ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 21/02/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

الشعب السوري ينتظر من العالم "أضعف الإيمان"

بقلم : سمير عواد

مراسل الراية في ألمانيا

الراية

20-2-2012

قبل عام انهمرت دموع دبلوماسيين ليبيين في مجلس الأمن الدولي، لأن العقيد معمر القذافي، أعطى الضوء الأخضر لكتائبه وميلشياته لقتل المتظاهرين. وكان المتظاهرون في تونس قد أجبروا زين العابدين بن علي على التنحي عن منصبه، وفي مصر أجبر المتظاهرون حسني مبارك بعد ثلاثين سنة على الاستقالة.

في ليبيا كان الوضع أكثر حرجاً، ووصف القذافي معارضيه بالجرذان. دموع الدبلوماسيين الليبيين في مجلس الأمن الدولي لم تذهب سدى. على وجه السرعة صدر قرار عن مجلس الأمن الدولي لحماية الشعب الليبي من بطش القذافي وكان واضحاً أن العالم لن يترك الدكتاتور الليبي يُنفّذ تهديداته، وأن القرار 1973 سوف يتم تجاوزه لمنع حصول كارثة إنسانية، وكان لا بد من الإطاحة بالقذافي.

قد يكون البعض فهم خطوة مجلس الأمن الدولي على أنها تُعبّر عن مؤازرة "الربيع العربي" لكن هذا تقدير خطأ. ربيع نيويورك كان قصيراً جدّاً. في محنة الشعب السوري في مواجهة نظام رئيسه بشار الأسد، يختلف الوضع تماماً، مجلس الأمن الدولي منقسم على نفسه أكثر من أي وقت مضى. بفضل موقف روسيا والصين المعارض لقرار بسيط يدين على الورق جرائم الأسد ضد الإنسانية، يعرف الأسد أنه نتيجة لمساندة هذين البلدين العضوين الدائمين في مجلس الأمن الدولي واستحوذاهما على حق الفيتو، بوسعه المضي بجرائمه واستخدام العنف المفرط ضدّ شعبه، دون خشية العقاب. روسيا تخشى خسارة آخر معقل لها في الشرق الأوسط. أمّا الصين فإنها تخشى تكرار العملية في ليبيا وأن يُطالب شعب "تيبيت" بتدخّل دولي للحصول على استقلاله من الصين.

ولا بدّ من القول إن "الربيع العربي" وفّر لمجلس الأمن الدولي فرصة للظهور أمام العالم أنه منظمة دولية تُدافع عن حقوق الإنسان، بعد أن حطّم المجلس سمعته في السابق عندما تحوّل إلى آلة بأيدي الولايات المتحدة وحلفائها، استغلّوها لغزو أفغانستان والعراق. لكن مجلس الأمن الدولي في الحقيقة لم يتغيّر، إذ ما زال مسرحاً يشهد صراعات على المصالح بين الدول الأعضاء. بعد اندلاع الأزمة الليبية لم يكن لدى الروس سبباً وجيهاً لإنقاذ الدكتاتور الليبي، ويخشون الآن خسارة حليفهم الأسد وقاعدتهم البحرية في طرطوس، وبذلك تُصبح الولايات المتحدة أوسع نفوذاً في المنطقة. لكن هل هذا سبب لتأييدها الأسد، بعد كل ما ارتكبه من جرائم وبعد أن أصبح "حالة" لمحكمة الجزاء الدولية؟.

ليس الجميع في موسكو يستبعدون تغيير النظام في سوريا. ما زالت في موسكو ورقة قد تستخدمها في أي وقت، لكن كلما تماطلت زاد عدد ضحايا النظام السوري. ذلك أن موسكو على صلة وثيقة بالمعارضة السورية، وروسيا البلد الوحيد الذي إذا أعلن تخليه عن بشار الأسد، سوف ينهار نظامه خلال ساعات، تماماً مثلما حصل لنظام إيريش هونيكر في ألمانيا الشرقية السابقة عام 1989 حين تخلى عنه ميخائيل غورباتشوف، وتمّ فتح جدار برلين.

"الربيع العربي" جعل مجلس الأمن الدولي منظمة دولية قادرة على التصرّف إذا اتفق أعضاؤها على العمل وفقاً للمبادئ والمواثيق الدولية. ليس في هذه المبادئ والمواثيق ما يُجبر العالم على التزام الصمت على رئيس يقتل شعبه. لهذا كان هناك تأييد عالمي واسع لاستخدام القوّة مهما كانت ضدّ معمر القذافي.

رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، يستعدّ للعودة في مارس إلى منصب رئيس روسيا، لكن أجواء العودة تختلف عن السابق، ففي الغضون وصلت رياح "الربيع العربي" إلى روسيا، الشعب الروسي لم يعد يقبل لعبة تبادل الأدوار بين بوتين والرئيس الحالي ميديدييف. بوتين يخشى غضب المجتمع الدولي إذا استخدم أسلوب الأسد لإسكات معارضيه. كثير من المعارضين الروس يقولون إن بوتين لا يختلف عن القذافي والأسد. مجلس الأمن الدولي هو المنبر الدولي الوحيد الذي تُمارس فيه روسيا نفوذها بسبب استحواذها على الفيتو.

هناك انقسام في مجلس الأمن الدولي حول حمّام الدم في سوريا. روسيا والصين تتصدّران قائمة من الدول، ليست الأغلبية في المجلس، تزعم أنها تخشى أن يُؤيّد صدور قرار عن مجلس الأمن الدولي إلى تدخّل عسكري هدفه الإطاحة ببشار الأسد، وتقول إن هذا تدخّل في الشؤون الداخلية، وهذا رأي يُثير الاستهجان، لأن حاكم بلد عندما يُجيز لنفسه قتل شعبه فإن التدخّل لمنعه ووقفه عند حدّه، لم يعد تدخّلاً في الشؤون الداخلية.

روسيا والصين أيديهما ملطخة بدماء الشعب السوري، وقد أثارا سخط العالم بعد أن استخدما الفيتو في تعطيل قرار ناعم جدّاً ضد نظام الأسد، وجلبا اللعنة على مجلس الأمن الدولي. وإذا تستحق روسيا والصين كلمات السخط فإن الغرب يستحقها أيضاً. فموقفه ليس بمثل موقفه ضد القذافي رغم أن عدد ضحايا بشار الأسد زاد عن عدد ضحايا القذافي. كما لا يجري محادثات جدية مع روسيا والصين لتشجيعهما على تغيير موقفهما في مجلس الأمن الدولي الذي ما زال الآلية الوحيدة التي بإمكانها وقف الأسد عند حدّه.

في الختام، من يُؤيّد الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم يجب أن يخرج عن صمته. وليعلم هؤلاء أن قطعة من الورق عليها كلمات تُدين نظام الأسد، لن تُوقف سفك الدماء، وكما قال حمادي الجبالي رئيس وزراء الحكومة التونسية الجديدة في مداخلته بمؤتمر ميونيخ للأمن: الشعب السوري ينتظر منّا أضعف الإيمان أن نطرد سفراء سوريا من عواصمنا وأن نقف إلى جنبه في محنته ضد حاكم لا يرحم.

=================

الثورة في دمشق..!!

رأي الراية

الراية

20-2-2012

وصلت الثورة أخيراً إلى دمشق فلم يكن بالإمكان أن تبقى عاصمة الأمويين خارج الثورة ترقب ما يجري في المدن السورية حمص وحماة وادلب ودرعا على أيدي قوات النظام السوري بصمت.

إن إصرار النظام السوري على اتباع الحل الأمني ورفضه الإصغاء لصوت الشارع المطالب بالحرية والتغيير وهجومه العنيف على المدن والبلدات السورية الذي أوقع آلاف الضحايا بين المدنيين أسقط هاجس الخوف في نفوس الشعب السوري ونفوس أبناء دمشق الذين تظاهروا أمس في أحد أهم أحياء العاصمة "المزة" في وسط غرب العاصمة السورية.

حيث تحول تشييع جثامين أربعة متظاهرين قتلوا الجمعة إلى تظاهرة تعد الأكبر حتى الآن في دمشق والأقرب جغرافيا من المقرات الأمنية وساحة الأمويين في وسط العاصمة.

الإضراب الجزئي الذي شهدته بعض مناطق في دمشق أمس في برزة والقابون وجوبر وكفر سوسة رغم الخوف من انتقام الأجهزة الأمنية يشكل رسالة أخرى للنظام السوري أن الحل الأمني الذي اتبعه منذ ما يقارب العام لإخماد الثورة السورية قد فشل وأن عليه أن ينصاع لرغبة الشارع السوري في التغيير. فاستمرار القتل وحصار المدن لا يمكن أن يكون المخرج للنظام السوري الذي أدين دوليا في الجمعية العامة للأمم المتحدة لممارسته العنف والقتل ضد مواطنيه.

إن الحفاظ على سورية والحرص على مستقبلها ووحدتها تستدعي من النظام السوري مقاربة مختلفة في التعامل مع مطالب الشعب السوري وثورته وأهم ما في هذه المقاربة وقف القتل والسماح للمواطنين السوريين بالتعبير عن مطالبهم بحرية كمدخل لبناء الثقة والبدء بحوار وطني شامل بين مختلف الأطياف السياسية السورية يبحث في كيفية الخروج من هذه الأزمة المستفحلة.

إن أي حديث عن إصلاحات سياسية أو حل سياسي في سورية لا يستند إلى مطلب وقف العنف وسحب الجيش السوري والشبيحة من المدن والبلدات السورية لا يمكن أن ينجح كما أن ما يطرحه النظام الذي يتحدث عن دستور جديد سيجري عرضه على الاستفتاء لا يمكن أن يلبي مطالب الشعب خاصة بعد سقوط آلاف الضحايا المدنيين ومقاومة النظام ورفضه للتغيير، فالحل السياسي في البلاد يقوم عبر فترة انتقالية يتم التفاوض بشأنها وعبر مصالحة وطنية تطوي هذه الصفحة المؤلمة في تاريخ سورية.

لقد خسر النظام السوري جميع رهاناته وآن له أن يتعظ مما شهدته المنطقة من تحولات وتَغيّرات، فيكف عن الحديث عن المؤامرات الخارجية التي تستهدف النظام ويصغي لصوت الشعب السوري الذي يستحق العيش بحرية.

