في تونس ومصر.

لكن ما حصل قد حصل، وها هي الثورة السورية تقطع عامها الاول وتدخل مسارات ومنعطفات ومدة زمنية واعداد ضحايا- مرشح للزيادة- لم يكن ليتوقعها احد من قبل.

هذا ان دل على شيء فإنما يدل على صعوبة الحالة السورية عن غيرها، ويبرهن اختلاف النظام السوري عن غيره من الانظمة التي سقطت وتهاوت او تركت السلطة منحنية امام موجة التغيير التي هبت على العالم العربي.

ورغم انها كانت الثورة «الأكثر ادهاشا» على حد تعبير احد الكتاب والمثقفين السوريين لأن السوريين تحدوا «المستحيل»، فإن ذلك لا يعفي من نقد بعض مسارات الثورة والاتجاهات التي مضت اليها لأسباب منها ما هو يتعلق بالنظام السوري، ومنها يخص المعارضة السورية نفسها، واخرى تخص طريقة تعاطي المجتمعين الاقليمي والدولي مع ما يحصل في سورية.

نحن نعرف والعالم كله رأى كيف ان النظام السوري، ونتيجة لاتباعه خيار القمع الوحشي ضد المنتفضين، هو من اجبر المححتجين الى اللجوء الى خيار الدفاع عن النفس وبالتالي التفكير بحمل السلاح لمقاومة عناصر الجيش السوري والقوات الامنية، وبالتالي تراجع الخيار السلمي و اللجوء الى السلاح. فالنظام السوري ومنذ بداية احداث درعا، اقحم الجيش وارسل الدبابات لمحاصرة القرى والبلدات وقتل المتظاهرين وعاث فسادا في قلب مدينة درعا وجامعها «العمري» وارتكب مجازر بحق العديد من العائلات هناك، ما اضطر الالاف من اهل «حوران» الى الهروب نحو الاردن خوفا من بطش النظام والموت.

لقد اثبت الاحداث اللاحقة، مع كل أسف وحزن، ان «غياث مطر» الناشط الذي عرف بتقديمه الورود وزجاجات المياه للجنود السوريين خلال محاصرتهم بلدته «داريا» قرب دمشق، كان شابا رومانسيا وحالما ولا يعرف شيئا عن حقيقة النظام وحقيقة الجنود والضباط الذين كان يتعامل معهم، فهذا الشاب نفسه، قتل بعد ايام قليلة على اعتقاله تحت التعذيب، كما قتل الآخرون من الشبان امثاله الحالمين بثورة نظيفة وسلمية.

اسلوب النظام في درعا وداريا تكرر لاحقا في بانياس وقرية «البيضة» واللاذقية ودوما وحرستا والقابون وداريا وتلبيسة والقصير وكل احياء حمص ودير الزور وحماه وادلب وجسر الشغور ورنكوس وغالبية المناطق المشتعلة. فمدينة حماه على سبيل المثال التي خرج فيها مئات الالاف للتظاهر كل يوم جمعة حاملين الورود فقط، ووجهوا لاحقا بعملية اقتحام مروعة للجيش والقوات الامنية والشبيحة بددت كل اوهامهم عن «السلمية». خلال عملية الاقتحام تلك قتل المئات ودفن الحمويون قتلاهم و«الحالمين» منهم في حدائق البيوت، لأن الطريق الى المقابر كانت غير سالكة بسبب انتشار القناصة وآلة القتل «الأسدية» في كل مكان.

هذا كله نعرفه، نقصد، ان النظام تعامل بوحشية مريعة مع الشبان المنتفضين، لكن في الوقت نفسه ليس هو وحده الخطر الذي يمكن ان يهدد الثورة السورية بالاختناق او ربما التراجع والنكسة او الفشل.

احد اهم الاسباب التي أوصلت للمأزق الذي تعيشه الثورة السورية يتعلق بآلية تعاطي المجتمع الدولي مع ما يحدث، لقد رأينا نوعا من «العجز» وربما «التواطؤ» غير المعلن بين جميع القوى الكبرى على خنق هذه الثورة، فعلى سبيل المثال، و بعد مرور نحو خمسة أشهر على بداية حركة الاحتجاج ومقتل نحو ألفين من السوريين، اتت مطالبة الرئيس الاميركي باراك اوباما الرئيس السوري بالتنحي.

بدورها وقفت روسيا وايران بكل قواها الاقتصادية والعسكرية والاعلامية والديبلوماسية مع النظام السوري، فيما فضلت دول كبرى ومهمة ومؤثرة مثل البرازيل والهند وجنوب افريقيا تصديق رواية النظام السوري عن الاحداث التي تجري. على المستوى العربي كان مؤسفا ومريبا ان تختار دولا مثل العراق ولبنان والجزائر، وكل لأسبابه، الانحياز الضمني للنظام السوري والوقوف في صفه. بالتأكيد نحن نتحدث هنا عن المواقف الحكومية والرسمية وليس الشعبية لتلك الدول. أما تركيا فمثّلت الى اليوم «ظاهرة صوتية» على الصعيد السياسي والعملي اكثر من كونها دولة تقف مع الثوار وتدعمهم، واثبتت تطورات الاحداث ان لها الكثير من الحسابات الاقليمية والهواجس الداخلية، كما انها لن تستطيع ان تتخذ مواقف عملية لصالح المنتفضين اذا لم تحصل على تغطية كاملة من المجتمع الغربي والولايات المتحدة تحديدا.

بدروها أثبتت كل مجموعات المعارضة السورية انها «منخورة» من الداخل، ومعطوبة وعاجزة عن مجاراة ما يجري على الارض ومواكبته سياسيا وتنظيميا، لقد كشفت الاحداث عن حقيقة الخراب الذي يعم داخل كل مجموعات المعارضة السورية سواء منها من تتواجد في الداخل او الخارج. ففي حين كان المتظاهرون يسقطون في «بابا عمرو» وادلب، ودرعا وغيرها من المناطق، كان «نجوم» المعارضة على شاشات التلفزيونات وصفحات «الفيس بوك» ينهشون ببعضهم متناسين ان معركتهم الاساسية مع النظام السوري وليس مع بعضهم البعض..

فرض التسلم على المحتجين بسبب عنف النظام، وأداء المعارضة السورية، ثم الأداء الدولي وطريقة تعاطي الدول الكبرى البطيئة والباردة مع الثورة السورية، بطش النظام وازدياد اعداد الضحايا وتدهور الحالة المعيشية للمحتجين، كلها اسباب اساسية سيكون لها أكبر الاثر على استمرار وانتصار الثورة السورية. نقول ذلك رغم ايماننا العميق ان النظام السوري اضعف من ان يستمر او يحكم او ان يقبله السوريون في قادم الايام.

=================

المشوّق والمأسوي في الرسائل السورية...

