ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 22/01/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مآلات الأزمة السورية

الوطن القطرية

التاريخ: 21 يناير 2012

لم يخذل النظام السوري كل من توقعوا سلوكه، وكل من ترقبوا خلاصات الأزمة السورية في حالها الراهن، بل إنه - بغير نجابة - ينزلق إلى مصيره بانحدار يصعب معه استخدام أي كوابح.

فقد وضع المبادرة العربية، التي أتاحت له الفرصة لأجل مراجعة تنتصر لاستحقاقات شعبه، أمام خيار ضرورة التدويل في الاجتماعين الوزاريين، اليوم وغدا، وأهمية اللجوء إلى مجلس الأمن، متجاهلا أن ضغوطات السياسات الدولية يمكنها أن تبدل موقفي موسكو وبكين بخصوص الفيتو، خاصة أن الجرائم التي ترتكب في المدن السورية ضد شعبه، تنضج إجماعا دوليا يصعب مقاومته، ولا تترك لأقرب أقربائه مجالا للاستمرار في الاصطفاف إلى جواره.

ومن المؤسف أن قراءة النظام لما يحدث في بلاده والعالم ما زالت بعقلية عفا عليها الزمن وتمتحفت في متاحف السياسة، وصار من الضروري استجلاء البصر والبصيرة لرؤية الحقائق على الأرض، والتي أقلها خسارة سوريا ملياري دولار منذ فرض العقوبات الدولية، كما أعلن ذلك وزير النفط السوري بنفسه، والتي من بينها أيضا انخفاض قيمة الليرة السورية إلى نصف قيمتها، ومنها كذلك أن إشارات المرور في العاصمة صارت بلا كهرباء، في سياق توزيع اضطراري للطاقة.

ومن ثم فإن النظام السوري يجبر شعبه على دفع ثمن بقائه بالسلطة، في شمشونية مدعاة تهدم كل شيء في سوريا. ومن ذلك فإن النظام يقتل شعبه، ويضعه في ظرف معيشي بالغ القسوة، في حين أن مقدرات سوريا وثرواتها الطبيعية كان يمكن أن تؤمن لهذا الشعب العربي الشقيق رغد العيش، لو أن النظام تعصرن بغير مغادرة هويته الوطنية، ولو أنه أحسن الاستثمار في موارد الدولة، ودون أن يجعل من سوريا سجنا كبيرا لمدة أربعين عاما، كما هتف المتظاهرون في جمعة الأمس.

=================

تدويل الأزمة السورية

حسين العودات

التاريخ: 21 يناير 2012

البيان

أعتقد أن الخطوات الأولى لتدويل الأزمة السورية قد بدأت قبل أكثر من أسبوع، وتدعوني لهذا الاستنتاج عدة تصريحات وإجراءات ومطالبات إقليمية ودولية. فقبل أيام صرحت وزيرة الخارجية الأميركية، بحضور رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، أن مهمة مراقبي الجامعة العربية لا يمكن أن تستمر إلى الأبد.

وأوحت بأن هذه المهمة فشلت. ويشير تصريحها هذا إلى رغبتها في أن تنهي الجامعة العربية مهمة هؤلاء المراقبين، وأن تسرع في تقديم تقريرها الذي وعدت بتقديمه إلى مجلس الأمن إذا فشلت في تحقيق مبادرتها تجاه سوريا، بما يعني السير خطوة واضحة وثابتة في اتجاه التدويل.

ولمثل هذا الطلب شأن عظيم، لأنه يصدر عن منظمة إقليمية عربية، وسيكون عاملاً حاسماً في تغيير الموقف الروسي، لأنه لا يستقيم أن تزعم روسيا أنها تهتم بمصالح سوريا ومستقبلها وأمنها واستقرارها أكثر من اهتمام الجامعة العربية، وبالتالي يصبح من الصعب على روسيا وعلى الصين أيضاً أن تكونا ملكيتين أكثر من الملك، وعربيتين أكثر من جامعة الدول العربية.

وإذا اجتمع هذا الشرط مع إمكانيات عقد اتفاق "تحت الطاولة"، أي "صفقة" بين الولايات المتحدة وروسيا، تقدم الأولى من خلاله للثانية ثمناً لتغيير موقفها، قد يكون تعديل سياسة نصب صواريخها في أوروبا أو في تركيا، أو يكون وعداً بوضع شروط صعبة أمام أوكرانيا مستقبلاً إذا رغبت الدخول في حلف شمال الأطلسي.

أو تقديم وعد بالسكوت على قيام روسيا بتغيير السلطة السياسية في جورجيا، أو ما يشبه ذلك. فإذا اجتمع الشرطان: طلب جامعة الدول العربية، مع التعويض على روسيا، فلا شك أن الروس سيتراجعون عن موقفهم، وسيسكتون عن أي قرارات يرغب مجلس الأمن في اتخاذها دون استخدام "الفيتو" ضدها. والأمر نفسه بالنسبة للصين، وما أكثر الإمكانيات المتوفرة لدى الولايات المتحدة وأوروبا لإرضاء الصين.

ويشير إلى إمكانية التدويل أيضاً، الاتصال الهاتفي قبل أسبوع بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، والذي تناول فيه الطرفان الأزمة السورية، وتصريح الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر بضرورة تدخل عسكري عربي.

ومن اللافت للانتباه كذلك، الاجتماع الذي عقد بين وفد من المجلس الوطني السوري (معارضة الخارج)، وبين ما يسمى بالجيش السوري الحر، بهدف تنسيق المواقف، وكذلك تشكيل مجلس قيادة عسكرية شورية عليا منشقة.

ويبدو جلياً أن هذا الحراك العربي والدولي، وتلك التصريحات والاتصالات، إنما تشير إلى موقف دولي جديد بعد فترة صمت طويلة، اقتصرت على التصريحات والاستعراضات، دون إجراءات جدية وحاسمة ضد السلطة السورية. ويقول بعض المراقبين والمحللين السياسيين السوريين، إن موقف الولايات المتحدة لم يكن حاسماً في الماضي، وان قرار الإدارة الأميركية وحتى قرار الدول الأوروبية لم يكن متخذاً بإسقاط النظام السوري، بل كان موارباً دائماً، أما الآن فيبدو أنها اتخذت قرارها، ولذلك يمكن القول إن خطوات التدويل قد بدأت فعلاً.

يتساءل المراقب؛ ما إجراءات التدويل المحتملة؟ هل هي عقوبات قاسية ضد النظام السوري؟ أم مناطق عازلة؟ أم حظر الطيران المدني والعسكري؟ أم قصف قواعد الصواريخ السورية وقواعد الطيران والاتصالات وبعض المنشآت كما كان عليه الحال في ليبيا؟

أم خطوات ستنتهي بغزو عسكري بري كما كان الحال في العراق؟ وربما يجمع المراقبون على أن مجلس الأمن سيقرر خطوات تدويل متدرجة، قد تبدأ بالإجراءات غير العسكرية، صعوداً إلى العمليات العسكرية، وذلك مراعاة للموقف الروسي من جهة، ولعدم إثارة العرب المعارضين لهذا التدويل من جهة أخرى.

ويعتقد محللون سياسيون سوريون، أنه كان بالإمكان تفادي التدويل إذا تم تنفيذ مبادرة جامعة الدول العربية، التي تنص على أربع نقاط هي: وقف العنف وسحب الجيش من القرى والمدن، وإطلاق سراح المعتقلين، والسماح للصحافة الأجنبية والعربية بدخول سوريا، ثم بدء حوار جدي مع المعارضة بإشراف الجامعة العربية.

لأن تنفيذ هذه المبادرة سيقطع الطريق على التدويل، إلا أن إصرار السلطة السورية على الحل الأمني للأزمة هو الذي أفقدها الرؤية، ووضعها هي وأساليبها على طريق اللاعودة، وفي نفق لا نهاية له، انطلاقاً من قناعة مفادها أن العنف كفيل بإعادة الأمور كما ترغب السلطة، مما حدا بها لرفض عقد أي مؤتمر جدي يضم كافة شرائح المجتمع السوري.

على مختلف آرائها السياسية، وطبقاتها الاجتماعية والثقافية، وإتاحة الفرصة لمثل هذا المؤتمر أن يدرس واقع الأزمة السورية، وواقع المجتمع والسلطة، والصعوبات والعقبات التي تقف بوجه الإصلاح، وتصر على أن يبقى كل شيء كما هو، وأن تقبل المعارضة بإجراء الحوار في ضوء ذلك.

يبدو أن السلطة السياسية السورية لم تصدق بعد أن خطوات التدويل الأولى قد بدأت، وأن عليها سد الذرائع على الأقل، والبدء بإصلاحات جدية كي تتفادى تدويل الأزمة وخروجها من اليد المحلية واليد العربية، ووضعها بين الأيادي الأجنبية، التي ستدخل مصالحها كجزء أساسي من إجراءات التدويل،.

وهي بالتأكيد، عند ذلك، لن تسقط السلطة السياسية السورية فقط، بل ستدمر الدولة السورية، وخاصة وسائل دفاعها (قواعد الصواريخ، قواعد الطيران، الاتصالات)، ومنشآت القطاع العام الأخرى (الكهرباء، المنشآت النفطية، وغيرها)، فضلاً عن تدمير الإدارة وإعادة سوريا إلى العصور الوسطى، وهذا ما شاهدناه في العراق وليبيا.

وفي كل الحالات، إذا كان التدويل على الأبواب، فإن لسان الشعب السوري يقول "اللهم لا نسألك رد القضاء وإنما اللطف فيه".

=================

سوريا والسيناريوهات البشعة

تاريخ النشر: السبت 21 يناير 2012

د. سعد بن طفلة العجمي

الاتحاد

ليس في قراءة الوضع السوري سوى حتمية واحدة: النظام ساقط عاجلًا أم آجلًا، والسبب علمي بديهي، فهو نظام يحاول أن يسير عكس قانون الجاذبية. اللحظة التي بدأ بحسم أمر الاحتجاجات السلمية بالعنف والبطش، رغم أنه أسلوب لم ينجح فيما يجري حوله، أعلن فيها النظام شهادة سقوطه، ولكن كيف؟

لم يتوقف الاحتجاج بعد أشهر من القمع الدامي وتقديم ضحايا بعشرات الآلاف بين قتيل وجريح ومعتقل ومعذب ولاجئ، التوقف يعني فناء الأمل، وهو أمل لاحت بوارقه بالتخلص من الطغيان بأثمان غالية، وماتحقق من إنجاز إزاحة حاجز الخوف، لايعادل بأي ثمن، والعودة إلى الوراء والذل والاستكانة مستحيلة استحالة بقاء النظام.

