ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 11/02/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

الانتقام.. والإنكار

باسل رفايعة

التاريخ: 10 فبراير 2012

الامارات اليوم

مدينة حمص تعرضت لمذبحة، ولاتزال الصواريخ والقذائف تنهمر على بيوتها وأطفالها ومستشفياتها، ولا فهم للمشهد الدموي خارج سياق الانتقام من شعب يريد حريته وحقوقه، وهو متمسك بذلك، ولا يزيده قتل الرضّع على أسرّتهم سوى يقين بأن سقوط النظام بات وشيكاً، ولن تجديه مسيرة تأييد مزيفة في دمشق، ولا «فيتو» في مجلس الأمن.

الانتقام له دوافع كثيرة، بعضها طائفي، وبعضها الآخر عرقي، ومنها ما هو ثأري. وفي سورية ينتقم النظام من الناس على نحو مَرضيّ مُركّب، ويعبّر عن ذلك على هيئة مَرضيّة أيضاً، كما هو الأمر في حال الإنكار التي ينهمك الإعلام السوري في التعبير عنها، وهو لايزال عالقاً في مرحلة الإعلام التحريضي، بكامل بدائيته وهزاله، وبما لا يُحاكي ذلك التحريض المحترف الذي جسدته مدرسة «البرافدا» في الحقبة السوفييتية، في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، وما بعدها.

في الدول الديكتاتورية الشرسة، لا تُولي الأنظمة اهتماماً للبنية التحتية والمرافق الأساسية كالمستشفيات والمدارس، وسائر المنجزات الحضارية، كالمتاحف والمسارح والفنون، إلا ما يتعلق منها طبعاً بالزعيم «الضرورة.. والتاريخي».

تركز الموازنات على الإنفاق بسخاء على قطاع الدفاع، وبناء الآلة العسكرية، والأجهزة البوليسية، فدولة مثل كوريا الشمالية، تقوم على عبادة الشخص، واسمها «الديمقراطية الشعبية» تمتلك قنبلة نووية، وتهدد بحرب طويلة ومكلفة مع جارتها الجنوبية، ومع ذلك تعاني شوارع مدنها الكبيرة التهالك، ويشكو معظم السكان الفقر والبطالة وانعدام الخدمات الأساسية.

وفي سورية، التي يُسميها الإعلام الرسمي «سورية الأسد»، ويحكمها حزب البعث العربي الاشتراكي منذ 40 عاماً، انهمكت الدولة في بناء ترسانة عسكرية، وفروع لا حصر لها للأمن، وأنفقت المليارات من ناتجها المحلي على التسليح والأمن، وكانت سورية من أواخر دول العالم التي سمحت بالهاتف المتحرك، أما البنية التحتية والخدمات العامة ففي حدها الأدنى، والمشهد العام في دمشق في الثمانينات لا يختلف كثيراً عنه في .2012

تعرضت الأراضي السورية أكثر من مرة لتهديد مباشر من إسرائيل التي تحتل هضبة الجولان، لكن مئات الآلاف من الجنود تحصنوا في ثكناتهم، وبقيت الطائرات الروسية الحديثة في حصونها، ولم تتعرض الجبهة لأي إطلاق رصاص، منذ .1967 لم يُختبر هذا الجيش بترسانته في أي معركة مع إسرائيل، ولو بالحجارة والعصي، حتى أن الطيران الحربي الإسرائيلي حلّق فوق قصر الرئيس السوري نفسه في اللاذقية في ،2006 فعلّق إعلامه بأن «الرد سيكون في الوقت والمكان المناسبين».. فكان له ذلك ولكن ليس في الجولان، وإنما في درعا وحماة وحمص.

تبعد الجولان عن دمشق 50 كيلومتراً غرباً، فيما تبعد حمص 160 كيلومتراً شمالاً، وقد اختارها النظام مكاناً للانتقام، بدوافعه الممكنة والمتخيّلة كافة، فالقصف عشوائي وشرس، وأعمى، والضحايا بالمئات، ومشاهد الجثث والدم والدموع ليست هذه المرة على «قنوات التضليل»، كما يسميها التلفزيون السوري وقناة الدنيا، إنها على كل الشاشات ومواقع «الإنترنت»، ولا يفيد الإنكار سوى في تعميق فهم أكثر سوءاً وبشاعة عن الانتقام وأسبابه.. وتلك جريمة لا تضاهيها جريمة..

=================

أصدقاء "سوريا ديمقراطية"

تاريخ النشر: الجمعة 10 فبراير 2012

عبدالله عبيد حسن

الاتحاد

للمرة الثانية خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، فشل مجلس الأمن في إصدار قرار حاسم بشأن الأزمة السورية المتصاعدة، وكان ذلك بسبب الموقف الروسي الصيني. وحسب رأي المندوب الروسي فإن مشروع القرار الأخير كتب بلغة غير متوازنة، بل تعبر عن تحامل واضح ضد الحكومة السورية وانحياز للطرف الآخر (المعارضة). وكان مشروع القرار المذكور يدعو الأسد إلى إيقاف قتل شعبه، وسحب قواته العسكرية من الشوارع وإعادتها إلى ثكناتها، والتنحي عن الرئاسة، وتعيين نائبه رئيساً خلال فترة انتقالية تشكل فيها حكومة وحدة وطنية تجري انتخابات ديمقراطية نزيهة وشفافة، وقبل ذلك إطلاق سراح المعتقلين السياسيين. إنه في جوهره مشروع وفاقي أشبه بالوساطة العربية التي قادتها السعودية بدعم عربي لحل الأزمة اليمنية، والتي أدت في نهاية الأمر إلى تنحي "صالح" من الرئاسة وتعيين نائبه رئيساً للجمهورية، وتشكيل حكومة مصالحة وطنية بمشاركة المعارضة.

لكن الموقف الروسي الصيني من الأزمة السورية له أسبابه الموضوعية، فروسيا تعتبر نظام الحكم السوري حليفها الأول في العالم العربي، والديون الروسية على سوريا تبلغ مئات الملايين من الدولارات، هذا إلى جانب المصالح الاستراتيجية الروسية. وقد أثار الموقف الروسي الصيني استياء واشنطن ودفع ممثلتها في مجلس الأمن إلى الحديث بلغة قوية غير معهودة، حيث قالت إن المجلس ظل لأشهر عديدة "رهينة" لدى عضوين من أعضائه، وكانا وراء المناقشات الفارغة وسبباً في تعطيل المجلس عن القيام بدوره. واتهمت المندوبة الأميركية "أحد العضوين" (روسيا) بأنه "ما زال يواصل إمداد الأسد بالسلاح الذي قتل به أكثر من خمسة آلاف من مواطنيه".

ولعل الجديد في الأمر هو ما أعلنته وزيرة الخارجية الأميركية من أن بلادها اقترحت تكوين تحالف دولي لدعم المعارضة السورية بعد أن قفلت روسيا والصين الطريق أمام محاولات الأمم المتحدة لإيقاف سفك دماء السوريين طوال أحد عشر شهراً. وقالت كلينتون: "نحن ندعو أصدقاء (سوريا ديمقراطية) لدعم الشعب السوري في سعيه لمستقبل أفضل لبلده". وفي تطوير لهذا الموقف، قال موظفو الخارجية الأميركية إن التحالف الدولي المقترح سيشكل مجموعة رسمية من دوله الأعضاء لتنسيق مساعدة المعارضة السورية شبيهة بمجموعة الاتصال مع المعارضة الليبية، لكن مجموعة أصدقاء "سوريا الديمقراطية" ستعمل على تضييق الخناق على نظام الأسد عبر تشديد العقوبات الدولية، وتوحيد مجموعات المعارضة في الداخل والخارج، وتقديم المساعدات الإنسانية للمناطق السورية المتأثرة بالحرب، ومراقبة بيع السلاح للنظام السوري.

والملاحظ أن الأميركيين يحاولون تفادي الحديث العلني عن التدخل العسكري في سوريا مستجيبين لنصائح أصدقائهم العرب بأن التدخل العسكري سيمنح الأسد فرصة ذهبية لإلهاب المشاعر الوطنية السورية، ولاستثمار الشك المترتب عند العرب جميعاً من عملية العراق البائسة.

لكن من الملاحظ أيضاً ارتفاع نغمة الحرب الأهلية في سوريا إذا استمر نظام الأسد في تصعيد ممارساته، فالحرب الأهلية ستهدد الاستقرار الهش في المنطقة وتهدد المصالح الدولية وتشجع إسرائيل على العدوان.

والمؤسف حقاً أنه في ظل نظام كهذا، يصبح التدخل الأجنبي أملاً بالنسبة لشعبه، فالحكم المستبد عندما يغلق أمام شعبه كل أبواب الحوار الوطني والوحدة والمشاركة، يدفع بعض شعبه للمطالبة بالتدخل الأجنبي لإيقاف النزيف وإنقاذ الأرواح!

=================

إغاثة الشعب السوري

الراية القطرية

التاريخ: 10 فبراير 2012

المهمّة الملحّة الآن للمجتمع الدولي الذي أخفق في منع استخدام العنف في سوريا بعد الفيتو الروسي - الصيني المزدوج تتمثّل في سرعة إغاثة الشعب السوري الذي يتعرّض للقتل على أيدي قوّات النظام السوري الذي نفّذ تهديداته بتصعيد العنف ضد المحتجّين بعد أن توفّر له غطاء سياسي لإنهاء الاحتجاجات الشعبية من خلال الخيار الأمني.

إن المسؤولية الإنسانية والأخلاقية تُرتّب على منظمات الإغاثة الإنسانية سرعة الاستجابة لمأساة الشعب السوري والسعي الفوري لتوفير المواد الطبيّة والمواد الغذائيّة لإنقاذ المواطنين السوريين في المدن المحاصرة ولإنقاذ مئات الجرحى والمصابين بسبب القصف الذي تقوم به قوات النظام السوري خاصة في مدينة حمص التي تتعرّض منذ عدّة أيام كما يُؤكّد ناشطون في المدينة إلى حرب حقيقية أدّت إلى وقوع مئات القتلى والجرحى في صفوف المدنيين.

الإخفاق الدولي في إدانة عنف النظام السوري تجاه المدنين لا يعني انتهاء مهمّة الأمم المتحدة في سوريا التي عليها أن تضغط كمنظمة دولية مسؤولة عن حفظ الأمن والسلم في العالم لإجبار النظام السوري على السماح لاستقبال المنظمات الدولية الإنسانية العاملة في مجال الإغاثة في المدن السورية التي تتعرّض للحصار والقصف لتقديم العون والمساعدات الطبيّة والمعيشيّة للمواطنين خاصة الذين أُصيبوا في القصف ومن تعرّضت منازلهم للدمار.

الشعب السوري الذي يُواجه وضعاً إنسانياً كارثياً بسبب استخدام النظام السوري للأسلحة الثقيلة التي تُطلق على الأحياء السكنية يحتاج من المجتمع الدولي إجراءات عملية على الأرض تُوفّر له الحماية فالتنديد بعنف النظام ضد المدنيين وحده لا يكفي في مواجهة الكارثة الحقيقية التي يُواجهها الشعب السوري من قبل النظام الذي قرّر إخماد الثورة السورية المطالبة بالحرية والتغيير مهما كان الثمن.

إن السعي لتوفير مناطق آمنة وعازلة وممرّات إنسانية وهي المهمّة الملحّة الأخرى التي تقع على عاتق المجتمع الدولي بات أحد الحلول الملحة لحماية المدنيين السوريين من بطش النظام الذي تسبّبت خياراته الأمنية في مواجهة الاحتجاجات الشعبية السلمية إلى عسكرة الثورة السورية خاصة بعد فشل إدانة النظام ومحاصرته اقتصادياً وسياسياً في إجباره على وقف العنف.

الوضع في سوريا ما زال مفتوحاً على جميع الاحتمالات والمأساة الإنسانية التي يتعرّض لها الشعب السوري تتفاقم يوماً بعد آخر الأمر الذي يستدعي من المجتمع الدولي المبادرة لحماية الشعب السوري وتجنيب المدنيين نتائج الصراع الدامي في سوريا.

=================

تصريحات مفاجئة لمسؤول تركي

رأي القدس

2012-02-09

القدس العربي

تركيا، وبحكم الجوار الجغرافي، والكثير من فصول التاريخ المشترك، تعتبر من اكثر البلدان الاسلامية غير العربية فهما، بل واحيانا تورطا، في الاحداث الجارية في سورية، ولذلك نجدها، خاصة في الوقت الراهن، محور معظم الاتصالات والتحركات المتعلقة بالازمة في هذا البلد.السياسة التركية تجاه الملف السوري تبدو ملتبسة، وهناك من يذهب الى ما هو ابعد من ذلك ويقول انها مرتبكة. فتارة تتعاظم الضغوط التركية الرسمية على النظام السوري لدرجة اتهام رئيسه بشار الاسد بالجبن لقتله شعبه بدلا من تحرير الجولان، مثلما ورد على لسان السيد رجب طيب اردوغان رئيس الوزراء، وتارة اخرى تتسم بالهدوء و'العقلانية' والحديث عن ضرورة ايجاد مخارج سياسية للازمة.

بالامس قال سفير تركيا لدى الاتحاد الاوروبي السيد سليم اينل ان الرئيس بشار الاسد ما زال يحظى بتأييد الطبقة الوسطى في سورية، وان المعارضة مشتتة الامر الذي يعرض البلاد لخطر السقوط في هاوية حرب اهلية تشعل الوضع في المنطقة. واضاف في مقابلة مع وكالة 'رويترز' ان بلاده تخشى ان تفشل العقوبات التي يفرضها الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة في حمل الرئيس الاسد على ترك السلطة مع تمتعه بدعم مطرد من قبل ايران وروسيا.

اهمية تصريحات السفير التركي هذه تأتي من حيث تزامنها مع زيارة الدكتور احمد داوود اوغلو وزير الخارجية التركي للولايات المتحدة الامريكية، وحديثه قبل المغادرة الى واشنطن عن رغبة بلاده في استضافة مؤتمر دولي يضم اصدقاء سورية لبحث الازمة الراهنة فيها.

القول بان الطبقة الوسطى في سورية تدعم الرئيس بشار الاسد خوفا مما يمكن ان يترتب على سقوط نظامه من المتوقع ان يثير العديد من علامات الاستفهام ليس في اوساط المعارضة السورية فقط، وانما في اوساط العديد من العواصم الغربية التي تريد من تركيا ان تكون رأس حربة في اي تدخل عسكري او غير عسكري في سورية.

المعارضة السورية قطعا لن تكون مرتاحة لاي حديث عن وجود تأييد للرئيس السوري حتى لو في وسط قطاع محدود من شعبه، خاصة في مثل هذا الوقت الذي تتوالى فيه انباء عن سقوط عشرات القتلى يوميا من اهالي مدينة حمص ومدن سورية اخرى برصاص الجنود السوريين، كما انها، او المتحدثين باسمها يحرصون دائما على التقليل من شأن اي تحذيرات باحتمال نشوب حرب اهلية، او وجود انقسامات في صفوفها.

السفير التركي في الاتحاد الاوروبي الذي يحظى بمكانة متقدمة في السلك الدبلوماسي التركي شدد على ان بلاده لن تقدم اي مساعدات عسكرية للمجلس الوطني السوري الذي يمثل المعارضة او القطاع الأعرض فيها، وهو المجلس الذي تأسس في اسطنبول برعاية حكومة السيد اردوغان، ولعل ذلك عائد الى خوف تركيا من عسكرة الانتفاضة السورية، وتوسيع نطاق الاشتباكات بين الجيش السوري الحر والقوات النظامية مما قد يؤدي الى امتداد هذه الاشتباكات الى الاراضي التركية نفسها، او اقدام النظام السوري المدعوم روسيا على الانتقام بدعم الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني المعادي لانقرة وسياساتها تجاه الاكراد.

ولا يستبعد البعض ان تكون تصريحات السفير التركي مجرد قنبلة دخان لاخفاء استعدادات امريكية واوروبية متصاعدة لتدخل عسكري في الازمة السورية يكون لتركيا فيها دور كبير ان لم يكن اساسيا.

الازمة السورية تدخل مرحلة الحسم هذه الايام وهي مفتوحة على كل الاحتمالات.

=================

اللاعقلانية في السياسة الروسية

عبد الحكيم أجهر

2012-02-09

القدس العربي

عندما يصبح الخطاب اللفظي العاطفي هو محرك السياسة على حساب التفاصيل والحسابات الدقيقة للواقع، تدخل السياسة في حالة من الممارسة اللاعقلانية. لقد وصف المفكر السوري ياسين الحافظ يوماً في كتاب شهير له السياسات العربية باللاعقلانية لأنها اتسمت في أهم خصائصها بتغليب الخطاب اللفظي على الواقع، وقد بالغت السياسات العربية في ذلك حتى أن قرارات الحروب كانت تتخذ على أساس هذا الخطاب أكثر من الحسابات وموازين القوى.

الخطاب اللفظي بطبيعته انفعالي يعطل حسابات العقل، وهذا ما وقف على الأرجح وراء قرار الفيتو الروسي على المبادرة العربية. وفي المقابل فإنه من الصحيح أن التحليلات التي تناولت هذا القرار قد لا مست الكثير من المخاوف والتحفظات الروسية على سياسات الغرب، مثل الخديعة في قرار تدخل النيتو في ليبيا، وصعود التيار الإسلامي في الربيع العربي، واحتمال انهيار الحلف المتبقي لروسيا في الشرق الاوسط، إيران وسورية...، ولكن هذه العوامل رغم صحتها هي أكبر بكثير من رد الفعل المتمثل في الفيتو.

كان القرار المطروح على مجلس الأمن فرصة ذهبية لروسيا لتثبت مشاركتها الحقيقية في صناعة العالم العربي الجديد بما يفوق الاندفاعات الانفعالية وحسابات المصالح الصغيرة التي اعتقدت بها موسكو. كان نص القرار يضمن استمرار تصدير السلاح الروسي لسورية، كما ينقذ ماء وجه روسيا أمام حلفائها بأنها منعت عنهم أية عقوبات دولية ومنعت التدخل العسكري كما نص القرار أيضاً. والأهم من كل ذلك أن هذا القرار سيضمن تخفيف احتقان الشعب السوري ضد روسيا ويجعلها حليفاً لها في المستقبل، لأن سورية لا تستطيع التخلي عن السلاح الروسي في ظل امتناع الغرب عن تزويدها به. وقبول روسيا بالقرار كان سيشجع على بناء وتنامي علاقات جيدة بينها وبين العالم العربي. ويمكننا هنا أن نضيف أن الزعم الروسي بأن الغرب يستأثر بكل شيء ويستبعد روسيا من قطع الكيك التي يحصل عليها لن يكون صحيحاً في سورية، لأن مشروع القرار كان يتحدث عن حكومة انتقالية بزعامة فاروق الشرع الذي ينتمي إلى مدرسة الأسد، الأب والابن، فهو شخص مضمون على هذا المستوى بالنسبة لروسيا، والحكومة الانتقالية المطروحة حكومة من المفترض أن تحقق عملية الانتقال السلمي للسلطة تدريجياً، وهو أمر يسمح لروسيا بتسجيل حضورها الدائم داخل هذا الانتقال البطيء ويجعلها شريكة فيه، خاصة وأن المؤسسات الأساسية في سورية كمؤسسة الجيش ستبقى على حالها وهي تحمل التربية والتدريب والسلاح الروسي. كل هذه العوامل يفتح الباب لروسيا لتكون شريكاً فاعلاً في الانتقال السلمي للسلطة في سورية الذي لا يشبه ما حصل في العراق وليبيا اللذان انهارت فيهما السلطة المركزية بشكل حاد، و لم يسمح لروسيا في المشاركة بترتيبات مابعد السقوط.