=================

أزمة سورية

د.علي الخشيبان

الرياض

20-2-2012

  الصراع الذي يحدث على الساحة العالمية سياسياً من اجل سورية هو أشد من الصراع الذي يحدث على الأرض في الداخل السوري لان ثوار الداخل احتفظوا وبصورة دائمة بوحدتهم كشعب سوري لا تفرقه طائفية أو أي شي آخر فالهدف هو تحرير سورية من نظام الأسد

من الواضح سياسياً أن النظام السوري يحمل نهايته في داخله كنتيجة طبيعية لمجريات الأحداث سياسياً، كما انه يصحو على مفاجأة اجتماعية وسياسية مخيفة فالثوار يفاجئون النظام بالكم الهائل من الانجاز في سبيل إزاحته ، فمن الواضح أن فلسفة قراءة المجتمع السوري، وتحولاته المجتمعية لم تكونا ضمن حسابات النظام على مدى العقود الماضية.

في فلسفة السياسة كمنهجية علمية نستطيع أن نرى وبشكل أوضح مجريات الأحداث.. وقد لفت نظري عبارة فلسفية مثيرة لكنها من الناحية السياسية تفسر وتتنبأ بما سوف يحدث مستقبلا تقول هذه العبارة "إذا بلغ التناقض أقصاه لا تنتهي المسأله إلا بحدث خارجي ".

في الحالة السورية تبدو القضية للمشاهد من الخارج أكثر تعقيداً عن أولئك الذين هم في الداخل وخاصة الذين يعتقدون أن الصورة مشوشة، أما أولئك الثوار وهم لا يخطئون فهدفهم واضح وبسيط يريدون إسقاط النظام فقط وجلب الحرية للشعب السوري.

الذين في الخارج من الدول والمنظمات والشخصيات السياسية ينقسمون إلى قسمين: القسم الأول يريد إسقاط النظام ولكن على طريقته وهو يستحق السقوط بل يجب أن يسقط ليس من اجل العالم بل من اجل الشعب السوري الحر، أما القسم الثاني فيريد أن يرى أين هي مصالحه، ومع من يجب أن تكون وهؤلاء هم سبب كبير في تأجيل الكثير من وحدة الصف في المعارضة.

الصراع الذي يحدث على الساحة العالمية سياسياً من اجل سورية هو أشد من الصراع الذي يحدث على الأرض في الداخل السوري لان ثوار الداخل احتفظوا وبصورة دائمة بوحدتهم كشعب سوري لا تفرقه طائفية أو أي شي آخر فالهدف هو تحرير سورية من نظام الأسد.

السؤال المهم يقول ماذا يجب على السوريين في الداخل، وماذا يجب على الدول العربية في الخارج ؟

في الداخل السوري يسعى النظام وبكل ما أوتي من قوة لبعث شرارة الطائفية فهي ورقة إن نجح في تأجيجها ستزيد الموقف تعقيداً لأن ما نسبة 12% من السكان وهم الطائفة التي ينتمي إليها النظام ستكون في موقف صعب في حال كان موقف 75% من السكان المسلمين ضدهم أو ضد 10% من المسيحيين، لذلك لا يجب أن يكون للثورة السورية سوى عنوان واحد (الوحدة الوطنية ) وهذا ما يمكن أن يحافظ عليه الثوار والدول الداعمة لهم، وأن تكون النصرة للشعب السوري وطلب النصر للشعب السوري كله مهما اختلفت مرجعياته.

في الداخل السوري لابد من أن ينشأ تناسق مع المجلس الوطني فعملية إسقاط النظام يجب أن تكون أسرع من كل العمليات السياسية المختلف عليها فسورية إذا ما أُنجز تحريرها ستكون قادرة على استيعاب كل طوائفها بطريقة يعززها تاريخ هذه المنطقة، واللاعبون الخارجيون والداعمون لموقف الشعب السوري الثائر من الدول العربية والعالمية عليهم ممارسة الكثير من الضغط الدولي على كل من روسيا وإيران وكل من يساهم في دعم هذا النظام.

الدول العربية اليوم عليها أن تعترف أن سياستها ليست كما الأمس بعيدة عن الشعوب على الأرض، اليوم الكل يحمل كاميرا ويستطيع أن يتحول إلى صحافي يملك الصورة ويستطيع أن يعلق عليها بكل بساطة لذلك نحن في واد من الصحافة المربكة وفي واد كبير يمكن أن تصنع فيه الآراء بطرق مخيفة، وهذا ما يجعل الخوف من تشعب الرأي حول الأزمة السورية، لهذا السبب من الأجدر أن يكون الخطاب السياسي العربي موجهاً مباشرة إلى الشعب الثائر من اجل طمأنته على مستقبل ثورته.

التعاطف الإسلامي مع الشعب السوري واضح ولا يحتاج إلى إثبات ولكنه يجب أن لايكون الوحيد فنحن بحاجة إلى تعاطف شامل مع كل ذرة تراب ومع كل طائفة وجماعة ترغب في إسقاط النظام في سورية.

قبل ثلاثة عقود بالضبط قتل الأب الأسد أكثر من عشرين ألف سوري في حماة دون رحمة من اجل نظامه الذي أثبت فساده بشكل اكبر اليوم وهو يقتل عشرات من أبناء حمص ودرعا ودمشق والزبداني، فلم يعد التاريخ قادرا على الصمت في قضية حماة لهذا تفجر في ثورة الشعب السوري الذي ينتظره بلا شك نصر كبير سيفرح له كل الذين ماتوا منذ أربعين سنة مضت في سبيل سورية حرة.

الحقيقة التي يهرب منها النظام ويرجوها ويروّجها سياسيا أن دمشق وحلب ليستا ضمن المدن الثائرة بل هما خارج المعادلة السياسية، هذه الخدعة رددها ورددها الخائفون من النظام وملاحقته ولكن سوف تثبت لنا الأيام القادمة أن أمواج البشر من الشعب السوري الذين يعتقد النظام السوري انهم صامتون من اجله من كل الطوائف السورية يهتفون جميعا من اجل إسقاط هذا النظام.

ها نحن اليوم بانتظار بلوغ التناقض أقصاه ننتظر الحدث الحقيقي الذي سوف يغير الموازين فالكلمة ستكون للشعب بكل طوائفه الذي نزع ملابس الخوف ليلبس دروع الإصرار والعزيمة مع هذا النظام المرتجف يوما بعد يوم.

تقول الروايات السياسية عن خوف هذا النظام وقلقه من الثورة أنه في بداية الأزمة قبل عام تقريبا طلب من كل ممثليه في الخارج من السفراء والعاملين بسفارات سورية في دول العالم إرسال أسرهم وأطفالهم إلى دمشق لكي يضمن عدم انشقاقهم ولكي يهددهم بها فيما لو فكر أحدهم بإعلان انشقاقه، لذلك ليس مستغرباً أن نجد صمتا مرعبا في كل السفارات السورية في الخارج وليس هناك من متحدث باسم هذا النظام سوى ممثله بالأمم المتحدة ووزير خارجيته الذي يبدو وكأنه يمر بغيبوبة سياسية متقطعة فإذا رجحت الكفة تجاه الرئيس خرج وتحدث، وإذا رجحت الكفة تجاه الجيش صمت.

الأزمة تبلغ أقصاها يوماً بعد يوم والشعب السوري بانتظار حدث خارجي يساهم في كتابة هذه النهاية والحدث الخارجي ليس شرطا أن يكون تدخلا أجنبيا ولكن هناك انتظار واحتمال كبير له مؤشرات في السياق الدبلوماسي والسياسي للنظام وذلك عبر حدوث انشطار داخل النظام نفسه يفجر الأزمة بطريقة تجعل الطريق معبداً أمام الثوار من اجل انتقال سلمي للسلطة في سورية..

=================

سوريا.. حلقة الصراع الدولي..

يوسف الكويليت

الرياض

20-2-2012

  سوريا صارت مركز الحدث عربياً ودولياً، لأن مجريات الأحداث فرضت مراقبتها والتفاعل معها، والأمر طبيعي إذ إن صراع النظام مع شعبه، ووجود تنافس دولي لتجييره لصالح كل بلد خلق خلافات حادة بين أعضاء مجلس الأمن وانقسامات عربية حول التحرك لإنهاء الأزمة المتصاعدة، والصعب تجاوزها في الظرف القريب..

فقد تحركت بوارج روسية لترسو أو تطل على المياه السورية، وإيران حركت قوتها البحرية لنفس الاتجاه، ولم تقف أمريكا خارج الدائرة، فقد أرسلت طائرات بدون طيار تراقب الداخل السوري، أي دائرة المخاطر تكبر، ومع افتراض أن من مصلحة تلك الأطراف الابتعاد عن الشحن الذي يؤدي إلى صدام، فإن الأمور تلقي بظلال الشك حول هدف كل قوة..

فروسيا وإيران على تفاهم تام وتلاقي أهداف يجمعهما مع نظام سوريا، لكن أن يخرجا عن الحوار السياسي إلى حشد القوة، يعني أن الريبة بين كل الأطراف شكلت مثل هذا التحرك، ومع أن أمريكا وحلفاءها لا توجد نوايا تدخل عسكري، لافتقاد الهدف من ذلك، إلا أنهما لا يغفلان عن عمل مضاد يتلاقى مع الشعب السوري، وحتى صمت إسرائيل يبرر بأنها تراقب، ولا يوجد في المشهد ما يهدد أمنها أو يثير مشاكل على حدودها..

دعم النظام السوري بإرسال أي قوة لا يمكنه إلغاء أهداف شعب ثائر، إذ بنفس توقيت وصول القوات الأجنبية، انفجرت مظاهرات دمشق في حي المزة الاستراتيجي، وتجاذبت معه الأحياء الأخرى، كذلك حلب التي جاءت مظاهراتها متزامنة مع العاصمة، ومعروف أن المحرك الأساسي لأي تغيير في الحكم سواء على شكل انقلاب، كما حدث في العقود الماضية، أو ثورة شعبية كالحالة الراهنة، فهما مركز التأثير وثقله، بسبب مركزهما، ودورهما الضاغط..