كثيرون عولوا على أن النظام السوري سيكون أكثر ذكاء من سابقيه في تونس وليبيا واليمن ومصر، ولكن "ملة الطغاة واحدة"، مراقبون راهنوا على اختلاف عقلية طبيب العيون الشاب الذي انفتح على العالم وجاء للرئاسة بالمصادفة، حادث سير لأخيه وبوفاة أبيه المفاجئة، ولكن يبدو أن ثقافة البطش جينية، فكان القمع وسفك الدماء هو السلاح الوحيد الذي مارسه النظام، ولا يزال منذ اندلاعة الاحتجاجات في درعا قبل عشرة أشهر، وهو قمع لم يضعف الثورة، ولكنه أدى إلى عسكرتها وتلاشي سلميتها شيئاً فشيئاً. كتب "إيان بلاك" في الغارديان: لا يمكن أن تطلق النار على صدور عارية يوميّاً وتتوقع ألا يقوموا بتبادل إطلاق النار معك يوماً ما. وهو ما جرى -بكل أسف.

الانشقاقات في الجيش العربي السوري بالآلاف، والمعنويات تنهار بين صفوفه خجلاً من تصديهم لشعبهم الأعزل وهم الذين ظنوا يوماً أنهم جندوا وسلحوا لتحرير الجولان ومجابهة إسرائيل، والسلاح يتكاثر بأيدي الثوار ضد النظام، وتهريبه يجري برعاية من قيادات الجيش السوري نفسه، لقاء رشاوى كانت ولا تزال سمة من سمات النظام في كافة مؤسساته، والقتال أصبح يأخذ طابعاً نديّاً، وخصوصاً بعد تفاهم لوقف إطلاق النار بين الثوار والجيش في الزبداني يوم الأربعاء الماضي، فللمرة الأولى يخضع النظام لمبدأ التفاهم مع الثوار، وهو مؤشر ضعف وتضعضع النظام، مهما حاول رئيسه إظهار الصلابة والجلد في مواجهة الثورة كما فعل في خطابه الأخير.

وطالت الانشقاقات بعض المسؤولين ونواب مجلس الشعب، وتمرد موظفون رسميون في الدولة التي تعاني من الترهل البيروقراطي المتخلف أصلاً.

لكن المؤشر الأكثر خطورة، هو الانهيار النفسي والمعنوي والمعاشي للإنسان السوري، فالليرة السورية فقدت ربع قيمتها حتى الآن، والتعامل معها كعملة تلاشى ومعه التعامل مع بطاقات الائتمان، وارتفعت الأسعار، واختفت المحروقات والبنزين، وزادت ساعات قطع الكهرباء التي لم تكن مستمرة قبل الثورة، وهرب المستثمرون وغاب السياح، وخلت الفنادق، وبدأ الإنسان السوري المتوسط الحال يشعر بالضائقة في حياته المعيشية اليومية. بل وصلت القناعة حتى بين أوساط مؤيدي النظام بأن السقوط حتمي لا محالة، ولكن كيف وبأي ثمن؟

المجتمع الدولي مشغول بأولوياته، وليس بينها الدم السوري المسفوح، وإسرائيل تتفرج بقلق على زوال النظام، ولكن أي إشارة لتعاطفها معه وبقائه تعني التسريع بسقوطه، فآثرت استمرار الفرجة: "فخار يكسّر بعضه". وتركيا لن تقدم على تدخل مباشر دون غطاء ومباركة ومساندة "الناتو"، و"الناتو" تقوده أميركا، وأميركا مشغولة بانتخابات الرئاسة، وأوضاعها الاقتصادية متردية، وأوروبا "عبدالمعين الذي ينعان"، وإيران تتمنى مزيداً من القلاقل والفوضى في المنطقة فحالها "أنا الغريق فما خوفي من البلل"، ولكن سقوط النظام السوري سيكون ضربة قاصمة لاستراتيجيتها للهيمنة وفك حصارها وتثبيت نظامها وتبرير قمعها لشعبها.

المشهد السوري محزن من كافة جوانبه، لكن الحتمي فيه، سقوط نظامه...

=================

لبنان وحمام الدم السوري

علي حماده

2012-01-21

النهار

مع مضي ما يناهز السنة على انطلاقة الثورة السورية (15 آذار2011) تقترب سوريا بخطى ثابتة من المواجهة المسلحة المفتوحة. بعضهم يسميها حربا اهلية وبعضهم الآخر يعتبرها معركة عسكرية لا اهلية، إذ تجري المواجهة بين النظام الحاكم ومعارضة شعبية واسعة، وثمة شكوك كبيرة في ان يكون العلويون قرروا خوض المعركة كطائفة دفاعا عن النظام، وبشار الاسد وارث حافظ الاسد. هذه فرضيات لا تزال في حاجة الى عناصر ميدانية ومادية تؤكدها او تنفيها. فالمجازفة كبيرة جدا متى ادركنا ان كل معركة تخاض على قاعدة طائفية لا بد ان تنتهي بحمام دم كبير. فضلا عن ذلك، ثمة من يقول ان ارقام الديموغرافيا السورية لا تكذب، ومن هنا خطورة تورط العلويين في حماية نظام يسعى الى جعل وجوده شرطا مسبقا لبقاء الطائفة نفسها. بمعنى ان لا علويين في سوريا ما لم يبق النظام في دمشق، ولا امل ببقاء العلويين على ارض سوريا ما لم ينخرطوا في خيارات آل الاسد التقسيمية التي يخبئونها ورقة ما قبل اخيرة، ساعة يتم اخراجهم من دمشق وحلب. فالمدينتان الكبريان، هما آخر قلاع النظام بصيغته المركزية. اما بقية انحاء البلاد فساحة مواجهات مفتوحة على كل الاحتمالات.

لقد كان خطاب بشار الاسد الاخير الذي اعتبره المراقبون اعلانا للحرب، رسالة لفريقه اكثر منها رسالة للآخرين. كان في حاجة الى أن يقول لناسه انه قرر خوض الحرب الى النهاية. وكان لنزوله الى ساحة الامويين ليخاطب حفنة من المناصرين مصحوبا بزوجته واولاده، مضمون مفاده انه باق كعائلة. وطبعا، اكتشف بشار حجم المشاركة الهزيلة في تظاهرة ساحة الامويين التي قيل انها ضمن مشاركين من لبنان (حزب الله والقوميون) اكثر من السوريين. فحتى فئة الموظفين التي كان يجري انزالها في الشهور الاولى من الثورة بالوسائل المعروفة ما عاد بالامكان حشدها. وسكان المدينتين الكبريين دمشق وحلب يجنحون في معظمهم الى ملازمة بيوتهم وانتظار الخاتمة.

في لبنان يقف حلفاء بشار الاسد في موقف صعب، فالعقلاء والواعون على ندرتهم، يعرفون تماما ان النظام في سوريا انتهى، وان الايغال في القتل لن ينقذه من السقوط. فالسقوط حتمي مهما حصل، ومهما توسع القتل. وحمام الدم لن يفضي إلا الى نهاية سيئة سيتعرض لها بشار وبطانته. انه اضعف من ان ينتصر على شعبه. والاطراف اللبنانيون المتحالفون معه ينتظرون ساعة السقوط، وهم مرتبكون تماما مثل القوى المناوئة. لكن "حزب الله" هو الاكثر ارتباكا، لانه خسر السوريين ولن يربح نجاة النظام. ومشكلة الحزب انه يدار من الخارج، وهو جزء من منظومة غير لبنانية. فحارة حريك اقرب الى طهران بأشواط منها الى اي بقعة في لبنان.

خلاصة القول: ان اصوب الخيارات التحرك في الاتجاه الصحيح من التاريخ. فمنطق التاريخ اقوى من خردة "حزب الله" وهذيان قادته في طهران.

=================

إضعاف الأسد بدلا من إسقاطه

ماهر ابو طير

الدستور

21-1-2012

برغم المذابح في سوريا،الا ان هناك تغيراً في البوصلة الدولية تجاه الاسد،من سيناريو اسقاط الرئيس الى اضعافه،تمهيدا للمرحلة المقبلة.

بشكل واضح يلمس كثيرون ان المجتمع الدولي،وجامعة الدول العربية،لايطرحون شعار اسقاط الاسد،اذ حدث تراجع عن هذا الشعار،بشكل جزئي،نحو اضعاف النظام السوري،واضعاف الاسد،توطئة لتسوية اقليمية،تقوم على اساس فك تحالفه مع ايران وحزب الله،من جهة وتخفيف حدة النظام ازاء ملفات عدة.

برغم هذا التغير في الموقف الدولي،الا ان كل السيناريوهات تضع في حسابها،احتمال سقوط نظام الاسد بمعزل عن التوجه الدولي،على يد السوريين،لان التوجه الدولي في نهاية المطاف لايضمن بقاء الاسد،بقدر مراهنته على قدرة الاسد على الخروج من مستنقع الدم بأقل الكلف.

السيناريو الموازي تماما لسيناريو اضعاف الاسد لا اسقاطه،يتناول نتائج الثورة السورية،وعما سيحدث في سوريا اذا سقط النظام،والمخاوف الدولية تتحدث عن الوريث وترى انه قد يكون من داخل ذات النظام القائم حاليا،لا من خارجه،مع اعتبار ان هذه الفرصة قليلة الحدوث لان سقوط رأس النظام سيؤدي في الاغلب الى تساقط كل اوراق النظام.

العواصم الغربية امام مأزق كبير لان الحسبة تجاه سوريا تخضع للميزان الاقليمي،فمن جهة يراد تحطيم المحور الايراني السوري،وتوابعه في المنطقة،واخراج سوريا من هذا المعسكر في الحد الادنى،للاستفراد بتسويات سياسية او عسكرية مع ايران،ومن جهة اخرى تتبدى المخاوف من كلفة سقوط النظام لصالح بروز الاسلاميين في سوريا،وتأثيرات ذلك على امن اسرائيل،التي تجد نفسها لاول مرة في باب الذي يفضل اضعاف النظام لا اسقاطه،هذا من التذكير باستحسان واشنطن جزئيا لان يرث دمشق السياسية،اسلام سياسي سني،لمواجهة المشروع الاسلامي الايراني الشيعي،وهنا عقدة الخيارات،وتناقضاتها.

