ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 06/03/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مؤتمر أصدقاء سوريا!

رضا محمد لاري

الإثنين 05/03/2012

المدينة

انطلقت مؤخرًا من العاصمة التونسية «تونس» أعمال مؤتمر أصدقاء سوريا، بمشاركة وزراء خارجية الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، والاتحاد الأوروبي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وعدد من الدول الكبرى -إقليميًّا، ودوليًّا- من بينها الولايات المتحدة الأمريكية.

عُقد المؤتمر الذي استمرت أعماله يومًا واحدًا فقط، وسط حالة من الغموض الشديد، والارتباك الزائد بشأن ما يمكن أن يقدّمه أو يضيفه من قرارات وإجراءات لدعم الثورة السورية، فلم يوجد جدول أعمال واضح للمؤتمر يمكن دراسة الوضع السوري الراهن، وجاء المؤتمر وسط حالة من التضارب في الرؤية والأفكار، بل والتصريحات فيما بين الأطراف الأساسية المشاركة فيه، وحتى من جانب تونس نفسها التي استضافت المؤتمر، وقد برز هذا التضارب في الرأي من البداية أولاً في الموقف من المجلس الوطني السوري، حيث تراجع وزير الخارجية التونسي رفيق عبدالسلام عن تصريح سابق له، استبعد فيه مشاركة سوريا بتياراتها المعارضة في أعمال المؤتمر، حيث صرّح بأن المجلس الوطني السوري سيشارك في المؤتمر، معتبرًا ذلك أمرًا مطلوبًا بهدف السماح لوجهة نظرهم، كما تمثل التضارب الثاني في مدى إمكانية اعتراف المؤتمر بالمجلس الوطني السوري كممثل للشعب السوري، ففي حين لم يستبعد راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة الإسلامي التونسي إمكانية الاعتراف بالمجلس قال وزير الخارجية التونسي في تصريح مماثل إن فكرة الاعتراف بالمجلس ليست واردة الآن، أمّا دوليًّا فإنه على الرغم من توجيه تونس دعوتين إلى روسيا والصين حتى يحضرا المؤتمر، وتصريح الدكتور نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية بأن هناك توقعات بإمكانية حدوث تغيير في الموقف الروسي، فقد أعلنت روسيا رفضها المشاركة في المؤتمر، ولمّحت إلى أن المؤتمر لن يكون إلاّ واحهة لتمرير أجندات «جداول أعمال» خاصة لقوى دولية بعينها، هدفها أبعد من مساندة الشعب السوري في مطالبه حول الحرية والديموقراطية، وهو التمهيد للتدخل العسكري بعد توفير الحجج اللازمة.

قال المتحدث الرسمي باسم الخارجية الروسية الكسندر لوكاشيفيتش إن الوثيقة الختامية لمؤتمر أصدقاء سوريا معدة مسبقًا، مشيرًا أن هناك انطباعًا بأن المقصود تشكيل تكتل دولي على غرار المجموعة الخاصة بالاتصال الخاص بليبيا لدعم أحد طرفي النزاع الداخلي ضد الآخر.

وقال هونج ليه المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الصينية إن بلاده ترحب بكل الجهود التي من شأنها أن تفضي إلى حل سلمي للقضية السورية، مشيرًا إلى أن غرض وآلية مؤتمر أصدقاء سوريا يتطلب المزيد من الدراسة!!

من ناحية أخرى قالت الأمم المتحدة إن القوات السورية قتلت بالرصاص نساءً وأطفالاً عُزلاً، وقصفت مناطق سكنية وعذبت محتجزين ومحتجين في المستشفيات بناء على أوامر من أعلى المستويات في الجيش والسلطة السورية، ودعا محققون مستقلون تابعون للأمم المتحدة إلى محاكمة مرتكبي هذه الجرائم ضد الإنسانية، وقالوا إنهم أعدّوا قائمة سرية بأسماء القيادات العسكرية والمسؤولين الذين يعتقد أنهم مسؤولون عنها، وقال المحققون في تقرير قدم إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حصلت اللجنة على أدلة متّسقة لها مصداقية تحدد أفرادًا في القيادات العليا والوسطى بالقوات المسلحة أمروا مرؤوسيهم بإطلاق النار على المحتجين العزل، وقتل الجنود الذين يرفضون إطاعة مثل هذه الأوامر، واعتقال أشخاص دون سبب، وإساءة معاملة المحتجزين، ومهاجمة أحياء مدنية بنيران الدبابات والبنادق الآلية العشوائية.

وجدت لجنة التحقيق التي رأسها البرازيلي باولو بينهيرو أن قوات المعارضة التي يقودها الجيش السوري الحر ارتكبت أيضًا انتهاكات شملت القتل والخطف، وإن كانت لا تقارن بمستوى ما ارتكبته قوات السلطة السورية.

ذكرت صحيفة الإندبندنت البريطانية دور الأثرياء السوريين في المنفى الذي يدعم الجيش السوري الحر في سوريا التي تقف على أعتاب حرب أهلية.. قال السيناتور الأمريكي جون ماكين إن هناك سبلاً أخرى لتزويد مجموعات المعارضة داخل سوريا بالأسلحة دون تدخل مباشر من بلاده الولايات المتحدة الأمريكية.

لقد وصلت الأوضاع في سوريا إلى حافة الحرب الأهلية بين السلطة السورية والشعب المعارض لهذه السلطة الذي يمتلك اليوم السلاح.

=================

مؤتمر “أصدقاء سوريا” والحل المتوازن

اخر تحديث:الاثنين ,05/03/2012

محمد السعيد ادريس

الخليج

لم تكن تجربة مؤتمر “أصدقاء سوريا” الذي عقد في العاصمة التونسية يوم الجمعة (24 فبراير/شباط الفائت)، سلبية بالمطلق كما قد يتصور البعض عن خطأ ممن لا يرون في النجاح والفشل إلا المطلق منه، أي النجاح الكامل أو الفشل الكامل . كانت هناك نجاحات بالفعل قد يعدّها البعض سلبيات أو فشلاً، وخاصة عدم تمكن تيار التدخل الأجنبي العسكري في سوريا من الخروج بدعم أفكار من نوع تشكيل قوات دولية - عربية تذهب إلى سوريا، ومن نوع تسليح ما يسمى ب”الجيش السوري الحر” وأطياف المعارضة، ومن نوع الاعتراف بالمجلس الوطني السوري ممثلاً شرعياً وحيداً للمعارضة المطالبة بإسقاط النظام .

كان من شأن موافقة مؤتمر أصدقاء سوريا ومن شاركوا فيه، أن يكون هذا المؤتمر بمرتبة اعلان حرب من دون اعتبار وتدقيق في قضية إعلان الحرب ضد مَن ومِن جانب مَن، ومَن الذي سيدفع في النهاية الأثمان الباهظة لهذه الحرب؟

الذين نجحوا في دعم صدور قرار من هذا النوع ضد العراق، لم يفكروا لحظة في اجابة نزيهة عن هذه الأسئلة، لكن الأمر اختلف الآن بالنسبة إلى بعضهم .

لقد دفع الشعب العراقي الثمن باهظاً ومازال، لكن تكرار هذا الخيار في سوريا سيكون كارثة مطلقة بكل معنى الكلمة، لسبب بسيط هو أن “إسرائيل” سوف تكون شريكة حقيقية هذه المرة في عملية إعادة هندسة الأوضاع في سوريا بعد سقوط النظام بما يؤدي إلى قيام نظام مأمون في سوريا الجديدة يكون غير قادر على أن يكون مصدراً لتهديد الدولة الصهيونية إن لم يكن امتداداً طبيعياً لمشروعها للوصول من خلال سوريا شرقاً نحو العراق وإيران، وجنوباً نحو الخليج وغرباً نحو مصر .

الاهتمامات الأمريكية - “الإسرائيلية” الراهنة بترسانة سوريا من الأسلحة الاستراتيجية أو ما يسمونه ب “أسلحة الدمار الشامل” في يد من سوف تقع هذه الأسلحة؟ وإلى أين ستخرج من سوريا في حالة سقوط النظام؟ الخوف من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية السورية، والتردد الأمريكي في تسليح المعارضة، أو اعتماد الحل العسكري، سواء كان عن قناعة أو بسبب رفض أطراف غربية مهمة خاصة بريطانيا، والرفض الروسي - الصيني المطلق لذلك، يكشف عن بعض نوايا وتدابير أوضاع سوريا في مرحلة ما بعد سقوط النظام، وكل الخوف أن تقع هذه الأسلحة في يد من يسمونهم ب”الإرهابيين” ويقصدون تنظيم القاعدة وامتداداته، أو أن تذهب إلى المقاومة اللبنانية، أو أن يصل بعضها إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، لكنها في النهاية اهتمامات تتعلق بالاستعداد لوراثة سوريا بعد نظام بشار الأسد .

من النتائج السلبية التي يراها البعض من محصلة “مؤتمر أصدقاء سوريا” التي قد تكون إيجابية، عدم الاعتراف بالمجلس الوطني السوري كممثل شرعي وحيد للثورة في سوريا، لأن مثل هذا الاعتراف كان يعني عزل فصائل معارضة مهمة ربما يكون دورها ضرورياً في مراحل لاحقة، وعلى الأخص “معارضة الخنادق” التي تقاتل وتتصادم مع النظام، على عكس معارضة “الفنادق” التي تتحرك وتموّل خارج سوريا، لكن الأهم من هذا أن “المجلس الوطني السوري” انقسم على نفسه مباشرة بعد انتهاء المؤتمر، فقد أقدم 19 عضواً من أبرز أعضائه على الانشقاق وتأسيس تنظيم معارض جديد أخذ اسم “مجموعة العمل الوطني السوري” .

ماذا يعني هذا كله؟

يعني ضرورة إعادة التفكير في حل ينهي حكم النظام الحالي بالحد الأدنى من الخسائر، ويحفظ لسوريا توحدها الوطني ويحول دون الكيان الصهيوني ومن وراءه لحكم سوريا، كي تبقى سوريا لشعبها ولأمتها، وألا تتحول إلى مطية جديدة إلى السيطرة والاختراق . بوضوح أكثر، أن يكون ما يحدث في سوريا إضافة قوية لرصيد تأسيس مشروع عربي للنهضة وليس إضافة قوية لإنجاح المشروع الصهيوني المتحالف مع المشروع الإمبريالي الغربي .

بهذا المعنى ستكون المسؤولية بالأساس مسؤولية وطنية سورية بقدر ما هي أيضاً مسؤولية عربية، وأن يكون الخيار البديل أبعد ما يكون عن كل تلك الخيارات الظالمة التي تحاول أن تُفرض على سوريا وشعبها .

