ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 20/03/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

دمار الناتو .. ودمار بشار !

محمد أحمد الحساني

عكاظ

19-3-2012

عندما كان حلف الناتو يساعد الشعب الليبي على التخلص من القذافي وينشر مظلته الجوية على المدن الليبية لحمايتها من سلاح جو كتائب الطاغية الهالك ويقصف قواته ويدمر منشآتها، كان بعض المرجفين من السياسيين والمعلقين والإعلاميين العرب يتباكون على الدمار الذي حصل لبعض المدن والقرى والطرق والمنشآت في ليبيا متسائلين عن الفائدة من نجدة الناتو للشعب الليبي إن كانت تلك النجدة تؤدي إلى دمار البلاد وسحق بنيتها التحتية، وربما بالغ بعض أولئك المتحدثين للفضائيات فأكدوا أن الحلف يتعمد تدمير المنشآت الليبية من أجل إعادة تعميرها عن طريق الشركات والمؤسسات الغربية فيصبح الغرب مثل المنشار يأكل وهو طالع ويأكل وهو نازل!.

ما قاله أولئك الساسة والإعلاميون والغاوون قد يكون له نصيب من الصحة لأن الغرب لا يخدم أحدا من أجل سواد عينيه، ولكن أولئك المتباكين على الدمار الذي حصل في ليبيا على يد قوات حلف الناتو لم نرهم يمارسون البكاء على أطلال المدن والقرى السورية وهي تدمر تدميرا على يد الزعيم السوري نفسه، الذي لم يتورع عن دكها وتدميرها على رؤوس سكانها العزل الآمنين. فأي الجريمتين أعظم جريمة الناتو الذي كان يساعد ثوار ليبيا للتخلص من الطاغية الهالك عليه من الله ما يستحق أم جريمة طاغية الشام الذي يدمر وطنه ويقتل شعبه الأعزل ثم يخرج إلى الناس والابتسامة تملأ شفتيه والحبور يغطي وجهه الصفيق!؟.

إن مما يؤسف له أن يبرر بعض السياسيين والإعلاميين العرب الجرائم التي ترتكبها بعض الأنظمة العربية ضد شعوبها لمجرد أن من قام بها هو طاغية عربي وكأن للقتل والتدمير هوية تجعله مباحا للطغاة العرب إذا ارتكبوه ضد شعوبهم محرما على غيرهم. وهذا يدل على أن الشاعر الجاهلي طرفة ابن العبد أكثر فطنة وأقل بطنة من ساسة ومثقفي هذا العصر لأنه أكد منذ ألف وخمسمائة عام أن ظلم ذوي القربى أشد مضاضة، ولكن المبررين واللاوين لأعناق الحقائق لا يعدمون مبررات يختلقونها لتبرير جرائم الذين يدافعون عنهم من طغاة العرب، فما أعظم بلاء هذه الأمة في بعض إعلامييها ومثقفيها المعاصرين!.

=================

عنان: من يبدأ "الخطوة الأولى" في سوريا؟

محمد ولد المنى

تاريخ النشر: الإثنين 19 مارس 2012

الاتحاد

قدم كوفي عنان تقييمه الأولي حول الأزمة السورية إلى مجلس الأمن، وقال ليل الجمعة السبت الماضي إنه توصل مع السلطات السورية إلى اتفاق يقضي بإرسال فريق دولي فني من مكتبه للتباحث مع حكومتها حول تفاصيل الخطة العربية التي عرضها عليها قبل بضعة أيام من الآن.

وقد عيّنت كل من الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية كوفي عنان موفداً خاصاً عنهما إلى سوريا، لمحاولة إيجاد حل للأزمة المندلعة هناك. وقالت المنظمتان في بيان مشترك، يوم الثالث والعشرين من فبراير المنصرم، إن عنان سيقوم بمساع حميدة لوقف أعمال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان وتشجيع حل سلمي للأزمة السورية. وكان اسم عنان معروضاً مع اسم الرئيس الفنلندي السابق مارتي أهتيساري، كمرشحين لهذه المهمة، لكن أهتيساري واجه اعتراضاً من جانب روسيا بسبب ماضيه كوسيط في كوسوفو. وقبل هذا كان أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون يفضل مبعوثاً عربياً، حيث طُرح اسم رئيس الوزراء الجزائري السابق مولود حمروش ووزير خارجية الكويت السابق محمد صباح السالم الصباح... لكن الحكومات العربية لم ترغب في اختيار موفد عربي نظراً الانقسامات المواقف العربية حول سوريا. وهكذا وقع الاختيار على عنان، وقال أمينا الجامعة العربية والأمم المتحدة إنهما "ممتنان لقبوله هذه المهمة الضرورية في وقت حساس بالنسبة للشعب السوري". فمن هو عنان؟ وما هي خبراته في التعاطي مع أزمات من نوع الأزمة السورية الحالية؟

عنان دبلوماسي دولي ينحدر من غانا في غرب أفريقيا، وقد أمضى معظم سني حياته المهنية موظفاً في الأمم المتحدة إلى أن أصبح أمينها العام طيلة عشر سنوات. وحصل على جائزة نوبل للسلام عام 2001 عن دوره في دوره في السلم والأمن العالميين.

وقد ولد كوفي عطا عنان عام 1938 لأسرة أرستقراطية في مدينة كوماسي بجنوب وسط غانا، حين كانت مستعمرة بريطانية في حينه. وتردد على مدرسة "مفانتسيبيم" للنخبة، قبل أن ينتقل إلى المدرسة الميثودية في "كيب كوست". وفي عام 1958، أي بعد عام واحد على استقلال بلده غانا، بدأ عنان يدرس الاقتصاد في كلية كوماسي للعلوم والتكنولوجيا، ثم حصل على منحة من مؤسسة فورد ليكمل دراسته الجامعية في كلية "ماكاليستر" في مينيسوتا بالولايات المتحدة عام 1961. وفي العام التالي استهل عمله في الأمم المتحدة كموظف إداري وموظف ميزانية في منظمة الصحة العالمية بجنيف. وفي الأمم المتحدة شغل مناصب تنظيمية تعنى بالإدارة والميزانية والمالية وشؤون الموظفين، لكنه أيضاً شغل مناصب تهتم بقضايا اللاجئين وحفظ السلام، واضطلع بهام دبلوماسية حساسة، شملت التفاوض في أزمات الكويت والعراق ويوغسلافيا السابقة وبوروندي. فعقب الغزو العراقي للكويت عام 1990 أوفدته الأمم المتحدة لتيسير عودة 900 من الموظفين الدوليين إلى أوطانهم ولإطلاق سراح الرهائن الغربيين. وفي عام 1995 ترأس أول فريق للأمم المتحدة للتفاوض مع العراق حول صيغة "النفط مقابل الغذاء". وبين عامي 1993 و1995 شغل منصب وكيل الأمين العام لشؤون عمليات حفظ السلام، ثم منصب الأمين العام المساعد لشؤون عمليات حفظ السلام، وأصبح مبعوث الأمين العام إلى يوغسلافيا وحلف شمال الأطلسي، وذلك عقب توقيع اتفاق دايتون عام 1996، حيث قام بتنسيق دور الأمم المتحدة في تحقيق انتقال سلس في البوسنة والهرسك من "القوة الدولية للحماية" إلى "قوة التنفيذ" بقيادة "الناتو". كما أشرف على إنشاء ثلاث عمليات حفظ سلام أعقبت ذلك في يوغسلافيا السابقة. وفي مطلع 2007 أصبح عنان أول أمين عام للأمم المتحدة يأتي من صفوف موظفيها، بعد 35 عاماً خدم خلالها في أديس أبابا والقاهرة وجنيف ونيويورك والإسماعيلية... أكسبته معرفة وثيقة بأنشطة المنظمة في الميدان، وبآراء الموظفين في مراكز العمل والخبراء من جميع المستويات والجهات.

وإلى قضايا السلام والأمن والتنمية التي طرحت بحدة خلال قيادته للأمم المتحدة، فقد بذل عنان جهداً كبيراً للإسهام في إصلاح المنظمة، لكن القمة العالمية التي عقدت بمناسبة مرور ستين عاماً على تأسيس الأمم المتحدة، انتهت بوثيقة قيل إنها أقل من طموح عنان في إصلاح المنظمة ومحاربة الفقر والإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان.

ومع ذلك فقد وقع الاختيار عليه وعلى الأمم المتحدة برئاسته، عام 2001، للفوز بجائرة نوبل للسلام، تقديراً "لعملهما من أجل أن يكون عالمنا أكثر انتظاماً وتمتعاً بالسلام". وذكرت لجنة الجائزة النرويجية أن الأمم المتحدة "اليوم منظمة تقف في طليعة الجهود المبذولة لتحقيق السلم والأمن العالميين، ولحشد الإمكانيات الدولية التي تهدف إلى الاستجابة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية العالمية".

لعل مهمة عنان كوسيط في كينيا عام 2009، أنجح مهام الدبلوماسية الوقائية خلال السنوات الأخيرة، حيث تمكن من عقد اتفاق بين الرئيس مواي كيباكي وزعيم المعارضة رايلا أودينجا، لوقف أعمال العنف التي أودت بحياة 1300 شخص، ثم إطلاق حوار سياسي أعاد الاستقرار للبلاد. لكن المفتاح الأساسي لنجاح عنان في كينيا كان الدعم السياسي من المجتمع الدولي، وهو ما يحتاجه الآن كي يحقق نجاحاً مماثلاً في سوريا، لاسيما من جانب الروس والصينيين. وذلك ما أشار إليه عنان حين طالب المجلس بتوحيد مواقفه وجهوده من أجل دعم مهمته في سوريا. لكن من غير الواضح ما إذا كان تقرير عنان قد حسّن فرص كسر الجمود في المجلس بشأن سوريا.

وكان عنان قد وصل إلى دمشق يوم العاشر من مارس الجاري، حيث التقى الرئيس السوري وناقش معه إمكانية وضع خريطة الطريق العربية موضع التنفيذ، بدءاً بوقف القتال، ثم تأمين الإمدادات الإنسانية للمناطق المنكوبة، وأخيراً الدخول إلى حوار سياسي بين الحكومة والمعارضة، وصولاً إلى حل سياسي للأزمة القائمة منذ عام كامل.

لكن الحكومة السورية تقول إنه يتعين على المعارضة أن توقف القتال أولاً، بينما يقول العرب والغرب إنه على الأسد وجيشه القيام بالخطوة الأولى. ثم تعود دمشق وتضيف شرطاً آخر، وهو أن يتوقف العرب والغرب والأتراك عن دعم المعارضة بالسلاح والمال!

وأمام اشتراطات "الخطوة الأولى"، يبرز السؤال: هل يستطيع عنان إقناع الأسد بوقف القتال وإنهاء العمليات العسكرية في المدن وحولها؟ وفي ذلك إشارة إلى خصوصية وحجم التعقد في الأزمة السورية، داخلياً وخارجياً، وإلى تعذر نجاح الوساطة في كينيا مع الحالة في سوريا!