محللون يقولون ان دولا غربية كثيرة ترى في حراكات الشارع العربي جانبا مفيدا هذا على الرغم من تراجعات الدعم الدولي لهذه الحراكات،وهذا الجانب المفيد يتعلق برؤية انتهازية ترى في ترك الشارع ليعبر عن رأيه عبر صناديق الاقتراع فرصة كبيرة لمرور الاسلاميين السنة في المنطقة،بما يشكلونه من قوة اسلامية سياسية،ُيفترض مسبقا ان تعاند المشروع الاسلامي الايراني الشيعي،وهذا يعني توظيف الاقتراعات في العالم العربي لمهمة محددة،سيتم التعامل مع نتائجها الابعد لاحقا،اذا تم انهاء المعسكر الايراني وتحالفاته في المنطقة.

المراهنة الان على اضعاف النظام توطئة لتسوية اقليمية كبرى،تؤدي الى عزل ايران،عبر اضعاف اهم حليف لها،وعبر السماح بتشكيل قاعدة عريضة للاسلاميين السنة عبر الاخوان المسلمين والسلفيين وغيرهم في مواجهة وظيفية مع طهران الشيعية،فيما سيناريو سقوط النظام كاملا يبدو مرعبا لكل الاطراف،لان مابعد الاسد،غامض ومفتوح على كل الاحتمالات،والتقليب جار لكلفة الخيارات وكلفها.

تبقى قدرة دمشق الرسمية،وتحالفها مع طهران،على اعادة خلط الاوراق في المنطقة،محل الاختبار،خصوصا،ان واشنطن وحلفاءها،ليسوا اللاعبين الوحيدين في المنطقة،وقد تتعرض كل السيناريوهات الى مفاجآت واعادة رسم من جديد.

=================

الانتفاضة السورية ومرحلة المواجهات العسكرية

علي الصفدي

الرأي الاردنية

21-1-2012

أثبتت الانتفاضة الشعبية في سورية بعد عشرة أشهر من انطلاقتها السلمية في مواجهة القوى العسكرية والأمنية للنظام الحاكم، أنها غير قابلة للارتداد والتراجع والتنازل عن مطالبها الجماعية بالحرية والتعددية والإصلاح وتغيير النظام، كما أثبت حراكها المتواصل أن شعبها قد تخطى حاجز الخوف وأنه متمسك بأهدافه مهما كلفته من تضحيات. وأمام إمعان حكامها في مواصلة استخدام لغة القتل والعنف وقمع المواطنين المتظاهرين، ومواجهتهم بالأسلحة الثقيلة ومحاصرة مدنهم وقراهم وتجمعاتهم في سائر أنحاء الوطن السوري، ارتفعت وتيرة الانتفاضة الشعبية وتعززت قدراتها بفعل تزايد الانشقاقات التي تحصل في صفوف الجيش النظامي وتنتقل إلى صف الجيش السوري الحر الذي يقوده العقيد (رياض الأسعد)، وارتفعت الرتب العسكرية للمنشقين إلى أن وصلت رتبة العميد الركن التي يحملها أحدث المنشقين (مصطفى أحمد الشيخ) الذي يستعد للإعلان في تركيا عن إنشاء (المجلس العسكري السوري الأعلى) الذي سيتولى التخطيط للعمليات العسكرية ضد قوات النظام بالتنسيق مع الجيش السوري الحر، وفي ضوء هذا الحراك العسكري المؤازر للحراك الشعبي دخلت الانتفاضة مرحلة المواجهات العسكرية ضد جيش النظام وقواه الأمنية حمايةً للمدنيين من أعمال القتل التي لم تتوقف يوماً واحداً خلال العشرة أشهر الماضية.

وقد شهدت مدينة الزبداني خلال الأسبوع الماضي أعنف المواجهات بين الجيش السوري الحر الذي تحصن فيها والقوات السورية التي شنت حملة عسكرية مكثفة عليها على مدى أربعة ايام متواصلة دون أن تحرز أي تقدم يذكر مما اضطرت معه إلى الانسحاب بعد تكبدها بخسارة دبابتين مدرعتين وحاملة جند وسيارة دفع رباعي إضافة إلى مقتل (35) شبيحاً، كما تصدى الجيش الحر للقوات الرسمية واشتبك معها في معرة النعمان في محافظة إدلب وقام بمهاجمة سرية إشارة في (سرغايا) أسفر عن انشقاق خمسة عناصر وقتل ضابط والسيطرة على مجموعة من الأسلحة والذخائر وثلاث مركبات إحداها مصفحة، كما جرى اغتيال العميد محمد شمس الدين حسن مدير ناحية أرمناز في إدلب.

ولم يقتصر اتساع نطاع الانشقاقات على العسكريين بل أخذ يزداد في صفوف كبار المدنيين أمثال النائب السوري عماد غليون الذي أعلن عن توقعه بانهيار السلطة في دمشق في غضون ثلاثة أشهر وأشار إلى أن ما يجري في حمص يعد كارثة بكل المعاني حيث باتت مدينة أشباح مليئة بالرعب ووصل الوضع الإنساني فيها إلى مستويات بالغة الخطورة، وقد ناشد القوى العربية من أجل إنهاء الوضع القائم في سوريا.

وفي ضوء التفاقم الحاد في الأوضاع الداخلية في سوريا، والفشل الذريع الذي منيت به بعثة المراقبين العرب، تزايدت الضغوطات العربية والدولية على نظامها الحاكم بغية وقف إراقة الدماء فيها، وصدرت اقتراحات عن أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بإرسال قوات عربية لوقف عملية قتل المدنيين المتواصلة دون هوادة، ولاقى اقتراحه تأييداً من الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى الذي دعا الجامعة إلى دراسته وإجراء المشاورات حوله، ومن وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد والعراق هوشيار زيباري اللذين أشارا إلى إمكانية بحث الاقتراح في اجتماع وزراء الخارجية العرب يوم الأحد القادم، وقد أعلنت دمشق رفضها القاطع لفكرة القوات العربية، وعلى الصعيد الدولي فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة على سورية وجدد الرئيس الأمريكي باراك أوباما تعهداته بمواصلة الجهود اللازمة لممارسة الضغط الذي يستهدف حمل الرئيس الأسد على التنحي عن الحكم. فالوضع في سورية مرشح لمزيد من التأزم والتفاقم وازدياد المواجهات العسكرية والموجات الانشقاقية جراء اعتماد الحكم لغة القوة بدلاً من لغة الحوار والتفاهم والاستجابة للمتطلبات الإصلاحية.

=================

السوريون الصامتون ضحايا 'الأخطاء الفرديّة' من الطرفين

خلود الزغير

2012-01-20

القدس العربي

في سورية اليوم حقيقتان منفصلتان تقفان كصخرتين صلبتين، لكلٍّ منهما واقعها، شخوصها، دلائلها وشهودها.. وبين الواحدة والثانية يغرقُ سوريون كُثر في بحرٍ من الأسئلة والشائعات والصور والشاشات الدامية، الغاضبة والصارخة. قلّة هم من فكّروا برمي جسر لهم أو قارب نجاة ينقذهم من هذا التخبط طوال عشرة أشهر، الجميعُ من الجهتين مشغولٌ بدمهِ .. بحزنه.. وبحربه مع الآخر.

كلا الطرفان يحاولان منذ أشهر القفز عن هذه الإشكالية دون مواجهتها.

أي: لماذا يعجز النظام عن كسب هؤلاء الصامتين والمترددين ليكونوا 'منحبكجية' بالمعنى الحقيقي للكلمة. أي أن يملكوا الاستعداد للانخراط في فرق التشبيح والقتل والسرقة والإرهاب ويكونوا مخبرين له، وأن يعبّروا عن حبهم وولائهم في وسائل الإعلام المحلي بالتملّق المطلوب؟ وبأن لا يكتفوا بالخروج مجبرين في المسيرات التأييدية فقط بل أن يرقصوا ويغنوا؟

بالمقابل، لماذا تعجز الثورة و المعارضين تحديداً عن تحريك هذا الشارع السوري الصامت والمتردد، وتشجيعه على المشاركة بالثورة عن طريق التظاهر أو بالحد الأدنى المشاركة بالإضراب أو التبرعات؟

يبدو أن إشكالية هذه الشريحة من السوريين أو من يطلق عليهم صفة 'الصامتون والمترددون' هي إشكالية صمتها وترددها تجاه ال'خطاب' المقدم لها. وبشكل أكثر دقة ضياعهم بين خطابين يُصفعان بهما لحظيّاً دون جذب أو إقناع. الأول عاطفي أخلاقي إنساني هو خطاب الثورة وشهدائها ونبض شعبها واستحقاقاته السياسية والاقتصادية والانسانية، بينما نخبته المعارضة بصراعاتها واختلافاتها وشعاراتها تزيد تخوفهم من المستقبل. والثاني واقعي من حيث ميزان القوى، آمن ومستقر هو خطاب النظام لكنه يوجع الضمير.

لم يكن غريباً أبداً افتقاد النظام لثقافة الوعي بالآخر وحواره، وغباء آلته الإعلامية، فهذا أمر معروف من أربعين سنة، ولأجله قامت الثورة. لكن الغريب هو افتقاد (بعض) تيارات المعارضة لهذه الثقافة وممارستها الإقصاء والتخوين والاستفراد على رفاقها في المعارضة أيضاً. لذلك كان من نتائج افتقادهم هذه الثقافة عجزهم عن استقطاب الشارع الوسطي المتردد في سورية قبل أن يفكروا أصلاً بالشارع المؤيد.

فكما أن إعلام النظام ومخابراته وأجهزته الأمنية يتصرفون بقناعة ساذجة أن كل السوريين يحبون رئيسهم بشار وعلى استعداد لافتدائه بالروح والدم ويقعون بمفاجأة كلما سمعوا منتقداً أو معارضاً لسيّدهم فيخونونه ويتوعّدونه. للأسف (البعض) في المعارضة اتبع ذات الثقافة وذات الخطاب تجاه الآخر 'السوري'، وسار بالثورة اعتماداً على هذا المنطق. موجهاً خطابه للشعب السوري معتبراً أن كل السوريين مع الثورة وضد بشار الأسد، غير مكترث بالمؤيدين 'الخونة' ومتجاهلاً الفئة 'الصامتة والمترددة' دون إعمال التفكير والجهد بكيفية استقطابها.