الصين دخلت المعركة بإرسال مندوب مهم، ويبدو أن دورها لا يعدو حضورها في الحلبة، لأن ثقلها الاقتصادي لا يوازي إدارتها السياسية التي ظلت حذرة ومراقبة أكثر منه متفاعلة مع الأزمات الدولية، وحتى كوريا الشمالية التي ظلت في عمق اهتماماتها تعالج أوضاعها مع جارتها وحلف الأطلسي بدبلوماسية التهدئة لا الصدام، ومع الشأن السوري تحاول السعي لامتصاص نقمة الشارع العربي والخوف من تناميه على مستويات عليا..

من بين بلدان الربيع العربي لم يصبح المجتمع الدولي في حالة صراع مثلما يحدث على سوريا، وهي ليست بثقل مصر، لكنها مجاور حساس لإسرائيل وحليف مميز لأكثر من دولة وطبيعة الصراع الحديث تقاسم أدوار، وتحريك قوى بعيدة عن محيطها، وتجدد الخلافات الجديدة، حلقة في لعبة أمم توزعت بأدوات أخرى أي خارج حروب الماضي المؤدلج، لكنها أيضاً تأتي ضمن تجدد صراع يحمل هذه المرة توزيع أدوار بغايات متجددة..

=================

سوريا بمفترق الطرق

رضا محمد لاري

الإثنين 20/02/2012

المدينة

تتوالى ردود الأفعال الدولية والإقليمية على فشل مجلس الأمن في التوصل إلى قرار يدين الحكومة السورية على إثر لجوء روسيا والصين إلى حق النقض «الفيتو» ولقد توعدت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بتشديد العقوبات الحالية المفروضة على النظام السوري، كما قال آلان جوبيه وزير الخارجية الفرنسي، إن الاتحاد الأوروبي سيشدد العقوبات المفروضة على النظام وتعهد آلان جوبيه بمساعدة المعارضة السورية وتعزيز الضغوط الدولية على الحكومة السورية كي يدرك النظام أنه معزول ولا يمكنه الاستمرار.. ودعت هيلاري كلينتون من أسمتهم بأصدقاء سوريا الديموقراطية ضد نظام حكم الأسد وتعهدت بفرض مزيد من العقوبات.

وكانت هيلاري كلينتون تتحدث من العاصمة البلغارية بعد أن استخدمت موسكو وبكين حق النقض في مجلس الأمن «الفيتو» لعرقلة قرار يدين قمع النظام السوري للاحتجاجات وأفادت مصادر في المعارضة السورية أن حي بابا عمرو في مدينة حمص يتعرض لقصف عنيف وتواصلت المواجهات العسكرية بين قوات الجيش السوري والقوات المنشقة عنه، وقال المرصد إن حصيلة القتلى في سوريا وصل إلى 56 شخصاً نصفهم من المدنيين قتلوا برصاص قوات الأمن وغالبيتهم في محافظة حمص التي قتل فيها 23 مواطناً إثر قصف عسكري لأحياء بابا عمرو وكرم الشاي وباب الدريب.

في صحيفة الفاينانشال تايمز مقال بعنوان حان وقت دعم المعارضة بالحرب الأهلية السورية المقال كتبه مالكوم ريفكند نائب في مجلس العموم ووزير الدفاع الأسبق البريطاني وشاشانك جوشي الباحث في المعهد الملكي للقوات المتحدة في البداية يجادل المقال بأن ما يجرى في سوريا هو حرب أهلية بالفعل ويعدد الكاتبان الادلة على ذلك ويشرحان لماذا يتردد نظام الأسد والغرب في وصف الوضع بأنه حرب أهلية.

النظام لا يريد الإقرار بأنها حرب أهلية لأن ذلك عكس ما يدعيه من أنه لا توجد أزمة.. أما الغرب فلا يريد القول بأنها حرب أهلية لأنه يساوي حينئذ بين النظام والمعارضة في الأرضية الإخلاقية للصراع ويقول المقال إنه لا يمكن المقارنة أخلاقياً بين نظام ديكتاتورية الأقلية مع المذابح التي يرتكبها ضد شعبه ومعارضة تتسلح في مواجهته أما بالنسبة لموسكو وبكين فإن قولهما بأن الانتفاضة في سوريا هي هجوم جهادي على نظام يمثل العلمانية في الشرق الأوسط، فهو إما قول يفتقر إلى المعرفة أو الجدية، ثم يفند المقال الاعتراض الآخر على الضغوط الغربية بحجة أنها تؤدي إلى تدويل الصراع ويقول الكاتبان إن الصراع تم تدويله بالفعل فإيران تضخ المال والسلاح كي لا تخسر نظاماً حليفاً في المنطقة وروسيا ستبيع سوريا أسلحة بنحو خمسة مليارات دولار أمريكي حسب ما جاء في المقال، فإن القول بأن مشاكل سوريا يحلها السوريون ربما كان مثيراً للإعجاب من قبل أما الآن فهو قول أخرق أما مسألة أن الغرب يقدم العصا على الجزرة في موضوع سوريا فيرد عليه المقال بأن خطة جامعة الدول العربية لم تطلب أكثر من نقل السلطة كما أن قرار مجلس الأمن الذي نقضه الروس والصينيون لم يتضمن عقوبات ولا حرباً وبرأي الكاتبين أن هناك طريقين لسوريا الآن واحد طويل وهو تستعر فيه الحرب الاهلية لزمن مثل ما حدث في لبنان، والاخر قصير ينتهي بتفكك نظام الاسد ولا شك ان الثاني افضل وان المعارضة ومع الاقرار بانه لن يكون هناك تدخل عسكري من الناتو يمكن البدء بتقديم الدعم الشرعي والاستخباراتي والاتصالات والهدف ان تحصل على خطة جامعة الدول العربية او ينهار نظامها ويطالب الكاتبان بريطانيا والغرب بقيادة عربية تركية بدعم المعارضة السورية.

إن الاوضاع في سوريا تتردى بالقتال المتواصل بين السلطة النظامية في الحكم وبين المعارضة من الناس في الشارع، وكل ما يدور في الحقيقة يؤكد بوجود صراع قتالي بين أفراد الشعب الذي يطالب بحقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويمثل دوره صحوة من النظام السوري الذي يسعى الى الاستمرار في فرض حكمه بالصورة السابقة التي تطلب من الناس الطاعة، ولكن هذا الوضع لم يعد مقبولاً من الناس الذين يريدون حياة حضارية لإحكام القانون الذي يحكم بين كل الناس وفقاً لنصوصه واحكامه، هذا المطلب الشعبي لا يجد ارتياحاً عند الحكومة التي تريد ان تكون لها سلطة واسعة، والتضارب بين الاتجاهين الشعبي والحكومي جعل الصراع يدور في الشوارع ويزداد عدد القتلى من الجانبين قد تختلف القدرات التي تترتب عليها نتائج مأساوية من قتل جماعي بين الناس بنسب متفاوتة حسب القدرات المتبينة بين الجانبين ولكن الحقيقة ان كل الطرفين يتحمل تضحيات كبرى بفقد زهرة شباب المجتمع لانه مهما كان موقعهم فهم مواطنون سوريون سواء كانوا من السلطة او كانوا يقاتلون من الشارع.

حاولت الدول العربية منفردة ومجتمعة ان تساهم في ايجاد حل للمشكلة السورية عن طريق التوفيق بين الشعب في الشارع وبين الناس في الحكومة وبذلت في سبيل ذلك الشيء الكثير تارة من خلال وفود عربية تذهب الى سوريا لتحاول تقريب وجهات النظر بين الطرفين او عن طريق عقد جلسات مطولة في جامعة الدول العربية وقدمت الكثير من التوصيات التي ارسلت الى دمشق على امل ان تقبل بها سوريا ولكن كان لها دائماً تحفظ سواء من قبل الحكومة الذي يترتب عليه ايضاً تحفظ من قبل الشعب مما جعل المشكلة مستعصية على الحل العملي في أرض سوريا.

=================

التدخل الإنساني في سوريا

تاريخ النشر: الإثنين 20 فبراير 2012

عائشة المري

الاتحاد

قالت المفوضة السامية لحقوق الإنسان "نافي بيلاي" أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة "إن القوات السورية ارتكبت «على الأرجح» جرائم ضد الإنسانية خلال قمعها للحركة الاحتجاجية في سوريا"، وأضافت في خطابها "إن فشل مجلس الأمن في الاتفاق شجع النظام السوري على استخدام القوة المفرطة لسحق المعارضة.. فهل يمكن الحديث عن سيناريو التدخل الإنساني في سوريا بإعادة استنساخ نموذج التدخل الدولي الإنساني في ليبيا؟

استطاع النظام السوري أن يؤخر سقوطه عبر سياسة الترهيب والتخويف الممتد لأحد عشر شهراً مراهناً على القضاء على الانتفاضة بالجيش النظامي والميليشيات المسلحة غيرالنظامية، فالقوات السورية تحاصر المدن وتدك المدفعية الأحياء السكنية فيما تتولى القوات غير النظامية قنص وقتل المحتجين، كما اتبع النظام سياسات قمعية تهدف إلى عزل المدن والأحياء ووضع الحواجز الأمنية وفرض حظر للتجول. لقد أظهر نظام الأسد حتى اليوم شراسة غير عادية أعادت للذاكرة مجزرة حماة عام 1982 حين شن حافظ الأسد حملة عسكرية على المعارضة في حماة أدت إلى مجزرة راح ضحيتها ما بين 10 آلاف إلى 25 ألف شخص، وفق تقديرات منظمة العفو الدولية.

إن ارتفاع أرقام القتلى والصور الصادمة كفيلة بأن تؤجج حركة احتجاج دولية للمناداة بوقف العنف والتدخل الدولي الإنساني، إلا أن هذا الخيار يتطلب إجماعاً دوليّاً يتجسد بقرار يعكس رغبة المجتمع الدولي في إدانة الانتهاكات، ويشرع للتدخل الإنساني، وعلى رغم تزايد الأصوات في المجتمع الدولي المطالبة بالتدخل الإنساني إلا أن الحالة السورية تختلف جذريّاً عن الحالة الليبية على رغم تشابه ظروف القمع ودموية النظام في قمع المظاهرات السلمية، ومع تكرار مطالب المعارضة بضرورة التدخل الإنساني لا زال التدخل بعيد المنال.