اللاعقلانية في السياسية الروسية، تجلت في المراهنة على بشار الأسد الذي وضعت كل بيضها في سلته في الوقت الذي يهتز حكمه بقوة، وتجلت في خسارتها العرب كشركاء محتملين، كما ضحت بسمعتها الأخلاقية عالمياً كداعمة لأنظمة قمعية وحشية مرفوضة شعبياً، وكل الذرائع التي طُرحت لتبرير الفيتو الروسي لم تكن مقنعة، مثل عدم توازن القرار في إدانة متساوية لاستخدام العنف من قبل السلطة السورية والجماعات المسلحة، وعن ضرورة إجراء حوار بين الطرفين دون شروط مسبقة. هذا الاضطراب في السياسة الروسية الذي لا ينطلق من استراتيجية واضحة سوى المنافع المباشرة، هو الذي جعلها في الماضي توافق على معظم المواقف الغربية طمعاً في إعطاء الغرب لها حصتها من موافقاتها تلك.

لن أتحدث هنا عن الفيتو الصيني، لأنه كان يتلطى خلف الروسي من أجل ممارسة ابتزاز مجاني فقط. أما الفيتو الروسي فلم يكن موقفاً عقلانياً في حسابات الربح والخسارة، بل كان ردة فعل كبيرة على شيء صغير، وكانت خسائره أكثر من أرباحه. ولعل روسيا كانت تشعر بلا عقلانية قرارها هذا، لذلك صرحت عقب القرار أن الغرب لم يسمح بمشاورات أطول، وإلا كان من الممكن الحصول على توافق. وربما تعمد الغرب الاستعجال في التصويت على القرار وأوقع روسيا في فخ الفيتو، لأن هذا سيبرر للولايات المتحدة في المستقبل استخدامه لصالح اسرائيل، ولأن نص القرار تضمن تنازلات كبيرة فرغته من محتواه، وفتحت هذه التنازلات الباب واسعاً لممارسة كل المناورات الممكنة من النظام السوري. وبالتالي كانت النتيجة، فيتو روسي محرج لها، مقابل شعور الغرب بحرية أكبر بالتصرف وبتشكيل التحالفات التي تملي ما يريده هو دون الخضوع لقرارات غير فاعلة من مجلس الأمن. فروسيا والغرب يعرفان أن المواقف التي تصل لحد المواجهة المباشرة بينهما تخسر فيها روسيا وتنسحب من المعركة، تصمت وتعض على جرحها بغيظ وصمت. هذا ماحصل في الحرب الأهلية بيوغوسلافيا وما حصل في غزو العراق، وما سيحصل في حال تم ضرب إيران.

لقد انطلق الموقف الروسي من حالة لفظية تتحدث عن الشعور القومي الروسي وضرورة الوقوف في وجه الغرب الذي يجتاح العالم منطقة بعد أخرى، وفي تحريض إعلامي للشعب الروسي على استعادة حلم الدولة الكبرى التي تشارك في تقرير شؤون العالم شأنها شأن الغرب من أجل أن يظهر بوتين كبطل قومي في الانتخابات القادمة غير مضمونة النتائج بالنسبة له. ولكن هذا الخطاب العاطفي هو مجرد كلام، فروسيا لم تعد مثلما كانت أيام الحرب الباردة والتي خسرتها على أية حال، أيام الحلف السوفيتي الكبير وسباق التسلح والمراهنة على انقلابات العسكر في العالم الثالث تحت مايسمى أنظمة تقدمية تتقرب من الاتحاد السوفيتي القديم. لقد انتهى هذا الزمن، وروسيا اليوم لا يمكن لها على المدى المنظور على الأقل أن تتحول إلى ند حقيقي للغرب في اقتسام العالم، في الوقت الذي شهد تاريخها الحديث هزائم متتالية أمامه منذ بدايات القرن العشرين وحتى اليوم. ويضاف إلى ذلك ضعف آلتها الإعلامية التي لا يمكن لها أن تروج لمواقفها أمام الآلة الإعلامية الغربية التي لن تتوقف عن التشهير بالموقف الروسي الداعم لأنظمة القتل والقمع، بل سيصّعد الإعلام الغربي من حملته ضد بوتين في تأجيج الاحتجاجات ضده، وربما ستساهم الحملات الإعلامية الغربية في تنشيط التمرد الإسلامي داخل الجمهوريات الحليفة لروسيا.

لقد وجدت روسيا في الأزمة السورية فرصة لتطبيق هذا الخطاب اللفظي في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة متراخية أصلاً في هذا القرار، وربما اعتقدت روسيا أنها ستنفرد بسورية كبلد تستأثر به وحدها ولن تشارك الغرب فيه، ولكن القرارات التي تتخذ على أساس لا عقلاني سرعان ما تضع أصحابها أمام مآزق صعبة. روسيا اليوم بعد الفيتو تقف أمام معضلة، فهي إما أن تثبت للعالم أنها ستجد حلاً سياسياً لسورية وأنها قادرة على إيجاد حلول للمشكلات العالمية كما تفعل الدول الكبرى مما يعطيها مصداقية في قراراتها، وهذا أمر صعب لأن الحلول المطروحة في سورية حرجة جداً قد تؤدي إلى إسقاط النظام، الأمر الذي يفسر تبواطؤ النظام نفسه في إجراء إصلاحات، أو أن تعطي روسيا رخصة مفتوحة للنظام السوري بالقتل من أجل استعادة السيطرة على المجتمع السوري، وهذا لن يحرج روسيا في العالم فقط بل سيساهم في التصعيد الغربي المقابل الذي لا قبل لروسيا بمواجهته، كما بدأت تلوح في الأفق فكرة إنشاء مجموعة اتصال غربية لأصدقاء الشعب السوري.

طبعا من المؤسف أن تكون الثورة السورية ضحية للتجاذبات وللاعقلانية القرارات الدولية، والنظام السوري هو الذي وضع البلد كلها على هذا الطريق بتعنته وقمعه الوحشي واستخدام الجيش في المدن وخواء خطاب الإصلاح. الثورة السورية مستمرة وثمن حرية الشعب السوري سيكون مرتفعاً ولكنه سيحصل عليها في النهاية. أما روسيا فقد تستفيق في لحظة على شعورها بالفشل في تقرير السياسات الدولية وتستنجد بالغرب لإيجاد حلول توافقية وتتراجع عن قراراتها التي اتخذتها اليوم، أو أنها ستقلص من طموحاتها وتُمعن في لا عقلانيتها السياسية و تكتفي بتشجيع النظام السوري على تقسيم سورية ليكون لحلفائها في النظام دولتهم على الساحل السوري الذي يضمن قاعدتها البحرية في البحر المتوسط مثلاً، الأمر الذي يفتح باب حرب أهلية طاحنة لا تستطيع روسيا متابعة نتائجها حتى النهاية، كما لاتستطيع روسيا أن تترك النظام السوري يمارس مجازره على هواه ويشبع عطشه للدم، لأن هذا يعني تدخلاً غربياً ستفشل روسيا في مواجهته أيضاً.

=================

بوتين يسعى إلى استعادة النفوذ السوفياتي

الجمعة, 10 فبراير 2012

راغدة درغام - نيويورك

الحياة

ازدحام المبادرات لمعالجة الوضع في سورية لا يعني ازدياد حظوظ ردع الحرب الأهلية وإنما يعكس عمق الفجوات بين معسكري الغرب والشرق وانحسار القيادة العربية في مصير هذا البلد المهم. أول ضحايا عودة الحرب الباردة بين روسيا والولايات المتحدة هو الشعب السوري بالدرجة الأولى. المنطقة العربية ليست غالية على قلب رئيس الوزراء العائد إلى رئاسة روسيا، فلاديمير بوتين، وهو لا يعتبرها سوى ساحة للمقايضة مع الولايات المتحدة وأوروبا. إيران شيء آخر في الحسابات الروسية - البوتينية، ومن هنا يمكن البدء بتفسير استعداد موسكو للانقلاب على جامعة الدول العربية واستعداء دول مجلس التعاون الخليجي الست. إيران ثمينة في حسابات الحلف الروسي - الصيني الاستراتيجي بالذات في مواجهته لحلف شمال الأطلسي، عقائدياً، وجيوسياسياً، وفي لغة المصالح النفطية، وفي إطار النظام العالمي، القديم منه والجديد. فإذا كانت عقيدة الرئيس الأميركي باراك أوباما قامت على مبدأ الاستيعاب عبر الترغيب والإقناع، فعقيدة فلاديمير بوتين هي إعادة خلط الأوراق إحياء للجبروت السوفياتي في منطقة الشرق الأوسط، المحطة الأخيرة لممارسة الكبرياء الروسية. إنها الجولة الأولى في مبارزة تريدها موسكو بوتين مع واشنطن أوباما ومع أوروبا الصاعدة في بناء النظام الدولي الجديد. فروسيا والصين ليستا على استعداد للقبول باهتزاز ركن النظام الدولي القديم القائم على صيانة سيادة الأنظمة الحاكمة وليس سيادة الشعوب. ولذلك، إن الجولة الأولى تقع في المنطقة العربية حيث ساد شعار «الشعب يريد» لإسقاط سيادة الأنظمة.

النظام الدولي المتفق عليه لعقود قام على أساس عدم المساس بالسيادة. في الأساس، كان المبدأ أن لا مساس بسيادة الدول. إنما، عملياً، بات التقليد عدم المساس بسيادة الأنظمة الحاكمة حتى عندما كانت تلك الأنظمة ترتهن الدول وتصادر سيادتها من أجل بقاء الأنظمة في السلطة.

اختل هذا النظام الدولي بصورة جدية عبر الثورات العربية التي اندلعت السنة الماضية وأسفرت عن سقوط الأنظمة في تونس ومصر وليبيا واليمن تحت شعار «الشعب يريد إسقاط النظام». هذا الشعار يرفعه اليوم الشعب السوري، لكن روسيا ومعها الصين، قررت أن في دمشق، يجب أن تتوقف مسيرة «الشعب يريد». والأسباب عدة.

بعض الأسباب يعود إلى خوف موسكو وبكين من وصول مبدأ وشعار «الشعب يريد» إلى عقر داريهما. فاليوم يُرفع نوع من هذا الشعار في روسيا، وبالأمس رُفِع هذا الشعار في الصين قبل إخماده. فما يشجع الشعوب على تحدي السلطة الحاكمة يخيف الشيوعية الحاكمة في الصين - باسم الشعوب - ويخيف الشيوعية الراحلة في روسيا والتي ما زال الحنين إليها في أعماق حكامها اليوم ومعظمهم من العهد السوفياتي.

سبب آخر يتعلق بالاعتبارات الداخلية هو صعود الإسلاميين إلى السلطة في المنطقة العربية خلفاً للثورات. فلدى روسيا والصين أيضاً شكوك في غايات إدارة أوباما والحكومات الأوروبية وراء إقبالها على احتضان «الإخوان» الإسلاميين بحجة أنهم باتوا يمثلون الاعتدال، مقارنة بالسلفيين. حصيلة الأمر أن هناك غرابة في تحالف ما بين الإسلاميين والغرب في صوغ النظام «الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط». إن مجرد إعادة رسم النظام الإقليمي الجديد باستبعاد روسيا والصين وبشراكة بين الغرب والإسلاميين، أثار حفيظة روسيا وغضبها. ثم إن صعود الإسلاميين في الشرق الأوسط قد يمتد إلى جنوب شرقي آسيا، وعندئذ ليس مستبعداً صعودهم إلى السلطة في الجمهوريات الإسلامية في الحديقة الخلفية لروسيا، وبالتالي تطويقها. ومن ثم، ليس مستبعداً أن يؤدي ذلك إلى انتفاضة إسلامية داخل الصين وداخل روسيا حيث أعداد المسلمين لا يُستهان بها.

روسيا، منذ البداية، نظرت إلى سورية من منظار استقواء «الإخوان المسلمين» والسلفيين والتطرف الإسلامي هناك. ديبلوماسيتها أوضحت هذا القلق داخل وخارج مجلس الأمن، لكنها قوبلت من سفراء الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا بالقول: «ماذا لديكم من إثبات؟». وهذا من أبرز أسباب الاختلاف بين المواقف الروسية - الصينية والمواقف الغربية. فالغرب أراد التظاهر بأن المسألة السورية خالية من عنصر الإسلاميين كما تراه روسيا، بينما الشرق ازداد غضباً من استهتار الغرب بقلقه من الإسلاميين.

بالطبع، هناك خلفية العقدة الليبية. روسيا والصين شعرتا أنهما ضحية خدعة حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي فسَّر قرار مجلس الأمن بأنه يمده بصلاحية العمليات العسكرية. بعد ذلك قررت موسكو وبكين بأنهما لن يُستهان بهما، ولن يُهانا بعد ذلك.

حس الكبرياء هذا تزامن مع مخاوف روسيا والصين من هيمنة غربية بقيادة أميركية وربما بشراكة عربية. الحرب الباردة عادت إلى الأجواء بداية في مسألة ليبيا، ثم استعرت في المسألة السورية. فلاديمير بوتين أحيا زمن التسعينات بذهنية متخندقة ومتخشبة وبخطاب سياسي ستاليني. قرر أن مصلحته تتطلب منه التصدي للولايات المتحدة كي يقول للشعب السوري: أنا عنوان الكبرياء. ثم إن المرحلة الانتخابية في الولايات المتحدة وفّرت لبوتين فرصة تحدي أوباما وهو على يقين أن الرئيس الأميركي لا يريد أن يحارب. هي ذي الورقة الأهم في يد بوتين أن أوباما لن يحارب في سورية ولن يحارب في إيران وهو ليس في وارد التصعيد مع روسيا أو مع الصين. إنه الناشط السياسي المسالم.

وجد بوتين في الملف السوري نافذة للتحدي ولإعادة إثبات الوجود في الشرق الأوسط. وجد أن الاستجابة للضغوط الغربية مكلف لروسيا، ذلك أنه ليس ممكناً لموسكو أن تفقد هيبتها وصورتها لدى إيران وسورية وهما الدولتان اللتان تقاومان النفوذ الأميركي وتشكلان ورقتين مهمتين في مكانة روسيا في الشرق الأوسط. وعليه، قرر أنه لن يرضى بشراكة في إدارة الملف السوري في إطار عملية سياسية انتقالية تكون حصة موسكو فيها نسبية. قرر أنه يريد أن يمتلك أية عملية سياسية في سورية، وأن يقوم هو بإملاء المعايير والشروط. أخذ بوتين هذا القرار إلى منعطف جديد حين قرر أن ملكية مصير سورية ملكية روسية وليست عربية أو أميركية أو أوروبية. ولذلك صفع جامعة الدول العربية ودول مجلس التعاون الخليجي بفيتو على مشروع قرار في مجلس الأمن كان قوامه إعطاء جامعة الدول العربية وقطر مفاتيح العملية السياسية الانتقالية في سورية. وجاءت الصفعة على الخدين عندما ضمن معه الفيتو الصيني. بذلك بعث رسالة صارمة ومهمة فحواها أن الصين ترى أن مصلحتها الاستراتيجية هي مع روسيا وليس مع الغرب أو مع العرب.

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وهو بدوره سوفياتي سابق متجدد، توجه إلى دمشق صديقاً للنظام وفي ذهنه قيادة العملية السياسية الانتقالية في سورية. الفيتو الروسي - الصيني المزدوج أعطى زخماً للحل الأمني الذي أعلنته الحكومة السورية على لسان وزير خارجيتها وليد المعلم. واقعياً، بعث الفيتو المزدوج رسالة حازمة إلى المعارضة السورية بشقيها المدني والعسكري: لا مجال للمعارضة للانتصار عسكرياً، ولا وسيلة أمامها لإزالة النظام عسكرياً، ولا حل أمامها سوى حل وسط تقوده روسيا عنوانه الرئيس أن النظام باقٍ.

مبادرة لافروف هدفت وراء إقناع المعارضة ومن يدعمها - أو يملي عليها - بأن لا مجال لتغيير النظام، ولا خيار أمامها سوى وساطة روسية عبر القضاء على الخيارات الميدانية. وفي الساحة الدولية، قررت الاستراتيجية الروسية أن تملي على كل من يعنيه الأمر أن الحل الوسط الوحيد هو في عملية تقودها روسيا.

لم تأبه موسكو بالتهم بأنها باستخدامها الفيتو وبمبادرتها العنيفة استعجلت الحرب الأهلية في سورية. قلقت قليلاً من عنف صفعتها للعرب وبالذات لرئيس وزراء قطر حمد بن جاسم رئيس اللجنة الوزارية العربية المعنية بالشأن السوري. لذلك حرص سفيرها لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين على عقد مؤتمر صحافي لنفي ما تردد بأنه هدد بن جاسم «بمحو قطر من الخريطة». إلا أن ذلك لم يمحُ ما تركته الديبلوماسية الروسية من انطباع واضح بأنها لا تأخذ الديبلوماسية القطرية على محمل الجد، لا سيما في أجواء استعادة الحرب الباردة بين الدول الكبرى، وأن المسألة السورية ليست منفصلة في ذهن روسيا وإنما هي إيرانية بامتياز.

المواجهة الروسية مع دول مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية والدول الغربية ليست خالية من المغامرة. كذلك الصين، التي حجبت العُزلة عن روسيا في مجلس الأمن، تغامر. فالمسألة السورية لدى دول مجلس التعاون هي أيضاً إيرانية بامتياز. وبالتالي، إن انحياز روسيا والصين بهذا القدر من الوضوح والعلنية أعاد دول مجلس التعاون إلى الطاولة الاستراتيجية لتقرر ماذا أمامها من تحديات ومن خيارات. فهذه الدول اليوم ليست دول الأمس التي ارتمت على هامش أو في أحضان أحد القطبين أيام الحرب الباردة حين كانت روسيا اتحاداً سوفياتياً يُؤخَذ به في الحساب. فروسيا اليوم تحاول استرداد بعض بقايا العظمة من خلال حرب باردة تشنها في منطقة الشرق الأوسط.

ثم هناك تركيا التي طرحت مبادرتها بدورها على أساس عقد مؤتمر دولي لا يترك لروسيا وحدها - والصين وراءها - صلاحية الإملاء على المنطقة. وليس واضحاً إن كانت تركيا ستضع يدها في يد دول حلف شمال الأطلسي لدعم عسكري غير كاف لمعارضة قد تعسكرت. وهنا تزداد خطورة الأوضاع في سورية، لا سيما إذا استمرت خلافات المعارضة السورية وتبين أن عسكرة المعارضة هي لمصلحة مجموعات تريد السلطة وليس الإصلاح. ولذلك، إن إيضاح هوية المعارضة السورية بات أمراً ملحاً.

المعركة على النظام الإقليمي الجديد والنظام الدولي الجديد جديدة من نوعها نظراً للمكان والزمان إلا أن المسألة الفلسطينية ستعود إلى المعركة إذ بدأت روسيا في محاولة التعويض عن سقوط هيبتها ومكانتها لدى الشعوب العربية، بالمزايدة في شأن القضية الفلسطينية. بدأت بالقول إن حل الدولتين بات مستحيلاً وإن دول مجلس التعاون في لهو بإيران وليس بفلسطين وقد تقرر تدمير «اللجنة الرباعية» إذا استعرت الحرب الباردة.