هنا يطرح سؤال لهؤلاء إذا كنتم تقومون بثورة لأجل سورية جديدة دولة مدنية تعددية ديمقراطية تكون بديلاً لدولة الاستبداد، إذاً ستكونون جزءاً من حكومة لكل السوريين، أي الثائرون والمؤيدون والصامتون. هذا يعني أنه يتوجب عليكم تقديم خطاب يحاكي آمال وطموحات الجميع ويلفت نظرهم ككل وليس كجزء. لا أودّ أن يفهم من كلامي أبداً تقديم خطاب وسطي مُراوغ كما فعلت بعض هيئات المعارضة، لكن المقصود طرح خطاب كاريزمي يليق بتضحيات الشعب الثائر أولاً، يفضح فساد وإجرام النظام واستغلاله واستبداده لكن بدون لغة سوقيّة واتهامات غير موثّقة وتخوين دون دلائل أو لغة استفزازية طائفية، بل بلغة سياسية بنائية تحاكي المواطن بدل ابن الطائفة وتقدم البديل لسورية المستقبل بوضوح. سورية الدولة التي تغري كل سوري كي ينزل للشارع ويضحي لأجل مستقبل أولاده. لكن بنفس الوقت تطرح خطاباً 'ممكناً' دون مبالغات في الوعود والمواعيد بل بواقعية وصدق وأمانة.

هذا الكلام لا يعني التعميم أبداً على كل من في المعارضة وينشط بالثورة، فقد كان الشعب المنتفض سبّاقاً بتوجيه خطاب جامع وشعبي بوسائله البسيطة وأبطاله الشعبيين في الأحياء والقرى وعبر لافتاته وشعاراته، قام به أيضاً شباب التنسيقيات اللذين يمثلون النخب الشبابية الفاعلة على الأرض أولئك الأبطال الذين قادوا المظاهرات ونظموها وضبطوا هتافاتها وصوّرا القمع واعتقلوا واستشهدوا غالباً تحت التعذيب. لا ننسى أيضاً دور شباب الحراك المدني وحملاتهم ضد العنف والطائفية وحملات الإغاثة وشباب الفيسبوك وحملاتهم الإلكترونية وأهمية حشدهم للثورة. كما قدم الكثير من المثقفين والكتاب السوريين مقالات مضيئة في أرشيف الثورة، كذلك التيارات المعارضة التي قدمت بيانات ورؤى بهذا السياق كأحزاب أو كأفراد. لكن كل ذلك لا يمنعنا من نقد الأخطاء التي بدرت من تيارات أخرى احتلت وسائل الإعلام وقادت الشارع المنتفض.

إذاً عدنا للسؤال الأساسي لماذا عجز كل من النظام والمعارضة عن استقطاب الشارع الصامت والمتردد لجهته؟ سيكون الجواب بسيطاً جداً بالنسبة للنظام لأنه بإيديولوجيته وتركيبته الفكرية وإعلامه لم يمتلك يوماً ثقافه الوعي بالآخر أوحواره ولم يقبله إلاّ تابعاً له وموالياً ومصفقاً.

لكن بالنسية للثورة ومعارضتها، علينا الاعتراف ببعض الأخطاء التي ارتكبت وتصحيحها ولو بعد عشرة أشهر. أولها: حين بدأ قسم من المعارضة يطرح حل التدخل الخارجي والحظر الجوي على الطريقة الليبية كحل جذري وسريع لإنهاء النظام منذ الأشهر الأولى للثورة. طبعاً لا يُلام المتظاهر حين ينادي بهذا الشعار لينهي مأساته وموته اليومي. لكن يُلام من يعتبر نفسه قيادياً وسياسياً ولا يقدر شعور باقي السوريين تجاه التدخل الأجنبي، ويُلام حين يبيع الشعب أوهاماً وأكاذيب عن قرب التدخل وإمكانياته دون وعود حقيقية من هذه الدول. يُلام حين لا يُعلم المتظاهرين والشعب، الذي يرفع شعار التدخل، كم شهراً أو سنة سيحتاج التدخل الخارجي لينهي حربه مع الطيران السوري وصواريخه ومضاداته، ليتمكن بعدها من فرض حظر طيران على سماء سورية، هذا طبعاً إذا لم تتدخل أي دولة إقليمية. يُلام عندما لا يشرح تبعات وتفاصيل التدخل من دمار مادي وانساني ليكون المواطن السوري على دراية بما هو مقبل عليه؟ ويُلام أيضاً حين يتجاهل الحساسية السورية، المرضية أحياناً، تجاه الغرب وتدخلاته ورفضه القاطع لها؟

هذا الخطاب الموجّه لاستجرار مساعدة الغرب العسكرية منذ بداية الثورة كان سبباً بتحييد هؤلاء المترددين عن الانخراط بالثورة، ليتساءلوا هل هذه الثورة التي ستحررني بيد الغرب ثورة شعبية؟

ثانياً: تسميات أيام الجمع. تعتبر أحد أهم أسباب ردع الشارع السوري عن الانخراط بالثورة لما تعطيه من انطباعات وما تفرضه من استبداد بالرأي. فبعد عشرة أشهر عجزت عن اختيار تسمية مدنية تحاكي المجتمع السوري ككل، تسمية ترتبط بشعارات الثورة وأهدافها (دولة مدنية ديمقراطية تعددية، دولة القانون والمؤسسات والعدالة الاجتماعية) تسمية تلتفت لإحدى أزماتنا الإقتصادية مثلاً أو الحقوقية الإنسانية كوننا نقوم بثورة الحرية والكرامة. إنما ينظر مطلقي هذه التسميات للمجتمع ويحاكونه كفئات وجماعات على طريقة النظام تماماً (عشائر، أكراد، صالح العلي'للعلويين'، الجمعة العظيمة 'للمسيحيين'، جمل ودعوات قرآنية 'للمسلمين'...الخ). الكارثة الثانية بالتسميات هو أسلمتها بطريقة فاضحة، وبشكل يوحي بأسلمة الثورة ويحيلها للثنائية الاتهامية التي يسعى النظام ليحشرها بها منذ البداية وهي تمرد إسلامي سلفي رجعي على الدولة المدنية العلمانية 'العلوية'. متناسين بنية المجتمع السوري وتنوعه ومشاركته بالثورة، مؤكدين على بروبغندا النظام التي تتهم هذه الثورة بخلفيتها الاخوانية والسلفية! مشكلة ثالثة للتسميات ضربت الثورة هو تصعيد الشعارات وتوجيهها نحو الخارج وليس الداخل، وكأن شعار يوم الجمعة هو دعوة للولايات المتحدة وأوروبا ليخرجوا ويشاركوا هم بالثورة وليست التسمية للشارع السوري لتعطيه عنواناً سياسياً شعبياً يمثل التطورات والمنعطفات التي تسم حراكه في هذه المرحلة وتدفعه للمتابعة. حيث كانت جمعة الحماية الدولية أول اتهام للثورة وتبعتها جمعة الحظر الجوي وبعدها التدويل. أسماء ليست تليق بشباب الثورة وروحه الثائر لما فيها من استجداء واستعطاف وتوسل لمساعدة ليست ببال الآخر 'الغرب' حالياً، بل ناتجة عن مزاودات بعض المعارضين وأوهامهم. كان نتيجتها عدم استجابة الغرب وابتعاد باقي الشارع السوري عنهم.

لو تمكن القائمون على تسمية أيام الجمع من قراءة الواقع الاجتماعي- السياسي لبنية مجتمعهم وعرفوا مفاتيح شعبهم العظيم لكنا رأينا اليوم شيئاً مختلفاً وأكثر غنىً وفاعلية. إن ما ينقص هؤلاء هو النظر للآخر وللثورة بعين الآخر وليس بعين الذات.

لو أطلق قياديو الأحزاب ومعارضو الداخل والخارج على السواء 'فتوى' سياسية بعدم تخوين بعضهم، وقدموا مثالاً يحتذى به في النقاش والنقد والحوار وتقبل الآخر، لو كثّفوا خطابهم للداخل لاستنهاض الهمم وتسليط الضوء على عشرات الأسباب التي تدفع السوريين للثورة وقدموا البدائل لهم ولواقعهم المغتصب سياسياً واقتصادياً وحقوقياً لكان حجم ونوع الشارع المنتفض الآن مختلفاً وأكثر تجانساً على الأرض.

لو قدّم 'رجال الدين' الذين يتصدرون قنوات معينة اليوم أمثلة عن التسامح وقبول الآخر، وحرّموا الدم السوري والطائفية، وأكدوا على العدالة والحرية والكرامة بلغة دينية عقلانية حكيمة، لغة تدين القتل دون انتقام وتطالب بالمحاكمة في ظل القانون دون ترهيب وتقطيع وتكفير. لما رأينا بعض 'الشيوخ' اليوم فزاعات لترهيب السوريين من مستقبل الثورة بينما يغيب شيوخ غيرهم يناضلون بالداخل.

لو توقف البعض عن إعطاء الآمال والوعود والمزاودات للناس التي تموت بأن الغرب قادم بين يومٍ وليلة بالشكل الذي يُظهر أن جيوش العالم تحت سلطتهم وطلبهم بالتدخل. لما انعدمت الثقة بهم والتخوف منهم.

كثيرة هي الأخطاء التي يتوجب تداركها ولو متأخراً للّحاق بالشارع الثائر والماضي حتى إسقاط النظام، يبدو أهمها الالتفاف للحشد الداخلي وكسب باقي الفئات عبر خطاب ثوري كاريزمي جديد يقود ما تبعثر مؤخراً وسابقاً تحت مظلة جامعة، أول ما يفعله هو وقف تحارب المعارضات التي تقدم مادة إعلامية دسمة لإعلام النظام ليشكك بوطنية المعارضة والثورة. أخيراً الطلب من كل من يتكلم باسم الثورة معارضاً كان أو ثائراً أو فناناً أو مثقفاً أو ناشطاً أن يأخذ بعين الاعتبار في خطابه المكتوب أو المرئي أو المسموع أن الثورة السورية هي لأجل سورية كوطن، كشعب، كمجتمع وكدولة. أي أن خطابه ليس مقتصراً على مؤيديه وأتباعه وجماعته. خطاب الثورة هو خطاب سورية المستقبل سورية الجديدة لذلك على هذا الخطاب أن يتميّز عن خطاب النظام كليّاً لنشعر نحن قبل الآخر بالتغيير وأن يغري سامعه بالالتفات إليه.