=================

النظام السوري واستراتيجية الكذب

تاريخ النشر: الإثنين 19 مارس 2012

عبدالله بن بجاد العتيبي

الاتحاد

تختلف الرؤى حول مصير نظام الأسد وقائده بشار، فحين ترى دول الخليج ومعها كثير من الدول العربية والإقليمية والغربية وكثير من دول العالم أنّه نظام في طريقه إلى الزوال لم تزل روسيا والصين تصرّان على أنّه باق وتستمرّان في طرح المخارج له عبر مبادرات ومشاريع وخطط ليس لها من النجاح إلا منحه مزيداً من الوقت.

في الرؤية الأولى صرّح الرئيس التركي في وقت سابق بأنّ "الأسد سيدفع ثمن هذا العنف فيما بعد، وإراقة الدماء في المدن لن تمرّ دون حساب"، فيما اعتبر أوباما بأنّ سقوط الأسد "مسألة وقت". وفي الرؤية الثانية فإنّ التصريحات الروسية والصينية لم تصل لهذا الحدّ من الوضوح أمّا الإيرانية فهي تزايد على تصريحات النظام الأسدي نفسه.

لم يزل النظام الأسدي يتبع ما يمكن تسميته باستراتيجية الأكاذيب، فهو يكذب ويكرّر الكذب، ولا يعبأ بأنّ أحداً لا يصدّقه في ذلك، فهو قبل بداية الأحداث كذب كذبةً وصدّقها وذلك حين خرج بشار بعد الاحتجاجات العربية في تونس ومصر وليبيا ليقول إنّ بلاده محصّنة ضدّ مثل هذه الاحتجاجات مستنداً لكذبةٍ أقدم هي أنّ سوريا دولة "ممانعة"، ثم في بداية الأحداث استمرّ يكذب ويقول بأنّ سوريا مستقرة ولم يحدث فيها شيء، ثم لمّا تصاعدت الأحداث وعلم بها العالم أجمع فتّش عن كذبةٍ أخرى فخرج بالجماعات الإرهابية تلك التي اختلقها حتى قبل أن يخرج الجيش السوري الحرّ على المشهد، ثمّ حين لم يصدّقه أحدٌ انتقل لأكذوبة "المؤامرة" وهو يعلم أنّه يستند فيها لخطابٍ طويل الذيل في الخطابات القومية واليسارية والإسلاموية العربية، وهكذا فكلما استنفذت أكذوبةٌ دورها لم يلجأ لتصحيحها بل انتقل مباشرةً للتي تليها.

تستخدم الدول الأكاذيب والشائعات في صراعاتها لتحقيق مصالحها والإضرار بخصومها، ولكنّ ما يفعله الأسد لا يدخل في هذا الإطار، فهو لا يكذب لمصلحة دولته بل يكذب ليستطيع الاستمرار في قتل شعبه، وكمثال في هذا السياق فإن صدّام حسين حين كان رئيساً للعراق –ورغم كل جرائمه- كذب بشأن حصوله على الأسلحة الكيماوية وكان يشيع هذا ويدعمه، وكانت عينه على العدوّ الإيراني بمعنى أنّه كذب ليحمي بلاده من عدو خارجي متربص بينما نظام بشار يفعل النقيض تماماً، فهو يكذب ليحمي نفسه وليغطي على فتكه بشعبه وليحمي المصالح الإيرانية في المنطقة.

ضمن هذه الاستراتيجية تأتي تصريحات الرئيس السوري بأنّه منذ بداية الأزمة في سوريا وهو مع الحلّ السياسي لا الحلّ الأمني، ثمّ خرج وزير خارجيته وليد المعلّم لاحقاً ليقول إنّ الشعب السوري يرى أنّ الحلّ الأمني هو أنجع الحلول ويطالب به، ومثلها وأكذوبة أنّه رئيس أتى به الشعب السوري تلك التي طوّرها لأكذوبة الاستفتاء على دستور جديد، وكذلك أكذوبة الطائرات بدون طيار التي زعم أن المعارضة تمتلكها، ولو كانت تمتلك مثلها لما كان في قصره في دمشق حتى الآن.

أحسب أنّه ينبغي على الدول الصديقة للشعب السوري أن تصنع الكثير قبل انعقاد مؤتمرها الثاني في تركيا، وأن تخرج بمواقف تبتعد عن اللغة التي تكتفي بالشجب والاستنكار إلى لغة الحسم مع النظام، فسياسياً يمكن أن يكون في إغلاق الدول سفاراتها في سوريا وطرد السفارات الأسدية من بلدانها بشكل جماعي كما صنعت بعض دول الخليج خطوة بالاتجاه الصحيح على أن يتمّ معها الانتقال للاعتراف بالمجلس الوطني السوري ممثلاً شرعياً للشعب السوري، كما يمكن تصعيد العقوبات الدولية لتكون أكثر قوةً وأسرع تأثيراً.

إنّ العقوبات الدولية ليست مجرّد إجراء ورقي ولكنّها شديدة الفعالية والتأثير، وثمة نماذج عربية ثلاثة لتأثير هذه العقوبات في العراق والسودان وليبيا، ففي العراق الذي كان قوياً مكيناً، أدت العقوبات الدولية لضعف النظام واهترائه منذ عام 90 حتى سقوطه كورقة خريفٍ ذابلةٍ في 2003 ورأى الجميع كيف أن النظام الذي صمد في وجه إيران لسنوات ثمان وأرغمها على قبول الصلح وتجرع السمّ، تهاوى في أسابيع قليلةٍ رغم كل قسوته الداخلية وتجبّره على شعبه.

ونموذج آخر في السودان، ونظام البشير القويّ، حيث أودت به العقوبات الدولية وتهديد شخص الرئيس وأتباعه بالمحاكمة الدولية إلى رضوخ النظام لتقسيم السودان كرهاً، وفي ليبيا قبل الاحتجاجات وقبل "الناتو" أدت العقوبات الدولية إلى تخلّيها بالكامل عن مشروعها النووي وحدّت من قدرتها على التدخلات الإجرامية حول العالم.

في جهدٍ بحثيٍ توثيقي جديرٍ بالاحترام والإشادة قامت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في لندن وبالتعاون مع أكثر من 100 كيانٍ ثوري وتنسيقي بإصدار وبمشاركة أكثر من 2000 شخصٍ على الأرض بإصدار تقرير إحصائيٍ مفصلٍ عن عامٍ كاملٍ على الثورة في سوريا، وخلص التقرير الذي نشرته "العربية نت" إلى أنّ عدد القتلى بلغ 10130 منهم 676 طفلاً و 541 امرأةً و 368 تحت التعذيب.

لقد كان التقرير مفصلاً بأسماء القتلى وأماكن قتلهم وأعمارهم والصور ومقاطع الفيديو التي توثق قتل كل واحدٍ منهم حسب ما توفّر لها، واعتمد آليةً توثيقيةً صعّبت من مهمّته ولكنّها منحته مصداقيةً أكبر حيث لم يدرج فيه سوى من توفّر لإثبات قتله شخصين مختلفين لا يعرفان بعضهما، وبعيداً عن أكذوبة المؤامرة التي يروّج لها النظام، فإنّ مثل هذه الأرقام المهولة من القتلى تحت آلة الحرب الوحشية لجيش النظام وقواته الأمنية وشبيحته يجب أن تكون لها ردة فعلٍ مسلّحةٍ، فالناس حين تتعرض لهذا الحجم من القتل المنهجي ستلجأ بحكم الطبيعة للدفاع عن نفسها بكل ما هو متاح لديها، وينبغي على النظام ألا يستغرب ظهور السلاح في أيدي الشعب فيداه أوكتا وفوه نفخ.

في الرسائل المسرّبة لإيميل بشار الأسد، والذي تبث قناة "العربية الحدث" مقاطع مطوّلةٍ منها يظهر الرئيس السوري مسؤولاً مسؤوليةً مباشرةً عن حجم القتل للشعب السوري من جهة وعن إدارة المعركة سياسياً وأمنياً وإعلامياً من جهة أخرى، بمعنى أنّه متورّط بشكلٍ شخصيٍ في كل ما يجري وليس صحيحاً على الإطلاق ما يشيعه البعض بحسن نية أو سوئها من أنّ ثمة دائرة حكم مصغرة هي التي تسيّر البلاد.

شيء مثير للأسى حجم التشتت في المعارضة السورية في الخارج، فبدلاً من محاولة التوحّد والاجتماع نجد الأمور تتجه للتشتت والتشرذم وهو أمر مرتبط بطبيعة المعارضة السورية والتئامها السريع بعد طول خمول وافتراق غير أنّ أصدقاء الشعب السوري قادرون لو أرادوا على دفع المعارضة لمزيد من التوحّد حتى يصبح عملها في الخارج مقارباً لما يفعله الشعب السوري على الأرض في الداخل.

حبل الكذب قصير، وإن سعى نظام الأسد لتطويله بدعمٍ إيراني روسي صيني إلا أنّه أصبح تحت أضواء الإعلام والصور ومقاطع الفيديو منشوراً معلناً كحبل غسيلٍ.

=================

من "محرقة" سوريا الى مذابح غزّة

د. نقولا زيدان

المستقبل

وكأنهما كانا على موعد. ولما لا؟ فالتاريخ قلما يقبل بالصدف، بل لا يقرها ولا يصدقها. ذلك أن له سيرورة ومساراً منتظمين بل يخضع لحتم قسري يندفع فيه باتجاه طاغٍ محتوم. هذا بالضبط ما نشهده في اللحظة التاريخية الراهنة بين النظامين السوري وإسرائيل.

انه في الوقت الذي ينتهز فيه النظام الدموي البربري القائم في دمشق فرصة تعطيل كل مبادرة وكل جهود وأي لقاء أو اجتماع دولي بل أي قرار سنح لمجلس الأمن المتخبط في شلل ومراوحة لا مثيل لهما، ليمعن في الشعب السوري قتلاً وذبحاً وحرقاً وتدميراً في مجازر ومذابح تفوق المخيلة في بشاعتها وبربريتها وحقدها الأسود المجبول بالذعر والخوف من سقوطه المحتوم، تقوم اسرائيل بلا مسوّغ ولا مبرر لا يقبله منطق الحرب نفسه بشن غارات وحشية على الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة، فتحيل هي الأخرى الأبنية السكنية والمؤسسات الى ركام، فيحصد الطيران الاسرائيلي عشرات الضحايا أمام صمت العالم وإذعانه للأمر الواقع. هذه مذبحة غزة التي تتساوق مع مذابح بابا عمرو وكرم الزيتون وادلب وجوبر...

نقولها ونجرؤ على الكلام أن الكيان الصهيوني والنظام السوري هما على موعد واتفاق تام منظم ومبرمج ومتناغم في سحق المقاومة الشعبية السورية والمقاومة الفلسطينية كلتاهما معاً وفي وقت واحد. ذلك أن لإسرائيل مصلحة كبرى وأساسية وحيوية في بقاء نظام الأسد والطغمة الحاكمة معه واستمراره.

لقد هبّت إسرائيل لنجدة النظام السوري بارتكابها مجزرة غزة للفت انظار الرأي العام العربي والدولي عن المحرقة المرعبة التي تدور الآن في سوريا. هذه هي الحقيقة المخيفة التي لا يمكن تجاهلها: نظامان يعملان ويصوّبان نار الدمار والهلاك باتجاه واحد.