=================

... أن ينصر الفلسطينيون الثورة السورية

الجمعة, 10 فبراير 2012

معن البياري *

الحياة

أحسنت دولة فلسطين في جامعة الدول العربية، حين عزفت عن ترؤّس اللجنة الوزارية العربية المكلفة بالملف السوري الراهن، وكان ذلك حقّها بموجب الترتيب الأبجدي، فآل إلى قطر. وكان جيّداً أنّها نأت بنفسها (والتعبير لبنانيٌّ مستجد) عن أن تكون عضواً في اللجنة. وبديهيٌّ أنّ أكلاف هذا الأمر لو استحسنته دولة فلسطين كانت ستصير كبيرةً، ليس فقط على قيادة منظمة التحرير، بل ربما، أيضاً، على الفلسطينيين أنفسهم، المقيمين في سوريّة خصوصاً، والذين يخبرنا مقيمون بينهم أنّ مزاجهم العام منحازٌ إلى الثورة السورية، وإن لم يعانوا من النظام تمييزاً فادحاً وعنصريةً كالتي يرفل فيها نظراؤهم في الجوار اللبناني، غير أنّ مشاعرهم ومداركهم لا يمكن أن تكون على غير التعاطف مع إخوتهم السوريين، في مغالبة نظامٍ متعسفٍ طال تجبّره كثيراً. وفي البال أنّ آلافاً من الفلسطينيين في سورية خبروا معتقلات هذا النظام والتعذيب الشنيع في سجونه، لاتهامهم بالعرفاتيّة أو غيرها، وثمّة من تمّ تنكيلٌ بهم، فيما كانوا ينتسبون إلى فصائل في اليسار الفلسطينيّ ينعم قادتها بطيب الإقامة (وليس كرمها بالضرورة) في دمشق. ولأنّه مستحيلٌ أن يقع المرء على مسحٍ للرأي العام لدى اللاجئين الفلسطينيين في غير مخيمٍ ومدينةٍ وبلدةٍ سوريّةٍ، فإنّه، لا يعدم، في الوقت نفسه، إمكانيةً لتلمسّ تلك المشاعر، المكتومة غالباً، باشتهاء النّصرة للسوريين الثائرين. وإذ جاءت أخبارٌ، قبل أيام، على تظاهرةٍ في مخيم اليرموك تطالب بإسقاط النظام، فإنّها تؤكّد مضمون بيانٍ أصدرته، بالتزامن، «اللجنة الوطنية للمخيمات الفلسطينية»، موجّهٍ إلى نشطاء الثورة السورية، وأكّد نصرتها، وتبرّأ من الفلسطينيين المتعاملين مع النظام ويعتنقون الدفاع عنه، ومن «بقايا التنظيمات اليسارية التي لا وزن لها في مخيماتنا». وفي البال أنّ ضاحية الرمل في مخيّم اللاذقية للاجئين الفلسطينيين ضير مع ناسه من قصفٍ للجيش السوري عليه، إبّان استهداف مناطق محيطةٍ به. ولم يتوجه ذلك الاعتداء إلى أولئك الفلسطينيين لحيثيّتهم هذه، بل لأنّ أقدارهم وضعتهم في ذلك المطرح، على غير شأن اللاجئين في مخيم تل الزعتر في لبنان، والذين قتل آلافٌ منهم مع تدمير المخيم، وتهجير الباقين فيه، على أيدي ميليشياتٍ يمينيةٍ مسيحية، بدعمٍ وعونٍ مكشوفين من قواتٍ سوريةٍ هناك، في 1976.

ودلّ اعتقال الأجهزة السورية نجل الشهيد فتحي الشقاقي، أول أمين عام لحركة الجهاد الإسلامي، قبل أسابيع، وتردّد أنّه كان ناشطاً في التظاهرات، على انخراطٍ فلسطينيٍّ، غير محدّد المساحة، فيها، وشاع أن ثمة فلسطينيين بين قتلى النظام اليوميين. والبادي أنّ الفصائل الفلسطينية لا تشجّع على المشاركة في هذه التظاهرات، ولم تعلن مواقف مؤازرةً للثورة، وإن تختلف مواقفها بشأن سلوك النظام والحالة السورية الراهنة، فلم يدل بأيّ تصريحاتٍ في هذا الخصوص أيٌّ من قادة الجبهتين الديموقراطية والشعبية، وإن نسب إلى كوادر في الأخيرة كلامٌ يناصر بشار الأسد، بزعم المقاومة والممانعة التي يقال إنّ نظامه «يتحلى» بهما. أمّا عن الشعبية – القيادة العامة فليس مفاجئاً أنّ قياديين فيها ضيوفٌ دائمون على شاشة التلفزيون السوري، للحديث عن «انكشاف» المؤامرة الكبرى على سوريّة، ومعلومٌ أنّ الاستخبارات السورية التي يلتحق بها هذا التنظيم منذ عقودٍ استخدمته في ترتيب إحياء ذكرى احتلال فلسطين، في حزيران الماضي، بالمسيرة إيّاها إلى الحدود مع الجولان، ولبّى الدعوة إليها شبانٌ فلسطينيون متحمسون بعفويةٍ صادقة، ثم قضى منهم عشرون برصاص عدوانٍ إسرائيليٍّ، لم ترد عليه سلطة المقاومة والممانعة بشيء، فيما رصاصها مشغولٌ في استهداف المتظاهرين، تماماً كما انعدم الردّ على الاعتداء على منشأة دير الزور، وعلى تحليق المقاتلات الإسرائيلية فوق منزلٍ للرئيس.

استطراداً بشأن الفصائل، ثمّة الأوضاع الصعبة التي تغالبها حركة حماس في دمشق، بعد أن امتنعت عن التجاوب مع ضغوطٍ هائلةٍ من النظام للإندراج في خطاب المؤامرة والعصابات المسلحة، بل صدرت إشاراتٌ من قادة الحركة تؤكّد نفورها من خيار السلطة الأمنيّ المجنون ضد المتظاهرين، وأفيد بأنّها بعثت، حتى أسابيع، نصائح إلى القيادة السورية لتنعطف على خياراتٍ أخرى، ثمّ سوّغ ما تلقته من صدودٍ مغادرة قادة حماس دمشق، ونيّة رئيسهم، خالد مشعل، أن يفعلها ويغادر. ويذكّر هذا الحال العويص الذي تجد الحركة الإسلامية الفلسطينية نفسها فيه بما أبلغه عبدالحليم خدّام لزعاماتٍ فلسطينيةٍ مستضافةٍ في سورية، إبّان كان نائب حافظ الأسد، أنّ دمشق ليست فندقاً، ما يعني، بداهةً، أنّ ثمّة فواتير مستحقة الدفع ممن تؤويهم دمشق، وتتيح لهم إسناداً سياسياً وإعلامياً، منها الانتصار لخياراتها حين يكون ذلك لازماً. والبادي أنّ «حماس» ليست في وارد هذا الأمر في غضون محنة الشعب السوري الماثلة قدّامها.

انتقالاً إلى الفلسطينيين في وطنهم المحتل، صار معلوماً أنّ مزاجهم بات واسعاً مع سقوط النظام السوري بعد الشهرين الأوّلين للثورة، جرّاء حدّة عمليات القتل والتنكيل، اليومية التي يرتكبها النظام، وبفعل صمود السوريين الباهر في تظاهراتهم للخلاص منه. ولا يتّصل توافق الفلسطينيين هذا بتأثيرات الفصائل وحساباتها، بل، على الأغلب، بالوعي، العفويّ غالباً، المقيم في مداركهم، بوجوب الانحياز، المتخفّف من أيّ كلامٍ سياسيٍّ من أيّ نوعٍ، إلى أيّ شعبٍ في أيّ مطرحٍ يتوسّل كرامته. يضاف إلى ذلك، ما تحدثه فضائية «الجزيرة»، ذات المكانة المقدّرة في الداخل الفلسطيني، من تأثيرٍ في اتجاه إسناد السوريين، والذين تزيد أعداد القتلى منهم على أعداد قتلى العسف الإسرائيلي اليوميين. ولا يكون التأشير إلى مزاج الفلسطينيين هذا من دون تنويهٍ باقتران هذه القناعة مع مخاوف لديهم على سورية بعد بشار الأسد، من قبيل احتمالات تورطّها في فوضى، أو حربٍ أهليةٍ، أو تقسيمٍ أو ارتهانها إلى خياراتٍ أميركية، وما إلى ذلك من كلامٍ يشيع، ويجد في الفضاء الشعبيّ الفلسطينيّ مناخاً لاستقباله باهتمام. وتتراكم مواقف الفلسطينيين هذه، المواطنون منهم والفصائل، وفي أرشيفهم فصولٌ داميةٌ في مسار علاقتهم بالنظام السوري، منذ امتنع وزير الدفاع حافظ الأسد عن تلبية أمر رؤسائه تأمين غطاءٍ جويٍّ لألويةٍ سوريةٍ قصدت نصرة الفدائيين الفلسطينيين في الأردن في 1970، مروراً برعاية مذبحة تل الزعتر في 1976، وارتكاب مذبحتي مخيمي نهر البارد والبداوي في طرابلس لإخراج ياسر عرفات للمرّة الثانية بحراً، للمرة الثانية في عام بعد حصار إرييل شارون له في بيروت. ومعلومٌ أنّ هوساً سورياً بعثياً كان مديداً في السيطرة على حركة فتح التي تزّعمت الوطنيّة الفلسطينية، ومعلومٌ أنّ سورية حافظ الأسد تركت الفلسطينيين وحلفاءهم اللبنانيين وحدهم في فم الذئب الإسرائيلي في غزو 1982، ثم دبّرت الانشقاق إياه في «فتح»، ورعت حرب المخيمات المعلومة الأغراض. ولم تفلح دعاوى الممانعة ومناهضة اتفاق أوسلو، لاحقاً، في دفع الفلسطينيين إلى نسيان هذا الأرشيف المصبوغ بالدم والمرارات. ولأنّ الأمر كذلك، معطوفاً، قبله وبعده، على الانتصار للسوريين في ثورتهم المطالبة بالحريّة، لن يذرف الفلسطينيون دموعاً على سقوط النظام قريباً.

* كاتب فلسطيني

=================

فيتو روسيا والصين.. هل تستمر الثورة؟

باسم الجسر

الشرق الاوسط

10-2-2012

لماذا اتخذت روسيا والصين هذا الموقف السلبي المتشدد من المسألة السورية في مجلس الأمن؟ وماذا بعد أن اصطدم المشروع العربي - الغربي للحل برفض النظام السوري له وشل يد مجلس الأمن في معالجته؟

لقد ضاعف النظام السوري، أثناء مناقشات مجلس الأمن، وبعد الفيتو الذي عطل أي حل، قمعه العنفي للمتظاهرين المطالبين بإسقاطه. وبات عدد الضحايا يعد بالمئات يوميا، بعد أن كان بالعشرات. ولكن إلى متى يستطيع النظام الاستمرار في قمعه الدامي هذا؟ وإلى أي عدد من القتلى وأي كمية من الدمار سيصل، كي يعتبر أنه تغلب على ما يسميه ب«المؤامرة الدولية» ضده؟ وهل سيتراجع السوريون المنتفضون عليه بعد أن خذلتهم موسكو وبكين؟ وهل ستنفض الدول العربية والدول الكبرى والمجتمع الدولي يدها مما يحدث في سوريا، وهو خطير وفظيع، أيا كان الوصف الذي يطلق عليه أو الحكم على أسبابه؟

من الواضح بل والأكيد أن الانتفاضة الشعبية في سوريا المستمرة والمتصاعدة منذ أشهر، لن تتوقف. بل إنها سوف تزداد عنفا وشمولا، يوما بعد يوم. وإن مؤيديها وداعميها، عربيا ودوليا، لن يتخلوا عنها ويتركوا ساحة الشرق الأوسط حلبة تسرح وتمرح فيها موسكو وبكين وطهران. بل من المرجح أن تعود الحرب الباردة بين الشرق والغرب إلى هذه المنطقة من العالم، كما كانت عليه في القرن العشرين، بشكل أو بآخر. فموسكو بوتين ليست موسكو ستالين أو خروشوف. وبكين اليوم هي غير بكين الأمس، وكثيرون هم الذين يعتقدون أن وراء موقف العاصمتين الشيوعيتين سابقا، مجرد مصالح اقتصادية، ومناورة تكتيكية، قابلة للتفاوض عليها مع واشنطن والاتحاد الأوروبي.

ولكن المشكلة الحقيقية ليست فيما حدث في مجلس الأمن وتجميد الفيتو الروسي - الصيني لمشاريع الحلول التي طرحت أمامه، بل هي أيضا في المواقف العربية من المحنة السورية. فهناك ثلاث أو أربع دول أعلنت وقوفها مع الانتفاضة الشعبية الثورية، بينما هناك دول أخرى التزمت الحياد - أو ما سمي بالنأي - بين النظام والشعب الثائر. وهناك من يبدو عليها أنها تؤيد النظام، ولو سرا. ولا غرابة. فالأنظمة العربية الجديدة التي قامت بعد ما سمي بالربيع العربي، لم تقبض بعد على مقاليد الحكم ولم تتمكن من وضع وتنفيذ سياسة عربية وخارجية واضحة المعالم والأهداف. وفي هذا «الجو العربي» الغامض الملامح والمجهول الآفاق، يصعب الحديث عن ضغط عربي فعال على النظام السوري. وهذا ما يعرفه النظام السوري الحاكم جيدا ويستفيد منه.

ولكن هل ستستسلم الدول الكبرى والأنظمة العربية الإسلامية الجديدة لهذا «الانتصار الدبلوماسي» الذي سجله حلف موسكو – بيكين – طهران، عليها؟ كلا بالطبع.

وسلاح الضغوط الاقتصادية الدولية على دمشق ما زال فعالا ومرشحا للتصعيد. فهل يستطيع النظام السوري تحمل نتائجه فوق ما يتحمل من ضغط الجماهير الثائرة؟ وماذا تستطيع طهران وموسكو أن تعوضا دمشق به اقتصاديا، إذا اشتد طوق العقوبات الاقتصادية؟ إن إيران تعاني هي أيضا من العقوبات الاقتصادية الدولية، كما أن النظام الروسي معرض لمعارضة شعبية تهزه. ومدى أو حجم مساعدتهما للنظام السوري محدودان، بينما شرعية المعارضة السورية تمتد دوليا.

المشكلة ما زالت هي ذاتها منذ أن اندلعت الانتفاضة الشعبية على النظام الحاكم في سوريا. أي أن الشعب الأعزل الثائر لا يستطيع الانتصار عسكريا على النظام إلا بعد حرب أهلية وتدخل عسكري دولي. وهذا ما لا يريده السوريون والعرب والمسلمون ولا المجتمع الدولي. ولكن تطبيق النظام القائم، فعلا، للإصلاحات الدستورية، سيؤدي، حتما، إلى قيام حكم ديمقراطي منبثق عن انتخابات حرة، أي إلى قيام نظام حكم جديد. ولسنا نرى بين هذين الاحتمالين مخرجا ثالثا.

إن سوريا، والعرب عموما، دفعوا بالأمس ثمن الحرب الباردة بين الشرق والغرب. وهم يدفعون، اليوم، ثمن الصراع المتجدد بين موسكو وواشنطن، ولكن بعد أن أضيف إليه «ملح» المشروع الإيراني للهيمنة على الشرق الأوسط. ومن اللافت بل والمذهل، أنه في كل هذه العقود التي كان العرب خلالها يدفعون الثمن، كانت إسرائيل تستفيد من هذا الصراع، من الجانبين. تستورد بشرا من روسيا، ومالا وأسلحة من الغرب، وتنمو وتتوسع، بينما نحن نتقاتل وننقسم على بعضنا وتتفتت دولنا وتتباعد بدلا من أن تتقارب وتتوحد.

ما يجري في سوريا ليست مأساة أو محنة سوريا فحسب، بل إنها مأساة الأمة العربية بأسرها. بل إنها مأساة الإنسان العربي الحالم بأمجاد الماضي والمشيح بوجهه عن العالم والعصر الجديدين. وعسى يكذبنا «الصيف العربي» المقبل؟!

=================

لماذا صوتت بكين مع موسكو؟

مينشين باي

الشرق الاوسط

10-2-2012

يبدو القرار الصيني بالانضمام إلى روسيا في استخدام حق الفيتو ضد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن سوريا، قرارا غريبا، حيث لم يخرج الفيتو الصيني فقط عن مسار المحاولات الأخيرة للضغط على نظام الأسد لإنهاء حملته الدموية ضد الشعب السوري، ولكنه أضر أيضا بالعلاقات الصينية مع كل من الغرب وجامعة الدول العربية التي تبنت القرار.

وفي الواقع، كان السبب الرئيسي وراء القرار الصيني لا يمت بأية صلة للعلاقات الصينية السورية، ولكنه يرتبط ارتباطا وثيقا بالتعاون الدبلوماسي مع موسكو. ومنذ عودتها إلى الأمم المتحدة في عام 1971، كانت الصين تتجنب استخدام حق النقض في مجلس الأمن، وكانت تفضل في كثير من الأحيان الامتناع عن التصويت في القرارات التي لا تؤيدها، ولم تستخدم حق النقض سوي ثماني مرات فقط في قضايا عادة ما تكون ذات أهمية قصوى للمصالح الوطنية الصينية.

في شهر أغسطس (آب) عام 1972، على سبيل المثال، استخدمت الصين حق الفيتو لمنع انضمام بنغلاديش إلى عضوية الأمم المتحدة، كدعم لباكستان التي كانت بنغلاديش قد استقلت عنها في ذلك الوقت، وكانت باكستان حليفا قويا لبكين آنذاك. وفي شهر يناير (كانون الثاني) عام 2007، استخدمت الصين، جنبا إلى جنب مع روسيا، حق النقض ضد قرار لفرض عقوبات على بورما والتي كانت أيضا حليفة للصين. وفي يوليو (تموز) عام 2008، انضمت الصين إلى روسيا في الاعتراض على مشروع قرار يفرض عقوبات على نظام موغابي في زيمبابوي الذي كان حليفا هو الآخر لبكين.

ومع ذلك، يبدو استخدام الفيتو الصيني في الحالة السورية غريبا، لأن الصين لديها مصالح استراتيجية واقتصادية ضئيلة للغاية مع دمشق. وعلى الرغم من ذلك، استخدمت الصين حق النقض مرتين، من بين الثماني مرات، لمنع اتخاذ قرارات ضد سوريا، كان أولها في شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 2011، عندما انضمت الصين لروسيا في وقف قرار تدعمه أوروبا لفرض عقوبات على سوريا. وفي الواقع، ترى الواقعية الصينية أن نظام الأسد لا يستحق حق النقض، ولكن بما أن موسكو قد عارضت القرار، بدافع من مصالحها الاقتصادية والأمنية في سوريا، فقد رأت الصين على ما يبدو أنه من الأفضل لها ألا تعرض علاقاتها مع روسيا للخطر وتفقد الدعم الروسي عندما تكون بكين بحاجة إليه في المستقبل. وقد أصبح المحور الروسي الصيني المعارض في مجلس الأمن بمثابة «متغير حاسم» في عملية صنع القرار داخل المجلس، حيث يبدو أن البلدين قد توصلا إلى تفاهم استراتيجي يقومان بمقتضاه بتحدي الغرب معا، حتى لا يبدو أن أيا منهما يعارض القرار وحده وأنه في حالة عزلة عن الجميع، وسوف تقوم الصين بدعم روسيا في القضايا التي تحظى بأهمية كبيرة لموسكو (مثل سوريا)، في حين تقوم روسيا بالشيء نفسه في القضايا المهمة بالنسبة للصين (مثل زيمبابوي أو بورما).

ولكي ينجح الغرب في تمرير القرارات، يتعين عليه إقناع أي من البلدين بعدم استخدام حق النقض (تكون روسيا في الغالب)، وعادة ما يتم ذلك عن طريق تخفيف العقوبات المقترحة. وعادة ما تكون روسيا أكثر تشددا من الصين وتبذل كل ما في وسعها لإحباط المحاولات الأميركية والأوروبية داخل المجلس، وهذا هو السبب في أن الغرب يركز دائما في الانتصار على روسيا في القضايا المتعلقة بإيران.

