ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 30/01/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

تجميد عمل المراقبين.. ماذا يعني؟

2012-01-29

الوطن اون لاين

إعلان جامعة الدول العربية أمس عن تجميد عمل فريق المراقبين في سورية نتيجة تصاعد وتيرة العنف هناك في الأيام الأخيرة، يعد خطوة أولى في الرد على استخفاف النظام السوري بالمراقبين، وانتهاكه الواضح لكل بنود الاتفاق الذي تم مع الجامعة، وقبل ذلك استهانته بدماء شعبه، واستباحته لها، فمنذ عدة أيام والأمن السوري يشن حملة قمع دموية سقط على إثرها المئات من الأبرياء.

بيان الجامعة نص على أن هذا التجميد هو حتى اجتماع المجلس الوزاري المقبل الذي سيتخذ قرارا بشأن فريق المراقبين، وبالتالي لن تتم عملية سحب المراقبين من سورية فورا حتى يصدر المجلس قرارا بذلك، وإن كانت أغلب القراءات تشير إلى أن المجلس سينهي عمل المراقبين لأن بعثة المراقبين في الأساس كانت للوقوف على التزام سورية بنص الخطة العربية وهو الأمر الذي يبدو واضحا بما لا مجال فيه للشك أن سورية خرقت كل البنود الأربعة في الخطة، وبالتالي فإن عمل المراقبين يصبح بلا أي معنى في هذا الصدد.

مربط الفرس سيكون في موقف مجلس الأمن خلال اليومين القادمين، وما يصدر عنه من قرار وعلى الأغلب ستتحول المبادرة العربية التي أقرت في اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير إلى الورقة الأساسية للمقاربة مع النظام السوري في الفترة المقبلة بحيث ينتهي عمل المراقبين وتصبح المبادرة العربية هي الأمر الوحيد المطروح على الطاولة بمباركة أممية من مجلس الأمن والقوى الدولية، ولذلك فإن المفاوضات القادمة في الأمم المتحدة ستكون هي الحلقة الأهم والأصعب في معادلة الوضع السوري خاصة في ظل الموقفين الروسي والصيني منها. في المقابل يستثمر وزراء دول مجلس التعاون وجودهم في أنقرة من أجل الحوار الاستراتيجي الخليجي التركي في إعادة تثبيت الموقفين الخليجي والتركي من سورية، وتنسيق هذا الأمر فيما بينهما، مما سيشكل مركز ثقل إقليمي أمام سورية وإيران أيضا التي تقف خلف نظام الأسد وتدعمه.

الأمير سعود الفيصل خلال مؤتمره الصحفي بأنقرة تحدث عن الوضع السوري، وكانت لفتته مهمة جدا في مسألة الاعتراف بالمجلس الوطني السوري، وهي قضية رغم أهميتها يجب أن تحسم عربيا وبتوافق عربي حتى يكون لمثل هذا الاعتراف القوة والحجة اللازمتين، وهو ما أوضحه الأمير خلال المؤتمر، ولذلك من المتوقع أن تترادف خطوات الجامعة مستقبلا مع تحرك يهدف لتدعيم المجلس الوطني السوري.

=====================

قرار صائب

رأي الراية ..

الراية

92-1-2012

لم تجدِ مناشدات الجامعة العربية للنظام السوري بوقف العنف وقتل المدنيين نفعًا،دليل ذلك التصعيد الخطير الذي مارسته السلطات السورية خلال الأيام الأخيرة والذي أدى إلى استشهاد المئات من المواطنين السوريين خصوصًا في مدن حماة وحمص وإدلب وريف دمشق ودرعا ودير الزور والذين قضى بعضهم ذبحًا ومنهم أطفال على أيدي من يسمون بالشبيحة وعلى خلفية طائفية واضحة.

الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي اتخذ بالتشاور مع وزراء الخارجية العرب قرارًا صائبًا ولافتًا وفي محله تمامًا قبل أيام قليلة من عرض الملف السوري على مجلس الأمن الدولي ، بإعلانه قرار وقف عمل بعثة المراقبين العرب في سوريا بشكل فوري متهمًا الحكومة السورية "بتصعيد الخيار الأمني" وهو ما أدى إلى ارتفاع أعداد الضحايا.

من الواضح أن النظام السوري اتخذ قرارًا في مواجهة المبادرة العربية التي دعت إلى تأمين انتقال سلمي للسلطة في سوريا بالحسم العسكري ومواجهة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالحرية والتغيير والديموقراطية بالقتل والعنف آملاً في القضاء المبرم على الثورة في سوريا قبل عرض الملف السوري على مجلس الأمن الدولي وهو ما فشل في تحقيقه سابقًا وسيفشل به لاحقًا لسبب بسيط أن الشعب السوري قد اتخذ قرارًا لا رجعة فيه بالتغيير وأن الرد على الاحتجاجات الشعبية بالرصاص سيلقي مزيدًا من الزيت على نار الانتفاضة ولن يوقفها. قرار الأمين العام للجامعة العربية بوقف عمل بعثة المراقبين العرب يسحب البساط من تحت أقدام النظام السوري الذي استغل وجود المراقبين العرب ليضفي الشرعية على ممارساته القمعية ويؤكد ما شهد به العديد من المراقبين العرب الذين انسحبوا من البعثة عن أساليب النظام الوحشية في قمع الاحتجاجات واستهداف المواطنين الآمنين بشكل عشوائي وعلى خلفية مذهبية.

إن المجتمع الدولي مطالب الآن أكثر من أي وقت مضى بإدانة النظام السوري الذي لجأ إلى تصعيد الخيار الأمني في تعارض كامل مع الالتزامات المنصوص عليها في خطة العمل العربية وبروتوكول بعثة مراقبي جامعة الدول العربية، وهو ما زاد من تدهور الأوضاع الأمنية بشكل خطير وأدى إلى ارتفاع في أعدد الضحايا واتجاه الأحداث نحو منحى مذهبي يهدد باندلاع حرب أهلية في البلاد الأمر الذي يستدعي بالفعل قيام المجتمع الدولي بواجبه تجاه الشعب السوري والبدء في توفير الحماية الدولية للمدنيين من خلال إعلان مناطق آمنة توفر الحماية لهم. كما أن مؤسسات الأمم المتحدة مدعوة على الفور لتقديم المساعدة الإنسانية والإغاثية إلى المدن السورية التي تشهد أعمال عنف دامية.

=====================

مدى ملاءمة السيناريو اليمني للحالة السورية

مها بدر الدين

الرأي العام

29-1-2012

اتفقت جميع الجهات المعنية بحل الأزمة السورية على تقديم مبادرة عربية بنكهة يمنية كحل سياسي قد يرضي أطراف النزاع القائم في سورية سواء النظام الأسدي أو أطياف المعارضة وحتى الشارع الثائر رغم تحفظاته الكثيرة على بنود المبادرة كونها لا تتناسب زمنياً مع قوة الهجمة البربرية العسكرية تجاه المواطنين السوريين الثائرين سلمياً.

هذه المبادرة التي انبثقت عن جامعة الدول العربية بعد دراستها لتقرير بعثتها الرقابية ممهوراً بتوقيع رئيسها سيئ الصيت والذكر، قد أعلنت بشكل واضح وصريح انتهاء حكم بشار الاسد وسقوط نظامه الفاشي، ودعت إلى العمل على إيجاد السبل الكفيلة بإخراجه من دائرة الضوء السياسية السورية وإقصاء رموز الفساد السياسي والاقتصادي والأمني وتسليم السلطة للمعارضة السورية الممثلة للثورة السورية خلال جدول زمني تضمنته بنود المبادرة، ورغم أن هذه المبادرة كانت أقصى ما يمكن للجامعة العربية أن تقدمه للشعب السوري كحل سياسي، إلا أنها أغفلت أو تغافلت عن نقاط الاختلاف بين الواقع اليمني والحال السوري وبالتالي صعوبة تطبيق هذا الطرح على الساحة السورية لأسباب جوهرية.

أولها طبيعة التركيبة الإدارية والعقائدية لكلا النظامين، فالنظام اليمني يعتمد في تركيبته على رئيس الدولة وعائلته الصغيرة والحلقة الضيقة من العائلة الكبيرة وبعض المحابين من العشيرة والمستفيدين من هذا النظام لكن الكلمة العليا في هذا التشكيل للرئيس وحده الذي يسيطر على جميع مفاتيح هذه التركيبة وبالتالي يتحكم بتنفيذ قراراته وتعهداته أمام المجتمع الدولي والعربي، أما النظام السوري فإنه نظام أخطبوطي له رأس واحد يتمثل برئيس الجمهورية والكثير من الأذرع الممتدة هنا وهناك وكل منها يمسك بما قدر له من مقدرات الدولة السياسية والاقتصادية والأمنية، ورغم أن جميع هذه الأذرع تتصل برأس واحدة إلا أن الخلل في قدرات هذا الرأس السياسية والديبلوماسية أدى إلى فقدانه السيطرة على أذرعه وبالتالي أصبح لكل ذراع الحرية في التحرك نحو الاتجاه الذي تراه مناسباً من وجهة نظرها لتحقيق أهدافها في الاستمرار والبقاء بعيداً عن الرأس الذي تحول بتخبطه العسكري وعدم نضوجه السياسي عبئا على الكثير من هذه الأذرع التي ترى في نفسها الكفاءة لتحل محل الرأس المختل، فالنظام السوري لا يحكمه بشار الأسد فقط بل يشاركه في الحكم مجموعة من أفراد أسرته لكل منهم طموحاته وأهدافه ورؤيته لمجرى الأحداث، بل أن هذه المجموعة تستطيع التحكم بقرارات الرئيس نفسه وتفرض على الواقع السوري بصمتها الخاصة، كما أن للطائفة التي ينتمي لها الرئيس دورا سياسيا مهما تمارسه من خلاله بوصفه مسؤولاً عن الحفاظ على الحكم العلوي الذي شيده والده على دماء الكثير من أبناء الشعب السوري، ويصعب على الكثير من أفراد الطائفة التخلي عن فكرة تسيدهم على الشعب السوري بعد أن تمتعوا ببهجة هذه السلطة ورخائها لأكثر من أربعين سنة مضت كانت لهم خصباً وثراء وكانت للشعب قاحلة جدباء.

ثانيها البعد الإقليمي لكلا النظامين، فالنظام اليمني ينحصر دوره الاقليمي في منطقة الخليج التي تجمعها مع اليمن البيئة الخليجية الاجتماعية والسياسية والثقافية والإنسانية، من هنا انحصر التدخل الخارجي في الشأن اليمني بالمبادرة الخليجية التي استطاعت أن تسيطر نوعاً ما على الوضع اليمني واستطاع القائمون عليها إقناع علي صالح بتوقيعها والعمل بمقتضاه وقد كان، أما النظام السوري فله دور اقليمي متشعب مع دول عربية وغير عربية حدودية وغير حدودية إسلامية وغير إسلامية، ولهذا الدور الكثير من التفاصيل الغامضة التي لا يحيط بها الكثيرون ومنها بعض الخطوط العريضة التي أصبحت واضحة للعيان ولا يمكن للمرء أن ينكر وجودها، من أهمها الخط الإيراني الذي يتداخل عقيدياً وعقائدياً مع النظام السوري الحالي بحيث يصعب على الإيرانيين التخلي عن هذا النظام لأن في هذا تخليهم عن عقيدة أساسية في انتمائهم الديني وعن حلم قديم يحاول الفرس تحقيقه في ربط طهران بالجنوب اللبناني عبر المرور من دمشق واللعب على أوتار الطائفة، وهناك الدب الروسي العنيد الذي لم يجد حتى الآن من يدفع له أكثر ثمن إغلاق قاعدته العسكرية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط المشيدة على الساحل السوري والتي تعتبر متنفسه الوحيد لتحقيق التوازن الاستراتيجي مع التواجد الأميركي في المنطقة، كما لا ننسى إسرائيل التي لا تجد حتى الآن مصلحة لها في التخلي عن حارسها الأمين وحليفها السري المخلص الذي لم يدخر وسعاً خلال أربعين سنة من الحفاظ على هدوء حدودها من الناحية السورية.

ولعل اختلاف التركيبة السكانية في كلا البلدين تلعب دوراً مهما في إمكانية تطبيق هذه المبادرة، فالشعب اليمني له مرجعية عشائرية يلتزم بها عند اللزوم ويرضخ لقرار شيوخها في تحريك الشارع اليمني، أما المجتمع السوري ففيه تنوع اثني عشري كبير تمتاز الاقليات فيه بوجود مرجعيات لها توجهها حسب ما تراه، أما الأغلبية السنية صاحبة الثورة ومحركها الأساسي لا يوجد لها مرجعية واحدة وبالتالي يصعب التحكم بحركتها في الشارع وبتوجهات أفرادها السياسية والميدانية، كما أن التعسف في استخدام القوة العسكرية بشكل إجرامي وممنهج يجعل من تقبل الشارع السوري للمبادرة العربية التي تنقذ رأس النظام من جرائمه وتترك أذرعه منطلقة تعيث فساداً ودمارا في البلاد أمراً بالغ الصعوبة.