ومع حداثة عهد التدخل في ليبيا وتكرار حالات التدخل الإنساني وكذلك توافر مسوغاته في سوريا كما حدث في العراق 1991، والصومال 1992، وكوسوفا 1999، إلا أن مفهوم التدخل الإنساني ما زال مثاراً للجدل السياسي والقانوني، فعلى رغم السوابق لم يتحول إلى قاعدة قانونية عرفية ملزمة، فضبابية المصطلح وعدم تحديد المعايير والضوابط مكنت الدول الكبرى من أن تفرض رؤيتها الخاصة المصلحية بغض النظر عن الاعتبارات الإنسانية أو الأخلاقية، وبغض النظر عن الإجماع الدولي المتمثل في قرار الجمعية العامة الصادر في 16 فبراير الجاري حيث دعا إلى إدانة انتهاك حقوق الإنسان في سوريا ووقف العنف.

يتعين الإقرار بأن تركيبة وآلية عمل مجلس الأمن استمرت على الدوام تعكس ميزان القوى الدولي، وتعكس مصالح الدول الخمس دائمة العضوية في المجلس، ويأتي "الفيتو" الروسي الصيني على مشروع قرار لإدانة النظام السوري انعكاساً لمصالح الدول في المجلس، ورداً على تبني مجلس الأمن لقرار عبر امتناعهما عن التصويت في الحالة الليبية سمح لاحقاً لحلف شمال الأطلسي بشن حرب في ليبيا حتى سقط النظام، وهو السيناريو الذي لن يسمح بتكراره في الحالة السورية على رغم انتهاكات حقوق الإنسان ودموية النظام.

يستند النظام السوري لتحالفات إقليمية ودولية ما زالت تراهن على بقائه، ومحاولة إنهاء الأزمة السورية مع الحفاظ على التوازنات الإقليمية، تعرف دول الجوار أن التدخل الدولي في سوريا من شأنه أن يزعزع الاستقرار الدقيق في المنطقة، ومن شأنه أن يفتح المجال لصراعات إقليمية، فالحفاظ على الوضع القائم يتطلب تنازلات سورية، والواقعية السياسية تنحي بخيار التدخل الإنساني الدولي جانباً، ففي الحالة السورية عندما تتحدث السياسة تصمت حقوق الإنسان.

=================

العلويون والثورة السورية: بعيدا عن الطائفية

خالد الحروب – كامبردج

الدستور

20-2-2012

ثمة فكرة اساسية تتكرر في ادبيات عديدة لتيارات علوية منخرطة في الجهد الوطني والثورة السورية وهي ان احد اهم استراتيجيات النظام الاسدي في السيطرة والحفاظ على ما يوصف في تلك الادبيات بأنه “حكم المزرعة” هو تحشيد الطائفة العلوية خلف النظام وخلق تماهي تام بين الحكم والعلويين في سوريا. وهذه بطبيعة الحال هي الاستراتيجية المركزية لنظام الاب والابن من خلفه للبقاء في الحكم, حيث تم زرع خوف مقيم في اوساط الطائفة اساسه ان النظام هو حاميهم ودرعهم الواقي امام رغبة عارمة من قبل الاغلبية لإبادتهم. اشتغل النظام على تكريس العداء بين كل مكونات الشعب السوري والعلويين للوصول إلى هذه الحالة, بحيث يضمن التفاف الطائفة حوله لحمايته ولتكون يده الضاربة في حكم الاستبداد والنهب الذي اخضع سوريا له. ليس هناك اي عبقرية مميزة في مثل هذا النمط من الانحطاط السياسي, فهو ممارسة مشتهرة في طول وعرض تاريخ الطغاة الذين يبحثون حولهم عن فئة تناصرهم من منطق الخوف والرعب من الفئات الاخرى. وفي حال ساد التعايش بين مكونات المجتمع وانتفى الخوف المسبب للتحشيد المؤدي للإحتماء بالطاغية, فإن استراتيجية الطاغية هذا تركز على استزراع ذلك الخوف وبث اسبابه, بما في افتعال عمليات القتل والاغتصاب والسرقة بين الفئة المُستهدفة وبقية المجتمع. اليوم نرى تلك العمليات وهي تصل احدى ذراها البشعة في سوريا, حيث يعمد النظام الى التقتيل الطائفي والاغتصاب الطائفي والترحيل الطائفي بين العلويين والسنة, مورطا الشرائح الغاضبة والمتوترة من الطرفين في ممارسات ثأرية تبدأ ولا تنتهي.

احد اهم مهمات الثورة السورية وكل المنخرطين فيها وكل مؤيديها يتمثل في إبطال مفعول تلك الاستراتيجية اللئيمة التي ينتهجها النظام, ويريد بها ومن خلالها حرف مسار التغيير في سوريا. الثورة في سوريا انتفاضة وطنية هدفها تغيير نظام مُستبد وفاسد بآخر وطني وتمثيلي ويعبر عن كل السوريين. نظام الاسد لا يمثل الطائفة العلوية ويجب الا تقع الثورة السورية ومن يؤيدها في شرك الخطاب الطائفي الذي يروجه النظام سرا في اوساط الطائفة العلوية من أنه حاميهم وممثلهم. النظام ما عاد يمثل إلا شريحة ضيقة من المنتفعين والفاسدين والتجار الذين دينهم وطائفتهم الاهم هي الفساد ومناصرة النظام واقتسام الكعكة معه. هؤلاء يأتون من كل الخلفيات والطوائف والقوميات. فيهم من السنة والمسيحيين والاكراد كما فيهم من العلويين. الفساد والاستبداد لا يحصر بطائفة أو اثنية او قومية معينة. لهذا فإن الضرورة الاجتماعية والوطنية الكبرى تتمثل الآن في محاربة كل نزعة طائفية تريد إحالة كل جرائم النظام إلى الطائفة العلوية. لا يعني هذا تبرئة جماعية لأي أحد, لكن الاهم هنا هو عدم التعسف بإطلاق تهم جماعية ضد طائفة برمتها. المتعاونون مع النظام والذين يرتكبون جرائم بحق السوريين حاليا وارتكبوها سابقا يجب ان يخضعوا لحكم القانون ووفق محاكمات عادلة تحاكمهم على جرائمهم وليس على انتمائهم لأي طائفة. وسوريا ما بعد سقوط نظام “حكم المزرعة” يجب ان تقدم نموذجا جديدا يكون بعيدا, وبعيدا جدا, عن اي شبه مع النظام الاسدي إن لجهة استراتيجياته الطائفية, او سياساته الثأرية.

حاليا, هناك ضرورة ملحة تستوجب تنقية كثير من الخطاب الاعلامي المرتبط بالثورة السورية او المؤيد لها, والذي يعزز البعد الطائفي للنظام ويقوم بخدمته بشكل غير مباشر. التعبيرات والخطابات والاوصاف الاعلامية من مثل “النظام العلوي في دمشق”, أو “حكم العلويين”, أو “جرائم العلويين ضد السنة”, وكل ما هو قريب من ذلك يقع في خانة الجرائم الاعلامية والسياسية. وإلى ذات الخانة تنتمي اية تعميمات عن “جرائم السنة”, و”حكم السنة القادم”, وسوى ذلك. هذه الاوصاف يجب ان تكون مرفوضة ومرذولة تماما من ناحية مبدئية صرفة, لأنها تقسم المجتمع, وتضع طوائفه ضد بعضها البعض, في حين ان المعركة الحقيقية هي معركة كل هذه الطوائف مجتمعة ضد الاستبداد وتفرد اي شريحة مهما كانت اقلية او اغلبية في التحكم في الآخرين. سوريا الجديدة وبلدان عرب ما بعد الثورات يجب ان تتأسس وفق مفهوم المواطنة والدولة المدنية التي تتراجع فيها الولاءات الاثنية والطائفية إلى الخلف, ويتقدم الولاء لدولة القانون والدستور الذي يساوي بين الافراد في الحقوق والواجبات. إن استبدلنا طائفة بأخرى, حتى لو كانت اكبر منها وتمثل غالبية, فنحن لا نتقدم نحو الامام, بل نعيد اجترار الكوارث ذاتها. إضافة إلى ذلك فإن هذه الاوصاف وتكريسها واستمرار استخدامها هي بالضبط ما يريد ان يصل إليه النظام ويحافظ عليه. يريد النظام وبكل الجهد الممكن إبقاء الرعب مسيطرا على الطائفة العلوية في سورية, ولذلك فإن أي تعميم ضد الطائفة, ونسبة جرائم النظام لها, يحقق ذلك الهدف.

بيد ان الايجابي في الصورة الراهنة هي ان وعي السوريين يتعمق إزاء تفادي الوقوع في شرك مخططات النظام المنهار. والشرائح والمناطق العلوية المنخرطة في الثورة ومعارضة النظام والخروج على الطاعة القسرية المفروضة عليهم هي في تزايد يوما إثر يوم, حتى في أشد معاقل النظام سيطرة وتحكما, اللاذقية وما جاورها. وما يعزز المنحى الايجابي هذا هو استمرار تأكيد قيادات الثورة على عدم طائفيتها, وعلى توفير كل التطمينات الممكنة للعلويين بأنهم كأفراد وجماعات سوف يكونون مواطنين كاملي الاهلية والمساواة مع بقية افراد وشرائح وجماعات الشعب السوري. ومرة اخرى هناك كثيرون اقترفوا جرائم وينتسبون إلى الطائفة العلوية, وكثيرون ارتكبوا جرائم وينتسبون الى الطائفة السنية او غيرها, وهؤلاء جميعا يجب ان يحاسب كل منهم تبعا لما اقترفه, وليس بناء على انتسابه الطائفي. امام سوريا الجديدة القادمة والسوريين تحد كبير وهائل يتمثل في بناء دولة حديثة تتجاوز القبلية والطائفية والانحطاط السياسي الذي حشر النظام الاسدي البلد فيه. وامامهم جميعا نماذج في الجوار بعضها جذاب وناجح مثل التجربة التركية, و بعضها طائفي وبشع مثل التجربة العراقية. إنها مهمة السوريين, عندما يرتقون فوق كل كل الاعتبارات ويكونون سوريين اولا وآخرا.

=================

«أصدقاء سورية؟!»