وثمة عامل آخر يدفع الصين على ما يبدو لاستخدام حق الفيتو وهو عداء الحزب الشيوعي الصيني للتحولات الديمقراطية، فمنذ بداية الربيع العربي الذي أطاح بالديكتاتوريات الحاكمة في الشرق الأوسط منذ أمد طويل، لم تدخر الآلة الإعلامية للحزب أي جهد في تصوير الأحداث التي وقعت في المنطقة بصورة سلبية للغاية، خوفا من حدوث ثورة مماثلة في الصين، ولذا قام الحزب بتشديد الرقابة على المنشقين وزاد من اضطهاده لهم. وعلاوة على ذلك، سوف يشجع إسقاط نظام الأسد، ولا سيما إذا كان ذلك من خلال مجلس الأمن، المعارضة المطالبة بمزيد من الديمقراطية في كل من بكين وموسكو.

ويدرك الزعماء الصينيون بالطبع أن استخدامهم لحق النقض سوف يضر بعلاقتهم بالغرب، ولكنهم على ما يبدو مقتنعين بأنهم لن يحصلوا على الكثير إذا ما امتنعوا عن التصويت أو أيدوا القرار. وكتب يان شيتونغ، وهو متخصص في السياسة الخارجية الصينية وأستاذ بجامعة تسينغهوا، على مدونته، أن الصين التي تعاني من صورتها السيئة في الغرب بسبب سجلها المزري في مجال حقوق الإنسان، لم تكن لتحصل على أي مقابل أو ثناء إذا ما كانت قد تعاونت مع الغرب فيما يتعلق بالملف السوري.

قد يكون ذلك صحيحا، ولكن استخدام حق النقض سوف يؤثر بكل تأكيد على صورة الصين في الغرب والجهود الحثيثة التي تبذلها بكين لتحسين صورتها من خلال حملات العلاقات العامة وشبكات الأخبار باللغة الإنجليزية. وفي حال نجح «الربيع الروسي» في الإطاحة بفلاديمير بوتين، فقد تجد الصين نفسها هي القوة العظمى الاستبدادية الوحيدة في مجلس الأمن.

* أستاذ الشؤون الحكومية بجامعة «كليرمونت ماكينا كوليدج» بولاية كاليفورنيا

* خدمة «نيويورك تايمز»

=================

الثورة السورية على حدّ السيف

رضوان السيد

الشرق الاوسط

10-2-2012

ليست هذه هي المرة الأولى التي تنتصب فيها سوريا الحبيبة والمناضلة على حدّ السيف. فقد كانت دمشقُ كذلك عندما انطلقت لفتح الأندلس، وكانت كذلك عندما تصدّت لبيزنطة والصليبيين، وكانت كذلك في الأزمنة الحديثة عندما خاضت غمار الثورة من أجل الاستقلال والوحدة في عشرينات القرن العشرين، وكانت كذلك عندما جرى التصارُع عليها بين الخمسينات والستينات من القرن العشرين، فكتب عنها باتريك سيل كتابه الشهير: «الصراع على سوريا». وها هي اليوم تقف على مفترق طُرُق، فشعبُها يريد تغيير النظام، والأسد ونظامُهُ يقولان: إمّا نحن أو تزول سوريا!

لقد كان الأمن السوري ينتقص من «عروبة اللبنانيين» والعرب الآخرين بحجة أنهم لا يملكون طهورية البعث العظيم، فلمّا اجتمع العرب في السعي على إيقاف القتل في سوريا، إذا ببشار الأسد يصرخ بالخروج من العروبة. وهذا هو الشأن نفسه مع مسألة المقاومة والممانعة، وهما مصطلحان غامضان، ليس المقصود بهما تحرير الأرض أو حتّى الصمود في وجه إسرائيل والولايات المتحدة، والدليل على ذلك بقاء الأرض محتلة، وبقاء الحدود مع إسرائيل هادئة على مدى أكثر من أربعة عقود. إنّ المقصود من وراء ذلك كلّه النظر في أُطروحة الفرادة والطهورية التي يلبس النظام السوري لَبوسَها، والعمل عليها بطريقةٍ واقعيةٍ لكي نستطيع مُراقبة وفهم سلوك ذاك النظام في الزمن الحاضر، والذي ينطوي بل يُصرُّ على أنه لا عروبة ولا سوريا من دونه!

جاء وزير الخارجية الروسي (ومعه مدير المخابرات في بلده) إلى دمشق، بعد «الانتصار» الذي حقّقه لنفسه وللنظام في مجلس الأمن، ولديه ثلاث أطروحات: ضرورة إنهاء انتفاضة الشعب السوري على نظامه بالقوة، ومدير المخابرات كفيلٌ بالإرشاد إلى ذلك والتمكين منه كما حصل عام 1982، والأُطروحة الثانية: التنسيق مع إيران وحزب الله بطريقةٍ أفضل، والأُطروحة الثالثة: الإيهام بالمُضي في تحقيق «الإصلاح» والإيهام بالسير في المبادرة العربية من أجل ذلك. وهكذا فإنّ تلك الخيمة المركّبة التي يستظلُّ بها النظام، والتي تنتشر أعمدتُها في المنطقة والعالم، مرجُوٌّ لها أن تستمرّ كما قامت عبر خمسين عاما: عمود في لبنان، وعمود في فلسطين، وعمود في العراق، وعمود في إسرائيل، وعمود في إيران، وعمود في تركيا، وعمود في السعودية والخليج، وعمود في روسيا.

وقد استطاع الشعب السوري خلال عام 2011 وبالدم والدمع والنضال أن يقطع أكثر تلك الحبال والأعمدة وما بقي غير العمودَين الإيراني والروسي. بل إنّ أكثر الذين كانوا معه أو كانوا مسلِّمين به تحوَّلوا إلى خصومٍ له بسبب قتله لشعبه، وفي طليعة أولئك دول الخليج التي قطعت العلاقات به وسحبت سفراءها وطردت سُفَراءه، وأحسب أنَّ معظم الدول العربية سوف تفعلُ ذلك.

ويحاول العرب وقادة الانتفاضة السورية أن يفهموا أسباب التطرُّف الروسي وهم يذهبون في ذلك مذاهب شتّى: لماذا بقي العمود الروسي؟ هل كان ذلك لأسبابٍ مبدئية؟ أم هو لأسبابٍ عملية؟ ولا مبدئيات في سياسات الدول، وإنما يقول الروس إنهم في صراعٍ مع الولايات المتحدة، وهم يستخدمون الملفَّ السوريَّ، للحصول على تنازُلات من الأميركيين في مسائل أُخرى تُهمُّهم في أوروبا وآسيا الوسطى والقوقاز وتركيا. وهناك من يقول إنّ الموقف الروسي علتُه أنه لم يعد لهم نفوذٌ في منطقة البحر المتوسط إلاّ في سوريا من خلال القاعدة البحرية في طرطوس، ومن خلال مشتريات الأسلحة من جانب النظام السوري. والذي أراه أنّ الموقف الروسي لم تعد له قيمة إلاّ من الناحية الشكلية. إذ إنه بعد نهاية الحرب الباردة، صار المتعارف عليه أن يجري التوافُقُ في مجلس الأمن في القضايا الكبرى، والأُخرى المتعلقة بسيادة الدول. لكنّ الأميركيين والروس على حدٍ سواء تجاوزوا هذه الشكلية في عدة مناسباتٍ: الأميركيون تجاوزوها في العراق وفي كوسوفو، والروس في جورجيا وأبخازيا. ثم إنّ مشروع القرار العربي المقدَّم إلى مجلس الأمن - لو كان الروس يريدون التعاوُن مع العرب بالفعل - لا يُهدّد النظام السوري بالتدخل العسكري، وإنما ينشئُ آليةً لكي يعود التغيير إلى أكثرية الشعب السوري من طريق صناديق الاقتراع والانتخابات الحرة، وليس من طريق سلاح كتائب الأسد أو سلاح الجيش السوري الحرّ. ولذا ما عادت لهذا الأمر أهمية، وعلى الذين يريدون مساعدة الشعب السوري أن ينصرفوا لتنظيم وسائل تضامُنهم تحت السقف العربي وحسْب.

قبل أن يهتدي المثقفون أو السياسيون العرب إلى اسمٍ أو عنوانٍ للانتفاضات الشبابية العربية، أطلق المراقبون الأجانب عليها اسما جامعا هو الربيع العربي. وهذا هو المعنى العميق لما سميتُه وسمّاه غيري: حركات التغيير الشبابية في الوطن العربي. ولهذا الأمر الجليل معنيان اثنان: استعادة إدارة الشأن العام من العسكريين والأمنيين الذين اضطهدوا الناس، وضيّعوا المصالح الوطنية والقومية، وإعادة الملاءة الاستراتيجية إلى المجال العربي، والتي ضيّعها العسكريون والأمنيون بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر عام 1970. وهذان الأمران، أي الديمقراطية والملاءة الاستراتيجية شارك في التآمُر عليهما وتصفيتهما العسكريون والأمنيون، والسياسات الدولية، والحركات الإسلامية - التي حلّت محلَّ الأنظمة في مصارعة إسرائيل، ومعارضة الأنظمة بالداخل- والمثقفون العرب.

وبالطبع فإنّ الأطراف المذكورة لا تتحمَّل الأقدارَ نفسها من المسؤولية، وإنما يتحمل المسؤولية الأكبر: العسكريون العرب، والولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل. ومسؤولية الولايات المتحدة لا تقتصر على غزو العراق ونُصرة إسرائيل، بل تتعدى ذلك إلى «توظيف» سائر الحكّام في مهماتٍ مقابل تأييد بقائهم. أمّا الإسلاميون فإنّ مشكلة الأمة العربية معهم أنهم عبروا زمانا وهم يعتبرون أنّ القضية مع الأميركيين والإسرائيليين والحكام العسكريين هي قضيةٌ دينيةٌ، وليست قوميةً أو مدنيةً أو تتعلق بحقوق الإنسان والشعوب. وها هم أو بعضهم يصلون بأصوات الناس إلى البرلمانات والحكومات بعد الثورات، فيتلهَّى كثيرٌ منهم بفرض الشكليات الدينية، وهي الشكليات التي كان يحبها العسكريون والأمنيون ويُبرزونها أمام الأجانب تسويغا لاستمرارهم في السلطة. وأمّا المثقفون العرب فإنّ البارزين من بينهم - بل وغير البارزين - وبسبب ضلال الوعي أو خَوَر العزيمة وحُبّ السهولة أو الأمرين معا، انصرفوا خلال خمسة عقود لمهاجمة الإسلام باعتباره عِلّةً في الانسداد والتخلُّف الحاضر في الوعي والممارسة، أو انصرفوا إلى مطالبة العسكريين والأمنيين بالإصلاح والديمقراطية(!) باعتبارهم على أي حالٍ أفضل من الإسلاميين.

ما المقصود من هذا الاستطراد في شأن الربيع العربي ومعانيه بالنظر للمرحلة المنقضية؟ المقصود القول إنّ الثورة السورية - شأنها في ذلك شأن الثورة اليمنية - هي على حدّ السيف، لأنها تقع - أو لأنهما تقعان - في قلب الربيع العربي أو في قلب معناه الأصيل والباقي: الديمقراطية والملاءة الاستراتيجية. إنها تريد استعادة إدارة الشأن العامّ، لكي يحكم الشعب السوري نفسه، فيعمل على صَون المصالح الوطنية ويعمل على التقدم، كما أنها في الوقت نفسه تريد أن تُخرج سوريا والمنطقة من شباك التحالُفات والتوظيفات التي كانت دائما ضد العرب، وضدّ وحدة مجتمعاتنا ودولنا. فما الذي جنته سوريا أيام الأسد من مُهادنة إسرائيل إلى هذا الحدّ؟ وما الذي جنته من جمع المعارضين الإسلاميين والقوميين والمساومة عليهم مع الولايات المتحدة؟ وما الذي جناه العرب من وراء تمكين إيران من اختراق مجتمعاتنا، وإدخال إيران وتركيا والولايات المتحدة علينا بهذه الطريقة؟!

إنّ إزالة النظام السوري الحالي وإزالة آثاره وسياساته هي مهمةٌ قوميةٌ عربيةٌ وإسلامية، ولا يمكن من دونها إقامة النظام العربي الجديد. ولذلك يكون علينا جميعا أن نتضامن مع الثورة السورية لكي لا يبقى المشرق العربي رهينةً وعلى حدّ السيف!

===========================

خطاب نصر الله والداخل اللبناني

حازم عيّاد

السبيل

الأزمة السورية فرضت نفسها على كل اللاعبين في الساحة الدولية والإقليمية، فكلٌ يعمل بشكل حثيث للدفاع عن مصالحه سواء كانت روسيا أو أميركا أو إيران أو حزب الله أو حتى الكيان الصهيوني، وكلٌ لديه ما يخشى عليه، وخطاب نصر الله الأخير عبّر عن هواجس الحزب وبطريقته الخاصة، ففي التوازي مع تطورات الثورة السورية سارت الساحة اللبنانية نحو مزيد من الانقسام والاصطفاف الذي أخذ بالتعمق نتيجة القمع اللامحدود الذي مارسه النظام في سوريا، لتزداد خشية حزب الله على تطورات الحالة اللبنانية والاصطفافات الطائفية التي تهدد تحالفاته التقليدية مع بعض القوى اللبنانية ومن ضمنها حكومة ميقاتي ذاتها.

ورغم الإنكار المتواصل لحزب الله وإيران أيّ تورُّط في عمليات القمع في سوريا إلاّ أنّ سجال الحالة اللبنانية وعنف النظام السوري والموقف الإيراني الداعم إلى جانب موقف حزب الله المناصر لنظام الأسد لم يعد كافيا للحد من حالة الاصطفاف الشعبي أو السياسي داخل الساحة اللبنانية، فخيارات الحزب محدودة وهي ناجمة عن تسرُّعه في الاصطفاف خلف النظام السوري.

كان يكفي حزب الله الصمت وعدم إبداء أيّ موقف تجاه الأحداث في سوريا ليجنّبه هذا الجدل وليعطي قدرا معقولا من القوة والمرونة لخطابه السياسي بشكل قد يساعد على التخفيف من حدة الاصطفافات الداخلية ضده في الساحة اللبنانية، لكن حزب الله تورَّط بمجرد أن أشار إلى وجود مؤامرة عالمية، وفقد إلى جانب إيران أيّ دور يمكن لعبه كوسيط في الأزمة السورية في مقابل لاعبين أكثر فاعلية من الناحية السياسية كروسيا والصين، بل وفاقم أزمته الداخلية في لبنان بأن جعل مستقبل وجوده ودوره السياسي المستقبلي على المحك في موازاة حركة أمل ذات "النسخة اللبنانية التقليدية للسياسة الشيعية في لبنان"، والتي تظهر مؤشرات من خلال قلة التصريحات الصادرة عن قيادتها واتجاهات إعلامها وفضائيتها على قدر من المرونة يزيد قليلا عما هو لدى حزب الله، فحركة أمل مرشَّحة لأن تصبح منافس أو وسيط مستقبلي للحزب مع محيطه السياسي مستقبلا، وهذه حقيقة قد يضطر الحزب لتجرعها مستقبلا.

خطاب نصر الله هذه المرة ركّز على مسألة غاية في الأهمية وهي الدعم الإيراني على اعتبار أنّ سقوط النظام السوري أو انزلاق سوريا نحو الفوضى لن يؤدي إلى إضعاف حزب الله، الذي يتلقّى الدعم من إيران وليس من النظام السوري، فمؤسساته الاجتماعية وقدراته العسكرية لن تتأثّر، هي رسالة موجّهة إلى خصومه الحاليين والمستقبليين الذين قد ينافسوه على موقعه كممثل سياسي للطائفة الشيعية أو كقوة "عسكرية" مقاومة في المستقبل.

وهي رسالة تحمل معاني سلبية في نفس الوقت أهمها أنّ النظام السوري أصبح في حكم المنتهي، إمّا نتاج لنجاح الثورة أو نتاج للفوضى العارمة التي قد تمتدّ زمنا غير قصير، وهي إشارة على أنّ الحزب بدأ يتقبّل فكرة غياب النظام السوري وانهياره لكنه لم يتقبّل بعد فكرة تراجع قوته ومكانته في الساحة اللبنانية.

===========================

وزير الخارجية الروسي لا يفهم

2012-02-09

الوطن السعودية

التصريحات التي أدلى بها سيرجي لافروف أمس لا تقل في وحشيتها واستخفافها بالإنسان السوري عن مجازر النظام البعثي الأسدي، ولا تقل في بشاعتها عن الفيتو الروسي الصيني الأخير ضد قرار مجلس الأمن فيما يتعلق بالشأن السوري، فلافروف يصرح بدم أبرد من صقيع بلاده أنه "لا يفهم هذا المنطق"، في إشارة إلى سحب دول الخليج سفراءها من دمشق والطلب من نظرائهم في العواصم الخليجية مغادرة دول مجلس التعاون احتجاجا على المجازر اليومية التي يرتكبها النظام ضد المواطنين السوريين الأبرياء.

كما أوضح لافروف أنه لا يفهم أيضا القرار المتسرع حسب وصفه بتجميد نشاط بعثة مراقبي الجامعة العربية في سورية. وبغض النظر عما إذا كان لافروف يفهم أو لا يفهم فإن هذه التصريحات تعكس فشل السياسة الروسية في منطقة الشرق الأوسط، وتبرز بكل وضوح السبب في أن هذه السياسة لم تستطع أن تحتل موقعا متقدما في هذه المنطقة منذ عقود طويلة، فروسيا لا تنفك عن سياسة الابتزاز حتى بعد انهيار سور برلين وتفكك الإمبراطورية السوفيتية.

هذه النهج السياسي الغريب الذي تنتهجه روسيا والصين كذلك يعكس أزمة البلدين في عدم القدرة على التأقلم مع ثقافة القيم الإنسانية المشتركة وحقوق الإنسان في العالم، والتي لا بد أن تتقاطع مع السياسة حتى ولو لم يكن هذا التقاطع على الدوام. ولكن يبدو أن روسيا والصين لا ترى كل منهما في هذه القيم والحقوق الإنسانية سوى مشاريع ومصالح مادية وإستراتيجية لهما، في مقابل مشاريع رأسمالية غربية هدفها التمدد الإمبريالي فقط، وهذا غير صحيح في العموم وإن ظهر في بعض القضايا.

وعودا على تصريحات لافروف فإن العقلية السياسية الروسية لم تتغير على أي حال، وروسيا لم تستطع الانفكاك من عقدة الهزيمة وسقوط الإمبراطورية القديمة، فلم تعول على الشعب يوما ما في بلدها، ولذلك سقطت يوم أن كانت إمبراطورية، ولكنها لم تع الدرس جيدا، ولعل آثار الربيع العربي التي اجتاحت موسكو في الفترة الماضية دليل على ذلك، فكيف لها أن تعول على باقي الشعوب، وهي تعود الآن إلى سابق عهدها في نهج الابتزاز السياسي على حساب الشعب السوري، وإذا كان من الواضح أن رهان الأسد وعصبته على روسيا خاصة والصين هو رهان خاسر لا محالة في أقرب وقت؛ إلا أن رهان روسيا أيضا على النجاح السياسي مستقبلا في المنطقة خاسر بكل تأكيد.

=================

وعود جوفاء..!

رأي الراية

الراية

9-2-2012

لم تصمد وعود الرئيس السوري بشار الأسد خلال استقباله وزير الخارجية الروسي بوقف أعمال العنف ولو للحظة، فقد قتل أمس أكثر من ستين شخصاً بينهم أطفال ونساء وأربعة عسكريين، خمسون منهم في حمص في أعمال عنف في سوريا حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي أشار إلى أن عدد الضحايا مرشح للازدياد بسبب صعوبة الاتصال ووجود أشخاص تحت الأنقاض بسبب القصف بالأسلحة الثقيلة من قبل النظام.