ويبقى السؤال الأهم هو كيف والنظام السوري يخوض الصراع على قاعدة أما قاتل أو مقتول ويرفض أية محاولة لثنيه عن الاستمرار في السلطة، ويقبل فقط بإصلاحات شكلية بإرادته هو تؤمّن له استمراره وتُخْضع له كل الآخرين؟

الإجابة أخذت بعض ملامحها تتشكل في أفكار من هنا وهناك، هناك أفكار مصرية مهمة تُعدّها لجنة الشؤون العربية بالتنسيق مع لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب، وتتوافق مع وزارة الخارجية المصرية، قد تتحول إلى مبادرة مصرية، وهناك أفكار روسية وأخرى صينية، وربما يقدم لنا مؤتمر البرلمان العربي الذي سيعقد في الكويت اليومين المقبلين أفكاراً تساعد على بلورة مبادرة عربية جديدة، ترتكز على جديد الفكر الروسي وتجربة المبادرة الخليجية الخاصة باليمن التي اعتمدت الحل السياسي من دون الحل الأمني والعسكري لفرض تغيير النظام .

رئيس الحكومة الروسية فلاديمير بوتين الذي يُعدّ نفسه رئيساً جديداً لروسيا يتحدث حالياً عما يسمى ب”الحل المتوازن”، ويطالب “بشروط تحفز جميع الأطراف إلى البحث عن حل سياسي” للأزمة، أو عن “حل سلمي لمنع وقوع البلاد في حرب أهلية”، على نحو ما ورد على لسان الياس أو كانوف نائب رئيس مجلس الاتحاد الروسي الذي تحدث عن أن روسيا مؤمنة بحق الشعب السوري في تحديد مصيره، وكشف عن أن مجمل لقاءات ومحادثات كبار المسؤولين مع الرئيس السوري بشار الأسد، أكدت ضرورة إقرار انتخابات حرة لنقل السلطة في سوريا بما يسمح للشعب السوري أن يختار رئيسه بصورة ديمقراطية وسلمية .

الأفكار الروسية والصينية الجديدة لا تُظهر تمسكاً بشخص الأسد، ولكنها تتحدث عن انتقال سلمي للسلطة، وهذا ما يمثل جوهر الأفكار المصرية الآن لبلورة مبادرة تبدأ بحوار مكثف مع الأطراف الداعمة لنظام الأسد عن حتمية التغيير من منطلق الحفاظ على سوريا قوية متماسكة ومنع الحرب الأهلية، ومنع التدخل والهيمنة الخارجية، وأن يمتد الحوار ليشمل كل المعارضة السورية، وأن يحدث توافق على مرحلة انتقالية تبدأ برحيل الأسد وتشكيل مجلس رئاسي وحكومة تكنوقراطية من كفاءات تدير الدولة وتُعدّ لدستور وطني يؤسس لسوريا جديدة ديمقراطية وعربية ومتماسكة .

=================

الأزمة السورية والأوهام بشأن الحسم

غازي دحمان  دمشق

المستقبل

5-3-2012

بإصراره على إتباع النهج الأمني لإخماد نار الثورة، يكون النظام السوري قد حسم وبشكل نهائي إمكانية إيجاد حل سياسي للأزمة التي يرزح تحت وطأتها منذ ما يقرب العام، وبهذا يقدم النظام على تجفيف كل منابع الحلول السياسية وضرب مواردها، ما جاء منها عبر مبادرات تقودها قوى وطنية عقلانية ومدنية، او تلك المقدمة من قوى إقليمية ودولية بما فيها تلك الحليفة للنظام.

ثمة رأي يتم تداوله من قبل خبراء الشأن السوري، وتحديداً من قبل أولئك العارفين بتوازنات الحكم وطبيعة تركيبة النظام، ويرون أن الأزمة، ورغم مأزقية اللحظة التي تعبرها، في طريقها إلى إنتاج حل سياسي، على أن يكون شرطه ومبناه إعادة تعريف دور ومكانة الرئيس الأسد بوصفه ضابطاً للصراع "بين أطراف" وقائداً للمرحلة المقبلة، وهذا الخيار يحمل في طياته توجيهاً إستخباراتياً روسياً كمخرج للأزمة الحالية...كيف؟.

ينطلق أصحاب هذا التقدير من حقيقة أن السلطة في سوريا قائمة على مبدأ الشراكة بين منظومتي العسكر (بشقيه الجيش بوحداته الإستراتيجية والأمن) والمنظومة السياسية على رأسها الرئيس بشار الأسد، وهذه التركيبة وإن كانت حدود الإنقسام والتمييز بينها غير واضحة وملتبسة، إلا أن ذلك لا ينفي وجود مندرجات لها على الأرض، وتتجسد، أقله، في الإتفاق الضمني على حدود الأدوار والتحركات، التي يحق لكل طرف القيام بها لحماية وضمان إستمرار هيمنة المنظومة العامة، وضمان سير عملها بما يخدم مصلحة النظام، والتي هي في حقيقتها مجموع المصالح المتقاطعة للأطراف المذكورة، وبالتالي فإن إدارة هذه المصالح يتطلب تنسيقاً دقيقاً ومراعاة محسوبة لآلية عمل هذه المنظومة خوفاً من حدوث أي خلل من شأنه التأثير على عملها، تماماً كما حصل مع الرئيس حافظ الأسد في بداية الثمانينيات عندما نشب الصراع بين جزء من مكونات منظومته الأمنية والعسكرية كادت أن تودي بالحكم لولا قيام الأسد الأب بإجراء عملية جراحية إسعافية أخرج بنتيجتها شقيقه رفعت من المنظومة.

تخريجات الأزمة، في عهد الرئيس الابن، تقوم على عملية إستباقية مؤداها أن يعطى للجيش فرصة للحسم العسكري في إطار ضوابط محدودة وصلاحيات واسعة، وبنتيجتها، إن إستطاع الجسم العسكري للنظام إنجاز المهمة فيكون النظام قد حصل على النتيجة المرجوة وضمن لنفسه الحفاظ على الإنسجام والتوافق في الأداء والمصالح، وإن لم يستطع، يصبح الجيش ومن ورائه الأجهزة الأمنية خارج معادلة الحسم، والأهم يصبح خاضعاً لإرادة المنظومة السياسية وقرارها، لكنه ووفق هذه الرؤية يكون الجسم العسكري نفسه قد تحمل الجزء الأكبر من المسؤولية، وبنفس الوقت يكون قد أنهك المعارضة، وإن لم يخضعها، وجعلها أقرب إلى قبول الحل السياسي تحت سقف النظام، وكل ذلك في ظل التغطية الروسية للنظام.

إلى أي مدى يمكن تطبيق هذه النظرية على الأرض؟. ثمة مؤشرات عدة من واقع الحدث تؤكد أن الحالة السورية لم تعد قابلة للمقاربة وفق إستراتيجية واحدة لطرف بعينه، ذلك أن الأزمة، وعبر عمرها المديد الذي يمتد لعام، أوجدت على هامشها أطرافا كثيرة باتت تمتلك فاعلية وأدوارا مهمة ومؤثرة، وأن مسألة تحكم النظام بتفاعلات الأزمة باتت قضية نسبية، فالنظام وإن كان يملك كثافة نيران قوية في دكه للمدن والأرياف، فإنه وبنفس المنطق لا يملك القدرة على حماية أجهزته وعناصره من الإستهداف، كذلك فإن النظام وبقدر ما لديه من قدرة على إدامة الصراع، فإنه لا يملك خيارات مهمة للخروج الآمن من الازمة طالما هو يستمر في مقاربتها بسفك المزيد من الدماء.

ولعل ما يزيد من تعقيد الأزمة السورية وينذر بتحولها إلى حالة إستنزاف عنيف ومديد، دخولها على خط الصراعات الإقليمية والدولية وتحولها إلى حالة مغرية للتجاذب والإستقطاب، في ظل بيئة إقليمية ودولية متوترة تحتاج لساحات للعراك والتكاسر علّ ذلك يساهم في تخفيف حدة تصادمها المباشر.

كل طرق الأزمة السورية، وإلى حين، تبدو مغلقة بإتجاه الحل السياسي، ولا يبدو أن للسياسة مكانا فيها في ظل إنشغال الأطراف كافة بتجهيز معدات وحاجيات السفر على طريق الأزمة السورية الموحش.

=================

"الأيام المعدودة" للأسد حرب رهانات مفتوحة .. ما بعد حمص يخمد المعارضة أو يلهبها؟

روزانا بومنصف

2012-03-05

النهار

تشكّل الايام المقبلة في سوريا اختبارا بالنسبة الى المراقبين للوضع السوري لمعرفة ما اذا كان النظام السوري قد نجح عبر السيطرة العسكرية على حمص ومنع الصليب الاحمر من دخولها حتى بعد ايام على اعلانه انهاء تمرد مواطنيها في حي بابا عمرو، في ان يفرض حمص نموذجا يحد عبره من تحرك المعارضة في المدن والمناطق السورية كما فعل والده عام 1982 في تدمير مدينة حماه. ويستبعد المراقبون ذلك لاعتبارات متعددة، مبنيّة على واقع ان اقتحام الجيش السوري لمدن سورية كحماه ودرعا وسواهما خلال سنة مستمرة من الثورة لم ينه الانتفاضة في هذه المدن، بل ساهم في امتدادها وتوسعها لتشمل معظم المناطق السورية. لكنهم يعتبرون ان لحركة المعارضين اثرها في ابقاء الزخم الدولي ضد النظام السوري على رغم الثمن الباهظ الذي يدفعه الشعب السوري وعلى رغم الانتقادات الكثيرة لهذا الزخم الذي يعتبره البعض مترددا او متراجعا وغير مواكب للاقتراحات المتعددة بدعم تعجيل عملية دفع الرئيس السوري الى ترك السلطة وفق ما اقترحت دول عربية او سواها. وكان هناك انتقادات علنية للتعثر الغربي والاميركي، وخصوصا "الفيتو" الروسي والصيني ضد قرار دولي يصدره مجلس الامن من اجل التحرك في هذا الاطار فيما بدت المواقف الديبلوماسية الاميركية على لسان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون والمتعلقة بالمعارضة، مرتبكة وتحمل تفسيرات مختلفة، بعضها يوحي وجود تردد في دفع الاسد الى الرحيل على رغم المطالبة الاميركية العلنية بذلك في غياب البديل وفق الانتقادات التي ساقتها للمعارضة السورية. والتحرك المستمر للمعارضة السورية بالزخم نفسه الذي بدأ قبل سنة تقريباً، يبقي الازمة السورية في رأس سلّم الاولويات العربية والغربية، في حين ان العكس يصح ايضاً، علما ان ثمة من يرى ان بعض التردد الغربي، مرده الى ان حجم الازمة السورية على رغم العدد المتزايد للضحايا يوميا من الشعب السوري جعل هذه الازمة مضبوطة من دون تزايد غير مقبول في اعداد النازحين مثلاً، ولو انه قد تكون عوامل عدة تؤثر في هذا الاطار. كما ان التدخل العسكري ليس خيارا تفرضه اولويات انتخابية او مصلحية، مباشرة فضلا عن المخاطرة التي يشكلها هذا التدخل على المصالح الاميركية والغربية عموما. لكن اللعبة عادت في رأي مراقبين ديبلوماسيين الى الساحة السورية لتكون المحرك الاساسي من حيث ابقاء المعارضة العالم الغربي والعربي متيقظا ومستمرا في التحرك الى جانب الشعب السوري، في مقابل الخطوات التي يتابع النظام تنفيذها، ان في الحسم العسكري او في محاولة التقدم بخطوات سياسية تنسي الشعب السوري اولوياته.

