ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 29/02/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

جرائم ضد الإنسانية في سورية

عبدالعزيز حمد العويشق

الوطن السعودية

28-2-2012

لا يدع تقرير الأمم المتحدة الذي صدر هذا الأسبوع مجالاً للشك بأن جرائم ضد الإنسانية قد ارتُكبت في سورية، ولعل ذلك يدفع مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، عندما يجتمع الأسبوع القادم في جنيف، ليحيل الملف السوري إلى محكمة الجنايات الدولية، دون إبطاء.

رفعت "الهيئة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في الجمهورية العربية السورية" تقريرها يوم الأربعاء الماضي (22 فبراير) الذي يؤكد ارتكاب "جرائم ضد الإنسانية" في سورية خلال الأشهر الماضية، ويلقي تقرير الهيئة التابعة للأمم المتحدة بالمسؤولية عن تلك الجرائم على القيادة السورية بشكل رئيسي.

ومن المقرر أن يعقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة اجتماعاً في جنيف الأسبوع القادم مخصصاً لمناقشة تقرير الهيئة والتوصية بشأنه.

وكما هوم معروف فإن تعبير "جرائم ضد الإنسانية" يُستخدم منذ ما يزيد عن قرن من الزمان، ولكن تعريفه الدقيق كان مثار جدل قانوني حتى وقت قريب، على الرغم من استخدامه بشكل واسع، خاصة في محاكمات نورمبرج التي حوكم فيها قادة ألمانيا النازية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

وما زلت أذكر الخلافات حول هذا الموضوع عندما بدأت العمل في هذا المجال من القانون الدولي لأول مرة في عام 1987، إذ كان ثمة جدل حول صعوبة تطبيق مفهوم واسع مثل "جرائم ضد الإنسانية" في المجال الجنائي، وكان الجدل يمتد إلى ماهية ونوع معايير توصيف تلك الجرائم لكي يمكن تطبيق القانون بعدالة.

كان ذلك قبل أن يتفق المجتمع الدولي على تعريف هذا النوع من الجرائم، أما اليوم فإن الجدل قد حُسم، نظراً إلى أن مفهوم "الجرائم ضد الإنسانية" قد تم تعريفه بدقة في النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية التي تأسست في مدينة (لاهاي) في عام 2002. إذ يمنح النظام هذه المحكمة الاختصاص في جرائم الحرب والإبادة والجرائم ضد الإنسانية. وتُعرّف المادة (7) من النظام الجرائمَ ضد الإنسانية وتورد عدة أمثلة عليها، مثل القتل العمد، والاختفاء القسري، والتعذيب، والاضطهاد الديني والعرقي والسياسي، وذلك شريطة أن تكون تلك الأفعال قد "ارتكبت كجزء من حملة واسعة أو منظمة ضد المدنيين." وتشمل هذه الجرائم كذلك "أي أعمال أخرى غير إنسانية يتم ارتكابها بقصد إلحاق معاناة جسيمة، أو إصابة بالغة للجسم أو الإضرار البالغ بالصحة المادية أو المعنوية."

وتوضح المذكرة التفسيرية للنظام الأساسي للمحكمة هذا المفهوم بشكل مفصل، حين تقول إن الجرائم ضد الإنسانية هي جرائم بشعة بحق الجسد الإنساني ولكنها في الوقت نفسه ذات طبيعة خاصة، إذ تشكل اعتداءً جسيماً على الكرامة الإنسانية وتتسبب في الإهانة العميقة للإنسان أو تحطيمه معنوياً. وهي بذلك ليست أفعالاً منعزلة أو متفرقة، بل جزء من سياسة حكومية منظمة، أو جزء من ممارسات واسعة النطاق تمارسها الحكومة أو تتغاضى عن مرتكبيها.

هذا هو حُكم القانون الدولي في تعريف الجرائم ضد الإنسانية وتحديد شروطها وأركانها. فماذا عن وقائع الأحداث في سورية؟ وهل يمكن وصفها بأنها جرائم ضد الإنسانية؟

يُوثّق تقرير الأمم المتحدة الذي تم تقديمه الأسبوع الماضي وأشرتُ إليه في بداية المقال عددا من الجرائم التي ارتُكبت في سورية وينطبق عليها بكل دقة التعريف والمعايير التي ينص عليها نظام محكمة الجنايات الدولية، ويورد الأدلة على ارتكابها من قبل الأجهزة والقوات النظامية وغير النظامية. ويشير على وجه الخصوص إلى أربعة أجهزة ضالعة في ارتكابها هي الاستخبارات العسكرية، ومخابرات سلاح الطيران، ومديرية المخابرات العامة، ومديرية الأمن السياسي، بالإضافة إلى القوات النظامية في الجيش والبحرية وسلاح الطيران.

ويشير تقرير الأمم المتحدة كذلك إلى أن النظام قد قام باتخاذ خطوات لإبعاد المسؤولية عن أجهزته الرسمية في بعض الحالات التي ارتكبت فيها جرائم بالغة الوحشية، عن طريق الاعتماد على مجموعات خارج الهيكل التنظيمي الرسمي. وأحد الأمثلة التي يوردها التقرير هي استخدام أجهزة حزب البعث في عمليات خطف وقتل للمدنيين بشكل منظم يجعلها في عداد "جرائم ضد الإنسانية". ومن الأمثلة كذلك قيام بعض رجال الأعمال الموالين للنظام بتجنيد بعض الميليشيات المعروفة ب "الشّبّيحة" لتنفيذ خطة النظام للقضاء على معارضيه. ووفقاً للتقرير، فإن "الشبيحة يجري تشغيلهم بشكل إستراتيجي يتم من خلاله ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وغير ذلك من الانتهاكات الخطيرة".

ولا يدع تقرير الأمم المتحدة مجالاً للشك بأن جرائم ضد الإنسانية قد ارتُكبت في سورية، هذا في وقائع الأحداث، وقد أشرتُ من قبلُ إلى أن النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية يصنفها بأنها جرائم ضد الإنسانية، ولهذا فإن الحقائق على الأرض، والمبادئ القانونية، معاً، يجب أن يدفعا مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، عندما يجتمع الأسبوع القادم في جنيف، لكي يحيل الملف السوري إلى محكمة الجنايات الدولية، دون إبطاء. ولا شك أن الملاحقة القانونية الدولية للمتهمين في تلك الجرائم ستساعد على تقديم المسؤولين عنها إلى المحاكمة، وتُرتّب على القوى الدولية مسؤولية، ما زالت تتردد في حملها، في المساعدة على وقف تلك الجرائم والقبض على مرتكبيها. ولعل تلك الملاحقة تكون كذلك عاملاً مساهماً في الحد من هذه الجرائم مستقبلاً، في سورية وغيرها، وتعزيز احترام قواعد وقوانين الحروب والنزاعات الداخلية.

=================

لنأي اللبناني بالنفس.. ماذا عن لقاء طهران؟

2012-02-28

الوطن السعودية

منح لبنان نفسه مسافة حيال ما يحصل في سورية في اللقاءات التي شهدتها الجامعة العربية، وتفهمت أطراف عربية موقفه ذلك، نظرا لحساسية النسيج اللبناني وقربه مما يحدث على حدوده مع سورية والممتدة 220 كيلومترا من الشمال والشرق.

ولكن سياسة النأي بالنفس هذه لم تترجم على الأرض. فالزيارة التي قام بها وزير الدفاع اللبناني إلى إيران، ولقاؤه الرئيس محمود أحمدي نجاد ووزيري الدفاع والخارجية، تحمل أكثر من معنى ورسالة إلى العرب أولا، وإلى العالم ثانيا، وهو بالمعنى الواقعي أن الحكومة اللبنانية التي يسيطر عليها حزب الله من الناحية اللوجستية، تسير في الخط الداعم للنظام السوري، وأن سياسة النأي بالنفس لم تكن إلا رمادا نثر في وجه التضامن العربي تحت ذرائع واهية.

فالوزير اللبناني الذي رافقه وفد عسكري رفيع المستوى، لم يذهب الى طهران لزيارة دينية، أو للسياحة، بل كانت الزيارة تحمل رسالة واضحة أن التحالف الذي يربط إيران والنظام السوري ولبنان عبر حكومة حزب الله، يسير وفق أجندة لا تغيير في خطوطها، وأن هذا التحالف يسعى للظهور العلني مجددا، مستفيدا مما قد يعتقده بالتراجع الذي أصاب التحالف الدولي العربي من الأزمة السورية.

للزيارة أهدافها العسكرية التي ترتبط بتسليح الجيش اللبناني، بعد أن أُوحي أن الولايات المتحدة تعارض تسليح الجيش لأسباب تربطها بولاء الجيش إلى حزب الله، وهو أمر جدلي في لبنان، وإذا كان هذا صحيحا من وجهة النظر الأميركية، فهو لا يبرر الذهاب بلبنان إلى عش الدبابير. فالدبلوماسية تقتضي التروي والسير بين النقاط وليس على الجمر، اذا كان من يمسك بالقرار حريصا على تحييد بلده صراعات ما يحدث حوله وفي العالم.

=================

الدستور السوري الجديد ... المضحك المبكي

مها بدر الدين

الرأي العام

28-2-2012

يبدو أن فصول مسرحية النظام السوري التهكمية التي تعرض يومياً على جميع مسارح المدن السورية لم تنته بالأحداث الدامية التي تعيشها سورية على مدار الساعة، فقد تفتق ذهن النظام المنفصل تماماً عن الواقع السوري على صياغة فصل هزلي جديد في محاولة لإلهاء الشعب السوري والمجتمع الدولي بفكرة الاستفتاء على دستور جديد للبلاد نسج على وقع آلة النظام العسكرية وكتب بقلمه المغمس بدماء الآلاف من الشهداء والمعتقلين والمفقودين في جو أقل مايمكن أن يوصف بأنه استبدادي وقمعي.

وقد وقع النظام السوري في أخطاء سياسية وقانونية جسيمة عند إعلانه عن طرح دستوره الجديد للاستفتاء الشعبي، فلم يفطن وهو في عجالة من أمره أن الثورة السورية عندما قامت قد أسقطت شرعيته وأحقيته في حكم سورية بعد أن رفض أكثر من ثلثي السوريين على الأقل بقاء هذا النظام سيفاً مصلتاً على رقابهم بعد عمر من التصلف السياسي والتعنت الدكتاتوري امتد لأكثر من أربعين سنة احتكرت خلالها البلاد لصالح الفئة الباغية، وأن عدم شرعيته التي جاءت عندما نادى السواد الأعظم من الشعب السوري المنتهكة كرامته والمسلوبة حريته بإسقاط النظام ورأسه ومحاسبته وأذنابه على جرائمه المرتكبة بحق الشعب السوري، لا تسمح له بأن يفرض دستوره المفصَل والمخيّط والمطرّز على مقاس بشار الأسد ومزاج أخيه ماهر وذوق آصف شوكت وباستحسان بقية العائلة والدائرة القريبة من المتزلفين والمتسلقين والمتزحلقين وماسحي الجوخ والأحذية.

فلم يراع هذا النظام غير الشرعي الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، واستفحل به التكبر وحب الذات للدرجة التي لم يعد يرى فيها تلك المجازر التي يرتكبها قاصداً متعمداً إبادة الشعب الثائر والقضاء على إرادة الجماهير السورية التي أجمعت على التخلص من العهد القديم المستبد لتبدأ عهداً جديداً، ملؤه الحرية والديموقراطية والكرامة، وخرج على السوريين بلا استحياء بعد ما يقارب السنة من نزيف الدم السوري بمسودة دستور جديد لإصلاح ما أفسده سابقه مستهتراً بمشاعر الملايين من السوريين الذين فقدوا أحبتهم وبيوتهم وأموالهم، مطالباً إياهم بالتوجه للإدلاء بنعمهم المعتادة على أشلاء جثامين شهدائهم وصراخات معتقليهم وغموض مصير مفقوديهم.