من هنا يصعب الحكم على مدى ملاءمة هذا السيناريو للحالة السورية وعلى إمكانية تحقيق هذه المبادرة العربية المستنسخة من المبادرة الخليجية في اليمن، لاختلاف الحال السياسي والواقع الميداني وموقف الشارع والنظام الذي أن قبل رأسه بها فقد تلفظها أذرعه لنعود للدوران بدائرة الجامعة العربية الفارغة.

=====================

لو كان من أمري .. السعودية: الشعب السوري أولاً!

بينة الملحم

الرياض

29-1-2012

المتابع للصحافة السورية والإعلام السوري التابع للنظام يلحظ هجمةً شرسة على دول الخليج التي قررت سحب مراقبيها من "بعثة الدابي" والتي لم تعد عربيةً بالمعنى المؤسسي، بل هي بعثة شخصية فقدت فاعليتها بانسحاب دول الخليج كلها من تلك البعثة. الهجمة التي تدار على السعودية ودول الخليج ضمت مغالطات وشائعات، والكثير من الهجوم الشخصي العنيف الذي لا يستغرب مثله من مثل نظامٍ سوري وصفه وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل بأنه "نظامٌ يقتل شعبه" هذا الوصف يكفي بموضوعيته ودلالته. يعلم النظام السوري أن السعودية لم تكن ضد أحدٍ لأنها تريد أن تكون ضده، بل إن مواقف السعودية ذات أبعاد أخلاقية وإنسانية، فليس لها في سوريا أي مصلحةٍ أو أي طموحٍ للنفوذ.

في الثمانينيات وعلى عهد حافظ الأسد حين حوصرت سوريا اقتصادياً من الولايات المتحدة كانت السعودية هي التي دعمت سوريا عن طريق دعمها لليرة السورية أو شراء احتياطي العملة الصعبة وضخها في دورة الاقتصاد السوري، هذا الموقف ينسجم تماماً وموقف السعودية الحالي من النظام السوري، لأن كلا النموذجين يعبران عن وقوف السعودية مع الإنسان السوري فهو الثابت أما النظام الذي يقتل شعبه فليس جديراً بالتضامن معه. وقوف السعودية مع الشعب السوري حالياً عن طريق التصريح المدوي والتاريخي لسعود الفيصل الذي وضع الأسد ونظامه أمام الله، وأمام المسؤولية الأخلاقية والشيم العربية، ففي الوقت الذي يدافع فيه وليد المعلم عن القتل في سوريا نكتفي بإعادة سؤال الفيصل المهم:"هل من شيم العروبة أن يقتل الحاكم شعبه؟".

هناك ثوابت في السياسة السعودية لا يمكن التغافل عنها، وهي ممكنة لمن قدر له قراءة العلاقات بين سوريا والسعودية. هناك فرق بين السياسات التي تتبع مبدأً ميكافيلياً صرفاً في الإدارة للعلاقات والمصالح بحيث تكون الوسائل كلها متاحة مادامت توصل إلى الغاية، وبين أن تكون السياسات مرتبطة بالأخلاق والإنسانية في التعامل مع الأزمات. هناك ثابت إنساني أساسي في إدارة السعودية لأي أزمةٍ ولأي ملف. أما وكالة الأنباء السورية، وصحيفة الوطن السورية بافتتاحياتها فهي وسائل إعلامية تريد الانتقام من السعودية التي لم توافق أصلاً على أي إبادة لأي إنسان، السعودية التي وقفت ضد هجوم إسرائيل على لبنان سنة 2006 هي ذاتها التي تقف ضد هجوم النظام السوري على السوريين حالياً.

تشير بعض وسائل الإعلام السورية التابعة للنظام إلى أن الموقف السعودي تجاه النظام السوري يتماهى مع الموقف الأمريكي، متناسيةً أن السعودية كانت مع الشعب السوري حين كان الحصار الأمريكي على سوريا على أشده على عهد حافظ الأسد، فالمواقف السعودية أو الخليجية تجاه الوضع في سوريا مواقف أخلاقية وإنسانية، لأن السياسة لدى السعودية ذات أبعاد أخلاقية، ومحاولة النظام السوري تبرئة ساحته من العنف الحاصل وذلك من خلال تقارير "بعثة الدابي" لن تجعل العالم يصدّقه، حتى وإن اتخذ من المقولة الهتلرية شعاراً حين أوصى الإعلام بأن يكذب، ويكذب، ويكذب، حتى يصدّق الناس!

في المؤتمر الصحافي الأخير الذي عقده وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم حاول أن يبدي النظام بشكلٍ "مسكين" وترحّم على "شهداء القوات الأمنية" واعتبر ما يجري في سوريا مجرد محاولة لضبط الأمن وملاحقة "جماعات العنف"! ومن ثم عرج على مواقف دول الخليج واتجه نحو العبارات الشعرية والأمثال حين شبه نظامهم بأنه الجبل الصامد الذي لا تهزه الرياح، وبأن سوريا فتحت المجال لقنوات إعلاميةٍ للتغطية، بينما يبث التلفزيون السوري برامج متهالكة مزيّفة تدعي أن الوضع في سوريا على خير ما يرام.

يتكئ النظام السوري في مواجهة العالم على عاملين اثنين، أولهما: عامل النظام الإيراني، الذي يمده بالسلاح والمال بل والأيدي المقاتلة، ففي 27 يناير أعلن "الجيش الحر" أنه قبض على مسلّحين إيرانيين يقاتلون إلى جانب النظام السوري، غير أن إيران لن تستمر في الدفاع عن النظام إلى الأبد، لأنها إن استمرت ستكون في حالة استنزافٍ مالي وسياسي، وهي مستنزفة أصلاً مع الملف النووي والعقوبات الاقتصادية التي تطارها، العامل الثاني: روسيا، وتصريحات "لافروف" عبّرت عن انفتاحٍ بشأن الملف السوري بمجلس الأمن، لكن يبدو أن الثمن الذي على الولايات المتحدة أن تدفعه لروسيا مقابل التنازل عن القوة الكبيرة التي تمثلها قواعدها في سوريا سيكون باهظاً، لكن ربما تمنح الولايات المتحدة روسيا امتيازاتٍ ونفوذ مقابل التخلي عن الملف السوري والدخول ضمن الموقف الأممي تجاه النظام السوري.

هناك حالة غليان جديّة ضد النظام السوري ونشطت خلال الأسبوعين الأخيرين، وستزداد لأن "المهل" و "المبادرات" لم تجر إلا المزيد من استهتار النظام بالعالم، واسترخاصه لأرواح الشعب السوري، ثم يأتي المعلّم ليعلّم العرب "العروبة" لكن لأول مرة يكون "قتل الحاكم لشعبه" من شيم الرجولة، فيا للعجب!

=====================

كلمة الرياض .. سورية أمام التدويل..

يوسف الكويليت

الرياض

29-1-2012

الأزمة المالية، لم تبعد اهتمام جناحيْ القوة، الغرب والشرق ، عن هموم المنطقة العربية ومحيطها الإقليمي، فعلى رأس القائمة تأتي إيران ونوازعها وتهديداتها ثم امتلاك سلاح نووي يراه الغرب تهديداً مباشراً له، ثم سورية بتداعيات وضعها المعقد، وسلطتها التي اختارت طريقاً متعرجاً وحاداً، أجبر دول الجامعة العربية، على التدخل لمصلحة سورية في معالجة الوضع ضمن الأسرة الواحدة، إلا أن الحكم الذي تعود الالتفاف على المواقف وسرقتها ثم تبريرها أو السخرية منها، وضع السلطة أمام تعقيدات لم تتصور أن تأتي من دول لا تتفق على رأي، لكن ما حدث أسقط الواجب العربي لصالح التدويل..

خروج القضية سيضع (سيناريوهات) جديدة، أي أن احتمالات التدخل العسكري قد لا تكون واردة، أو على الأقل في الأفق الراهن، لكن إيجاد منطقة أو أكثر عازلة على حدود بعض الدول العربية أو تركيا، سيضع النظام أمام انشقاقات كبيرة في الجيش وأجهزة الأمن، وسيتدفق العديد من المتطوعين الذين قد يشكلون أحزمة داخلية على القوة النظامية، والأخذ بتجربة العراق، في المقاومة السرية، أو العمل على تفجير المواقع الاستراتيجية للدولة لما يشبه طريقة اضرب، واهرب، لتتوالى عمليات الاغتيال والخطف داخل الأزقة والمراكز الحساسة التي لا تستطيع الوصول إليها بقوتها النظامية، ومع هذا السيناريو دعم وحماية دولية وعربية وإقليمية لتلك العناصر..

الجانب الآخر المقاطعة الاقتصادية والحظر للطيران العسكري ومراقبة المنافذ البحرية والبرية والجوية، بما لا تقوى عليه الأنظمة العربية، ولكنها سهلة التنفيذ على قوى خاضت مثل هذه الإجراءات في العديد من المواقع وأقربها العراق وكوريا الشمالية، ثم ليبيا التي أدت إلى إسقاط القذافي..

الأسد يعيش وهم حماية روسيا وإيران، والأخيرة قُبض على أفراد من جنسيتها يساعدون نظام الأسد، لكن روسيا، مهما أرعدت وأبرقت لا تستطيع الدخول في مغامرة عسكرية أو حتى سياسية تجبر الغرب على الانسحاب، وكل ما تعمله هو التمسك برؤية أنها قوة عظمى موازية للغرب، وهذا فرض هيبة الاتحاد السوفياتي قديماً ولكن في الحال الراهنة اختلفت الموازين لكل القوى، ورهان روسيا على سلطة مقابل شعب، مجازفة غير محسوبة، صحيحٌ أنها استفادت من بلايين إيران والعراق مقابل هذا الموقف، لكنها لا تستطيع الاستمرار بدبلوماسية خارج المنطق، لأن الغرب، في أي حال، يجد سنده من أغلبية شعبية تقودها معارضة داخلية وخارجية، بينما روسيا تتكئ على نظام معزول من شعبه ومن محيطه العربي، عدا العراق الذي يمر بأزمة خانقة داخل السلطة التي صارت قوى متضادة منذرة بحرب أهلية..

كلّ التوقعات والترشيحات لا تعطي صمود الحكم لأكثر من أشهر بناء على تقارير من داخل ميدان المعركة، ولعل الهروب من المراقبين العرب، ومضايقتهم، لم يمنعا من كشف الحقائق بوسائل عجزت السلطة عن التعامي عنها وهي تبث كل شيء من داخل الشارع والمنزل..

التدويل خطوة جعلت الدول العربية تلجأ لها تحت ضغط فرضَ عليها أن تكون مساهمة في إنقاذ وحماية الشعب السوري، وهي نهاية طبيعية أمام نظام لا يقرّ إلا بأفكاره..

=====================

فك الاشتباك بين السّلمية وحق الدفاع عن النفس في سورية

د. وائل مرزا

الأحد 29/01/2012

المدينة

في بدايات الملحمة السورية الكبرى، كنت تُبصر في التظاهرات لافتةً كُتبت عليها الآية الكريمة المعروفة: {لئن بسطتَ يدك إليّ لتقتلني ما أنا بباسطٍ يدي إليك لأقتلك}. كان رفعُ هذه الآية محاولةً لمخاطبة ماتبقّى من إنسانيةٍ في قلوب من تبيّن بعد ذلك أنهم أبعد مايكونون ابتداءً عن امتلاك صفات البشر. تتعلق الآية المذكورة أصلاً بقصّة قابيل وهابيل كما تقول بعض الروايات، وهي تقدم نموذجاً لمحاولةٍ استباقية يقوم بها إنسانٌ ليحمي أخاه الإنسان من الوقوع في أكبر جريمة يمكن أن يقع فيها، ألا وهي جريمة القتل.

يستعمل الإنسان الخيّرُ (الكلمة الطيبة) في محاولته تلك ليمنع وقوع جريمةٍ على المستوى الفردي. لكن النجاح في تحقيق الهدف من خلال إرسال تلك الرسالة يتطلب وجود جهاز استقبال لدى الإنسان الآخر.

ذرةٌ من ضمير تكفي في هذا المجال حتى لانطلب شيئاً أكثر من ذلك.

أما حين ينحطُّ الإنسان فيفقد كل مقوماته وصولاً إلى تلك الذرّة. وحين يُمسي القتلُ بالجملة وعن سابق نيةٍ وإصرار هو القاعدة، خاصةً لمن يُفترض بهم أن يكونوا أهلاً ومواطنين، فقط لأنهم يطالبون بالحرية والكرامة، فإن الحكم على الموضوع يُصبح مختلفاً بكل الشرائع والقوانين.

يحاول النظام السوري أن يقتل طهارة الثورة السورية، وأن يُشوّه نقاءها الأصلي، باستخراج أخسّ مافي شخصية زبانيته وأعوانه. فحين يُمعن في ممارسات القتل العشوائي الشامل بكل ألوانها وأساليبها كما جرى في الأيام الماضية، وكما يجري إلى الآن، يُصبح ذلك القتل هدفاً ووسيلةً في آنٍ واحد.

فالقتل هدفٌ لأنه يرمي إلى تصفية أكبر عدد ممكن من الثوار وأنصارهم. وهو وسيلةٌ لأنه يرمي إلى خلط الأوراق من خلال إظهار عمليات الدفاع المشروعة عن النفس وكأنها دليلٌ على أن الثورة السورية عنيفةٌ ومُسلحّة.