الشعب السوري الخلاق لن يعجز عن اكتشاف أسرار ومفاتيح قلوب وعقول وضمائر باقي السوريين المترددين والصامتين حتى الآن. الجمعة الماضية كان حوالي ستة ملايين سوري يكتبون تاريخاً جديداً للبلد، إذاً مشاركة عدة ملايين أخرى ربما تحسم الكثير على الأرض بدل انتظار هدايا الغرب من السماء.

' باحثة في جامعة السوربون الجديدة باريس

=================

سوريا: الحكومة مقابل الرئاسة!

عماد الدين أديب

الِشرق الاوسط

21-1-2012

وساطة إيرانية بين نظام بشار الأسد وجماعة الإخوان السورية!

هل هذا معقول؟

نعم، يبدو الأمر كذلك بناء على ما صرح به محمد فاروق طيفور مساعد المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين السورية، والذي أكد أن السلطات السورية عرضت على الجماعة حصولهم على الحكومة مقابل قبولهم باستمرار بشار الأسد رئيسا للبلاد.

هذا العرض أهميته ليست فيما هو «ظاهر» منه، ولكن فيما يحتويه من «باطن» يدعو للتأمل العميق:

1 - إن قبول الطرف الإيراني بوساطة سياسية يعني الاعتراف من قبل طهران بأن النظام السوري الحليف يعاني من مأزق عنيف لا ينفع معه التصريحات الداعمة، ولا خبراء الحرس الثوري في قمع المظاهرات.

2 - إن فلسفة العرض السوري الرسمي التي تقوم على «الحكومة» مقابل «بقاء الرئيس» هي دليل على إدراك النظام السوري - بما لا يدع مجالا للشك - أنه مأزوم أمنيا وسياسيا في الداخل، وإقليميا وعالميا، وأنه الآن في خانة المربع الأخير.

3 - إن العرض إذا كان يعني اعتراف النظام بأنه في أزمة، فإنه أيضا يعكس أن النظام ما زال على حالة الرغبة في البقاء بأي ثمن، ولأطول فترة ممكنة مهما كانت التنازلات.

في يقيني أن جماعة الإخوان السورية من «الذكاء» السياسي ومن الوعي التاريخي بألا تلتهم ذلك الطعم السياسي الملقى إليها عبر الصنارة الإيرانية!

في بعض الأوقات يكون الحوار ضرورة، وفي أحيان أخرى يكون التفاوض واجبا، وتكون التسوية أمانة تاريخية.

ولكن أحيانا يكون قطار الحوار، والتفاوض، والتسوية قد فات، بعد أن يكون قد تعطل بسيول من دماء الأبرياء من الشهداء والمصابين.

لقد وصل النظام السوري - للأسف الشديد - إلى نقطة اللاعودة واللاحوار، واللاتسوية، حتى أن عرضها الآن، ومهما كان مغدقا أو كريما في تنازلاته، لم يعد يجدي، لأن الجريمة اتسعت بشكل لم يعد فيه أي مكان إلا للقصاص العادل.

لست أعرف كيف سيبحث هذا النظام لنفسه عن مخرج، فالاستمرار مهما طال مستحيل، وتكاليفه اليومية فوق الاحتمال، والتنحي ليس من أدبياته السياسية، واللجوء السياسي ليس متاحا إلا إلى طهران أو فنزويلا.

هل ستقف الطائفة العلوية التي تمسك بمفاتيح الأمن والسلطة والتجارة موقف المشاهد وهي تتابع السقوط التدريجي للنظام والطائفة؟ هذا هو السؤال.

========================

رسالة الى رجال الأعمال السوريين

رفيق حلو

20/1/2012

سوريتنا

أستطيع بعد تركيز وجهد أن أفهم خوف إبن الأقليات من التغيير في سورية. أفهم خوفه وإن كنت لا أوافقه عليه ولا أشاطره إياه. أستطيع أن أفهم أيضا تمسك بعض الفلاحين بنظام هم يعتقدون أنه بفضله، وصلت الكهرباء والطرقات والتعليم إلى قراهم. استطيع أيضا أن أفهم خوف مواطن لبناني جنوبي اقنعوه أنه بعد الأسد لا حماية و لا سند يمكن رجائه من سورية ازاء التهديد الإسرائيلي

...

ما لا أفهمه هو خوف رجال الأعمال السوريين من التغيير و خاصة الصناعيين منهم. حيث أعتقد أن الطريق المسدود اقتصاديا الذي يمشي فيه النظام، حتى من قبل الثورة، كان سيدفع برجال الأعمال أنفسهم الى رفع شعار التغيير, أقول التغيير وليس الإصلاح، إذ وحده الكفيل بإخراج البلد من عنق الزجاجة

..

صحيح أن النظام نجح في ثلاث أشياء هامة في صالح أرباب العمل: ابقاء سعر اليد العاملة منخفض قياسيا في غياب أي قوة نقابية مستقلة و فاعلة و كذلك مستوى الضرائب المنخفض و أخيرا الاستقرار السياسي. إلا أنه يرفع باستمرار كلفة الإنتاج من نواحي أخرى عديدة نذكر منها: العراقيل البيروقراطية, ضعف البنية التحتية، ضعف قطاع الخدمات ، مشاكل توزيع الطاقة، ضعف القطاع المصرفي، دور التهريب, الرشوة بطابعها الإجباري و أخيرا المافيوية أو مشاركة مراكز الحكم في الأرباح تحت أشكال متعددة.

..

أما اليوم فصار يجب أن نضيف على كلفة الإنتاج، الثمن الاقتصادي الباهظ لهدر حقوق الأنسان خلال الأشهر المنصرمة.اذ لم يعد بشار هو الرئيس الشاب الباعث للأمل في نظر العالم ، بل طاغية يخجل رؤساء العالم من مصافحته ، واقع تحت عقوبات طائلة من المستحيل الغائها مع بقاءه . المعاهدات و الاتفاقيات الاقتصادية لن تبرم بعد اليوم و القديم منها سيلغى أو سيجمد. ناهيك عن الثمن الاقتصادي لعزلته العربية التي بدأت أصلا قبل الثورة

..

اليد العاملة الرخيصة تجذب عادة الاستثمارات الخارجية و هو ما لم يحدث و لا يمكن أن يحدث في ظل هذا النظام في غياب قانون فعال و مستقل، خاصة فيما يتعلق بالمحاكم الإدارية والاقتصادية. اذ يمكن للمستثمرين الأجانب أن يتكيفوا مع الفساد إلا حين يطال القانون نفسه بالإضافة الى أعلى مستويات إدارة البلاد

..

على اية حال خيار العودة الى ما قبل اذار 2011 لم يعد واردا، فالأمن والاستقرار الظاهريين " لناس و ناس " لم يكونا نتاج وفاق اجتماعي و شرعية سياسية بل ارتبطا بحالة من القمع وانعدام الحريات، وهو استقرار كان يخفي بركانا من الغليان الشعبي المتزايد و حتمي الانفجار. ما أن سقط حاجز الخوف تطاير هذا الاستقرار الزائف وعلى من يأمل بلملمة شظايا هذا الاستقرار أن يفهم أنه حتى لو نجح الحل الأمني في إخماد حركة الشارع, الشارع وليس الثورة، فسيكون ذلك مؤقتا لسنة أو سنتين، لأن الثورة هي حالة, لن تخمد بل ستبقى في قلوب الناس و إن لزموا بيوتهم

..

أي نظام سياسي بديل سيجد نفسه مضطرا للتعامل مع القضايا الحياتية للشعب وبالتالي رفع الأجور، أو تركها لنقابات للتفاوض بشأنها، وأيضا زيادة الضرائب. والسؤال هل في ذلك خسارة أم ربح للقطاع الخاص الوطني؟ لنبدأ بسعر اليد العاملة المرشح للارتفاع:

أولا: هذا من شأنه تحسين القدرة الشرائية للسوق الداخلية، والسوق الداخلية الوطنية هي الضمان الفعلي لقطاعنا الخاص لأنها أخر معقل أمام المنافسة الأجنبية والأسيوية تحديدا .

ثانيا: لم يعد في عصرنا التواجه بين النقابات و أرباب العمل تصادميا، فلكلاهما نفس المصلحة في بقاء المعمل قادرا على المنافسة، و سلاح الإضراب هو للإقناع أكثر منه للاستخدام و الدليل أن ألمانيا هي أقوى الدول الأوروبية من حيث قدرتها على التصدير مع أنها تمتلك أقوى النقابات الأوروبية.

ثالثا: المقارنة بين ما قد ندفعه غدا كزيادة أجر و بين ما ندفعه اليوم كرشوة أو خوة، هي مقارنة لا تصمد لحظة أمام سلامة العقل. كل قرش اضافي تعطيه للعامل سينفقه في الحال وسيساعد به في الدورة الاقتصادية، أما الملايين التي يأخذها فاسدو النظام فوحده الله يعلم بمصيرها. نفس الشيء ينطبق على الضرائب التي ستستخدمها الدولة لبناء بنية تحتية تخدم الاقتصاد ، من خلال مشاريع ستكلف القطاع الخاص بالقيام بجزء كبير منها

..

لم أسمع عن استثمار واحد سليم طويل الأمد بالأموال التي تأخذها المافيا، أغلب هذه الأموال اليوم، إن لم تذهب للخارج ، فهي تدور في المضاربات بأسعار العقارات، وهو ما لا ينجم عنه أي خلق لوظائف جديد

..

ما عانى منه صناعيي هذا البلد منذ 50 عاما، هو الغياب الكامل لسياسة اقتصاديه فالقوانين والمراسيم تسن بدون مشورتهم وما عليهم إلا تحمل ما لم يسألوا عنه بل نزل من فوق مثل القدر. يسجل لبشار أنه قام بنوع من الانفتاح. لكن أهم سمات اقتصادنا اليوم هو المنافسة غير الشريفة ، البعيدة عن معايير الجودة والكفأة و القريبة من معايير المحسوبية والرشوة والعلاقة بمافيا النظام. أما حين يجري الكلام عن الفساد ، فيوجه أبواق النظام الأصابع الى صاحب المصلحة متناسين أن الرشوة هي عماد النظام، فيتهم بالجرم من هو ضحيته

..