والقارئ للدستور الجديد لا يجد فيه اختلافاً كبيراً عن سابقه فهو باستثناء إلغاء المادة الثامنة سيئة الذكرالخاصة بهيمنة حزب البعث على مقومات الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في البلاد واستبدالها بمجموعة من المواد التي تعتبر تعجيزية أمام تأسيس الأحزاب وأحقية الترشح للرئاسة، فإنه يعتبر دستوراً تكريسياً لمفهوم القائد الأوحد والحاكم المستبد المطلق، فرئيس الجمهورية هوالقائد الأعلى للجيش وللقوات المسلحة ورئيس مجلس القضاء الأعلى وله بناء للدستور صلاحيات مطلقة منها تسمية رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابه، ووضع السياسة العامة للبلاد، وإصدار القوانين والاعتراض عليها، وإعلان حالة الطوارئ، وتعيين الموظفين المدنيين والعسكريين، وإبرام الاتفاقيات والمعاهدات، وتولي سلطة التشريع خارج دورات انعقاد مجلس الشعب، ولم يبقَ إلا أن ينادى بالحاكم بأمر الله على الأرض.

ولم يغفل خياطو الدستور وسفهاء النظام أن يحصنوا الرئيس من مغبة أفعاله غير المسؤولة فكانت المادة (117) من أكثر المواد استفزازاً واستخفافاً بعقول أبناء الشعب السوري حيث نصت صراحة على أن «رئيس الجمهورية غير مسؤول عن الأعمال التي يقوم بها في مباشرة مهامه إلا في حالة الخيانة العظمى ويكون طلب اتهامه بقرار من مجلس الشعب بتصويت علني وبأغلبية ثلثي أعضاء المجلس بجلسة خاصة سرية، وذلك بناء على اقتراح ثلث أعضاء المجلس على الأقل وتجرى محاكمته أمام المحكمة الدستورية العليا» علماً أن تسمية أعضاء هذه المحكمة السبعة يكون من اختصاص السيد الرئيس، وطبعاً المقصود بالسيد الرئيس في الدستور هو بشار الأسد الذي سيتمتع بموجبه بحكم سورية لمدة أربع عشرة سنة أخرى قد تستمر أكثر في حال عدم وجود مرشح آخر أمامه بناء على مواده ذات الرائحة النتنة لا تجعل هذا الدستور مرجعاً قيماً لأي نظام استبدادي فحسب بل يعتبر منهلاً مهماً لكل من يريد أن يؤبد حكمه ويستعبد شعبه وينصب نفسه ظالماً أبدياً للجنس البشري.

هذه المادة هي التي يستند عليها بشار الأسد في إبادته للشعب السوري وإطلاق آلاته العسكرية لتعيث فساداً وخراباً وقتلاً وتنكيلاً حيث مرت، واستناداً «إلها» يعمل مطمئن البال لعدم محاسبته على ما يقوم به من مجازر دموية بحق الشعب الأعزل، وما تكرارها في الدستور الجديد سوى تأكيد على نهج هذا النظام الدموي ونيته المستمرة في المضي قدما في سياسة القمع والتنكيل بحق الأحرار من الشعب السوري.

لقد تمادى النظام السوري في غيه واستهتاره بعقلية الشعب السوري وعزيمته، ولو صحت الأقوال حول قيام أجهزة الأمن السورية بمصادرة البطاقات الشخصية من المواطنين لإجبارهم على التوجه للاستفتاء والتوقيع بنعم على ورقة الاستفتاء فإنه يكون قد رسم نهايته بيديه خصوصا أن الشارع السوري اليوم لا يرضخ سوى لقانونه الثوري مستنداً على حقه بتقرير مصيره وممارسة كرامته والتمتع بحريته، ولا دستور اليوم يعلو فوق دستور الثورة.

=================

الثورة السورية هي الاستفتاء !

خيرالله خيرالله

الرأي العام

28-2-2012

لا يختلف اثنان على ان سورية في حاجة الى دستور جديد. لكنها في حاجة أولاً الى نظام جديد مكان النظام الحالي القائم منذ تسعة واربعين عاما والذي لا شرعية له. تلك هي الاولوية وليس الاستفتاء على دستور جديد يكّرس بقاء النظام الحالي ويسمح له باستعباد السوريين واذلالهم وافقارهم سنوات طوال اخرى باسم العروبة والدفاع عن القضية الفلسطينية.

مثل هذا النظام الجديد البديل من النظام الحالي يستطيع طرح مشروع دستور جديد على استفتاء شعبي وذلك تتويجا للثورة المباركة التي يشارك فيها السوريون من كل المناطق والمذاهب والطوائف والفئات الشعبية. لا يحقّ لنظام منبثق عن سلسلة من الانقلابات العسكرية الحديث عن دستور جديد او طرح مثل هذا الدستور لا الذي لا يتضمن في الواقع اي جديد، في ظلّ عمليات قتل مستمرة لابناء الشعب السوري وتدمير منظم للمدن والقرى والبلدات السورية.

لا خيار آخر امام هذا النظام، الذي أجرى استفتاء على دستور لم يجد المواطن الوقت الكافي للاطلاع عليه، سوى الرحيل. آن أوان اعتراف النظام بانّه انتهى وان لا شيء يمكن انقاذه، لا دستور جديدا... ولا تهديدات باحراق المنطقة ولا عنتريات الأمين العام ل «حزب الله» الذي يرفض الاعتراف بأنه جزء لا يتجزّأ من منظومة عفى عنها الزمن لا منطق سياسيا لها.

مرّة اخرى، يحاول النظام السوري ايجاد مخرج من ازمته. هدد في الماضي بفتح جبهة الجولان مذكّرا العالم انه ضمانة لاسرائيل. لم تنجح تلك المحاولة لسبب في غاية البساطة. يعود هذا السبب الى ان الفلسطينيين الذين ارسلهم الى جبهة الجولان كي يقتلوا بدم بارد رفضوا الاستمرار في اللعبة. تظاهروا ضدّ النظام في مخيّم اليرموك قرب دمشق وطردوا المنظمات الفلسطينية التابعة للاجهزة السورية منه!

كذلك، فشلت محاولة لفتح جبهة جنوب لبنان. جرت التضحية ببعض الفلسطينيين المساكين الى ان تبيّن ان ليس في قدرة اي طرف لبناني اعادة فتح جبهة الجنوب ارضاء للنظام السوري. حتّى «حزب الله» الايراني لا يستطيع استخدام سلاحه في عملية اعادة فتح جبهة الجنوب. وظيفة هذا السلاح معروفة. تتمثّل في ارهاب اللبنانيين وفرض حكومة من لون معيّن عليهم وليس الاقدام على مغامرة جديدة يمكن ان تعود بالويلات على ابناء الوطن الصغير، خصوصا اهل الجنوب الذين لم يعيدوا بعد بناء كلّ ما تهدّم في حرب صيف العام 2006. تلك الحرب التي انتهت بصدور القرار الرقم 1701 عن مجلس الأمن التابع للامم المتحدة والذي يرفض «حزب الله» اعادة قراءته للتأكد من انه ادخل لبنان في متاهات كان في غنى عنها...

الثورة السورية التي ستطفئ بعد ايام شمعتها الاولى، هي بمثابة استفتاء مستمرّ. انه استفتاء يومي يصوّت فيه السوريون بدمائهم الذكية.

واذا كان هناك من يشكك في ان السوريين في استفتاء مستمر، قالوا فيه كلمتهم، هناك الموقف العربي. كلّ الدول العربية تؤيد المبادرة التي تدعو الرئيس بشّار الاسد الى التنحي. لبنان «ينأى بنفسه» لأسباب عائدة الى انه مغلوب على امره وان من يتحكم بالقرار الحكومي هو «حزب الله» وتوابعه على رأسهم النائب المسيحي ميشال عون حليف صدّام حسين في السنة 1990 وبشّار الاسد في السنة 2012!

امّا الجزائر، التي تتحفظ من دون ان تتحفّظ عن القرارات العربية والدولية المتعلقة بالنظام السوري، فهي اسيرة اللغة الخشبية التي يعتمدها نظام غير قادر على استيعاب ان العالم تغيّر وان الشعوب العربية ترفض العيش في ظلّ شعارات بالية تقوم على فكرة معاداة الاجنبي، ولكن بالكلام فقط.

هل الجزائريون الذين يطمحون في اكثريتهم الى الهجرة الى فرنسا يأخذون على محمل الجدّ الشعارات التي يستخدمها النظام لتبرير المواقف المسايرة للنظام السوري؟

في كلّ الاحوال، قال العالم كلمته متحدّيا الفيتو الروسي والصيني. اظهر الاستفتاء الحقيقي في الجمعية العامة للامم المتحدة ان هناك اكثرية دولية تؤيد الطرح العربي الداعي الى تنحي بشّار الاسد. هناك ثلاثة استفتاءات جرت بديلا من الاستفتاء على الدستور السوري الذي يطرحه النظام. الاستفتاء السوري والاستفتاء العربي والاستفتاء الدولي.

كلّ ما هو مطلوب الآن، اقتناع اهل النظام بانّ لا مجال لإصلاحات من اي نوع كان. هذا نظام غير قادر لا على السلم ولا على الحرب. تخصص في الماضي في نقل ازماته الى الخارج السوري. منذ اقلّ من سنة تفجّرت الازمة في سورية نفسها. لم يمتلك النظام من حلول سوى السعي الى إلغاء الآخر. يمكن اختصار ازمة النظام السوري بعبارة واحدة: هل في استطاعة نظام إلغاء شعبه من اجل ان يبقى في السلطة؟

الجواب عن هذا السؤال ان ذلك ممكن ولكن ليس الى ما لا نهاية. من يعتقد ان في الامكان الغاء شعب من الشعوب لم يتعلّم شيئا من تجارب الماضي القريب. هل استطاع الاتحاد السوفياتي بكلّ جبروته الغاء شعب من شعوب دول اوروبا الشرقية او حتى من الجمهوريات التي كان يتشكلّ منها؟

في حال ليس مطلوبا الذهاب الى أبعد من العالم العربي، هل استطاع النظام السوري إلغاء لبنان او الشعب اللبناني على الرغم من ممارسته القمع في ارجاء الوطن الصغير ما يزيد على ثلاثة عقود؟ أين صارت مواقع الجيش السوري التي كانت في لبنان حتى العام 2005؟

=================

الدستور السوري... ثلاثة أخطاء

تاريخ النشر: الثلاثاء 28 فبراير 2012

د. طيب تيزيني

الاتحاد

دعوة الحكومة السورية للشعب السوري بالاقتراع على "الدستور" الجديد، أثارت تساؤلات حادة ودهشة ممزوجة بالمرارة والاستهجان، كيف يتم ذلك، وهو وُضِعَ من طرف واحد؟ وكيف "مرَّت" على الحكومة السورية، وهي، كغيرها، تعيش في ساحات يخيم فيها القتل والموت والخطف والاستباحة؟ وثالثاً، ألمْ تدرك هذه الحكومة ولجنة الدستور المعنية أن الدعوة للاقتراع تُوجَّه للشعب السوري كله في جهاته الأربع؟

ولعلنا الآن نضع يدنا على نمط من الاستهتار بشعب ليس هو أقل من بقية الشعوب. فكأن مَنْ وقَّت لذلك الاقتراع يعتقد أن المناطق الساخنة في سوريا يجب أن تُعاقب على ما تقوم به من مطالبة بحقوق لها مهدورة منذ عدة عقود، وإلا، سيتساءل المرء عمّا وراء ذلك؟ ثم، هل القيام باقتراع على دستور ما ضمن أجواء الرصاص الحي وغيره من أدوات القتل، يؤمّن للمواطنين جواً مناسباً حقاً لحوار ديمقراطي في الدستور نفسه؟

هي ثلاثة أسئلة تتحدر من ثلاث حالات تنتمي إلى نمط من الحكم لا يخرج عن كونه نظاماً أمنياً، يحرص على الاستفراد بكل شيء. ألا يدرك العارفون ضمن هذا النظام أن صراعاً بين أطراف لا يُحلُّ إلا من قِبل كل هذه الأطراف! أما أن يعلن النظام الحاكم عن لجنة تصوغ دستوراً بعيداً عن معظم الأطراف، فإن هذا لا يخرج عن كونه نمطاً من الاستبداد الذي يكافح الشعب السوري في سبيل اجتثاثه من حياته، بعد أربعين عاماً من هيمنته. وهذا الكفاح يملك شرعيته القانونية والأخلاقية والإنسانية على الأصعدة الثلاثة، الوطني المحلي والإقليمي والدولي. ولهذا كله، كان على الحكومة أن تدرك أن صياغة دستور وطني تشترط أن تقوم بذلك لجنة وطنية شرعية، وليس لجنة حزبية أو أمنية أو استفرادية فاقدة للشرعية من حيث الأساس.