خيرالله خيرالله

الرأي العام

21-3-2012

في كلّ يوم، تأتينا الصحف البريطانية بجديد عن الرسائل الالكترونية السورية، جديد يجمع بين الممتع والمفيد. انها قراءة مشوّقة في جانب منها ومأسوية في جانب آخر، تعطي فكرة عن عالم مختلف لا علاقة له بما يدور على الارض السورية. تعطي هذه القراءة فكرة عن المأساة التي يعيشها هذا البلد في غياب اي قدرة لدى الحاكم على التعاطي مع المشاكل الحقيقية التي يعاني منها الشعب.

ثمة امران يستوقفان المرء لدى التمعن في قراءة مجموعة من الرسائل الالكترونية المتبادلة بين الرئيس بشّار الاسد والمحيطين به او بزوجته. الامر الاوّل مرتبط بنوعية الاشخاص الذين يستمع الرئيس السوري الى نصائحهم، او على الاصحّ المسموح لهم بتقديم نصائح. اذا استثنينا احدهم، وهو مرتبط بالنظام الايراني و«حزب الله»، فان هذه النصائح تأتي، في معظم الحالات، من هواة، من النوع المزايد، لا همّ لهم سوى ارضاء الاسد الابن والتأكيد له انه يتعرّض لمؤامرة دولية واقليمية. انها علاقة قائمة مع شخص لا يتقبّل، لا هو ولا زوجته، اي نوع من النقد او الاخذ والرد...

ما يدلّ على ذلك بالملموس، انقطاع التواصل مع الشخص الوحيد، ربّما، الذي حاول اعادة زوجة الاسد الى ارض الواقع والتفكير في خيار انتقال العائلة الى الخارج بدل استمرار حمّام الدم.

امّا الأمر الآخر اللافت في الرسائل الالكترونية، فهو يتمثّل في عزلة العائلة الحاكمة واصرارها على العيش داخل عالم خاص بها لا علاقة له من قريب او بعيد بما يدور في البلد منذ ما يزيد على سنة.

ما لم يستوعبه القائمون على النظام يوما انهم في حاجة الى الاعتراف بأنّ كل شيء انتهى وان ما تشهده سورية منذ مارس 2011 ثورة شعبية بكلّ معنى الكلمة لا يمتلك النظام القدرة على الخروج منها ولا حتى الرغبة في ذلك. كلّ ما يستطيع بشّار الاسد عمله هو المساهمة في الاعداد لمرحلة انتقالية يترك خلالها السلطة وينصرف الى هواياته المفضلة بعيدا عن التنظير والكلام الذي لا معنى له عن «ممانعة» و«مقاومة» وما شابه ذلك من خزعبلات.

من هذا المنطلق، لا يمكن الاّ الموافقة على ما ورد في الخطاب الاخير للسيد حسن نصرالله الامين العام ل «حزب الله» في لبنان، وهو حزب تابع لايران كلّيا. قال نصرالله ان الحل في سورية لا يمكن الا ان يكون «سياسيا». نعم، ان الحلّ في سورية لا يمكن ان يكون عسكريا ولذلك يفترض في الامين العام للحزب اقناع الرئيس السوري بالامر اوّلا. ما يؤكد ان الحل العسكري ليس حلا ان القوات الموالية للنظام لم تستطع مع كلّ ما جندته من «شبيحة» وما تلقته من مساعدات ايرانية ودعم روسي من القضاء على الثورة السورية...

من حقّ الرئيس السوري السخرية من الاصلاحات. ومن حقّ زوجته الانصراف الى حياة البذخ. هذا حقّ طبيعي، خصوصا لدى توافر الامكانات المادية التي تسمح بذلك. ما ليس طبيعيا الا ينسحب الحبّ لمثل هذا النوع من الحياة على تصرّفات اخرى ذات علاقة بالسوريين ومستقبل سورية. بكلام اوضح، عندما يبدي شخص مثل بشّار الاسد تعلقه بثقافة الحياة، بما في ذلك نوع معيّن من الموسيقى، ليس مسموحا له ولا لغيره من افراد العائلة فرض ثقافة الموت والذلّ على السوريين. فالسوريون ليسوا بالغباء الذي يتصورّه وهم يمتلكون ما يكفي من المعرفة بما يسمح لهم بادراك ان ساعة التغيير دقّت.

بعد سنة من اندلاع الثورة في سورية، وهي امّ الثورات العربية، اظهر السوريون تعلّقهم بثقافة الحياة. اظهروا ان نصف قرن من حكم البعث، ثم حكم الطائفة الواحدة، ثم حكم العائلة الوحيدة الواحدة، لم يستطع تدجينهم. اثبتوا بكل بساطة ان الكذبة التي اسمها النظام السوري طالت اكثر مما يجب. ما هذا النظام الذي ينادي بالعلمانية في سورية ويدعم حزبا مذهبيا مسلّحا في لبنان، بل هو تحت رحمة هذا الحزب؟ ما هذا النظام الذي لم يعد يجد من يدعمه في لبنان سوى شبّيح من الدرجة العاشرة في مستوى النائب المسيحي ميشال عون او ميليشيا ايرانية معروف تماما لماذا هي موجودة على الارض اللبنانية؟

ما هذا النظام الذي يريد تحرير فلسطين من جنوب لبنان، فيما الجولان مغلق باحكام منذ العام 1974؟ ما هذا النظام الذي لم يستطع تحمّل رفيق الحريري؟ ما هذا النظام الذي لم يكن لديه ما يرد به على سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار امين الجميّل ووليد عيدو وانطوان غانم ووسام عيد والشهداء الاحياء مروان حماده والياس المرّ ومي شدياق، سوى اللجوء الى سياسة الغاء الآخر؟

لماذا لا ينقل القيمون على النظام السوري الى الشعب حبهم لثقافة الحياة والاشياء الحلوة وتعلّقهم بها ما دام لديهم كل هذا الحرص على الانفتاح على ما هو جميل وحضاري في العالم بدل الاصرار على اذلال السوريين والمتاجرة باللبنانيين والفلسطينيين وكلّ ما تقع اليد عليه؟ هل هو مرض الانفصام في الشخصية يعاني منه هؤلاء ومعهم النظام كلّه؟

تكمن عظمة الشعب السوري في انه قال لا للنظام. قال له خصوصا ان الثورة مستمرة بغض النظر عن خلافات المعارضين في الداخل والخارج. قال له بكلّ بساطة ان عليه ان يرحل اليوم قبل غد وان سورية ترفض البقاء في اسر الشعارات الفارغة والحرمان من الحرية من اجل ان يتمتع الحاكم بامر الله بالاشياء الجميلة في العالم.

يستطيع السوريون الاكتفاء موقتا بالحرية... في غياب قدرة نسائهم على اقتناء احذية كريستيان لوبوتان!

=================

سوريا.. ساحة حرب كونية!