بعض هؤلاء المراقبين يعتبر ان ما يجري على الارض لا يمكن الاستهانة به واقعياً، الا انه ليس سهلا التراجع دوليا او عربيا في موضوع الازمة السورية. وليس امرا بسيطا ان يعلن الرئيس الاميركي باراك اوباما مرارا، وحديثا في الاول من الشهر الجاري، "ان ايام الرئيس السوري بشار الاسد باتت معدودة، واننا نعمل على تعجيل الانتقال الديموقراطي في سوريا". فهذا الاعلان على لسان رئيس الولايات المتحدة يفترض انه لا ينم عن تمنيات بمقدار ما يعبّر عن توقعات مبنية على معلومات، وخصوصا انه حين اعلنه اوباما في آب الماضي للمرة الأولى، فانما كان ذلك بعد بحث معمق في مآل الامور والخيارات المتاحة في سوريا، باعتبار ان الرئيس السوري لم يعد عامل استقرار في بلاده وفي دول الجوار، بل بات عامل اضطراب مما يفقد الرئيس السوري عمليا أهمّ ورقة كان يستند اليها لتبرير حكمه اي الاستقرار والامن. وهما العنصران اللذان لم يعد يوفّرهما منذ اشهر، ممّا سهّل الاصطفاف الغربي والعربي ضده. وتاليا لا يمكن ان يخاطر الرئيس الاميركي في مثل هذه التوقعات، لما يمكن ان يتركه ذلك في حال فشله او عدم تحققه من سلبيات على هيبة الولايات المتحدة، كقوّة مقررة وكبيرة تملك ما يكفي من معلومات استخبارية تسمح لها بالخوض في مثل هذه التوقعات، ولو ان كلمة معدودة قد لا تعبّر تماما وبدقة عن ايام او ربما اسابيع وحتى اشهر. والواقع أن الكلام على "أيام معدودة" للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي استمر اشهراً، قبل ان يسقط فعلا وينهار النظام الليبي. وليس امرا بسيطا ان تتخذ الدول الغربية عقوبات ضد النظام لن يكون سهلا التراجع عنها ما لم يتحقق تقدم كبير ملموس لمصلحة الشعب السوري، كما انها لا تستطيع ان تستمرّ في فرض هذه العقوبات لوقت طويل ايضا على رغم ان السياسة هي فنّ الممكن ويمكن ان تتغير المواقف وفقا للتطورات والظروف. ومعلوم ان خصوم الولايات المتحدة يعتبرون ان الفشل الذي يرافق السياسة الاميركية في المنطقة يفترض ان يسمح بافتراض ان الولايات المتحدة والغرب والدول العربية ستمنى جميعها بفشل ذريع في رهاناتها على رحيل الرئيس السوري، وان الاخير سيتمكن من البقاء في موقعه ولن يسقط، وسيخطو تاليا في اتجاه تأليف حكومة جديدة قريبا. ويشيع هؤلاء تفاؤلا كبيرا بقدرته على استعادة زمام الامور بمعونة اقليمية لا ينكرونها من جانب ايران.

=================

موقف إيران من سوريا وفرصة تجنب الصراع المذهبي

ياسر الزعاترة

الدستور

5-3-2012

بحسب علي أكبر ولايتي، مستشار السياسة الخارجية للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، فإن مساعي إسقاط النظام في سورية “إنما هي انتقام من الصحوة الإسلامية ومن النظام الذي وقف بوجه الصهاينة”.

يشير التصريح الآنف الذكر، ومجمل السياسات الإيرانية الداعمة للنظام السوري أن هناك إصرارا رهيبا من طرف النظام الإيراني على الوقوف وراء نظام الأسد حتى الرمق الأخير، بل إن مزيدا من التدقيق في الموقف يصل بالمراقب حد القول إن طهران عبر سيل التصريحات الصادرة منها، إلى جانب الدعم غير المسبوق ماليا وعسكريا وسياسيا، إنما تسعى إلى الحيلولة دون تفكير بشار الأسد في الخروج من السلطة وفق السيناريو اليمني، الأمر الذي لم يعودوا يستبعدون حدوثه على ما يبدو في ظل اتساع نطاق الاحتجاجات، ومعها الانشقاقات داخل الجيش، إلى جانب تصاعد الضغوط العربية والإقليمية والدولية على نحو لا يمكن أن توازيه مواقف إيران وحلفائها من أمثال المالكي وحزب الله، حتى لو أضيفت إليها المواقف الروسية والصينية.

وحين ترسو السفن الحربية الإيرانية لبعض الوقت في ميناء طرطوس، بينما تتدفق الأسلحة الإيرانية إلى نظام دمشق من البحر والبر، فيما يصول الخبراء الإيرانيون ويجولون في سوريا موجهين العمل الميداني في مواجهة الاحتجاجات. حين يحدث ذلك، فهذا يدل على أن الموقف قد تجاوز الدعم الطبيعي إلى اعتبار الأمر مسألة حياة أو موت، فضلا عن الشعور بإمكانية تفكير الأسد بخيار الرحيل، لاسيما أن أمرا كهذا قد يشكل خيارا لفريق من داخل الطائفة العلوية ممن يدركون أن الحرب الأهلية مهما طالت ستنتهي بسقوط النظام من دون أدنى شك، بما ينطوي عليه ذلك من خسائر فادحة في صفوف الطائفة، في ظل دخول لاعبين كثر على الخيار العسكري واتساع نطاق الدعم للجيش السوري الحر ولسائر المجموعات المسلحة التي ظهرت مؤخرا، ومن ضمنها القاعدة ذاتها التي تعتبر أن مشاركتها في معركة من هذا النوع قد تعيد لها البريق بعد مسلسل التراجعات الناجم عن أخطاء هنا وهناك.

والحال أن أية قراءة موضوعية تستبعد المشاعر والمواقف المسبقة لا يمكن أن ترى أية إمكانية لبقاء نظام الأسد، بل حتى لأية صيغة تبقيه في السلطة. بل إن الخيار اليمني ذاته لم يعد ممكنا من الناحية العملية، أقله من وجهة نظر الشارع السوري، وبالطبع بعد كل الذي جرى من سفك للدماء، لاسيما أن يعلم أن أصل البلاء يكمن في بنية النظام العسكرية والأمنية ذات الطابع الطائفي، والتي لا يحل معضلتها خروج الرئيس وعائلته مع بقاء الحال على ما هو عليه فيما تبقى من تفاصيل النظام كما جرى في اليمن، بفرض استقرار الوضع اليمني على هذا النحو، الأمر الذي يبدو مستبعدا أيضا.

الأكثر إثارة في تصريح ولايتي المشار إليه هو حديثه عن الانتقام من الصحوة الإسلامية، ولا يعرف أية صحوة إسلامية تلك التي يمكن الانتقام منها في سياق استهداف النظام السوري؟! ألا يمكن للمراقب أن يلمس هنا الخطاب الطائفي بأوضح تجلياته، اللهم إلا إذا كان حزب الله وحده (وبالطبع بعد خروج حماس من سوريا)، هو عنوان الصحوة الإسلامية، فضلا عن أن يكون النظام السوري هو عنوانها، بينما يتذكر الجميع توصيف الأسد للصراع في سوريا، والذي قال إنه يتم بين التيار القومي وبين الأصولية الإٍسلامية؟!

إن أية محاولة من طرف إيران وحلفائها لتبرير موقفهم خارج البعد الطائفي لن تكون مقنعة، لأن شعب سوريا لم يعلن الثورة على نظام الأسد من أجل استهداف إيران أو حزب الله، أو نكوصا عن المقاومة والممانعة (هل ينسون دعمه لحزب الله ومهجري الشيعة إبان حرب تموز 2006؟!)، فضلا عن أن تكون ثورته ردا على الصحوة الإسلامية، هي التي يتابع الجميع روحها الإسلامية وشعاراتها المنحازة للأمة.

لقد آن لإيران وحلفائها أن يعيدوا النظر في مواقفهم، بل إن بالإمكان القول إن بوسع إيران أن تقصر أمد المعركة وتقلل منسوب الدماء السورية، وهي وحدها التي يمكنها الضغط على نظام الأسد ودفعه إلى الرحيل، ولو فعلت ذلك فسيشكل ذلك محطة لعلاقة إيجابية مع المسلمين (السنة) بعد تصاعد الحشد المذهبي على نحو غير مسبوق في السنوات الأخيرة. كما سيكون له أثره في موقف الأمة من العقوبات الغربية عليها، فضلا عن هجوم إسرائيلي لا يمكن استبعاده بحال.

فرصة من مصلحة إيران استثمارها، وإلا فإنها ستكون الخاسر الأكبر في هذه المعركة التي تشكل عنوان نهوض للأمة وتأكيدا لهويتها، فهل يتدخل العقل لاتخاذها أم يتواصل الموقف الراهن؟ لسنا متفائلين كثيرا مع الأسف الشديد.

=================

كذبة «القاعدة»!

صالح القلاب

الرأي الاردنية

5-3-2012

«كما تدين تدان» ،فإذا كانت هذه المعلومات صحيحة وليست «مفبركة» لأغراض التهويش والتشويش والنفخ على ألسنة النيران الملتهبة، فإن الأسلحة بدأت تتدفق على الجيش السوري الحر من العراق كما كانت تتدفق بعد الغزو الأميركي من سوريا إلى العراق وهذا ينطبق على «القاعدة» التي كان عناصرها يتسللون من الغرب إلى الشرق فأصبحوا يتسللون الآن من الشرق إلى الغرب عبر الحدود العراقية-السورية الطويلة.

إنه أمر متوقع فهناك فائض هائل من السلاح في هذه المنطقة التي شهدت حروباً كبيرة وصغيرة خلال كل سنوات النصف الثاني من القرن الماضي وهناك تُجار أسلحة وسماسرة لديهم القدرة على إيصال حتى راجمات الصواريخ وحتى المضادات الجوية إلى أي مشترٍ وفي أي مكان وسواء كان هذا المشتري دولاً أم منظمات تحريرية أو تنظيمات إرهابية فهذه بضاعة رائجة ومتوفرة من أميركا اللاتينية مروراً بأفريقيا وحتى دول الشرق الأقصى البعيدة.

لكن المشكلة بالنسبة للوضع السوري المتردي والذي يزداد تردياً يوماً بعد يوم أن هناك مسؤولين عراقيين دأبوا على الحديث عن «رحيل» أفواج من إرهابيي «القاعدة» من العراق إلى سوريا وبالطبع فإن الهدف هو تعزيز الرواية السورية الرسمية التي بقيت تكرر ،ومنذ اليوم الأول لاندلاع هذه الأحداث، أنه لا توجد انتفاضة سلمية وأن هناك عصابات مسلحة هي التي تقاوم النظام وأن «القاعدة» تعمل جنباً إلى جنب مع هذه العصابات.