والحقيقة أن هذه الثورة تواجه تحدياً كبيراً في هذا الإطار. لكنها تُظهر قدرةً على مواجهة هذا التحدي والعمل وفق التوازنات الدقيقة المطلوبة فيه. ثمة أمثلة كثيرة على الموضوع نطرح منها مثالاً معبراً في هذه العجالة. فعندما نادى البعض بتسمية يوم الجمعة الماضي ب (جمعة الجهاد)، طرحت صفحة الثورة السورية ضد بشار الأسد، أكبر صفحات الثورة على الإنترنت، والتي تنسق تسمية أيام الجمع الرأي المعبّر التالي:

«بالنسبة لما توارد عن تسمية يوم الجمعة القادمة باسم جمعة الجهاد :

صفحة الثورة لن تطرح تسمية الجهاد الجمعة القادمة، وإن كانت قد وصلتها أكثر من مرة في الأسابيع الماضية .. لأنها تعلم تبعاتها وآثارها .. وتعلم أن رسالتها - ككلمة - لا تمثل كل فكر السوريين، فلن تفرض عليهم شيئا لا يريدونه، وإن كان بوسيلة ديمقراطية صحيحة.. فالغاية لا تبرر الوسيلة..

صفحتنا بادرت بجهد تسمية أسماء الجمع، وتنسيق طريقة طرح خيارات التصويت - فليست كلها منها - على اعتبار أن بها أكبر عدد من المعجبين، فبالتالي فهي النافذة الأكبر لهم.. وكانت تجتهد ما استطاعت، فتصيب وتخطئ .. فالقائمون عليها ليسوا ملائكة كذلك .. لكنهم يبذلون ما استطاعوا لأن يكونوا بحق صوتا يمثل الثورة والثوار ..

فلنلتمس لبعضنا الأعذار، بدلا من أن نتصيد الأخطاء .. ولنحسن الظن ببعضنا ونوايانا، بدلا من أن نطلق الاتهامات يمينا ويسارا .. ففي النهاية نحن في خندق واحد، أمام مجرم واحد .. وفرقتنا لن تعين غيره.

منذ أول بخة لطفل على جدران درعا، منذ صرخة الميلاد الأولى في سوق الحميدية: الشعب السوري ما بينذل، منذ أول هتاف - كان يعد جنونا - في شوارع مدننا وحاراتنا؛ فقد كان ذاك هو إعلان الجهاد، بل أعظم أنواع الجهاد .. كلمة حق عند سلطان جائر !

علينا أن نتحرر من ضيق المصطلحات إلى سعة القيم، ومن التسميات الصغيرة إلى النتائج الكبيرة.. ليس فرقا إن سميناه جهادا أو لا، ما دمنا نجاهد هتافا ومظاهرات ..

لكن .. علينا أن نعترف بحق بعضنا بتسمية ما يريد انطلاقا من معرفته ورأيه .. فهذا حقه، فليست الإشكالية أن يسمي كل منا ما يريد، بل أن نفرض على بعضنا أسماء لا نريدها..»

أدرك القائمون على الصفحة أن القضية تتجاوز المفردات إلى معانيها الكبرى، وأنها يجب أن تُوضع في سياقٍ يُحيط بجميع الظروف المعقّدة التي تُحيط بالثورة السورية. وبعد حوارٍ مع رواد الصفحة اتفقت الأغلبية على أن هذه الملحمة العظيمة سلميةٌ في جوهرها، وأنها كانت وستبقى كذلك، وأن هذا لايتضارب أبداً مع تسمية الجمعة بما تمّ الاتفاق عليه: (جمعة حق الدفاع عن النفس).

=====================

التعنُّت السوري دافعه الصمت الدولي

د. محمد عثمان الثبيتي

الأحد 29/01/2012

المدينة

يُمارِس المُجتمع الدولي المؤثر – بالطبع – في تغيير مُجريات الأحداث صمتاً رهيباً حول تداعيات الأوضاع المأساوية في سوريا ، والمُتتبع لمواقف هذا المُجتمع خلال ثورات الربيع العربي يجد تبايناً غريباً في آليِّة التعامل مع كل ثورة ؛ ومع أنها كانت إيجابية في أكثر من ثورة ، خاصة في ليبيا ؛ إذ قامت قوات التحالف بالتدخل العسكري للحد من شراسة القذافي المُمارَسة على شعبه تحت ذريعة تطبيق القانون الدولي ، واستبشرنا خيراً بنزاهة هذا المجلس الذي سيكون عوناً للضعيف في عالم تحوَّل إلى غابة يتربص فيها القوي بالضعيف ، ولكننا في الشأن السوري انقسم هؤلاء المؤثرون في مجلس الأمن الدولي على بعضهم ، فروسيا والصين وقفت في وجه بقية الدول صاحبة الفيتو فيه ، دون تقديم مُبررات مُقنعة ، سوى منح الخيار السياسي فرصته الكافية لحل القضية ، ربما يكون الموقف الروسي واضحة دوافعه ؛ فالتحالف التقليدي بين سوريا وروسيا قطفت ثماره الأولى في هذا المُنعطف التاريخي في حياتها ، ولكنه – للأسف - على حساب المبادئ التي تُنادي بها روسيا دوماً ، والتي بناءً على التزامها بها أصبحت عضواً دائماً في هذا المجلس ، فالسؤال الذي يجب أن يوجه لمجلس الأمن في هذا السياق : ما هي المعايير التي بناءً عليها يتم اتخاذ قرار دولي حيال قضية من القضايا في أي منطقة أو دولة من عالمنا الفسيح ؟ وبمعنى أوضح : هل يوجد معايير واضحة ومنصوص عليها لا تخضع للاجتهاد ، ولا ترضخ للمصالح الشخصية لأي دولة عضو في مجلس الأمن ، أم أن ثمة اتفاقا ضمنيا بين الدول الخمس الكبرى المُشكلِّة لهذا المجلس بأن هناك خطوطاً حمراء لكل دولة – ترتبط بمصالحها – تذبل عندها كل القيم التي يدعي مجلس الأمن أنه حارس لها؟

إن الصمت المدوي حيال الموقف السوري يجعلنا نتوقف قليلاً ، ونُفكِّر كثيراً في مصداقية مجلس الأمن الدولي آنيِّاً ومستقبلاً - مع قضايا الشعوب المغلوب على أمرها من حكامها وأنظمتهم الفاسدة التي جثمت على أنفاسها عقوداً من الزمن ، واستنزفت مُقدراتها الوطنية ، وصادرت حرياتها الشخصية ، وسفكت دماءها الزكية ، وللأسف كل هذا يحدث في سوريا على مرأى ومسمع من العالم ، وتنقله الفضائيات على الهواء مباشرة ؛ وكأن هذا الشعب الثائر في وجه الطغيان لا قيمة لإنسانيته ، ولا تقدير لكفاحه المستميت لإزالة الظلم عن كاهله ، والبحث عن حياة كريمة آمنة لا تُنغِّصُها اقتحامات مفاجئة ، ولا اعتقالات عشوائية ، ولا استفزازات استخباراتية بين الفينة والأخرى .

لقد وصل السيل الزبى في سوريا ، والجميع يبحث عن آليِّات لمُخرَج من هذا المأزق ، فالعرب فشلوا في حلها عربياً ، وحزموا حقائبهم للذهاب يوم غدٍ الاثنين إلى نيويورك لتسويق مبادرتهم دوليِّاً ، والغرب لا زال يعمل على بلورة آليته التي سيتقدم بها مُجدداً لمجلس الأمن بعد أن فشل في إقناع روسيا والصين في السابق وكأن ما يحدث على الأرض في سوريا لا يُعد عنفاً ، وروسيا تدَّعي انفتاحها على كل الحلول السلمية وترفض استخدام العنف ، وأمام التداعيات السلبية لهذا المُثلث ذي الأضلاع المُتهالكة ؛ ضاع شعب بأكمله .

====================

التصعيد السوري

الشرق القطرية

التاريخ: 29 يناير 2012

لم يكن قرار جامعة الدول العربية امس بشأن الوقف الفوري لعمل بعثة المراقبين العرب في سوريا، مستغربا في ظل التصعيد العسكري المثير للقلق الذي قام به النظام الحاكم بقيادة الرئيس بشار الاسد والارتفاع الكبير في اعداد الضحايا بعد ان اقتحمت آلة القمع والقتل المدن والبلدات السورية في محاولة لإسكات حركة الاحتجاجات المتنامية.

ففي خلال يومين سقط اكثر من مائة قتيل وتصاعدت نداءات الاستغاثة في انحاء سوريا بسبب الحملة الامنية الشرسة التي تتعارض بشكل سافر مع المبادرة العربية الاولى التي قبلت بها دمشق والتي تنص على وقف العنف وسحب الجيش والدبابات والاسلحة الثقيلة من المدن.

ان مهمة المراقبين، كما هو معلوم، هي التحقق من التزام النظام السوري الكامل ببنود المبادرة العربية، غير ان ما يحدث حاليا من مجازر يجعل من وجود المراقبين على الارض أمرا لا معنى له اذ ان العالم كله يشهد، دون حاجة الى مراقبين، ان عمليات القتل لا تتوقف وان السلاح يوجه الى صدور المتظاهرين، وان النظام لا يتراجع عن التصعيد في "الخيار الامني" الى اقصى حد ممكن.

لا شك ان المجتمع الدولي ممثلا في مجلس الامن بات مطالبا أكثر من اي وقت مضى باتخاذ ما يلزم من اجراءات تكفل حماية الشعب السوري من الجرائم التي ترتكب في حقه.

غدا يتوجه معالي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية ورئيس مجلس الجامعة العربية ومعه الدكتور نبيل العربي الامين العام للجامعة باسم العرب الى الامم المتحدة ليضعا العالم أمام مسؤولياته بشأن الوضع المقلق في سوريا.

ان التطورات الخطيرة الجارية حاليا، تستوجب اجراءات حاسمة وحازمة بما يكفي لتأمين الحماية اللازمة للشعب السوري، ولا يكفي ان تكون هذه الاجراءات حاسمة فقط، بل وعاجلة ايضا، ذلك ان كل ساعة تمضي تعني مزيدا من الضحايا الابرياء الذين سيحمل المجتمع الدولي وزرهم.

=====================

ضرورة الحل العربي

رأي البيان

التاريخ: 29 يناير 2012

البيان

تصاعد حدة العنف في سوريا خلال الأيام الأربعة الأخيرة، يشير إلى أن الجامعة العربية فشلت في وضع حد لدوامة القتل التي تحصد في طريقها أرواح السوريين الأبرياء، ولذلك فإن المطلوب من المجتمع الدولي وقفة جادة أمام هذا الملف، الذي يحاول أكثر من طرف دولي وإقليمي اللعب فيه بغية تجييره لخدمة مصالحه.

وحدها المبادرة العربية، التي حرصت على إيجاد حل متوازن يحفظ أرواح السوريين، ويؤمن مخرجاً مشرفاً لطرفي الأزمة، هي التي تصلح للخروج من هذا النفق المظلم الذي يخسر فيه الأشقاء السوريون كل يوم المزيد من أرواح الأبرياء.

لا يحق لأي طرف في العالم أن يزايد على العرب لجهة حرصهم على سوريا وخشيتهم عليها من مصير مظلم ينتظر مستقبلها، في حال استمر الحل العسكري الأمني مسيطراً على باقي الحلول.. ولا يحق لأي جهة أن تدعي حقاً بالاعتراض على ما أجمع عليه العرب، خصوصاً إذا كانت جهة متورطة في الانحياز إلى جانب السلطة، وتزودها بأسلحة الفتك التي تستخدم ضد الأحياء المدنية، تحت أي ذريعة كانت.

ولعل جوهر المبادرة العربية الذي يجد رفضاً من بعض الأطراف، هو أن الأوطان أثمن من الزعماء، ولا يمكن لأي زعيم مهما علا شأنه أن يكون أهم من بلده، رغم ما يحاول بعض الأطراف الدولية التأكيد عليه، متجاهلين أرواح ومشاعر ورغبات السوريين الذين خرجوا وما زالوا يخرجون بمئات الآلاف للتعبير عن موقفهم، على الرغم من حملة القمع الدموي غير المسبوقة التي تستهدفهم.

لا بد من إنجاح الحل العربي، وتقويته بقرار دولي، وإلا فإن السيناريو الأسوأ هو الذي ينتظر هذا البلد العربي المحوري.

لقد كان هناك تفاهم دولي اتفقت عليه جميع الدول الأعضاء في مجلس الأمن، مقتضاه أنها ستقبل بما يقبل به العرب، ولكن ها هي اليوم دول بعينها تحاول وضع العصي في عجلات الحل العربي، محاولة إفراغه من محتواه، عبر تأبيد السلطة الحالية، بمعزل عن تضحيات الشعب السوري، وتطلعاته وآماله التي دفع من أجلها الغالي والنفيس.

=====================

الشعب السوري: سندهس النظام حتّى لو كان لغماً!