يوسف الكويليت

الرياض

21-3-2012

 هل يدوّل الصراع في سوريا، بحيث تتسع اللعبة للعديد من الدول التي تريد إعادة سياسات الحرب الباردة القديمة، ولكن هذه المرة بالتضحية ببلد، لمصالح متصارعة؟

الحكم أصبح مرفوضاً من الأكثرية الساحقة، والثورة لن تقف على حدود الترويع بالقتل، لكن دخول عناصر في الصراع سوف يفرز قائمة جديدة لتفاعلات تخرج عن نطاق المحلية والعربية إلى الدولية..

فإذا أخذنا معيار أن إيران - ومنذ سنوات طويلة - تشترك مع النظام بالتسلح والتعاون الأمني والاستخباراتي، وترتيب الأهداف خارج مجرة البلدين، بحيث تم التنسيق بإدارة الأزمات في لبنان، والتحالف مع حماس، فإنه بالظرف الراهن جعل إيران تدفع بقواها المادية والعسكرية وأجهزة تقنياتها في خدمة النظام، لشعورها أن سقوطه يلغي جميع المشاريع والاستراتيجيات التي بنيت عليها أحلام السنوات الماضية بإعلان فتوحات جديدة بخلع أنظمة عربية وإسلامية لصالحهما..

روسيا تعترف أنها فقدت كل ما يربطها بعالم الاتحاد السوفيتي القديم بما في ذلك من تحالفوا معها في المنطقة أثناء الحرب الباردة ولم يبق لها إلا سوريا كدولة محورية في المنطقة تقع جنوب البحر المتوسط الرابط الأساسي لمعظم دول أوروبا، ثم إن سقوط هيبتها في هجوم الأطلسي على ليبيا وإسقاط النظام هناك رغم اعتراضها، فرض أن تكون سوريا مركز ثقلها في تنازع القوى، مدركة أن أمريكا التي تقود الحلف العسكري الأكبر في العالم، ليس لها رغبة أو لا تريد دخول مغامرة جديدة بعد احتلالها العراق وأفغانستان، ودافع آخر يمنعها التدخل بسوريا أزمتها المالية، وهو تقدير يوضع في الاحتمالات، لكن لماذا لا نقول إن أوروبا وأمريكا ودولاً عربية عديدة، تريد أن يكون دخول القوات الروسية، بما فيها السفن التي تحمل فصائل مكافحة الإرهاب، عملية استنزاف طويلة الأمد لها ولإيران، لأن كلفة حروب أهلية، لو وصلت سوريا لهذه الحالة، ستدخل أطرافاً عديدة، أسوة بما جرى في لبنان لتلعب أدواراً مضادة..

الاقتصاد السوري منهار، وإيران تواجه حصاراً حاداً اقتصادياً وسياسياً، وتبقى روسيا هي دافع التكاليف المادية والعسكرية، إذا ما أصبح تسليح المعارضة هدفاً تلتقي عليه الدول المناوئة لمن تتحالف مع نظام الأسد، وقد جرى مثل هذا السيناريو بين القوى العظمى في حربي فيتنام، وأفغانستان.

فالشرق رمى ثقله خلف الحرب الفيتنامية بشراكة سوفيتية - صينية، ونجح في هزيمة أمريكا، ثم كان احتلال السوفييت لأفغانستان لتتحالف قوى أمريكية وغربية مع إسلامية في حرب طويلة أدت إلى هزيمة الدولة العظمى والتسبب في تمزيقها، وسوريا قد تكون النموذج المصغر للحروب بالنيابة في خطط تلك الدول..

فرصيد روسيا عربياً وإسلامياً أصبح تحت الصفر، لأنها تقايض ذبح شعب للمحافظة على سلطته القاتلة، والمعسكر الغربي، يعرف أنها لا تستطيع تغيير المعادلات بأن تكون دولة عظمى حتى لو أبقت على أسنانها النووية، وإدارة اللعبة ستطول، لأن من دخل قلب المعركة مع الشعب السوري وأصبح يعلن عداوته له، يبرر تقاربه مع أعداء النظام والمؤيدين له، وبالتالي ستكون الرحلة الدموية طويلة، لكن حكم التاريخ يعطي الانتصار للشعوب على أي دكتاتوريات تحكمها..

=================

فظاعات الحرب الأهلية

تاريخ النشر: الأربعاء 21 مارس 2012

د.خالص جلبي

الاتحاد

سوريا مهددة بحرب أهلية طاحنة تحولها إلى بوسنة الشرق الأوسط، ما لم تحدث معجزة أو تتدخل قوى أجنبية لتجنيبها مصير رواندا، أو -وهو الأفضل- يتدخل عقلاء سوريا لتفادي هذا الاحتمال.

في رواندا مات في أسابيع من القتال بين قبائل التوتسي والهوتو 900 ألف إنسان، مات قسم منهم بالسلاح الأبيض والسواطير. وكان بإمكان الأمم المتحدة إنقاذ حياة مليون شخص لو بعثت بآلاف من رجال القبعات الزرق، كما اعترفت بذلك لاحقاً أولبرايت وكلينتون.

وفي الحرب الأهلية الأميركية رافقت زوجات الجنرالات الحملة وكأنها مباراة كرة قدم، وظنوا أنها مزحة لثلاثة أسابيع فقط، فدامت أربع سنوات عجاف، ومات 600 ألف في أقل التقديرات، وتهدم الجنوب الأميركي، ومازالت بصمات تلك الحرب الضروس باقية حتى اليوم.

وفي الصراع بين البلاشفة والمناشفة (الروس الحمر ضد الروس البيض) تحققت نبوءة راسبوتين بأن العائلة المالكة سوف تذبح وستهرب الطبقة الروسية الأرستقراطية، وهو ما حصل وغادر روسيا بغير عودة عشرون مليوناً من الروس البيض، أما عدد من مات جوعاً وبرداً فلا يضمهم كتاب ولا يحصيهم ملف. وربما مات عشرون مليوناً بتطبيقات لينين الصارمة للشيوعية حسب النظرية والكتب، قبل أن تتخلص روسيا من السرطان على يدي جورباتشوف ثم يلتسين.

وفي الحرب الأهلية الإسبانية جرب النازيون الصعق من الجو مما حرك مخيلة بيكاسو أن يرسم صورة كارثة جورنيكا التي لم يبق منها إلا الأنقاض! وفي حرب الثلاثين عاماً (1618 -1648) التي طحنت ألمانيا بين فكيها، مات ستة ملايين ونصف المليون من السكان البالغ عددهم عشرين مليوناً، وتدمرت ثمانون ألف قرية ومدينة، واحتاجت ألمانيا إلى ثمانين عاماً كي ترمم نفسها، وخرجت الكنيسة للمرة الأولى والأخيرة بفتوى جواز تعدد الزوجات بسبب هلاك النسل.

وفي لبنان رأينا كيف قتل الكل الكل في حملة انتحار جماعي، فخرج الجميع بنتيجة مخيبة للجميع، وما يمنع حرباً جديدة هو أن الذاكرة لا تزال طازجة.