هل هما على موعد واتفاق؟ ألم يكونا كذلك في لبنان عندما اندفعت الدبابات السورية وجحافلها لتجتاح لبنان عام 1976 بذريعة الدفاع عن المسيحيين ومنع التقسيم فضربت القوى الوطنية والمقاومة الفلسطينية، ثم استدارت فضربت المسيحيين أنفسهم، لا بل أخضع نظام دمشق لمشروعه 80% من الساحة اللبنانية. وفي الوقت نفسه اندفعت الدبابات والطائرات الاسرائيلية في حملات متتالية (1978، 1982) لتخضع لاحتلالها ما تبقى من أرض لبنان؟ فهل تخوننا الذاكرة لننسى الشريط الحدودي الذي خضع لاحتلال اسرائيل؟ لقد كان الوجه الآخر الضروري للوصاية السورية.

كان اسحق رابين يقول: "نحن نعلم أن لسوريا مصالح حيوية في لبنان، ونحن على استعداد لضمان هذه المصالح!". بل أسوأ من ذلك بكثير عندما قام نظام دمشق بشتى الوسائل والطرق بإلغاء المقاومة الوطنية المسلحة في لبنان، واستنبات حزب واحد مسلح ألغى بقوة الحديد والنار والاغتيالات والتصفيات المنظمة باتقان وإحكام، كل مقاومة أخرى لإسرائيل. هكذا تحولت الفصائل الفلسطينية الى عبء على لبنان وتحولت المخيمات الى بؤر وملاجئ للفارين من وجه العدالة وملاذاً للارهاب. لا بل أدارت الفصائل الصنيعة لدمشق سلاحها بوجه الجيش اللبناني في نهر البارد والناعمة وفي المناطق الحدودية في البقاع.

هكذا تحول لبنان، بفضل التحالف الاستراتيجي بين دمشق وطهران الى ساحة يجري من خلالها تنفيذ طموحات النظامين الحليفين ليمسك حزب واحد بقرار الحرب والسلم، فلم تعد هناك حيلة لا للدولة اللبنانية ولا لمؤسساتها المدنية والعسكرية. فعلى إيقاع شعار المقاومة المشروعة للعدو الاسرائيلي، أصبحت أية مغامرة عسكرية لمصلحة النظامين مبررة بل مقدسة يسبغ عليها الحق الالهي. لا بل بذريعة حماية هذا السلاح جرى اجتياح بيروت والجبل وإكراه اللبنانيين على الإذعان والخضوع لقوى الأمر الواقع.

لقد ابتدع النظام الدموي الفاشي ومن ورائه النظام الايراني وطموحاته النووية مفردات لغوية لم نعهدها من ذي قبل كالممانعة والصمود الملايّن وما شابه مما ينتجه الاعلام السوري المبدع في الكذب والتضليل. أليس مثيراً للريبة حرصهما على أمن اسرائيل في الجولان وإثارة المتاعب لها في لبنان؟.

فلندرك جيداً أن "نتنياهو" في زيارته الأخيرة لواشنطن لم يحمل معه الى البيت الأبيض مخاوفه من اقتراب "طهران" من مرحلة صناعة "القنبلة" فحسب، بل أيضاً مخاوفه من تداعي نظام دمشق الذي تميد الأرض السورية من تحته وتزلزله الانتفاضة البطولية المستمرة.

فالقلق الاسرائيلي كبير من جراء الثورة السورية، والمنطقة كلها تسير قدماً بحتم تاريخي نحو التغيير. فلا مساعي "كوفي عنان" ولا محاولات "سيرغي لافروف" كسب الوقت ينقذ نظام الأسد من سوء المصير، ولا المذابح الاسرائيلية في غزة لصرف الأنظار عما يدور على أرض سوريا، لقادرة مهما بلغت الهمجية والبربرية الأسدية من الاعدامات بالجملة وحرق الأحياء وذبح الأطفال ومحو المدن والقرى عن بكرة أبيها لتوقف عجلة التاريخ.

=================

البعث القومي والبعث العبثي

الإثنين، 19 آذار 2012 00:15

جمال الشواهين

السبيل

أيٌّ كان الوضع الحالي في ليبيا، فإنّه أفضل بالمقاييس كافة عمّا كان عليه تحت حكم القذافي، ويكفي علماً أنّ الثوار استعادوا ليبيا وهي خاوية من كل الأشياء، وفقيرة وعاجزة وبلا حول ولا قوة إلاّ من إرادة شعبها.

وهي إذ تبدأ من الصفر، فإنّ ذلك أرحم مليون مرة من أن تظل تحت صفر القذافي، وسيجد الليبيون سبيلهم بالنهاية، وإن بكلفة عالية من مقدراتهم ودمائهم، وبالمقارنة فإنّ الوضع في سوريا لا يمكن سحبه على الوضع الليبي. وليس بالضرورة أن يكون حالها أفضل ما عليه الآن عند تغيير النظام، والأمر مرهون ليكون أسوأ أو أفضل على مجرى الأحداث وتطورها والنهايات التي ستصل إليها.

وبالمقارنة أيضاً، فإنّ القذافي الذي عمد إلى تجهيل الشعب وزجّه في جنون الكتاب الأخضر ليس حافظ الأسد الذي يسجل له، أيّ كان الذي يجري الآن، أنّه غادر الدنيا دون أن يصافح يهودياً إسرائيلياً، ويكفي أنّه لم يغيّر المناهج التعليمية وظلّت طوال الوقت على ما هي عليه من نتاج إسلامي سنّي وعروبي، إضافة لتركه باب الإبداع الفني والأدبي مفتوحاً على كل الثقافات والحضارات دون تقييد إلاّ بموجب طبائع نظام الحكم والمرحلة آنذاك. وغير ذلك ما قدّمه من رعاية وحماية للمقاومة ضد العدو الإسرائيلي رغم ما عليه من ملاحظات وأخطاء كانت حينها تبرر بحكم الأمر الواقع والظروف، ثم، وليس أخيراً، تكفي رعاية حماس طوال السنوات الماضية، وهذه تسجيل للنظام وليس عليه، رغم تحوُّل الأمور الآن، وما يجري من انعطافات أجبرت حماس على المغادرة.

نقول ذلك الآن، أو نذكّر به، لا كي يستمر النظام بما هو عليه من اعتماد لحلول عسكرية وأمنية وصلت مداها البعيد جداً بالقتل، وإنّما لإعلان رفضه واستنكاره، والدعوة مجدداً للنزول عند مطالب الشعب وحقوقه في ما يريد من حكم ونظام، فالرئيس بشار الأسد ليس إلاّ ابناً لمرحلة وظروف، وهي الآن ليس نفسها، ولا ينبغي بموجبها أن يظل حاكماً مدى الحياة.

ولو أنّه يغادر طواعية، فإنّه سيترك سوريا لما هو أفضل لها ولشعبها، ولتكون أحسن مما هي عليه أيام البعث القومي، التي ولّت، وأيام العبث، العبثي التي ما زالت ماثلة.

قلنا أنّ ليبيا أفضل الآن مما كانت عليه، ويراد لسوريا أن تكون أسوأ مما هي عليه الآن، وهذه هي المؤامرة على وجه الدقة.

=================

بعد عام!

صالح القلاب

الرأي الاردنية

19-3-2012

بعدما دخلت الثورة السورية عامها الثاني فإن المفترض أن أصحاب نظام بشار الأسد تخلوا عن العنجهية الجاهلية، التي حكمت أقوالهم وأفعالهم عندما انطلقت هذه الثورة إلى حد أنهم اعتبروها مجرد نزق أطفال وبعض الموتورين وأنها ستنتهي بعد أيام قليلة وتصبح وراءهم، وأنهم بادروا إلى مراجعة واقعية بعيدة عن الأوهام والتخيلات الفارغة وباتوا يدركون أنهم ذاهبون ببلدهم إلى الدمار والهلاك وربما التشظي والحرب الأهلية إن هم لن يذعنوا لمطالب شعب أكّد أنه مستعد لبذل المزيد من التضحيات وأنه ماضٍ في هذا الطريق حتى تحقيق كل أهدافه.

إن المفترض أن الرئيس بشار الأسد بات يدرك بعد مرور عام أن هذه الثورة هي ثورة شعب مُصرٍّ على التغيير الجذري والانتقال ببلده من هذا النمط من الأنظمة الديكتاتورية، التي لم يبق منها إلا نظام يوان جونغ أيل في كوريا الشمالية وعدد قليل من الاستبداديين المُصرّين على التشبث بالماضي، إلى مستجدات القرن الحادي والعشريين والألفية الثالثة حيث الناس هم الذين يقررون مصائرهم ومصائر بلدانهم بأنفسهم وهم الذين يرسمون مستقبل أجيالهم المقبلة.

كان على بشار الأسد أن يحاسب كل مستشاريه وجنرالاته الصغار والكبار، قبل أن تنهي هذه الثورة عامها الأول وتبدأ عامها الثاني، وأن يعاقبهم معاقبة الأستاذ المتسلط لتلامذته الكسالى الذين لم يقوموا بواجباتهم المدرسية وأن يسألهم عما استندوا إليه عندما قالوا أكثر من مرة، بعد شهرين من انطلاقة شرارة أصبحت نيراناً متأججة في سوريا كلها، أن ما جرى بات وراءهم وأن كل شيء قد انتهى.. «وأن القطر العربي السوري لم يكن أفضل مما هو عليه اليوم»!!.

الآن وبعد عام من هذه الثورة المتصاعدة فإن جردة حساب سريعة تظهر أن الخسائر البشرية تجاوزت العشرة آلاف وأن هناك ضعف هذا العدد من الجرحى على الأقل وأن هناك أيضاً عشرات الألوف من المعتقلين والمفقودين وأكثر من مائة ألفٍ من الذين فرّوا إلى الدول المجاورة وأضعاف هذه الأعداد من اللاجئين داخلياً وأن النظام السوري بات معزولاً كالشاه الجرباء وأن قواته غدت مشتتة ومنهكة وذلك في حين أن الأوضاع الاقتصادية أصبحت كمريضٍ في رمقه الأخير.

إن مشكلة هذا النظام المصاب بداء الغرور القاتل أنه بدل أن يبادر إلى مراجعة جدية بعد اقتراب هذه الثورة من الدخول في عامها الثاني وأن يكف عن المناورات والألاعيب، التي إنْ هي كانت محتملة في البدايات فإنها باتت مكشوفة و»ثقيلة الدم» ومكلفة وغير مقبولة بعدما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، لجأ إلى التصعيد الأهوج والانتحاري ودفع بقطاعاته العسكرية المضمونة الولاء على أساسٍ طائفي وللأسف لارتكاب كل هذه الجرائم التي ارتكبت في حمص وحماة وأدلب وفي ريف دمشق والرقة ودير الزور.. وكل المدن والقرى السورية.

والمحزن فعلاً أن هذا النظام لم يدرك في ضوء نتائج غزواته الفاشلة على المدن السورية التي هرس بعض أحيائها بجنازير الدبابات أنه يحارب شعباً بأكمله باستثناء القلة القليلة المعروفة وأن هذا الشعب مُصرٌّ على تقديم المزيد من أرتال الشهداء إلى أن يجترح حريته ويحقق كرامته التي بقيت مستباحة لأكثر من نصف قرن من الزمن وأن كذبة العصابات المسلحة و»القاعدة» غدت مكشوفة ولا يمكن تسويقها إلا على أصحاب أنصاف العقول وأن التدويل الذي بقي يستنكره ويستبعده بات أمراً واقعاً وكل هذا وأن الأيام القليلة المقبلة تُخبّئُ مفاجآت كثيرة أقلها المناطق والممرات الآمنة وأكثرها التدخل العسكري السافر بعدما أصبح بعض العرب وغير العرب لا يتحملون كل هذا البطش البدائي الذي يتعرض له الشعب السوري على مدى سنة كاملة وها هو يدخل السنة الثانية.