هوشنك أوسي

المستقبل

29-1-2012

حين كان النظام الليبي المقلوع، يصاب بالزعل من العرب والدول العربيّة، كان يشطب خارطة ليبيا من خارطة "الوطن العربي"، ويلحقها بأفريقيا. ورغم ذاك، كان القذّافي يلقّب نفسه ب"عميد الرؤساء العرب، وملك ملوك افريقيا"!، ويتحدّث غزيراً ومديداً عن العروبة، مادحاً أيّاها، وذامّاً العرب والدول العربيّة!. وإذا عطفنا الحال الكاريكاتيريّة، الهزليّة، للنظام الليبي المخلوع، على قرينه السوري المترنّح، لوجدنا شبه تطابق، لجهة ذمّ العرب وشتمهم وتخوينهم، وإدانة الدولة العربيّة، والجامعة العربيّة...، وفي الوقت عينه، الحديث عن العروبة، وأن دمشق/الاسد، "هي قلب العروبة النابض" و"قلعة الصمود والتصدّي"! ويبقى الفارق بين نظام الأسد والقذّافي، أن الأوّل، إذا اراد ان يسلخ خارطة سوريا من خارطة "الوطن العربي"، تعبيراً عن نقمته على العرب، فبأيّ بلد أو قارّة، سيلحقها؟! ذلك أنه غير قادر على ضمّ سوريا لإيران، نظراً للحاجز العراقي! ولا يستطيع ضمّ سوريا لخارطة روسيا، نظراً للحاجز التركي والارمني والاذري!. أمّا عن محاولة ضمّ خارطة سوريا للصين الشعبيّة، فيستحيل ذلك. وبالتأكيد، هو لا يريد ضمّ سوريا الى لبنان، لأنه، وعلى مدى عقود، كان ولا زال يسعى الى العكس!

"ليذهب العرب إلى نيويورك أو القمر"، هكذا حاول وزير الخارجيّة السوري، وليد المعلّم، "تخفيف ظلّه"، معلّقاً على توجّه الجامعة العربيّة إلى مجلس الأمن، وذلك اثناء مؤتمر صحافي له بدمشق يوم الثلاثاء الماضي 24/1/2012: مؤكداً أن روسيا "لا يمكن أن توافق على أي تدخل خارجي في شؤون سوريا"، زاعماً "أن نصف الكون يتآمر على بلاده". قائلاً: "العلاقات بين سوريا وروسيا متجذرة". مشدداً على أن بلاده "ستتعامل بحزم مع ما تتعرض له من مؤامرات عربية وغربية". والحال هذه يبدو أن النظام السوري، قد "شدّ ظهره" بموسكو، وملأ كفّيه منها، وهو واثق من دعمها له، الى مالا نهاية! وان النظام السوري، في تهديده ووعيده للعرب والجامعة العربيّة، وتحديداً، دول الخليج، بات يركّز على الدور والثقل الروسيين، دون أن يدري بأن دول الخليج، وإذا كانت فعلاً متآمرة على النظام الأسدي، فأنها قادرة على قلب الطاولة الروسيّة على دمشق، عبر التلويح بقطع العلاقات الاقتصاديّة مع روسيا، واحلال الصين مكانها، في عمليّة جرّ الصين الى المواقف العربيّة والخليجيّة الضاغطة على النظام السوري. وبل يمكن لدول الخليج ان تذهب إلى أبعد من ذلك، بأن تدفع تكلفة التدخّل العسكري الأميركي والغربي، لاقتلاع النظام السوري، ما دامت سوريا لا توجد فيها تلك الوفرة النفطيّة القادرة على تسديد فواتير اسقاط النظام، قياساً بالحال العراقيّة والليبيّة، في حال سعى الغرب للتدخّل العسكري. ذلك ان الغرب، بإمكانه اتخاذ قرار منفرد، من دون الرجوع لروسيا والصين، ولا يكترث بالتهديدات الايرانيّة ولا الروسيّة، لو كانت سوريا عائمة على بحر من النقط. بمعنى، إذا كانت دول الخليج، فعلاً، قد وضعت اقتلاع النظام السوري نصب عينيها، فإنها قادرة على فعل ذلك، تماماً. وربما يدفع النظام السوري، عبر تأزيمه وتوتيره لعلاقاته مع دول الخليج، ربما يدفعها لاعتماد هذا الخيار!

المعلّم في مؤتمره السابق، جعل من نفسه محاميّاً، يترافع عن فريق المراقبين العرب. هذا الفريق، الذي وافقت دمشق على تواجده، مكرهة، وفي اللحظات الاخيرة. وأشار المعلّم الى أن الجامعة العربية لم تناقش تقرير بعثة المراقبين العرب وهي اتخذت قراراً تعلم أن دمشق لن تقبله. وقال: "اعتقدنا أنهم ربما يخجلون من أنفسهم ويتعاملون بموضوعية مع هذا التقرير لكن ما توقعناه حدث وهو انهم التفوا على هذا التقرير رغم أنه البند الوحيد على جدول أعمال مجلس الجامعة وقدموا مشروع قرار سياسي يعرفون سلفاً أننا لن نقبل به؛ لأنه قرار فاضح بالمساس بسيادة سوريا، وتدخّل سافر بشؤونها الداخليّة، بمعنى لم يناقشوا في العمق تقرير بعثة المراقبين رغم مرور شهر على وجودها في الأراضي السوريّة، وفي كل المحافظات".

هذا التصريح، يؤكّد ان المراقبين العرب، ورئسيهم الدابي، قد دخلوا خانة "شهود الزور"، على ما يجري في سورية من مذبحة، طالت ارواح اكثر من ستة آلاف شخص، بحسب تقارير دوليّة. لذا، والحال هذه، حسناً فعلت دول الخليج بسحب مراقبيها من البعثة، انسجاماً مع قرار العربيّة السعوديّة. هذا القرار، ولو انه أتى متأخّراً، عرّى الدابي، وانظمة عربيّة أخرى تحاول من تحت الطاولة تبرئة النظام السوري من كل المذابح التي ارتكبها بحق المدنيين السوريين!.

ولعل تهديدات المعلّم في مؤتمره السالف، ومن قبلها تهديدات رأس النظام، بشّار الأسد، تعطي مؤشّرات دامغة تدلّ على ان النظام السوري سيوسّع رقعة حربه على الشعب السوري، لتشمل الانظمة الخليجيّة ايضاً، مستنداً على ايران، واختراقاتها في البحرين والكويت والسعوديّة وعُمان.

داخليّاً، ما من شكّ ان النظام يريد توريط الطائفة العلويّة في حربه على الشعب السوري وانتفاضته. وما من شكّ أيضاً، انه حقق نجاحاً محدوداً، ينبغي الاعتراف به، من كل اطياف المعارضة السوريّة، وضرورة البحث عن وسائل وطرق تقنع أقطاب هذه الطائفة ورجال الدين فيها، وتخلق لديها الثقة بأن سوريا المستقبل، ستكون للجميع، ولن يكون هناك مجال للثأر والانتقام. ذلك ان استهداف النظام وعصاباته "الشبّيحة"، للعوائل العلويّة، وإلقاء التهمة على السنّة، لم يعد خافيّاً على أحد، في حمص واللاذقيّة ومناطق اخرى من سوريا. ويجب الاعتراف ان النظام السوري، وعبر عقود، نجح في جعل الموزاييك القومي والديني والطائفي والمذهبي في سوريا، شديد الهشاشة، يكتنفه عدم الطمأنينة والثقة، كأنّه حقل ألغام. فالكل يخشى الكل. ولقد كان لكاتب هذه السطور، مقال بعنوان: "الخشية من البديل، في ما لو دقت الديمقراطيّة باب دمشق" نشرته صحيفة "الحياة" يوم 5/10/2007، اختتمه بالقول: "إن الداخل والخارج السوريان يتقاطعان في الخشية من أي بديل للنظام السوري، ما يعزز موقف النظام في زيادة إحكام قبضته، وعدم اكتراثه بالقوانين والأعراف والمواثيق الدولية، خاصة منها، ما هو متعلّق بحقوق الإنسان. وعليه، يبقى المواطن السوري هكذا، على أنقاض حاله، محكوماً بالاستبداد، والخشية من الديموقراطية في آن، إلى أن تحدث معجزة ما في زمنٍ ما، تعيد ترتيب سوريا بما ينسجم مع إرثها الحضاري، وروح العصر.". وها قد تحققت المعجزة، في سوريا، بعد مضي ما يزيد عن أربعة أعوام من نشر هذا المقال. وصحيح ان النظام، يدفع البلاد دفعاً مستميتاً نحو الحرب الاهليّة، إلاّ ان الاخيرة، وبما انها مفروضة فرضاً، فلن يخشى الشعب السوري من البديل. ذلك أنه لن يمرّ على سوريا، نظام أقبح وأكثر وحشيّة ودمويّة، من نظام الشبّيحة/الاسد/البعث!. واذا كان "لكل حرب سلامها"، فأن ختام أيّ حرب اهليّة، سيكون السلام والحريّة ودولة الحقّ والعدالة. ويبدو ان الشعب السوري قد حسم خياره، بأن صار الموت لدى ابنائه الثائرين، أحلا وأشهى من العودة للعبوديّة في حظيرة الاسد والشبّيحة. وحين رفع أهل منطقة "كفر نبّل" التابعة لمحافظة ادلب، لافتة في إحدى مظاهراتهم، كتب عليها: "سندهس على الأسد، حتّى ولو كان لغماً" فهذا تعبير صارخ على استحالة العودة بسوريا لما قبل انتفاضتها، منتصف اذار المنصرم. هكذا، قرر الشعب السوري ان يدهس الماضي، دون ان يلتفت للخلف، فاتحاً احضانه للحريّة. فالشعب احرق سفنه، والنظام يحرق نفسه، فأمّا الشعب أو النظام، وعلى سوريا أن تختار.

=====================

الحاكم الأب والحاكم الإبن... إنها الروح الخالدة تستمر مع الوريث

عمر قدور

المستقبل

29-1-2012

منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي راجت في الإعلام السوري، وفي أوساط البعث ومؤيدي النظام، عبارات مثل "سيد الوطن" و"الأسد إلى الأبد"، وأخذت هذه الأوساط بتلقف كل ما يفيد بتمجيد الرئيس وتقديسه مروِّجة إياه في تنافس ومزاد محمومين بين المتسلقين والانتهازيين الذين التقطوا المزاج الجديد للنظام الذي يُراد تكريسه على نحو حثيث.

في الواقع لم تكن الألقاب غير الرسمية وليدة تلك المرحلة فقط، وإن لم تشكل سياقاً فاضحاً ومستمراً من قبل، فبعد ما سُمّي ب"الحركة التصحيحية" وفي أول مؤتمر لحزب البعث أعقبها أُطلق على الأمين العام الجديد للحزب لقب "قائد المسيرة"، بناءً على اقتراح من "الرفيق مصطفى طلاس" كما صرّح هو نفسه في أحد الأحاديث التلفزيونية. وفيما كان لقب "الأمين العام" لقباً حزبياً رسمياً قابلاً للتداول، ولو نظرياً، فإن ابتداع لقب "قائد المسيرة" كان شأناً شخصياً يخص الأمين العام آنذاك حافظ الأسد، وقد أُلّفت الأغاني التي تتضمن ذاك اللقب الذي يتضمن قيادة مسيرة الحزب و"الأمة العربية"، والذي يتضمن على نحو مضمر تفويضاً استثنائياً ونهائياً لشخص الأمين العام، وإن لم يتضمن كلمة إلى "الأبد". ومع أن مشروع التوريث رُوّج تحت ستار "التطوير والتحديث" إلا أن وعد التحديث لم يصل إلى الألقاب ودلالاتها، ففي أول مؤتمر لحزب البعث إثر وفاة الرئيس الأب تم نقل لقب "قائد المسيرة" إلى الرئيس الابن، في إشارة إلى استمرارية الحكم بكل مقتضياته ومندرجاته، وألقابه أيضاً.

إلا أن شعار "إلى الأبد" يختلف عن عبارات التمجيد والتقديس السابقة واللاحقة، وقد لقي التفاتة خاصة بتكريسه كشعار يردده طلاب المدارس يومياً وإلزامياً، ولم يعد معنى "الأبد" المُراد ترسيخه من قبيل المغالاة والتطرف كما بدا أولاً، بل بات هذا المعنى من أدبيات السياسة الرسمية التي رفعت الرئيس باطراد إلى مرتبة الألوهة، فلم تبقَ المسألة في إطار مبايعته رئيساً طالما ظل على قيد الحياة، وتجاوزتها إلى كونه رئيساً على مرّ الزمن؛ رئيساً لن يجرؤ الموت ذاته على أن يطال شخصه. بهذا المعنى لم يكن مشروع التوريث مشروعاً سياسياً بسيطاً؛ إنه من قبيل مغالبة الموت البيولوجي بانتقال روح الميت واستمرارها في حياة جديدة متجددة، وهو انتقال بالسياسة من مجال المُعاش والملموس إلى مجال الميتافيزيك.

حتى لقد كانت صدمة للكثيرين أن "الأبد" قد مات! لكن الصدمة لم تبلغ مداها إذ كان التوريث والانتقال السريع للسلطة كفيلين بملء تلك الفجوة الزمنية القصيرة جداً، ولن نجازف إن قلنا إن ذلك كان كفيلاً بالتئام الجرح النفسي لدى بعض الموالين ممن آمنوا حقيقة بأن القائد لن يفنى أسوة بالبشر الفانون. أغلب الظن أن إطلاق اللقب الأخير على الراحل أتى استكمالاً لهذا السياق، فبدأت الإشارة إليه بلقب "القائد الخالد"، ومرة أخرى لم يكن هذا التشريف لقيادته السياسية الزمنية وحسب، بل إنه تشريف لشخصه تحديداً كروح باقية على مرّ الزمن.