هي معجزة أن يستمر أرباب العمل بالتصدير رغم كل هذه الكلفة العالية ، ويحق للمرء أن يتساءل الى أي مستوى كان يمكن أن يصل اقتصادنا لو لم يبلى بهذه الطبقة الحاكمة الجشعة و ذات القرارات الغبية. على ذكر القرارات الغبية أول ما يخطر بالبال هو قرار الانفتاح "المفلوش" على تركيا ، بقرار غير مدروس . فبعد أن أثقل كاهل الإنتاج الوطني بكل ما سبق ذكره، يرمى في الحلبة مع من هو أقوى منه ألف مرة، في معركة غير متكافئة, و ذلك بقرار سياسي بحت

..

غدا أوروبا ستصبح على حدودنا ، هل سنستغل هذه الفرصة ونكون على مستوى هذا الموعد بالانجازات التالية: اقتصاد سليم البنية, دولة قانون، بنية تحتية صحيحة،نظام مصرفي فعال، استقرار سياسي مبني على الديمقراطية كاستمرارية لما عرفته سورية في الخمسينات بعد طي صفحة سوداء دامت 50 عاما??

..

الخيار اليوم هو بين المافيا و النقابة ،بين الضريبة و الخوة، بين الإنتاج الحقيقي و المضاربة ، بين استقرار فرق الشبيحة والوفاق الاجتماعي الحقيقي الذي عرفته سورية في الماضي،بين المنافسة الشريفة القائمة على الجودة و بين السباق على مشاركة المسئولين

..

للأسف و للأسف فعلا ، للمرة المليون في التاريخ ، أفقر أبناء الشعب هم من يدفع ضريبة التغيير. الفقير لا ينزل الى الشارع متحديا الموت ليصبح وزيرا , بل فقط لتحسين اوضاعه المعيشية و الإنسانية . شيء ما في شجاعته يثير الرهبة في نفوس من هم بمنأى عن الحاجة. فلنستبدل الرهبة بالاستيعاب والتفهم ، استيعاب كل ما عاشه هذا المواطن من ظلم كي يصل الى ما وصل اليه

..

الشعب العادي قام ويقوم بما يتوجب عليه، لكن للنخبة دور، إن قامت به وكانت على موعدها التاريخي مع الشعب فسينتقل الوطن إلى مرحلة أفضل ، أما إن أخافها صوت الشارع الى درجة القفز الى حضن النظام البائس؛ فسيستمر الوضع الحالي شهور وربما سنين. سيسقط النظام في كل الأحوال لكن سيرتفع بشكل مهول ثمن اعادة بناء الوطن

..

قد لا يخطر ببال إبن الأقليات أنه لو لم يكن هناك نظام الأسد، ربما كانت الطائفية قد اندثرت منذ وقت طويل، و قد لا يخطر ببال الفلاح أنه لو لم يكن هناك نظام الأسد، لعرفت قريته ما هو أكثر بكثير من الكهرباء والأسفلت، وقد لا يخطر ببال إبن الجنوب أنه لو لم يكن هناك نظام ألأسد لكان لسورية وضع سياسي واقتصادي وعسكري مختلف يردع اسرائيل عن أي اعتداء، فهل يخطر لرجال الأعمال السوريين أن يتخيلوا بدون هذا النظام الى أي مرتبة كان يمكن للإنسان السوري أن يصل و هو الذي يتألق في كل بلاد العالم .. إلا في وطنه ؟؟

=========================

الشِّعر السوري يجد ملاذاً على «فايسبوك»

الجمعة, 20 يناير 2012

نارت عبدالكريم

الحياة

على صفحات «فايسبوك» عالمٌ يضجّ بالحياة والنشاط، ليس السياسي فحسب، بل الإبداعي، الذي قد يتجاوز أيضاً مقصد التعبير الفني إلى التواصل السياسي والثقافي والاجتماعي، وأحياناً التعبئة الثورية.

كثر الشعراء الشباب في سورية الذين وجدوا مُتنفساً وملاذاً جديداً للتواصل مع جمهورهم الشبابي من طرق تلتف على مقص الرقيب أو روتين دور النشر، وبعيداً من سلطة محرري المجلات الأدبية واتجاهاتها. هنا، يبدو كل شيء مُتاحاً ومُباحاً، ويبقى «النجاح» رهن الذائقة الفايسبوكية، بالنقر على «لايك» أو بإضافة تعليق يدلّل على إعجاب أو يناقش وينقد. وإذا كانت تلك سمة الحرية الإلكترونية عموماً، فإنها في بلد تُحكم فيها السطوة الأيديولوجية والأمنية قبضتها على مفاصل البلاد كلها، بما فيها الثقافية، فإن هذه الحرية تصبح كوّة في الجدار، وقناة تنفّس.

تنشر رزان حسان (17 عاماً) قصائدها على صفحتها على «فايسبوك»، وتقول: «هذا الموقع هو الأكثر شعبية في سورية الآن، بصفحاته الثقافية والفنية، وناسه المتنورين وحتى أضدادهم، لا سيما في ظل الثورة. لكن الأهم بالنسبة إليّ أنه أفسح لي المجال لأعبّر وأشارك أفكاري ومحاولاتي الشعرية مع الآخرين، لأتلقى ردود الأفعال مباشرة وببساطة وبلا وسيط. نحن نعيش هنا في بؤرة الكبت، وكل شيء تقريباً غير مسموح، أما في هذا العالم الافتراضي، فلنا جميعاً ألسنة وأقلام ومنابر، كلنا نستطيع التعبير والنقد وإبداء الرأي».

وتكتب رزان: «انهض من غيبوبتك يا صديقي/ اكسر قوقعتك وانعتق/ سافر نحو الحرية... نحوي/ نحو الانعتاق السلس... نحو ذاتك الأنثوية/ نحو حقيقتك/ كسّر ما تبقى من جدران زائلة/ وكن رجلاً اليوم».

«الثورة ليست بمنأى عن كتابتي الشعرية»، يقول الشاعر أمير الحسين، «وهنا أقصد بالثورة النهوض بالمنتج الإبداعي، كضرورة إنسانية، على كل ما يحول بين الكائن الحيّ وكينونته. غير أن للثورة السورية فضلاً جديداً عليّ، إذ لم أكن أحس بانتمائي السوري من قبل، إلا مكانيّاً على أكثر تقدير».

ويضيف: «لا أنكر أن لكرديّتي المأزومة، بفعل ممارسات النظام ومن هم في مقامه، من العامة والنخبة، طيلة عقود، دوراً في ذلك التشظي الانتمائي. لكن الآن، كل قطرة دم مسفوكة تصيبني بوهنٍ كما لو كانت من جسدي. الدم هو نفسه، بغض النظر عن منابعه، منبوذةٌ هي الحياة التي تُبنى على أنقاض حياة أخرى. على الأقل لم أعد خجِلاً من كوني سورياً».

ومن مساهماته الشعرية على «فايسبوك»: «وحده الشهيد/ يغادر/ وفي جسده/ الحقيبة/ رصاصْ/ سيعود جسده إلى سيرته الأولى

بعيداً من الرصاصْ/ لا سيرة للرصاص ليعود إليها/ ما أتعسكَ/ أيها الرصاصْ.

ويقول أنس العباس، وهو أيضاً شاعرٌ «فايسبوكي» شابّ، انّ التواصل الاجتماعي الإلكتروني يتقاطع مع الإبداع باعتباره شكلاً من أشكال التواصل الإنساني، «فهذه الشبكات تتيح للكاتب تواصلاً وتفاعلاً مباشراً مع شريحةٍ واسعةٍ من القراء، يمكنه تعيينها والتحكم بها أيضاً». الحرية شرط الإبداع، بحسب أنس، ولعل ذلك ما يجعل التحركات الاجتجاجية في سورية تمشي يداً بيد مع الإبداع، وفي حالة أنس الشِّعر... «فعل الإبداع في حد ذاته، تجسيد لحرية الإنسان، إذ يتجاوز المبدع قهرية «السوبرنيتكيا» لتأييد إنسانيته من خلال فنه، وشبكات التواصل الافتراضية ساهمتْ كثيراً في دعم هذه الفكرة وإتاحة الفرصة للسوريين لتعبير من نوع آخر لم يكن يتّسع للفن الواقعي أو حتى الافتراضي قبل بدء الثورة».

أما عن تناول الثورة كموضوع للفن، فيقول أنس: «ليس ذلك بالأمر السهل، إذ ستصطدم قناعاتنا الفنية بطبيعة الفعل الثوري من حيث هو مباشر وجماهيري. ربما يضطر الشاعر إلى تقديم بعض التنازلات على المستوى الفني والتقني ليحافظ على شَعْرَةِ معاوية بينه وبين الجمهور».

الشاعر والمبدع عموماً لا يمكن أنْ يكون بعيداً من الثورة، لكن لكل أسلوبه الخاص في التعبير والرفض.

يعبّر أنس عن احتجاجه وتمرده بقصيدة عنوانها «رسالة مختصرة إلى حضرة السوكلوب بولوفيموس» (والسوكلوب عملاقٌ بعين واحدة، في الأوديسة لهوميروس، احتجزَ اديسيوس ورجاله في جزيرة نائية، لكنهم فقأوا عينه وتمكنوا من الهرب): «أمَّا بعد/ نحن لسنا خرافاً في كهفك/ سنفقأُ عين المصير/ ونفلت من قبضة البحر/ ونشتاقُ لامرأةٍ هدّها الانتظار/ وراء البحار...».

======================

هل يستطيع نظام الأسد البقاء؟

الجمعة, 20 يناير 2012

باتريك سيل *

الحياة

لا يبدو أنّ الرئيس السوري بشّار الأسد يواجه خطر السقوط أو الإطاحة به فوراً. فعلى رغم أنه يواجه انتفاضة شعبية في الداخل وضغوطاً قاسية من الخارج، فقد تمكّن، أقله حتى هذه اللحظة، من مقاومة الرياح التي تعصف به. إلا أنّ الصعاب التي تعترضه تبدو هائلة. ففي خطاب ألقاه في 10 كانون الثاني (يناير)، وصف الأزمة التي يواجهها بأنها «معركة غير مسبوقة في تاريخ سورية الحديث».

ويُجمع عدد كبير من المصادر الموثوقة داخل سورية وخارجها أنّ الأسد الذي نجح في التصدّي لأعدائه منذ آذار (مارس)، يحظى بفرصة كبيرة في البقاء لأشهرعدة أخرى. إلا أنّ حظوظه بالبقاء على المدى الطويل تبدو غير أكيدة.