أما الأمر الثاني الذي نحن الآن بصدده، فهو ذاك الذي يتصل ب"الموت" وب"الحياة"، فهل يسعى أهل "القرار" إلى تعميم الموت في سوريا عن طريق الإبقاء على مَنْ يسميهم "الجماعات المسلحة"، وهؤلاء هم في حقيقة الأمر ذراع النظام القاتل في شوارع وبيوت سوريا. وللأسف، كانت الرصاصة الأولى، التي أطلقها أحد أطراف النظام، المقدِّمة التي ألهبت شباب الانتفاضة، واستمر الوضع مُلتهباً، دون أن يُحَاول اللجوء إلى إحدى صيغ الحل السياسي السلمي. وقد ازداد الولوغ في الدماء الزكية، وراح الأمر يتجه إلى جعل القتل والخطف والإيذاء، هدفاً بذاته. والآن، وبعد قريب العام، يأتي من يعلن عن صدور دستور جديد ينظم حياة سوريا، دون أن يُنتبه إلى أن حواراً في دستور ما يشترط، أول ما يشترط، أن يكون المواطنون، كل المواطنين، آمنين على حياتهم! هل افتُقدت الحكمة والعقلانية والروح الوطنية، التي تحافظ على فضائل الوطن والكرامة والتوازن الحضاري؟

أما المفارقة الثالثة، التي تقوم على دعوة المواطنين للمشاركة في التصويت على دستور وطني، جديد، فتكمن في الاعتقاد أو الافتراض بأن هذه الدعوة موجهة إلى فريق من دون فريق، إلى من ينعمون بإمكانات الذهاب إلى مراكز التصويت، دون آخرين يعانون من صراعات مسلحة مجنونة. وعلينا أن نضيف إلى هذا أو ذاك من ملابسات المسألة المعنية هنا، وجهاً آخر من عملية التأسيس لدستور وطني جديد، في مرحلة تعاني من الاضطراب والرعب والانهيار. أما هذا الوجه الآخر فيتمثل في الحرص على أن تتمتع لجنة التأسيس لهذا الدستور بشروط الشفافية والحياد وحماية المواطنين في حرياتهم، وخصوصاً حرية الاختيار والوقوف في وجه المرجعيات الأمنية والمالية. فهذا كله يمثل شرطاً حاسماً، وإلا، فلا! ومن أجل ذلك، تبرز ضرورة اللجوء إلى تشكيل لجنة دستور وطني بضمانات وحمايات قانونية دولية.

=================

قراءة في الموقف الإسرائيلي من الثورة السورية

أحمد العالم

المستقبل

28-2-2012

حافظت إسرائيل على صمت شبه تام طوال الثلاث شهور أو المئة يوم الأولى من الثورة وهي الفترة نفسها التي قبلت فيها قوى إقليمية ودولية فكرة أن الرئيس السوري بشار الأسد قادر وبإمكانه قيادة الإصلاح في البلد. ومنذ الصيف بدأت التقديرات أو التصريحات الإسرائيلية العلنية في الظهور، وكانت البداية من وزير الدفاع ايهود باراك المحلل الاستراتيجي البارز لشؤون الشرق الأوسط حسب التوصيف الساخر واللافت لأحد المعلقين والذي جزم بأن النظام السوري سيسقط خلال عام الى عام ونصف العام، ثم توالت التصريحات المماثلة سواء من باراك نفسه أو من رئيس الأركان الجنرال بيني غينتس ومدير عام الوزارة الجنرال عاموس جلعاد الذي يعتبر أيضاً أحد كبار المفكرين الأمنيين، والتي تجمع على حتمية سقوط النظام مع العجز عن تحديد سيناريو السقوط أو طبيعة الوضع الذي سينشأ بعد ذلك.

"قبل السقوط" هذا هو العنوان الذي اختاره محللا الشؤون العسكرية في صحيفة هآرتس العسكريان هارتس افي يسخروف وعاموس هرئيل لمقالهما الذي لخّصا فيه - الجمعة 6 كانون ثاني- الحلقة البحثية التي أقامها المركز المقدسي للشؤون العامة والسياسية الذي يديره دوري غولد السفير السابق في الأمم المتحدة والمقرب من نتنياهو حول التطورات في سوريا بمشاركة نخبة من الباحثين والمختصين منهم على سبيل المثال لا الحصر العميد جاك نارييه الذي خدم كسكرتير عسكري لرئيس الوزراء الراحل اسحق رابين ود.شمعون شابيرا السكرتير العسكري لرئيس الوزراء نتنياهو أثناء ولايته الأولى إضافة الى السفير السابق في القاهرة تسفي مزال ونخبة من الباحثين والمختصين خريجي جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان). ناقشت الحلقة ما وصفه المعلقان بأحداث متطرفة أو شاذة مثل مبادرة النظام الحالي الى شن الحرب ضد إسرائيل أو مبادرة النظام الجديد الى توقيع معاهدة سلام معها، وهي الأمور التي تم استبعادها مع التوافق على سقوط النظام الحتمي خلال 2012 وهو التقدير الرسمي لشعبة الاستخبارات والاختلاف على سيناريوات ما بعد السقوط، وهل ستقع حرب أهلية تدفع باتجاه التقسيم أم يتغلب العامل الوطني السوري الداخلي وحتى العلماني حسب تعبير نارييه الذي رفض أيضاً ولنفس العامل فكرة أن يكون النظام الجديد الأول بين الأنظمة الجديدة التي توقع معاهدة سلام مع إسرائيل مع اهتمام كبير بلبنان طبعاً من زاوية الترسانة السورية الهائلة التقليدية وغير التقليدية وإمكانية وصولها الى حزب الله أو حتى في ما يتعلق باحتمال الذهاب الى حرب أهلية كجزء من التداعيات اللبنانية للتطورات السورية.

إسرائيل الرسمية وبموازاة التقدير المعلن بسقوط نظام الرئيس بشار الأسد تراقب عن كثب مجريات وسيناريوات الأحداث خصوصاً في بعدها الأمني وتحديداً في ما يتعلق بالوضع على الحدود الشمالية مع سوريا ولبنان ومصير الترسانة السورية والجانب الصاروخي منها وهي ردت بشكل تكتيكي عبر إغلاق المنفذ البري الوحيد في هضبة الجولان وزيادة الاحتياطات الأمنية والعسكرية في الهضبة خصوصاً في محيط تل الصرخات كما بقرار بناء جدار أمني على الحدود مع لبنان لمواجهة أي تصعيد محتمل من قبل النظام السوري لحرف الانتباه عن المجازر التي يرتبكها في حمص وحماه وبقية المدن الثائرة مع استبعاد قيامه بشن حرب ضد تل أبيب حتى ضمن المنطق الشمشوني، أما في ما يتعلق بمصير الترسانة العسكرية السورية وكما أعلن وزير الخارجية افيغدور ليبرمان في الأمم المتحدة منذ أيام فإن إسرائيل تراقب عن كثب هذا الأمر واحتمال وصول كميات كبيبرة ونوعية منها الى حزب الله أو قيام هذا الأخير بفتح الجبهة ضد الدولة العبرية للفت الانتباه عن مأزق حلفائه في دمشق، وهذا أيضاً احتمال مستبعد لتداعياته الكارثية على الحزب ولبنان. وعموماً لا يمكن استبعاد خطوات تصعيدية إسرائيلية مثل القيام بعمليات كوماندوس داخل العمق السوري خصوصاً إذا ما سادت حالة من الفوضى قبل وبعد سقوط النظام أو حتى توجيه ضربات ضد مخازن ومستودعات حزب الله، ولو أدى ذلك للوصول الى حرب تعتقد تل أبيب أنها ستجد مساندة أو تفهماً دولياً وحتى إقليمياً لها شرط ألا يطول الزمن وأن لا تطال المدنيين والبنى التحتية اللبنانية علماً أنها تفضل في المدى المنظور المراقبة عن بعد وترك الأمور لتأخذ مجراها وتترك آثارها إن في سوريا أو لبنان وعموم المنطقة.

لا بد من الإشارة أيضاً الى الاختلاف في ما يتعلق بآثار سقوط النظام السوري على إسرائيل وبينما اعتبر وزير الدفاع ايهود باراك الأمر مفيداً خصوصاً لجهة إضعاف محور إيران حزب الله حماس وتبدل المشهد والتحالفات السياسية في المنطقة مع قلق تجاه الهدوء في الجولان رأى مدير عام الوزارة الجنرال عاموس جلعاد أن الخطر قد يكون ذا طابع استراتيجي وأكثر خطورة على إسرائيل خصوصاً إذا ما وصل الإسلاميون الى السلطة في دمشق ما سيؤدي الى نشوء حلف معادي مع نظرائهم في مصر، ليبيا، تونس وربما الأردن أيضاً. وهنا لا بأس من التطرق الى ما قاله قائد الاستخبارات العسكرية (أمان) الجنرال أفيف كوخافي أمام مؤتمر هرتسيليا الأخير الثورات العربية تتنتج أجواء أكثر إسلامية أكثر تسلحاً، أكثر عداء ضد إسرائيل علماً أن هذا يمثل العنوان الإسرائيلي الرسمي والعام للتعاطي مع الثورات العربية بما في ذلك الثورة السورية.

=================

معركة كسر العظم

امين قمورية

2012-02-28

النهار

عندما ينتفض وزير الخارجية السعودي في مؤتمر تونس ويقول "إن ما يحدث في سوريا مأساة خطيرة لا يمكن السكوت عنها، أو التهاون في شأنها، والنظام السوري فقد شرعيته وبات أشبه بسلطة احتلال"، فهذا معناه ان المملكة حسمت امرها في الشأن السوري وقررت المضي حتى النهاية في سعيها الى اسقاط النظام في دمشق.