صالح القلاب

الرأي الاردنية

20-2-2012

المثل يقول «اللهم اجرني من اصدقائي اما اعدائي فاني كفيل بهم»، وبالتأكيد فان هذا المثل لا ينطبق على اصدقاء سورية الذين من المفترض ان يجتمعوا في تونس في الرابع والعشرين من هذا الشهر نصرة للشعب السوري وزيادة الضغط على نظام بشار الاسد ليوقف عمليات ذبح شعبه التي ازهقت ارواح عشرات الألوف والتي ان هي استمرت فانها ستؤدي الى تدخل عسكري دولي لمنع انزلاق البلاد نحو التشظي والحرب الاهلية.

والمثير للتساؤلات هو انه كيف بالامكان ان يلزم «اصدقاء سورية» بشار الاسد ومجموعته الحاكمة بوقف هذه المجزرة المستمرة منذ نحو عام اذا بقوا يؤكدون حتى في هذا المؤتمر الذي ينتظر السوريون نتائجه على احر من الجمر على ما بقي العرب والاوروبيون والاميركيون يؤكدون عليه وهو عدم التدخل في الشؤون السورية الداخلية واستبعاد العمل العسكري، على غرار ما جرى في ليبيا وفي العراق، استبعادا كاملا وذلك رغم كل ما هو حاصل ورغم كل ما قد يحصل!!.

هناك اعتقاد يصل حد اليقين بان الضغوطات الاقتصادية مهما بلغت فانها قد تضعف هذا النظام، الذي يتصرف على اساس انه يخوض معركة حياة او موت، لكنها لن تزيله ولن تؤدي به الى الانهيار ولذلك فانه والى جانب هذه الوسيلة لا بد من استخدام وسيلة اخرى وهي اللجوء الى العمل العسكري ان بالاقتصار على القصف الجوي وحماية الممرات الآمنة التي يطالب بها الشعب السوري أو اذا اقتضى الامر, بتدخل قوات برية زاحفة لكسر العمود الفقري للفرق العسكرية ذات اللون الطائفي المعروف التي تشكل القبضة القوية لنظام بات واضحاً انه مصر على خوض هذه المعركة حتى النهاية.

ولهذا فإن هذا المؤتمر سيكون مجرد تظاهرة صراخ وأصوات مرتفعة وبيانات وبكاء على الشهداء الابرار ان لم يبدأ بحسم مسألة التدخل الخارجي وحتى بالعمل العسكري ان بالقصف بالطيران والعمليات الجوية على غرار ما حدث في ليبيا وإن بالعمليات الاجتياحية الارضية طالما أن هناك تدخلا عسكريا ايرانياً وروسياً سافراً وطالما ان هناك قطعاً بحرية روسية استراتيجية ترابط في ميناء طرطوس وان هناك مدمرتين ايرانيتين كانت عبرتا قناة السويس يوم السبت الماضي والمفترض أنهما وصلتا الى الشواطئ السورية وطالما أنه بات مؤكداً أن طلائع من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الايراني قد وصلت الى الشواطئ السورية.

لا يجوز أن تستمر هذه المعالجة البائسة والعاجزة من قبل «أصدقاء سورية» عرباً وغير عرب بينما روسيا مستمرة في صلفها وعنادها ومصرة على تحدي الشعب السوري والعرب والعالم كله وبينما ايران قد بادرت ومنذ اللحظة الاولى الى دخول المعركة على اساس انها معركة مستقبل نفوذها في هذه المنطقة الحساسة والحيوية فالتهديد بالمزيد من العقوبات الاقتصادية لن يردع نظاما يعرف ان لا خيار لديه الا الاستمرار بالقتل وبالمزيد من القتل ليحافظ على وضع إنْ هو افلت من بين يديه فانه لن يعود مجددا اليه من بعد الف عام ولا حتى بعد ان تقوم القيامة. ضروري جدا العمل على توحيد فصائل وقوى المعارضة السورية ومهم الاسراع في احتواء الانشقاقات في جيش نظام بشار الاسد كما انه ضروري ايجاد معابر آمنة لحماية ارواح السوريين وايصال المتطلبات الغذائية والطبية لهم لكن الاهم في هذا كله ان يكون هناك عمل عسكري دولي يكون العرب جزءا رئيسيا منه لشل القدرات العسكرية للنظام السوري وتشتيتها ومنع أي دعم لها من روسيا وايران ومن بعض الاطراف العراقية ايضا وذلك لانه بات واضحا انه مستمر بالحل الامني المعتمد على القوة الغاشمة حتى النهاية.

=================

سوريا النازفة

عبد الحليم قنديل

2012-02-19

القدس العربي

لو أن بشار الأسد فعلها قبل عام مضى، وأصدر الدستور الجديد، برغم جوانب العوار الباقية فيه، لو أنه فعلها لكنا بصدد سورية أخرى غير تلك التي نراها الآن، ونأسى على نزيف الدم المتصل فيها.

لكن التاريخ لا يعرف كلمة 'لو'، وما قد يكون مقبولا قبل عام لم يعد كذلك الآن، وبعد أن سال كل هذا الدم، وتحطمت مدن وزالت أحياء، وجرت مذابح، وسقط ما قد يصل إلى عشرة آلاف شهيد، وأضعاف أضعافهم من الجرحى والمعاقين، ولم يعد أحد يثق في بشار، ولا حتى من قطاعات معارضة معتدلة كانت مستعدة للحوار معه، بينما صار الحوار الآن خذلانا لدم الشهداء، وغناء 'نيرونيا' فوق الأطلال.

قبل شهور طويلة، كانت الثورة السورية في نصاعتها الأولى، مظاهرات سلمية بامتياز، وتمرد شعبي يخلع القلب، بدأ ببراءة أطفال كتبوا على الجدران عبارة 'الشعب يريد إسقاط النظام'، وجرت مواجهة البراءة بالغلظة والوحشية، وبخلع الأظافر والتعذيب الهمجي، فانفجرت 'درعا' البطلة، والتي كانت أول الغيث في هطول مطر الجموع على أسفلت الشوارع، ومشت رغبة التغيير إلى مدن أخرى، وإن صمتت حلب الشهباء ولا تزال، وأصمت دمشق الفيحاء آذانها، إلا من غضب ظاهر على حوافها، وفي ريف دمشق بالذات من 'دوما' إلى 'الزبداني'.

وتبدو سورية الآن، وكأنها معلقة على مشنقة انتظار طويل، ثارت ولم تنتصر ثورتها إلى الآن، ونزفت ولم يتوقف القمع، وصار خبزها دمها، وخبرها اليومي قوافل من شهداء جدد، يسقطون بيد نظام لم يطلق رصاصة منذ حرب 1973، ولم يتطلع إلى تحرير الجولان بقطرة دم، وأعد جيشا جرارا، لا لكي يحرر به شبر أرض، بل ليحتل نفوس الناس، ويحسب عليهم شهقاتهم وزفراتهم، ويقتلهم بلا رحمة، وقد كان كل ذلك كافيا لضمان صمت الناس فيما مضى، لكنه لم يعد كذلك بعد ثورة الأطفال، فقد استيقظت سورية ببراءة ورودها، وغادرت مرابع الخوف، وعرفت قوة الناس حين يستيقظون من نومة أهل الكهف، وحين يغادرهم الفزع الثقيل الموروث، وحين تتفتح الأزهار من جراحهم، وتنمو حدائق الحرية فوق القبور، فللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق.

كانت الثورة السورية في سيرتها الأولى مثالا دراميا رائعا، حفظت تفوقها الأخلاقي بطبيعتها السلمية التامة، لم يخالطها ميل طائفي، ولا ميل لمبادلة القتل بالقتل، لكن إمعان النظام في القتل خرج بها عن طبيعتها الأولى، ودخلت على الخط ضلالات أغرت بها وقائع التجربة الليبية، والتي بدأت بثورة سلمية صافية تحولت بعدها إلى حرب دمار أهلي، وجرت الاستعانة بتدخل أجنبي أطفأ فرحة ليبيا بنهاية الديكتاتور القذافي، وحول ليبيا بعد القذافي إلى دولة افتراضية موزعة على سلطات مدن وميليشيات لجماعات، وكان الإغراء الليبي مسيئا لنصاعة وسلمية وذاتية الثورة السورية، تغير علم التظاهر على الطريقة اللليبية، وجرت محاولات لخلق 'بنغازي' سورية، وجرى سحب الثورة السورية لإرتهان خارجي، وكانت تلك فرصة النظام لتصعيد قمعه الدموي، واثبات دعواه عن وجود ميليشيات مسلحة وجماعات إرهاب، وتدخل أجنبي لتسليح وتنظيم متمردين، وتسعير الصراع الطائفي، وجر البلد إلى حرب أهلية طاحنة، غاب معنى الثورة، وبرز معنى الحرب الأهلية، وبدت سورية وكأنها دخلت أو تكاد إلى النفق المظلم، بدت الثورة السورية محتجزة، وقفزت إلى المشهد قيادات تطفلت على نزيف الدم، وادعت لنفسها دورا قياديا لم يكن لها في أي وقت، وارتزقت على موائد العواصم الخليجية والغربية، وغسلت وجه النظام الكئيب القاتل الناهب، ومنحته وجها وطنيا مستعارا لم يكن له أبدا، وعززت - عمليا - دعواه بأنه يخوض معركة وطنية ضد التدخل الأمريكي الغربي وتابعه الخليجي، وكان غريبا ومثيرا للسخرية ان يجري تصوير الملك عبد الله عاهل السعودية، وكأنه بطل الثورة العربية وسند الثورة السورية، ومع أن الملك - إياه - لا يسمح لشعبه بمجرد انتقاد حكمه، أو حتى إبداء ملاحظة، ويعتبر حكمه - مع كهنته - أن المظاهرات حرام وكفر بواح، وأن كلمة ثورة شرك بالله.. وبجلالة الملك.