إنه الرب؛ لم يقلها أحد علانية فيما مضى مع أن الأفعال سبقت الأقوال الصريحة. فهذه الروح الخالدة لا يمكن إلا أن توضع في مصاف الألوهة، وهي إذ تنتقل من جسد إلى آخر فإنها تغير قليلاً من تجلياتها دون أن تتزحزح عن جوهرها. ليست إهانة إذاً أن يجبر رجال الأمن المعتقلين، كما شاهدنا في أكثر من شريط مصور، على الركوع وتقبيل صورة الرئيس الحالي وأن يُرغموا على القول إنه الرب. وليست المسألة عودة إلى العبودية بمعناها الطبقي أو الإنساني، إن العبودية هنا هي العبودية المطلقة كما هو الرب مطلق، وكما كانت مشيئته طوال الوقت مطلقة. وما نراه تعذيباً وإهانة بليغين قد لا يكون من جهة الجلادين سوى تصويب للاختلال الذي طرأ على نفوس العبيد، وليست أرواحهم بأحسن حالاً لأن روح العبد ملك للرب يستردها متى شاء.

الرب غير مطالب بشيء أصلاً، وعندما يقدم شيئاً فهذا من سبيل الإنعام. هكذا لم يكن دخول مفردات من قبيل "مكرمة، منحة..." إلى قاموس السياسة الرسمية السورية إلا استكمالاً منطقياً لفلسفة تخرج عن نطاق الحكم إلى "حاكمية" من نوع خاص تتداخل فيها شبهة الوضعية دون أن تكون فاعلة ما دام المُلك لصاحب الملك يمنح منه ما يشاء ويحجبه متى شاء. وفي السياق نفسه لا يجوز قسر الرب على خلاف مشيئته، وما قد يبدو لنا تنازلاً غير كاف لا يخرج عن إطار مشيئته أيضاً بدلالة أنه لا يقدّم سوى ما يتسق مع بقائها فاعلة ومستمرة. ليس من إطار عام يُحتَكم إليه هنا لأن الروح الخالدة هي الأدرى بمصالح العباد، وهي بطبعها تأنف الخوض فيما هو صغير من مصالحهم، فكيف عندما يتطاول العباد على الروح المقدسة ذاتها؟!

بخلاف ما سبق أتت الانتفاضة السورية لتنقلب على المفاهيم المؤسسة للحكم الحالي برمتها. إنها ليس ثورة على الحاكم بالمعنى المتداول للكلمة، هي أقرب لأن تكون ثورة على الحاكمية والربوبية المتجسدة في شخص الحاكم. لم تطرح الانتفاضة سوى شعارات مدنية مؤسِّسة للحكم، وبذلك فضحت المنطوق القديم الذي استعار من السياسة المعاصرة بعضاً من أدواتها كإسسوار لا أكثر، وليس بوسعنا الحديث عن ديكتاتورية تصارع من أجل البقاء لأن منطوق الحكم يعلو على ما يُعرف عن الديكتاتورية كاستثناء زمني محدود. أتت الانتفاضة لتعلن موت الرب، وهي بذلك ذات أثر رجعي لأنها تطاول الزمن الحالي والزمن الذي أسس له أيضاً، وهي إذ تكفر بالروح الخالدة فإنها تتناول أسّ النظام وتقوّض عرش ربوبيته.

ليس استهتاراً ألا يرى النظام أولئك الضحايا الذين بلغ عددهم السبعة آلاف، وليس استهتاراً أيضاً ألا يحتفي بأولئك القتلى من المدافعين عن بقائه، ففلسفة النظام لا ترى في هذه الأرقام حيوات، وتكاد لا ترى فيها حتى أرقاماً لأن الرب بمقدوره الاستغناء عن بعض الأصفار. ضدّ هذه الرؤية تنذر الانتفاضة بإعادة الاعتبار إلى إنسانية المحكوم والحاكم على قدر المساواة، فلا روح خالدة لأحد وإنما هناك حياة ينبغي احترامها للجميع. هي قفزة واسعة من عبادة الأوثان إلى التعددية التي لا تفاضل فيها بين البشر المختلفين.

المعركة سياسية، هكذا يبدو الأمر ظاهراً، لكنها أيضاً معركة فلسفية تعيد السياسة في سوريا من حقل الميتافيزيك إلى مطرحها الطبيعي، تعيدها إلى التداول العام بعد أن تم احتكارها طويلاً من قبل الحاكم. هنا أيضاً تبدو اللغة وضعية ومخادعة، إذ ما حاجة الرب إلى السياسة؟!

=====================

الخطة العربية مسوّدة إطار للحل من دون بديل دولي .. النظام السوري في حمى روسيا... فماذا عن منع التدويل؟

روزانا بومنصف

2012-01-29

النهار

تعرب مصادر ديبلوماسية مراقبة في بيروت عن اعتقادها أن الحملة الامنية للنظام السوري في الايام القليلة الماضية، على اثر اعلان وزير الخارجية السوري وليد المعلم اعتماد الحل الامني بناء على طلب الشعب كما قال، والتي أسفرت عن مزيد من الضحايا، قد تساهم ايجاباً، على رغم مأسوية الحصيلة الانسانية، في الدفع قدماً بالتفاوض الجاري في الامم المتحدة في نيويورك من أجل قرار دولي محتمل لمعالجة الوضع السوري . وقد أظهرت هذه الحملة عجز النظام عن حسم الوضع في ظل تقارير غربية لصحافيين منحهم النظام رخصة لدخول سوريا يتحدثون عن اقفال تام لمناطق بكاملها امام دخول الجيش السوري وسيطرة المنشقين عنه عليها، وهو الامر الذي ينذر بمضاعفات خطيرة في قابل الايام. وكان ابرز الدلالات على ذلك تجميد عمل بعثة المراقبين العرب بعدما اسقطها العدد المتزايد للقتلى من دون اي رادع. وهذا العامل الاخير سيشكل عاملاً ضاغطاً بدوره بما يعنيه من احتمالات اسقاط روسيا الخطة العربية في مجلس الأمن. فالنظام السوري هو في حمى روسيا، مما أسقط عملياً تهمة النظام للعرب بالسعي الى تدويل الازمة، وخصوصاً ان الاخير يستعين بهذا الدعم ويجاهر به ليلاً ونهاراً في اعلامه، ووفق ما ذكر المعلم في مؤتمره الصحافي مطلع هذا الاسبوع على سبيل شد أزر العناصر المحيطة بالنظام على أنه ليس متروكاً وحده على الصعيد الدولي.

وفي ظل انتظار محموم تغيب عنه الاجوبة الواضحة لما قد تسفر عنه المداولات الجارية في نيويورك وتلك التي ستجرى الاسبوع المقبل على اثر استماع اعضاء مجلس الامن الى احاطة الامين العام للجامعة العربية نبيل العربي ووزير الخارجية القطري حمد بن جاسم، فإن التوقعات تتفاوت بنسبة كبيرة في ظل الخطوط الحمر التي رسمها الروس عن رفض تنحي الرئيس السوري بين نقيضين محورهما ما اذا كانت الصفقة مع روسيا قد تكون متاحة راهناً او بعد شهرين، أي بعد الانتخابات الروسية مطلع آذار المقبل من دون تجاهل بداية التفاوض راهناً، على ان يعطي نتائج لاحقاً. فأصحاب الرأي القائل باحتمالات ايجابية لما يحصل في الامم المتحدة وفي الاتصالات التي جرت مع موسكو أخيراً، يرون ان الممانعة الروسية هي بداية تفاوض وليست اقفالا له، على رغم مجموعة اللاءات التي وضعتها موسكو لجهة فرض عقوبات دولية على النظام او حظر بيعه اسلحة او رفض تنحي الرئيس السوري استناداً الى خريطة الطريق التي وضعتها الجامعة العربية والتي طالبت الاسد بتفويض صلاحياته الى نائبه. والواقع ان الاشارات المتشددة التي اطلقتها موسكو على ألسنة مسؤولين في مواقع مختلفة، قابلتها من جهة اخرى الاستعدادات للانفتاح على النقاش حول ما هو مطروح على الطاولة، من دون أن يعني ذلك تذليل العقبات او سهولة التوصل الى حل سريع قريباً. لكن الخطة العربية هي مسودة حل لا يمكن تجاهلها او اسقاطها لغياب اي بديل، في ظل تحفظ الروس عما يقولون انه تدخل في الشؤون الداخلية لسوريا كبلد ذي سيادة، ولأن اسقاط الخطة العربية يمكن ان يفتح المجال امام تداعيات يقول الروس انهم يحاولون حماية سوريا منها، أي الحرب الاهلية والفوضى. واصحاب هذا الرأي يتحدثون عن ان المسودة العربية قد تشكل الاطار التي تدخل عليه تعديلات، اذ ليس من إطار آخر مقبول او متاح في ظل مخاوف من ان التأخير قد يدخل تعقيدات جديدة كاحتمال انهيار الجيش او انقسامه بنسب كبيرة، مما يخشى معه دخول سوريا في اتون مشابه لما حصل للعراق، وهو امر تخشاه الدول الغربية وفي مقدمها الولايات المتحدة.

ومن يقول بالرأي المناقض يستند الى ان رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين يخوض حملته الانتخابية للرئاسة الروسية من بوابة رفع شعارات قوية عن استعادته كزعيم قوي هيبة روسيا وعظمتها في وجه الغرب وعدم سماحه بسيطرة الولايات المتحدة وفقاً للمواقف الانتخابية التي أعلنها، وخصوصاً بعدما واجه تحدياً كبيراً في انتخابات مجلس الدوما في كانون الاول الماضي، حيث أظهرت المعارضة عدم تمتعه بالشعبية التي كان يستند اليها لعودته زعيماً قوياً لا منازع له. يضاف الى ذلك حاجته قبل الانتخابات الى دعم القطاع العسكري الروسي بما يعنيه من صفقات بيع اسلحة روسية من حليف لا يزال يشكل وحده القاعدة للوجود الروسي في المنطقة. ولذلك لا سبب يسمح بالاعتقاد انه قد يتساهل في الموضوع السوري قبل الانتخابات الروسية، علما أن الازمة السورية تتفاعل على وقع مجموعة انتخابات تبدأ بروسيا وفرنسا وايران وصولا الى الولايات المتحدة مطلع الخريف المقبل. ولهذه الانتخابات مفاعيلها في مواقف زعماء الدول المعنية، اذ ان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي استهل وصوله الى قصر الاليزيه بانفتاح غير مسبوق على النظام السوري، والذي يعتبر كثر أنه ساهم في اعادة النفوذ السوري الى لبنان من النافذة بعدما كان أخرج من الباب عام 2005، يخوض حملته الرئاسية على وقع اندفاع قوي لباريس في اتجاه ايجاد حل للوضع السوري باخراج الرئيس السوري من الحكم، علماً ان التحدي الرئيسي له يبقى القضايا الداخلية الفرنسية. والرئيس الاميركي باراك اوباما خص سوريا وحدها تقريبا في مقاربته للسياسة الخارجية الاميركية في خطاب حال الاتحاد الذي ألقاه في 24 من الشهر الجاري، في حين أنه استهل عهده هو الآخر، كما ساركوزي بانفتاح على النظام السوري، وهو يطالبه راهناً بالرحيل ولو ان الادارة الاميركية لا تتحدث بالوضوح الذي يتحدث به الاوروبيون في هذا الاطار.

وكون الانتخابات الرئاسية في هذه الدول تشكل جزءاً مهماً من المشهد السياسي المحيط بالتداول حول الوضع في سوريا، فان ذلك لا يلغي المصالح الخاصة والكبيرة للدول المعنية التي ظهرت الى الواجهة بفعل تولي روسيا حماية النظام السوري، في حين ان مصالح الدول الاقليمية لا تقل اهمية بدءاً من الدول العربية صاحبة مشروع انتقال السلطة في سوريا الى تركيا المتحركة على أكثر من صعيد في اتجاه ايران وروسيا وواشنطن والدول الاوروبية، وسط اعجاب تثيره القيادة التركية، لجهة الوضوح والصراحة التي تتناول بها الامور ومصالح تركيا في هذا الاطار، وصولاً الى ايران التي يعتقد المراقبون ان الدخول الى مصالحها المباشرة وتلك التي في سوريا بات اسهل في ظل التطورات السورية الدامية من دون افق والانهيار السريع في الوضع الايراني.

=====================

الحل السوري

الرأي الاردنية

29-1-2012

يحيى محمود

الاهم من الرفض السوري للمبادرة العربية الجديدة للحل على الطريقة اليمنية هو الموقف الروسي من هذه الصيغة للتغيير.ومن اللحظة الاولى لاحالة الملف وفقا لقرار الجامعة العربية الى مجلس الامن ،تكون المسالة السورية قد دخلت مرحلة جديدة على طريق الحل.ولن يكون بامكان احد وقف تداعياتها، بعد ان دخلت في حلقة سياسية مفرغة منذ استخدام الفيتو الروسي الصيني بمواجهة مسعى التدويل.وبالتدقيق في مضمون المبادرة العربية للانتقال السلمي للسلطة في سوريا يتضح انها تكاد تكون نسخة مكررة مما تسرب عن مبادرة روسية تقضي بانتقال صلاحيات الرئيس الاسد الى نائبه فاروق الشرع ،خلال مرحلة انتقالية يجري التوافق خلالها على شكل النظام الجديد للبلاد .