 وعندما يتحدث العاهل السعودي مع الرئيس الروسي عن نفاد جدوى "الحوار"، فهذا يفسر أن المملكة اختارت طريقاً جديداً في التعامل مع المعضلة السورية وتالياً مع حليفتها روسيا التي توفر لها الحماية السياسية وربما ما هو اكثر. ومعنى الكلام أن دول الخليج لم تعد في وارد "اغراء" روسيا كي تغيّر مواقفها وإنما أخذت في اعتبارها إمكان المواجهة معها. فإطاحة النظام السوري باتت قراراً لا عودة عنه، وعلى روسيا أن تقرر ما تراه في مصلحتها، بحسب تفكير الخليجيين الذين يرون أن الروس خاسرون في هذا الصراع لأنهم يراهنون على نظام في طريقه إلى الزوال.

ولا شك في ان المخاطبة الخليجية لروسيا بهذه اللهجة الحادة، هي رد واضح ليس فقط على "الفيتو المزدوج" الذي رفعته موسكو وبيجينغ في وجه الجميع في مجلس الامن، بل على سعي روسيا أولاً ومن ثم الصين بموقفهما الى الحؤول دون صوغ نظام اقليمي جديد بات واضحا ان واشنطن والغرب يخططان له بعد "تفجر" الربيع العربي، رأس حربته ممالك الخليج ومشيخاته وعماده الفعلي تركيا. ومثل هذه المخاطبة لموسكو، ثمة مخاطبة خليجية أقدم وأشد حدّة لطهران التي تزعج بطموحاتها ليس فقط النووية بل أيضاً "العربية" من العراق حتى لبنان.

انهيار النظام السوري يعني ان الجسر الايراني الى قلب الشرق الاوسط انهار أيضاً، وان رأس الجسر الروسي على الضفة الغربية للمتوسط صار في خبر كان، وتالياً فان انقلاب المشهد القائم الآن في المنطقة يصير حتمياً ويمكن عندئذ الحديث عن شرق اوسط جديد جرى الحديث عنه من زمان.

اما اذا بقي النظام القائم في دمشق واستمر، فمعنى ذلك مشهداً آخر سيرتسم في الشرق الاوسط، وعندها لن يكون انتقام الحلف المؤيد لهذا النظام من هذا الهجوم الخليجي اللافت على سوريا، بالوكالة بل في قلب الخليج حيث الارض خصبة من البحرين الى القطيف الى جيزان.

وهكذا يوماً بعد يوم، لن يعود في امكان اللاعبين المباشرين الخسارة فيذهبون بخيارات الحسم حتى النهاية. ويمكن للصراع الدائر حالياً ان يصير معركة كسر عظم لا تنتهي الا بفوز احدهم بالضربة القاضية، الا اذا اطلق الحكم الاميركي صفارة وقف المباراة قبل موعد النهاية لأسباب "فنية" ومصالح خفية.

=================

صناديق الاستفتاء وصناديق الموت!

راجح الخوري

2012-02-28

النهار

سواء كانت نتيجة "الاستفتاء" على الدستور في سوريا 9 في المئة او 99 في المئة من المؤيدين كما جرت العادة، فالأزمة الدموية لن تنتهي غداً. اولاً لأن القبول بدستور جديد تأخر عشرة اشهر على الاقل سقط خلالها عدد كبير من القتلى والجرحى وارتفعت الآلام والاحقاد الى السماء، وثانياً لأن الدستور الجديد لا يحمل تغييراً كبيراً، فباستثناء الغاء المادة الثامنة التي تسقط هيمنة حزب البعث، فإن بدء تطبيقه بعد ثلاث سنوات وجعل مدة الرئاسة سبع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، اوحى للمعارضة السورية ان حكم الرئيس بشار الاسد يمكن ان يستمر 17 سنة اضافية وفق الدستور الجديد!

وفي الواقع لا يمكن الحديث عن استفتاء الشعب عندما يتجه مواطنون الى الصناديق لإبداء رأيهم بينما يتجه اخوة لهم الى ملاقاة ربهم في الصناديق او الاكفان، فقد كان واضحاً يوم الاحد ان مناطق واسعة في سوريا لم تشارك في الاستفتاء إما مقاطعة له وإما بسبب القصف والعمليات العسكرية، التي تتأجج في حمص وحماه وادلب وفي كل ريف حلب، وقد قيل ان الصناديق لم ترسل اصلاً الى تلك المناطق!

وعندما تستمر المعارضة في رفض النظام والدعوة الى اسقاطه، فان الاستفتاء لن يغير الواقع المتردي على الارض، وإن كان سيوفر حجة اضافية للنظام، للمضي في قمع المعارضة والقول انه يريد التغيير وان المعارضين مجرد ارهابيين، مما يعني ان الاضطراب الامني سيستمر طويلاً على قاعدة ان لا النظام قادر على الحسم العسكري إلا بتسوية حمص واخواتها بالارض وهو امر لا ندري الى متى يستطيع العالم ان يتحمله، ولا المعارضة قادرة على تغيير النظام في ظل الواقع السياسي والعسكري المفتقر الى ادنى درجات التوازن.

فهناك نظام يملك جيشاً كبيراً فيه مجموعة من الفرق المدربة جيداً لحمايته، وهو يحظى بالدعم السياسي والامداد العسكري من روسيا وايران، وفي المقابل هناك حتى الآن معارضة منقسمة لم تقدم تصوراً واضحاً لمستقبل سوريا، في حين تتآكل المخاوف عواصم العالم من مستقبل بعض الدول التي اجتاحها "الربيع العربي"، (لاحظوا مثلاً العلاقات الاميركية – المصرية). وهناك ايضاً انقسام في الموقف العربي حول دعم المعارضة وهو ما انعكس سلباً على "مؤتمر اصدقاء سوريا" في تونس، حيث لم يتم الاتفاق ولو على مسألة الممرات الآمنة او على طريقة ايصال الادوية والحاجات المعيشية الى المناطق المنكوبة بالقصف المدفعي والاجتياحات.

ليس واضحاً ان كان الاجتماع في تركيا (بالمناسبة اين العنتريات التي اطلقها قبل الانتخابات) سيخرج بنتائج افضل من اجتماع تونس، لكن أياً تكن النتائج ليس هناك من يشك للحظة في ان سوريا قد تنغمس للأسف اكثر في الدم ولن يطول الامر لتصير في حرب اهلية مرعبة!

=================

عام على الثورة السورية [٢]

علي حماده

2012-02-28

النهار

بعدما واجهت روسيا والصين الوضع السوري بطرح “الفيتو” على مشروع القرار العربي - الاوروبي في مجلس الامن، وبعدما انطلق مؤتمر “اصدقاء سوريا” بخطى متعثرة في تونس، انفتح باب الحديث عن عسكرة الثورة بقوة، بداية بلسان وزير خارجية السعودية الامير سعود الفيصل الذي دعا النظام الى تسليم السلطة طوعا او كرها، ثم مع الموقف القطري الاكثر وضوحا الذي عبّر عنه رئيس الوزراء الشيخ حمد بن جاسم بدعوته الى دعم المعارضة بكل الوسائل، بما فيها تسليحها، وباتت مسألة مواجهة النظام في سوريا بالقوة حتى اسقاطه خيارا مفتوحا على مصراعيه، وصارت السيناريوات العسكرية والتسليحية جزءا اساسيا في سياسات القوى العربية والدولية. ومن الاسباب التي دفعت بالخيار العسكري - التسليحي الى الامام، ان طرح "الفيتو" الروسي - الصيني في مجلس الامن منح النظام اجازة مفتوحة للقتل واجتياح المدن والقرى والبلدات السورية الثائرة، مما أدى الى ارتفاع صاروخي في عدد الشهداء، وقد بدأ يلامس حدود العشرة آلاف، وهو مرشح للارتفاع.

اكثر من ذلك، فقد بدا مع مرور الوقت ان جبهة دولية - اقليمية تضم روسيا والصين وايران، تشكلت للدفاع عن نظام بشار الاسد والتعامل معه وفق معايير تعود الى مرحلة الحرب الباردة، ولا تتوقف عند حقيقة ان ما يحصل في سوريا هو ثورة ضد نظام ديكتاتوري يقوم على الدم. ومن المعلوم ان بشار اسد ما كان ليمعن في القتل لولا التغطية التي حظى بها من هذه الجبهة الثلاثية.

فقد ادرك النظام في سوريا، ومعه حلفاؤه، ان التسليم بأمر التظاهر الحر والسلمي في سوريا سيفضي عاجلا ام آجلا الى تحوّل سوريا باسرها الى ميادين تحرير، وان مئات الآلاف الذين نزلوا الى الساحات والشوارع في المراحل الاولى للثورة سيصبحون ملايين لو تركوا من دون ان يطلق الرصاص عليهم.

لقد انتهج النظام منذ الايام الاولى الحل الامني، ثم فاقمه بالتوغل في الحل الدموي الترهيبي، ومع ذلك لم تتوقف الثورة، بل توسعت وتجذّرت وتصلبت وتطرفت بفعل تضخم اعداد الشهداء والمآسي.

من الواضح ان القرار بتسليح ثورة قد اتخذ. ومن الدلائل التي تؤشر لذلك قول وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون ان الثوار في حاجة الى ان يسيطروا على منطقة جغرافية معينة من الارض السورية لكي يكون ممكناً مساعدتهم بالسلاح. ولعل المعركة في حمص تهدف في ما تهدف الى تقطيع اوصال التواصل الجغرافي للثورة بين الشمال والجنوب. وفي المقابل، فإن سيطرة الثوار قبل يومين على طريق السريع بين حلب وتركيا تفيد ان المعركة المقبلة ستدور قرب الحدود التركية، وسيحاول الثوار قضم مساحة جغرافية لينطلقوا منها. لقد بدأت الحرب المفتوحة في سوريا!

=================

التوتر الصيني - الأميركي في مرآة الأزمة السورية

الثلاثاء, 28 فبراير 2012

بشير هلال *

الحياة

في حين تبدو شائعة ومُعمَمَة الأسباب المعلنة لوقوف الإدارة الروسية حتى الآن، ضد كل قرار في مجلس الأمن يطاول النظام السوري، يثير التوافق الصيني مع الموقف الروسي في استخدام حق النقض قدراً أقل من الردود العدائية ولكن الكثير من الحيرة القائمة في قسمٍ منها على التلغيز التقليدي المنسوب إلى «امبراطورية الرجل الأصفر» وإلى التأرجح بين تفسيرات عدة:

الأول، يعتبر استخدام الفيتو نتاجاً طبيعياً لالتزام الصين الدائم بمبدأ رفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول وبخاصة في مادة حقوق الإنسان انطلاقاً من مفهومٍ كلاسيكي متقادم للسيادة بوجهيْها الخارجي أولاً ثم الداخلي بما يعنيه من «حقوق» للدولة حيال «منشقيها» والأقليات القومية واللغوية كما حيال المجموعات العابرة للدول كالطوائف الدينية.

الثاني، أنها تفعل ذلك في إطار تموضع عالمي يقوم على تحطيم القطبية الأميركية الأحادية، الأمر الذي يتقاطع للمدى المتوسط مع سياسة روسيا التي تحتفظ معها بعلاقة استراتيجية ثابتة منذ وصول بوتين إلى السلطة. وهي علاقة سمحت بتجاوز ندوب التاريخ الكثيف إيديولوجياً والمديد زمنياً من التوتر الماوي- السوفياتي في عهد ورثة ستالين «التحريفيين» والذي تبعته بعد انهيار المعسكر الاشتراكي حالة تعويم براغماتي غلبت عليه العلاقات التجارية وتدعيمها في المناطق الحدودية.