ومع أنه غير مستبعد أن يتسرب بعض عناصر «القاعدة» إلى سوريا بعد وصول العنف الأهوج الذي صاعده النظام مؤخراً إلى حد اتخاذ طابع الإبادة الجماعية والتطهير الطائفي إلاّ أن المعروف أن الأجهزة الأمنية السورية هي التي احتضنت هذه الظاهرة بعد احتلال الأميركيين للعراق تحت ما يسمى «الدفاع الايجابي» وإغراق الولايات المتحدة في أوحال بلاد الرافدين وهذا يعني أن هذه الأجهزة تعرف كل شيء عن هذا التنظيم الإرهابي وتعرف قياداته ومراكزه والطرق التي اعتاد سلوكها عبر الحدود العراقية-السورية.

والمعروف إن رئيس الوزراء العراقي هذا ما غيره كان قد اتّهم سوريا بأنها وراء العمليات الإرهابية التي تقوم بها «القاعدة» في بلاده والتي من بينها تلك العملية التي استهدفت عدداً من الوزارات منها وزارة الخارجية ولذلك وعندما يبادر الأستاذ نوري المالكي الآن إلى الحديث عن «رحيل» أفواج من مقاتلي هذه المنظمة الإرهابية من بلاده إلى الدولة «الشقيقة» المجاورة فإن هذا يعني إما انه يعرف أماكن تواجد هذا التنظيم ويعرف قياداته وحتى أفراده ومع ذلك فإنه تركهم يتوجهون إلى سوريا على أساس:»العين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص» أو أنه تلقى معلومات إيرانية ملفقة وبادر إلى ترويجها تعزيزاً لإدعاءات النظام السوري الرسمية.

في كل الأحوال إن استخدام فزاعة «القاعدة» من قبل القذافي وعلي عبد الله صالح ومن قبل بعض الأطراف الصومالية المتصارعة وبالطبع ومن قبل النظام السوري منذ اليوم الأول لانطلاقة هذه الانتفاضة بات مادة مستهلكة وكذبة مكشوفة ومحاولة لتبرير كل هذا العنف الأهوج الذي بقي يُستخدم ضد السوريين على مدى العام الماضي كله والذي تصاعد بصورة جنونية في الأيام الأخيرة.

=================

متى تسمح إسرائيل بإطاحة النظام؟

مطاع صفدي

2012-03-04

القدس العربي

بعد أن شارك بشار الأسد وزوجته في عملية الاستفتاء علس دستور، تلفظ بما يشبه الحكمة، معلقاً على مصير معركته مع الثورة والثوار، أقرّ أولاً بأن إعلامهم يتفوق في الفضاء على إعلامه، لكنه هو أو هم يتفوقون على الأرض، وقريباً سيمتلكون الفضاء والواقع معاً. فالرجل يعتقد أنه أصبح قائداً عسكرياً مصمماً على ربح معركته ضد أعدائه، لكن هؤلاء الأعداد إنما يحاربونه بالألفاظ، وهو يرد بالوقائع. ذلك المرض اسمه البارانويا في الطب النفسي، إنه المرض الذي يعكس الواقع بالوهم. فما دام تفوق هذا الرئيس بأسلحة القمع وحدها، فهو القادر على ارتكاب ما شاء له من جرائم الإبادة الجماعية لمعظم الشعب المنتفض إن استطاع، ذلك أن الطاغية يعتقد أنه ما دام متملكاً من آلة القمع فله مطلق الحرية في استخدامها إلى حدودها القصوى، ليس ثمة صلة ما بين إرادة القتل وأية منظومة من القيم أو الأهداف العامة سوى أن الممعن في الجريمة يغدو أسيراً لمنطقها، لا خلاصَ له من مسؤوليتها إلا في إيهامه لذاته بإمكانه القضاء على الشعب الضحية، قبل أن يقضي هو عليه.

أعجب الأمور أن الرئيس المهدد بالزوال بين صدفة سياسية أو ثورية وأخرى، يخطط عبر دستوره ليحكم سورية حتى عام 2028، وما بعدها بفضل تعديل جديد للدستور، وما بعد هذا البعد، متنازلاً أو مورِّثاً لأحد أبنائه، فالعائلة الأسدية أبدية بثلاثة أجيال وما يليها إلى مستقبل سورية كله. ولكن ما الذي يجعل الأسد واثقاً بوهم الأبدية هذه، إلى حد الهلوسة المرضية. فهو الرئيس الذي لم يتبق له من رصيد سوى قدرته على التعايش مع قتلاه ليلاً نهاراً، هل لا يزال مؤمناً بنصيحة والده المركزية أنه لا صديق للسلطة الأحادية إلا سيفُها، مشرّعاً من غِمْده دائماً، يقطر دماً لا يجف من نصْله، ويتقاطر أرواحاً ذبيحة، لا يشفع لها أحد إلا ويأتي دوره بعدها.

ليست الدولة الإرهابية إختراعاً عربياً يُنمذِج شكلَ التسلّط الديكتاتوري الحديث. فالتاريخ السياسي العالمي يعج بأمثالها المرعبة. لكن الجديد في النموذج العربي أن دولته الإرهابية لم تأت ظرفاً طارئاً في قصة التطور السياسي لهذه الأمة أو سواها، وخاصة في سياق الحداثة الغربية... هذه الحداثة التي لم تنتج حضارتها إلا بعد أن وضعت حداً لسلطان المقدس الغيبي، مثلث الرؤوس بالبابوية (المؤسسة الدينية) في قمة الهرم السلطوي، ويتبعها الحكم المطلق (الملكية الوراثية)، وتتبعها تحتها طبقة من النبلاء (الإقطاع الاقتصادي الاجتماعي والإداري). أما الدولة الإرهابية العربية، فقد ولدت كنقيض مُخْتَطِفٍ لعصر الحداثة، من لحظته التأسيسية، عبر النقلة النوعية الحاسمة من نهضة ثقافية تبشيرية في ظل استعمار تركي، ثم غربي أوروبي، إلى نهضة سياسية في مرحلة اكتساب الأمة لعشرين دولة مستقلة. ذلك الحدث الموصوف أنطولوجياً، فهو الذي كان من المفترض أن يعيد الحرية العامة إلى الأمة العربية بعد افتقادها ألف سنة وأكثر.

السؤال البنيوي في فجر الوعي المدني المتصاعد راهنياً شعبياً ونخبوياً معاً، هو سؤال ذو صفحتين؛ الأولى متجهة نحو الماضي غير البعيد، والآخر نحو المستقبل المصنوع من وقائع الحاضر الصاخب، ويمكن صياغته كما يلي: إلى أي مدى يمكن لفكر التفاؤل العقلاني الثقةُ بقدرة الثورة الربيعية على إحداث القطيعة الموصوفة بالثقافية والاجتماعية مع واقع الدولة الإرهابية المستمرة منذ عقود على الأقل، والشروع في استعادة صيغة عصرية للمجتمع المدني كقاعدة لدولة المواطنة الحرة العادلة، تلك الصيغة التي كان الاستقلال السياسي شرطاً لنشوئها، ووعداً مستقبلياً بنموها وازدهارها. لكن كيف الاطمئنان لهذا الغد المنتظر دون ذاكرة الأمس المظلم. ما الضمانة حقاً الاّ تتكرّر ظاهرةُ العدوان، أجنبيةً أو أهلوية أو هما معاً غالباً، على الاستقلال الوطني، كما كان الأمر حتى الأمس القريب؛ ثم على ثورة الحرية والكرامة اليوم وغداً. ما يُعبر عنه فلسفياً بالظاهرة الحقيقية، وطمْسها بظاهرة الشِبْه الزائفة.

أولم يخضع تاريخ نهضة الاستقلال في مجمل أحداثه الفاصلة الكبرى لجدلية الأصل والشبه، وكثيراً ما انتصر الأشباه على الاصلاء، كبشر وأحداث ومؤسسات، وكثيراً ما كانت (الوطنيات) هي البضائع الأسهل، المسروقة من شعوبها الغافلة أو المغفَّلة غالباً؛ لقد عانت النهضة العربية المغدورة، عبر فعالياتها الثلاث الرئيسية، في السياسة والاقتصاد والثقافة، أخطر التمارين المشؤومة المتناسلة من بعضها، من صولات وجولات عاتية لجدلية الأصل والشبه، بحيث كانت الغلبة غالباً لهذا الحد الثاني على غريمه الأول، الحقيقي ولكنه الأضعف وإن مرحلياً.

الربيع العربي ليس ثورة منقطعة الجذور، إنه الرد التاريخي على عصر الانحطاط العربي المعاصر الذي كان هو المحصلة الموضوعية لسقوط ثورة الوحدة القومية التي كانت بدورها هي الرد على محاولة عودة الاستعمار بالغزو الصهيوني الاستيطاني، بعْد وخلالَ تحققِ الاستقلالات الوطنية، ونشأة الكيانات الدولاتية الحديثة بدءاً من جغرافية المشرق المُقسَّمة مسبقاً؛ فاستقلال أقطار المشرق بعد جلاء احتلالات الاستعمار الأوربي، أطلق سراح الجماهير العربية للمرة الأولى منذ عشرة قرون، كانوا قضوها في ظلمة التبعيات الأجنبية معطوفة على استفحال عوامل الانحلال الذاتية. فقد فهمت الجماهير آنذاك أن تحررها السياسي سيظلّ مشروطاً باستكمال الاستقلال الوطني، لأنه هو المدخل التاريخي نحو الاستقلال القومي، لكن الغرب كان هو الأسرع في إدراك هذه الحقيقة والمبادرة الذكية إلى سياسة تأبيد مستقبلي لخارطة سايكس-بيكو، فكان اختراع (الدفرسوار) الإسرائيلي، كاختراق عضوي مسموم يشق جسد الوطن العربي في خاصرته، هكذا ولدت العقبة الكأداء العظمى في نقطة المركز من كل مسارات النهضة الموعودة، لكي تنقلب إلى أضدادها، لكي تتكسّر أحلامُ الأجيال الصاعدة على بعضها، لكي ينشغل العرب بحروب أو تناقضات دولهم الكرتونية فيما بينها، بحيث يتم اختراعُ أنظمة الاستعمار الداخلي كوكيل أو رديف لاستعمار (المتربول) الشمالي، ثم يكون على هذه الأنظمة أن تُفرّخ الحرب الأهلية بأشكالها المختلفة، من طبقية إلى طائفية، إلى المذهبية الراهنية، وأخيراً يتم نسيان أو تناسي العدو الإقليمي المركزي، وصنوه الدولي الأكبر.

كأن ستين عاماً من مآثر النهضة المغدورة تستحضر دروسها الماضية من خلال ثورات الربيع العربي، وعليها أن تكافح التلوّث بالأيدي القذرة المتكالبة على تشويه براءتها، على طمس معالمها. وتحريف أهدافها العفوية المباشرة، حتى في أعين بعض طلائعها، النابعة منها أو المفروضة عليها أو الفاعلة من وراء ظهرها.