=================

التدخل العسكري في سوريا

د. فهد الفانك

الرأي الاردنية

19-3-2012

قادت أميركا التدخل العسكري الغربي في ليبيا بحجة حماية المدنيين عندما بلغ عدد الضحايا ألفي قتيل ، ولكنها لم تحاول التدخل في سوريا بعد أن بلغ عدد الضحايا عشرة آلاف ، فما تفسير ذلك؟.

التدخل الأميركي له شرطان ، واحد خارجي يتحقق في سوريا والجامعة العربية والمجتمع الدولي ، والثاني داخلي يتعلق بما إذا كانت لأميركا مصالح حيوية في سوريا تستحق تكاليف التدخل.

أما الشرط الخارجي ، الذي يهدف لتحقيق شرعية التدخل ، فيتوقف على المطالبة الصريحة بالتدخل من المعارضة السورية ، والمباركة المعلنة من الجامعة العربية ، بحيث لا يبدو التدخل عدواناً ، كما أن المجتمع الدولي جاهز للتدخل لولا صلابة الفيتو الروسي الذي يجري العمل على تليينه.

هذا الشرط متحقق إلى حد بعيد ، فالمجلس الوطني الانتقالي السوري طالب بالتدخل العسكري والمتظاهرون في شوارع سوريا نادوا بالتدخل ، والجامعة العربية تجاوزت الوقار والتحفظ المعتاد في دعوة الأمم المتحدة للتدخل ، فلماذا تتردد أميركا في إطلاق الإشارة.

يتعلق الامر بالشرط الثاني ، فما هي مصالح أميركا في سوريا؟ قد يكون هناك مصالح ولكن هل هي قوية بالدرجة الكافية ، فسوريا لا تهدد أمن إسرائيل بل على العكس تصبر حتى على احتلال أراضيها دون أن تقاوم إلا إعلامياً ، ولا تسمح لأطراف ثالثة بالمقاومة إلا من خارج سوريا ، والبترول السوري شحيح ومن نوعية رديئة ، والتحالف الاستراتيجي مع إيران ليس له ترجمة فاعلة على أرض الواقع بما يهدد مصالح أميركا الإقليمية. والتدخل في سوريا يتطلب قوة أكبر مما استخدم في ليبيا ، وقد يستغرق وقتاً أطول ، وله تكاليف مالية باهظة ونتائج غير مضمونة.

أوروبا لن تتدخل إلا وراء أميركا ، وأميركا ليست في مزاج الدخول في حرب مع بلد إسلامي ثالث أو رابع حتى ولو إلى جانب حلفاء إسلاميين ، والرئيس الأميركي أوباما لا يرغب بالمخاطرة بنتائج الانتخابات الرئاسية القادمة إذا قام بالمغامرة وصادفت صعوبات وتداعيات سلبية ، ولذا فإن أميركا أميل لتوريط دول الجوار وخاصة تركيا والأردن.

تركيا جاهزة للتدخل وراغبة فيه إذا حصلت على مكافأة جيدة ، أما الأردن فيهمه استقرار وأمن سوريا ، ولا يناسبه الدخول في مغامرات غير محسوبة وغير مأمونة ومن شأنها تعريض أمن الأردن نفسه للخطر.

=================

متى ستظهر 'القاعدة' والجهاديون والطائفية في سوريا؟

الياس س الياس

2012-03-18

القدس العربي

سؤال ليس افتراضيا، لا علاقة له في أصول علم الاجتماع السياسي ولا بعلوم 'المؤامرة'، بل من حيثيات التاريخ الطويل والدموي لعلاقة النظام السوري بقدرته على التلاعب واللعب في ساحات الآخرين بامتلاك شبكة استخباراتية خارقة. ولدى رجال الاسد قدرات تبين للعالم بأسره طبيعة أعدادهم وتربيتهم من درعا جنوبا حتى حمص وسطا وإدلب شمالا... هي ذاتها التي كانت قادرة على تخويف وإرهاب مجتمعات عربية محيطة في لبنان والأردن والعراق وفي القضية الفلسطينية.

كم أردنيا ولبنانيا وفلسطينيا وعربيا في سجون هذه المخابرات؟ وكم عدد الذين أرسلتهم المخابرات السورية للزرقاوي في العراق؟ وكم ضمت أقبية المخابرات السورية مرسلين من وكالات غربية وعلى رأسها الأميركية؟ وكم لبنانيا بالتحديد (سياسي، صحفي، تاجر، رجل دين وإنسان عادي مُرر إلى هؤلاء)؟.سؤال يتعلق بالوقائع التي باتت واضحة، إفلاس أمني حين حانت لحظة الحقيقة، فهنا ليست اللعبة مع دول ولا مؤامرة 'كونية' للمقايضة، وعليه يتم إطلاق مجموعات 'إرهابية' سورية وعربية في ظل عجز تام عن وأد إرادة الشعب السوري.

سيسأل سائل: كيف لسوريا النظام أن تطلق سراح هؤلاء مع مجموعات من الجنائيين المحكومين بتهم تتعلق بالمخدرات والقتل؟ الأمر بسيط جدا، من اتهم شابا مصريا بأنه عميل للموساد في بداية الثورة السورية وعرضه على قناته الفضائية تلقينا ثم أطلق سراحه بعد أسبوع، ليس غريبا عليه أن يكون متمرسا بالاحتفاظ بالبشر مثل ماهر عرار وغيره ربما كجثث جاهزة للمسرحيات... لكن، ما أقصده هنا ليس فقط أن النظام المفلس في اجتياحه بالدبابات حتى لقرى بسيطة يبعد بينها مئات الكيلومترات بحجة تنقل 'العصابات المسلحة'، وهو النظام الذي يحضر مسرح الخوف والتخويف لمجتمع سوريا بطوائفه المتعددة. فهذه لعبة باتت مكشوفة.بل نحن أمام لعبة دولية خطيرة: تراخ دولي مع المذابح وإظهار العرب بموقف العاجز بل والمتخاذل مع نظام وحشي، شعارات أميركية في ظاهرها ما يفيد أنها مع حق الشعب السوري ، ولكن عمليا في مصلحة القضاء على ثورته، طلبات تعجيزية عن 'وحدة المعارضة' السياسية السورية لتغطية التغطية على جرائم يقترفها نظام فاشي، الإمعان في المذابح وأخذ المجتمع السوري رهينة اختلاق جرف طائفي مدمر بممارسات وحشية وبثها الترويج الدائم، حتى على لسان من يطلق على نفسه معارض، عن وجود 'قاعدة' وجثث لمقاتلين غير سوريين الإصرار بعد عام على الثورة السورية، بأنها ليست سوى ' مؤامرة كونية' تستهدف 'الرئيس وسوريا البلد'الامتناع، والعجز حتى عن استصدار إدانة دولية لجرائم موصوفة ويندى لها جبين الإنسانية ،عدم شعور هذا النظام المتوحش بأن هناك قانون دولي وبأنه محمي بسبب الحاجة السابقة إليه ،كثرة التحذير من وجود 'القاعدة' والسلفيين وغير السوريين وإنكار كل أحداث القتل والذبح التي تمارسها عصابات النظام ورميها على مدى عام على 'عصابات' خارقة في التحرك والسيطرة على بلد كامل، التحذير المفرط من أن سقوط النظام السوري يعني سقوط الدولة السورية، اختلاف المعارضة على إيجاد بناء يضم كل أطيافها مع خروقات للنظام متعددة الأشكال وتخوين المعارضين الذين يعيشون في الخارج ووقوع البعض في فخ النظام من هيئات وشخصيات في الداخل، رغم أن الكثير من المعارضين في الخارج هم من الداخل وقد غادر بعضهم سوريا حديثا والأهم في كل هذا الأمر أن الشعب السوري الذي يجد نفسه عرضة لأفعال شنيعة يتم التشكيك حتى بحدوثها ومن يقف وراءها، بدءا من الايذاء الجسدي والتنكيل والتدمير والنهب للممتلكات والقتل خارج القانون والاختطاف والاغتصاب والتغييب القسري وبث كم هائل من الأكاذيب على قنوات النظام بالضد من الحقيقة التي يلمسها من تأذى من أفعال عصابات النظام. هي جميعا وإلى جانبها الكثير من العوامل الأخرى التي تمنح النظام الفاشي ممارسة فاشيته بدون حساب أو عقاب وإظهار الأسد متحديا وأنه أقوى من كل القوانين الدولية ومن دول العالم، سوف تؤدي بالتأكيد إلى ما يهلس به هذا النظام عن سيناريوهات وضعها بنفسه.مجتمع يستنجد حتى بالشياطين لتخلصه من شيطان لا يفقه معنى تشظي مجتمعه إلى طوائف وأحقاد ناجمة عن أفعال لا تنسى ولا تسقط بالتقادم.

ما لم ينتبه المجتمع العربي والدولي، وقبله المجتمع السوري وتحديدا الجزء المتفرج والمشجع لذبح الناس على الهوية، فإن سوريا مؤهلة بالتأكيد لفوضى جهنمية تحتوي كل ما حذر منه النظام السوري بنفسه. فهو يستدعي في عقله الباطني كل ذلك السيناريو. عندها لن يكون مفيدا التحسر على ترك الشعب السوري يواجه الدمار وحيدا من أجل بقاء 'الأسد للأبد'.

' كاتب فلسطيني

=================

التفجيرات 'الارهابية' في سورية

رأي القدس

2012-03-18

القدس العربي

تتنوع أخبار القتل في سورية، وتتعدد مصادرها هذه الايام، فبينما كانت هذه الأخبار في بداية الانتفاضة السورية محصورة في اعداد الضحايا الذين يسقطون برصاص قوات الامن التي تستهدف المدنيين العزل، باتت الآن تتحدث تارة عن تفجيرات انتحارية تستهدف مقارا امنية وسط مدينتي دمشق وحلب، واخرى عن عمليات الجيش السوري الحر وما توقعه من خسائر بشرية في صفوف قوات الامن والجيش التابعة للنظام.

يوم امس هز انفجار عنيف لسيارة ملغومة منطقة سكنية في مدينة حلب اوقع العديد من الضحايا قتلى وجرحى، وقبله بيوم وقع انفجاران انتحاريان بسيارتين ملغومتين استهدفا مقرين امنيين في قلب العاصمة دمشق واديا الى سقوط 27 قتيلا وعشرات الجرحى.

السلطات السورية تقول ان هذه التفجيرات هي من تنفيذ جماعات 'ارهابية' ممولة ومسلحة من الخارج، واتهمت صحفها كلا من المملكة العربية السعودية وقطر بالوقوف خلفها، وحملتهما مسؤولية سقوط هذا العدد من الضحايا وتوعدت بالانتقام.

المعارضة السورية تصر على روايتها القديمة التي تتهم النظام بالوقوف خلف هذه التفجيرات لتشويه صورتها، وبث الرعب في صفوف ابناء الشعب السوري، والاقليات الدينية والعرقية داخل نسيجه الاجتماعي على وجه الخصوص، مثل المسيحيين والدروز والاكراد والاسماعيليين الى جانب العلويين، وايصال رسالة بانها اي الاقليات ستكون مستهدفة من قبل هؤلاء 'الارهابيين' في حال سقوط النظام.