حسب تقارير منظمات دولية وعربية لحقوق الإنسان فإن ما تشهده مدينة حمص منذ أكثر من يومين على أيدي الجيش وقوات الأمن السورية والشبيحة هو جرائم ضد الإنسانية.

فمن بين الضحايا في حمص ثلاث عائلات ذبحت على أيدي عناصر من "الشبيحة" اقتحموا منازلهم.

أما الأمر الأشد إيلاما والذي يبعث على الحزن والأسى فهو ما نقل عن ناشطين في مدينة حمص المنكوبة عن وفاة نحو 20 طفلا خدج في مستشفيات المدينة بسبب قطع التيار الكهربائي عنها وهو ما يعد مأساة إنسانية وجريمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

إن المناشدات التي يطلقها أطباء وعاملون في القطاع الصحي في حمص توضح حجم الكارثة التي لحقت بالمدينة الثائرة وأهلها، فحسب أقوال الطبيب علي الحزوري (27 عاما) الذي كان يشرف على مشفى ميداني أغلق بعد تعرضه للقصف فهناك نحو 500 جريح في بابا عمرو أحد أحياء حمص، نصفهم من النساء والأطفال الذين يحتاجون للتدخل الطبي فوراً، مناشداً الهلال الأحمر بالدخول إلى المدينة وإجلاء الجرحى وتأمين الطعام للمدنيين.

المجتمع الدولي الذي أخفق في توفير الحماية للشعب السوري بعد الفيتو الروسي الصيني المزدوج بات مطالباً بالسعي الحثيث لاجتراح عملية حلول تنقذ الشعب السوري من المجازر الدموية التي يتعرض لها. فالتنديد والتعبير عن الأسف والألم لما يجري في سورية لا ينقذ مواطناً واحداً من القتل أو يسعف جريحا أو ينقل مصابا للمستشفى.

إن المطلوب من الأمم المتحدة إجراءات عملية فورية تساهم في إنقاذ الشعب السوري من خلال الضغط على النظام هناك بالسماح فورا لجميع المنظمات الدولية لحقوق الإنسان ومنظمات الإغاثة تحديدا بنجدة الشعب السوري خاصة في المناطق المحاصرة التي تتعرض للقصف المدفعي وتوفير الغذاء والدواء والإسعافات الطبية لإنقاذ الجرحى والمصابين الذين يصل تعدادهم إلى المئات في مدينة حلب وحدها حسب أقل التقديرات.

إن أية مبادرة جديدة يجري الحديث عنها لحل الأزمة السورية لا يجري فيها إجبار النظام السوري على وقف العنف واستخدام السلاح ضد المواطنين المدنيين ستكون مجرد فقاعة هواء جديدة من طراز وعود الرئيس السوري التي ثبت أنها غير صادقة وغير جادة وأن النظام سيواصل سفك الدماء ما دام أنه مطمئن أن الفيتو الروسي والصيني سيسانده وسيمنع عنه الإدانة.

=================

هل تبقي مجزرة حمص بشّار 30 سنة أخرى؟

خيرالله خيرالله

الرأي العام

9-2-2012

بعد الفيتو في مجلس الامن، وبعد زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لدمشق، يتبيّن ان كلّ ما تسعى اليه موسكو يتمثل في تغطية مزيد من العمليات العسكرية التي تستهدف الشعب السوري. لعلّ اخطر ما في الامر ان الفيتو والزيارة مهدا للحملة التي تتعرض لها مدينة حمص واهلها في ما يشبه عملية تنظيف ذات طابع عرقي اكثر من ايّ شيء آخر.

في النهاية، ليس في استطاعة المريض الروسي توفير علاج من اي نوع كان للمريض السوري، اللهمّ الا اذا كان هناك في موسكو من يعتقد ان الرئيس بشّار الاسد قادر على البقاء في قصر الرئاسة بفضل القمع الذي يستخدم فيه السلاح الروسي ولا شيء آخر غير ذلك.

لم تشف روسيا بعد من عقدة الاتحاد السوفياتي رغم مرور عشرين سنة بالتمام والكمال على انهيار القوة العظمى الثانية في العالم وخسارتها الحرب الباردة. لم تتعلّم روسيا شيئا من تجربة سقوط الاتحاد السوفياتي واضطرارها الى الاكتفاء بالحدود الروسية بعدما كانت تسيطر على جمهوريات عدة استقلت تباعا عنها.

لم تستوعب روسيا الدرس. لا تزال تعتقد انها قوة عظمى بفضل امتلاكها مصانع اسلحة والسلاح النووي. لو كانت الاسلحة تصنع قوى عظمى، لكان الاتحاد السوفياتي حيّا يرزق. ما يصنع القوة العظمى تضافر عوامل عدة على رأسها الاقتصاد القوي والتعليم والتكنولوجيا المتطورة والمؤسسات الديموقراطية. لو استطاع الاتحاد السوفياتي بناء اقتصاد قوي ومؤسسات ديموقراطية، تمثل النقيض التام لما كان عليه نظامه، ولما عليه سورية الآن، لما استنزفته حرب افغانستان وكارثة تشيرنوبيل وتهديدات رونالد ريغان بالدخول في سباق للتسلح من نوع جديد تحت عنوان «حرب النجوم».

تكمن مشكلة روسيا في انه رغم مضي عقدين من الزمن على عودتها الى داخل حدودها، لا تزال تعتقد انها قوة عظمى وان من حقها التدخل الى جانب انظمة عفى عليها الزمن تقمع شعوبها ودعم هذه الانظمة. هذا في الظاهر. اما في الواقع، فانّ موسكو لم تستخدم الفيتو في مجلس الامن الاّ من اجل الدخول في مساومات مع واشنطن تصب في نهاية المطاف في مساعدة فلاديمير بوتين على الحصول على شرعية معيّنة بعد انتخابات الرئاسة المتوقعة في الرابع من مارس المقبل.

ما هذا النظام الروسي، الساعي الى لعب دور القوة العظمى، رغم انه فشل في اقامة مؤسسات ديموقراطية ولا يزال يبحث عن شرعيته في واشنطن؟ يفعل ذلك من منطلق ان واشنطن هي الجهة التي تؤثر على الشارع في موسكو ومدن اخرى وانها قادرة على الطعن في نتائج الانتخابات الروسية المقبلة وانها كانت، من وجهة نظره، وراء التظاهرات التي شهدتها مدن روسية قبل اسابيع قليلة احتجاجا على نتائج الانتخابات التشريعية.

مثل هذا النظام الروسي الباحث عن دور في سورية من اجل الدخول في مساومات مع الاميركيين والاوروبيين، على رأسهم الالمان، لا يستطيع توفير اي علاج ناجع للنظام السوري. كلّ ما يستطيع عمله، بالاتفاق مع الصين طبعا، يتمثل في توريط النظام السوري اكثر فاكثر في القمع وفي المواجهة مع شعبه. انه اختصاص روسي موروث عن العهد الستاليني. قاد هذا الاختصاص الاتحاد السوفياتي في الماضي الى دعم ديكتاتور دموي مثل منغستو هايلي مريم في اثيوبيا او سياد بري في الصومال وتشاوشيسكو في رومانيا وعشرات آخرين والى الاعتقاد ان في الامكان اقامة نظام ماركسي في ما كان يسمّى حتّى العام 1990 «جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية»...

لا مجال لتعداد المآثر السوفياتية وصولا الى التدخل عسكريا في افغانستان لاسقاط نظام ملكي كان يمكن ان يطور البلد وان يحول دون وصول «طالبان» الى السلطة في مرحلة معينة. «طالبان» هي في النهاية نتيجة اخطاء ارتكبها السوفيات في افغانستان، مع الاعتراف طبعا انها صنيعة الاجهزة الباكستانية بالتفاهم مع الاميركيين في البداية!

لا مجال خصوصا لتعداد المآثر السوفياتية في المنطقة العربية، بما في ذلك المساعدة في توريط جمال عبد الناصر في حرب العام 1967 بعدما جرّه اليها النظام السوري المغامر جرّا. الاكيد ان لا مجال ايضا لشرح كيف تخلى السوفيات عن اعز اصدقائهم وحلفائهم في لبنان. على راس هؤلاء كمال جنبلاط الذي اغتاله النظام السوري في العام 1977 كي تسهل عليه السيطرة على لبنان وفرض وصايته على الوطن الصغير بضوء اخضر اميركي، فيما موسكو تتفرّج...

لم يتغيّر شيء في موسكو. لا تزال العقلية نفسها هي المهيمنة. لا يزال هناك من يعتقد ان في الامكان انقاذ النظام السوري كي يمعن في قتل السوريين واذلالهم. لم يقتنع بعد الحكام الروس بانّهم يسيرون ضد منطق التاريخ وان ليس في استطاعتهم اعادة عقارب الساعة الى خلف لا في سورية ولا في اي مكان آخر فيه ثورة شعبية حقيقية.

في النهاية، لا يمكن للسوريين الاّ ان يستعيدوا سورية بغض النظر عن الموقف الروسي. هناك نظام مريض انتهى منذ فترة طويلة. ليس في امكان مريض آخر، هو المريض الروسي انقاذ المريض السوري. كلّ ما يستطيع المريض الروسي عمله هو تشجيع المريض السوري على التعجيل في الرحيل اليوم قبل غد. هل من نظام قصف شعبه بالطريقة التي تقصف بها حمص يستطيع البقاء على قيد الحياة طويلا؟ ثم ماذا بعد السيطرة عسكريا على حمص؟ هل يمكن للنظام ان يستمر ثلاثين سنة اخرى على النهج نفسه لمجرد ان حافظ الاسد استطاع قتل الاف من اهل حماة وتسوية قسم من المدينة بالارض في العام 1982 والموت في سريره في السنة 2000؟

اثبت الشعب السوري انه شعب لا يقبل الذلّ الى ما لا نهاية. مرّت ثلاثة عقود على احداث حماة. ان كلّ سوري يتذكّر حماة وما حلّ باهلها. وقتذاك، في العام 1982، لم تتجرّأ صحيفة او وسيلة اعلام لبنانية على نشر كلمة عن المجزرة التي تعرّض لها اهل حماة رغم ان تفاصيل ما حصل بلغت بيروت.

بعد ثلاثين عاما، جاء دور حمص. كلّ الاعلام، في كلّ العالم، يتحدث عما تتعرض له المدينة الشهيدة التي حسمت بفضل صمودها، مع مدن ومناطق اخرى، مصير النظام السوري. الا تريد روسيا تعلّم شيء من هذه المفارقة التي تختصر التحولات التي شهدها العالم في العقود الثلاثة الاخيرة والتي جعلت الاتحاد السوفياتي ينهار فلم يبق منه الا روسيا، روسيا التي لم ترث منه سوى امراضه. ام ان موسكو تظنّ ان مجزرة حمص ستبقي بشّار الاسد ثلاثين سنة اخرى في السلطة؟

=================

سوريا والتدويل!

تاريخ النشر: الخميس 09 فبراير 2012

الاتحاد

د.علي راشد النعيمي

يوشك التحرك الشعبي السوري نحو الحرية والعدالة على أن يكمل عامه الأول، وما زال مسلسل الإبادة الجماعية الذي يستخدمه النظام في قتل شعبه مستمراً بوتيرة تصاعدية، ويقابله بإصرار عنيد وعزيمة صلبة تمسك الشعب السوري بمختلف فئاته وأطيافه بحقه في الحياة الكريمة كبقية الشعوب. وعلى رغم أن تحرك الشعب السوري كان سلميّاً واستمر كذلك لعدة شهور إلا أنه قوبل بعنف دموي غير مسبوق من النظام السوري و"شبيحته" بالاشتراك مع حلفائه، إيران وحزبها في لبنان، ودعم روسي سياسي ومادي بالسلاح والعتاد.

وهذا العنف غير المسبوق لم يستثنِ أحداً في دمويته التي طالت الأطفال والنساء والشيوخ وبأساليب لا يمكن أن يتصورها بشر يعيش في القرن الحادي والعشرين، فاقتلاع الحناجر وقطع الأعضاء التناسلية واغتصاب النساء وتقطيع أجسادهن بعد ذلك وقنص كل متحرك على الأرض، أمور حدثت وما زال مثلها وأشد منها يمارسه النظام ضد شعبه، فضلاً عن سياسة التجويع وقطع كل الخدمات عن المناطق التي تخرج فيها مظاهرات في ظروف طبيعية قاسية البرودة حتى أن العديد من المنظمات الإنسانية اعتبرت هذه المناطق بمعاييرها الدولية مناطق منكوبة وأن على المجتمع الدولي التحرك لحماية المدنيين وإغاثتهم. ولكن على رغم ذلك لم يتفاعل المجتمع الدولي مع أحداث سوريا كما تفاعل مع أحداث تونس ومصر وليبيا واليمن، بل إن النداءات المتكررة التي أطلقها أحرار سوريا وضحاياها لم تجد الاستجابة الحقيقية التي تفرض على النظام السوري التوقف عن ذبح شعبه.

ولعل الأمر الغريب أن البعض يطالب السوريين بالمحافظة على سلمية ثورتهم متجاهلاً أن النظام بدمويته يفرض على الناس أن تدافع عن أرواحها وأعراضها وأموالها فهم في النهاية بشر وغريزة حب البقاء تفرض عليهم المحافظة على حياتهم بشتى الوسائل، وليس من المنطق أن تقول لهم واجهوا صواريخ النظام ودباباته بصدوركم العارية، وبالذات أنهم شاهدوا ما فعله النظام بالضحايا والمعتقلين.

إن المطالبة بسلمية الثورة أمر محمود في مقابل قدر معقول من عنف النظام، ولكن العنف الذي نشاهده يفرض على الناس ويدفعهم إلى الرد عليه بمثله، ولو أن المجتمع الدولي ألزم النظام بالتراجع عن الحل الأمني وسلوك طريق الحل السياسي عند بداية الأزمة لتغير مشهد الأحداث بصورة تامة، ولذا فإن الوضع الحالي قد ازداد تعقيداً وتحولت الأزمة السورية من أزمة داخلية إلى أزمة إقليمية ذات أبعاد دولية يدفع ثمنها الشعب السوري من دمه وماله. وتدويل الأزمة أصبح حقيقة واقعة وأول من بادر للتدويل هو النظام السوري بإدخاله حلفاءه الإيرانيين ومرتزقتهم في لبنان والعراق طرفاً في حربه ضد شعبه، وجعلها حرباً إقليمية ميدانها الأرض السورية ووقودها الدم السوري.

=================

"الفيتو" خدم المعارضة لا الأسد!

راجح الخوري

2012-02-09

النهار

لم تتصور روسيا للحظة أن استعمالها "الفيتو" في مجلس الأمن لتعطيل القرار العربي بشأن سوريا سيطلق هذه الموجة من الغضب، التي سرعان ما ذكّرت الكثيرين بالقول: "رب ضارة نافعة"!

ذلك أن القرار الذي كان معروضاً على مجلس الأمن لم يكن يطلب تنحي بشار الأسد بل تفويض نائبه "التعاون" مع حكومة وحدة وطنية يكون للأسد فيها نصيب الأسد، ولكن "الفيتو" الروسي والصيني احدث صدمة عارمة أسفرت عن تطورات قطعت الطريق على موسكو تحديداً ووضعتها في موقع القادر على دعم الحسم العسكري وسفك المزيد من الدم، لكن العاجز عن تقديم حل سياسي ينهي الأزمة.

وهكذا انهارت مهمة سيرغي لافروف ورفيقه ميخائيل فرادكوف قبل أن يصلا الى دمشق، وجرف تسونامي الغضب الدولي كل مفاعيل الزيارة. وفي هذا السياق يجب التوقف أمام سلسلة من المواقف التي جعلت من "الفيتو" مجرد "رخصة جديدة للقتل" كما قال المعارضون، ومجرد مدخل الى تطورات تحاصر الأسد أكثر مما تخدمه:

اولاً: سحب دول مجلس التعاون الخليجي سفراءها من دمشق، وقد شكل هذا رسالة قوية الى الداخل السوري والى المجتمع الدولي الذي استهجن استعمال الفيتو والى الجامعة العربية التي تردد في اليوم التالي انها قررت سحب المراقبين وإنهاء عملهم، في حين كان لافروف يتحدث عن تفعيل عمل هذه البعثة!

ثانياً: يتوقع أن يتخذ وزراء الخارجية العرب الذين سيجتمعون نهاية الأسبوع قرارات لتذكير روسيا والصين بأن لهما مصالح في العالمين العربي والإسلامي، إضافة الى وضع دول العالم أمام مسؤولياتها حيال التصعيد العسكري الذي يقوم به النظام.

ثالثاً: تمثل "مجموعة أصدقاء الشعب السوري" التي بدأ تشكيلها تحت مظلة الأمم المتحدة إجماعاً دولياً غير مسبوق تقريباً ينم عن عزلة الأسد ويحرج روسيا والدول التي تدعمه.

رابعاً: ستسارع المجموعة الى تقديم المساعدات الى الشعب السوري، والحديث الأميركي عن مساعدات إنسانية قد يجر في النهاية الى مساعدات عسكرية تدعم المعارضة، في ظل التصعيد الهائل الذي قيل انه وصل الى إدخال الطيران الى جانب الدبابات لدك المدن.

خامساً: دخول تركيا على الخط والدعوة الى عقد منتدى دولي هدفه إيجاد "خريطة طريق جديدة لسوريا". ولهذا الغرض اتصل رجب طيب اردوغان بدميتري ميدفيديف وأوفد احمد داود اوغلو الى واشنطن.

أمام كل هذا ما معنى دعوة لافروف للعودة الى "المبادرة العربية" الأولى التي فشلت فشلاً ذريعاً؟ وما معنى الحديث عن "الحسم والإصلاح"؟ ومن ترى سيبقى بعد الحسم ليعاين هذا الإصلاح؟ وهل كثير إذا قلنا إن الفيتو خدم المعارضة ولم يخدم موسكو ولا الأسد؟!

=================

تداعيات منطقية في ضوء المجزرة السورية

د. غسان إسماعيل عبدالخالق

الدستور

9-2-2012

بصراحة ، ودون لف أو دوران، لم أجد نفسي مضطراً لمراجعة ما قاله المستشرق آرنست رينان بخصوص العقل العربي، إلا بعد أن رأيت وسمعت ما قاله وفعله زين العابدين وحسني مبارك ومعمّر القذافي وعلي صالح وبشار الأسد في خضم الربيع العربي، ثم بعد أن قارنت هذا كله بما قاله وفعله كل من باباندريو وبرلسكوني وإميل بوك في خضم الأزمة المالية التي عصفت وما زالت تعصف بأوروبا.

في عام 1883 نشر رينان مقالة زعم فيها أن العقل العربي مضاد للمنطق ومناف للسياسة، وتصدى له الأفغاني ثم المئات من المفكرين والكتاب العرب الذين رأوا في هذا التعيين البيولوجي الفكري تمييزاً عرقياً صارخاً، ومع أنني ما زلت أحاول -أيها القرّاء الأعزاء- أن أتماسك وأتمسك بكل ما ردّ به المفكرون والكتّاب العرب على رينان، إلا أنني لا أستطيع أن أمنع نفسي من التسليم التام بانطباق ما قاله على الطغاة العرب الذي لم يشذّ منهم واحد فقط عن التمسك بالقاعدة المشهورة (إما أنا أو الطوفان)! كلّهم بلا استثناء فكّروا بالطريقة نفسها وتصرّفوا بالطريقة نفسها وخاطبوا شعوبهم بالطريقة نفسها؛ زين العابدين لم يهرب إلا بعد أن اشتعلت تونس، وحسني مبارك لم يتنح إلا بعد أن انهارت مصر، ومعمّر القذافي لم يستسلم إلا بعد أن دمّرت ليبيا، وعلي صالح لم يسافر إلا بعد أن تفسّخت اليمن، وها هو بشار الأسد يفتح أبواب الحرب الأهلية الطائفية في سوريا على مصاريعها كلها.