ثورات الربيع العربي هي جماهيرية، منبعثة ذاتياً من دون قيادات حزبية أو فردية؛ من هنا يأتي امتيازُها الأصلي، كونها من تدبير التاريخ وحده، ليس ميتافيزيقياً أو تجريدياً، ولكن بقدر ما يُراكم المجتمع من ظروفه الموضوعية السلبية الدافعة لانفجار الاحتجاجات الجماعية. لكن هذا الامتياز يشكو من علة فقدان القيادة المؤسسة، إذ يظل ظهر الثورة مكشوفاً ليقفز فوقه كلُّ من هبّ ودبّ. ليس من قبل الأفراد الأدعياء، أو الأحزاب القديمة الفاقدة لفعاليتها السياسية، ولقواعدها الشعبية فحسب، بل يُغري الحدثُ التاريخي الجماهيري الكبير القوى الدوليةَ اللاعبةَ في المنطقة، باختطاف ما أمكنها من حصص الاحتياز على الحدث، وارتهانه واحتكاره لمصالحها الجيواستراتيجية، ضداً على منافسيها. ولقد كانت سورية هي قاطرة المنعطفات الفاصلة في صيرورة النهضة الاستقلالية، فكرياً وأيديولوجياً، والمؤثرة في متغيرات مسيرتها المحورية، سياسياً وحدثياً. يكفي التذكير فقط بالبعض من علامات التقاطع المفصلية بين (صيرورة) التاريخ النهضوي الفكرية و(مسيرته) الحَدَثية، تلك التي لعبت سورية خلالها أدواراً ريادية في توجهات المصير القومي لذاتها وغالبية أشكالها، سواء كانت وجهتها هذه مجْلبة لتقدم حقيقي أو لأشباهه، أو أضداده المرتدّة.

افتتحت سورية مسلسل حركات التحرر العربي الحديث، كانت الطاردةَ الأولى للاستعمار الغربي، مُفْسحةً المجال لاستقلال ، توأمِها المجتمعي والثقافي المباشر، فكرّت سبحة الجلاءات العسكرية الأجنبية عن معظم أقطار العرب التي أصبحت دولاً متمتعة بالسيادة الدستورية، متفاوتة من واحدة إلى الأخرى. سورية كانت الناهضة بالحركة الاستقلالية العربية إلى مستوى الثقافة القومية التي بدورها شكّلت واحدة من طلائع حركات التحرر العالمية، هذا المصطلح التاريخي العظيم الذي كان له أن يسهم في الإجهاز على خارطة الاستعمار الغربي القديم في القارات الثلاث: آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية. وكان له أن يؤسس وينشئ مصطلح العالم الثالث ضداً على الحرب الباردة، والمقسِّمة لعالم النصف الثاني من القرن العشرين إلى معسكريْه الشرقي الشيوعي، والرأسمالي الغربي، ويُقِرّ المؤرخون المنصفون أنه لولا الصراعات الجانبية التي وفرتها ساحات العالم الثالث، في تنفيس احتقانات الحرب الباردة وأزماتها الرتيبة، كان يمكن لإنسانية القرن العشرين أن تسعى إلى حتفها بظِلْفها، وتضع نهاية المعمورة ومن عليها.

ثمّ كان على الغرب المنتصر على شيوعية الاتحاد السوفيتي من دون عناء أن يرث مستقبل العالم الثالث، أنْ يحتكر خيراته، بإزاحة حركات تحرره، بعزل جماهيره الصاعدة عن قمم القرارات المصيرية الكبرى لنهضاتها المنتظرة. لكن كان تحرر الوطن العربي في مطلع فتوته عندما فُرض عليه الصراع مع إسرائيل، كأعلى حاكم لسياسة أقطاره المتحركة وفي طليعتها سورية، كعاصمة مركزية لقيادة هذا الصراع. تحمّلت منه أثقل أعبائه العسكرية والسياسية والإنسانية، إلى حين شاركتها مصر العربية مسؤوليةَ الوعي الجذري بضرورة التعبئة النهضوية الشاملة لإمكانيات الأمة وراء وحدة الهدف في التحرر المتكامل، وذلك في إطار دولة 'الجمهورية العربية المتحدة'.. إلى هذا الحد كانت السياسة شأناً جماهيرياً خالصاً، لا تمييز فيه بين زعامة ورعية، لم يكن عبد الناصر مختصِراً أمةٌ في رجل إلا بقدر ما كان عبد الناصر ممثلاً في فكره وممارسته، لكل إرادة فردية أو جماعية لمعظم الطلائع العربية وجماهيرها، ومعها طلائع المحيط الإسلامي والعالم ثالثي.

ذلك العصر لم يكن مثالياً بطولياً، وبالتالي وهمياً، ولكنه بكل بساطة كان عصر الشعوب السائرة نحو حكم نفسها بنفسها؛ كان ذلك التحول الاستراتيجي الكوني، هو الخطر الأكبر على أعداء الشعوب، عندما فازت هذه ببدايات استقلال بنيوي وسياسي، فلو تُركت لحركات صيرورتها الذاتية لما صار عالم مابعد الحرب الباردة مجرد قرية أمريكية، بل مصرفية صهيونية، الذي انتهى راهنياً إلى عالم الأزمة الاقتصادية المالية المستديمة غربياً.

لقد حدث منذ أربعة عقود أن استطاع الغرب مصادرة القرارات المصيرية لمعظم شعوب العالم الثالث، وفي مقدمتها شعوب أمتنا، ومن مدخل دولها القائدة لحركة تحررها الوطني، لمشروعها النهضوي الواحد المشترك. كانت 'معاهدة كمب ديفيد' فاصلة بين عهدين، ما قبلها ساد عصر المشاركة المتقاربة بين قمة الهرم الاجتماعي وقاعدته، ما جعل فكر الصيرورة متحكماً في وقائع المسيرة، وما بعدها جرى اختفاء هرم المجتمع كلياً لصالح ذروته فحسب: قبل كمب ديفيد كان المشروع النهضوي محاصِراً للمشروع الصهيوني بإرادة شعوب الأمة العربية جمعاء. بعد المعاهدة المشؤومة انقلب الوضع عكسياً تماماً، أضحى المشروع النهضوي مرتهناً لمتاحف التاريخ، باتت شعوب الأمة مرتهنة لسجون تحرسها الديكتاتوريات الأُحادية، ومعها أغنياؤها الطفيليون.

الربيع العربي يحطم أبواب هذه السجون واحداً بعد الآخر. هذا هو خطره الأعظم ليس على أعدائه وحراسه المحليين وحدهم، بل على سادة هؤلاء الحراس الوكلاء، إقليمياً وإلى ماوراء البحار. من هنا ينبغي فهم الصعوبات الكأداء في مواجهة مصر الثورة ما بعد إطاحة الفرعون، وثورة سورية الممنوعة حتى الآن من الإطاحة بجلاديها؛ ذلك أن ثورة مصر، غير الحاكمة حتى الآن، لا يمكنها أن تطيح بعلة العلل، معاهدة السجان الإسرائيلي الأمريكي إلا عندما تتم إطاحة الثورة السورية، بحارس المعاهدة الثاني، بل الأدهى، حامل (أسرار) مفاتيح ما كان يسمى بالجبهة الشرقية في دمشق. جرائم الجلادين لن تؤخر صيرورة التاريخ إلى مالا نهاية.

ولكن، هل يجازف الغرب بإطلاق مارد القمقم السوري. فما نفع إسرائيل بعده إذن؟

' مفكر عربي مقيم في باريس

=================

السوريون يرفضون مساعداتكم المسمومة

عبد الباري عطوان

2012-03-04

القدس العربي

ان تتقدم اسرائيل باقتراح الى الصليب الاحمر الدولي يقضي بتقديم مساعدات انسانية الى الشعب السوري، فهذه ليست قمة الاهانة فقط وانما قمة الوقاحة ايضا.

والاكثر من ذلك ان افيغدور ليبرمان وزير الخارجية الاسرائيلي ذهب الى ما هو ابعد من ذلك عندما قال 'ان دولة الشعب اليهودي لا يمكنها السكوت، وعدم فعل شيء ازاء ما يحدث في سورية'.

ليبرمان ودولته ينسيان المجازر التي ارتكبها الجيش الاسرائيلي في سورية، والاعتداءات المتكررة لخرق السيادة السورية ابتداء من تدمير مفاعل دير الزور، وانتهاء باغتيال الشهيد عماد مغنية في قلب العاصمة دمشق.

الشعب السوري بكافة اطيافه وطوائفه لا يمكن ان يفكر، مجرد تفكير، بالحصول على اي مساعدات من اسرائيل، الدولة التي اعتدت عليه في حزيران (يونيو) عام 1967 وما زالت تحتل ارضه، وارض فلسطين العربية، وتمارس كل انواع الارهاب ضد اكثر من اربعة ملايين فلسطيني في الاراضي العربية المحتلة.

انها محاولة اسرائيلية رخيصة للاصطياد في الماء العكر، وتشويه الانتفاضة السورية الشعبية المشروعة، المطالبة بالتغيير الديمقراطي ووضع حل لسنوات من القهر والظلم والاضطهاد وانتهاك حقوق الانسان.

ربما تكون هناك خلافات او انقسامات بين ابناء هذا الشعب العظيم حول النظام، وحلوله الامنية الدموية التي قادت البلاد الى هذا الوضع المأساوي الذي تعيشه حاليا، ولكن لا جدال في ان ما يوحد هذا الشعب هو العداء لاسرائيل، والمشاعر الوطنية القوية التي تريد تحرير كل الاراضي العربية المحتلة دون اي استثناء.

المساعدات الانسانية الاسرائيلية التي يعرضها ليبرمان او غيره من المسؤولين الاسرائيليين ملطخة بدماء الفلسطينيين، ومسروقة من ارضهم وثرواتها المتعددة، مثلما هي مسروقة من هضبة الجولان وتينها وعنبها وفاكهتها الشهية، ولا يمكن ان ننسى دماء اللبنانيين والمصريين والاردنيين الطاهرة التي سفكتها الطائرات والحروب الاسرائيلية.

هذا التعاطف الكاذب والسمج مع الشعب السوري لا يمكن ان ينطلي على احد، ناهيك عن اولئك الذين يواجهون الموت يوميا طلبا للكرامة والحرية والعدالة والديمقراطية.

دموع ليبرمان الكاذبة والمسمومة هي جزء من طموحات اسرائيلية للتسلل الى المنطقة العربية استغلالا للاوضاع الراهنة، وللثورات العربية على وجه الخصوص، وربما يفيد لفت الانظار الى الرسالة التي حملها برنارد هنري ليفي، نيابة عن المجلس الوطني الانتقالي الليبي، الى بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل عارضا فيها التطبيع واقامة علاقات مع حكومته، وهي رسالة نفاها المجلس واكدها ليفي في كتابه الذي صدر قبل بضعة اشهر مع تفاصيل كثيرة.

' ' '

ليفي نفسه حاول التسلل الى المعارضة السورية وتنظيم مؤتمرات لدعمها في باريس وغيرها، على طريقة دعمه للثورة الليبية، ولكن هذه المعارضة، مع بعض الاستثناءات، اغلقت الابواب في وجهه، وابلغته صراحة ان سعيه 'غير مشكور'.

ولعل ما يزعج اكثر ما ورد في بيان جماعة الضغط اليهودية الامريكية 'ايباك' حول مؤتمرها الاخير، وهو البيان الذي حرض على انهاء الطموحات النووية الايرانية بالطرق كافة، لما تشكله من اخطار ليس على اسرائيل، وانما ايضا على 'الاصدقاء' في منطقة الخليج العربي.