الحكومة الامريكية كشفت ان تفجيرات دمشق الاولى التي وقعت قبل شهر تقريبا كانت من فعل جماعات تابعة لتنظيم القاعدة، وعارض مسؤولون فيها تسليح المعارضة السورية والجيش السوري الحر على وجه الخصوص خشية ان تقع هذه الاسلحة في يد هذه الجماعات.

وجود جماعات متشددة في الداخل السوري تعمل لاسقاط النظام امر غير مستبعد، بل يرى البعض انه مؤكد، فقد اعترف وزير الخارجية الليبي بان بعض المتشددين الليبيين يقاتلون حاليا الى جانب الثوار السوريين، ولكنه استدرك بان هؤلاء ذهبوا الى سورية دون علم الحكومة او بالتنسيق معها، كما ان انباء عديدة تحدثت عن تسلل مقاتلين من المثلث السني العراقي الى الاراضي السورية للمشاركة في الثورة المسلحة التي تقاتل لاسقاط نظام الرئيس بشار الاسد، ولا يمكن في هذه العجالة القفز على الشريط الذي اصدره الدكتور ايمن الظواهري زعيم تنظيم 'القاعدة' وحث انصاره على الذهاب الى دمشق لمحاربة النظام 'الطائفي الكافر' على حد وصفه.

النظام السوري لن يتورع عن فعل اي شيء من اجل البقاء في الحكم بما في ذلك استنساخ تنظيمات متشددة، وتنفيذ تفجيرات هنا وهناك والصاقها بها، لكن من المستبعد، من وجهة نظر العديد من الخبراء الامنيين ان يلجأ النظام الى تفجير مقراته الامنية وخسارة هيبته في الوقت نفسه، لان هذه الهيبة هي كل ما تبقى للنظام اساسا، وخسارتها، اي الهيبة الامنية، تعني فقدان النظام لاهم اسس بقائه واستمراره.

سورية تنجرف بسرعة الى حرب اهلية دموية طاحنة في ظل اعمال التسليح التي تقف خلفها دول خليجية تريد التسريع باسقاط النظام ولم تخف نواياها في هذا الصدد. فالتدخل العسكري الخارجي على غرار ما حدث في ليبيا بات مستبعدا في الوقت الراهن على الاقل. ولذلك هناك توجه بشن حرب عصابات تستنزف النظام جنبا الى جنب مع عقوبات اقتصادية قاسية باتت تعطي ثمارها انهاكا للاقتصاد السوري، وتضييق الخناق على النظام والشعب معا.

من الصعب التكهن بمدى نجاح هذا التوجه، ولكن ما يمكن التكهن به ان سورية مقدمة على تفجيرات وحمامات دماء مما يؤدي الى سقوط اعداد مضاعفة من الضحايا الابرياء.

=================

لا حل خلف الحل!

الإثنين, 19 مارس 2012

عبدالله ناصر العتيبي *

الحياة

مرت سنة كاملة على انطلاق الثورة في سورية.

أسد القصر الجمهوري يمعن في قتل العجائز والأطفال ودول العالم تتناقش في كيفية الوصول إلى حلول ترضي الأطراف المتنازعة كافة! الأبرياء، صغاراً وكباراً، نساءً ورجالاً، يفقدون حياتهم كل يوم في الشوارع والبيوت، وأصحاب الرؤى والحلول والمنظِّرون العالميون محتارون ما بين: هل يتنازل أسد المزة عن صلاحياته لنائبه أو يختار بلداً آمناً يلجأ إليه؟!

ما يحدث على الأرض لا يتناسب أبداً مع لغة الخطاب التي يتوجه بها العالم يومياً إلى بشار الأسد ونظامه. طرف يتعامل مع شعبه بوحشية لا حد لها، وطرف آخر يبعث المندوب تلو المندوب الى دمشق من أجل الخروج بحل مرضٍ للطرف الأول أولاً ومن ثم الطرف الثاني!

قوة مفرطة من الطرف الأول في التعامل مع المحتجين في الشوارع والحارات والأرياف، ونعومة لا حد لها من الطرف الثاني في مفاوضات أروقة المكاتب!

ما يحدث على أرض الواقع لا يتناسب أبداً مع الحركة الديبلوماسية المكثفة التي تدور في العواصم المهتمة بالشأن السوري. فلا حل خلف الحل! لا حل للقضية يمكن أن يمر عبر نظام بشار. كل الحلول المنطقية تستبعد النظام من طاولة الحوار، فلماذا الإصرار على إدخاله في لعبة المفاوضات الطويلة التي تعتمد على طرق الوقت وسحبه؟!

على العالم أن يتوقف عن حشر مبادراته في حقيبة سفر وشحنها على طائرات تذرع خطوط الطيران الموصلة لدمشق جيئة وذهاباً، عليه أن يراجع المسألة من جديد. عليه أن يبحث عن أطراف أخرى يجري معها المفاوضات الناعمة! روسيا مثلاً، أو الصين، أو حتى إيران! أو إن أراد الفوز بإحدى الحسنيين: النصر وعدم الرشوة السياسية، فعليه التوجه مباشرة إلى لجان تنسيق الثوار والعمل معها على إسقاط النظام من الداخل!

هل هذا ما أود الحديث عنه في هذه المقالة؟ لا. ما أريد أن أتحدث عنه يتعلق بالإصلاحات التي تلي صعود الشعب وتسبق سقوط الحاكم، فبعد صعود نجم الثورة السورية في العام 2011، وتراكم تجربتها اليومية، سن نظام بشار الأسد عدداً من الإصلاحات التي كان التفكير فيها قبل سنوات يعد ضرباً من تأليف روايات الخيال العلمي.

رُفعت رواتب موظفي الدولة بمقدار 25 في المئة، ثم تلا ذلك خفض ليتر الديزل للمزارعين إلى 16 ليرة فقط للتر الواحد، ثم عاد النظام من جديد ورفع الرواتب 15 في المئة بحيث صارت الزيادة في الرواتب 40 في المئة في سنة واحدة فقط!

وصدرت أوامر مباشرة وواجبة التنفيذ الفوري إلى كل منتم الى القطاعات العسكرية بضرورة تغيير الطريقة اليومية للتعامل مع المواطنين المدنيين من غير الأعضاء العاملين في حزب البعث. كان العسكري (الشرطي أو المخابراتي) قبل قيام الثورة نجماً في الفضاء الاجتماعي السوري، يعمل ما يريد، ويمتهن كرامة من يريد، ويسجن من يريد. كان يضغط على أعصاب المواطن بشكل يومي بمباركة من الحكومة البوليسية، لكن ذلك تغير منذ منتصف العام 2011، فقد أصبح المواطن في حِلٍّ من هذه العلاقة المرتبكة التي لا وجود لها في الألفية الجديدة إلا في عدد محدود جداً من دول العالم! أصبح المواطن نداً لرجل الشرطة، بل وسيّداً له في أحيان عملية كثيرة.

تم أيضاً تسهيل عمليات إعطاء القروض الزراعية والتجارية للمواطنين بمبالغ إجمالية تصل إلى 3 ملايين ليرة للقرض الواحد، الأمر الذي جعل عدداً كبيراً جداً من المواطنين يندفعون للاقتراض بطرق شرعية وغير شرعية، بل وصل الحال ببعض العاملين في الجهات المقرضة إلى تمرير معاملات أعداد كبيرة من المقترضين غير النظاميين تحت نظر النظام وبرعايته!

لكن على رغم كل ذلك، وعلى رغم اندفاع النظام المحموم نحو الإصلاحات، اندفع الشعب في اتجاه معاكس نحو التغيير، لسبب بسيط جداً يتمثل في توقيت هذه الإصلاحات، فلو كانت هذه الحزمة وغيرها من الإصلاحات السياسية والاقتصادية في العام 2006 أو العام 2007، لتحول بشار من طبيب عيون برتبة رئيس إلى رمزٍ وطني خالد، لكننا في العام 2012، ولا حل خلف الحل! الإصلاحات حلول جميلة ورائعة، لكنها ليست المنطقية في هذا الوقت.

هل هذا ما أود الحديث عنه في هذه المقالة؟ لا. ما أود الحديث عنه يتمثل في مسألتين في غاية الأهمية من وجهة نظري: الأولى توريط المواطن السوري في معاملات مالية غير شرعية لإغرائه بالإبقاء على الحكومة (الفاسدة) الحالية كي لا ينكشف أمره مع الحكومات النظيفة الجديدة التي يُتوقع أن تستلم دفة الحكم بعد سقوط بشار، والثاني دعوة صغيرة لبقية الحكومات العربية التي لم يضربها الربيع العربي حتى الآن لتسريع الإصلاح قبل أن يصبح التفكير فيه مجرد «حل خلف الحل»!

* كاتب وصحافي سعودي

=================

سورية... «والمعارضة المحروقة»!

الإثنين, 19 مارس 2012

جميل الذيابي

الحياة

في الثورة السورية قيل الكثير وكُتِبَ الكثير على مدار «عامها الأول»، ما يضطرك أحياناً إلى تكرار نفسك وتجتر أفكارك أو «تَعْلك» شيئاً من سطور الآخرين، أو تجنح إلى طرح الأسئلة ومحاولة الإجابة عنها، بما يتوفر لك من معلومات في ظل التعتيم الإعلامي الذي تمارسه سلطات الأسد.

أسئلة تراكمية عدة تسمعها وتسأل عنها، من بينها: هل سينجح المبعوث الدولي كوفي أنان في مهمته أم سيسقط؟ وماذا سيفعل لمواجهة أكاذيب نظام الأسد وضغوطات العمالقة الكبار؟ هل أنان قادر على إدارة مرحلة حرجة في تاريخ سورية أم أنه سيقاد للسقوط في بئر النظام المظلمة؟ هل سيتمكّن أنان من صنع الفارق أم ستفر منه الحلول إلى أكرا؟

يبدو أن الجواب واضح من عنوانه: لن ينجح!

يبقى السؤال المتكرر، هل سيسقط نظام بشار الأسد قريباً أم سيبقى جاثماً على صدور السوريين ينكّل بهم ويقتلهم ويعذبهم والعالم يتفرج ويتدحرج ببطء؟

للأسف، هناك من يدعّون صداقة الأسد ومعرفته ويرون فيه أنه رئيس شاب ومتعلّم وهم لا يخبروننا أين يكمن ذكاؤه؟ هل أصبحت صناعة الموت والتعذيب ذكاء. لماذا لا يعلن التنحي إن كانت لديه «ذرة» ذكاء كما فعل حسني مبارك أو كما فعل علي عبدالله صالح ولو وِفْقَ مبادرة تحميه من الملاحقات القانونية والقضائية، ويذهب إلى موسكو.

توقّعت تركيا الجمعة الماضية وصول نحو نصف مليون لاجئ سوري إليها مع استمرار عمليات القتل والقمع ورغبة النظام في إبادة المعارضين، ما يستدعي منها النظر في إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية لحماية المدنيين طالما النظام يطبّق سياسة «الأرض المحروقة»، وهو ما يتطلب من الأسرة الدولية اتخاذ حلول عاجلة وتنفيذها لا تسويق المبادرات بما يُكسب النظام فرصة المزيد من الوقت للقضاء على معارضيه عبر القتل والسحق والتعذيب!