جرب البشر الحروب بكل أنواعها المذهبية والقومية والعالمية، ليصلوا إلى النتيجة التي تقول إن الحرب إفلاس أخلاقي وجريمة وجنون وعاقبتها مدمرة للجميع. ولكن من ينتفع من مواعظ التاريخ؟

لقد ودّع الغرب الحرب غير متأسف عليها، فهي سابقاً كانت تأتي بغنائم وأرباح، أما اليوم فهي دمار متبادل. وصل الغرب إلى هذه الحقيقة حين امتلك سقف القوة متمثلاً بأسلحة الدمار الشامل، فعرف أن الحرب لم تعد مؤسسة رابحة وأنها مؤسسة مميتة، لكن لا حرج من بيع هذا العتاد المميت كما كان يفعل الإسبان مع حضارة الازتيك حين كانوا يدفنون الخيول خفية على أنها كائنات لا تموت!

إن البعض ممن بيدهم القرار ماضون في خطهم الحالي نحو الهاوية، ولذا فقد يندمون إن بقوا على قيد الحياة، وقد لا يندمون، ففرعون رأى انشقاق البحر فأمر الجنود بالمضي إلى قاعه، ويبدو أن صاحبنا ماض على ذات الطريق، "وما أمر فرعون برشيد يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود". "وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود".

=================

الأسد تحوّل إلى ميلوسيفيتش.. ولكن لماذا ميلوسيفيتش فقط؟!

محمد م. الأرناؤوط

المستقبل

21-3-2012

في الاسبوع الماضي، وبمناسبة تفاقم الاوضاع في سوريا، أشار وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو في مقابلة صحافية الى أن الرئيس السوري بشار الاسد فضّل أن يتحول الى ميلوسيفيتش بدلا من أن يكون غورباتشوف، وذلك في دلالة الى ما سببه ميلوسيفيتش من تدمير لبلاده (يوغسلافيا) نتيجة للحروب الداخلية والتدخل الخارجي في نهاية الامر الذي سبقه إعلانه مجرم حرب وتحويله أخيرا الى محكمة جرائم الحرب في لاهاي.

ولكن هل سلوبودان ميلوسيفيتش هو المسؤول الوحيد، مع انه توفي في زنزانته قبل إستكمال محاكمته وإصدار الحكم عليه، عما حدث في يوغسلافيا السابقة من مجازر ودمار حتى يذكر اسمه فقط؟

لقد جاء تصريح أو تشبيه داود اوغلو للاسد بميلوسيفيتش بالصدفة مع الذكرى العشرين لانهيار يوغسلافيا، التي عقدت لاجلها ندوات وصدرت كتب تحاول أن تستعيد ماحصل وأن تبيّن أكثر دور بعض الشخصيات في الداخل ودور بعض أجهزة المخابرات في الخارج في انهيار ما بقي من يوغسلافيا السابقة في 1992 بعد انسحاب كرواتيا وسلوفينيا ومكدونيا منها في نهاية 1991. وفي هذا السياق عقدت ندوة في موسكو خلال شهر شباط المنصرم شارك فيها آخر رئيس ليوغسلافيا التيتوية ستيبه ميسيتش في 1991 وأول رئيس وزراء منتخب ليوغسلافيا الجديدة (ميلان بانيتش) 1992-1993 وغيرهما من المسؤولين السابقين والباحثين. وفي هذا السياق أيضا قام اثنان من المخرجين في بلغراد (فيليب تشولوفيتش وسلاجانا زاريتش) بإعداد فيلم وثائقي بعنوان " توجمان وميلوسيفيتش حرب متفق عليها؟"، وهو الفيلم الذي عرض قبل أيام في مهرجان "زغرب دوكس" للافلام وأحدث صدى قويا في كرواتيا وصربيا والبوسنة نظرا لانه يبيّن أن ميلوسيفيتش ليس المسؤول الوحيد عما حدث في يوغسلافيا السابقة من مجازر ودمار(وخاصة في البوسنة) بل إن المسؤولية يتحملها أيضا الزعيم الكرواتي فرانيو توجمان (1922-1999) الذي كان يبدو في الظاهر على خلاف مع ميلوسيفيتش.

ولأجل إنجاز هذا الفيلم فقد تحدث المخرجون ساعات طويلة مع أقرب المسؤولين للزعيمين ميلوسيفيتش وتوجمان وشاهدوا مئات الساعات من الافلام التي تتناول أحداث تلك الفترة الحاسمة من يوغسلافيا التيتوية و ما آلت اليه ليخرجا بهذا العنوان الصادم للوهلة الاولى بأن ما جرى كان عبارة عن "حرب متفق عليها" بينهما ولكن فشلا في الهدف الحقيقي للحرب: إقتسام البوسنة بين صربيا وكرواتيا بسبب التدخل الدولي الحاسم في نهاية الامر في صيف 1995 الذي جاء بعد سنوات من التردد.

وهكذا يكشف الفيلم كيف أن "أميري الحرب" التي استمرت بين صربيا وكرواتيا وامتدت الى البوسنة خلال 1991-1995 كانا على تواصل بينهما في السر بفضل هاتف مأمون لايمكن اختراقه أو التنصت عليه، وهو ماعرف آنذاك ب"سلوبو فون"، وكيف أن الزعيمين التقيا سرا وعلانية 47 مرة خلال تلك الفترة على الرغم من المظاهر الخادعة التي كانت توحي بأنّ ميلوسيفيتش شيوعي متشدد وصل الى السلطة عبر الحزب الواحد وتوجمان قومي معاد للشيوعية أصبح رئيسا لجمهورية كرواتيا في 1990 بعد أن فاز حزبه (الاتحاد الديموقراطي الكرواتي) آنذاك في أول انتخابات ديموقراطية.

ويشير الفيلم في هذا السياق الى اللقاء الشهير بينهما خلال آذار 1991 في دارة الزعيم اليوغسلافي الراحل تيتو في كاراجرجفو، حيث تناولا في لقاء على الغداء تقاسم الحدود بين "صربيا الكبرى" و"كرواتيا الكبرى"، وكيف أن الزعيمين رسما الحدود الجديدة للبلقان على منديل ورقي كان على طاولة الطعام. ومع ذلك ينتهي الفيلم الى حقيقة ألا وهي أن الزعيمين فشلا في تحقيق تلك الخريطة التي رسماها على المنديل الورقي، وبالتحديد تقسيم البوسنة بينهما لإنجاز "صربيا الكبرى" و"كرواتيا الكبرى"، ولكنهما مع ذلك مسؤولان معا عما لحق بالبوسنة من أذى بالغ.

وبعبارة أخرى ليس ميلوسيفيتش، على الرغم مما فعله، هو المجرم أو الرمز الوحيد المسؤول عما آلت اليه الامور في يوغسلافيا السابقة من مجازر وحروب أهلية بل ان هناك من يستحق أيضا أن يذكر ويحاكم أيضا.

