ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 08/06/2005


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


إلى أين تقود 

بوصلة السياسة البريطانية؟

باتريك سيل

في خطابه الذي ألقاه في واشنطن, في الثامن عشر من شهر مايو الجاري, حدد وزير الخارجية البريطاني جاك سترو, الخطوط العامة لأهداف السياسات الخارجية لبلاده, خلال السنوات الخمس المقبلة.. يذكر أن الانتخابات العامة التي أسفرت عن فوز حزب العمال للمرة الثالثة, كانت بمثابة نصر تاريخي لرئيس الوزراء توني بلير, على الرغم مما لحق بسمعته الشخصية من أذى, نتيجة لقراره الانضمام إلى حرب بوش على العراق – وهي الحرب التي لا زال الكثيرون ينظرون إليها, على أنها شنت بناءً على مبررات ومسوغات مطبوخة وزائفة, وأنها لم تفض إلى شيء سوى الهشيم ونشر الموت والدمار على نطاق واسع.

نتيجة لذلك فقد دفع بلير ثمناً سياسياً باهظاً جراء تحالفه مع بوش ومعسكر دعاة الحرب في أوساط المحافظين الجدد في واشنطن. فقد انخفضت أغلبيته في مجلس العموم من 166 إلى 66 صوتاً فحسب. بل وارتفعت الأصوات حتى داخل حزبه, بضرورة تنحِّيه عن المسؤولية, وإخلاء منصبه لوزير ماليته جوردون براون, ذي الشعبية السياسية الواسعة, لكونه مهندس الانتعاش الاقتصادي الذي شهدته بريطانيا, خلال السنوات الثماني الماضية. واليوم فإن الكثير من المراقبين الأوروبيين – بمن فيهم المراقبون البريطانيون- يتطلعون إلى أن يبادر بلير إلى تصحيح موقفه وسياساته الخارجية التي انتهجها, خلال فترتيه السابقتين في رئاسة وزراء بلاده. وفي مقدمة ذلك التصحيح بالطبع, الاستقلال بسياساته نوعاً ما عن واشنطن, والسعي لإصلاح علاقاته مع جيرانه الأوروبيين, بما في ذلك علاقاته مع كل من فرنسا وألمانيا, اللتين تشددتا في معارضتهما للحرب, والوقوف في وجه واشنطن.

بيد أن الحديث الذي أدلى به جاك سترو مؤخراً في واشنطن, أطاح تماماً بأية آمال وتطلعات لحدوث تصحيح بريطاني كذاك. فقد أكد سترو أثناء حديثه أن التحالف البريطاني مع واشنطن, هو تحالف استراتيجي راسخ, ولا مجال للتراجع عنه أو الانتقاص من أهميته. يشار هنا إلى أنه كثيراً ما أشير إلى بلير في لغة الثقافة الشعبية الساخرة, على أنه "جرو صغير" تابع لبوش. وإن كان الأمر كذلك, فإن حديث سترو المشار إليه, يجعل بريطانيا لا تكتفي بصفة التبعية تلك, إنما تزيد عليها, كونها "ببغاء" لواشنطن وبوقاً لها. وليس أدل على ذلك, من إمكان كتابة الكلمة التي ألقاها جاك سترو, بقلم أي واحد من كتبة الخطابات الرسمية التي يلقيها الرئيس بوش. ولمن يساوره الشك فيما أقول, أسوق هذا المثال مما جاء به خطاب جاك سترو:"وكما أكد الرئيس بوش بعزم وقوة, فإنه لمن الأهمية بمكان – بالنسبة لمستقبلنا ومستقبل كافة الشعوب والأمم، أن ندعم نشر الديمقراطية على نطاق العالم كله". ومضى سترو إلى القول "إن ذلك الواجب يتسم بكونه عملياً بقدر ما هو أخلاقي. فالديمقراطيات لا تحارب بعضها بعضاً كما نعلم. كما تقل احتمالات تحول الشعوب والأمم التي تملك زمام أمرها وتسهم في رسم مستقبلها, إلى شعوب وأمم متطرفة, أو أن تنزع إلى الكراهية والعنف". ويخلص سترو من هذه المقدمة المطولة إلى القول:"ولكل ذلك, فإن من الواجب أن نجعل من المساهمة في نشر الديمقراطية, لب سياستنا الخارجية". ومن المثير للدهشة والملاحظة هنا, أن سترو استعار من خطابية الرئيس بوش, الخواء نفسه الذي تنضح به تلك الخطابية فيما يتصل بـ"الزحف إلى الأمام على طريق الحرية". ومما لا ريب فيه أن هذه الخطابية إنما هي تعبير محكم عن المبدأ الذي ينادي به المحافظون الجدد, الذي بشر به خلال السنوات القليلة الماضية, المسؤولون الأميركيون الموالون لإسرائيل, ومراكز الأبحاث والدراسات المعبرة عن آيديولوجية المحافظين الجدد في واشنطن, علماًَ بأنه المبدأ الذي انبنت عليه سياسات إدارة بوش الشرق أوسطية. كما تلاحظ استماتة المحافظين الجدد إثر هجمات الحادي عشر من سبتمبر, في البرهنة على أنه لا صلة مطلقاً لتلك الهجمات, بالدعم الثابت الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل, في سحق واضطهاد هذه الأخيرة للفلسطينيين. وبدلاً من مواجهة الحقيقة, آثر هؤلاء دفن الرؤوس في الرمال والقول إن الكراهية التي تحظى بها الولايات المتحدة, ليست ردة فعل على السياسات الخارجية للإدارة إزاء المنطقة, بقدر ما هي ناتجة عن السياسات المستبدة المتخلفة التي تتبناها النظم العربية نفسها, إضافة إلى كونها تعبيراً عن كوامن العنف الفطري, الراسخ في الديانة الإسلامية نفسها.