عندما اندلعت أولى انتفاضات «الربيع العربي» العام الماضي، كان بشار الأسد يبرر في حواراته الصحافية أن الأوضاع في بلاده مختلفة، وأن شعبه يحبه، وأن سورية ليست مصر أو تونس، لكونه قريباً من الناس ويتفهم المشكلات ويعالجها! كان يردد دائماً أنه مستعد للإصلاحات منذ أن ورث الحكم عن والده، لكن الأوضاع في سورية لم تتغيّر إلا قليلاً على مدى 12 سنة. نجح الأسد (الابن) في تشييد المعتقلات وتطوير عمل جواسيس المخابرات مع إيران وسجن الشعب، وتجاهل الحريات والحقوق الإنسانية، هكذا كان الرئيس المتعلم «الذي يفقأ العيون»، وللأسف لا تزال هناك أبواق إعلامية تنافح عنه وتزعم أنها تدافع عن العروبة والمقاومة!

السيئ في الأمر أن قوى كبرى تتصارع حول كيفية «خلع» الأسد فيما الشعب السوري يذبح يومياً. أميركا تطلُّ بوجهين «شاحبين»، وروسيا لها وجه «شبيح» يدافع عن نظام القتلة ويرخص القتل ب «الفيتو». فرنسا تبيع «الوهم» ولا تفعل شيئاً. في البلاد العربية تبقى مواقف دول الخليج الأقوى ضد ممارسات الأسد، وأخيراً صعّدت من مواقفها بعدما أعلنت عن إغلاق سفاراتها في دمشق بعد تنفيذ النظام «مذابح»، وبذلك تكون قد قطعت أي خط رجعة مع نظام الأسد، الاتحاد الأوروبي لا يبتعد كثيراً عن صلابة المواقف الخليجية الإنسانية والسياسية، أما بقية الدول العربية فغالبيتها مسكونة ومشغولة بالداخل وصمتها «مقلق»!

الأكيد أن إغلاق السفارات وسحب السفراء وإعادة الديبلوماسيين وطرد سفراء النظام السوري حلول جيدة، لكن يجب تجاوزها والانتقال إلى حلول أكثر قوة تحمي الشعب وتمكّن المعارضة من التقدم مثل: تسليح المعارضة ودعمها مادياً، أو تشكيل قوة عربية تساند المجلس الوطني السوري بغطاء دولي، لحماية المدنيين، حتى يمكن يمنح المعارضة فرصة المواجهة والتقدم. لكن يجب على المعارضة أن تتأكد أنه لا يمكن احترامها أو التنبؤ بانتصارها طالما ظلت مواقفها غير موحّدة ومشتتة وتكثر بينها الشكوك وتقاذف الاتهامات والطعن في الولاء، وهو ما يستدعي منها رص الصف وتوحيد مواقفها وتشكيل جبهة قوية على الأرض قادرة على زعزعة نظام الأسد، مع تفعيل قنوات للتواصل عربياً ودولياً لها «كاريزما» مقبولة شعبياً، لا معارضة «محروقة».

لا شك في أن أيام الأسد في السلطة معدودة، وتعنّته يزيده ضعفاً، واستغرب من يتساءل عن بقائه، في ظل سفكه الدماء واقترافه المجازر وتزايد حالات الغضب والثأر وتصاعد النقمة الشعبية ضد نظامه.

اعتقد أن الأشهر الثلاثة المقبلة ستكون قاصمة الظهر لنظام الأسد والدلائل واضحة، وأولها التظاهرات الكبيرة التي تجوب المدن السورية وآخرها ما حدث في الرقة الجمعة الماضية.

نظام الأسد يتعرض في الوقت الراهن لانهيار اقتصادي وارتباك سياسي بسبب استمرار الثورة والعقوبات الدولية وتزايد خشية النظام من النهايات مع تزايد موجة الانشقاقات بين عناصر الجيش.

الأكيد أن نظام الأسد سينهار بطريقة أو أخرى، ولن يصمد طويلاً مع أول ضربة قاضية توجّه لسلطته في حال انشقاق نخب سياسية أو رتب كبيرة من الجيش أو الأمن، أو خروج بعض عائلته ضده، أو تخلي بعض رجال الأعمال الكبار في دمشق أو حلب عنه. وحينها لن ينفعه «فيتو»، روسيا والصين وسلاح إيران، وسيبدأ في التآكل والانزلاق إلى صراعات داخلية وتصفية حسابات واتهامات، ثم تزداد عملية «الانشقاقات الكبيرة» ويكتب التاريخ نهاية نظام دموي «بغيض».

=================

اسرائيل وحماية الأسد

حسين شبكشي

الشرق الاوسط

19-3-2012

في الحادي عشر من شهر مايو (أيار) من العام الماضي كان هناك مقال للي سميث في مجلة «ويكلي ستاندرد»، بوق جماعة المحافظين الجدد بالولايات المتحدة، بعنوان «إسرائيل لا تحمي الأسد.. بل أوباما يفعل ذلك»، وكانت وقتها الثورة السورية في شهرها الثاني، واستغربت حرص هذه الجماعة النافذة والمعروفة بانغماسها الأعمى في دعمها المطلق لإسرائيل وسياساتها. وبالتالي كان هذا المقال «المبكر» لإبعاد الشبهات عن إسرائيل ودعمها لإبقاء وإطالة عمر النظام السوري وتحويل اللوم وتحميل المسؤولية على عاتق إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي يتبع الحزب الديمقراطي، وهو الحزب الذي لا يقدره ولا يحترمه أعضاء المحافظين الجدد، والعكس صحيح جدا، إذ إن الحزب الديمقراطي يعتبر أن جماعة المحافظين الجدد مجموعة متطرفة وغير متزنة في سياساتها وتوجهاتها.

وحقيقة الأمر التي تخفيها هذه المقالة أن إسرائيل هي المدافع الأول والمخفف الأعظم عن الضغوط الدولية للإطاحة «الفورية» بنظام بشار الأسد، وأطلقت عن طريق قوى الضغط المحسوبة عليها تحذيرات من التطرف الإسلامي الأصولي، وتحديدا تنظيم القاعدة الإرهابي، وأدركت إسرائيل أن أميركا هي المستفيد الأكبر من الربيع العربي وتحالفها مع جماعة الإخوان المسلمين التي حصدت نتائج الربيع العربي سياسيا وبسرعة. وبالتالي لن تتمكن من أن تكون في واجهة الدول التي «ترفض» علانية إسقاط الأسد، فكان لا بد من التنسيق مع روسيا، التي تربطها مع إسرائيل علاقات قوية جدا، عن طريق الجالية الروسية اليهودية النافذة وشديدة الفعالية والتأثير في السياسة الخارجية بروسيا وذات العلاقات المميزة مع الكرملين.

إسرائيل ضمنت أربعة عقود من الأمان المضمون على حدودها مع سوريا في عهد الأسد والابن، وهي قيمة سياسية وأمنية وعسكرية لا يمكن أن تفرط فيها أبدا، وهي أيضا غير ضامنة لمن سيأتي بعد ذلك في حكم سوريا وموقفه من إعلان الحرب أو الهدنة مع الدولة الصهيونية.

الخارجية الأميركية نفسها اليوم وبصورة غير مباشرة لديها الأصوات المتعاطفة مع نظام بشار الأسد، والتي لا تخفي ذلك، بتحذيرها من «الفوضى الأمنية في المنطقة في حال سقوط الحكم في سوريا»، وهو ما صرح به المسؤول السابق في الخارجية الأميركية، الذي يدلي بدلوه بين حين وآخر، دينيس روس، وليس روس الشخصية الوحيدة التي تجاهر برأيها صراحة وعلانية في مسألة «إسقاط» نظام بشار الأسد والتحذير منه.

فهناك أيضا رأي ديفيد آرون ميلر، وهو أيضا مسؤول سابق في الخارجية الأميركية، وهو الذي صرح مؤخرا في مقال طويل ومهم ولافت في مجلة «فورين بوليسي» واسعة النفوذ، محذرا من إسقاط نظام بشار الأسد وعواقب ذلك على الأمن الإسرائيلي وعلى أمن المنطقة، ورفع رايات الإنذار الحمراء والسوداء لتحذر من تفاقم الوضع في حال الضغط المبالغ فيه على الأسد ونظامه، وهو الذي أدى إلى أن يكون هناك تحول كبير في الخطاب الإعلامي للبيت الأبيض بشأن الموضوع السوري، وتحديدا بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعدم تطرقه لا هو ولا الرئيس الأميركي باراك أوباما للموضوع السوري البتة، وهو موضوع طبيعي جدا أن يتم التطرق إليه بالنسبة لإسرائيل وحليفها الأول الأميركي، فهناك نظام مجاور لها يتداعى وآيل للسقوط، والبلد فيه مليء بملامح الحرب الأهلية.

ومع ذلك نجح نتنياهو في أن «يطفئ» حماس أوباما الرسمي بخصوص موضوع سوريا، ويحول الحديث عنه إلى موضوع «إنساني» و«إغاثي» لنجدة اللاجئين في بابا عمرو! وليس موضوعا سياسيا بامتياز عن نظام يبيد شعبه بوحشية ودموية، وذلك يفسر أيضا الصمت الإسرائيلي المريب على مرور السفينتين الإيرانيتين اللتين حطتا في طرطوس وسلمت السلاح للنظام السوري دون اعتراض من إسرائيل كما فعلت مع سفينة الإغاثة التركية التي توجهت لغزة منذ فترة، وكذلك صمتت إسرائيل عن السفن الروسية المدججة بالسلاح الثقيل لدعم الأسد، إضافة طبعا إلى حديث وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك لأقطاب الإدارة الأميركية يحذر من سقوط الأسد ويشدد على أهمية التخفيف عنه.

ولكن هناك شعبا وهناك حقا والوقت في صالحهما، فالدائرة الضيقة امتلأت بالتشققات، وتسرب البريد الإلكتروني الخاص بالرئيس بشار الأسد هو دلالة كبيرة على ذلك وإنذار واضح للأيام السوداء القادمة بحق النظام السوري. حتى إسرائيل ونفوذها لن تكون قادرة على حماية نظام الأسد المتهاوي.

=================

تشقلب الدب الروسي.. ولكن!

طارق الحميد

الشرق الاوسط

19-3-2012

التصريحات الروسية الأخيرة تجاه الأزمة السورية تعني أن الدب الروسي تشقلب فعليا، لكنه لم يقف على أقدامه بعد لنرى ضخامة الحجم الروسي، ومدى تأثير انقلابه! فنحن أمام جملة من التصريحات الروسية التي تقول إن موسكو باتت في مرحلة تموضع لإعادة موقفها تجاه الأزمة السورية.