الأنكى من ذلك، أن هؤلاء الطغاة لهم معجبون وأتباع وأزلام، لا يملّون من تجريب حظهم في إعادة الأمور إلى ما كانت عليه، تارة باسم العلمانية في تونس، وتارة عبر العنف الطائفي أو الكروي في مصر، وتارة عبر اقتتال الميليشيات في ليبيا، وتارة باسم الاحتجاج على إزالة صورة الرئيس المخلوع من أعلى الصفحة الأولى في صحيفة الثورة في اليمن، وتارات باسم التصدي للجماعات الإرهابية المسلحة في سوريا. نحن أمام نمط بشري مبرمج دون ريب، يتساوى وفقه الرئيس والمرؤوس في التمتع بممارسة السلطة أو التسلط بأية وسيلة ومهما كان الثمن. وما من طاغية عربي واحد كذّب ظنّنا وخرج على الناس قائلاً: لقد اكتفيت أيها المواطنون، ويسرّني أن أنزل عند رغبتكم، فاختاروا من ترونه أصلح مني لهذا العمل. وللعلم فهكذا تكلّم وتصرّف ديغول الذي حرّر فرنسا من الاحتلال الألماني حينما منحه الشعب الفرنسي 50% فقط من أصواته بعد تمرّد الطلاب في باريس.

لماذا لم ينتظر بابندريو طويلاً قبل أن يقدّم استقالته في ضوء الاحتجاجات الشعبية العارمة على سياسة التقشف التي اتبعها لمعالجة الأزمة المالية في اليونان رغم أنه لم يكن مسؤولاً عنها؟ ولماذا لم يتردد بيرلسكوني في تقديم استقالته للأسباب نفسها رغم أنه أحد أعمدة الاقتصاد الايطالي؟ ولماذا سارع رئيس الوزراء الروماني إلى تقديم الاستقالة فور خروج الناس إلى الشوارع احتجاجاً على خطته التقشفية؟ لماذا لم يفكر أي منهم بالقول: (أنا البلد والبلد أنا) رغم أنهم كلهم يمتلكون مسوّغات كافية للاعتقاد والقول بأنهم الخيار الأوحد والأخير؟ ولماذا لم يبزغ اتباعهم من تحت الأرض احتجاجاً على غيابهم، رغم أنهم قادرون سياسياً ومالياً على تعبئة الشارع وتحريكه؟ ألسنا أمام نمط بشري آخر، يمتلك رغم كل مساوئه، ذلك المعقول من الواقعية والمنطق؟

ها هو بشار الأسد، الذي سنفترض جدلاً أن 50% من السوريين يتشبثون به وأن 50% من السوريين يحلمون برحيله، ها هو يتزمت ويتعنت ويلقي بسوريا والشعب السوري في ملعب الصراع الدولي، مفضلاً أن يتعالى في كل يوم هرغم من جماجم السوريين، الموالين أو المعارضين، على أن يكسر قاعدة أخرى من قواعد الاستبداد (عليّ وعلى أعدائي)! ولو أنه أمعن النظر لأدرك أن أعداءَه الحقيقيين هم أولئك الذين يحيطون به إحاطة السوار بالمعصم ويزينون له الحلول الأمنية والعسكرية، ويبسّطون له الثمن، ففي سبيل حماية النظام لا مانع من سقوط عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، ولا ضير في أن توجه مدافع الجيش إلى داخل الوطن بدلاً من خارجه، وليتعفن المعارضون وعائلاتهم في منافيهم التي أرغموا على اللجوء إليها، وحتى لو لم يظل مواطن سوري واحد في سوريا، فإن المهم والمهم جداً، هو أن يبقى الرئيس، ولتذهب سوريا وليذهب السوريون إلى الجحيم!.

التاريخ : 09-02-2012

=================

الإخفاق الدولي لن ينقذ النظام في سورية

د. بشير موسى نافع

2012-02-08

القدس العربي

أوحى سلوك الجامعة العربية والمعارضة السورية في الأمم المتحدة وكأن قراراً لمجلس الأمن الدولي، يؤيد المبادرة العربية حول سورية، يمكن أن يوفر مخرجاً من الأزمة ويفتح الطريق نحو انتقال عقلاني (وليس بالضرورة سلساً أو سلمياً كلية) للسلطة. وقد ساهم العناد الروسي في المباحثات حول صيغة القرار في تعزيز الشعور بالأهمية القصوى للقرار الدولي. الحقيقة، أن تمرير القرار في صيغته الأصلية كان سيمثل نصراً ملموساً للثورة السورية. ولكن صدور القرار أو عدم صدوره ما كان سيحسم الصراع المحتدم بين الشعب وقواه السياسية، من جهة، ونظام الحكم وحلفائه، من جهة أخرى، بهذه الصورة أو تلك. ميزان القوة الأهم في الثورة السورية لم يزل داخل سورية ذاتها، ما يتعلق بقدرة وتماسك وإرادة النظام وآلته العسكرية، وبتصميم وقدرة واستمرارية الحركة الشعبية المعارضة، وإلى جانبها وحدات وكتائب الجيش الحر.

ثمة عدد من الأسباب التي دفعت روسيا إلى الاعتراض على مشروع القرار العربي المقدم لمجلس الأمن، يتعلق بعضها بروسيا نفسها، وبعضها الآخر بالعلاقات الروسية الأمريكية. روسيا، كما اتضح في الأسابيع الأخيرة، تمر بمرحلة جديدة من ناحية وضع السلطة وعلاقتها بشعبها. فبعد أن نظر إليه طوال أكثر من عقد باعتباره منقذ روسيا ومخلصها، يبدو رئيس الحكومة، الرئيس السابق، فلاديمير بوتين، وكأنه تجاوز حدود احتمال الشعب الروسي وأخذ يواجه معارضة ملموسة. ليس من المتوقع أن تستطيع المعارضة، غير الموحدة، بالرغم من قدرتها على حشد عشرات الألوف في مظاهراتها الاحتجاجية، منع إعادة انتخاب بوتين رئيساً للجمهورية. ولكن حركة المعارضة ستجعل صورة الرئيس السابق/ المقبل تبدو أضعف من الصورة التي اعتادها العالم له، بغض النظر عن مقدرات القوة الحقيقية لروسيا. في مثل هذه اللحظة، يرى بوتين أن من الضروري التوكيد على صلابة قيادته وسيطرته الحاسمة على القرار الروسي، سيما في مجال العلاقات الخارجية. هذه ليست اللحظة المناسبة لتقديم تنازلات للإدارة الأمريكية.

من جهة ثانية، ترغب موسكو في وضع حد للتوجه المتزايد في العلاقات الدولية لاستخدام الأمم المتحدة اداة للتدخل في تقرير مستقبل الأنظمة الحاكمة في دول العالم المختلفة. ولم يكن خافياً، بالرغم من الغموض اللغوي والتعديلات التي أدخلت على مشروع القرار، أن المبادرة العربية تفتح الباب لتغيير نظام الحكم السوري؛ والمبادرة هي ركيزة مشروع القرار المقدم لمجلس الأمن. تفويض الرئيس الأسد صلاحياته لنائبه، وانطلاق عملية سياسية تعددية وشفافة، على خلفية من ثورة شعبية تغطي معظم البلاد السورية، يعني بالضرورة أن أركان نظام الحكم سرعان ما ستنهار، الواحد منها تلو الآخر. السؤال الهام من وجهة النظر الروسية يتعلق بما ان كان الموقف الدولي من سورية، الذي يأتي بعد حلقات تدافع حرجة بين روسيا والولايات المتحدة في البلقان والعراق وإفريقيا (بتفاوت مواقف القوى الغربية الأخرى)، سيصبح نهجاً في نظام العلاقات الدولية. ماذا لو أن حركة المعارضة الروسية اشتدت درجة واتسعت نطاقاً، واضطرت دولة الرئيس بوتين لقمع هذه الحركة بوسائل ما؟ أليس من الممكن أن يصبح مصير الحكم في روسيا، هي الأخرى، مادة للتداول في مجلس الأمن؟ وربما كان هذا القلق على وجه الخصوص، هو أيضاً ما دفع إلى المعارضة الصينية لمشروع القرار؛ إضافة إلى ضرورات التحالف الصيني الروسي في المحافل الدولية.

بيد أن قضايا العلاقات الروسية الأمريكية لا تقل إلحاحاً. هناك، مثلاً، الموقف الروسي في شمال القوقاز، سيما في جورجيا، التي أصبحت، حتى بسيادتها المنقوصة على أرضها، موقعاً متقدماً للولايات المتحدة في واحد من أهم الممرات الاستراتيجية إلى روسيا وأكثرها خطراً. وهناك، بالطبع، ملف حائط الصواريخ المضادة للصواريخ، الذي تواصل إدارة إوباما نشره في وسط وشرق أوروبا، والذي حقق مكسباً استراتيجياً ملموساً عندما وافقت تركيا على إقامة قاعدة متقدمة للإنذار المبكر على أرضها، ترتبط بحائط الصواريخ. ويضاف إلى هذين ملف لا يثير كثيراً من الجدل، بالرغم من أهميته البالغة بالنسبة لروسيا، وهو ذلك الخاص بعملية التحديث التقني للبنية الروسية، وتتطلب تعاوناً غربياً في مجال نقل التكنولوجيا وفي مجال الاستثمارات الغربية في روسيا، سيما أن التقديرات تشير إلى حاجة روسيا لعدة مئات من المليارات للاستثمار في مشاريع التحديث المأمولة، في وقت تعاني الدول الغربية بأجمعها من صعوبات مالية واقتصادية بالغة. ليس من الواضح بالتأكيد مدى السعي الروسي إلى مقايضة الموقف من سورية؛ ولكن الواضح أن الأمريكيين لا ينظرون إلى سورية باعتبارها ورقة مقايضة. ما يراه الأمريكيون أن روسيا ليست بالقوة التي كانها الاتحاد السوفياتي وأن سياسة المقايضات في العلاقة مع الروس لا يجب أن تستمر، والموقف من سورية، فوق ذلك، هو موقف تبلور في الدائرة العربية الخاصة وليس في واشنطن.

ولكن ماذا لو أن روسيا صوتت في النهاية لصالح مشروع القرار العربي. صدور القرار الدولي كان سيشكل ضغطاً جديداً على النظام، ويعني بالضرورة مواكبة الإجماع الدولي الإجماع العربي السابق في المطالبة بتنحي الرئيس الأسد وبدء عملية انتقال السلطة. كما إن القرار كان سيوفر رافعة معنوية جديدة للحركة الشعبية وقوى المعارضة. ولكن النظام ما كان سينصاع لقرار مجلس الأمن، كما هو لم يستجب للمبادرة العربية. النظام السوري، في هذه المرحلة على الأقل، لن ينصاع لقرارات عربية أو دولية. السرعة التي سقط بها النظامان التونسي والمصري، أدت إلى ولادة تصورات خاطئة لطبيعة وسلوك أنظمة الاستبداد العربية. العناد الذي يظهره النظام السوري في مواجهته مع الحركة الشعبية، وسعيه الدموي للبقاء، ليس ظاهرة سورية خاصة. كل أنظمة الاستبداد العربية، بما في ذلك تونس ومصر، لديها الاستعداد للقتال إلى النهاية دفاعاً عن وجودها. والرئيسان بن علي ومبارك لم يتنحيا لمجرد استمرار حركة الاحتجاج الشعبية لعدة أسابيع. الواقع أن بن علي ومبارك وصلا إلى لحظة بات فيها من الواضح أن حياتهما، وحياة أسرتيهما، أصبحت مهددة. وهذا ما دفع بن علي للخروج من البلاد، ظاناً أنه سفر لن يطول، ومبارك إلى مغادرة القاهرة إلى شرم الشيخ، ظاناً أن عوناً غيبياً ما سيؤدي في النهاية إلى إنقاذ نظامه. بكلمة أخرى، لم يختلف الاستبدادان التونسي والمصري عن نظيرهما السوري. ما اختلف هو طبيعة وديناميات الحركة الشعبية، وتطور مجريات الثورة.

النظام في سورية سيقاتل دفاعاً عن وجوده لأن الرهان أكبر مما يعتقد في أكثر الدوائر معارضة لهذا النظام. بعد أكثر من أربعين عاماً من الحكم، يشمل الرهان مقاليد السلطة والسيطرة على واحدة من أكثر دول المشرق أهمية وتأثيراً؛ ثروات هائلة، وفرتها مقاليد الحكم والسلطة؛ مقدرات طائفية، ولد اعتقاد خلال السنوات القليلة الماضية أن يوماً لن يأتي لتمس فيه؛ وجرائم فادحة ارتكبت بحق السوريين طوال العقود الماضية وتورطت فيها شريحة واسعة من الطبقة الحاكمة وقادة أجهزتها. حسابات مثل هذه لن تجعل التخلي عن مواقع الحكم خياراً سهلاً أو سريعاً. بيد أن النظام سيذهب في النهاية؛ سيذهب حتى إن لم يعد ممكناً تبلور إجماع دولي في أي وقت آخر في المستقبل. السؤال الذي ينبغي البدء به ليس ما إن كانت هناك طريقة مثلى لنهاية الأزمة، ولكن ما إن كان بإمكان نظام في مثل وضع النظام السوري أن يستمر في الحكم. بعد ما يقارب العام على اندلاع الحركة الشعبية المناهضة للنظام، وعجز الأخير عن إخمادها؛ بعد أن اتسع نطاق الثورة ليغطي كل أنحاء سورية؛ بعد كل هذا العدد من القتلى، بحيث لم تعد هناك من قرية أو حي بدون خسائر في الأرواح، طالت أحياناً أسراً بأكملها؛ بعد اعتقال عشرات الآلاف وتعرض أكثريتهم لتعذيب وحشي، وقاتل في بعض الاحيان؛ بعد أن التحقت بالحراك الثورة كافة الطبقات الاجتماعية تقريباً؛ وبعد أن وصلت عزلة النظام العربية والدولية ما وصلت إليه؛ هل لم يزل من الممكن لهذا النظام أن يستمر في حكم سورية؟ الإجابة الصحيحة على هذا السؤال هي فقط من يفتح الباب للسؤال التالي حول ما إن كانت هناك طريقة أفضل أو أكثر أمناً لحل الأزمة.

ربما سيؤدي الفشل الدولي إلى بعض من تعزيز ثقة النظام بنفسه، أو على الأصح شعوره بأنه محصن، ولو إلى حين، ضد عواقب سياسات القمع الفاشي التي يتبعها. كما قد يعزز من اندفاعة حلفاء النظام الإقليميين لمساعدته والدفاع عن استمراره. ولكن الفشل الدولي قد يضاعف أيضاً من شعور قطاعات أكبر من السوريين بأن لا سبيل للتخلص من هذا النظام سوى طريق القوة ومواجهة العنف بالعنف. يعرف الجميع، بل أصبح من المبتذل تكرار الإشارة إلى أهمية سورية البالغة في محيطها الإقليمي.

وربما يعمل الفيتو الروسي الأمريكي على تصعيد حدة الصراع على سورية، في حين كان يمكن لروسيا أن تضمن مصالحها بالوقوف إلى جانب الشعب والتعاون والتفاهم مع قوى المعارضة السورية. وإن لجأت بعض الدول العربية وبعض القوى الغربية إلى مد يد العون للقوات السورية المنشقة، وإلى جماعات المعارضة الأخرى، يكون الفيتو الروسي الصيني المشترك قد دفع سورية أكثر وأكثر نحو حرب داخلية باهظة التكاليف، بينما كان ادعاء محاصرة العنف ومنع تأججه المبرر الأبرز في خطاب الدبلوماسيين الروس.

عشية فشل مجلس الأمن الدولي في الوصل إلى اتفاق حول مشروع القرار العربي، اندلعت موجة هائلة من المظاهرات، عمت كافة المدن السورية. في كفر نبل، رفع أحد المتظاهرين لافتة صغيرة، كتب عليها: 'ليقف العالم كله ضدنا. لن نهتم، ما دامت حمص في صفنا'. هذا هو الميزان الحقيقي للقوة في سورية اليوم.

' كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث

=================

سورية: نهج الإبادة يقتل كلّ «حل سياسي»

الخميس, 09 فبراير 2012

عبدالوهاب بدرخان *

الحياة

مرحلة أخرى تنتهي في الأزمة السورية وقد شاء العقل الأمني للنظام ترك بصمته الوحشية بدكّ أحياء حمص، تكراراً لسيناريو مذبحة حماه في اليوم الذي يؤرّخ لذكراها. طوال ثلاثين عاماً تمتّع النظام بالسكوت الغربي والعربي على هذه المذبحة، ثم نال في لوثة الحرب على الارهاب بما يشبه المديح العلني أو المكتوم، لكن تغليبه ارهاب الدولة في التعامل مع شعب سورية جعل من هذه الذكرى أخيراً وصمة عار وتثبيتاً للإجرام في حق الانسانية، كما كان يجب أن ينظر اليه منذ عام 1982 وبعده، فلا شيء في القوانين والأعراف - والأخلاق والأديان – يبرر مثل هذه الإبادة العارية التي يكررها النظام متخيّلاً أن الجريمة ستعود عليه ب «أمجاد» جديدة، أو أنها تشكّل عشية سقوطه ردعاً استباقياً لخصومه.

بالنسبة الى كل الأطراف المعنية، أي النظام والعارضة والجامعة العربية وروسيا والدول الغربية، شكّل «الفيتو» الروسي - الصيني نهاية المرحلة، وقد باشرت جميعاً بلورة خياراتها المقبلة. لا مبالغة في القول إن المعارضة السورية تنفست الصعداء بعد «الفيتو» المزدوج. صحيح أنها دانت إمعان روسيا في توفير غطاء لنظام شرع فجر يوم «الفيتو» مجزرة في حمص، إلا أنها ارتاحت ضمناً لاطاحة قرار دولي أُفرغ عملياً من أي فاعلية بسبب التنازلات التي قدّمت لاجتذاب روسيا، وظلّت تنازلات بلا جدوى. ولا مبالغة أيضاً في تقدير أن القرار في حد ذاته، لو أمكن تمريره ب «اجماع دولي»، لما كان غيّر شيئاً على الأرض، طالما أنه جُرّد من أي إلزام للنظام السوري، ولأن طبيعة المواجهة باتت تقدّم معطيين: فهي من جهة تجاوزت واقعياً خيار «حل سياسي بالمشاركة مع النظام»، ومن جهة أخرى لم تصل بعد الى مرحلة التعامل مع روح هذا القرار الدولي، أي البدء ب «ما بعد النظام» عبر نقل السلطة. ما يعني أن الطرفين موقنان الآن أن الصراع سيطول.

خلال تفاوض المعسكرين الغربي - العربي والروسي على صوغ القرار، اتهم كلٌ منهما الآخر بأنه سيتسبب بحرب أهلية في سورية، اذا لم ينجح خبراؤهما في التمارين اللغوية لإنتاج «نص» يحظى بتوافقهما. لكن الروسي الذي كان شرطه الأول أن يُحذف بند يحظر بيع الأسلحة لا يخشى مثل هذا الاتهام، وهو يعرف جيداً الجهد الذي بذله نظام دمشق ليدفع الانتفاضة الى التعسكر والبلاد الى حرب أهلية. في أي حال، أصبح منطق هذه الحرب فارضاً نفسه، وهو انعكس على المواقف في مجلس الأمن. اذ تعتبر روسيا أنها تقف مع الطرف الذي لا يزال أقوى عسكرياً، أي مع النظام، ولا تعبأ بكونه متهماً دولياً بارتكاب جرائم ضد الانسانية. أما المعسكر الآخر ومعه المعارضة السورية فيرى أن الخيار المتاح أمامه هو الاعتماد على العسكريين المنشقين المنضوين في «الجيش السوري الحرّ»، وإن كان صعباً ومكلفاً ويتطلّب وقتاً قبل أن يصبح فاعلاً، أي قادراً على «تحرير» مناطق من سيطرة قوات النظام.