سبحان الله.. اصبح اللوبي اليهودي الابرز في واشنطن الذي وقف بقوة خلف الحرب التي دمرت العراق لمصلحة اسرائيل، وقتل فوق المليون من ابنائه، وتيتم اربعة ملايين من اطفاله، هذا اللوبي بات يعتبر نفسه حريصا على العرب والذين تأسس من اجل محاربتهم، والدفاع عن اغتصاب حقوقهم، وتهويد مقدساتهم، والتشجيع على تمويل الاستيطان في ارضهم.

الشعوب الخليجية، وهي المعروفة بمواقفها الوطنية المشرفة في دعم قضايا الامة والعقيدة لا تشرفها مثل هذه الصداقة، ولا هذا التعاطف الكاذب، حتى لو كانت تتوجس خيفة من ايران واطماعها في ارضهم وثرواتهم.

اسرائيل تريد ضرب ايران وتدمير منشآتها النووية ليس حرصا على العرب مثلما تدعي، وانما حتى تظل القوة النووية الوحيدة في المنطقة، وتستخدمها لارهاب جميع جيرانها، بل والامة الاسلامية بأسرها، حتى تمضي قدما في مشاريعها الاستيطانية، وتحقيق طموحاتها في اقامة اسرائيل الكبرى.

مؤسف ان نضطر الى التذكير بمثل هذه الثوابت المقدسة للأمة العربية في مثل هذا الوقت بالذات التي تعمل حكومات عربية على تجاهلها، بل وطمسها، وتنظر الى اسرائيل كحليف مستقبلي. الم تحظ اسرائيل بالمديح من قبل بعض الاقلام العربية في ظل عمليات التحشيد المستمرة والمتصاعدة ضد ايران هذه الايام؟ وهو مديح موثق وقع بردا وسلاما على الآذان الاسرائيلية في فلسطين المحتلة، ووصلت اصداؤه الى واشنطن واللوبي الاسرائيلي فيها، باعتباره نقطة التحول الرئيسية في الوطن العربي التي ينتظرها هؤلاء جميعا.

' ' '

انتقدنا تركيا عندما قبلت طائرة اغاثة اسرائيلية لمساعدة ضحايا زلزالها الاخير، واعتبرنا هذه المواد الاغاثية الاسرائيلية اهانة لهؤلاء الضحايا، خاصة ان تركيا لا تحتاجها، وسنتخذ الموقف نفسه دون تردد في مواجهة اي حكومة عربية تنظر الى اسرائيل كصديق، او تقيم تحالفا معها بحجة مواجهة الخطر الايراني.

الشعب السوري البطل الذي قدم آلاف الشهداء من اجل التصدي للمشروع الاسرائيلي، وتحرير الاراضي المقدسة، وخسر هضبة الجولان ،الجزء العزيز من ارضه، ومستعد ان يخسر الكثير من اجل هذا الهدف السامي، واحتضن المقاومة، لا يمكن ان يقبل مجرد التفكير بمساعدة ليبرمان او غيره من الذين اهانوا الأمة وكرامتها واحتلوا ارضها، ويعملون على تدميرها وكسر شوكتها.

الاحتلال الاسرائيلي للارض العربية هو اساس البلاء في المنطقة، ولن تستقر او تنعم بالأمن والسلام والاستقرار الا بزواله.

نتحدث بلغة 'خشبية' في نظر البعض.. نعم.. ولكنها لغة الكرامة والعزة، فلا كرامة للأمة كلها وهذا الاحتلال مستمر.

=================

عودة بوتين تبدّل الموقف من دمشق؟

الإثنين, 05 مارس 2012

جورج سمعان

الحياة

«الحملة التي يشنّها النظام السوري في حمص وإدلب ودرعا وغيرها من المدن السورية لا تنذر بنهاية الحراك، ولا تؤشر إلى نجاحه في الحسم العسكري في مواجهة معارضيه. تماماً مثلما قد لا يؤدي تسليح المعارضة أو «الجيش الحر» إلى اقتراب النظام من نهايته سريعاً. وإذا كانت آلة النظام، السياسية والعسكرية والديبلوماسية، لا تزال متماسكة مع ما يعنيه ذلك من شعور بالقوة، فإن تشرذم المعارضة لا يعني مطلقاً أنها ضعيفة وعلى طريق الانكسار مهما بدت وحدتها مهمة شبه مستحيلة. الصراع مفتوح أصلاً بين الحكم ومن يواليه من جماعات وأجهزة ورموز من جهة، وأهل الداخل الذين يحددون وجهة مآل الأزمة، والذين أثبتوا في الأرياف والمدن تصميماً لا تراجع عنه أياً كان الثمن. وهم قدّموا إلى اليوم ثمناً كبيراً وضحايا ومعتقلين ونازحين ولاجئين ودماراً وخراباً.

التعبير عن خيبة أمل من «مؤتمر أصدقاء سورية» في تونس، ومن تشردم المعارضة، ومن الموقف الدولي المرتبك والعاجز في مواجهة العناد الروسي والصيني، يعكس المأزق الذي يواجهه الحراك، والعجز عن وقف المجازر والقتل والتشريد والتجويع. ولكن قد لا تصح المبالغة في التعبير عن اليأس، أو القول إن العالم يتفرج. فمنذ بدايات الحراك بدا واضحاً أن التدخل الخارجي في أزمة سورية سيعقّد التسوية ويؤخّر التغيير المنشود إن لم يطحه. صحيح أن «الفيتو» الروسي والصيني شكل مظلة واقية للنظام، وأن الموقف الغربي عموماً، المتردد والمتذبذب اتاحا وقتاً كافياً لمواصلة الخيار العسكري، لكن الصحيح أيضاً أن لهذا التدخل مساراً وضوابط وآليات وشروطاً تستغرق وقتاً... وله أيضاً تداعيات وآثار ليست كلها من النوع المرتجى.

مواقف الخارج في الأيام الأخيرة تشي بوجهتين للأزمة: تصاعد الاحتراب الدموي واتساعه، أو تفاهم على تسوية تراعي الحد المقبول لمصالح الجميع. فإذا لم يطرأ تبدل في المواقف المتعارضة يترجم اتفاقاً على آليات التدخل وحلاً يطمئن الجميع ويبدد مخاوفهم ويراعي مصالحهم، فإن الأزمة تتجه سريعاً على طريق تقويض الدولة وليس إسقاط النظام. ويهدد ذلك بانزلاق دول الجوار كلها نحو الفوضى. ولا يمكن الحكم في دمشق اليوم الادعاء أنه حاضر من الحدود إلى الحدود وأن مؤسساته تعمل بانتظام. الأوضاع على الأرض تفصح خلاف ذلك. ويسمح غياب الدولة التدريجي ومن ثم انهيارها لبعض المغالين في التشاؤم بأن يتساءلوا هل يؤدي الانقسام الداخلي الحاد والدموي، في ظل تصعيد «المنازلة» الإقليمية والدولية في الساحة السورية، إلى تكرار تجربة الصومال أو أفغانستان، أم يقود إلى إعادة نظر في خريطة المنطقة التي لم تعرف استقراراً حقيقياً منذ تسعة عقود؟

هناك نظرة أخرى أقل سوداوية تقدم قراءة مغايرة للتطورات الأخيرة، منذ «مؤتمر تونس» وحتى الأحداث الدراماتيكية التي تشهدها حمص ومدن أخرى. وتعزز «تفاؤلها» بما يؤشر إليه بعض المواقف الأخيرة للمنخرطين الاقليميين والدوليين في الساحة السورية. فالضغوط الدولية تتصاعد بخطى سريعة على النظام السوري: الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة التي لم يعد لها من عمل سوى الأزمة السورية. وأوروبا يتوعد زعماؤها الرئيس بشار الأسد بالقصاص متهمينه بجرائم ضد الإنسانية. وكذا تركيا. وفي واشنطن انضم الرئيس باراك أوباما إلى وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون بالتبشير بأن «أيام الأسد باتت معدودة». وكلها مواقف تؤشر إلى قرار لا رجعة عنه بإسقاط نظام الأسد. أما الصين التي ترفض أي تدخل خارجي وتكرر تمسكها بالحوار والحل السياسي ودعوتها إلى وقف العنف، فتؤكد دعمها المبعوث الدولي - العربي كوفي أنان الذي تعرف أنه يحمل مبادرة الجامعة العربية لتغيير النظام.

لا تتوقف هذه «النظرة» عند هذه المواقف الدولية. الأهم في قراءتها هو ما تتوقعه من مرحلة ما بعد عودة فلاديمير بوتين إلى الكرملين في الدورة الأولى. تتوقع بداية تبدل في موقف روسيا قد يعيد ديبلوماسيتها إلى خط وسطي. وتلفت في هذا الإطار إلى حرص الزعيم الروسي قبل ثلاثة أيام من الانتخابات الرئاسية، على مقابلة وسائل إعلام أجنبية. لعله أراد من وراء ذلك أن يوجه «رسالة» محددة إلى الغرب، خصوصاً في شأن الموقف من الأزمة السورية. كان مرتاحاً إلى وضعه الداخلي. طمأنته استطلاعات الرأي عشية هذا الاستحقاق إلى فوز بنحو ستين في المئة. وسواء نال هذه النسبة أم أقل منها بقليل، فإنه بدا كمن يتعامل مع عودة مضمونة إلى الكرملين من الدورة الأولى.

كرر بوتين في مقابلته ما كان قاله منتصف العام الماضي: روسيا لا ترتبط بأي علاقة خاصة مع دمشق. وامتنع عن التعبير عن أي دعم للأسد. ورأى أن المصالح الاقتصادية لبلاده مع سورية ليست بحجم مصالح بريطانيا أو أي بلد آخر في أوروبا. وشدد على أن موقف موسكو «مبدئي» في مواجهة وضع «حرب أهلية»، وكرر دعوة النظام والمعارضة إلى وقف النار والحوار. لكن أهمية هذا الموقف في أنه تزامن مع حديث عن لقاء روسي - خليجي تأجل ربما إلى ما بعد انتخابات الرئاسة. وهو لقاء تعول عليه روسيا كثيراً، خصوصاً أنه لم يبدر منها، كالمعتاد، أي موقف أو رد فعل على ما سمعت من مواقف خليجية قاسية منذ استخدامها «الفيتو» في مجلس الأمن ضد قرار يدين النظام السوري. ولا تخفي رغبتها في تهدئة العلاقات مع مجلس التعاون الخليجي. كما لا تخفي رغبتها في تسوية على الطريقة اليمنية. ولا ترتاح بالتأكيد إلى من يذكرها بتجربتها السوفياتية في أفغانستان مع «المجاهدين» من أبناء الخليج! وهي تسمع هذه الأيام صيحات مشابهة تدعو إلى «النصرة والجهاد»، من الأنبار وطرابلس لبنان والغرب وعمان. وتعرف أن الحرب الأهلية التي تحذر منها لن تبقي لها، لا مصالح ولا قواعد في سورية... كما لن تبقي لغيرها مصالح أيضاً. فهل يعقل أن ينساق الجميع أمام المأزق السوري إلى «حل أفغاني» ولم يتعاف أحد منهم بعد من أعراض أفغانستان؟

يمكن تلمس مواقف متقاربة ومتشابهة أميركية وروسية: من رفض تسليح المعارضة والخوف من تفكك الدولة، إلى التشديد على الحل السياسي، وعدم الارتياح للمرحلة المقبلة والبديل المحتمل. جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى عبر قبل أيام عن هذا التقارب بقوله إن «تحليلهم (يقصد الروس) لا يختلف كثيراً عنا»! قد لا يرقى هذا إلى حد القول إن ثمة تنسيقاً بين واشنطن وموسكو. لكن هذا التقارب في المواقف يسهل التلاقي لترجمته تفاهماً على تسوية بديلاً من سقوط المنطقة في الفوضى. وقد تكون التطورات الأخيرة مدخلاً إلى هذه التسوية. فالمعارضة مشتتة سياسياً وزادها إرباكاً ما حل ببابا عمرو وما تواجهه مدن وأرياف أخرى. والنظام بات أسير خيار أمني بلا أفق أو نهاية.