فهناك تصريحات روسية ليست بالهينة، منها تصريحات الرئيس بوتين، التي قال فيها إن موقف بلاده من سوريا ليس دعما للأسد، وإن مصالح بلاده مع الغرب، وبالطبع العرب، أهم وأكبر من مصالحها مع الأسد. وهناك أيضا الاتفاق الروسي العربي في القاهرة على النقاط الخمس الداعمة لمهمة المبعوث الأممي كوفي أنان، وفق القرارات العربية، التي تقتضي الانتقال السلمي للسلطة في سوريا على غرار اليمن، إلى جانب انتقاد وزير الخارجية الروسي في الدوما (البرلمان الروسي) قبل أيام وتقريعه الأسد بالقول: «جميع نصائحنا، ويا للأسف، لم تترجم إلى أفعال، ولم تتحول إلى واقع عملي في الوقت المناسب، لا بل بالعكس»، ومحذرا بأن «الجمود» يمكن أن «يبتلع الجميع في النهاية»!

وهذا ليس كل شيء بالطبع، فآخر التصريحات الروسية المهمة هو ما صدر عن السيد لافروف أول من أمس في مقابلة تلفزيونية مع قناة روسية، حيث قال وزير الخارجية الروسي: «نعتقد أن الحكومة السورية يجب أن تؤيد مقترحات أنان بسرعة، ودونما تأخير»، مضيفا: «أكرر.. نحن لا ندعم الحكومة السورية. نحن ندعم الحاجة لبدء عملية سياسية. ولعمل ذلك من الضروري أولا وقف إطلاق النار». وقال إن: «الجانب الروسي سيبذل كل ما يمكن بذله من أجل ذلك بغض النظر عن القرارات التي تتخذها الحكومة السورية، والتي بالمناسبة لا نوافق على كثير منها»! هذه التصريحات الأخيرة تؤكد ما كتبته يوم السبت بأن مسؤولا روسيا، أقل درجة من لافروف، قد أبلغ وزيرا سوريا بأنه على النظام الأسدي التجاوب مع مقترحات أنان، وأن موسكو ليست مستعدة لأن تبدو وكأنها حامية «قاتل»!

وعليه، فإن الدب الروسي تشقلب فعليا في موقفه تجاه الأزمة السورية، لكنه لم يقف على أقدامه لنرى حجم تأثيره. والواضح أن الاستدارة الروسية الكاملة ستكون مرهونة بالرد الأسدي على جهود أنان، والتي لا يأخذها طاغية دمشق بمحمل الجد كعادته، وإنما يفاوض على طريقة عادل إمام الشهيرة «سيب وأنا أسيب»، حيث إن النظام الأسدي يشترط أن يسلم الثوار سلاحهم أولا، بينما الغرب يقول إن على الأسد وقف القتل أولا، وتقول روسيا بوقف القتال من جميع الأطراف، أي إن موسكو تقف في الوسط. كل ذلك يعني أن على المعنيين بالمنطقة التواصل مع موسكو أكثر من أي وقت مضى. فإذا كانت روسيا تسمح للقوات الأميركية باستخدام أراضيها، فكيف ستذهب إلى آخر مدى للدفاع عن الأسد؟ أمر لا يستقيم. ولذا، نقول إن الدب الروسي تشقلب، وبقي أن نراه واقفا على أقدامه، لنشهد انقلابا في الأزمة السورية، وأعتقد أننا اقتربنا من ذلك.

=================

المعارضة السورية.. سنة أولى ثورة!

أكرم البني

الشرق الاوسط

19-3-2012

نعترف بداية وبعد سنة من انطلاق الثورة السورية بأن المعارضة السياسية وبكافة أطيافها لم ترق إلى مستوى التحديات والمسؤوليات الملقاة على عاتقها، ولا يبرَّر ذلك التذكير بما عانته طيلة عقود من جور السلطة وظلمها أو القول إنها المرة الأولى في تاريخها التي توضع أمام امتحان حقيقي لدورها وقدرتها في قيادة حراك شعبي واسع يطالب بالتغيير الجذري.

سنة مرت ولم تنجح المعارضة في مواكبة حركة الناس في ثورتهم، أو على الأقل كسب ثقتهم، ولم تستطع أن تبدع أشكالا وطرائق للتواصل والتفاعل معهم، وهي ثغرة كبيرة في ثورة كالثورة السورية، تتسم بأنها جاءت مفاجئة وعفوية، لم يخطط لها مسبقا ونهضت بمعزل عن البرامج الحزبية، ومن دون قوى سياسية عريقة تقودها، أو شخصيات تاريخية أو كاريزمية تتصدر صفوفها.

وطبعا لا يمكن للمعارضة السورية أن تعالج هذه الثغرة وتنجح في نيل ثقة الناس ودعمهم ما لم تنجح في إظهار نفسها كطرف متميز، ينقض التعامل الفوقي مع المجتمع ويشكل قدوة ومثلا يحتذى في المثابرة والتضحية وتقديم المبادرات بوتيرة سريعة لتلبية مطالب الحراك الشعبي ودعم صموده، وتغذيته بالتوجهات والخبرات السياسية والمعرفية.

بعد سنة من الثورة تبدو المعارضة السورية كأنها رد فعل أو صدى لصوت الشارع، فلا تزال مقصرة في تقديم رؤية متكاملة لمسار الصراع والخطط الكفيلة بتبديل المشهد والتوازنات القائمة بأقل تكلفة، ولنقل مقصرة في تقديم إجابات شافية عن أسئلة ملحة تشغل بال الكثيرين حول سياق عملية التغيير وشروطها وما يكتنفها من منزلقات ضمن خصوصية المجتمع السوري بتعدديته وحساسية ارتباطاته الإقليمية والعالمية، وخاصة إدراك حدود الرهان على التدخل الخارجي الداعم، المشروط بالأمن الإسرائيلي وبمصالح إيران وروسيا وبتخوف من حدوث هزة في الاستقرار السياسي في المنطقة، بما يعني أن تضع في الحسبان خيار تمكين الحراك الثوري وتعزيزه على أنه قد يواجه مصيره وحيدا وأن قدره أن يصنع مستقبله بسواعد أبنائه.

بلا شك لا نستطيع القول إن العمل المعارض لم يحرز تقدما ملموسا على صعيد إثارة قضايا الثورة السورية ومعاناتها في المحافل العربية والدولية، ولم يبذل جهدا سياسيا وإعلاميا مساندا للحراك الشعبي، خاصة احتلال بعض المعارضين حيزا من المشهد الإعلامي لمساندة مطالب الناس وحقهم في التظاهر والاحتجاج وتفنيد أكاذيب الإعلام الرسمي وادعاءاته عن مؤامرة خارجية وعصابات مسلحة وغيرها، لكن مثل هذه الخطوات لا تكفي أمام استمرار القمع المعمم والأثمان الباهظة التي يتكبدها الناس بصورة يومية.

والحال، في خصوصية المجتمع السوري التعددي، تقع على المعارضة السياسية مسؤولية كبيرة في طمأنة الرأي العام وقطاعاته المترددة، وخاصة الأقليات الخائفة على مصيرها ومستقبلها، وإقناعها بالعلاقات الصحية المفترض صياغتها بين مكونات المجتمع الواحد، فلن تنمو الثقة بالتغيير ويشتد عود الثورة وترسخ أقدامها في الأرض وتصان من الانزلاق إلى العنف وإلى صراعات متخلفة تحرفها عن أهدافها، إذا لم تتوسع دائرة انتشارها وتزداد نسبة المشاركين فيها وتكسب فئات المجتمع السلبية والصامتة إلى صفوفها، وما يعزز هذه الثقة أن تحرص المعارضة بمختلف فصائلها على ممارسة سلوك ينسجم مع شعارات الحرية والتعددية التي ترفعها، عبر مراقبة حازمة لأفعالها، وإبداء أعلى درجات الاستعداد للتسامح والتعاون والتكافل، وأن تثبت للجميع أنها على اختلاف فئاتها ومذاهبها وطوائفها وقومياتها ومشاربها الآيديولوجية قادرة على التوافق وعلى احترام تنوعها والاحتكام لقواعد العملية الديمقراطية السلمية وأنه يمكن الوثوق بها لتجنيب البلاد احتمالات الفوضى والصراع الأهلي والتفكك والتذرر.

سنة مضت ولا تزال المعارضة السورية تتعثر في توحيد صفوفها، أو على الأقل في ضبط إيقاع خطابها السياسي، وللأسف فإن دل المشهد المزدحم بالعديد من التكتلات السياسية والمبادرات وبتواتر عقد المؤتمرات والاجتماعات، داخل البلاد أو خارجها، على حيوية الحقل السياسي والثقافي السوري المعارض وتنامي استعداده عموما في ضوء الأحداث المستجدة للمشاركة وتحمل المسؤولية، لكنه دل أيضا على وجود أسباب عميقة وبنيوية لتشتته ودوافع مقلقة تعيق رص صفوفه، في إشارة إلى التنافس المرضي والمؤذي بين أهم أطرافه، وإلى من تحكم سلوكه الأساليب المتخلفة والحسابات الخاصة والمصالح الحزبية الضيقة، أو من لا يزال يدعي ملكيته الحق التاريخي في الزعامة والريادة، فيحاول مرة التلويح بسيف تضحيات الشارع والاستقواء بها لفرض رأيه، ولا يخجل مرة ثانية من استخدام وسائل فوقية وسلطوية يعيبها على غيره في السيطرة وتعامله مع الآخر المختلف! لتبدو المعارضة السياسية مع تزايد عدد الهيئات والائتلافات التي لا تزال تعلن عن نفسها تحت مسميات متنوعة، حتى بعد تشكيل «المجلس الوطني» كمن تدور حول نفسها أو في حلقة مفرغة، وكأن ما يحصل ليس خيارا تاريخيا ملحا لسد فراغ سياسي خطير، والأهم للتفاعل مع التحركات الشعبية المطالبة بالحرية وتجذيرها ومدها بكل أسباب الاستمرار والدعم!

أخيرا، لا يصح القول إن التوقيت غير مناسب لتناول أحوال المعارضة نقديا، بل العكس هو الصحيح، إذ من واجب الجميع، الآن قبل الغد، تقديم النقد لها بما يمكنها، قبل فوات الأوان، من تجاوز ما تعانيه من مثالب وعثرات، خاصة أنه لم يتسن، قبل اليوم، للنخب السياسية والثقافية المعارضة الوقوف أمام امتحان الثورة الكبير كي تختبر قناعاتها وممارساتها وإمكانياتها السياسية، ولم تكن، قبل اليوم، مدعوة بهذه الصورة الملحة لتحمل المسؤولية التاريخية المنوطة بها، وبداية للمسارعة في مراجعة نفسها بجرأة وإدراك ما وصلت إليه وكيفية تجاوزه، فليس أكثر من الوقوف عند النقائص وتحديد أسبابها، ما يدفع قوى المعارضة الجادة والصادقة إلى الأمام ويحفزها على رص صفوفها وتطوير دورها وفاعليتها.

=================

عام آخر على الثورة في سوريا

عطاء الله مهاجراني

الشرق الاوسط

19-3-2012

لا يزال بشار الأسد ونظامه يحاربون من أجل السلطة. لقد قتل أكثر من ثمانية آلاف سوري حتى هذه اللحظة، وتم اعتقال ما يزيد على 20 ألفا، واضطر الآلاف إلى مغادرة منازلهم، وهدم الكثير من المنازل بفعل المدفعية الثقيلة، مع ذلك لا يبدو أن الأسد لديه أي نية للتخلي عن السلطة.

ما هو الثمن الفعلي للحكم؟ إنه مقتل شخص واحد على الأقل كل ساعة على مدى العام الماضي في سوريا، بمعنى أن أكثر السوريين الآن يعرفون شخصيا فردا واحدا على الأقل قتل على يد النظام.