=================

الأزمة السورية .. الوعد بالاستنزاف الطويل يبقى قائماً

غازي دحمان دمشق

المستقبل

21-3-2012

بعد عام على الثورة، تدخل الأزمة السورية في نفق الاستنزاف، وهي مرشحة لأن تمتد في الأفق المنظور على الأقل، ولا يعود السبب في ذلك إلى عجز النظام عن قدرته على الحسم وعجز قوى الثورة عن الإطاحة بالنظام، ليس لهذا السبب وحده، على وجاهته، وإنما لأسباب أخرى ذات أبعاد إقليمية ودولية.

ربما من سوء حظ السوريين أن يتزامن إنفجار أزمتهم مع تحركات تكتوتونية في بنى وهياكل القوى الإقليمية والدولية، ومع حالة من التوتر والإنشداد وإنسداد أقنية التواصل بين مراكز القوى الإقليمية والدولية، بسبب حالة الفوضى والسيولة التي يعيشها النظام الدولي بشكل عام، وتبلور بعض القوى على هامشه، ومحاولة تفلت بعض الدول من الصيغ والقواعد التي وضعتها الولايات المتحدة الأميركية في العقدين الأخيرين، وهي في طريقها للانهيار جراء تراخي القدرة الأميركية وضعفها.

ويشكل الشرق الأوسط أبرز المناطق الرخوة المرشحة للإشعال جراء تراخي القدرة الأميركية ونفاد جهودها، ذلك أن هذا الإقليم قد شهد عبثاً أميركيا خطيرا في توازنات القوة فيه، كان من نتيجته صعود مكونات جديدة كان لها أثر بالغ في الواقع الجيوإستراتيجي الإقليمي المعقد أصلاً، إضافة لذلك، أسهمت الحروب الأميركية في المنطقة، خلال العقد الأخير، في بلورة جبهات تصارع جديدة مبنية على أسس الهويات والإثنيات والطوائف، وأوجدت مقابلاً لها دولاً ومراكز إقليمية مهمة.

وعلى مدار العقد الماضي كانت معضلة البحث الأميركي بمكونات المنطقة، ومن ثم حالة التراخي في القوة الأميركية، ترخي بظلالها على طهران وأنقرة ومنظومة التعاون الخليجي، حيث جرى دخول هذه القوى على خط التوتر والانقسام في ظل حالة من النهوض الهوياتي كمكون مستجد في عناصر القوة القومية، في إطار سعي هذه الدول إلى إيجاد مكانة لها في سلم التراتب الإقليمي الذي بدا أن تشكيله يتناسب مع فائض السيولة والفوضى في النظام الدولي المتحرك نزولاً وصعوداً على إيقاع حالة الإنعزال الأميركية غير المعلنة والملموسة في الأقاليم بشكل واضح وجلي.

ولا شك أن هذه المتغيرات تشكل معطيات حاكمة في بنية الحدث السوري وفي مساراته ومآلاته أيضاً لأسباب عدة منها.

- الموقع الإستراتيجي الذي تتيحه الساحة السورية لإمتلاكها مكانة في القلب من الناحية الجغرافية في الجسم الشرق أوسطي، أو بالتحديد، المقلب الذي تدور فيه أهم المتغيرات الإقليمية " ملامسته للبر التركي، ومحاذاته لإسرائيل، وقربه من العراق "، إضافة إلى حاجة منظومة التعاون الخليجي لها، لما تشكله من مدى حيوي وضروري في مواجهتها لإيران.

- الميزة التساومية التي تتيحها الساحة السورية، بوصفها بيئة خصبة للتعقيد، لا تملك الأطراف الفاعلة والمؤثرة إتخاذ قرارات حاسمة بشأنها، ولاتملك القدرة على التفرد في القرار، بإعتبار أن الحالة السورية تشكل نسيجاً مترابطاً وعمارة متماسكة الأحجار، من شأن العبث في هذا النسيج وتلك العمارة ان تؤذي كل الأطراف بما فيها إسرائيل ولبنان والعراق والخليج وتركيا وإيران، وإلحاق الضرر بمصالح روسيا وأميركا، وبالتالي فإن أي قرار نوعي بخصوصها يحتاج إلى توافقات ومساومات معينة يبدو فيها أنصار النظام السوري الأكثر راحة، رغم أنهم من الناحية الموضوعية يبدون كمن يقامر بمصالحهم.

- المكانة الأيديولوجية للنظام السوري بوصفه أحد أطراف حلف الممانعة وأخر بقايا الإشتراكية في المنطقة وواجهة علمانية وموقعاً متقدماً في وجه "الخطر الإسلامي"على إسرائيل وهو ما بدأت بعض التوجهات في كبريات الصحف الأميركية من التنبيه له.

هذه المعطيات يمكن ملاحظة إندراجها في واقع الصراع الحاصل في سورية، من خلال حالة الإنقسام والإستعصاء في مراكز القرار الدولي "مجلس الأمن" وحالة الإنقسام الإقليمي والذي يبدو ان لا طريق إلى حله في الأمد القريب.

غني عن القول، إن اطراف الأزمة في سورية لم تعد قادرة على إنجاز الحل لا بالقوة ولا بالطرق السياسية والحوار، حيث لم يعد أي منهما قادراً على التحكم في الحل لوحده بقدر ما بات دوره ينحصر في كونه إنعكاساً لمتغير القوة بين الأطراف التي تقف خلفه، والواضح في هذا السياق أن التصارع الدولي قد صادر مختلف أطراف الأزمة التي بات يمثل مصالحها ويعكس صراعاتها ولن تسمح بالتالي لأي منهما الخروج عن إعتباراته ومصالحه.

على درب الألام هذا تسير سوريا في المرحلة المقبلة، إذ تشير المعطيات إلى تفاهم ضمني بين القوى المتصارعة على الكعكة السورية إلى إطالة امد الصراع، ربما لبلورة التفاهمات والتوجهات، وضمان تحصيل المصالح والإمتيازات، ولحين إنجاز ذلك ثمة سوريون كُثر لا لزوم لهم في تفكير النظام والقوى المتصارعة يصلحون لتشغيل مكنة الموت في المرحلة القادمة، ثمة سوريون كثر على موعد مع الموت.

=================

مهمة عنان المستحيلة

محمد كريشان

2012-03-20

القدس العربي

الكل ينتظر نتيجة المهمة لكن لا أحد يتوقع معجزات. لا أحد يشكك في كفاءة كوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة ومبعوثها الحالي مع الجامعة العربية المكلف بالملف السوري ولا في قدرته على ابتكار المخارج للاستعصاء القائم حاليا دونما استفزاز لأي كان، غير أن المشكل الان هو أن السلطة السورية ليست مستعدة لاستخلاص أي درس ولا المعارضة لأي تراجع بعد كل هذا الدم المسفوح والفظائع المرتكبة. الكل يتحدث عن حل سياسي لكن الوقت قد يكون فات على ذلك رغم أن لا أحد يجهل ما الذي يعنيه هذا من استمرار لمأساة السوريين المتفاقمة.