يعرف الجميع، واقعياً، أن نظاماً كهذا لا يُسقَط إلا عسكرياً، لكن دروس تجربتي العراق وليبيا وما انتهتا اليه من حرب أهلية وفوضى ميليشيوية ومن احتمالات تشظٍ للبلدين لا تزال تعطي أفضلية ل «حل سياسي» في سورية. هذا ما كانت تركيا نصحت به وما تطرحه الجامعة العربية، وهذا على الأرجح ما ستحاوله روسيا من خلال زيارة وزير خارجيتها ورئيس استخباراتها، فلموسكو رصيد لدى دمشق مشفع ب «فيتوَين» لكنها تعلم أن الوقت حان لكي يُظهر النظام السوري شيئاً آخر غير مآثر «الشبّيحة» من قتل ومجازر.

غير أن روسيا مرشحة لأن تخيّب الآمال أيضاً في حال ركونها الى أوهام «خطط الحوار والاصلاح» التي ما انفك النظام يثرثر عن استعداده لطرحها فيما يوغل في إراقة الدماء واستباحة كرامة الشعب. وواقعياً أيضاً يعرف الجميع، بمن فيهم النظام، أن أي حوار أو اصلاح لن يستقيم في ظل القتل وآلته، وأن الوقف الحقيقي للعنف يعني النهاية الفعلية السريعة للنظام، مثلما أن استمرار والعنف وتصعيده يعني غرق النظام واتجاهه الى نهاية محتومة ولو متأخرة.

بقي التدويل معطّلاً، اذاً، وأصبح التعريب هشاً ومكشوفاً. بقي خط المجازر مفتوحاً أمام النظام، فيما نجحت روسيا في دعمها له كما في ادعاء وجود «حل سحري» تملك وحدها أسراره. ولذلك ستتجه الأنظار الى ما تستطيعه موسكو وهل باتت مستعدة لتحريك «خطّها الأحمر» المتمثّل بعدم المسّ ببنية النظام أو تنحّي الرئيس. لا بدّ من أنها صارت مضطرة الى ذلك طالما أنها عرقلت بل عطّلت كل المساعي ليبقى «الحل» عندها. فإذا كان لديها فعلاً النفوذ الذي يُنسب اليها في سورية، فإن هذه هي اللحظة الحاسمة لاستخدامه، لا للسير في السيناريو «الاصلاحي» للنظام وإنما بإجراءات جراحية في بنيته الأمنية، أبعد وأعمق مما كانت تركيا اقترحت قبل أكثر من ستة شهور.

لكن روسيا تأخرت ولم تحسن الانفتاح على المعارضة الحقيقية، لذا فإن صدقيتها التي تلامس الصفر، بعد انحيازها الكامل الى نظام بات ورقة محروقة في يدها، جعلتها طرفاً غير موثوق بجدّيته ولا بحسّه بالمسؤولية وبالتالي لم تعد مؤهلة لقيادة «حل متوازن». واذا لم تظهر نتائج سريعة وذات مغزى لمهمة سيرغي لافروف وميخائيل فرادكوف، فإن أحداً لن يعوّل بعدئذ على ما تقوله روسيا وستتبلور على الفور الخيارات المتداولة منذ أسابيع، وأبرزها «تحالف الراغبين» أو «مجموعة الاتصال لأصدقاء سورية» على غرار ما أُنشئ للتعامل مع الأزمة الليبية، لكن خارج مظلة الأمم المتحدة هذه المرة. ولا شك في أن نهج الإبادة بات حاسماً في الدفع باتجاه اجراءات غير تقليدية، فما خشيته القوى الخارجية - العربية والغربية - وحرصت على تجنبه هو تماماً ما قاد النظام سورية اليه غير عابئ بتدخلهم أو عدمه. كانت هذه القوى استندت الى سوابق النظام، اذ يتراجع في اللحظة المناسبة لحماية مصالحه، وتوقعت أن يغيّر سلوكه الدموي، لكنها أخطأت التقدير لأن هذه هي المرة الأولى التي يواجه فيها معركة في الداخل تمسّ وجوده ومصيره. لذلك لم يعد مفيداً التعامل معه بمراقبين أو اقتراحات خجولة للحوار و «تفويض» سلطات، فإذا كان الرئيس متقاسماً صلاحياته مع عساكر «الحلقة الضيّقة» للقيادة ذات اللون المذهبي الواحد، فأي صلاحية يُتوقَّع منه نقلها الى نائبه المسكين، وأي حوار يرتجى وأي جكومة «تعددية» يمكن تصوّرها في ظل نهج الإبادة؟... هذه أفكار تجاوزتها الأحداث.

=================

سورية في العيادة الدولية

الخميس, 09 فبراير 2012

غسان شربل

الحياة

لا يستطيع احد قبول هذه المشاهد. إنها قاسية. مروعة. مستفزة. قتلتنا مشاهد الجنازات وهي تنجب المزيد من الجنازات. قتلتنا صور جثث الاطفال. وصور مدنيين ممددين في الشارع والقناص يطارد من يحاول الاقتراب. أنهكتنا صور البيوت المحروقة. والجدران المبقورة. ودموع الثكالى. لسورية رصيد تاريخي في قلب كل عربي. لهذا يشعر انه ينزف معها. ويموت معها. وربما بسبب هذا الرصيد التهبت المشاعر. وتصاعد الاستقطاب. وتعالت الصيحات. والاستغاثات. والمناشدات. والإدانات.

لا يستطيع احد قبول المَشاهد الوافدة من حمص. والزبداني. وحماة. وإدلب. وغيرها. ليس فقط بسبب قسوتها. بل ايضا لأنها تَعِدُ بما هو ادهى. طريقة قتل مواطن تنذر احياناً باحتمال قتل وطن. مقتل قرية ينذر دائماً بمقتل بلاد.

لا شيء يمكن ان يبرر هذه القسوة اللامحدودة. نعرف ان عناصر من الجيش انشقت وسمت نفسها «الجيش السوري الحر». ونعرف ان معارضين لجأوا الى حمل السلاح. لكن وجود هؤلاء او أولئك في هذه المدينة او تلك القرية لا يبرر أبداً تعميم التهمة وتعميم القسوة. ثم إنه لا يشكل حلاًّ. ويزيد من التفاف الناس حول المسلحين بينهم، خصوصاً بعدما سدت الآفاق امام الاحتجاجات السلمية. وحتى ولو سلمنا بما تقوله دمشق عن أجندات ومؤامرات، فإن هذا النوع من العلاج ليس علاجاً على الاطلاق. انه يشبه قراراً بالإصرار على الغرق.

خسرت سورية حربها الاعلامية منذ بدء الاحتجاجات. رسخت الحلقات السابقة من «الربيع العربي» ميل الناس الى التعاطف مع كل احتجاج يطالب بالحرية والكرامة. لم يستطع الاعلام السوري تقديم رواية مقنعة تنافس الميل البديهي الى التعاطف مع المحتجين. حتى الذين كانوا يبحثون لسورية عن تبريرات او أسباب تخفيفية أضعف فقر الرواية الرسمية موقفهم. وخسارة المعركة على الشاشات مكلفة لأنها تساهم في صناعة الرأي العام وتترك أثرها على مواقف الأحزاب والدول.

وجدت صعوبة في فهم ما حدث امس. اذا كان سيرغي لافروف حمل موقفاً داعماً، فهل يجوز إحراج الحليف الروسي بمثل هذا التصعيد بعيد مغادرته؟ ألا يصبّ ذلك في مصلحة من قالوا ان الفيتو الروسي والصيني هو «رخصة للقتل»؟. واذا كان لافروف قال في السر غير ما قال في العلن ولمح الى مطالب مزعجة، هل يكون الحل بتصعيد يضعف الموقفين الروسي والصيني ويحرج البلدين؟ ألم يكن من الأفضل التبصر بمعاني قرار دول مجلس التعاون الخليجي طرد سفراء سورية من أراضيها؟ أولا يشكل الغوص في الحل الامني تحريضاً لهذه الدول وغيرها على الذهاب أبعد في معاقبة النظام السوري على سلوكه طريق الحسم العسكري؟

ساهم التصعيد العسكري الدموي امس في تعزيز اتجاه بدأ مع الفيتو الأخير في مجلس الأمن وهو وضع الملف السوري على طاولة التجاذبات الدولية الكبرى علاوة على التجاذبات الإقليمية المحمومة. رسخت تطورات الايام الاخيرة الانطباع بأن سورية فقدت القدرة على إنجاب مبادرة تخرجها من انزلاقها المتسارع نحو الحرب الاهلية او الفوضى المدمرة. رسخت الانطباع أيضاً بأن سورية مريضة ولا بد من استدعائها الى العيادة الدولية على رغم اختلاف الأطباء حول التشخيص والعلاج ومدى حاجتها الى جراحة عميقة.

خلال شهور من الاحتجاجات خسرت سورية تباعاً أطواق الأمان الإقليمية والدولية. خسرت قبل ذلك صمامات أمان أساءت تقدير أهميتها. تقول التجارب ان الإقامة في العيادة الدولية مكلفة للدولة والنظام. وإن كبار الأطباء ليسوا ملزمين في النهاية بأخذ موافقة المريض على استخدام الدواء المر او إجراء جراحة قاسية.

=================

رد سريع على روسيا

الخميس, 09 فبراير 2012

حسان حيدر

الحياة

على عكس التوقعات المتفائلة التي قالت ان روسيا ستطالب النظام السوري ب «ثمن» للدفاع عنه في مجلس الأمن يتمثل في اعلان «إصلاحات سريعة»، فإن زيارة وزير خارجية موسكو الى دمشق أعطت عملياً الإشارة لقوات النظام بتصعيد عسكري شامل بحجة «انهاء العنف أياً كان مصدره» على حد تعبير لافروف نفسه، بما يتيح تطبيق الخطة الروسية القاضية بإرغام المعارضة السورية على قبول حوار غير مشروط مع الأسد.

فبعد تأمين التغطية السياسية في الأمم المتحدة، هدفت زيارة لافروف دمشق برفقة رئيس الاستخبارات الى الرد على المبادرة العربية على الارض السورية ذاتها والى توفير التغطية الأمنية للحكم السوري ليبدأ حلقة جديدة من العنف المستمر منذ نحو سنة.

وعلى رغم «الحذلقة» الشفوية في تصريحات الوزير الروسي الذي كرر تأييد بلاده للمبادرة العربية، قبل ان توضح دمشق ان المقصود هو مبادرة ايفاد المراقبين وليس دعوة الأسد للتنحي، يبدو واضحاً ان موسكو قررت خوض «الحرب السورية» الى النهاية دفاعاً عما تعتبره مصالحها الحيوية، حتى لو أدى ذلك الى وصول التوتر مع الغرب الى درجة غير مسبوقة منذ انتهاء الحرب الباردة.

فاستخدام شعار «التصدي لتفرد الاميركيين» يفيد القيادة الروسية في الانتخابات الرئاسية التي تجرى مطلع الشهر المقبل، ويصب في مصلحة حزب بوتين (روسيا الموحدة) الذي تراجعت شعبيته 50 في المئة في استطلاعات الرأي، لما يثيره من نزعة قومية لدى الشبان الروس.

وعندما تقول موسكو انها لن تسمح بتكرار التجربة الليبية، انما تشير اساساً الى الصفعة المعنوية التي وجهت اليها عندما تمكنت الاسلحة الاطلسية من تدمير الترسانة الروسية المتطورة التي كان يملكها القذافي والتي لم تصمد شبكة دفاعها امام الصواريخ والطائرات الغربية. وهي لا ترغب في ان تشاهد الترسانة الروسية في سورية تلقى المصير نفسه.

لكن روسيا بتصويرها الوضع في سورية بأنه مواجهة بينها وبين الأميركيين والأوروبيين، تتجاهل واقع ان الانتفاضات العربية انطلقت في دول كانت تعتبر حليفة للغرب، أي تونس ومصر، وتتجاهل ايضاً ان الدول العربية هي المعني الأول بشؤونها في اطار الجامعة، وان النظام السوري الذي تدافع عنه نسخة مشوهة عن النظام الذي سقط في موسكو نفسها وأنهى حقبة من الحمايات لحكام لا يتمتعون بتأييد شعوبهم.

لكن الجواب على التحرك الروسي لم يتأخر: المبادرة العربية التي قدمت الى مجلس الأمن لم تعد صالحة والأسد فقد الفرصة التي كانت تتيحها لانتقال تدريجي، لذا أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي سحب سفرائها وطرد السفراء السوريين، تمهيداً للاجتماع الذي يعقده وزراء الخارجية العرب الأحد ويرجح ان يشهد سحب السفراء من دمشق، وربما الاعتراف ب «المجلس الوطني» ممثلاً شرعياً للشعب السوري. فتصعيد القتل الوحشي الذي يستهدف المدنيين في حمص ودرعا والزبداني لا يمكن ان يقابل بالديبلوماسية الهادئة الى ما لا نهاية بحجة الحفاظ على وحدة الموقف العربي.

وما انتقاد لافروف للإجراء الخليجي إلا دليل على صحته، وعلى انه خطوة على الطريق الصحيح لإجبار نظام الأسد على الخضوع للارادة العربية. أما السبيل الى تنفيذ ذلك فيكمن في إنجاح المسعى التركي لعقد مؤتمر لأصدقاء الشعب السوري يقرر كيفية مده بمقومات الصمود.

=================

حرير الروس... بعد «موسمه»

الخميس, 09 فبراير 2012

زهير قصيباتي

الحياة

... آخره قتل، وبعده قتل

حمص بعد درعا وحماه وإدلب، سورية ما زالت تنزف. وفيما الوزير سيرغي لافروف مطمئن إلى أن القيادة السورية استوعبت الرسالة المتأخرة للكرملين، ويظن أنه في دمشق أطلق إشارة الإنقاذ من الانتحار الجماعي للنظام والشعب، يطلق رئيس الوزراء فلاديمير بوتين تحذيراً من لعب الغرب على ساحة روسيا. يدين ما فعله «الناتو» في ليبيا، لكن عينه على مقعد الرئاسة في الكرملين، لذلك سورية حاضرة في معركته في روسيا.

يبرر بوتين «الفيتو» الثاني أخلاقياً: فليقرر الشعب السوري مصيره بنفسه. ولكن، بين قصف وقنص ودمار وحصار، مَنْ يقرر، بل مَن يجرؤ أن يختار ساعة قرار.

بين السوريين المعارضين، كما في عواصم غربية، من يشبّه مهمة لافروف في دمشق في ربع الساعة الأخير، بمهمة الوزير جيمس بيكر في جنيف، حين نقل إلى طارق عزيز الإنذار الأخير قبل «عاصفة الصحراء»، والفارق هو ان الوزير الروسي أبلغ القيادة السورية – من موقع معاكس للرغبة الأميركية – رسالة اطمئنان إلى مفاعيل «الفيتو»، مشروطة ببدء الحوار مع المعارضة والإصلاح. وبين السوريين مَنْ يتذكر أن القيادة العراقية في عهد صدام، نامت مديداً على حرير الروس، إلى أن اجتاحت الدبابات الأميركية قلب عاصمة الرشيد.

تبتهج موسكو بتحديها واشنطن وباريس ولندن، بكين تتلطى وراء الابتسامة الصفراء لبوتين، «بطل» عودة الروح الى روسيا «العظمى»... من البوابة السورية، وبدماء السوريين.

ما لا تريده موسكو هو فقدان شعبيتها العربية! الأكيد أن مسألة التنحي لم ترد في ذهن لافروف، ولا خلال مهمته التي ظن أنها تطلق قطار الإصلاح، فيما كان دوي القصف أعلى بكثير من أنين الضحايا، من كل الأطراف. حوار؟ لمَ لا، لكنه في رؤية موسكو المطمئنة إلى نيات القيادة السورية، يدور على دستور «نقي من البعث»، حاضنته السلطة، ونقي من تطلعات المعارضين، بكل ألوانهم. أي ضرورة للحوار إذا كان الحل المتاح من طرف واحد للجميع، جاهزاً؟

الموفد الرئاسي الروسي الذي لم يتراجع عن تحميل المعارضين نصيباً من العنف والقتل، فشل في الدفاع عن سمعة «الفيتو»، لأن البديل الوحيد الذي تقاتل موسكو بسلاحه هو حوار أصمّ، من طرف واحد. والضغوط التي طالب لافروف بممارستها على المعارضة كي تقبل الحوار، لم يواكبها سوى تصعيد القتل في حمص، كأنه السباق الأخير الى الحسم المستحيل.

أخلاقياً، روسيا ممانعة إزاء التدخل الخارجي لتغيير أي نظام، ولها في سابقة ليبيا ما يدعم الحجة. وإذا كان السؤال عن مقارنة الحصاد بثمنه، كسبت موسكو نقاطاً لا تلبث ان تخسرها، إذ لا يكتمل الجواب إلا بسؤال آخر: متى تكون المذبحة الكبرى معبراً الى حوار ومصالحة؟

تنام القيادة السورية على حرير الممانعة الروسية، وتنام القيادة الروسية على أحلام امبراطورية طوت أوراقها منذ سنوات طويلة. تكفي حقيقة واحدة لم تدركها موسكو بعد، ذات وجهين: أميركا وأوروبا وتركيا وغالبية العرب نفضت يدها من أي أمل بإنقاذ سورية في ظل قيادتها الحالية، وانهيار دور مجلس الأمن يضع كل هذه الأطراف في المأزق العسير كلما تمددت المذبحة.

الوجه الآخر، أن ما تشهده شوارع حمص وأرياف المدن، لا ينكّل بالمدنيين فحسب، بل يحاصر السلطة بالجنازات، حيثما يتسنى تشييع ضحايا.

كل ما تغيّر منذ ولادة مبادرة جامعة الدول العربية حتى نعيها، وسحب فريق المراقبين، أن آلة القتل تعمل بضراوة. دول مجلس التعاون الخليجي فقدت أي أمل بمخارج لحل مع القيادة السورية يعطّل «المجزرة الجماعية ضد الشعب السوري»، ودول الغرب فقدت أي رهان على مساومة تبدِّل الممانعة الروسية وصحوة بوتين على امبراطورية بادت. ستضغط دول الخليج لرفع الغطاء العربي عن أي اعتراف بالنظام السوري، ويمكنها إذا شاءت استخدام ورقة المصالح الاقتصادية مع الصين والروس. أوغلو في واشنطن سيقلّب أوراق مبادرة «غامضة»، تدرك أنقرة ثمنها الباهظ إن اختارت سيناريو «المنطقة العازلة»، ما دامت طهران جاهزة ل «تصويب الحسابات التركية الخاطئة». ولكن هل يقوى خامنئي على تحدي الحلف الأطلسي في خاصرته؟

موسكو، بكين، طهران وبغداد ودمشق، محور «الممانعة» جاهز للصدام، لكن حسابات الحرب اكثر تعقيداً بكثير من كسب عضلات بوتين معركة الرئاسة في روسيا. ولعل تحذيره الغرب من «التهور» في سورية، لا يلغي حقيقة أن عضلات إدارة الرئيس باراك أوباما، المستقوية بانسحاب «ناجح» من العراق، لا يمكنها الارتخاء في سنة انتخابات اميركية.

وبين حرير الروس وتوثب أميركا، وأوروبا «الصاعدة» في ركاب «الربيع العربي»، للرد على «استفزازات» الكرملين، تتسارع وقائع المذبحة.

=================

لا سيناريو ليبيا في سوريا!