أمام هذا المأزق وعجز أي من الطرفين في المدى المنظور على الأقل عن الحسم، يسهل دفعهما إلى تسوية، ألا يبدو بوتين هو الأكثر قدرة على إقناع أهل النظام في دمشق بالتسوية المطلوبة بعد «الخدمات» التي قدم إلى دمشق، «سلاحاً» في طرطوس و... نيويورك؟ لن يعدم في إيجاد البديل عبر تشكيل عسكري أو مدني وهو الخبير الذي يعرف الكثير من تراث ال «كي جي بي». كما أن واشنطن هي الأكثر قدرة على اقناع المعارضين الذين يشعرون هذه الأيام باليأس والخيبة من المجتمع الدولي كله.

إذا صحت هذه القراءة للمواقف الأميركية والروسية، فإن دوائر غربية وروسية واكبت الأيام الأخيرة من انتخابات أمس الأحد تتوقع بداية تغيير في موقف بوتين قد تعكسه صورة الحكومة الجديدة في موسكو. قد يغيب عنها سيرغي لافروف القريب من الجناح القومي العسكري لمصلحة فيتالي تشوركين أو من يماثله في التجربة الديبلوماسية الدولية. فالزعيم العائد إلى الكرملين يحتاج إلى التواصل مع خصومه في الداخل... إلى أسلوب جديد للتخفيف من غضب الطبقة المتوسطة التي عبّرت صراحة عن تطلعها إلى إرساء دولة القانون وقطع دابر الفساد. ويحتاج إلى التفاهم مع معظم أطياف معارضيه في مجلس الدوما حيث لا يتمتع بالأكثرية الكافية ليطلق يده في تمرير المشاريع والتعديلات الدستورية الكبرى. أما حاجة بوتين إلى رعاية مصالحه مع أوروبا وأميركا، فلا جدال في تقدمها على حاجته إلى التمسك بنظام لا أمل في بقائه. وستملي عليه التخلي تدريجاً عن خطابه «السوفياتي» والشعبوي.

أن يحدث هذا التبدل في موسكو، يعني أن «مؤتمر الأصدقاء» الثاني في تركيا بعد أيام قد يحمل تطورات في موقف «الأصدقاء»... وفي صفوف المعارضة السورية ومجلسها الوطني.

=================

ممارسة الضغوط على سورية

الإثنين, 05 مارس 2012

سيريل تاونسند *

الحياة

شكّل القرار الذي اتخذته روسيا والصين بالحيلولة دون تمرير قرار صادر عن مجلس الأمن في الأمم المتحدة في شأن سورية، يدعو الرئيس بشّار الأسد إلى التنحي ويدين العنف المتزايد في هذا البلد، حدثاً ديبلوماسياً دولياً مهمّاً.

ويستحق السوريون أفضل من ذلك. ومن الواضح أنّ الحرب الأهلية والفوضى التي غرقوا فيها تستدعي من المجتمع الدولي معالجتها بحذر وفاعلية. وقد أنشئت الأمم المتحدّة لحلّ هذا النوع من الأزمات.

وفيما يتوقّع رئيس الوزراء فلاديمير بوتين أن يتمّ انتخابه من جديد رئيساً في الربيع، يجب ألا نتعجّب من استخدام روسيا حقّ النقض (الفيتو). غير أنّها أعادت إحياء ذكريات الحرب الباردة المريرة والانقسام الخطير بين الغرب والشرق. ولا شك في أنّ وجود قاعدة بحرية روسية في سورية شكّل عاملاً كبيراً على هذا الصعيد.

وقال وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ إنه «لا يمكن الدفاع» عن الموقف الروسي مشيراً إلى أنّ أي قطرة دم تسقط في سورية «يتحمّل مسؤوليتها» الروس والصينيون. وتشعر المملكة المتحدة بالاطمئنان لأنّ جامعة الدول العربية اتخذت موقفاً حازماً من الأزمة.

ومن الممكن أن يندم سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي على استخدام بلده الفيتو. فقد أعلن خلال زيارة قصيرة إلى دمشق أنّ الرئيس الأسد قطع له وعداً بوقف العنف، الأمر الذي لم يطبّق ميدانياً. وستنهمك روسيا بالدفاع عن المستحيل فيما تستدعي الدول الغربية والعربية سفراءها الذين يغلقون سفاراتهم وراءهم.

ولو تمّ تمرير قرار مجلس الأمن على المدى القصير، فمن المشكوك فيه أن يبالي الرئيس الأسد بذلك. فقد كان عليه انتهاز هذه الفرصة المتأخرة حين كانت مسودة القرار موجودة في مجلس الأمن من أجل فتح حوار مع المجلس الوطني السوري. لقد انقلب مجرى الأمور عليه مع وصول عدد الضحايا إلى 7 آلاف شخص.

يعتمد الرئيس الأسد شأنه شأن والده الراحل حافظ الأسد على القوة للحكم، إلا أن شعبه تحرّر من الخوف ويفترض أنّ الرئيس سيكون خارج قصره في دمشق قبل نهاية هذا العام. ويعتبر الجيش السوري قوياً ومجهزاً في شكل جيّد على خلاف «الجيش السوري الحر» الصغير الذي يفتقر حالياً للأسلحة. إلا أنّ المنشقين عن الجيش السوري يتزايدون بمن فيهم عميد كبير. ويعتمد الجيش السوري على المجنّدين من المسلمين السنة.

وسيتمّ تذكير الرئيس الأسد في كلّ يوم أنّ العقوبات الدولية والحظر على صادرات النفط السوري تضر بالاقتصاد فيما تخسر العملة السورية قيمتها. وهو يعتمد على القطاع التجاري لدعمه. وترتفع نسبة البطالة فيما تغلق الشركات أبوابها وتزداد وتيرة انقطاع التيار الكهربائي.

لقد خسر النظام دعم عدد كبير من الدول بما فيها الهند وباكستان وجنوب أفريقيا. ولم يتمّ البحث جدياً في احتمال التدخل العسكري إلا أنّ تركيا تقدّم ملاذاً آمناً ومنشآت تدريب للجيش السوري الحرّ. وقد تقرّر تركيا بدعم من حلف شمال الأطلسي وجامعة الدول العربية إقامة منطقة آمنة ذات مساحة كبيرة على الحدود مع شمال غربي سورية. ويذّكر ذلك بالمنطقة المحمية التي أنشئت للأكراد في شمال العراق عقب مبادرة أطلقها رئيس الوزراء البريطاني حينها جون ميجور.

من المهم توفير دعم ديبلوماسي للمجلس الوطني السوري الذي يبدو منقسماً ولا يحظى بسلطة كبيرة. ويجب على الدول والمنظمات الخارجية جمع الأموال له إلى جانب تقديم وسائل الاتصال. ويحتاج هذا المجلس إلى إقناع رجال الأعمال والمسيحيين والأكراد السوريين بأن لا مستقبل لهم مع الرئيس المتشبث بالسلطة. ويجب أن تطلق سورية بداية جديدة وبرنامجاً للإصلاح السياسي والاجتماعي.

=================

سلحوهم أو اصمتوا

حسين شبكشي

الشرق الاوسط

5-3-2012

معقول أن يكون النداء بتسليح المعارضة السورية محقا وأخلاقيا؟ كيف من الممكن أن يتم المطالبة بذلك وألا يعتبر ذلك بمثابة سكب الزيت على النار وتأجيج الصراع العنيف في سوريا ليوصلها بصريح العبارة إلى مرحلة الحرب الأهلية الكاملة؟!

طبعا هذه هي حجة المدافعين عن نظام بشار الأسد الذين لا يرون في تسليح المعارضة أنه – حقيقة - وسيلة للدفاع عن النفس بالنسبة لأرتال عظيمة من الجماهير العريضة للشعب السوري الثائر في كل بقاع بلاده، الذي يواصل نظام الأسد الموتور حصد أرواحه بالمئات بشكل يومي وبأساليب أقل ما يمكن وصفها بأنها وحشية وهمجية. ولكنها اللغة الوحيدة التي يعرفها هذا النظام مع شعبه منذ توليه السلطة ووصوله إلى سدة الحكم، وهذا ليس بمبالغة ولكن كلام دقيق ومبني على شهود وشواهد.

واقع الأمر أن الشعب السوري لا يواجه سلطة تحكمه ولكن جيش احتلال يبيد فيه بلا رحمة ولا هوادة، هذه هي الحقيقة التي يجب أن يعلمها العالم، فلا يوجد نظام يتعامل مع شعبه بهذه الأساليب القمعية ليحول أفراد الشعب إلى أهداف للقتل والتنكيل والإبادة العشوائية. وبناء على ما ورد، تصبح مسألة تسليح المعارضة السورية مسألة غير قابلة للنقاش وأساسية من ضمن حل أعظم هو العمل بكل الوسائل على إسقاط نظام مجرم في حق شعبه، فقد الشرعية والأخلاق وبات وجوده مصدر عار وخزي على الإنسانية.

«التدخل الدولي والخارجي والعسكري» بات مسألة واقعية اليوم في الشأن السوري، وقام بتنفيذ ذلك عمليا النظام نفسه حينما دعا قوات مدججة بالسلاح من إيران والعراق ولبنان، محسوبة عليه وتؤيده، وأدخلها ضمن منظومته الأمنية تقاتل مع قواته وتقود بعض كتائبه في بعض الأحيان، وهو ما يفسر ارتفاع وتيرة العنف بشكل رهيب في الفترة الأخيرة.

الرئيس الأميركي، باراك أوباما، صرح في حديث لصحيفة «أتلانتيك» المعروفة، وقال إن أيام بشار الأسد في الحكم باتت معدودة، وأيده في ذلك، بعد سويعات، قادة فرنسا وبريطانيا وألمانيا. وعقب هذا التصريح خرج الروس في تصريح منفصل وقالوا إنه في حال حصول اعتداء وتدخل عسكري على نظام الأسد، فإن الروس لن يتدخلوا لإنقاذه، كل هذه التصريحات لا يمكن بالمنطق أن تكون من فراغ، الروس منحوا بشار الأسد شهر فبراير (شباط) بكامله لإخماد الثورة ضده، وساندوه بقوة عبر الفيتو الداعم له بمجلس الأمن في الأمم المتحدة مؤخرا.