وعليه فقد ترتبت عن هذا التحليل الوصفة السياسية التالية: أصلحوا الشرق الأوسط, انشروا الديمقراطية فيه, أعيدوا رسم الخريطة السياسية الجغرافية هناك, ثم لكم أن تروا كيف تقر عين واشنطن والغرب وتل أبيب! ذاك هو المبدأ الذي تشرب به, ولاكه كل من بلير ووزير خارجيته جاك سترو. وفي هذا المبدأ خطر وأي خطر على السياسة الخارجية البريطانية, لكونه يصرف الأنظار عن المشكلات الحقيقية التي تعانيها المنطقة, جراء الاحتلال الأميركي غير المشروع للعراق, والاحتلال الإسرائيلي غير المشروع لفلسطين, وما يرتبط به من تعد استيطاني على الأراضي الفلسطينية. وما أسهل على كل من بوش وبلير وسترو, الانغماس في حلم الأماني والأوهام السعيدة بنشر الحرية والديمقراطية في المنطقة, بدلاً من العمل الجاد, والتصدي للمشكلات الحقيقية الملموسة على الأرض. ويتطلب هذا التعامل الواقعي مع المشكلات, أن تبلور واشنطن استراتيجية خروج واضحة من العراق, وأن ترغم إسرائيل على تمهيد الظروف والمناخ المفضي للإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة.

حرصاً منه على إرضاء حلفائه الأميركيين, فقد عزف سترو على عدد من الأوتار والنغمات التي تطرب لها أذن واشنطن. من ذلك مثلاً قوله:"يهمنا أن نتابع ما بدأناه في العراق, ولابد من إيقاع الهزيمة بالإرهابيين" كما أشاد سترو بقرار الانسحاب الإسرائيلي "الشجاع" من القطاع على حد تعبيره. وتحرياً منا لإنصاف الرجل, فقد مضى سترو إلى القول أيضاً:"وعلى إسرائيل أن تضع حداً لتوسعها الاستيطاني غير المشروع, الذي يهدد في بعض المناطق, إمكانية قيام الدولة الفلسطينية المستقبلية". كما استطرد سترو في هذا المنحي قائلاً: "سيكون العمل من أجل دعم حل سلمي ديمقراطي للنزاع بين الطرفين - وهو حل يقوم على الإعلان عن دولتين ديمقراطيتين تتعايشان معاً في أمن وسلام- في صدر قائمة أولويات السياسة الخارجية البريطانية". غير أن هذه الصيغة نفسها, تتحايل على المشكلة الجوهرية في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. فجوهر المشكلة لا يكمن في طبيعة الحكم أو النظام الذي سيرضى الفلسطينيون العيش في ظله. إنما يتمثل هذا الجوهر في الاحتلال الإسرائيلي الوحشي للأراضي الفلسطينية, وفي إقامتها لنقاط التفتيش وتقييدها لحرية حركة الفلسطينيين, وفي تدميرها للغرس والكروم, وفي توسيعها للمستوطنات, وإقامتها للجدار الأمني.

إنه لمن المحزن أن نرى بريطانيا وهي تعزف على هذا النحو الببغائي, الألحان والكلمات ذاتها التي ترددها واشنطن, مثلما فعل وزير خارجيتها جاك سترو في واشنطن. ومع أن بريطانيا كانت قد وعدت في ظل قيادة توني بلير, أن تصبح جسراً واصلاً بين أوروبا والولايات المتحدة, إلا أنها رددت خلال حديث سترو, المعاني الجوفاء نفسها, التي يروق للبيت الأبيض سماعها: "نحن نعد بتعزيز وتقوية التحالف من أجل الحرية ما بين أوروبا وأميركا". وها هي الكلمة الببغاوية نفسها تتكرر وتجتر "الحرية". ولكنْ كم تبدو فارغة ومخادعة, ما أن ترتطم بصخرة الواقع الحي الملموس في كل من العراق وأفغانستان!

ولكي تلعب أوروبا دورها الدولي, وتعمل على نشر قيم حقوق الإنسان والتسامح والعدل الاجتماعي -علماً بأن هذه القيم, هي أساس الديمقراطية ولبناتها- فإنه ينبغي لها أن تكون قارة موحدة, وأن تنال فيها بريطانيا العضوية الكاملة داخل الاتحاد الأوروبي. لكن وللأسف, فإن لتوني بلير وجاك سترو, قناعة أخرى مغايرة تماماً. 

الراصد للتوثيق الاعلامي ـ 25/5/2005

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