الثالث، أن الصين المحكومة بنظام الحزب الواحد إنما تفعل ذلك لخوفها من تأثير كلمة حملتها الانتفاضات العربية وهي «الشعب يريد» على شعبها بالذات، بعد وصول صورها وأصدائها إليها. وهو خوف بررته محاولة الاقتداء المبكرة التي جربتها بعض مجموعات الشبيبة والمنشقين على الشبكات الاجتماعية الصينية والتي ردَّت عليها السلطات بضبطٍ متزايد وإشكالات مع أبرز مواقع التواصل.

هذه التفسيرات تبدو صحيحة بقدرٍ نسبي لكل منها وإنما تعاني مأخوذة على انفراد من غياب تنضيدها في سياق الدينامكية العامة لتطور السياسة الخارجية الصينية.

فتفسير استخدام الصين حق النقض بالمبادئ الحاكمة لتوجه سياستها الخارجية يهمل واقع أن هذه تنتمي أصلاً إلى أزمانٍ سياسية مختلفة تستدعي اليوم تأويلات متفارقة عن تلك التي كانت لها عند إطلاقها. فمبدأ السيادة على سبيل المثال هو الأقدم والأصل الذي يتميز عن مُنتَجه الفرعي المتمثل بمبدأ عدم التدخل والذي جاء إطلاق صياغته النهائية في سياق مؤتمر عدم الانحياز في باندونغ عام 1955 مضافاً إلى أربعة مبادئ أخرى هي: الاحترام المتبادل، وعدم الاعتداء، والمساواة والمصالح المشتركة، والتعايش السلمي.

آنذاك كانت الصين الشعبية دولة ذات اقتصاد زراعي متخلف ضعيف التبادلات التجارية وعضواً في الكتلة الاشتراكية متخوفاً من حكام الكرملين الجدد بعد غياب ستالين الراعي الضامن والمتسلط معاً، ولا تحظى باعترافٍ عالمي شامل مقابل الصين الوطنية التي كانت تحتل مقعدها في الأمم المتحدة ومجلس الأمن. وبمعنى ما فهذه المبادئ التي صاغها شو آن لاي كانت بمثابة تسويغ لأواليات الدفاع عن النفس بعد الحرب الكورية وفي ظل استقرار نظام الحرب الباردة وهيمنة القطبية الثنائية، بينما الوضع مختلفٌ كلياً اليوم على كل المستويات حيث غدا الهدف بالنسبة لكثيرين أقلّه في الغرب تعويق تحول صعود الصين الاقتصادي الذي جعلها الثانية عالمياً، إلى صعودٍ استراتيجي سياسي موازٍ. ما يجعل التمسك بها اليوم أداة ذات وجهين: للدفاع عن النظام ودولته من جهة ولتنفيذ خط قضم تدريجي لمواقع متزايدة في السياسة العالمية على المدى الطويل من جهة أخرى. الأول غايته حماية الداخل ومُحافِظ الطابع والثاني تغييري «هجومي» في الخارج وحافظ بهذه الصفة بالذات للداخل.

المحتوى الراهن للمبادئ الحاكمة المذكورة هو ما تتبناه الصين اليوم في تعاملها مع الانتفاضة السورية لوقوعها بالضبط في لحظة تصادف توتراً استثنائياً للعلاقة الثنائية مع الولايات المتحدة التي هي العلاقة الأكثر أهمية لمجمل السياسة الخارجية الصينية. وإلا فلماذا لم تستخدم حق النقض في الحالة الليبية؟ ومن ثم لماذا «تغامر» بمجابهة مع الجامعة العربية بعامة ومع دول مجلس التعاون الخليجي بخاصة التي تحتوي أرضها على 45 في المئة من احتياطات النفط المُثبَتة في العالم والتي يُفترَض أن يصل حجم المبادلات معها إلى ما بين 350 و 500 بليون دولار بحلول عام 2020 مع تسارع الخطوات لإقرار اتفاقية للتبادل الحر بين الطرفين وازدياد الاستثمارات المتقاطعة في مجالات الطاقة ونقل التكنولوجيا وسواها؟

يلخص الصينيون أسباب التوتر بأن أوباما بسعيه للحصول على ولاية ثانية قام بتغييرٍ في سياسته يهدد الروابط التجارية، وأعاد النظر في الاستراتيجية العسكرية الأميركية بحيث جعل الأولوية لمنطقة آسيا- المحيط الهادئ. وأن واشنطن تحاول بناء حلفٍ مع الدول الصغيرة والمتوسطة في المنطقة لمواجهتها. فضلاً عن مشكلة سعر صرف اليوان وبيع الأسلحة إلى تايوان ولقاء أوباما مع الدالاي لاما وحقوق الإنسان.

لا ريب أن هذا التوتر الاستثنائي سمح بدوره بتقديم العلاقة الصينية الروسية وكأنها علاقة تحالف «خالد» وأنها السبب في الفيتو الصيني. ذلك غير دقيق. فبكين لا تريد تحويله حرباً باردة الأمر الذي قد يكون مختلفاً بالنسبة لبوتين. فالصينيون يدركون تداخل اقتصادَيْ البلدين: مبادلات تتجاوز 400 بليون دولار سنوياً، مبيعات الشركات الأميركية العاملة في الصين تتجاوز 243 بليون دولار، الصين صاحبة أكبر محفظة من الديون السيادية الأميركية. وهم إلى ذلك كله مع زيادة وزن بلادهم في السياسة العالمية إنما وفق نظرية «القوة الناعمة» المُطوَّر إلى»القوة الحاذقة» لما يتضمنه حقلها الدلالي من إمكانية أوسع للتوصيف: الذكاء والتهذيب والمكر والمهارة. فالصين تريد التحول من «مصنع العالم» إلى «شريك العالم». وأن تربح «حرب» صعودها دونما معركة ما يعادل «انتصاراً تاماً» وفق معايير محللها العسكري التاريخي سان تسو.

الأرجح ألا يطول التوافق النقضي الروسي-الصيني في الملف السوري. فبوتين يبدو كمَنْ يخوض عبره معركة استعادة «الوزن السوفياتي» بينما الصين تخوض مواجهة محدودة لصعودٍ تدريجي، ماضٍ ومستقبل.

=================

عرض «ديموقراطي» في دمشق وطهران

الثلاثاء, 28 فبراير 2012

الياس حرفوش

الحياة

في الأسبوع ذاته هناك حفلتان تجريان في العاصمتين السورية والإيرانية. أول من أمس الأحد دعي السوريون إلى حفلة استفتاء على الدستور. ذهب الرئيس وزوجته إلى مبنى التلفزيون حيث أدليا بصوتيهما. ولم يكن ممكناً اختيار مكان أفضل من ذلك المبنى لعرض هذا المشهد المسرحي. في الوقت ذاته، وفي ما يوصف بالغرف السرية، التي يُفترض أن الناخب يدخلها للإدلاء بصوته «سراً»، أي بعيداً عن عيون الحكومة، كانت الكاميرات وعدسات المصورين تنقل المشهد مباشرة وتلاحق الناخبين إلى تلك الغرف، لنشاهدهم وهم يصوتون ب «نعم» على مشروع الدستور الجديد.

ولمن فاتهم احتفال دمشق، هناك احتفال مماثل سيجرى في طهران نهار الجمعة المقبل، حيث وجهت السلطات دعوة مفتوحة إلى 48 مليون إيراني للمشاركة في أول انتخابات برلمانية منذ الحدث «الديموقراطي» الشهير الذي أعاد أحمدي نجاد إلى الرئاسة عام 2009.

في الحالتين كان لا بد من الاستعداد لمواجهة الحملات المغرضة والأكاذيب عن الوضع في البلدين المذكورين، والتي يمكن أن تشوّه الاحتفال الديموقراطي. ومنها ما يتردد من مزاعم عن انتفاضة يقوم بها الشعب السوري ضد النظام، ومثلها مزاعم عن أزمة اقتصادية ومعيشية خانقة في إيران وتململ شعبي بسبب العقوبات. في دمشق حرص الرئيس على نشر ابتسامته المعتادة على جمهور التلفزيون، للتأكيد أن كل شيء على ما يرام، أو كما أجاب مرة الصحافية الأميركية باربارا وولترز عندما سألته عن رأيه في الوضع في بلاده، فما كان منه إلا أن باغتها بإجابته الشهيرة: «وماذا يحصل في سورية؟». وفي تأكيد على نجاح الأداء المسرحي لم تكن هناك أي إشارة على قسمات المحتفلين إلى جانب الرئيس بذلك اليوم التلفزيوني يمكن أن تدل إلى أن «شيئاً ما» يحصل على بعد بضعة كيلومترات من دمشق، في حمص مثلاً أو في حلب، أو حتى في كفرسوسة، غير بعيد عن مقر البث المباشر.

على العكس، أكد الرئيس أن هناك سعياً لكسب «معركة الأرض والفضاء»، وترك للمشاهدين أن يحزروا ضد من تخاض هذه الحرب.

أما في طهران، حيث البث التلفزيوني بدأ قبل الانتخابات بأسابيع، فهناك إشادة متواصلة ب «النعمة الإلهية» الخفية التي «فجرت المواهب والإيمان بالقدرات الذاتية لدى حشود الشباب الإيراني». والمقصود بالنعمة هي العقوبات المفروضة على إيران، والتي أدت إلى خسارة الريال الإيراني نصف قيمته الشرائية منذ كانون الأول (ديسمبر) الماضي، فضلاً عن مضاعفة أسعار المواد الغذائية واللحوم نتيجة انحسار الواردات بسبب نقص القدرة الشرائية. غير أن هذا لم يمنع المرشد علي خامنئي من الظهور على التلفزيون ليؤكد: «لقد أغلقوا أمامنا أبواب العلم ورفضوا أن يبيعونا ما نحتاجه من السلع، ومع ذلك حققنا التقدم. وهذا ما يملأ نفوسنا بالأمل». وهو ما رد عليه مواطن إيراني في طهران في تحقيق أجرته صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية فقال: «في عالمنا فقدت العملة قيمتها وفرضت عقوبات على نفطنا وأصبحنا نشعر بالعار، أما في عالمهم فالبلاد قوية والاقتصاد ينتعش وينتظرنا مستقبل جيد. كل منا يعيش في كوكب مختلف».

مثل كل العروض المسرحية الباهتة حيث خاتمة المسرحية معروفة قبل أن تسدل الستارة، لم يكن هناك ما يثير في العرض السوري ولا في ذلك المنتظر نهار الجمعة المقبل في إيران. في الأول تمخضت حفلة الإصلاح الدستوري عن بقاء الرئيس إياه رئيساً حتى عام 2028! وفي الثاني يستمر العرض على حاله ويحضر الجمهور ذاته للتصفيق كل أربع سنوات، أما الذين يتغيبون فقد ذهبوا إلى القبر أو هم يعيشون في الإقامة الجبرية.

وهل يمكن أن تكون الديموقراطية غير ذلك؟

=================

ألم يتعظ «الأسد» من نظام انتهى مع الجرذان؟

إكرام عبدي

الشرق الاوسط

28-2-2012

ما زال النظام الأسدي على مدى أحد عشر شهرا يتفنن في صنع الموت بسوريا، ويتفاخر أمام العالم بقعوده فوق تل من الجماجم، ويبتهج بإنجازاته التدميرية والقمعية التي حققها ووالده وعائلته على مدى خمسين سنة بوجه خال من حمرة الخجل، اللهم إلا الإصرار على التضليل والتمويه والكذب والعنجهية والتنكيل بالشعب بالسوري الأعزل الذي وصل اليوم إلى ثمانية آلاف قتيل سوري، حيث المقابر تحفر سلفا استعدادا لاحتضان الجثث، وحيث الموت طليق حر في شوارع حمص والكثير من المدن السورية، بعدما كان في المعتقلات السرية وفي المقابر الجماعية، وحيث المعتقلون يساومون من طرف سماسرة الأرواح لإطلاق سراحهم بمقابل مادي ليعتقلوا فيما بعد.