أكرم البني

الشرق الاوسط

9-2-2012

والمعنى أنه ليس ثمة تدخل عسكري في الحالة السورية شبيها بما حصل في ليبيا، وأن ليس هناك فرصة أن يتخذ مجلس الأمن قرارا وفق البند السابع يجيز استخدام القوة لحماية المدنيين.

هي لعبة المصالح وحسابات الربح والخسارة، فالحفاظ على موطئ قدم في المنطقة وتوظيف وزنيهما في مجلس الأمن كورقة ابتزاز لاستجرار بعض المكاسب، والتشابكات المتنوعة وأهمها الاقتصادية مع إيران ومع الكيان الصهيوني، والرهان على تعميق الاستعصاء السوري لوقف تمدد الربيع العربي المهدد لمصالحهما، هي بعض أسرار الموقفين الروسي والصيني، التي تقف وراء إصرارهما على استخدام الفيتو ضد أي قرار يدين عنف النظام ويفرض عقوبات اقتصادية وسياسية بحقه، حتى وإن لم يصل إلى حد تشريع استخدام القوة أو التهديد بها!

وفي المقابل، فإن خصوصية الحالة السورية وموقعها المتشابك مع الكثير من الملفات الشائكة والحساسة، والتخوف من حصول هزة في أسباب الاستقرار السياسي في الشرق الأوسط، ومن خطورة أن يلجأ النظام السوري بالتنسيق مع بعض حلفائه، كإيران وحزب الله وحركة الجهاد الإسلامي، إلى توسيع نطاق المعركة وافتعال مناوشات عسكرية مع إسرائيل، والتخوف أيضا من أن يفتح التدخل العسكري الباب أمام تطورات غير محمودة، منها حصول تفكك للدولة السورية وإشاعة الفوضى، وتنامي صراعات أهلية تأخذ طابعا متخلفا، وانفلاتها إلى بلدان الجوار عبر مكونات عرقية وثقافية متداخلة، مما قد يهدد بإشعال المنطقة برمتها، وإذا أضفنا التكلفة الباهظة لاستخدام القوة العسكرية، خاصة إذا طال أمد المعركة، في بلد لا يمتلك موارد للتعويض كحالة ليبيا، نقف عند أهم الأسباب التي تفسر الإعلانات الصريحة من مختلف الأطراف الغربية والعربية بأن لا تفكير في التدخل العسكري، وتاليا تردد السياستين الأوروبية والأميركية وإحجامهما عن الدخول بقوة على خط الأزمة السورية كما حصل في ليبيا واكتفائها بالنوسان بين حدي، تشديد العقوبات الاقتصادية وتكرار الدعوات لتنحي النظام، وأيضا الطابع المتناقض للسياسة التركية التي تتسم غالبا بتصريحات حادة ضد النظام السوري دون أن تقترن بأفعال موازية أو مقاربة، ولا يغير هذه الحقيقة بل يؤكدها السقف المحدود لدور الجامعة العربية وفشل بعثة مراقبيها إلى سوريا، وأيضا فشلها في إصدار قرار من مجلس الأمن يدعم مبادرتها في وقف العنف ومعالجة الوضع السوري المتفاقم!

صحيح أن إصرار النظام السوري على الخيار الأمني والعسكري وإغلاق الباب أمام أية معالجة سياسية، قد أوصل البلاد إلى نفس النقطة التي وصلتها ليبيا، لكن يبدو أن المخاطر والظروف الخاصة التي تحيق بالحالة السورية لن توصلها إلى السيناريو الليبي ذاته، بل ثمة سيناريو خاص لمسار الثورة السورية ربما لا يقاربه أي سيناريو آخر، ففي كل مراحلها كان شعور الناس الأصيل بأنهم سيصنعون ثورتهم بسواعدهم، وفي كل مراحلها شكل - ولا يزال - إصرار الشعب على الاحتجاج واستبساله في الكفاح لنيل حقوقه وفداحة ما يقدمه من تضحيات، المعلم والمحرك الأساسي وربما الوحيد للمتغيرات السياسية التي تحصل، داخليا وعربيا وعالميا، فهو الذي أزاح الغطاء الدولي الذي حضن سياسات النظام ورعاها طيلة عقود، وهو الذي استجر الضغوط والعزلة السياسية والعقوبات الاقتصادية والمالية ضد النظام، التي بدأت تلقي بثقلها على المجتمع وتهز ثقة الناس بقدرة هذا النظام على تأمين الحاجات الأساسية والمعيشية، وهو الذي شجع بعد تأخر وتباطؤ الجامعة العربية على تجميد عضوية سوريا والتدخل عبر مبادرتها للعب دور أكثر وضوحا وحزما، وهو الكفيل بتفكيك ما بقي من تعقيدات وجعل استمرار النظام عبئا ثقيلا على أهله وعلى المنطقة وعلى الاستقرار العالمي، الأمر الذي سيُكره الجميع على إعادة النظر في سياساتهم ومواقفهم!

وبعبارة أخرى، فإن ما يمكن اعتباره تواطؤا دوليا وإقليميا ومداورة تجاه الحالة السورية، لا بد أن يتفكك أمام عزم الانتفاضة الشعبية وإصرارها على التغيير، فاستمرار الثورة بهذه الصورة البطولية، وما قدمته من ثمن باهظ في أعداد الضحايا والجرحى والمعتقلين والمشردين، يزيد بشكل كبير مساحات التعاطف الأخلاقي مع السوريين من قبل الشعوب والمنظمات الحقوقية والمؤسسات الإنسانية، مما يحرج مع كل يوم يمر، السياسات الرسمية الغربية والعربية ويكرهها على تجاوز سلبيتها والمبادرة للبحث عن مخارج وحلول عاجلة، والأهم أن ما سبق شكل الحافز الرئيس لتزايد المناورات الإصلاحية وتزايد أعداد الفارين والمنشقين عن القوات النظامية، وهو الذي يقف وراء ما نلحظه من إنهاك في قوى النظام السوري ومن إشارات تدل على تفكك بعض الدوائر الداعمة له وتبلور قوى داخل مؤسساته تزداد قناعة بضرورة المعالجة السياسية وتقف ضد استمرار العنف والقمع!

والحال، ثمة اطمئنان على الثورة السورية وليس من قلق حول استحالة إجهاضها وكسر شوكتها، بل من أهم خصوصيتها أن استمرارها لا يتطلب عونا خارجيا عاجلا كما كان حال الثورة الليبية حين رد التدخل الغربي كتائب القذافي عند مشارف بنغازي، فالاحتجاجات الشعبية التي تمتد في معظم المدن والمناطق السورية وتنهض كالعنقاء بعد كل جولة قمع وتنكيل، قد تجاوزت مرحلة الانتكاس ووصلت نقطة لا عودة منها، لكن لا بد أن نعترف بأن زمن التحول الثوري سيكون ثقيلا جدا في سوريا أمام آلة عسكرية وأمنية مدججة وإصرار على العنف والغلبة طلبا للحسم، وهو زمن بطيء ومكتظ بالضحايا والآلام وبمعاناة ومكابدة مستمرة، لم ولن يشهد شعب ثائر لها مثيلا، لكن ما قد يخفف من وطأته وثقله، أن تعي قوى الثورة خصوصيتها والتشابكات والصعوبات المحيطة بها، وتحذر من وضع تصورات لانتصار سريع ومن الرهان على تدخل خارجي حاسم، فليس غير الثقة بجدوى المظاهرات الشعبية والمثابرة على الاحتجاجات السلمية ونقلها إلى أطوار جديدة، مما قد يصل بالناس إلى تحقيق أهدافهم وما يتطلعون إليه!

=================

الفيتو الروسي الصيني: كيف ستتصرف أنقرة؟

سمير صالحة

الشرق الاوسط

9-2-2012

الرئيس السوري بشار الأسد الذي ردد على مسامع القيادات التركية أكثر من مرة أن مشروع التغيير في سوريا ونقل عدوى الربيع العربي إلى بلاده لن يكون نزهة، وأن تركيا أيضا عليها أن تكون جاهزة فهي جزء مما يجري وعليها تحمل المسؤوليات ودفع الثمن، يبدو أنه نجح حتى الساعة في تنفيذ ما يقول.

النظام السوري تمكن، كما هو ظاهر، من قطع الطريق على رهانات وحسابات تركيا بتطويق سريع للأزمة ومحاولة لملمة المسائل كما تريد هي وضمن حساباتها ومصالحها الإقليمية. فهو مقتنع أنه وصل إلى تحقيق الكثير مما أراد من خلال تحويل المأزق الداخلي السوري من أزمة تتعلق بالإصلاح والحريات والمشاركة السياسية إلى معضلة جيوسياسية اسمها سوريا تكاد تقود لإشعال حرب عرقية مذهبية تتجاوز الحدود السورية، بعدما أصبحت مشكلة وجود بالنسبة للكثير من التيارات والقوى السياسية الفاعلة في المنطقة. ونظام الرئيس الأسد نجح أيضا في تحويل الأزمة السورية إلى مواجهة إقليمية دولية تتلاعب بها التجاذبات والتوازنات وتطيح بالكثير من الحسابات والمصالح مع دخول قوي لحلفاء النظام على الخط مثل روسيا وإيران، وهما شريكان جغرافيان وتجاريان رئيسيان لتركيا في الوقت نفسه.

أنقرة حددت موقفها منذ بداية الانفجار في سوريا باعتمادها خارطة طريق حولتها تدريجيا إلى نصائح بوقف العنف ضد المدنيين وإطلاق سراح المعتقلين وضرورة الدخول في حوار حقيقي مع المعارضة تمهد لانتخابات ديمقراطية، ثم عادت ووسعت رقعة المطالب، أمام صمود النظام وتعنته، إلى الدعوة لانتقال سلمي للسلطة، وإعلانها أن الأسد لم يعد قادرا على الإمساك بزمام الأمور، وبدأت تحمله المسؤولية المباشرة عما يجري في المدن السورية بعدما كانت تتحدث دائما عن الدائرة المحيطة بالرئيس السوري التي تحاول التأثير على قراراته وتقيد حرية تحركه وانطلاقه. لكنها اليوم وأمام تسارع الأحداث ودخول أكثر من لاعب وسيناريو على خط اللعبة، تجد نفسها في مواجهة خيارين لا بديل لهما: القفز إلى الأمام والتحرك بطريقة أكثر تصعيدية ولغة أكثر تشددا في التعامل مع الملف السوري حتى لا تتهم بازدواجية المواقف والتردد السياسي الذي عانت منه إبان الثورة الليبية، وتطيح بالتالي بكل ما بنته وأسهمت به عربيا وغربيا، أو خيار الابتعاد عن ملف الأزمة السورية وتراجعها لصالح لاعبين إقليميين ودوليين دخلوا بقوة على خط الأزمة السورية، وهي لن تفعل ذلك لأنها تعرف أنه سيكون أكثر كلفة وأشد إيلاما لها.

تركيا تدرك مثلا أن الخطوة الجديدة التي سيقدم عليها النظام السوري هي محاولة إقحامها في مواجهة عسكرية عبر افتعال مواجهة عسكرية على الحدود التركية السورية الواسعة لتبرير مقولة «المؤامرة» ولإظهار أن هدف المتآمرين هو أبعد من دعم خطط الإصلاح والتغيير والديمقراطية في سوريا. لذلك هي تتجاهل حتى الساعة كافة التحرشات والاستفزازات اليومية ضد قراها الحدودية رغم معرفتها أنها تملك حق الرد، خصوصا أن القوات السورية دخلت إلى مناطق تم التعهد خلال اتفاقية أضنة الأمنية أن تظل منزوعة السلاح وخالية من الوجود العسكري. أنقرة، وكما فهمنا، لن توفر لدمشق مثل هذه الفرصة التاريخية من خلال سيناريو من هذا النوع باستدراجها إلى تصعيد أمني عسكري يبرر للنظام السوري مقولته حول الاستعدادات المتواصلة للتدخل العسكري في سوريا تكون تركيا رأس الحربة فيه، ثم إسقاط نظرية تصفير المشاكل مع دول الجوار عبر تحويلها إلى دبلوماسية تسخين المشاكل مع الجميع، كما يردد الإعلام السوري في إطار حملة دعائية واسعة ضد تركيا.

أنقرة تعرف منذ البداية أن النظام السوري قادر على لعب أوراق كثيرة يملكها ضدها بسبب تشابه الجغرافيا والخرائط السكانية والعرقية والدينية في البلدين، وأنه لن يتوقف عن التحريض العلوي والكردي في تركيا على طريقة «من بعدي الطوفان». فنظام الأسد، الذي يعرف تماما أنه خسر الورقة الكردية في سوريا، يحاول الآن وبكل ثقله ألا تستفيد تركيا من الإعلان عن استعداده للحوار مع المعارضة الكردية في سوريا ولمناقشة قرارات لقاء إربد في شمال العراق التي طرحت أهم المسائل التي تقلق تركيا كرديا: حق تقرير مصير أكراد سوريا بعد الإنجازات الكبيرة على الأرض في شمال العراق، ليكون كل ذلك مقدمة لطرح الحالة الكردية في تركيا.

أنقرة تردد أن الإخفاق الذي كان متوقعا منذ البداية في مجلس الأمن سببه لجوء روسيا والصين لاستخدام حق النقض وليس تفكك وتباعد المواقف الدولية حيال الأزمة السورية، وأن النتيجة التي نحن أمامها اليوم هي ظرفية لن تفسر على أنها أضعفت القوى المعارضة للنظام، بل على العكس أعطتها الفرصة الثمينة التي تريدها لإظهار أن الذين منعوا صدور مثل هذا القرار هم الذين سيتحملون أيضا مسؤولية سقوط المزيد من القتلى والجرحى والتدمير ومنح النظام السوري المزيد من الوقت والفرص للمضي في لغة القوة والعنف. حكومة أردوغان تعرف أيضا أن خيار القطيعة الباكر مع النظام قد يكون حرمها فرص التوسط والوقوف على مسافة واحدة من فرقاء النزاع في سوريا، وأن روسيا ستحاول ملء هذا الفراغ ولعب هذا الدور في المرحلة المقبلة، وأن المعارضة التركية ستلجأ لاستخدام هذه الأوراق ضدها لكنها على قناعة تامة أن مسار الأمور لن يستمر على هذا النحو رغم إدراكها لقدرة النظام السوري على المناورة وتوجيه الرسائل وتطويل عمر الأزمة.

أنقرة ستدرس بدقة مشروع الرئيس الفرنسي «أصدقاء الشعب السوري» رغم كل التصعيد السياسي والدبلوماسي الذي تسبب به ساركوزي الذي يحاول أن يلعب الورقة الأرمنية انتخابيا. فهي تعرف أن ما يقوله ساركوزي يلتقي مع الكثير مما قالته حيال مسار الأزمة السورية، وداود أوغلو لن يتردد في التوجه إلى باريس للمشاركة في الاجتماعات التحضيرية لهذه القمة، فالالتزامات الأخلاقية والشعارات التي رددها طيلة عقد كامل تمنعه من قول العكس.

=================

الشعب السوري يستغيث

حسين شبكشي

الشرق الاوسط

9-2-2012

الحديث أن نظام بشار الأسد طائفي ويرجح كفة طائفته العلوية على غيره لم يعد مجالا للبحث، والحديث عن كون نظام بشار الأسد عروبيا ومقاوما هو أكذوبة وفضحتها حقائق الأيام والأحداث، ولذلك بات من العبث الحديث عن شرعية وجدارة هذا النظام أو إمكانية تصديق وعوده والالتزام بطروحات الإصلاح التي كررها وأعادها أياما طويلة بلا مغزى ولا معنى ولا فائدة.

الآن المشهد السوري لم يعد للإصلاح ولا السياسة مكان فيه، إننا نتعامل مع كارثة إنسانية مثلها مثل الزلازل والبراكين والفيضانات، ولكنها كارثة تسبب فيها نظام «دموي» أدمن على قتل شعبه وشعب غيره. الذاكرة لا تزال حية بما حدث في «حماه»، التي مر منذ أيام ثلاثون عاما على ذكراها الأليمة، وللفلسطينيين واللبنانيين ذكريات أليمة وحزينة ودامية مع رموز هذا النظام وحاشيته الذين عاثوا قتلا ودمارا فيهم.

وها هو الابن بشار الأسد يواصل نفس النهج الدموي في شعبه ويوسع دائرة القتل لتشمل أعدادا كبيرة من القرى والمدن، ولكن ستبقى مدينة حمص أيقونة هذه الثورة المباركة التي سترفع على ضفاف نهرها العاصي راية علم سوريا الجديد الخالي من البعث، علم الاستقلال الحر، تلك الحقبة الكريمة من التاريخ السوري المجيد قبل أن يلوثها قتلة الشعب.

مشاهد الأيام الأخيرة لا يمكن التعامل معها إلا كمأساة بشرية بامتياز، مأساة أشبه ب«الهولوكوست»، محرقة اليهود الشهيرة، إبادة رواندا في أفريقيا، ومجازر دارفور، أو فظاعة الخمير الحمر في كمبوديا.. هذا هو الوضع في سوريا، حرب مجموعة ضيقة في الحكم تبيد شعبها بالطائرات والدبابات والقنابل والصواريخ وكأنها حرب مفتوحة تحاصر فيها السكان وتمنع عنهم الطعام والأدوية وتقطع عنهم الكهرباء ووسائل الاتصال وتسمم مياه الشرب وتحرمهم من غاز التدفئة.

إنها مشاهد وحشية بامتياز، مشاهد تخالف كل تعاليم الأديان والمواثيق والأنظمة والقوانين والحقوق الإنسانية، وبالتالي بات من الضروري والمهم التعامل معها على أنها مشكلة إنسانية، والتدخل الفوري لإنقاذ الشعب السوري من مصير أسود ودموي.

السوريون انتفضوا وبلا عودة، لقد قرروا التحرر والحصول على مبتغاهم الأعظم وهو الحرية والكرامة التي حرموا منها أكثر من أربعين عاما. أيقنوا أن الشعار الكئيب الذي كان النظام القمعي ينادي به، وهو: «إلى الأبد يا أسد»، كان شعارا شعبيا ولكنه في واقع الأمر كان هدفا ونهجا سياسيا يطبق بشكل مستمر وبالتدريج حتى يصبح واقعا متكاملا ومقبولا، جيلا وراء جيل، وهو ما حصل عندما ورّث حافظ الأسد الحكم بشكل «كاريكاتيري» إلى ابنه في مشهد هو أقرب للكوميديا منه إلى علوم السياسة المحترمة.

أشلاء الجثث من الأطفال والنسوة والشيوخ والرجال في حمص والزبداني ودرعا وتلكلخ تملأ هذه المدن والجرحى بالعشرات، مشاهد لا يمكن أن توصف إلا بالجريمة، ومن وراءها إلا بالمجرمين.

العالم الإسلامي كان «يهب» غضبة لرسوم حقيرة بحق نبيّه، ولقاء ما يحدث من قوى الإجرام المحتلة في إسرائيل بحق الفلسطينيين، وانتفض العالم العربي بحق محمد الدرة حين قتل بدم بارد من الجيش الإسرائيلي، واليوم هناك العشرات من نماذج محمد الدرة يقتلون يوميا ولا حراك ولا ردة فعل كافية. الضغوط الشعبية مطلوبة على المجتمع العربي والإسلامي والدولي لنجدة الشعب السوري الذي أباح النظام دمه وأطلق العنان للقضاء عليه كما يبدو بضوء أخضر واضح حصل عليه من روسيا وبدعم من العراق ومن إيران، ولكن كل ذلك سيسرع في إسقاط أي نوع من الدعم والتأييد والشرعية لنظام أجرم في حق شعبه وفقد آدميته وأخلاقه وشرعيته.

الشعب السوري يناديكم فلا تخذلوه. النظام السوري هو أشبه بمس شيطاني أصاب الشعب السوري ولا بد من إخراج المس من الجسد الطاهر.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