وبشار الأسد نفسه كان قد أكد أنه قادر على القضاء على هذه الثورة خلال شهر فبراير، وشهر فبراير انقضى والعنف بحق الثوار السويين متواصل وأعداد القتلى في ازدياد بامتياز.

النظام حريص وبقوة على قمع الثورة، إلا أن «الرقعة» كبرت وبات من المستحيل معالجتها بالأسلوب القديم، فهناك أكثر من 620 موقع تظاهر في اليوم الواحد، والجيش النظامي أُنهك واستُهلك، ولم يعد بإمكانه الاستمرار في أسلوب الضرب والركض من موقع لآخر، وزادت ضراوة وخبرة وإصرار الثوار، وباتوا أكثر ثقة وقدرة ومعرفة بموقع الضعف والخلل في الجيش السوري ومنظومته المساندة له، وهو ما جعل ظاهرة الانشقاقات مستمرة ولم تتوقف، والتأييد والدعم الشعبي لها يزداد ليصل أيضا لدائرة التجار والصناع الذين بدأ جزء لا بأس به منهم ينحاز للثورة ويدعمها ماديا بشكل عملي وفعلي.

التأييد والدعم والتعاطف والدعاء والمؤازرة للشعب السوري الذي يباد بشكل يومي باتت من المطلوب أن تنتقل لمرحلة أكثر جدية وضراوة وترجمة حقيقية لمواقف الاعتراض والغضب والرفض لأفعال النظام، وتسليح الجيش السوري الحر لتحرير سوريا من نظام الأسد المحتل لها بات مسألة لا تحتمل التعامل معها بالتنظير والفلسفة والطرح المبني على مثاليات لا وجود لها.

واقع الأمر المرير أن هناك أرواحا تباد على أيدي طغاة بلا رحمة.. أنجدوهم حقيقة وكفوا عن الكلام، فقد تعطلت لغة الكلام، ولم تعد تجدي.

=================

سوريا.. ووضع الندى في موضع السيف

إياد أبو شقرا

الشرق الاوسط

5-3-2012

«ما كان أحد ليعبر المحيط لو قفز من السفينة بمجرد تعرضها لعاصفة»

(تشارلز كيتيرينغ)

نعيش تسابقا غريبا على إيجاد المبررات للإحجام عن أي تدخل جدي ينهي معاناة الشعب السوري.

بعض العرب، بمن فيهم مصر، يقفون ضد تسليح المعارضة السورية بحجة أنه يفضي إلى حرب أهلية.

وواشنطن، على لسان وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، «قلقة» – حفظها الله – من تسرب السلاح إلى «القاعدة» والجماعات الأصولية، وهذا مع أن الدكتور برهان غليون، الرئيس المؤقت للمجلس الوطني السوري، مع تسليح «الجيش السوري الحر» وليس كل من هب ودب ممن يصفون أنفسهم بالمعارضين.

ودول الاتحاد الأوروبي – ومثلها واشنطن وبعض العرب – تتحجج بأن المعارضة السورية منقسمة على نفسها، وبالتالي ليس لديها مشروع واحد أو تصور واحد لمستقبل سوريا. ثم تصر على صدور تفويض صريح بالتدخل من مجلس الأمن الدولي؛ حيث «الفيتو» الروسي - الصيني المزدوج بالمرصاد لأي ردع ولو كان محدودا لطغمة حاكمة استمرأت قتل مواطنيها واعتادت على تدمير مدن وطنها العامرة.

روسيا والصين تزعمان «الحياد» وتوزعان مسؤولية العنف بالتساوي على الجانبين، الحكومي والمعارض، على الجزار والضحية، فتخوضان فعليا بأجساد الشعب السوري ومصيره «معركة» ابتزاز ومساومة مع الولايات المتحدة؛ كون الأخيرة لا تكترث – حسب موسكو وبكين – لمصالحهما كقوى كبرى عائدة إلى المسرح بعد تراجع سطوة الأحادية الأميركية.

وتركيا، التي وعدت السوريين مرارا وتكرارا بأنها «لن تقف مكتوفة الأيدي» إزاء ما يرتكبه حكام دمشق من مجازر، ما زالت، على ما يبدو، تفضل فضة الكلام على ذهب السكوت؛ حيث لا تصور ولا إرادة ولا شجاعة في التصدي لمشروع «الهيمنة الإيرانية» الزاحف على منطقة الشرق الأوسط متسلحا برايات المذهبية وقوة السلاح.

وطبعا، هناك داخل المعارضة السورية، بأطيافها الواسعة، فئتان تعطلان الحسم، الفئة الأولى ساذجة في نقائها وعنيدة في مثالياتها، والثانية مشبوهة في ارتباطاتها الخفية بالنظام. وهذه الفئة الثانية – بالذات – تلعب اليوم دور «حصان طروادة» خطير في كيان المعارضة الفضفاض، وهي تظهر على شكل جناحين: جناح «معتدل» يصر على المطالبة ب«الحوار» مع طغمة قاتلة تبتز الشعب كله بالحرب الأهلية، وجناح «متطرف» يرفع السقف ويزايد على الجميع، للإيحاء بأن قوى المعارضة الرئيسية عاجزة أو واهنة أو مترددة.

وواقع الحال أنه في أي دولة من الطبيعي ألا تكون المعارضة كتلة واحدة. بل في نظام استخباراتي بوليسي، كالنظام الذي ورثه الرئيس بشار الأسد عن أبيه.. ومن ثم عزز تبعيته المطلقة لنظام أحادي آخر هو النظام الإيراني، يستحيل أن تكون المعارضة منسجمة الصفوف وموحدة الأهداف بمعزل عن هدف إسقاط النظام؛ فأجهزة الاستخبارات تفننت طويلا في إذلال المواطنين، وإفساد ناشئتهم وغسل أدمغتهم عبر تنسيبهم رغما عن أهلهم في صفوف طلائع البعث – كما قالت المناضلة ريما فليحان في لقاء تلفزيوني مؤخرا – ومن ثم تعويدهم على التجسس على أهلهم والإبلاغ عنهم.

في نظام كهذا لا وجود لقضاء مستقل، ولا حماية لمواطن يُضطهد لدوافع سياسية فيزج به في السجون من دون تهم ولا فرصة للدفاع عن النفس.. إلى ما شاء الله.

وفي نظام من هذا النوع يصبح التزلف والنفاق والمحسوبية و«التشبيح» أضمن وسائل التقرب من الطغمة المتسلطة، وبناء عليه يصبح الشك بالأخ والأخت، والعم والخال، والقريب قبل البعيد، بل وحتى بالنفس أحيانا، أمرا طبيعيا. ويغدو من الصعوبة بمكان تبلور شعور قوي بالثقة بالغير. وهكذا، لا بد من الصبر، والتجربة والخطأ، وجعل التحركات على الأرض «مصفاة» للنيات، ومختبرا عمليا لتمييز الغث من السمين، والمخلص من الانتهازي والخائن.

في المعارضة السورية ينبغي النظر إلى التنوع على أنه ظاهرة صحية وليست آفة؛ ذلك أن في التنوع واختلاف الآراء، إذا كانا منزهين عن الأنانية والانتهازية والمناكفة والخيانة، إثراء للمعارضة وتعزيزا للقدرة على ممارسة الديمقراطية. فهل يريد أولئك الذين يحاولون ستر تقصيرهم بذريعة «انقسام» المعارضة أن تقوم في سوريا معارضة «الحزب الواحد» و«القائد الأوحد»؟

هل يريدون نسخة مستنسخة من البعث العائلي المذهبي تختصر أطياف المعارضة وتلاوينها التعددية الجميلة في بلد كان، حتى أواخر الخمسينات من القرن الماضي، أحد أغنى الأقطار العربية ثقافة وأكثرها رقيا وأروعها تسامحا وأطيبها أرضا وألمعها شعبا؟

كثيرون يتكلمون اليوم، ويا ليتهم لا يتكلمون. أما إسرائيل، المخطِّط الأكبر لما يحدث من فتنة تتأجج على امتداد أرض سوريا، فصامتة ببلاغة تصم الآذان. وإيران، المنفذ الفعلي، قليلة الكلام لأنها لا تجد حاجة للكلام.. فأصداء الأفعال أعلى وأقوى من الكلام الفارغ.

ما الخطوة المطلوبة الآن؟

أعتقد أن الرهان على أي تبدل ذي قيمة في الموقفين الروسي والصيني رهان في غير محله؛ فموسكو وبكين لم تتصرفا كما تصرفتا ل«أسباب سورية» بل ل«أسباب أميركية واستراتيجية». صحيح عند كل من العاصمتين هموم «إسلامية»، لا سيما في القوقاز وتتارستان وتركستان الشرقية (سنكيانغ). وصحيح أن ثمة منظومة أمنية في سوريا استثمرت فيها موسكو الكثير، ومعها خدمات وتسهيلات عسكرية بحرية، وعقود تسليح وتدريب.. لكن حسابات موسكو وبكين في نهاية المطاف هي حسابات قوتين دوليتين تطمحان – وتجدان من حقها أن تطمحا – للعب دور إقليمي في الشرق الأوسط مهما كان الثمن البشري باهظا في سوريا.

وللأسف، كان لافتا أنه منذ استخدمت الدولتان «الفيتو» في مجلس الأمن، لم يؤجل أو يلغ توقيع أي اتفاق تجاري مع أي منهما، ولم تلغ أو تؤجل أي زيارة، أو يعلق أي اتصال بينهما وبين الدول العربية الفاعلة. في حين كان من الممكن، بكل سهولة، تجميد أي اتصال أو أي خطوة من أي نوع مع أي منهما، بانتظار حدوث مراجعة لموقف العداء السافر الذي اتخذته موسكو وبكين من الشعب السوري المظلوم. الوقت لم يفت بعد على تجميد كل أشكال الاتصال مع روسيا والصين.

خطوة أخرى ضرورية هي تفاهم أجنحة المجلس الوطني السوري على «تصور حد أدنى سياسي» لمستقبل سوريا يمكن عرضه أمام «مؤتمر أصدقاء سوريا» في تركيا، ومن ثم، محاسبة من يحاول الالتفاف عليه، وتسريع العمل على تنسيق الجهد مع «الجيش السوري الحر» الذي بات من الواجب تسليحه ودعمه لتأمين حمايته، تمهيدا لتمكينه من حماية المواطنين.

إن تسليح «الجيش السوري الحر» وإيجاد مناطق عازلة تكون آمنة له في شمال سوريا وجنوبها مسألتان حيويتان، أقله لتوجيه رسالة حاسمة لحكام دمشق مؤداها أن قمعهم سيواجَه بجدية.

لغة الحسم بالقوة هي اللغة الوحيدة التي تخيف أنظمة القمع. ولقد ثبت طيلة الأشهر ال12 الماضية أن الانتقادات والاستنكارات والتهديدات الجوفاء سياسة عديمة الفاعلية، والاستمرار بها ذر للرماد في العيون لا أكثر ولا أقل.

في سوريا أمامنا حكم لا يتورع عن شيء، ولا يرعوي، ولا يفهم إلا عندما يخاف.. فمتى يخوَّف؟

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