ورغم ان معظم الاجتهادات تذهب الى ان الامر لن يكون في سوريا نسخة مكررة عما جرى في اليمن ،الا انها تتفق على ان المسالة السورية قد خرجت بواسطة قرارات الجامعة العربية من عنق الزجاجة السياسية الذي علقت فيه منذ الفيتو الروسي الصيني.ومثل هذا الامر سيسهم بالتاكيد في تخفيف المخاوف المشروعة من احتمالات دخول سوريا في مجهول الحرب الاهلية والتفتت الطائفي والمناطقي.ومع ان الوقت مبكر للحكم على ما ستقود اليه المبادرة العربية، والانعكاسات التي ستحدثها على الموقف الدولي من الازمة ،الا ان الموقف الروسي النهائي من الحل العربي المقترح سيكون له اثره المهم في هذا الخصوص.

وفي كل الاحوال فان الحل العربي المقترح والذهاب به الى مجلس الامن انهى الى غير رجعة اي احتمال لعودة الاوضاع الى ما كانت عليه قبل بدء الاحتجاجات. وفي الوقت الذي اعطى فيه هذا الحل المقترح قوة دفع للمطالبات بالتغييرفانه ضيق بوجه النظام السوري مساحة المناورة . وفي ضوء الموقف الروسي المنتظر بعد تحويل القرارت العربية الى مجلس الامن، لن يعود بامكان النظام السوري التمسك بروايته القائلة بانه يواجه مجموعة من الارهابيين في اطار مؤامرة خارجية. كما لن يتمكن من تسويق رؤيته لاصلاحات شكلية تبقي الوضع على ما هو عليه.

وبالتمعن في ما اصبح يوصف بالعقدة الروسية يتضح ان روسيا التي خسرت بامتياز معركة التغيير في ليبيا لن تتنازل بسهولة عن دورها في التغيير السوري.وجاءت المبادرة العربية الجديدة بمثابة فرصة للتبني الروسي لهذه الصيغة من الحل داخل مجلس الامن او خارجه . الا ان السؤال يظل حول ما اذا كانت الولايات المتحدة ومعها الحلفاء الأوروبيون على استعداد لتسهيل حل توافقي في سوريا كما فعلوا في اليمن.وطالما ان النظام السوري يؤكد منذ اليوم الاول ان البلاد تتعرض لمؤامرة خارجية بهدف تفتيتها وتدميرها، فان اعادة النظر بموقفه من المبادرة العربية للتغيير السلمي والتجاوب مع النصائح الروسية ،التي بدأ صبرها ينفد ،هو الذي سيحبط المؤامرة المفترضة ،وليس العنف والمزيد منه الذي سيقود الى السيناريوهات الاسوأ للتغيير.

=====================

النظام آيل للسقوط ... هل تنتصر سوريا؟!

عريب الرنتاوي

29-1-2012

الدستور

ونحن نُقلّب صفحات الأزمة السورية، نقف أمام ظاهرة “انفلات” الصراع الدائر في سوريا وعليها، من دائرة التحكم والسيطرة...النظام يفقد سيطرته على مناطق واسعة في سوريا، بما فيها ريف دمشق وأطرافها وضواحيها القريبة (وليس البعيدة فقط)....لكن المعارضة الوطنية والديمقراطية في المقابل، تعجز عن ملء فراغ السلطة، وتنخرط “المناطق المحررة”، فيما يشبه الحرب الأهلية (الطائفية)، وتنتشر فيها الفوضى غير البناءة، وتتعمم يوماً إثر آخر، ظاهرة “القتل على الهوية”، والجثث المرمية على قوارع الطرق ومفترقاتها.

وتدخل القاعدة والسلفية الجهادية على خط الأزمة....النظام يبالغ في تقدير حجم هذه الظاهرة لإخافة العرب والغرب من خطر تحول سوريا بمجملها إلى “أنبار 2005 – 2007”، والمعارضة تبالغ في نفيها لوجود القاعدة، للبرهنة على أن ما يجري في سوريا هو فعل خالص من أفعال الإصلاح والتحوّل الديمقراطي، وفيما الجدل يستمر ويتصاعد بين هاتين الروايتين، تُظهر القاعدة والسلفية الجهادية، مدعومة من اطراف “الجهاد العالمي في أفغانستان” قبل ثلاثين عاماً، تُظهر نجاحاً ملموساً في توفير مواطئ أقدام وملاذات آمنة لها على الأرض السورية.

ويزداد الأمر تعقيداً، بدخول الأزمة السورية على خط “الأقلمة” الساخنة، من أوسع أبوابها، فالسعودية تبدي حماساً لتدويل الأزمة، وتسحب مراقبيها العاملين تحت إمرة الجنرال الدابي، وتستقبل المعارضات السورية، وتلوح بالاعتراف بالمجلس الوطني السوري، ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب السوري.

ويبدو أن المملكة المشتبكة فيما يشبه صراع الوجود مع إيران، ترى أن كسب المعركة على سوريا، هو المحطة الرئيسة في هذا الصراع، والتي من شأن النجاح فيها، أن يضع حزب الله في أضيق الزوايا من جهة، ويحد من التمدد الإيراني، ويبقيه في المحافظات الجنوبية والوسطى من العراق، وليس في العراق كله، خصوصاً بعد أن تصاعدت وتائر “التمرد السني” في وجه “الهيمنة الشيعية” على مقاليد الحكم في العراق، واتجاه المحافظات العراقية السنية، لطلب التحوّل إلى أقاليم، وعودة النشاط المسلح للقاعدة في وجه حكومة المالكي وحلفائه، وعلى نحو مفاجئ ومتزامن مع تطورات الأزمة السورية والصراع الإقليمي المفتوح.

في المقابل، يبدو أن “أمر العمليات” قد صدر من عواصم “محور المقاومة والممانعة” لنقل المعركة من سوريا إلى قلب العواصم التي تناصبها العداء.

لقد هدد رموز النظام السوري بنقل المعركة خارج حدود بلادهم، وقال وليد المعلم أن بيوت كثير من خصوم سوريا من زجاج، والمؤكد أن ليس لسوريا “دالة” على المكون الشيعي لكثير من الدول والمجتمعات المعنية، لكن لإيران وحزب الله مثل هذه الدالة، ومن الواضح أن “الأقلمة” التي تشتعل هذه الأيام، سوف تتحول إلى حريق مع اقتراب ساعة “التدويل” التي تشير كافة الدلائل إلى أنها لم تعد بعيدة، وإن كنا لا نعرف أي شكل ستتخذ.

والمؤسف حقاً، أن سوريا تنزلق إلى ما لا تحمد عقباه من سيناريوهات وخيارات وبدائل، في ظل غياب “القدرة على الحسم” لدى أي من الأطراف المحلية والإقليمية...النظام في تراجع وإلى تفكك، وربما ينكفئ إلى “دويلة الساحل”...والمعارضة أعجز من أن تنظم مؤتمراً وطنياً ينسق جهودها ويوحدها خلف برنامج انتقالي.....فيما “العسكرة” و”التطيف” و”التمذهب” تعصف بالأزمة وتميز مواقف أصحابها، والجيش الحر يتحوّل وفق تقارير دولية، إلى ميليشيا سنية متشددة، مقابل جيش نظامي وأجهزة أمنية تخرج عن دورها الرئيس إلى دور الميليشيا المكرّسة لخدمة النظام والعائلة وامتداداتهما الطائفية، فيما الإقليم المنشق على نفسه، يصب زيتاً حارا على جمر الأزمة ونارها....أما المعارضة الوطنية الديمقراطية بمختلف أجنحتها وشرائحها، فإن المساحة التي تحتلها تتقلص باستمرار لصالح “الجيوب المستقلة” والمدارة من قبل جماعات يغلب عليها اللون الأصولي والطائفي.

ستنتهي هذه المواجهة برحيل النظام، لا شك في ذلك، وإن طال الزمن وعظمت التضحيات...لكن السؤال الذي سيظل حائراً، هل ستخرج سوريا منتصرة من هذه المواجهة؟.

=====================

100 قتيل في يوم!

طارق الحميد

29-1-2012

الشرق الاوسط

مائة قتيل في يوم واحد بسوريا على يد قوات الأسد، وروسيا تدافع عنه، وتبيع له الأسلحة، وإيران تقوم بإرسال ضباطها لمساعدته، هذا فضلا عن الأسلحة، والمعدات، ثم يخرج لنا من يقول بأنه «لا للتدويل»! فهل التدويل مرفوض، بينما الطائفية والمتاجرة بدماء السوريين مقبولتان؟

مائة قتيل في يوم واحد بسوريا، ولم نسمع دعوة واحدة بعالمنا العربي تطالب بمقاطعة البضائع الروسية، شعبيا ورسميا، ولم نسمع تنديدا علنيا بالروس على المستوى العربي الرسمي! وهذا ليس كل شيء، فإليكم هذه المفاجأة المدوية، فقد كتبت في 6 أكتوبر (تشرين الأول) مقالا بعنوان «سوريا والنفاق الروسي»، انتقدت فيه مواقف الروس بسوريا، ودعمهم لطاغية دمشق، فاتصل أحد السفراء الروس في إحدى العواصم العربية بأحد زملائنا في ذلك البلد ليقول له: «قل لرئيس تحريركم لماذا لا تسألنا بلاده عما نريده، بدلا من مهاجمتنا؟»!

اليوم وصل عدد القتلى في سوريا إلى مائة قتيل في يوم واحد، وهو يوم الجمعة الماضي، هذا فضلا عن قرابة خمسين قتيلا كل يوم، وروسيا لا تزال تتعنت دفاعا عن الأسد، مثلها مثل إيران الطائفية التي تدافع عن نظام قاتل، وهناك تركيا التي نسمع لها جعجعة، ولا نرى طحنا، كما يقال. أما عربيا، فمهما تحرك العرب فإنهم لم يوجهوا لهذا النظام المجرم، إلى الآن، ما يستحق، حتى المبادرة العربية، والتي تعتبر تكتيكيا أمرا جيدا، بل رائعا، إلا أن العرب لم يسددوا للنظام الأسدي الضربة الموجعة بعد، وقد يقول قائل: كيف؟ الضربة الموجعة هي في أن تعلن دول مجلس التعاون، وعلى رأسها السعودية، ومعهم كل من المغرب، والأردن، وكل من يرغب في نصرة الشعب السوري، الاعتراف بالمجلس الوطني السوري، وتعلن تلك الدول عن عقد مؤتمر للمعارضة السورية، تحت عنوان «مؤتمر أصدقاء سوريا» لنصرة المعارضة السورية.

وعلى دول مجلس التعاون الخليجي، والدول الراغبة، إرسال وفد من وزراء الخارجية الخليجيين، والعرب، إلى موسكو، ليس لعرض ثمن الصفقة عليهم، وإنما لإطلاعهم على حجم ما سيخسرونه إن هم، أي الروس، واصلوا دعم طاغية دمشق، وعطلوا تمرير المبادرة العربية القاضية بتنحي الأسد في مجلس الأمن، وأن تكون تلك الرسالة المرسلة لموسكو علنية، وليست سرية، فالدم العربي، وتحديدا السوري، ليس فارق عملة يتكسب منه الروس، كعادتهم منذ عهد جمال عبد الناصر، ومرورا بصدام حسين، وحتى اليوم، وخصوصا أن السفير الروسي لدى الأمم المتحدة لا يزال يلمح إلى إمكانية عقد صفقة، خصوصا عندما قال بعد انتهاء اجتماع مجلس الأمن بأن روسيا تعارض فرض أي عقوبات، أو أي حظر على تصدير الأسلحة، أو تغيير النظام، لكن، وهذا المهم، «هذا لا يعني أننا نرفض الحوار»! والرسالة واضحة هنا.

هذا ما يجب على العرب، وتحديدا الخليجيين، فعله، لحماية سوريا والسوريين من طاغية دمشق، وحلفائه بطهران وموسكو، فالفرق بيننا وبينهم كبير، كعرب، فهم يحمون طاغية، والعرب يحمون شعبا بأكمله!

=====================

إنقاذ سوريا... عربي فقط

تاريخ النشر: الأحد 29 يناير 2012

رضوان السيد

الاتحاد

ذهب العرب بكلّ سبيلٍ للوصول إلى حلٍّ في الأزمة السورية، وكان خصوم النظام السوري وأصدقاؤه يواجهونهم بأنهم لا يريدون التدخل أو التدخل العسكري في الشأن السوري! ورغم كلّ ما يمكن قوله عن تركيا؛ فقد كانت الوحيدة التي أتاحت ملاذاً آمناً للنازحين السورين، وللمعارضة السياسية. وبينما كان خصوم النظام السوري وأصدقاؤه ينأَون بأنفسهم حتى لا يلوّثوا أيديهم، كان الروس مستمرين في دعم النظام الذي يقتل شعبه، بينما كان الإيرانيون وأنصارهم بالعراق ولبنان يقدمون السلاح والرجال والأموال!