منذ عام لم يكن هناك سوى مظاهرة صغيرة في درعا. وفوجئ سكان درعا عندما فتحت قوات الأمن النيران على مدنيين عزل في الشوارع. بدا الأمر مثل كابوس خلال الثلاثة أيام الأولى، وامتد هذا الكابوس ليشمل مدنا أخرى في شتى أنحاء البلاد، إيذانا ببداية «الربيع العربي» في سوريا. نحن الآن إزاء سؤال مهم: هل سيبقى نظام الأسد في سدة الحكم لعام آخر؟ هل سيستمر في قتل شعبه؟ هل ستستمر كل من روسيا والصين في دعمهما لنظام الأسد خلال العام الثاني على الثورة؟ كما نعرف جميعا؛ لا يحكم البلاد سوى عائلة واحدة هي عائلة الأسد، وحزب واحد هو حزب البعث، وطائفة واحدة هي طائفة العلويين، فهذا إطار وهوية النظام السوري.

ويحكم هذا الثالوث المكون من الأسرة والحزب والعلويين سوريا لما يزيد على 4 عقود، لكن بدا لي أن العالم تغير، ففي يوم الخميس الموافق الخامس عشر من مارس (آذار) قرأنا الرسائل الإلكترونية للأسد وزوجته في صحيفة ال«غارديان» واستنتجنا أن الأسد وأسرته وحكومته يعيشون في منزل من الكريستال. على سبيل المثال، نعلم أن زوجة الأسد كتبت لأصدقائها المقربين عن تفاصيل عرض خاص بأحذية جديدة ومنها حذاء ارتفاع كعبه المطعم بالكريستال 16 سنتيمترا وسعره 3795 جنيها إسترلينيا، وأنها أنفقت مبلغا كبيرا من المال لشراء شمعدانات وطاولات وثريات من باريس. ولا يمثل هذا سوى جانب بسيط من نمط الحياة الذي يعيشونه.

لذا أود القول إنه قد يكون من الصعب إخفاء مثل هذا النفاق، فأتذكر مقابلة الأسد مع أندرو غيليغان لصحيفة «تلغراف» في 30 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2011. وجاء في المقابلة: «يعيش الأسد في منزل صغير نسبيا في شارع عادي، وإن كانت تحيط به حراسة مشددة. ويعتقد أن نمط الحياة المتواضع ليس سوى عنصر آخر من قبوله.. وهناك أيضا شرعية الانتخابات وشرعية شعبيته».

وقال خلال المقابلة: «سيتم خلعك، إذا لم تكن تتمتع بشرعية الشعب، سواء كنت منتخبا أم لا. انظر إلى كل المؤامرات التي تحاك من حولنا. وحياتك الشخصية تعد المكون الأول لشرعية الشعبية، فطريقة حياتك في غاية الأهمية. أنا أعيش حياة طبيعية عادية، فأنا أقود سيارتي بنفسي، ولدينا جيران، وأصطحب أبنائي إلى المدرسة، لهذا أتمتع بالشعبية. إن من الضروري العيش بهذه الطريقة فهي طريقة الحياة السورية».

وكما أخفقت زوجة الأسد في إخفاء أمر حذائها ذي الكعب العالي، لم يعد الأسد قادرا على إخفاء يديه المخضبتين بالدماء، فنحن نعيش في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، وهو يختلف تماما عن الوضع قبل ثلاثين عاما، وقت ارتكاب والده حافظ الأسد مذبحة حماه. ما أعنيه هو أنهم غير قادرين على إخفاء نمط الحياة الذي يعيشونه فحسب، بل أيضا غير قادرين على إخفاء طريقتهم في الحكم في هذا العالم الذي يتسم بالشفافية. ويلقي بشار الأسد خطبا ويعطي دروسا عن الحرية والديمقراطية والاستفتاء والإصلاح والاستقلال الآن أكثر من أي وقت مضى. إنه يؤكد باستمرار الدور المحوري الذي تضطلع به سوريا من أجل مقاومة إسرائيل وما إلى ذلك، لكن هذا ليس سوى وجه واحد من العملة، فالوجه الآخر يوضح دعم إيران وحزب الله لنظام الأسد.

وتوضح رسائل البريد الإلكتروني، على ما يبدو، تلقي الأسد مشورة من إيران أو حزب الله حول عدة أمور خلال الأزمة. وقبل خطاب له في ديسمبر (كانون الأول)، وضع مستشاروه الإعلاميون قائمة طويلة بالمواضيع. وتضمنت المذكرة نصيحة للأسد باستخدام لغة «صارمة عنيفة» وتقدير الدعم المقدم من الدول الصديقة. وكذلك ورد بالمذكرة نصيحة للنظام بتسريب المزيد من المعلومات الخاصة بقدرة الجيش على إقناع الشعب بصموده أمامهم.

وتلقى الأسد باسمه المستعار رسالة عبر البريد الإلكتروني من حسين مرتضى، يخبره فيها بمقابلته لأشخاص من إيران وحزب الله، وأنهم يبلغونه بضرورة عدم ذكر أن تنظيم القاعدة وراء ما يحدث. إنه تكتيك إعلامي واضح. («الغارديان» 15 مارس 2012). ويتضح من رسائل البريد الإلكتروني، التي يعود تاريخها إلى ديسمبر، مدى توتر الأسد وزوجته، حيث تقول زوجته في إحدى الرسائل: «إذا بقينا متماسكين معا، فسوف نتجاوز هذه الأزمة معا. أحبك».

يمكن للمرء أن يتخيل قصة حب أخرى، يقول فيها الأسد للنظام الإيراني: «إذا بقينا متماسكين معا، فسوف نتجاوز هذه الأزمة معا. أحبك». أعتقد أن قصتي الحب هاتين لم تعودا تجديان نفعا؛ فالأولى تقوم على شراء مقتنيات فاخرة وما إلى ذلك، بينما تقوم الثانية على العنف. وفي حين يغذي المال الأولى، يغذي قتل الناس وتدمير المنازل الثانية، وهذا يجعل مصير الاثنين الفشل.

ويمكننا ملاحظة شكل آخر من أشكال النفاق في استراتيجية الأسد، فعندما يقول: «إن هذا هو أفضل إصلاح يمكن أن تشهده بلادي.. ونحن سوف نعدله بدلا من هراء القوانين والأحزاب والانتخابات والإعلام»، يبدو أن الأسد وعقيلته في عالم آخر وهمي منفصل تماما عن الواقع. في الأوهام تكون القلعة أفضل من المنزل البسيط، بينما يقول محمد الماغوط: «الكوخ الذي تضحك فيه خير من القصر الذي تبكي فيه».

يبدو أن بشار الأسد يريد أن يغير سوريا بعد أن تصبح خرابا، حيث يمكن للمرء سماع صوت البكاء من كل ركن من أركان البلاد. في بلد العجائب هذه حيث يبكي السوريون على أبنائهم ويشاهدون عاجزين تدمير منازلهم على يد مدفعية النظام، ترى ما هو الثمن الحقيقي لأحذية السيدة الأولى الفخمة؟

==================

اللعب بالنار السورية

د.باسم الطويسي

الغد الاردنية

19-3-2012

من يريد مناصرة الشعب السوري ودعم نضاله الديمقراطي، وإنهاء المأساة الدموية التي يعيشها منذ أكثر من عام، لا يجب أن يطلب من الأردن أكثر من الحياد الإيجابي لمصلحة الشعب السوري. وأي محاولة لدفع الأردن نحو التورط بالنار السورية، لا تعني التضحية بمصالح وطنية أردنية واضحة كالشمس، بل والتضحية بالمنافذ الإنسانية التي يوفرها الأردن، بأكثر من شكل ومضمون، لدعم الشعب السوري وثورته، وهي منافذ يعرف السوريون وحدهم أهميتها وحساسيتها.

الأنباء العربية التي ترددت مطلع هذا الأسبوع عن أسلحة سعودية تنقل من خلال الأردن لتسليح الجيش السوري الحر ونفتها الحكومة الأردنية، تشير بشكل أو آخر إلى حجم تضارب الاجتهادات وصراع السيناريوهات وسط المعسكر العربي– الغربي الداعي إلى إنهاء النظام السوري بأي ثمن من جهة، كما تشير إلى حجم الضغوط والإغراءات التي يتعرض لها الأردن للدخول إلى لظى النار السورية من جهة أخرى.

الوضع السوري الذي يزداد تعقيدا يوما بعد يوم، يحتاج عقلانية سياسية من نوع آخر، مقابل الحساسية التي أخذت تستشعرها أكثر الدول الداعية إلى سرعة حسم الأوضاع في سورية، فما بالك بالأردن، ومنها دعوة وزير الدفاع الأميركي إلى التفكير في عواقب عمل عسكري مباشر ضد النظام السوري، وأن ما يمكن العمل به في هذا الوقت هو الإبقاء على الضغوط الدولية، مشيرا إلى وجود منظومة دفاع جوي قوية يسيطر عليها النظام، منتشرة في الأحياء السكنية يصعب تدميرها. ماذا يعني ذلك؟ هل الولايات المتحدة التي ملأت الدنيا بالهتاف للثورة والثوار ستتركهم فوق الجسر لمصيرهم؟ وهل تذهب الأمور نحو مقولة مأساة الثورة غير المكتملة، أو أن الولايات المتحدة تتجه نحو توكيل المهمة للقوى الإقليمية للتعامل مع النظام؟ وحتى قبل الوصول إلى هذا الاستنتاج، علينا تذكر أن الأتراك الذين قدموا طوال العام الماضي أكثر الخطابات نارية في مساندة الثورة السورية لم يسحبوا سفيرهم من دمشق إلى هذا الوقت، وما يزالون مترددين في مسألة إعلان منطقة عازلة على الحدود السورية- التركية لإيواء اللاجئين.

تقدير الموقف من الأزمة السورية على المستوى الدولي يتم على أساس الحسابات الدقيقة لمصالح كل دولة، وفق محددات شبكة تحالفاتها. على المستوى الإقليمي، تعد المصالح واحدة من حزمة معقدة من الحسابات والأبعاد الأيديولوجية، وحتى الثأرية. وعلى المستوى الأردني، لا تنفع المسطرة الدولية ولا الإقليمية لقياس عواطف الأردنيين حيال دماء السوريين، ولا تصلح لحساب المصالح الوطنية.

السيناريو الذي يطبخ على نار مشتعلة يشير إلى تخلي القوى الدولية عن خيارات التدخل الخارجي، مقابل فتح أبواب عديدة لنقل السلاح للمعارضة تحت شعارات ممارسة الضغط الدولي على النظام في دمشق، الأمر الذي يعني عمليا المزيد من التدهور والدخول في حرب أهلية محمومة يفقد النظام فيها السيطرة على أجزاء كبيرة من البلاد، ما سيدفعه إلى سيناريو كارثي ومرعب من التهجير والاقتلاع. الأردن لن يخدم قضية الشعب السوري بأي تصعيد من طرفه. ويحتاج هذا الأمر المزيد من التفهم إقليميا ودوليا، مقابل الحاجة إلى فتح الأفق بحرية ومرونة أمام الدبلوماسية الشعبية الأردنية لتقديم كل ما تقدر عليه في التعبير عن ضمائر الأردنيين.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