'مخيبة للامال' ... هذه أفضل صيغة دبلوماسية وجدها عنان لوصف الرد السوري على مقترحاته 'الملموسة' المتمثلة إجمالا في وقف القتل وسحب الجيش من الشوارع والشروع في حوار مع المعارضة حول انتقال تدريجي للسلطة. أراد أن يحافظ على شعرة معاوية مع أنها تكاد تكون قطعت منذ البداية.

أغلب التعليقات تجمع تقريبا على أن التفاوض مع دمشق مضيعة للوقت وأن رد 'لعم' الذي رد بها بشار الاسد على كوفي عنان تمثل قمة السخرية منه ومن مقترحاته على ما ذكر راجح الخوري في 'النهار'، ولم يشفع لهذه المقترحات انها جاءت غامضة لتجنب وضع الاسد علنا في زاوية خانقة. 'كوفي عنان طوق النجاة الاخير للأسد' ... كتبت مؤخرا في 'الحياة' راغدة درغام الخبيرة بأروقة الامم المتحدة وتعقيداتها ولكن المشكل أن كوفي عنان هو من يرى نفسه طوق النجاة هذا وليس بشار الاسد والفرق كبير طبعا.

المشكلة الاساسية، كما كتب محلل آخر هو عريب الرنتاوي في 'الدستور' أن النظام في دمشق مستفيدا من وضعه المتماسك والميداني على الارض قد نجح في مد حبل الكذب والمماطلة طويلا... فبعد ان كذب على الاتراك ولحس جميع وعوده الإصلاحية التي قطعها على نفسه أمامهم وكذب على الروس كما أوضح مؤخراً سيرغي لافروف الذي تحدث عن تأخر كبير في الإصلاحات ها هو يواصل اليوم نشر أكاذيبه على كوفي عنان.

يكفي هنا التأمل في بيان الخارجية السورية وهي 'ترحب' بزيارة الفريق الفني الذي شكله عنان لمناقشة مهمته في سورية والمفترض ان تتم في الايام القليلة المقبلة. البيان الذي تحدث عن أن دمشق 'ماضية في سعيها لايجاد حل سياسي للازمة' هو نفسه الذي يؤكد أنها ماضية كذلك في 'أداء واجبها في حماية مواطنيها ونزع أسلحة الارهاب ومحاسبة مرتكبيه'. هذا الكلام معناه تعالوا نتحدث في السياسة لكننا في الاثناء سنستمر في القتل!! من يقبل بذلك؟؟!! ثم إن دمشق ترى في 'الإصلاحات' التي قامت بها بمثابة إجراءات الانتقال الديمقراطي للسلطة في البلاد التي يطالب بها المجتمع الدولي مع أنها ليست كذلك لا في المضمون ولا في الشكل ولا في الهدف الذي لا يمكن أن يتضمن من وجهة نظر دمشق أي انتقال تدريجي للسلطة لغير الممسكين بها الان.

أقصى ما يمكن أن تقدمه دمشق الان، وهو ليس مضمونا بالكامل على كل، أن تبدي مرونة في وصول المساعدات الانسانية لمنكوبي الاحداث الاخيرة. في هذه الحالة، على فرض أنها تمت، يكون النظام قد سعى من وجهة نظره إلى التجاوب مع واحد من المطالب الدولية ومن ناحية أخرى حاول اختزال القضية في بعد إنساني إغاثي لا غير دون أي أفق سياسي للتغيير. الجيد هنا أن الكل واع بمثل هذا الاحتمال ولذلك لم يتردد كوفي عنان في مؤتمره الصحافي الاخير في جينيف في القول رغم تحفظه الشهير في الصياغات أن ' الهدف الاول أمامنا الان هو وقف العنف ووقف انتهاكات حقوق الانسان والسماح بوصول المساعدات الانساني وإكمال العملية السياسية لتحقيق طموحات الشعب السوري وتحقيق مصداقية للعملية السياسية'. إذن نحن أمام صفقة كاملة يريدها العرب والمجتمع الدولي أن تكون كذلك ويريد النظام في دمشق أن يميعها ويتعامل معها على طريقة التاجر الشاطر في البيع بالمفرق وليس بالجملة.

لعل وزير الخارجية الفرنسي هو أفضل من عبر عن إمكانية مواجهة العالم لهذه المعضلة في التعاطي مع النظام السوري وذلك حين أقر بوجود 'مأزق حقيقي' وب'صعوبة بالغة' في الرد على المعضلة الآتية 'هل يمكننا تجميد قرار (في الامم المتحدة) لا يكون سوى قرار إنساني من دون أي بعد سياسي تحت طائلة ترك المجازر تتواصل؟ أو هل ينبغي قبول هذه التسوية قليلة الأهمية تحت طائلة إطالة عمر النظام؟'.

الرئيس بشار الاسد وأركان حكمه واعون تماماً بمأزق المجتمع الدولي في التعامل معهم ولهذا يطمعون في اللعب أكثر على التناقضات التي يفرضها هذا المأزق. العنصر الوحيد الذي سيجبر هؤلاء على مراجعة حساباتهم ويجبر المجتمع الدولي على التعاطي معهم بحزم أكبر هو صمود السوريين أكثر وأكثر أمام آلة القمع الوحشية. وحدهم هؤلاء هم من سيحدد في النهاية جدول الاعمال الاجباري أمام الجميع. المأساة أن هذا لن يتم إلا بمزيد من الدماء.... للأسف الشديد جداً جداً.

=====================

من ستالين إلى بشار.. رسائل الحب والكراهية

عادل الطريفي

الشرق الاوسط

21-3-2012

في عام 1969، كان «الرفيق» فياتشيسلاف مولوتوف، وزير خارجية ستالين ومساعده المقرب آنذاك، قد دنا من عامه الثمانين، ويعيش وحيدا منسيا بعد أن أزيح عن السلطة عقب وفاة زعيمه، وطوال السنوات التي أعقبت ذلك ظل كثيرون يتساءلون عن حجم الأسرار والمعلومات التي كانت لديه عن النخبة الحاكمة في الاتحاد السوفياتي. حين توفي نيكيتا خروتشوف - خصم مولوتوف - جاء إلى السلطة بريجينيف الذي رفع الإقامة الجبرية عن مولوتوف، فقدم الأخير - نظير ذلك - ملفات مهمة تضم رسائل ستالين السرية إلى أرشيف الحزب. ظلت تلك الرسائل حبيسة الأدراج حتى انهيار الاتحاد السوفياتي في 1991، ولكن المؤرخ الأميركي لارس ليه تمكن من نشرها عام 1995 تحت عنوان «رسائل ستالين إلى مولوتوف: 1925 - 1936».