وأدرك العرب أخيراً أنه ما حكَّ جلدك مثل ظفرك، وإذا أردْتَ أن يساعدك الآخرون، فينبغي أن تُظهر إرادةً لمساعدة نفسك، وهكذا اجتمعوا قبل شهرٍ ونيفٍ واتخذوا قرارات بالعقوبات، وقدموا مقترح المراقبين لوقف العنف تمهيداً لبدء العملية الساسية. وبالطبع ما توقف العنف، وجرى الانقسام حول بعثة المراقبين، حيث انسحب منها الخليجيون؛ بيد أنّ العرب ما استطاعوا أن ينفضوا أيديهم من سوريا أي تركها وترك شعبها تحت نقمة عنف النظام، وعنف محور "المقاومة والممانعة" المزعومتين. لذلك كان المُضيُّ إلى الجانب السياسي رغم عدم تحقق شيء في الجانب الأمني. وهكذا كانت المبادرة السياسية ببنودها كافّة، والتي تقول بتسليم الأسد صلاحياته لنائبه الأول (فاروق الشرع)، ثم يقوم الشرع بالتفاوض مع المعارضة لإقامة حكومةٍ توافقيةٍ، تتسلّم إدارة الشأن العام، وتُجري انتخابات لمجلس تأسيسي يتولّى كتابة الدستور، ثم تجري انتخاباتٌ رئاسيةٌ في آخِر عام 2012. وهذه الخطة هي خليطٌ من الحلَّين اليمني والتونسي، وتعني أنّ الذين سيغادرون السلطة هم الأسد وحاشيته القريبة، أمّا المكوِّنات الباقية، ومن ضمنها حزب "البعث"، والطائفة العلوية وسائر الأقليات؛ فإنها جميعاً مدعوَّة للتعاون والمشاركة. وستتوقف أجهزة الأمن عن القمع بالطبع، لكنّ الجيش السوريَّ باقٍ مبدئياً على تركيبته ليتطور وضعُهُ بالتدريج، فيعود مجدداً لمهامِّه الوطنية والقومية؛ وذلك كلّه زيادة في الأمان والتأمين، وهدوء المسار وتدرجيته!

لقد بادر الجانب السوري إلى رفض الخطة التفاوضية العربية، ولو كانت هناك بقيةٌ من عقلٍ أو وطنية لما حدث ذلك. إنما ماذا يمكن أن ينتظر العربُ من نظامٍ يقول وزير خارجيته إنّ "الشعب" السوري يفضّل الحلَّ الأمني، أي إخماد الثورة بالقوة، بحجة أنها لا تحتوي إلاّ على مندسّين وإرهابيين! إنّ العقل يقول إنّ الأسد ونظامه ذاهبان، وهذا أمرٌ مفروغٌ منه، إنما يمكن لهذا الرئيس وذاك النظام أن يسهما في حلٍّ سلميٍّ تفاوضيٍ تُصان به الدولة والجيش، ويرجع فيه القرار إلى "الأكثرية الصامتة". ذلك أنّ 25 بالمئة من السوريين هم ضدّ الأسد وثائرون عليه، وربما كان أنصاره لا يقلّون نسبةً وعدداً أيضاً. أما أكثرية الشعب السوري، والتي فضّلت الاستقرار والعودة للحياة الطبيعية؛ فإنها وقعت بين هذين الطرفين المتصارعين، وعبر الحلّ التفاوضي والانتخابات يعود لها القرار وتستطيع أن تختار مساراً يكون المعارضون والموالون قد أسهموا فيه. وهكذا فإنّ القرار العربي الذي قادت السعودية صناعته، قد أفضى إلى نقلةٍ كبرى ما عاد تجاوُزُها ممكناً، لا من جانب النظام ولا من جانب أنصاره. ذلك أنّ البديل ليس هول التدويل والتدخل العسكري الخارجي، بل استمرار الأجهزة والجيش في القمع واستمرار التظاهرات مع زيادة الانشقاقات في الجيش، وزيادة السلاح في أيدي الثائرين، ليسقط النظام أخيراً بعد أن تكون البلاد قد تشقّقت، والخراب قد نال من الجميع، وعندها سندخل في الأفكار الاجتثاثية التي سادت العراق وأفضت إلى ظروف الانقسام المستمرة!

لقد انصبّ جهد النظام السوري في الشهور العشرة الماضية، على جمع أنصارٍ له بالخارج، ومحاولة خَلْق ظروف لفتنة بالداخل تنفّر العرب وغيرهم من التدخل في الشأن السوري، وتنشر اليأس من إمكان سقوطه. وأول الخارجيين الذين أراد مستشارو الأسد العباقرة اختبار ردة فعلهم كان الإسرائيليين، والذين ردوا بالقتل وإطلاق النار على الشباب العُزَّل الذين أرسلهم النظام و"حزب الله" من سوريا ولبنان باتجاه الأراضي المحتلة! وحتى الآن ما يزال للنظام السوري أنصار أقوياء في صفوف اليمين الإسرائيلي، باعتباره يؤمِّنُ الحدود، ولا يطلب شيئاً في مقابل ذلك، ويقسّم الفلسطينيين ويضعِفُهُم في مواجهة إسرائيل. وما انتظر الإيرانيون حتى يطلب منهم النظام السوري المساعدة، بل سارعوا إلى إعلان المحور: طهران- بغداد- دمشق- بيروت، وتدفقوا عسكراً وأموالاً وسلاحاً لمساعدة نظام الممانعة، والباقي من العرب العاربة! بيد أنّ بوتين تصور أنّ الأزمتين السورية والإيرانية يمكن أن تمثّلا تجارةً رابحةً له، وهكذا أعلن -عبر وزير الخارجية لافروف- أن الروس لن يقبلوا بإيصال الملف السوري إلى مجلس الأمن، كما لن يقبلوا بتشديد العقوبات على إيران من أجل ملفّها النووي. وشعر النظام السوري بقوةٍ لبعض الوقت نتيجة الموقف الروسي لثلاثة أسباب: إنّ العرب لن يستطيعوا الإجماع، وإن أجمعوا فإنَّ ذلك سيبقى بدون فعالية ما داموا لا يستطيعون تصديق قرارهم في مجلس الأمن كما فعلوا في اليمن، وأنه كان من الخير له أنّ للروس قاعدةً بحريةً بطرطوس، وبالتالي فسيشعرون بالخسارة إن زال النظام فزالت القاعدة، كما أنه كان من الخير له هذا الارتباط الوثيق بإيران، لأنّ الملفّ رغم صعوبته سيصل في الأرجح إلى تسوية، ويمكن أن تشمل التسوية سوريا أيضاً. وهذا فضلاً عن أنّ إيران طلبت من المالكي والأطراف الأُخرى المتحالفة معها، مساعدة النظام السوري بالمال والرجال! وهكذا شاع طوال الشهور الماضية أنّ هناك مؤامرةً على سوريا من أجل التدويل، والتدويل يعني التدخل العسكري الخارجي مثلما حصل في ليبيا. لكن ذلك لم يكن غير وهمٍ من الأَوهام، فالأطلسيون بعد تجربتهم في ليبيا لا يريدون التدخل العسكري، ويعتقدون مثل العرب أنّ الضغط بالعقوبات، وبالإدانات في المجال الإنساني، وبالمناطق الآمنة... كافٍ لإسقاط النظام، وإن طال الأمد بعض الشيء! ولا شكَّ أنّ هذا الإدراك المتأخّر من جانب النظام من جهة، والإجماع العربي على العقوبات ثم على المراقبين بخلاف ما قدَّر السوريون، دفع الأخيرين للدخول في عمليةٍ احتياليةٍ لن تخسّرهم شيئاً، بل يمكن من خلالها اجتذاب بعض الدول العربية إلى اللاموقف على الأقلّ، مثل الجزائر والسودان... ومصر. وهكذا فقد وافقوا على المراقبين، وأضاعوا حتى الآن شهراً قتلوا خلاله ألفاً من المواطنين، وازدادت العسكرة وازداد الخراب. لذا كان الخيار أمام وزراء خارجية الجامعة إمّا سحْب المراقبين وإدانة النظام السوري وسحب اليد عن الأزمة السورية، أو استمرار العمل في دعم التوجه السلمي للثورة السورية من خلال نصح النظام بالدخول في المسار التفاوُضي، بحيث يشارك الشعب السوري كله في التغيير. والمعروف أنّ ذلك إنْ لم يحدثْ فلن يكون البديل التدخل العسكري الخارجي لأنه غير مُتاحٍ، بغضّ النظر عن جدواه؛ بل سيزداد العنف من جانب النظام، ويزداد التعسكر في الداخل، ويسقط النظام تحت وطأة الجثث والأكفان كما حصل في إيران خلال الشهور الأخيرة قبل هرب الشاه!

لا عمل للنظام السوري إلاّ التأمُّل بحدوث المجابهة الإيرانية الأميركية، والعربية الإسرائيلية، والشيعية السنية، ولن يحصل شيء من ذلك، وإنْ حصل فليس لأنّ نظام الأسد صَدْعٌ زالزالي؛ بل لأنّه لا يمكنه تصوُّر نفسه خارج السلطة، ولو كان في ذلك خراب الوطن والكوارث التي تحلُّ بالمواطنين السوريين وبالجوار. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

=====================

ثلاثة تطورات سورية فارقة

عيسى الشعيبي

الغد الاردنية

29-1-2012

مع أنها وقعت جميعها في غضون فترة زمنية واحدة، وصبت مجرياتها المختلفة في مصب واحد، إلا أن أياً من التطورات السورية الفارقة هذه لم تحدث على نحو مباغت كطفرة مفاجئة، ولم يسر كل منها في مسار منعزل عن الآخر، حتى لا نقول إنها كانت متوقعة من قبل، وإن حصولها على هذا النحو المتزامن أو ذاك المدى المتفاوت كان مسألة وقت ليس إلا.

ففي خلال الأيام القليلة الماضية سجلت الثورة السورية أولاً درجة تصعيد لافتة، انتقلت فيها من طور التظاهر السلمي، الذي تمسكت به طوال نحو عشرة أشهر، إلى طور أقرب ما يكون إلى شكل التمرد العسكري، وعبرت الثورة ثانياً، وفي الوقت ذاته، باب الحل العربي إلى بوابة الحل الدولي، وأغلقت ثالثاً في غضون ذلك ملف المراقبين العرب، بل وأسقطته من التداول تماماً.

إذ تحت ضغط آلة قمع دموي لا كوابح لها ولا سقوف، ومع تزايد انغلاق النظام الاستبدادي على خياره الأمني، كان من الطبيعي أن يلجأ المطاردون في نهاية مطاف لن يطول إلى المجابهة، وأن يعمد ذوو الضحايا المقتولين بدم بارد آخر الأمر، إلى امتشاق السلاح دفاعاً عن النفس، وإحداث نقطة تعادل نسبي في ميزان علاقة قوة غير متكافئة بكل المعايير.

ولعل اتساع حالات الانشقاقات عن الجيش الذي أصابته بعض مظاهر الإعياء والوهن، وتعاظم قوة زخم الانتفاضة الشعبية وامتدادها على معظم أرجاء الديار الشامية، قد هيأ الظروف الموضوعية المواتية لمثل هذه النقلة النوعية في مسار الثورة، التي تمكنت من تجاوز نقطة اللاعودة، ونجحت مع مرور الوقت في اكتساب بعض من الأرض المتفرقة هنا وهناك وهنالك.

وبالتزامن مع هذا التحول المفضي إلى تداعيات لا يمكن التقليل من خطورتها، ولا التهوين من مضاعفاتها على النسيج الداخلي، اتكأت الثورة السورية على اكتفاف الجامعة العربية، المفتقرة إلى أدوات التدخل الناجعة، كي تضع مصير النظام فاقد الشرعية على مائدة مجلس الأمن الدولي، لا من أجل حثه على تحقيق وعوده الإصلاحية البائسة، وإنما من أجل دفعه إلى التسليم بأقداره الحتمية كنظام بات جزءاً من المشكلة لا جزءاً من الحل.

ومع أن الطبق الرئيس على مائدة مجلس الأمن لم ينضج بما فيه الكفاية بعد، وأن واحداً على الأقل من الضيوف الدائمين على هذه المائدة يرفض الانضمام إلى هذه الوليمة حتى اليوم، إلا أنه من المتوقع وفق كل الحسابات الرائجة، أن تنفتح شهية الجميع في وقت لاحق، بفعل بعض المقبلات السياسية والتسويات تحت الطاولة، وأن يقبلوا على الوليمة، أو قل على سورية ما بعد الأسد

أما التطور الثالث الذي تزامن مع سابقيه، فقد تمثل في إنهاء ملف بعثة المراقبين العرب، وإخراجه من دائرة الاهتمام، وجعله صفحة من ماضٍ مضى إلى غير رجعة، وذلك بعد أن فقدت البعثة قوة دفعها إثر انسحاب دول الخليج منها، وغدت تقاريرها خارج دائرة اهتمام أحد، سوى النظام الذي ما يزال يواصل احتفاله بتقرير رئيس البعثة القادم من عالم الجنجويد إلى دنيا الشبيحة.