لم يشأ بشار الأسد أن يصيخ لنصائح أردوغان الذي دعاه لعدم اقتفاء خطى الوالد القمعية ومحو آثار مجزرة حماه في فبراير (شباط) 1982. لم تثنه قرارات جامعة الدول العربية بتعليق عضويته وتوقيع عقوبات سياسية واقتصادية ضده، ولا قرارات مجلس التعاون الخليجي بسحب سفرائها من سوريا، ولا المواقف التونسية والمصرية والمغربية الصارمة. وإن كان الشارع العربي عامة، والمغربي على وجه الخصوص، يتفاعل وبقوة مع الشعب السوري، ويدين بشدة المجازر المرتكبة في حق الشعب السوري ويطالب برحيل السفير السوري من أرض المغرب، مطلب تقدم به المركز المغربي لحقوق الإنسان للحكومة المغربية، كما عرفت مدينة طنجة المغربية أضخم مسيرة تضامنية مع الشعب السوري.

آلة العدوان السوري لم يوقفها حتى الموقف الأميركي الصارم الذي عمل على تجميد الأصول المالية العائدة للنظام السوري ووقف استيراد النفط من سوريا ووقف التعامل مع استثمارات أخواله آل مخلوف، بل استمر «الأسد» في غيه، ينفخ أوداجه ويحتمي بإيران التي تبعث ببوارجها لنصرة الطاغية، عوضا أن تتركها لنفسها كي تقي نفسها شر هجمة أميركية - إسرائيلية وشيكة بعدما أوشكت على الدخول إلى نادي الدول المالكة للسلاح النووي، ويحتمي أيضا بموسكو القيصرية وبالصين التي فطنت أخيرا أن مصالحها ليست مع نظام أسدي فاشستي، بل مع ثورات وأنظمة عربية قادمة.

لم يشأ بشار أن يتعظ من نظام ليبي انتهى به تاريخه الديكتاتوري في المجاري مع الجرذان، لكونه ورث وهم الخلود من والده، فقط قام بتشبيب هذا الإرث ببعض الخطابات الفضفاضة من قبيل الحداثة والتغيير والإصلاح، وأخذ هذا الوهم يكبر رويدا رويدا ككرة الثلج ليجرف شعبا بأكمله، لا ذنب له سوى أنهم صبروا لزمن طويل على فظائع الأسد الوالد والابن. ومن الأجدر بالشعب العربي من اليوم فصاعدا أن يقوم بإجراء اختبار نفسي لحكامهم قبل جلوسهم على كرسي الحكم؛ لإثبات خلوهم من مرض جنون العظمة والتسلط والحكم الدائم، أو ربما أن هذا الجنون يكبر مع التقادم فوق كرسي الحكم، ويتعاظم في كل مرة يبصر فيها الحاكم وجهه في المرآة، حتى يغرق في انعكاسه ويتماهى معه بانتشاء ولا يستفيق إلا وهو بين المجاري يتمرغ في وحل الذل والهزيمة.

الموقف الأميركي الذي لم يشأ التدخل في سوريا عسكريا مثلما تدخل في ليبيا وأفغانستان قد يثير الكثير من الاستغراب؛ لكنه موقف طبيعي في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعيشها أميركا بعدما استنفدت قوتها العسكرية في العراق وأفغانستان وليبيا، بشكل يجعل تدخلها في سوريا مجازفة ومغامرة غير محمودة العواقب، والحقيقة أن التدخل الأجنبي لا يمكن إلا أن يزيد الطين بلة، وخاصة أن سوريا من الدول العربية التي تتوفر على أكثر من خمسين طائفة أهمها العلويون والدروز والسنة والمرشديون، والتدخل الأجنبي يمكن أن يدخلها في نفق مسدود وفي جحيم حرب طائفية قد تريق المزيد من الدماء.

وسوريا اليوم كباقي الدول العربية التي عاشت الربيع العربي في حاجة إلى حوار ومصالحة وتكتل بين جميع الأطياف الدينية والسياسية، كما أن الثورات العربية انبجست في دول إسلامية سلفا. لهذا فهي ليست بحاجة لمن يبشرها بالدين الإسلامي وليست بحاجة إلى التكفير والترهيب، فالجوع كافر، والمرض كافر، والفقر كافر، والذل كافر، كما يقول زياد الرحباني.

الثورات العربية في حاجة للمضي إلى أفق تنويري رحب وليس إلى أفكار ظلامية تقبر كل تضحيات ومعاناة الثورات العربية، واستحضر حزبا قرأت عنه تشكل مؤخرا في باريس اسمه «حزب سوريا للجميع» أسسه رجل الأعمال السوري محمد عزت خطاب، يأمل في حل الأزمة السورية من بوابة الاقتصاد وتحقيق الكثير من المنجزات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لسوريا. وضع يده على مكمن الجرح، ودعا إلى أهمية تحقيق الحوار الديني والسياسي وحماية سوريا من أي تدخل أجنبي وتجنيب سوريا النزاعات الطائفية طبعا بعد العمل على إيقاف نزيف الدماء، وإن كان هناك من يعتبر أن الصراع الطائفي لا وجود له، بل هو صراع مصالح وقوى فقط، وأن التعايش بين المذاهب والطوائف جزء من الذاكرة الثقافية العربية وليس وليد اللحظة، وأن هناك من يستغله لتأجيج الصراع وأحداث التشققات. فنجاح ثورة سوريا وباقي الثورات العربية لا يمكن أن يتم إلا من الداخل وبالحوار والإنصات والتكتل وبعيدا عن النعرات الطائفية والمذهبية، وبعيدا عن الأفكار الظلامية المناغية للعصور الغابرة، وبعيدا عن العنف الأعمى الذي لا يمكن أن يولد سوى المزيد من العنف.

=================

«طوائف» سوريا الثائرة

مشاري الذايدي

الشرق الاوسط

28-2-2012

آخر شيء تحتاجه ثورة الشعب السوري المقهور هو أن يتم تلطيخها بالطائفية والأصولية.

هذا بالضبط ما يريد نظام بشار الأسد تكريسه وتجذيره، ردعا للأقليات في الداخل، ودول الغرب والشرق في الخارج.

من أجل ذلك ليت بعض وعاظنا وخطبائنا الدينيين يتحلون بقدر من الزهد في الإعلام هذه الأيام، ويكفون عن مناصرتهم الضارة للثورة السورية، أقول ذلك بعدما قال أحد هؤلاء المشاهير من الوعاظ مؤخرا بأنه تجب الثورة على بشار الأسد وقتاله، لأنه بالإضافة لكونه ظالما وقاتلا، «زنديق» دينيا!

ليتنا نسلم من مثل هذه المناصرات الضارة، و«ليتنا من حجنا سالمين» كما يقول المثل، القصة في سوريا ثورة من أجل الحرية وضد القمع والقهر الذي لم يوفر أحدا في سوريا.

في طليعة الثوار السوريين أناس قدموا الغالي والنفيس وخاطروا بالروح والمال، وسطروا كلمات من النبل والانحياز النقي للجانب المظلوم، وهو الشعب السوري، كيف لا وهم قطعة أصيلة من موزاييك هذا المجتمع السوري الجميلة.

مثلا:

خذ لديك: الأديبة سمر يزبك، الفنانة الشجاعة فدوى سليمان (ما زالت هاربة من أجهزة النظام، لكن ظهرت فجأة في ميادين حمص تهتف ضد الأسد)، منذر خدام، منذر ماخوس، محمد صالح العلي، وغيرهم، كل هؤلاء ينتمون اجتماعيا إلى الطائفة العلوية، التي يدعي النظام أنه يحميها ويصون مصالحها.

عندك أيضا أسماء مثل الكاتبة المبدعة ريما فليحان، صاحبة الموقف المبهر في وضوحه وشجاعته ووعيه، وأيضا منتهى الأطرش، ابنة سلطان باشا الأطرش، وفنان الثورة سميح شقير، صاحب الأغنية الشهيرة في مناصرة درعا: «يا حيف»، وغيرهم، كل هؤلاء من الطائفة الدرزية، وأبناء جبل العرب.

ومثلهم موقف الزعيم اللبناني الدرزي وليد جنبلاط الذي دعا إلى تسليح الثوار في سوريا وحذر أبناء الدروز في سوريا من الانحياز للنظام الأسدي القاتل، كما في حديثه لصحيفة «لوموند» الفرنسية.

غير الدروز، هناك مواقف أخرى للمسيحيين مثلا، لدينا الفنانة التي تحمل روحها على كفها، مي سكاف، التي وجهت رسالة حادة إلى زعيم الحزب الأصفر في لبنان، حسن نصر الله، طالبة منه كف شروره عن الشعب السوري، وكذلك فارس الحلو، وميشيل كيلو، وجورج صبرا، كل هؤلاء من المواطنين السوريين المسيحيين، الذين صنعوا، مع بقية السوريين، هذه الثورة التي يتآمر عليها الكثير شرقا وغربا.

ليس هذا وحسب، عندنا مشعل تمو، البطل الكردي السوري، في هذه الثورة، الذي اغتاله النظام، وحتى الطائفة الإسماعيلية شاركت في هذه الثورة، ويحدثني أحد الثقات حول الثورة السورية من الداخل، أن مدينة سلمية عاصمة الطائفة الإسماعيلية، شاركت في المسيرات والمظاهرات ضد النظام القمعي، بل وقدمت الدعم والمأوى والحماية لسكان الرستن حينما هربوا من آلة القتل الأسدية المجنونة.

هذا مجرد غيض من فيض، ونزر من نهر، يكشف بالدليل الملموس أن هذه ثورة «شعب» وليست ثورة طائفة معينة، ثورة تنطلق من مشاعر إنسانية بحتة قرفت من العيش في «المذلة»، يجسد هذه المشاعر الهتاف الرهيب للثوار السوريين: «الموت ولا المذلة». وهذا مطلب يستوي فيه بنو الإنسان، دون أدنى اعتبار لمحدد ديني أو عرقي أو جهوي.

المفارقة أن من يروج لطائفية الثورة، وأنها مجرد تعبير عن الأصوليين السنة، أو يقولون بصراحة فجة أحيانا، ثورة سنية، من يروج لهذا هم النظام الأسدي، وكثير من التيارات الأصولية السنية خارج سوريا، بحجة نصرة السوريين، في تلاق عجيب بين القمع والجهل!

النظام محتار من ديمومة هذه الثورة وتناميها، وهو يراهن فقط على إيجاد الشروخ المذهبية والاجتماعية داخل جسد الثورة، وهو محتار، حسب زعيمه بشار، في حساب الربح والخسارة، فحسب بشار الأسد، في تصريحاته الأخيرة عقب الاستفتاء الهزلي على دستوره الجديد، فإن نظامه قوي على الأرض، ومتمكن، لكن تنقصه السيطرة على الفضاء، يقصد الإعلام، لتنتهي المشكلة! هكذا في استهتار فاجر بحقيقة ما يجري على الأرض، فهو متمكن على الأرض، وهو يفهم التمكن هنا بمعنى أن قوته العسكرية غالبة وقاهرة، وهو صادق في هذا، فحسب صحيفة «وورلد تريبيون» الأميركية، الأحد الماضي، نقلا عن مصادر في النظام السوري، فإن «الرئيس بشار الأسد على الرغم من مرور عام تقريبا على اندلاع الانتفاضة السورية فإنه لا يحارب المنتفضين ضد حكمه إلا بقطاع واحد فقط من الجيش».