لقد حاول الرئيس السوري الذي يعدّ مناوراً محنّكاً كسب الوقت. وساهمت موافقته على السماح لمراقبي الجامعة العربية بزيارة بلده في إراحته من بعض الضغوط لمدة شهر وربما شهرين. وفي إطار التعاطي مع المتظاهرين، استخدم سياسة الجزرة والعصا إذ عمد أخيراً إلى إصدار عفو عام عن السجناء السياسيين واقترح إجراء حوار فوري مع المعارضة وقطع من جديد وعداً بمراجعة الدستور الذي سيخضع لاستفتاء شعبي على أن يتمّ بعد ذلك إجراء انتخابات متعدّدة الأحزاب في بداية الصيف. كما وافق على منح ترخيص لحزبين في هذا الأسبوع.

ويعتبر بعض المصادر أنّ بقاء الأسد على المدى الطويل يعتمد على قدرة إيران التي تعدّ حليف سورية المقرّب، على الصمود. وتواجه إيران التي تتعرّض لعقوبات غربية تصيبها بالشلل، محاولة لا تهدف إلى وقف برنامج تخصيب اليورانيوم فحسب الذي ترى فيه إسرائيل تحدّياً لاحتكارها الأسلحة النووية، بل إلى تغيير النظام الإيراني بالكامل. وشنّت الولايات المتحدّة وإسرائيل بدعم من عدد من الدول الأوروبية والعربية التي اجتمعت من أجل تحقيق مصالحها التجارية والمذهبية أو الاستراتيجية هجوماً واسعاً على الائتلاف الثلاثي الأطراف الذي يضمّ طهران ودمشق و«حزب الله». وتكمن «جريمة» هذا الثلاثي في تجرّؤه على تحدّي هيمنة أميركا العسكرية في الخليج وهيمنة إسرائيل العسكرية في المشرق. ويعلم الحلفاء الثلاثة أي إيران وسورية و«حزب الله» أنهم يبقون معاً أو يسقطون معاً. ومن المرجّح أن تكون المعركة محتدمة.

تواجه إيران حملة منهجية تهدف إلى القضاء على منشآتها النووية من خلال شنّ هجوم عبر الإنترنت واغتيال العلماء وتقويض اقتصادها عبر مقاطعة صادراتها النفطية وبنكها المركزي. ولا تألو إسرائيل وحلفاؤها الأميركيون جهداً من أجل دفع الولايات المتحدّة إلى شنّ هجوم على إيران تماماً كما دفعوا الولايات المتحدّة إلى اجتياح العراق وتدميره. وفي حال خضعت إيران أمام ضغط العقوبات والتهديدات العسكرية، قد تنهار سورية. وقد يواجه «حزب الله» الذي سيصبح بدوره محروماً من حلفائه الخارجيين محاولة إسرائيلية أخرى للقضاء عليه كما حصل عام 2006.

ويركّز بشّار الأسد انتباهه على الخطر الذي تفرضه هذه «المؤامرة الأجنبية» على سورية. فأشار في خطابه إلى أنّ هذه المؤامرة هي الأخيرة من بين عدد من المؤامرات المماثلة. إذ تمّ اجتياح العراق عام 2003، و«تمّ التهديد بقصف سورية وغزوها». واستغل الأعداء نفسهم اغتيال رفيق الحريري عام 2005 لإخراج القوات السورية من لبنان ولمحاولة إسقاط النظام السوري. وعام 2006، اجتاحت إسرائيل لبنان وعام 2007 قصفت منشأة سورية نووية مزعومة وعام 2008 شنت هجوماً على قطاع غزة، معرّضة في كلّ مرّة سورية للخطر. إلا أنّ الأسد أعلن متحدياً «لن نسمح لهم بهزيمة سورية ... فالمقاومة هي جوهر هويتنا».

اعتبر الأسد أنّ معارضيه المحليين هم حلفاء أعدائه الخارجيين، وأنهم ليسوا متظاهرين شرعيين ضد الفساد وعنف رجال الشرطة وبطالة الشباب الحادّة والنقص في الحريات الأساسية. وساهم استخدام بعض هؤلاء المعارضين السلاح وقيامهم بقتل الجنود ورجال الشرطة وتدمير الممتلكات العامة في دعم حجته. فهو يبدو عازماً على «القضاء على هؤلاء الإرهابيين القتلة ... لا يمكن المساومة مع الإرهاب».

هذه هي عقليته وهذا هو تبريره للقمع الدامي خلال الأشهر العشرة الماضية الذي تمثّل في عمليات قتل واسعة النطاق وزجّ عدد كبير من الأشخاص في السجن إلى جانب الضرب والتعذيب. وتسبّبت هذه الوسائل الوحشية بتصدع في المجتمع السوري وعزّزت التوترات المذهبية. كما أنها أضرت بصورة سورية وبسمعتها الدولية. وسيكون من الصعب أن يبرأ الجرح الداخلي. كيف سيتعلّم السوريون أن يعيشوا مع بعضهم البعض مجدداً؟ قارن مصدر سوري الوضع الحالي مع ذلك الذي واجهه الفرنسيون حين عمل المقاومون والمتعاونون بعد انتهاء الاحتلال الألماني على إعادة إعمار مجتمعهم المتصدّع بعد الحرب العالمية الثانية.

لقد انهارت السياحة في سورية فيما خسر سوق الأسهم 50 في المئة من قيمته وتراجع معدل سعر صرف الليرة أمام الدولار في السوق السوداء من 49 إلى 67 ليرة سورية. وبدأت إمدادات الوقود تنفد فيما برز العجز في الموازنة. إلا أنّ سورية تحظى بقدر كبير من الاستقلال الغذائي وفي حال اعتمدت سياسة التقشّف، يمكن أن تصمد في وجه العقوبات والمقاطعة.

أما نقطة القوة الوحيدة التي تساهم في تعويم النظام فهي ولاء الجيش والقوات المسلحة المستمر له. فالانشقاقات تبدو قليلة في صفوف هذه الأجهزة. وطالما أنّ هذا هو واقع الحال، لن تكون المعارضة قادرة على إسقاط النظام كما لا تستطيع الاعتماد على التدخّل العسكري الخارجي لا سيّما أنّ أي بلد غربي أو عربي ليس مستعدّاً لاستخدام القوة. قد تبحث تركيا إمكان التدخّل في حال تهدّدت مصالحها الحيوية جرّاء الدعم السوري لحزب العمّال الكردستاني الذي حمل السلاح ضد الدولة التركية.

وفي مجلس الأمن الدولي، ستحمي روسيا والصين سورية من خلال استخدام حق النقض (الفيتو) ضد أيّ قرار يتيح استخدام القوة. وبوسع سورية الاعتماد على العراق والجزائر والسودان لتفادي تدويل الأزمة. ويصب تراجع دور أميركا بعد انسحابها من العراق وإخفاقها في أفغانستان وحذرها من المغامرات الخارجية وتقليص موازنتها الدفاعية في مصلحة سورية.

كما يصب عاملان مهمّان في مصلحة النظام، هما إخفاق المعارضة في التوحّد حول زعيم واحد أو حول مشروع سياسي واحد واستمرار شريحة كبيرة من الشعب في دعم النظام. ويبدو أنّ الأقليات مثل العلويين والمسيحيين والدروز والموظفين المدنيين والضباط والتجّار البارزين في دمشق وحلب والطبقة البرجوازية الجديدة التي تضمّ عشرات الآلاف من الأشخاص والتي أنشأها النمط الاقتصادي الليبرالي الجديد في العقد الماضي، قلقون من تغيّر النظام. فهم لا يشعرون بأن المتظاهرين في الشوارع أو المعارضة في المنفى يمثلونهم.

وحين يتذكر السوريون الدمار الكبير الذي تسببت به الحروب الأهلية في البلدان المجاورة لهم في لبنان والعراق، يخشون من مواجهة المصير نفسه. فالجميع يتخوفون من اندلاع حرب أهلية طائفية. وينتظر «الإخوان المسلمون» في سورية، الذين يعدّون العنصر الأقوى في المعارضة، الثأر من قمع انتفاضتهم في مدينة حماه عام 1982. وفي نهاية السبعينات، نفّذوا حملة إرهابية ضد نظام والد بشار، حافظ الأسد. وفي أحد عملياتهم الإرهابية، تمّ إطلاق النار على 83 طالباً علوياً في المدرسة الحربية في حلب عام 1979. وحين استولوا على حماه قتلوا أعضاء في حزب البعث ومسؤولين حكوميين. وأرسلت الحكومة قواتها لاستعادة المدينة، ما أدى إلى مقتل حوالى 10 آلاف شخص. ولا يزال الرقم النهائي للضحايا متنازعاً عليه إلا أنّ طيف الأحداث في حماه يحوم على الساحة اليوم، ما يؤدي إلى تأجيج مشاعر الغضب لدى الطرفين.

* كاتب بريطاني مختص في شؤون الشرق الأوسط

======================

حتى لا تقع الكارثة المدمّرة

الجمعة, 20 يناير 2012

عبدالعزيز التويجري *

الحياة

يتزامن تصاعد وتيرة التفجيرات التي تحدث في عدد من دول المنطقة، مع التهديدات الصادرة من طهران ضدّ دول الخليج العربية، بأكثر من صيغة، في أفق تزايد التوتّر في العلاقات بين إيران والغرب بصورة عامة، وتفاقم الوضع المأسوي في سورية الذي لإيران يدٌ طولى فيه، لدرجة أن المرء يحار في تفسير هذا التزامن الذي أصبح واضحاً للعيان وارتفع فوق مستوى الشك.

إنَّ التهديدات الإيرانية لدول الخليج العربية، في هذا الوقت بالذات، لا يمكن فصلها عن تفاقم حدّة «الاحتقان الطائفي» في أكثر من دولة من دول المنطقة، بل وصل هذا الاحتقان إلى باكستان التي باتت معرضةً لاهتزازات سياسية، تتداخل فيها عوامل كثيرة ليس أقلها العامل الطائفي الذي يجد من يحفزه ويقوّيه ويتخذ منه سلاحاً للإضرار بالمصالح العليا للدولة الباكستانية، تماماً كما يحصل في دول عربية أخرى.

والواقع أن طهران، وهي لا تتوقف عن إصدار تهديداتها لجاراتها العربية، إنما هي تلعب بالنار؛ لأنَّ المتضرّر الأول إذا ما انفجرت الأوضاع - وهذا ما لا نريده ولا يريده العقلاء - هو الشعب الإيراني الذي يعيش تحت حصار كثيف وخانق. وهو الأمر الذي تغفل عنه طهران، أو تتجاهله أو تستخف به، وتقلل من خطورته.