أهمية تلك الرسائل هي في كونها مادة أساسية لفهم الطريقة التي كان يفكر بها ستالين. يشير لارس إلى أن ستالين يبدو عبر رسائله كديكتاتور يعمل في كل لحظة من حياته على صنع المؤامرات، وحياكة الدسائس، والتخلص من الخصوم عبر تقريبهم ثم الانقلاب عليهم في لحظة غفلتهم وغرورهم. كان ستالين معجبا بإيفان الرهيب الذي اعتبره بطلا، ولكن تظهر الرسائل أيضا جانبا إنسانيا، حيث يبعث بالتهنئة بعيد الميلاد إلى زوجة مولوتوف، ويسأل عن صحة الأولاد، ويزجي النصائح التربوية، وبعض العظات الأخلاقية.

التسريبات الأخيرة لإيميلات الرئيس السوري بشار الأسد وزوجته التي نشرتها الصحافة مؤخرا تعتبر حدثا استثنائيا، فلأول مرة بات بإمكان العالم أن يطلع على الطريقة التي يفكر بها رئيس يواجه انتفاضة شعبية على حكمه بالقوة المفرطة. صحيح أن تلك الرسائل لا يمكن التحقق من صحتها بشكل قاطع، وهي في أغلبها مجتزأة ومصفاة، ولكنها تقدم لنا رؤية تقريبية لما يدور داخل بيت الأسد، ورواية (محتملة) ليوميات الحكم في سوريا خلال عام من الثورة. الصحافة ركزت كثيرا على الإنفاق والبذخ للزوجين الرئاسيين في شراء السلع عبر الإنترنت، وعلى سلسلة من النساء المقربات من دائرة الرئيس، ولكن ما هو أكثر أهمية بالنسبة لأكثر من ثلاثة آلاف رسالة بريد إلكترونية، هو الجانب السياسي والاستراتيجي فيها، أي أنها تمنحنا لأول مرة الاطلاع على آلية اتخاذ القرار في داخل النظام، والوسائل التي يعتمد عليها في إدارته للأزمة.

لتحليل محتوى تلك الوثائق قد نحتاج إلى عشرات من الباحثين المتخصصين، وإلى شهور كثيرة للخروج بخلاصات، وربما سربت وثائق أخرى في حال سقوط نظام الأسد، ولكن بوسعنا، على الأقل، الخروج بملاحظات عامة، لعل أهمها أن النظام - وعلى عكس ما كنا نعتقد - يبدو هادئا - بل وباردا - في تعاطيه مع الأزمة، بحيث لا تجد قلقا حقيقيا يساوره من سيناريو السقوط، أو خطة بديلة في حال فشلت وسائل النظام. يبدو الأسد أكثر تماسكا مما يظن خصومه، فظهوره التلفزيوني مرتب، وتصريحات النظام منمقة من دون أي ارتباك واضح. ومما نلاحظه هو أن النظام يدير بشكل ما الخطاب الإعلامي بنفسه، بحيث لا يسمح لأي مسؤول كبير في الدولة بالتصريح. وفي الوقت الذي ينشق فيه قرابة خمسين عسكريا كل يوم منذ بدء الثورة، فإن الأسد المعروف بحبه للتقنية الحديثة يمضي جل وقته في تصفح الإنترنت، والاستماع إلى الموسيقى الحديثة، والتشاور مع شابات مؤيدات له، والاستماع إلى نصائح وتوصيات من خارج القنوات الرسمية للدولة.

بعض المراقبين علل سلوك الأسد بوصفه شخصا سيكوباتيا يعيش هو وأسرته داخل وهم كبير، وهو منقطع عن استشعار الواقع الدموي الذي يحيط بأبناء شعبه، ولكن هناك من يرى أن برود الأسد وتماسكه يظهران قدرته على الاستمرار في المواجهة مهما طالت، إذ إن الأزمة القائمة تعتمد على قدرة الفريقين على الصبر لأطول مدة ممكنة. في حديث ل«فايننشيال تايمز» (مارس/آذار 2012)، يقول جيرولد بوست، وهو أستاذ علم النفس السياسي في جامعة جورج واشنطن: إنه رغم أن الأسد لا يبدو على اتصال بواقع الأزمة في سوريا، فإنه يبدو «أكثر تماسكا» من شخص مثل القذافي. يمكن تفسير ذلك - كما يقول بوست - «بالعودة إلى خلفية الأسد، فهو لم يولد زعيما، ولم يكن معدا للرئاسة، لقد أصبح رئيسا فقط لأن أخاه باسل، الوريث المفترض، توفي في حادث سيارة».

ولعل هذا هو مصدر خطورة - أو حتى ضعف - بشار الأسد كرئيس، فهو يعتمد على تاريخ والده وتوصيات المقربين منه، ولكن - كما يشير بوست - «ليس هذا جزءا من حساباته النفسية، فهو لم يدرس - أو يستوعب - تعقيدات إدارة الدولة الشمولية». ربما لأجل ذلك لا يوجد ضمن المراسلات المسربة - كما نوهت قناة «العربية» - اتصالات مع أي من كبار الشخصيات في الدولة أو في حزب البعث الحاكم، ولا حتى من عائلة الأسد كأخيه ماهر أو صهره آصف شوكت، ولم يأت ذكرهم في هذه الرسائل المسربة، مما يعني أن مؤسسات النظام الرسمية لم تستخدم هذا البريد للتواصل مع الرئيس، بيد أن تلك الرسائل تعطي على الأقل نظرة تقريبية لرئيس بعيد عن استيعاب الأزمة الراهنة في بلاده، ويشغل تفكيره في الطريقة التي يمكنه من خلالها تحسين موقفه، وإعطاء صورة مستقرة لرؤيته من دون الإحساس بالضعف والتراجع.

حالة بشار مثيرة للجدل، فهو شخص مهووس - بل ومؤمن - بنظرته للأمور كما يريد له أتباعه الإحساس بها. حينما تقرأ بشار لا يخيل إليك إلا صورة آل بيشينو في فيلم «الوجه المندوب»، أي زعيم عصابة مؤمن بقدره، وأنه قادر على تجاوز الأزمة ببعض السلوكيات المفرطة في التحدي والمواجهة، وعليه فإن مستقبل النظام يبدو كأنه تكرار لتراجيديا عصابة فشلت في مواجهة خصومها المنافسين. وإذا كنت تعتقد أن الأسد يدير الأزمة فأنت مخطئ، فإنه لا يعدو كونه الوريث الفاشل لعصابة تاريخية انتهت إلى استعداء خصومها ومنافسيها، وعليه فإن اليوم الذي ينتهي فيه نظام الأسد، سيظل واقفا وحده، معتقدا أن القدر والناس إلى صفه.