ولأن الحق لا يضاد بعضه بعضا، فمن الضروري كشف اختلاط الأوراق على ساحة سورية النازفة، فالثورة حق لا مراء فيه، وإسقاط النظام السوري هو الحق كله، وتماما كما أن من حق الناس إسقاط النظام السعودي، وغيره من نظم القهر العربية الديناصورية، والنظام السوري لا يمثل الشعب السوري، ودستوره الجديد لا يفيد في تجميل الوجه القبيح، ودستوره الحقيقي هو القتل والنهب والتدمير، كما أن معارضة الخارج المريبة لا تمثل الشعب السوري، وبعض وجوهها في مرتبة العمالة الصريحة، وكلها تتطفل على عذاب الشعب السوري، وتستحلب ثورته، وتخنقها عمليا، وتقدم خدمة جليلة للنظام من حيث تدري أو لا تدري، فلم يثر الشعب السوري من أجل تنصيب زيد أو عبيد، ولا من أجل تحويل سورية إلى بلد محطم مفكك، أو إلى إمارة تابعة للخلافة الأمريكية، بل ثار الشعب السوري لتحطيم الديكتاتورية الباغية السارقة، ومن أجل تحصين استقلال سورية بحرية شعبها، ولا يوجد ثوري حقيقي يقبل بنجدة استعمارية، وسيناريو احتلال وضياع العراق ليس قابلا للتكرار في سورية، تماما كما أن سيناريو الهوان الليبي ليس واردا، ومثل هذه السيناريوهات تخاصم معنى الثورة، فكرامة الشعب وكرامة الوطن صنوان لا يفترقان، وفك 'العروة الوثقي' لا يقود سوى إلى مذابح أفظع مما يجري في سورية الآن بآلاف المرات، والتورط في الخطيئة يجعل السوريين كالمستجير من الرمضاء بالنار، والحل هو أن تستقر النجوم في مداراتها، وأن تصمد الثورة السورية في ساحاتها ووسط عذاباتها، وبصورة سلمية تامة تستعيد للثورة تفوقها الأخلاقي، وأن تثبت عليه واثقة بنصر الله، وأن تفضح دموية النظام، وأن تصل به إلى حافة الهزيمة التي لا مفر منها في النهاية، وأن تفض صمت دمشق وحلب بالذات، وقتها سوف تتزايد ظاهرة انشقاقات الجيش، ويزيد الشقاق والانشقاق في رأس الحكم المنهك، وتنتصر الثورة لسورية لا على سورية.

=================

خرافة «الدولة العلويّة»

الإثنين, 20 فبراير 2012

حسّان القالش *

الحياة

هناك سيناريو بغيض يتردّد في شكل متواتر في الآونة الأخيرة، يقول باحتمال وقابليّة قيام دولة علويّة في السّاحل السوري. المؤسف والمفجع في هذا السيناريو وجود أفراد يتبنّونه ويسوّقونه ممّن يحسبون أنفسهم على المعارضة وأفكارها، وهم يبدون بهذا، أشدّ عداءً لسورية وانتفاضتها من نظام الحكم القمعي. ذاك أن السيناريو هذا، الذي تتبنّاه منابر اعلاميّة وقطاعات أهليّة مختلفة، إنما يتلاقى مع غاية النظام في تشويه الانتفاضة الشعبيّة وتصويرها نزاعاً ثأريّاً بين الأكثرية السنيّة وبقيّة الأقليّات، وبخاصة العلوييّن.

والحال أن الحديث عن قيام دولة علويّة مزعومة، وآليّة تكرار هذا الحديث، يبدو حافلاً بدلالات كثيرة، لعلّ أعمقها وأكثرها خطراً، وجود رغبات دفينة، إقصائيّة وانعزاليّة عند القائلين به، تتمنّى مَحو مجتمع سوري كامل من الخريطة الاجتماعية الكبرى. بل وتتّهم هذا المجتمع وأبناءه في وطنيّتهم وانتمائهم وسوريّتهم. ولا يخفى على أحد كارثيّة مثل هذا التعميم والسلوك الناجم عنه في مثل هذه اللحظات المصيريّة من حياة البلاد. في وقت يتعفّف بعض أقطاب المعارضة ومثقّفيها عن التصدّي لمثل هذا التفكير، وتتحكّم بهم انفعالاتهم الثوريّة، ولا يتردّدون في السّخرية من الدعوة القائلة بطمأنة الأقليّات والتقرّب منها.

ولئن كان الانتداب الفرنسي حاول تطبيق سيناريو دولة علويّة وغيرها من الكيانات الطائفيّة، مع احتلاله المنطقة الغربية الساحلية من سورية الحاليّة في 1918، فإن تجربته لم تعمّر وكان السوريون عاملاً قويّاً في إفشالها آنذاك، لا تحقيقاً لعروبيّة نضالية لعموم السوريين كما يروج التاريخ الرسمي والمدرسي، بل رغبة منهم في وحدة وتماسك الكيان السياسي الحديث العهد، والذي كان الحدّ الأدنى لما يمكن أن تكونه الدولة السورية الحديثة. وهذا ما تلاقى عليه القادة الوطنيون بمن فيهم معظم وجهاء ومثقفي العلوييّن وغيرهم من أبناء الأقليّات السوريّة.

وإذا كان العلويّون أنفسهم قد تمكّنوا عبر نظام البعث، من تحقيق بوادر ارتقاء اجتماعيّ، بدخولهم أجهزة الدّولة، وأخذ فرصهم في التعليم والتوظيف، فذلك لا ينفي واقع التهميش والإفقار التاريخييّن اللذين يعاني منهما مجتمعهم ومناطقهم، وهو تهميش لا يتناسب مع النفوذ الكبير المنسوب إليهم اليوم، وهو ما كان النظام يَعيه ويقصده، ويستثمره في فائض العمالة لهذا المجتمع، وتصريفه ضمن مؤسساته القابضة على الحكم. وهذا ما يجعل المجتمع العلويّ معنيّاً بالانتفاضة، وقد كان أبناؤه، منذ البدايات، في طليعة العمل المعارض. وفي هذا الاطار ينبغي ألاّ يغيب عن البال أن مجتمعات الأقليّات السوريّة، ومنهم العلويوّن، بقيت دوماً بعيدة من أي اهتمام، وأُهملت، بالمعنى السوسيولوجي للكلمة، وربما تكون عوملت بدونيّة ما. بينما كانت عمليّة المثاقفة بين المجتمعات السوريّة تنحصر في بيئة نخبويّة لا تأثير لها في المزاج العام، الذي كان يعاني من موروثات العقليّة العثمانيّة، وصرامة أو خناق الأيديولوجيا الشموليّة ذات الطابع العسكري. وساعد في دوام هذا الحال، وجود نظام حديديّ متطلّب لأقصى أشكال الطّاعة، يغذّي حال السّلم الأهلي البارد بين مكوّنات المجتمع الكبير، حائلاً بينها وبين الانفتاح على بعضها بعضاً. وهذا ما جعل الأفكار والصّور النمطيّة لهذه المكوّنات، عن بعضها، تصمد وتتضخّم وتنتقل عبر الأجيال، لتجد في هذه الظروف التاريخيّة الصعبة، طريقها نحو التفريغ والانفجار. وسيناريو الدولة العلويّة واحد من هذه الطرق.

* كاتب وصحافي سوري

=================

أزمة سورية أمام ثلاثة امتحانات

الإثنين, 20 فبراير 2012

جورج سمعان

الحياة

ثلاثة محطات إقليمية - دولية ستترك آثارها على الأزمة السورية وعلى وجهة المرحلة المقبلة من الصراع. أقربُها «مؤتمر أصدقاء الشعب السوري» في تونس يوم الجمعة المقبل. والانتخابات النيابية الإيرانية في الثاني من الشهر المقبل. ثم الانتخابات الرئاسية في روسيا في الرابع منه.

«المجلس الوطني السوري» دُعيَ إلى حضور «مؤتمر الأصدقاء». وكان وزير الخارجية التونسي رفيق عبد السلام تمنى تشكيل مجموعة من المعارضة «يكون لها تمثيلٌ حقيقي». تزامن هذا التمني مع استعادة كبار المسؤولين الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين خطابَ وجوب «توحيد المعارضة» لتسهيل مساعدتها. وتزامن مع تأكيد الأمين العام ل»الناتو» أندرس فوه راسموسين أن الحلف لن يتدخل في سورية «حتى وإن صدر تفويض من الأمم المتحدة لحماية المدنيين»! ورفضه إمكان تقديم أي إمدادات أو مؤن لدعم «ممرات إنسانية».

تشي هذه المواقف بأن «مؤتمر تونس» قد لا يعترف ب»المجلس الوطني» ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب السوري. لأن مثل هذا الاعتراف يعطي المجلس حق الدعوة إلى شتى أنواع التدخلات بذريعة حماية المدنيين. وهو ما يرتب مواجهة كبيرة ليس في مجلس الأمن بل خارجه بين الغرب الذي يدعو إلى تنحي الرئيس يشار الأسد وروسيا والصين وغيرهما من الدول التي ترفض أي تدخل عسكري لتغيير الأنظمة.

تقترب هذه المواقف ربما من موقف موسكو، وبكين أيضاً. صحيح أن روسيا منحت النظام السوري «ضوءاً أخضر» للحسم العسكري، واستعجلته تقديم موعد الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد. لكنها بالتأكيد لا يمكن أن تتحمل بقاء هذا الضوء مفتوحاً. وما يرشح من ديبلوماسيتها أن المهلة التي أعطيت لإنجاز الحسم تجاوزت الحد المقبول. فالآلة العسكرية للنظام لم تحقق أهدافها في مناطق حمص وإدلب ودرعا فحسب، بل إن ما شهدته وتشهده أحياءُ دمشق وحلب ينذر بانخراط أوسع للمدينتين في الحراك. ما يعني أن الحسم مستحيل، وأن الأزمة طويلة. ولن يسمح استمرارها بالاستفتاء، خصوصاً في ظل دعوات المعارضة إلى مقاطعته بعد تأكيدها رفضه. والسؤال هنا هل يمكن أن تواصل روسيا منح النظام «رخصة» مواصلة حملاته العسكرية؟ هل يمكنها أن تتحمل اتهامها بالمسؤولية عن الدم السوري لأسابيع وشهور؟ لماذا تستعجل، مثل بكين، لقاء دول مجلس التعاون؟ لشرح موقفها فقط أم لتفاهم ما؟

كانت روسيا مع المبادرة الأولى للجامعة العربية التي لم تنادِ صراحة بتنحية الأسد، بل رسمت خريطة طريق آمن للتغيير، على غرار ما حصل في اليمن تقريباً. أي أنها كانت ترى أن لا مفر من خروجه، لكنها لم تكن ترى خروج أركان النظام برمتهم معه. ما جعلها تعاند وتلجأ إلى الفيتو مع الصين حساباتٌ كثيرة ومصالح متعددة قيل الكثير في شرحها. قيل إن الدولتين تريدان تغيير قواعد اللعبة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة لتثبتا أنهما لاعبان لا يمكن تجاهلهما بعد اليوم. وقيل إنهما تخشيان أن يطل «الربيع» على ربوعهما فيما الأحزاب الإسلامية «تزحف» إلى كراسي الحكم في معظم العالم العربي. أبعد من ذلك لا ترغبان في رؤية الغرب طليق اليدين في تقرير مصير الأنظمة التي لا تواليه في سياساته. وروسيا لم تهضم حتى اليوم مبدأ وجوب تدخل المجتمع الدولي لحماية المدنيين من أنظمتهم، متجاوزاً «السيادة» الوطنية للدولة. كسرت العولمة وحرية التجارة والتعاون الدولي لمحاربة الإرهاب ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل الكثير من حدود هذه السيادة. وأقرت المنظمة الدولية في العام 2005 مبدأ التدخل لوقف انتهاكات حقوق الإنسان. ولا حاجة إلى تعداد حالات التدخل التي لجأت إليها الولايات المتحدة أو «الناتو» تحت هذا العنوان. وهوما عزز مخاوف موسكو وبكين من تحول التدخل الأميركي والأوروبي في تغيير الأنظمة «شرعة دولية» لا نقاش فيها.