لكن ما فات على «الحكيم» بشار، أن: البعوضة تدمي مقلة الأسد! كما قالت حكمة العرب، التي ضيعها بشار فيما ضيع من شعارات العروبة الزاعقة.

ثم إن المشكلة ليست في أنه يملك قوات كثيفة وأسلحة فتاكة، فهذه ربما تنفع في الحروب النظامية، التي لم يقم بها الجيش السوري في عهد الأسد الأب منذ حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، لكن المشكلة هي في سقوط الشرعية من أعين الشعب، وحينما يكفر بك الناس من دواخلهم فلن تنفعك أسلحة الأرض كما لم تنفع غيرك ممن هم أكثر عددا وعتادا.

هنا مشكلة النظام حقا، مشكلة في عقله، كما هي مشكلة في عقل كثير ممن يتعاملون مع الثورة السورية، أو الأزمة السورية، هناك حالة تهريج أو قل تخليط، في مقاربة ما يجري في سوريا بالذات، وقد أربكت هذه الأزمة كثيرا من «ديناصورات» اليسار العتيد أو المعسكر المرحوم، معسكر «المقاومة والممانعة العربية» حتى ولو استفاد بعضهم من ثمار الربيع العربي في غير سوريا، وهذا ما يفسر طرفا من ارتباك موقف الرئيس التونسي «الثوري»، منصف المرزوقي، الأخير، فهو على الرغم من أنه أبدى تعاطفا «إنشائيا» مع الشعب السوري، فإنه تجاهل، و«مانع» كل حل عملي بتجاوز الشعارات إلى التنفيذ على الأرض، وعلى الرغم من أن دور المرزوقي والدولة التونسية كلها، غير مؤثر بشكل حيوي على مجرى الأحداث في سوريا، كما لاحظ الكاتب عبد الرحمن الراشد في عموده هنا ب«الشرق الأوسط»، فإن هذا الارتباك يؤشر إلى معضلة التفكير العربي «النضالي» القديم إزاء إسقاط النظام السوري الذي كان تجسيدا مثاليا لترهات هذا الخطاب الإنشائي الفارغ.

ومثلما تاه كثير من مراهقي اليسار العربي والقومي (حتى لو كانوا شيوخا في السن!) في تقويم الوضع في سوريا، وشرقت بهم أوهام المؤامرات الدولية وغربت، شارك أيضا بعض الرموز الدينية، خصوصا الحركية، في المقاربة الخاطئة للأزمة السورية، من خلال الدخول لها من بوابة مناصرة «أهل السنة» في بلاد الشام، وهذا بالضبط ما يرغب فيه نظام الأسد، حتى يثبت لبقية الطوائف في سوريا، بل وحتى مجتمع المال والأعمال السني، والمثقفين المدنيين، أن هذا ما ينتظركم إن مضيتم مع هؤلاء الثوار المتطرفين دينيا.

أحوج ما يراد الآن هو تكريس الخطاب الوطني السوري الجامع، وعدم الانجراف خلف السيل العاطفي الغرائزي الطائفي، هذا هو الخطاب الذي يفقد النظام الأسدي قدراته المنطقية ويفرغ خطابه التخويفي من محتواه.

حسب بعض التقارير الأجنبية، ومنها تقرير «مجموعة الأزمات الدولية» الأخير، فإن هناك مخاوف حقيقية لدى بعض أبناء الأقليات الدينية في سوريا تجاه المستقبل، وقد صرح رجال دين من الطائفة المسيحية بهذه المخاوف، وهي مخاوف مبررة، ويجب الإصغاء لها، ولا ينزعج منها، ويجب على المعارضة السورية تقديم الضمانات النهائية والأكيدة على حماية وحدة الشعب السوري، وهنا ليت دولة مثل السعودية، أو دول الخليج مجتمعة، تنفتح على كل مكونات الشعب السوري، وطوائفه، بكل شفافية، وتقديم الضمانات لعدم وقوع سوريا في قبضة حكم أصولي متطرف، بعد الرحيل المنتظر لهذا النظام المسموم.

بغير هذا الطريق، وبغير هذه النفسية النقية، ستطول المعاناة وربما تثمر الثورة حنظلا بدل تفاح الشام الطيب.

=================

سين وجيم حول عسكرة الانتفاضة السورية

غسان الإمام

الشرق الاوسط

28-2-2012

لكل نظام شارعه الشعبي المعبر عنه. شبيحة الأسد. زعران طائفته هم الوجه السافر لنظام بلا حياء. بلا أخلاق. بلا أدب السلوك في شارعه السوري. لكن كيف استطاع تصدير «باقة» من هذه النفايات الشارعية إلى تونس؟ مَن منحها «فيزا» الدخول؟ من مكنها من محاولة اقتحام فندق «أصدقاء سوريا»، بكل صفاقتها وشعاراتها المضللة، إلى درجة اضطرار وزيرة خارجية أميركا إلى الفرار إلى فندق آخر؟

الدولة التي تنظم لقاء دوليا على هذا المستوى، مفروض أن توفر سلفا كل أسباب الحماية والراحة له. إذا كان مضيف الدار الشيخ الغنوشي جديدا في «الكار»، فأين الرئيس المنصف المرزوقي المطالب بترحيل الأسد وعائلته إلى سيبيريا الروسية؟ بل أين شرطة حكومة الشيخ الجبالي؟ حتى برهان غليون حضر بوجاهته الشخصية. ولم تتمكن شعبيته من تجميع تظاهرة «للغلابة» السوريين، لمواجهة شبيحة بشار!

المثل السوري الدارج يقول: «المكتوب مبيّن من عنوانه». أعني إذا كان المضيف والمستضاف في هذا اللقاء الضخم، على هذا المستوى من الاسترخاء واللاجدية، في مواجهة نظام يذبح شعبه، أفليس من حق العاهل السعودي أن يوبخ الضمير العالمي الساهي؟ ثم أليس من حق وزير الخارجية السعودي أن يغادر، ربما لأول مرة في حياته الدبلوماسية الطويلة، هدوءه التقليدي ليعبر عن غضبه على جبل دولي تمخض، فولد كرة ثلجية نزلت بردا وسلاما، على وجه نظام يواجه الإدانة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية؟

«خيرها بغيرها». لعل فروسية المضيف التركي أردوغان، وفصاحة وزيره الأغا داود أوغلو، تشدان في فندق استنبول، من عزيمة «أصدقاء سوريا» في اللقاء المقبل، ليكونوا، على الأقل، في مستوى سنيدة بشار الكوريين. الصينيين. الروس. الإيرانيين.

على كل حال، أعود لأذكر بأن الديمقراطيات الغربية تتمهل، عادة، في خوض الحروب. وتتأخر في الخروج منها. أنقذت أميركا صدام من الهزيمة أمام إيران. تحملت غلواءه ريثما تستكمل مع العرب الحشد اللازم لإخراجه من الكويت (1991). ثم صبرت على تنكيله بالسنة. والشيعة. والكرد، اثني عشر عاما (2003)، قبل أن تشن حربا استحسنها نصف العرب. وغضب منها النصف الآخر!

في استطاعة النظام الفاشي شن حرب فورا بلا استئذان. اجتاح هتلر دول أوروبا الواحدة تلو الأخرى، بلا إعلان حرب. هدد الديكتاتور موسوليني العالم بخمسة ملايين حربة. ثم تبين أنها من عيدان السباغيتي. شن صدام حربا على إيران والكويت، من دون استئذان العرب والعراقيين. اجتاح الأسد الأب لبنان (1976)، من دون استئذان العرب، وخلافا لنصيحة روسيا. انسحب الأسد الابن من لبنان، من دون استئذان حزبه. وبرلمانه.

نصيحة مجموعة «أصدقاء سوريا» لنظام الأسد بتحسين سلوكه الإنساني، تبدو بمثابة إنذار تمهيدي. قد ينتهي الإنذار يوما بتدخل عسكري. لماذا تتأخر الديمقراطيات في شن الحرب؟ لأن الديمقراطية تحتم إعداد الرأي العام نفسيا للقبول بالحرب، والاقتناع بمشروعيتها. تأخرت أميركا في دخول الحرب العالمية. انتظرت اليابان، لكي تستفز الأميركيين بالغارة على ميناء بيرل هاربر. أخفقت حرب أميركا في فيتنام. وها هي تخفق في أفغانستان والعراق، لأن الأميركيين لم يكونوا مؤهلين لقبول أكاذيب رئيسهم بوش.

هل من الأفضل للسوريين انتظار التدخل العسكري الدولي. أم عسكرة الانتفاضة بتسليحها؟ العسكرة أسهل من انتظار «غودو» المحارب الذي قد لا يأتي، بسبب تعقيد الأزمة دوليا وإقليميا. لكن العسكرة سوف تتسبب بحرب أهلية / نظامية طويلة تستنزف الشعب والنظام معا.

السلاح - كما قلت هنا قبل أسابيع - بدأ يتدفق بغزارة على الداخل السوري. أضيف اليوم بأن دولا عربية شقيقة قادرة ماليا وعاطفيا، على تمويل ترسانة السوريين، بما يلزم لاستنزاف نظام محاصر لا يملك سوى الانهيار، أو استيراد مرتزقة من لبنان. وإيران.

من هنا، لا بد لقيادات هذه الدول من التحكم تماما، بتنظيمات المقاومة السورية المسلحة، من خلال التمويل والتدريب، لكي يحافظ السلاح على نبله الشعبي، حتى في التعامل مع الأقليات الطائفية والدينية التي تتعاطف مع النظام، مخدوعة بتضليله وحمايته.

بل أذهب إلى النصح بعدم السماح لرجال الأعمال السوريين والعرب، ولتجار السلاح، بالمشاركة في توريد السلاح، كي لا يذهب إلى تنظيمات متطرفة عرقيا أو دينيا، وكي لا تتكرر في سوريا مأساة العراق، حيث قتلت «القاعدة» وتقتل من العراقيين، سنة وشيعة، أكثر مما قتلت من غزاة ومحتلين.

من هنا أيضا، فالقيادات الخليجية لا بد أنها تعرف أن هذه المواجهة مع إيران الخمينية، تتطلب إرادة قوية، وصمودا وتصديا طويلين. ولا شك أن النضج القيادي الخليجي وصل إلى رعاية مليوني سوري مقيمين في الخليج، وتقديم تسهيلات لهم في الإقامة. العمل. وحرية مساعدة أهلهم وشعبهم، طالما أنهم يتقيدون بأدب الضيافة، واحترام علاقة الأخوة ووحدة المصير.

كان على الرئيس بوتفليقة تلميذ بومدين ورفيق كفاحه، أن ينصح بلخادم. تصريحاته التي صبت في خدمة النظام السوري، قبل انعقاد مؤتمر «أصدقاء سوريا» تتنكر لعروبة الجزائر. وتتناسى تعاطف وتبرعات السوريين، على فقرهم، لنضال الجزائريين المجيد، من أجل الحرية والاستقلال.