يقول بيتر هارلينغ الباحث في «مجموعة الأزمات الدولية» لوكالة الصحافة الفرنسية: إن «النظام يعتقد أن المجتمع الدولي سيدرك بعد فترة أنه لا يمكن إسقاطه، وأن الضغط سيتراجع، والعالم الخارجي سيعود إلى التفاوض.. إرسال موفدين مع تفويض غير واضح سيزيد من قناعته بأنه على حق فيما يقوم به»، إلا أن محللين - كما تشير جريدة «الحياة» - يرون أنه رغم أن الأسد يملك القوة العسكرية اللازمة لسحق معاقل المنشقين، كما حصل أخيرا في حمص (وسط) وبعدها في إدلب، فإن النظام في حكم المنتهي، ويقود معارك خاسرة على المدى البعيد. يقول هارلينغ: إن الأمر «يشبه لعبة يتم فيها إطفاء النار في مكان فتشتعل في مكان آخر»، ولكن هل يستوعب الأسد حقيقة ما يجري؟ يقول مقرب سابق من الأسد: إنه لا يبدو أنه يدرك واقع ما يجري، فهو يعيش في وهم يصوره له أنصار النظام من الأجهزة الأمنية، وقد نصل إلى مرحلة أن يسقط فيها الأسد، وهو لا يدري حقا حقيقة ما يجري.

في رسالة أرسلتها أسماء الأسد إلى زوجها في أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، مؤشر لمدى التوتر الذي يعيشه الاثنان، في الوقت الذي تصاعدت فيه الضغوط الدولية على النظام لوقف العنف. تقول أسماء: «إذا كنا قويين معا.. سوف نتغلب على هذا معا.. أحبك..».

=======================

التدخل في سورية يسير وممكن ... وروسيا لن تتورط بحرب

الاربعاء, 21 مارس 2012

ماكس بوت *

الحياة

لا يخفى على أحد أن البنتاغون يعارض التدخل العسكري في سورية، فثمة تسريبات تتناول العثرات التي تحول دون مثل هذا التدخل. وسبق ان تناهى الينا مثل هذه التسريبات في التسعينات من القرن العشرين حول التدخل في البوسنة وكوسوفو، وسمعناه العام الماضي يوم برز التحدي الليبي.

وتنقل التقارير الإخبارية عن مسؤولين رفيعي المستوى في وزارة الدفاع الأميركية، أن سورية تملك نظاماً جوياً دفاعياً متطوراً وجيشاً قوياً قوامه 330 ألف جندي، وأن المعارضة تفتقر الى قيادة موحدة، وأن التدخل الأميركي يؤدي إلى إغراق سورية في حرب أهلية، ويورط واشنطن في حرب بالوكالة على إيران، وربما على روسيا.

ويُستند الى هذه الذرائع لاستبعاد عدد من الخطوات، مثل: تسليح المعارضة السورية، وبسط منطقة حظر طيران، وتوجيه ضربات جوية إلى أهداف النظام، وفتح معابر إنسانية يلجأ اليها الهاربون من النظام الذي قتل حوالى 10 آلاف مدني على الأقل.

ولا يجافي المنطق تردد القادة العسكريين في تعريض قواتهم للأخطار، كما لا يجوز إهمال تحذيراتهم وعدم الوقوف عندها وتقويمها، على نحو ما فعلت إدارة جورج دبليو بوش قبيل اجتياح العراق، ولو أن كبار القادة العسكريين صادقوا يومها على كل القرارات السيئة.

اليوم، تبرز الحاجة الى تقويم العملية العسكرية في سورية تقويماً دقيقاً، ولكن لا يجوز الامتناع عن أي خطوة نزولاً على تحذيرات البنتاغون من الانزلاق إلى الأسوأ. وما يساق من ذرائع تسوِّغ عدم التدخل في سورية ضعيف، فثمة مغالاة في ما يقال عن تفوق منظومة السلاح الجوي السوري، ففي 1982 وسع الإسرائيليين اختراقها في حرب لبنان، وفي 2007 دمروا موقع دير الزور النووي، ومن المستبعد أن يعصى على أقوى قوة جوية في العالم اختراق دفاعات سلاح الجو السوري. وكان يسيراً على سلاح الجو الاميركي تدمير دفاعات صدام حسين الجوية مرتين، والدفاعات هذه كانت، شأن تلك السورية، تستوحي النماذج الروسية.

ومعظم جنود الجيش السوري يفتقر الى التدريب والكفاءة، وشطر كبير من الجنود السنّة لا يريد الدفاع عن نظام يهيمن عليه العلويون، ونظام بشار الأسد لا يسعه التعويل سوى على 30 ألف جندي علوي. لذا، تضطر الوحدات العسكرية العلوية الى الانتقال من ساحة معركة الى أخرى، ولا تشن عمليات متزامنة.

واحتمال اندلاع حرب بالوكالة مع ايران وروسيا لا يعتد به، ففصول الحرب الإيرانية على الولايات المتحدة لم تتوقف منذ أزمة رهائن السفارة الأميركية في طهران عام 1979، وبعض هذه الحروب مباشِر وبعضها الآخر غير مباشر. والمساهمة في اطاحة حليف طهران في دمشق هي بمثابة رد متأخر على سلسلة الاعتداءات الايرانية ضد الولايات المتحدة.

وعلى رغم أن روسيا تملك قاعدة بحرية في سورية، لن يستهدف سلاح الجو الاميركي المنشآت الروسية. لذا، لن تؤدي أي عملية تشنها اميركا في سورية الى نزاع مع موسكو، فالأزمة السورية لا ترقى الى أزمة الصواريخ الكوبية، وموسكو لن تتورط بحرب للدفاع عن نظام الأسد.

إن انقسام المعارضة السورية يثير القلق، لكن تجاوز آثار الانقسام ممكن من طريق دعم واشنطن المعتدلين في المعارضة وإقصاء الأجنحة المرتبطة بالمجموعات المتطرفة التي تدعمها الدول العربية. ولكن الى اليوم، لم تزود واشنطن المعارضة وسائل اتصالات تمكِّنها من نشاطاتها.

ومساعدة الثوار لن تفضي الى حرب أهلية في سورية، فهذه الحرب بدأت، وفصولها تتفاقم، وطي صفحتها رهن بتضييق الخناق على الأسد لإطاحته. وإذا وقفت أميركا موقف المتفرج، قد تنزلق الامور الى الأسوأ: وقوع الاسلحة الكيماوية في أيدي ارهابيين، أو استيطان «القاعدة» في بعض المناطق الخارجة على سلطة الأسد.

وفي غياب قرار مجلس الأمن يبيح التدخل العسكري في سورية، يسع واشنطن تأليف حلف دولي، على نحو ما فعل الرئيس بيل كلينتون في كوسوفو، وتجاوز تالياً النقضَ الروسي ونظيره الصيني.

ومثل هذا الحل هو رهن مبادرة واشنطن الى التدخل، على رغم الموقف السلبي للبنتاغون.

* كاتب ومؤرخ شؤون عسكرية، عن

«واشنطن بوست» الاميركية، 16/3/2012، اعداد منال نحاس

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