بوتين نفسه صرح منتصف العام الماضي بأن ليس لروسيا مصالح واستثمارات (في سورية) للدفاع عنها! وقبله صرح الرئيس ديمتري مدفيديف بأن على نظام الأسد «الرحيل» اذا لم يتوصل الى تطبيق «الاصلاحات الضرورية». لكنهما تمسكا بأن «روسيا ستواصل الوقوف في وجه أية محاولات لإضفاء الشرعية من خلال مجلس الأمن، على أية عقوبات أحادية تهدف الى إطاحة مختلف الأنظمة». لذلك يبدي بوتين تشدداً لا سابق له في مواجهة المنادين بتنحية الأسد. إنه مقبل على انتخابات مسكوناً بهواجس التظاهرات التي اعترضت على ما سمته تزوير حزبه الانتخابات البرلمانية آخر السنة الماضية. ولا يطمئنه كفايةً تكرارُ بطريرك الكنيسة الارثوذكسية قبل يومين وقوفه إلى جانبه. ما يريده ألا تحول واشنطن وشركاؤها المناداة بتغيير الأنظمة مبدأ تشرعه الأمم المتحدة. فماذا لو تصاعدت المعارضة لرئاسته المقبلة منادية بالتغيير؟

لكن بوتين يدرك في المقابل خطورة تغطيته العمليات العسكرية للنظام السوري إلى ما لا نهاية. صحيح أنه يرفض البحث في تنحية الرئيس، لكن الصحيح أيضاً أنه لا ينسى أن الأسد لم يزر موسكو إلا بعد خروجه من لبنان إثر اغتيال رفيق الحريري. يعرف أنه كان «الصديق» المدلل للرئيس جاك شيراك ولقادة أوروبيين آخرين، وأنه تخلى عن الكثير من الثوابت السورية لإقامة ما يشبه التحالف الاستراتيجي مع تركيا بعد إيران. ويعرف أيضاً أنه ضيّع فرصاً كثيرة في رفضه الاعتراف بمعارضيه وفي تهربه من اعتماد الإصلاحات المطلوبة.

والسؤال هل تبدل روسيا في سياسة انخراطها بالأزمة السورية في ضوء نتائج اجتماع تونس، وبعد تجاوز تداعيات محتملة لعودة بوتين إلى الكرملين في الرابع من الشهر المقبل؟ تعي موسكو أن الحسم العسكري لم ينجح ولن ينجح بل يفاقم الأزمة. وتعرف أن العودة إلى المبادرات السابقة تجاوزها الزمن. يصعب القبول بصيغة «لا غالب ولا مغلوب». لم يعد ممكناً إقناع السوريين بعد كل هذه الدماء بالقبول ببقاء الأسد على رأس الحكم.

المطلوب إذاً البحث عن خيارات أخرى تشكل حلاً وسطاً يتم بموجبه التغيير الهادىء. روسيا تريد إشراك كل مكونات الشعب السوري وأطياف المعارضة، وليس «المجلس الوطني» ممثلاً وحيداً، بتركيبته الحالية التي يطغى عليها «الأخوان» ومن ورائهم تركيا. كما أنها تدرك استحالة بقاء رأس النظام في دمشق. أما الغرب الذي اختبأ طويلاً وراء الجامعة، يبدو مرتاحاً إلى الفيتو الروسي والصيني لأنه يعفيه من تحمل مسؤولياته التي يلقيها على المعترضين! ولكن أليس هناك نقاط تقارب بين الغرب وروسيا في الموقف من الأزمة، خصوصاً أن موسكو لم تقطع اتصالها مع المعارضة، ودفعت النظام إلى الاعتراف بها لمجرد قبوله مبدأ الحوار كما نادى وزير الخارجية سيرغي لافروف، وخصوصاً أن ثمة أسئلة مشتركة - أوروبية أميركية روسية - تكرر طرحها في الأيام الأخيرة عن المرحلة المقبلة أو البديل من نظام الأسد؟

الجواب هنا يستدعي السؤال هل يمكن روسيا أن تمارس ضغوطاً على الأسد بعد كل ما سلفته حتى الآن؟ واكبت الهلع الذي أصابه من احتمال تدخل عسكري قاتل على غرار ما حصل في ليبيا. فوفرت له غطاء وحماية. ألا يمكنها فرض صيغة يتخلى الرئيس بموجبها عن صلاحياته لنائبه أو لحكومة تكنوقراط انتقالية برعاية «مجلس عسكري» لا يضم القادة المتورطين مباشرة في أعمال القمع، تتولى قيادة التغيير الذي يحفظ حقوق كل مكونات المجتمع للحفاظ على وحدة سورية وتجنيبها الانزلاق إلى حرب أهلية واسعة؟ ألا يشجع مثل هذا الحل الانتقالي الطائفة التي تحرس النظام على التخلي عن رأس النظام بديلاً من إنجرارها إلى حرب أهلية واسعة تعرف تداعياتها وصعوبة الخروج منتصرة منها؟

هل يقبل خصوم سورية بصيغة حل وسط كهذه؟ يعرفون أن تسليح المعارضة يشدد عزيمة الحراك الشعبي ويحميه من آلة البطش والقتل، ويخفف من وطأة الحملة العسكرية. لكنه لا يخل في المدى المنظور بميزان القوى الحالي بكفته الراجحة لمصلحة النظام الذي لا يزال يحتفظ بآلة عسكرية كبيرة عديداً وعدة. إن إمداد المعارضة بالسلاح يعني إطالة الأزمة وما قد تنتهي إليه من مزيد من الإنقسام الأهلي، وهو ما يقود في نهاية الأمر إلى ما هو أبعد من الحرب الأهلية. أي إلى إقامة مناطق مقفلة للجماعات خالية من التنوع المذهبي أو الطائفي وربما العرقي... إلى التقسيم الذي سيهز أركان المنطقة كلها ويهدد استقرارها.

يبقى السؤال عن موقف طهران. وهو موقف قد ينجلي أكثر بعد الانتخابات البرلمانية في الثاني من الشهر المقبل. سيحدد هذا الاستحقاق حجم الأطراف المتصارعين في صفوف المحافظين أولاً، ذلك أن التيار الإصلاحي امتنع عن الترشيح وسيقاطع التصويت مع ما يعني ذلك من انخفاض في نسبة المقترعين. الانتخابات اختبار قوة فيما الإيرانيون بدأوا يعانون من وطأة العقوبات. وحكومة الرئيس أحمدي نجاد التي قد تخرج أكثر ضعفاً منها عبرت عن استعدادها للعودة إلى طاولة المفاوضات في ملفها النووي، تحت غبار عراضات قوة: من مضيق هرمز والبحر المتوسط إلى ساحات الهند وتايلند وجورجيا ف»الانجازات» النووية. فهل تكون مستعدة تحت آلام الحصار وما سيخلفه الصراع الداخلي من انشقاقات وتصدعات والحصار الخارجي، للقبول بالبحث عن مخرج للأزمة السورية تقايض به العقوبات بدل أن تكون المقايضة بالمشروع النووي؟

=================

من هرمز إلى طرطوس

سمير عطا الله

الشرق الاوسط

20-2-2012

من مضيق هرمز إلى ميناء طرطوس، عبورا بقناة السويس، تقيم إيران عرضا لقوتها الصاروخية والبحرية، فيما يكرر محمود أحمدي نجاد التلويح بالقوة النووية القادمة. وقد عبرت القطع البحرية الإيرانية قناة السويس نحو المتوسط فيما كانت حاملة الطائرات الروسية عائدة نحو البحر الأسود من الميناء نفسه.

المشكلة أن العرض الروسي والإيراني لا يفيد شيئا في حل القضية الكبرى المطروحة، لأنه لن يكون في إمكان البوارج أن تضرب درعا أو إدلب أو أن تضيف إلى قصف حمص.

تحولت سوريا إلى منطلق لحرب باردة جديدة، انعكست أولا في مجلس الأمن ثم في الجمعية العمومية ومن ثم في حركة العبور في قناة السويس. ولكن سوريا لا تخوض حربا أو مواجهة عسكرية مع الخارج، بل تقاوم حركة احتجاجية داخلية منذ نحو العام، عبرت الأرياف إلى العاصمة وحلب يوم عبور السفن الإيرانية للقناة.

لا الفيتو الروسي - الصيني ولا حركة الأساطيل أديا إلى خفض درجة الاحتجاجات، بل زادا في إشعالها وتوسيع نطاقها. ومنذ البداية كان واضحا أن حركة الاعتراض لن تحل إلا بالاحتواء والمصالحة الوطنية وليس بالمضي في مقابلة المتظاهرين بالرصاص ثم بالمدافع. ومنذ اللحظة الأولى استخدم الأمن أقصى درجات العنف، فيما كانت صنعاء مثلا، تستخدم القنابل المسيلة للدموع.

لم تعتد دمشق طوال خمسين عاما على أن هناك من يمكن أن يخطر له الاعتراض أو التقدم بالمطالب المؤدية إلى التغيير. وبدل أن تستبق تلك المطالب من خلال مسلك سياسي يتناسب مع مناخ 2011، لجأت إلى أسلوب متبع منذ عام 1963، أو منذ طارد الفريق أمين الحافظ المتظاهرين في بساتين العاصمة.