عاش بوتفليقة في كنف الخليجيين، في سني صحرائه السياسية. كان عليه أن يدرك مدى تعب الخليجيين بنظام في سوريا عرف الأب كيف يداري، بدهاء، أمامهم انحيازه لإيران. وعرف الابن كيف يستفزهم، بغباء، في هذه العلاقة الغريبة عن مصلحة الأمة العربية.

عسكرة الانتفاضة السورية بالسلاح، هو الخيار الأصعب لدى السوريين. لكن ما العمل عندما تمنع «شرعية» الفيتو الروسية التدخل الدولي الذي يضع حدا لذبح النظام لشعبه؟ إذا لم يكن هذا السلاح منضبطا، فسيفيق العرب المتبرعون، غدا، على فوضى تنظيمات ميليشيوية في سوريا، تزيح الواجهات السياسية في الخارج والداخل، لتفرض فوضى مسلحة معذبة لضمير العرب، تماما كما تعذبهم اليوم فوضى السلاح الليبية.

نعم، التدخل العسكري الدولي الذي باتت تطالب به غالبية السوريين، أسرع حسما. وأقل شقاء وتكلفة بشرية، من عسكرة الانتفاضة. التدخل العسكري لأسباب إنسانية، سوف يتحدى ويتجاوز «ممانعة» الفيتو الروسي الذي لن يوفر الحماية للنظام السوري، تماما كما لم يوفر الحماية للنظام الصربي. فلم يعد بإمكان الديمقراطية الأوروبية والأميركية السكوت على «شرعية» القتل ومجازر سلوبودان ميلوسيفتش وكراديتش في البلقان.

لنتذكر دائما أن هناك سلوبودان آخر. وأكثر من كراديتش واحد في سوريا.

===========================

النظام في سوريا ما بين حصار المشروعية وحتمية السقوط

أ. د. علي أسعد وطفة

أخبار الشرق - 28/2/2012

يقول جان جاك روسو في أكثر تعبيراته السياسية جكمة وتألقا “الحاكم القوي لن يبقى قويا إلى الأبد ما لم يحول سلطته إلى حق وطاعته إلى واجب". وتقضي هذه الحكمة أن الحكم لا يقوم إلا على المشروعية السياسية والقانونية ولا يستكين إلا بالقبول الوجداني للشعب بمشروعية الحكم والحاكم.

ويلاحظ المؤرخون في هذا السياق أن القوة العسكرية - أو العصبية كما يسميها ابن خلدون - لا تكفي لبناء الحكم والدولة حيث يتوجب على صاحب العصبية أن يبني نظاما راسخا من المشروعية الأخلاقية والسياسية والرمزية التي تمكنه من البقاء في السلطة والحكم.

وتبين التجارب التاريخية في مختلف أصقاع الدنيا أن سقوط المشروعية الأخلاقية والرمزية يؤدي إلى تدحرج النظام وسقوطه، ويعلمنا أهل الحكمة أيضا أنه لا يمكن لدولة فقدت مشروعيتها أن تستمر في الوجود خارج دائرة المشروعيات السياسية والثقافية والرمزية للدولة.

إذ يمكن لعصبية ناشئة أن تبني مشروعية ناظمة للحكم، ولكن لا يمكن لقوة عسكرية أن تعيد بناء مشروعية بعد أن سقطت لتوها لأن هذا من سابع المستحيلات في التاريخ. ولو كان الأمر ممكنا لبقيت دول كثيرة على قيد الوجود. وهذا يعين أن يمكن تجديد القوة العسكرية ولكن القوة وحدها لا تكفي أبدا لبناء دولة واستمرار نظام سياسي على قيد الوجود.

تبدأ الدولة بوقفة على الرأس ، تليها وقفة على القدمين تمكن الحاكم وصاحب العصبية من الاستمرار في الحكم ، والمقصود بذلك الانتقال الطبيعي من مشروعية القوة إلى مشروعية السياسية والعدل كما يرى روسو. وتقول الحكمة العربية في هذا إن العدل أساس الحكم وهذا يعني أن الحكم يتداعى مع انتشار الظلم وتبدأ مشروعيته بالسقوط والانحدار والتداعي.

فالوقوف على الرأس يرمز إلى مشروعية القوة ، والوقوف على القدمين يرمز إلى المشروعية السياسية بتجلياتها الأخلاقية والسياسية والرمزية والقانونية. وعندما تسقط المشروعية السياسية - بمعنى الوقوف على القدمين - يحاول الحاكم إيقاف دولته كما بدأ على الراس آملا أن يعاود الوقوف من جديد على القدمين. وقد بين التاريخ ياستحالة وقوف الدولة العجوز على رأسها بجسد مترهل ثقيل ضعيف . وهذا يعني استحالة بناء المشروعية السياسية للدولة من جديد بعد سقوطها، وهذا يعني أن الوقوف على الراس لن يطول وأن الدولة ذاهبة بما فيها والمقصود بالدولة هنا النظام السياسي.

والتجارب العربية الجديدة واضحة سقطت مشروعية القذافي أيديولوجيا وتاريخيا حاول الوقوف على الرأس واستعادة التوازن في الشرعية السياسية فما لبي أن سقط وهذا حدث لحسني مبارك كما حدث لزين العابدين بن علي من قبل. فالجيش لا يحكم ولا يمكن للقوة العسكرية أن تحكم بعد أن يفقد النظام مشروعيته.

فالنظام السياسي -أي نظام سياسي في العالم – يحتاج إلى الشرعية السياسية التي تأخذ طابعا أخلاقيا ورمزيا وقانونيا ووجدانيا بالدرجة الأولى فالمشروعية تعني قناعات راسخة في أعماق الناس بقبول النظام السياسي ومساندته.

والنظام السوري اليوم يقف مترنحا على رأسه لأن فقد التوازن في مشروعية القدمين. وأي محلل سياسي بعرف اليوم بدقة وببساطة وسهولة بأن النظام في سورية فقد أركان مشروعيته الأخلاقية والرمزية والإنسانية والوجدانية. ولا أحد  يستطيع اليوم أن ينكر بأن عنق النظام قوي إلى حد كبير؟ والسؤال الذي يطرح نفسه إلى متى يستطيع النظام الوقوف على الرأس ? كم هي الأيام الأسابيع التي يستطيع فيها الاستمرار في الوجود مهما بلغت قوة العنق وصلابة الرأس ؟

- من يتأمل سيجد بأن النظام فقد مشروعيته الاقتصادية فهو يترنح اقتصاديا في دائرة من الحصار القاتل ويعرف الجميع ممن ضم مجلسنا أن الاقتصاد السوري في حالة العناية المشددة وهو قاب قوسين أو أدنى من الموت السريري. ولا يمكن إصلاحه أبدا.

- ويعرف القاصي والداني بأن النظام فقد المشروعية السياسية الخارجية إذ لا يمكن لنظام سياسي أن يستمر في الوجود في عصر تشكل فيه العلاقات الدولية صمام الوجود السياسي لأي نظام أو حكم مهما بلغ من قوة وعظمة. والنظام السوري فقد أقرب المقربين إليه من الدول وانتقل بعلاقاته من علاقات المودة إلى علاقات العداء والتخاصم والصراع والهجوم مع أغلب الدول العربية والإسلامية. ويكفي القول بأن 137 دولة ترى مبدئيا بأنه نظام فقد مشروعيته السياسية.

- ثم يأتي دور المشروعية الأخلاقية التي تعد ضرورية لأي نظام سياسي. فالنظام يوصف اليوم في مختلف المنابر بأنه نظام يقتل شعبه ويهجر مواطنيه ويعتقل مفكريه. وهذه المشروعية لا يمكن أن تسترد إذ كيف يمكن إحياء عشرة آلاف شهيد عداك عن الجرحى والمفقودين والمهجرين .

والأخطر من ذلك غياب المشروعية الثقافية فهناك عشرات الألوف من المثقفين والمفكرين وخريجي الجامعات يصرخون غاضبين ناقمين داعين إلى إزالة النظام وإسقاطه .

- ثم علينا أن نأخذ الاعتبار بالأهمية القصوى لسقوط المشروعية الرمزية للنظام وهو سقوط مدوي لا مثيل له في تاريخ السقوط الرمزي !! إذ كيف يمكن لنظام اسقطت رموزه وأهينت وتهان يوميا أن يستمر في الوجود؟ فهناك أطنان مطنطنة من الرسوم والكتابات والفيديوهات التي تطعن في صميم النظام ورموزه. هناك من الطعن في رمزية النظام ما يخجل اللصوص والقتلة فكيف إذا كان هذا الطعن يصيب أقدس مقدسات النظام السياسي وينال منها. فرموز النظام تهان وتطعن كل يوم بالكلام والرسوم والتعبير والقصف والسخرية والنكتة ويمارس هذا النوع من الهجوم الرمزي الشباب والشيوخ والأطفال. فكيف يمكن لنظام سقطت رموزه بهذه الطريقة أن يستمر في الوجود.

- ولا بد من الإشارة إلى الاندحار الإعلامي للنظام بطريقة تفوق حدود كل الوصف ومن المعروف أن إعلام النظام سقط تاريخيا ولم يمتلك أي قدرة على إقناع أهل النظام أنفسهم .

- وليس علينا أن ننسى الإرادة الجماهيرية التي تعبر عن نفسها سلميا في التظاهر اليومي بحيث تحول كل مواطن حر إلى مشروع استشهادي. فالنظام لن يستطيع إخماد الإرادة الشعبية ولاسيما بعد تدفق الدماء. فكل قطرة دم تسقط تستنبت لها في الأرض مشاريع شهادة وكل شهيد يجر حشدا قادما من الشهداء. فالثورة تنين كلما قطعت لها رأس نبتت له عشرة رؤوس كما تقول الأسطورة اليونانية القديمة.

- وأخيرا هي المقاومة الشعبية المسلحة التي ظهرت للدفاع عن الكرامة والحق والحرية وهي قوة هائلة أيا تدك النظام وأركانه دكا مستطيرا.

والسؤال الأكبر هو أين هو المفر إذا كان الجيش النظامي يتفسخ ويترهل ويتصدع ونفوس الجند تضعف وإرادة الهزيمة والتراجع تكبر. فأين هو المفر؟

فالنظام محاصر بطريقة أسطورية لا فكاك منها وفي كل يوم يشتد الحصار ، والنظام  لا يعدو أن يكون عملاقا بساقين من فخار ، وهم عندما يحاول الوقوف من جديد على قدميه سيسقط مدويا كالركام، سيسقط وتسقط معه كل إرادة الظلم والقهر وإن غدا لناظره قريب.

فالنظام قاب قوسين أو أدنى من السقوط وهو سيسقط حتى من تلقاء نفسه لأن التاريخ يعلمنا بأن مشروعية القوة وحدها لا تبني دولا ولا تبني أنظمة فالقوة تحتاج إلى كل أنواع الشرعيات السياسية والرمزية والأخلاقية والروحية والاقتصادية والإنسانية وهي مشروعيات فقدها النظام مرة واحدة دفعة واحدة عندما هدر دماء شعبه واستباح حرمات مواطنيه. لا نامت أعين الجبناء.

ولو احتكم أهل النظام إلى قول الشاعر لأدركوا الحكمة من حتمية السقوط فدعونا نردد مع الشاعر قوله الجميل :

رأيت الدهر مختلفا يدور ..... فلا حزن يدوم ولا سرور

وكم بنت الملوك به قصورا ..... فلم تبق الملوك ولا القصور

نعم لن يبق حزن الشعب وسيزول فرح أهل النظام ولن تبقى القصور التي شيدتها أنظمة الاستبداد .

__________

أ. د. علي أسعد وطفة - جامعة الكويت

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