إزاء ذلك كله، فإنه يمكن اعتبار التطورات الثلاثة المشار إليها آنفاً، على أنها تشكل في مجموعها نقلة موضوعية في مسار الثورة السورية، تؤسس لمرحلة جديدة ومختلفة عما كانت عليه في السابق، وتحدث الفارق النوعي في المجرى العريض لنهر التطورات اللاحقة، حيث من المتوقع أن تتدفق بين ضفتيه دماء أغزر مع الأسف، وأن تصب في روافده الفرعية مياه عكرة أكثر فأكثر.

بكلام آخر، فإن هذه التطورات الفارقة في مسار الثورة السورية، من شأن تفاعلاتها المتوقعة في المدى المنظور، أن تنقل السجال الجاري من حيز التداول حول مآلات الثورة إلى أرضية التعاطي مع مرحلة ما بعد بشار الأسد، من منطلق تقصير أجل النظام المتوحش، وتخفيف آلام الشعب الذي اكتشف قدراته الكامنة على التغيير، ناهيك عن احتواء التداعيات السلبية المترتبة على هذا التغيير، سواء في الداخل السوري أو في خارجه

====================

الجيش الحر وما بعد سقوط الجامعة

مهنا الحبيل

المصدر:   الجزيرة نت 27/1/2012

أبرز قضية مركزية في تحليل الوضع الإستراتيجي والسياسي للجيش السوري الحر -الركن الرئيسي الثالث للثورة السورية- هو ما شكله من مكون إنقاذ بارز وصاعد بقوة خاصة بعد رسالة معركة الزبداني في توقيت دقيق جداً شكّل ضربة إستراتيجية لتوافقات خطيرة ضد الثورة السورية كشفنا عن تفاصيلها في المقالين السابقين, الثورة السورية وكسر الإرادة الإسرائيلية, ومقال الثائر السوري وقوة القرار الذاتي, ونُذكّر بما قلناه في الأخير بأن منظومة المشروع الروسي الإيراني واختراق الجامعة العربية كان من أخطر حلقات المواجهة والحِصار للثورة السورية, وسنعرض هنا تطورات هذا الموقف وبرنامج الجيش الحر الذاتي المتوقع لقيادة المرحلة الحاسمة للثورة.

بعثة الدابي وكشف الحساب

مع اجتماع اللجنة الوزارية العربية 23 يناير/كانون الثاني لبحث تقرير بعثة مراقبي الجامعة والقراءة المتعمقة لتقرير الدابي, تتبين خطوط رئيسية تكشف توجهات الدابي المنهجية التي تعتمد لغة وإعادة صياغة كاملة للمشهد لا يمكن أن تنطلق دون موافقات مع فريق من دول عربية مؤيدة للنظام سراُ أو جهراً وتمرير خطير من أمين الجامعة وبعض هيكلها الإداري.

 

ويؤيد ذلك شهادة المراقب الجزائري الذي استقل بضميره الإنساني وآخرين من البعثة, كشفوا حقائق تتطابق كصورة طبيعية مع ما ينقل مصوراً من برنامج جرائم الحرب الممنهج الذي ينفذه النظام, حتى بات بحث حقيقته جزءا من فنتازيا مروعة للعقل والوجدان الإنساني.

وهنا يبرز تطابق مخيف بين تسريبات التقرير التي تتضمن رسائل مفصلية تعطي تبريرات خطيرة للنظام من ذات اللغة التي يستخدمها تستدعي مصطلح الجماعات المسلحة مع التشكيك المبطن بحجم الجرائم وتوجيه رسائل لتجاوب مزعوم من النظام رغم أن أرقام القتل اليومي والجنائز والجثث المتحللة في ازدياد.

ويلتقي التقرير مع موقف مدافع عن الدابي متماه مع رسائله من قبل الأمين العام, ومع استحضار شهادات المراقب مالك والآخرين الذين اعتذروا عن ذكر أسمائهم وأكدوا ما قاله أنور مالك, بات الوضع يُعطي دلالات مركزية بأن بعثة الجامعة في الأصل مبنية على خطة إنقاذ له وهذا ما يُبرر دفاع الروس المستميت عنها.

الروس يدٌ بالسلاح ويدٌ بالجامعة

بات الدور الروسي مركزيا متدفقا لدعم النظام وتسريع قوته لأجل سحق الثورة السورية بعد الكشف عن حمولات السلاح والذخيرة الضخمة التي أوصلها مؤخراً للنظام, وإضافةً للدعم العسكري الضخم الذي يُغطى إيرانيا أو ذاتيا من الروس لاستيفائه عبر النظام مستقبلاً, فإن موسكو تتحدث عن تدوير دور الجامعة العربية وتوجيهه وكأن الجامعة جزء من منظومة منظمة التعاون التي أنشأتها لمستعمراتها السابقة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.

والغريب أنّ حراك الأمين العام للجامعة يبدو منسجماً مع هذا التدوير الروسي مع إطباق الروس على مداولات مجلس الأمن واستباقه بمشاريع عبثية لإنقاذ النظام, لكن ذلك واضح أنه يسير في توجه لإهمال متعمد من أوروبا وواشنطن وقد ذكرنا ذلك سابقاً لدعمهم لإسرائيل لخشيتها من توجه الثورة, في حين خَفَت وتراجع الدور الخليجي الذي كان يَطرح توجيه استثمار دور الجامعة لمصلحة الشعب السوري.

التحوّل لمجلس الأمن ما الجديد؟

إذاً نحن الآن أمام سيناريو واضح للتواطؤ ضد الثورة والجامعة العربية حتى الآن شريكٌ فيه, هناك تصور آخر للفريق العربي داخل الجامعة العربية يرى أنّ هناك زاوية متبقية لا يمكن أن يحتويها النظام وهي الإعلان عن عدم قدرة الجامعة إيقاف القتل وعجزها التام, وبالتالي تحال القضية لمجلس الأمن ذاتياً عبر المجلس الوطني أو رسالة ضمنية أو إعلان الجامعة العجز عن تامين الشعب دون طلب حماية مباشرة من الأمم المتحدة.

 

وحالياً لا يوجد توجه لدى دول المجلس الدائمة العضوية لتبني الملف وتم التأكيد الثالث من الناتو أنه ليس في صدد أي نوع من الإسناد العسكري في سوريا, وهذا أي التدخل العسكري كمصلحة عربية وسورية لم يكن مطروحاً أصلاً, إنما التغطية القانونية والسياسية والاقتصادية القوية من الأمم المتحدة لحصار النظام ودعم وتغطية المنطقة العازلة, وهذا حالياً يبدو أنه لم يتهيأ ويحتاج المجلس الوطني وثوار الداخل لأخذ ذلك بالاعتبار والأهمية, لكن ذلك لا يمنع من السعي له مبكراً وتحضير المشهد العربي له, وستبقى مركزية الدعم الميداني الإستراتيجي لدى الأتراك الذين لا يزال تعهدهم قائما بتأمين المنطقة العازلة في حال حصول قرار دولي.

ولكنّ المطلوب عربياً رسميا وشعبياً تحفيز الجانب التركي أكثر وإخراجه إلى المبادرة لتأمين المنطقة العازلة دون اشتراط الغطاء فهذه مسؤولية سياسية وأخلاقية ودينية على تركيا, وفي كل الأحوال وهو ما ذكرناه مراراً تغير الوضع على الأرض وزيادة تمرد مدن الثورة سيجعل هذه الأطراف تتعامل بصورة مختلفة.

الجيش الحر.. الإنقاذ النوعي

هنا نربط بمطلع المقالة ليتبين لنا أن حراك الجيش الحر مؤخراً كان عنصرا رئيسا وحسّاسا ومهما لإستراتيجية الثورة وكان من الطبيعي أن يتصدر هذه المرحلة ولنلاحظ هذا التفوق النوعي في عدة مسارات:

1- شكّل توقيت تصاعد فرق وعدد المنشقين والمنضمين للجيش دفعة أمل كبيرة تعزز الصمود وتلاقي ثوار الميدان وتتحد معهم في زمن خانق من مشروع الحصار الروسي الإيراني وشراكة الجامعة العربية فيه.

2- أعطى هذا الزخم والتنوع في مناطق الانشقاق والرتب العسكرية ثم قوة الفداء التي نجحت في الزبداني وإدلب وريف دمشق ودير الزور في عمليات نوعية رسالة مركزية وبيانا تاريخيا للشعب رأينا أكثر المراقبين تحفظاً على الثورة السورية يعترف به وهو:- الثورة مستمرة الآن لن تتراجع بجناحها المدني وبجيشها المسلح الحر, وهذه مفصلية مهمة لمستقبل الثورة.

 

3- تطور الانضباط والتنسيق المدني بين الهيئة العامة للثورة والتنسيقيات ومناضلي الحراك المدني مع تحركات الجيش الحر وتبادل المعلومات, مع بقائهم في ميدان الثورة السلمية وتوسيع التعامل الطبيعي الضروري مع الجيش الحر, وهنا تتكرس الإرادة الذاتية للثورة بوسائط الداخل بصورة مكثفة.

4- لا يوجد أي مؤشر لتحولات إلى حرب أهلية إلا إذا قصد البعض بهذا المسمى اصطدام النظام بعمل مسلح ثوري من القطاع العسكري تحول إلى جيش للثورة, وهو هنا يستهدف طبقة النظام العسكرية والأمنية والتشبيحية وليس الطوائف, ومواقف المثقفين العلويين والدروز مؤخراً تثبت التقاط الشعب السوري لهذه الرسالة الحقيقية لمدنية الثورة ووطنيتها, وهذا لا يتناقض مع مشاعر الوجدان الإسلامي المتجذر في الشعب وانسكابه العاطفي أمام جرائم الحرب لكن دون أي ثقافة مساس بمواطن الطائفة الأخرى.

الانتقال للانشقاق المركزي

أمام هذه الدلالات وتدحرج حركة الانشقاقات وتتابعها أمام العالم حتى لم يعد بالإمكان حصرها حيث تحدث في أكثر من موقع يوميا, فتؤكد هنا على بعد إستراتيجي مهم وهو أن قناعة كل القطاعات العسكرية غير المصنوعة في دائرة النظام الخاصة تتهلهل, وهو ما أذعر النظام وحمل بعض الأطراف للتشكيك فيه بما فيه بعض ما سُرب على لسان الدابي من تهوين أمر المنشقين, لكن صعود الانشقاق وانتشاره بات مكشوفاً للعيان يُرسل يومياً رسائل لزملائهم في كل القطاعات.

واتخذ المسار الأخير دقة نوعية في حراك الجيش الحر وتنقلاته, وقد أشار بعض المراقبين أن مناطق كاملة بالفعل لم يعد النظام يسيطر عليها بحسب أعرافه الأمنية وبات يخشى من إرسال المزيد فيواجه بانشقاق جديد, واتضح ذلك في تركيز جيش النظام عملياته أيضاً عبر الفرقة الرابعة التي يترأسها ماهر الأسد رغم الإعياء الذي أصابها وخسائرها المادية والمعنوية الكبيرة في الزبداني, لكن النظام يحاول أن يتجنب قطاعات عسكرية كبيرة لعدم ثقته وخشيته من ولاء مجنديها لسوريا والثورة وانتظارهم للحظة الخروج للانضمام للحر.

المهمة الإنقاذية أولاً

هنا يتضح لنا مسار التطور الكبير في تشكل الجيش الحر وتعدد كتائبه وتعزز الانضمام إليه وتتابع المنشقين من فرق النظام, وبالتالي بدأ المشهد الإستراتيجي لميدان الثورة مختلفا ومتطورا بتزايد قوة الجيش الحر, وهو ما يعني أن الجيش الحر بدأ مرحلة التأمين الإنقاذي أي مرحلة إنقاذ فعاليات وأنشطة الثورة ثم مرحلة إنقاذ مدن الثورة ثم مد الحزام الثوري حولها وتطوير بنائها الممانع داخلياً, والزحف إلى منطقة الحدود مع تركيا, ووضع العالم كله أمام إستراتيجية الثورة.

 

وهنا تبرز بوضوح مهمة إعادة بوصلة الثورة وتقديراتها الزمنية متماشية مع واقعية الميدان السياسي والعسكري والتغير الإستراتيجي, وهو ما يتطلب وقتا وقد ذكر أحد أبرز القيادات الكبرى المنضمة للجيش الحر أن إنهاء هذه المرحلة الإنقاذية للانطلاق لحرب التحرير يحتاج إلى عام كامل أي حتى يناير/كانون الثاني 2013, والتعامل مع هذا الرقم المتحفظ عليه ورفع درجات التأمين للمدنيين هو رهان المرحلة.

فحافظت الثورة بأذرعها الثلاث هيئات الداخل والجيش الحر والمجلس الوطني على الإستراتيجية الأصلية التي تغذى بصورة مطردة من حركة الانشقاق وكشف مواقع مهمة لمصالح الجيش الحر, في حين يُضغَط في اتجاه عوامل التعجيل بالنصر في برنامج المحيط العربي والتركي والدولي وضمان مشاركة أكبر في حلب ودمشق اللتين شهدتا تحركا كبيرا في الشهر الماضي من قطاعاتها الشبابية. هنا الرسالة الزمنية مؤلمة لفدائية الشهداء من مناضلين وأطفال وصبايا ومثيرة لكل مشاعر عربية، لكنها ضريبة التحرير لقلب العروبة.. إنها سوريا.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