استقوت دمشق على المطالب الأهلية الداخلية البسيطة بموقعها الإقليمي وأوراقها الإقليمية. لم تلتفت إلى أن الموجة العارمة في العالم العربي رفعت هذه المرة شعارات الداخل وهموم الداخل وقضايا الداخل. ولم تلتفت إلى أن الناس رفعت أعلام ما قبل الثورات وعادت إلى زمن الاستقلال، كأنها تريد أن تنسى المرحلة التي مضت.

لا يفيد سوريا أن العالم ينشق من حولها. لم يفدها ذلك في الحرب الباردة. لم يفدها في شيء دعم السوفيات. ولن يفيدها اليوم تحويل الصراع الداخلي إلى صراع خارجي، علامته الأسطول الإيراني، في وجه عالم عربي يجمع للمرة الأولى في تاريخه على موقف واحد. هل سوريا حقا في حاجة إلى أن يكون جميع العرب ضدها وإيران معها؟ أم أن تحريك الأساطيل في وجه العرب، من هرمز إلى طرطوس، في صالح إيران؟ منذ مدة لا تعرض إيران سوى الصواريخ ولا ترسل سوى التحذيرات، كم كان أحرى بها أن تعرض إيصال شيء من المياه والخبز إلى أهل حمص.

=================

بوارج إيرانية في المياه السورية

عبد الرحمن الراشد

الشرق الاوسط

20-2-2012

في الوقت الذي فاجأت فيه ضخامة المظاهرات الهادرة في العاصمة دمشق الجميع، التي تؤذن بمستوى جديد من التهديد للنظام السوري، وصلت أيضا سفن عسكرية إيرانية إلى المياه السورية في تصعيد نوعي جديد. قوات إيرانية وروسية في ميناء طرطوس ومظاهرات في دمشق، هل نحن بصدد جولة خطيرة في الأزمة السورية؟

دبلوماسية البوارج البحرية كانت في الماضي لغة مهمة في النزاعات السياسية في القرن التاسع عشر، ويبدو أنها لا تزال حتى اليوم، على الأقل إيرانيا. البارجة «خارك» وسفينة الإمداد «الشهيد قندي» أرسلتهما إيران لتبحرا بعيدا من الخليج العربي، إلى بحر العرب، فالبحر الأحمر، وعبرتا قناة السويس، وأخيرا البحر الأبيض المتوسط حيث يفترض أن ترسيا في ميناء طرطوس السوري، الذي يعتبر أيضا محطة إمداد وصيانة للأسطول البحري الروسي المتحالف مع نظام الأسد.

دبلوماسية البوارج كانت تعني استعدادا حقيقيا للقتال إن لزم الأمر، فهل إيران فعلا تنوي أن تفيدها بارجة وسفينة إن حدث قتال في هذه المنطقة المضطربة؟ بالتأكيد لا، الأسطول الإيراني هزيل مقارنة بالقوى البحرية الكبرى الموجودة في البحر المتوسط، أميركيا وفرنسيا، وكذلك تركيا وإسرائيليا. الرسالة الوحيدة هي نفسية، للتأكيد على دعم النظام السوري الذي يزداد عزلة.

إذن، نتساءل عن مدى التزام النظام الإيراني بدعم حليفه شبه الوحيد اليوم، النظام السوري؟

الأخبار تتوارد بإرسال 12 ألف مقاتل مدرب للمشاركة إلى جانب النظام، كلهم ينتمون للحرس الثوري، عبروا من العراق إلى سوريا على طريق الرطبة العراقية إلى بوابة النتفة السورية، وصولا إلى دمشق. وسبق ذلك التزام بدعم مالي واقتصادي وسياسي، وبالتالي لم تترك طهران وسيلة إلا وقدمتها لنظام الأسد، لكن حتى مع هذا الدعم السخي، فإن النظام يتهاوى، فإن صور المظاهرات الحاشدة التي انتقلت من ريف دمشق إلى قلب دمشق فاجأت الجميع، وكانت الرد الشعبي السوري على حصار حمص وحماه ودرعا وغيرها من مراكز الثورة، وكانت أيضا التأكيد على أن ثورة الداخل أهم من سلحفاة العمل السياسي الدولي، وأبلغ رد على الروس والإيرانيين.

لا تستطيع إيران بأسطولها الصغير المكون من سفينتين إيرانيتين أن تغير ميزان القوى في البحر، ولن ترجح كفة النظام على الأرض، وبالتالي لا أعرف كنه الرسالة من دبلوماسية البوارج هذه سوى التأييد المعنوي. هل تريد إيران أن تقول إنها، على الرغم من الحصار الاقتصادي الشديد الذي تعاني منه، قادرة على أن تمخر بوارجها آلاف الكيلومترات وأمام أعين البحارة الأميركيين والمصريين والإسرائيليين. وهذا التصرف ينسجم مع روح الدعاية التي تغلب على السياسة الإيرانية منذ قيام الثورة قبل ثلاثة عقود.

الصراع في داخل سوريا وخارجها يدور على مستويات متعددة؛ دبلوماسيا، واقتصاديا، ودعائيا، وعسكريا، وهي جميعا مرهونة بما يحدث على الأرض داخليا، باتساع حجم الانشقاقات بين أفراد الجيش وارتفاع وتيرة المواجهات المسلحة، واستمرار المظاهرات في ظروف صعبة، هذا من جانب الشعب السوري الثائر، أما من جانب النظام، فإنه يمارس حصارا اقتصاديا عكسيا على المناطق الثائرة، وهجمات أمنية وعسكرية ممنهجة، وحملة دبلوماسية خارجية لمنع قرار التدخل الدولي الذي يصاغ تحت عناوين مختلفة، حاليا يسمى «الممرات الآمنة»، وربما «أصدقاء سوريا». وبالتالي، فإن إيران تريد القول من خلال دعم سوريا بحريا إن الحصار التركي لن يمنعها، والممر العراقي المحدود لن يعوق نشاطها. إنما إيران نفسها هدف تحت المتابعة غربيا، ولن يفلح استعراض القوة البحرية في دعم صورتها ولا أخبار تصعيد التخصيب النووي. بسقوط النظام السوري ستزيد عزلة إيران ومحاصرتها.

=================

الأسد وتقسيم سوريا

طارق الحميد

الشرق الاوسط

20-2-2012

على الرغم من خروج بشار الأسد أواسط شهر يناير (كانون الثاني) المنصرم في إحدى الساحات الدمشقية وسط مريديه مبشرا بالنصر، فإن وكالة أنبائه نقلت عنه مساء السبت الماضي قوله لنائب وزير الخارجية الصيني بأن الأحداث في سوريا «تهدف إلى تقسيم البلاد»! فما الذي نفهمه من ذلك؟

حديث الأسد لنائب وزير الخارجية الصيني يعني أنه، أي الأسد، للتو بدأ يستوعب أن هناك ثورة حقيقية تحدث ضده، وأن من يقومون بها هم ثوار سوريون وليسوا جراثيم، كما كان يقول الأسد نفسه، ولا هم نتاج مؤامرة خارجية، كما ردد الأسد نفسه أيضا، وهذا الاستيعاب لم يأت نتاج صحوة ضمير، أو إحساس بالمسؤولية، وإنما جاء بسبب عدة عوامل فرضتها الوقائع على الأرض. فأولا، وقبل كل شيء، فإن صمود الثورة السورية بات أمرا واضحا لا جدال فيه. فطوال أحد عشر شهرا من القمع المتواصل الذي يقوم به النظام الأسدي لا تزال الثورة السورية مستمرة، وصامدة، حيث لم ينجح القمع الأسدي في القضاء عليها، أو حتى إضعافها.

فمن ناحية، هناك الزخم الدولي المتنامي، والذي لا تقوده الرغبة الدولية الصادقة في الدفاع عن الشعب السوري، بل إنما هو أمر يفرضه حجم التضحية المقدمة على الأرض من قبل السوريين؛ فحمص، مثلا، لا تزال تحت الحصار والقمع الإجرامي من قبل قوات الأسد، منذ قرابة خمسة عشر يوما، ولا تزال صامدة، ومثلها مناطق سورية أخرى. وهذه ليست القصة وحدها، فجسارة السوريين أقرب إلى الملحمة، فها هي العاصمة السورية دمشق تنتفض ضد نظام بشار الأسد، وتهب لنصرة المدن السورية المقموعة من قبل قواته الإجرامية، وهو أمر لم نره حتى في العاصمة الليبية طرابلس أيام الثورة ضد القذافي، فيومها كانت طرابلس هادئة حتى لحظة الصفر، أو قل لحظة السقوط. وليست دمشق وحدها المنتفضة اليوم، فهناك حلب أيضا، فما الذي تبقى للأسد؟

كل ما سبق من شأنه أن يحرج حتى الشيطان لو قرر الوقوف مع الأسد، وليس روسيا والصين، اللتين بدأتا تقولان علنا بأن مصالحهما الحقيقية ليست مع الأسد، وإنما مع العالم العربي ككل، فمع تحرك دمشق وحلب، فإن الأمر بات محرجا لكل من روسيا والصين، ولن يكون بإمكانهما الوقوف مع الأسد إلى النهاية، لأن عليهما الآن حساب مدى خسارتهما بعد تحرك أهم مدينتين سوريتين. وهذا ليس كل شيء، فحتى لو قررت موسكو وبكين الوقوف مع الأسد للنهاية، مثلهما مثل إيران، الخاسرة لا محالة هي وعملائها بالمنطقة، فإن الأحداث أيضا لا تخدمهما، وبالطبع لا تخدم الأسد، فالمعلومات التي باتت ترشح عن «مؤتمر أصدقاء سوريا» في تونس تقول إن الدول المؤثرة باتت تتحرك بشكل جدي لكي لا يكون الاجتماع مجرد لعبة ومضيعة وقت، أو إعطاء فرص للأسد.

وأيا كانت نتائج اجتماع تونس، أو مواقف موسكو وبكين، فإن من جعل الأسد يتحدث الآن عن التقسيم، أو يلوح به، هو الوقائع على الأرض، وأهمها تحرك دمشق وحلب، وهو ما يعني أن لا مجال للتسويف في سوريا.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