والحق الذي لا مراء فيه أن النفخ في الفتنة الطائفية مصدره جهات نافذة في إيران، وأن تحريك الخيوط الطائفية في المنطقة، يدخل في صميم السياسة التي تعتمدها هذه الجهات التي لا يشك أحد أن لها ما يمكن أن يقال عنه «خلايا نائمة» هنا وهناك، تستطيع أن تحركها متى شاءت، ومثال ذلك ما يجري منذ شهور عديدة في مملكة البحرين وفي شرق المملكة العربية السعودية، وما يجري منذ سنوات في لبنان الذي أصبحت فيه دولة داخل الدولة الشرعية، ممّا لا يحتاج إلى برهان.

إنَّ استغلال الخلافات المذهبية، التي هي أمرٌ واقعٌ منذ قرون، في زعزعة الاستقرار في بعض دول المنطقة في مجال المواجهة مع الغرب بخصوص الملف النووي، سياسة ليست سليمة من جميع النواحي، وستكون لها مضاعفات خطيرة في المدى القريب، ستضر بالمصالح الحيوية للدولة الإيرانية وللشعب الإيراني.

إنَّ التهديد الذي يأتي من الشقيق أمرٌ خطيرٌ جدّاً، خصوصاً أن الدول العربية المجاورة لإيران لا يد لها في تدهور العلاقات بين طهران وواشنطن والعواصم الغربية الأخرى، بل لا مصلحة لهذه الدول في وصول التدهور في هذه العلاقات إلى قمته، ممّا أصبح يهدّد المنطقة بكاملها، بل بات يهدّد الأمن والسلم الدوليين.

وبغض النظر عن الملابسات الأمنية والسياسية المرتبطة بالملف النووي الإيراني، وهي ملابسات واعتبارات يطول الحديث عنها، فإنَّ ما نودّ أن نركز عليه هنا، هو هذا الاستغلال المتواصل الذي لا يتوقف، للخلافات المذهبية بين أهل السنة والشيعة، لتحقيق أهداف سياسية تزعم الجهات النافذة في إيران أنها تخدم مصالحها العليا، بينما هي تضرّ إلى أقصى حدّ بهذه المصالح.

إنَّ العمل على تفجير «الاحتقان الطائفي» ليصبح صراعاً طائفياً ينتهي إلى فتنة طائفية مدمّرة ومهدِّدة للأمن والسلم في المنطقة، هو عمل خطير بكلّ المقاييس، بقدر ما هو إجرامٌ في حقّ شعوب المنطقة التي عاشت طوال التاريخ العربي الإسلامي في وئام وتسامح وتعايش، وهو إلى ذلك كلّه عملٌ يتعارض مع الأخوة الإسلامية التي تجمع بين شعوب المنطقة، ويتناقض مع مبدأ التضامن الإسلامي الذي هو الأساس المتين للعمل الإسلامي المشترك في إطار منظمة التعاون الإسلامي.

لقد بلغ الأسلوب المتَّبع في إذكاء نار الفتنة الطائفية درجة من المكر والتدليس والتعقيد، بحيث يتعذّر فهمه بالوضوح الكامل من لدن الجميع. ذلك أن كثيراً من التفجيرات التي تحدث في أوساط الشيعة في العراق، لا تكون، في جميع الأحوال، مدبّرة ومنفذة من طرف سني، وإنما تتولى التنفيذ جهة محسوبة على قوى شيعية متنافسة، أو عملاء مندسين يخدمون قوى خارجية، حتى تنسب تلك التفجيرات لجهة سنية، أو للقاعدة التي هي شماعة استخدمها الاحتلال الأجنبي من قبل في العراق، ويستخدمها اليوم الطرف الذي له مصلحة في تفجير الأوضاع في المنطقة، خصوصاً في العراق، تمهيداً للتحرك من أجل «ملء الفراغ» في الساحة. والغريب أن سياسة «ملء الفراغ» هذه، استخدمتها واشنطن في نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات من القرن الماضي، للدخول إلى الشرق الأوسط ولتحل محل الاستعمار القديم.

وفي جميع الأحوال، فإنَّ «السياسة التفجيرية» التي تستغل الخلافات المذهبية وتستثمر الاحتقان الطائفي، تجرّ المنطقة إلى كارثة لا يعلم أحد نهايتها. وكلّ القرائن تشير اليوم إلى أن المنطقة تسير نحو الكارثة إن لم تكن الكوارث، التي تخدم في نهاية المطاف إسرائيل والقوى الغربية المتربصة بالعالم الإسلامي، والطامعة في مقدراته، والساعية لكسر شوكته وتمزيق وحدته وإضعافه، حتى تسود وتتصرف في المنطقة كما تريد.

ومن المؤكد أن لمنظمة التعاون الإسلامي دوراً يجب أن تقوم به، في تفعيل مبادئ ميثاقها، وفي حماية هذا الجزء من العالم الإسلامي، من الوقوع في المستنقع، والدخول إلى النفق المظلم الذي لا نهاية له.

إنَّ تعميق التضامن الإسلامي ضرورة في غاية الإلحاح، يتعيّن على جميع الأطراف العمل من أجل ترسيخه وجعله واقعاً على الأرض، حتى تقطع الطريق في وجه كلّ من يسعى إلى إضرام نيران الفتنة الطائفية بدوافع ليست بريئة، ونتجنب جميعاً وقوع الكارثة المدمّرة.

* أكاديمي سعودي

======================

أهالي الزبداني يحدثون التغيير

الجزيرة السعودية

التاريخ: 20 يناير 2012

بخروج الجيش السوري النظامي من منطقة الزبداني، وهي التي تتماس مع دمشق وتُعَدُّ خاصرتها الغربية، وتسليم المدينة إلى المواطنين ليتوقف القتل ويرحل عنها الشبيحة وأجهزة القمع، تكون الثورة السورية قد دخلت مرحلة جديدة.

فبعد نزع الخوف من صدور السوريين، وخروجهم إلى الشوارع والميادين للتظاهر والمطالبة بتغيير النظام، وصل الأمر إلى إخراج القوات المسلحة، وأجهزة القمع والجماعات المسلحة من المدن. وهذا تطور إيجابي يعيد للثورة السورية سلميتها.

وإذا كان الجيش السوري الحر قد ساهم في إجبار الجيش المرتبط بالنظام على ترك المدينة، فذلك وكما أوضح العديد من الناشطين السياسيين الواعين فإنَّه استجابة لطلب الأهالي بحمايتهم من بطش قوات الجيش الذي ترك الجبهات والحدود ليفتك بالمواطنين. ولأنَّ مكونات الجيش هم من أبناء الشعب، مجندين ومتطوعين وحتى ضباط نظاميين، فقد انحازوا للشعب.

وهذا ما شكَّل عبئاً على المؤسسة العسكرية التي سقطتْ في دائرة إملاءات النظام ووجهتْ أسلحتَها إلى الشعب، مما أحدث شرخاً أخلاقياً لدى أفراد هذه المؤسسة التي أصبحت تحت ضغط مزدوج، ضغط الإنهاك، إذ تواجه شعبها منذ أحد عشر شهراً من غير قناعات، وتُجْبَر على القيام بعمل ليس من مهامها، وهذا هو الضغط الثاني. لذلك كان الخروج من الزبداني جاء دون عراقيل ولا حتى رغبة من السلطة المركزية، بل هو نتيجة طبيعية لوضع غير طبيعي.

ولهذا فإنَّ هذا الخروج سيكون مقدمة لانسحابات أخرى ومن مدن سورية تعاني هي الأخرى من وجود قوات الجيش التي لم يعد أحد يرحب بها. ومثلما بدأت الثورة السلمية بتظاهرات في محافظة درعا ثم انتشرت إلى باقي المدن السورية، فإنَّ بداية إخلاء المدن السورية من الوجود العسكري التي بدأت في الزبداني لا بد وأن تُنَفَّذ في مدن أخرى.

ولن يكون ذلك اليوم ببعيد حينما نشهد خروجاً للقوات العسكرية وأجهزة القمع من مدن حمص ودير الزور ودرعا وباقي المدن السورية، تحقيقاً لرغبة ونضال أهالي تلك المدن، وليس استجابة لاجتماعات ولقاءات لجان ومراقبي جامعة الدول العربية.

======================

ما بعد تقريرالدابي..!

الراية القطرية

التاريخ: 20 يناير 2012

ينتظر الشارع السوري ومعه الشارع العربي التقرير النهائي لبعثة المراقبين العرب حول نتائج عمل البعثة في سوريا الذي سيُقدّم للجنة الوزارية العربية المعنية بالأزمة السورية في اجتماعها السبت بالقاهرة قبل عرضه على المجلس الوزاري العربي الذي سيعقد اجتماعاً له في اليوم التالي لاتخاذ قرار بشأن استمرار مهمّة بعثة المراقبين العرب أو سحبها.

مهما كان الذي سيخطّه رئيس بعثة المراقبين العرب الفريق محمد الدابي في تقريره النهائي حول الأوضاع في سوريا إلا أنه لن يستطيع تجاهل حقيقة أن النظام في سوريا لم يتوقف لحظة عن ممارسة القتل ضد المواطنين السورين الذين يتظاهرون للمطالبة بتغيير النظام وإسقاطه ولن يستطيع أيضاً أن يغفل عدم التزام النظام السوري ببنود البروتوكول الذي قام بالتوقيع عليه حيث ما زالت الدبابات والأسلحة الثقيلة تقصف مدن حماة وحلب وإدلب وغيرها من المدن المحاصرة وما زالت عمليات الاعتقال للناشطين تجري بصورة كبيرة كما أنه لم يُفرج عن جميع المعتقلين السياسيين في سوريا فحسب شهادة أحد المراقبين الذي انسحب من البعثة فإن السلطات السورية لم تُفرج عن قوائم المعتقلين التي قدّمها المراقبون العرب بل أفرجت عمّن جرى اعتقالهم عشوائياً من المواطنين في الشوارع.

أرقام المرصد السوري لحقوق الإنسان تحدّثت عن مقتل 445 منذ أن وصلت بعثة المراقبين العرب إلى سوريا في 26 ديسمبر يُضاف إليهم 146 فرداً من قوات الأمن منهم 27 انشقوا وانضمّوا للمعارضة وهذه الأرقام تُوضّح بما لا يحمل الشك أن النظام في سوريا فشل في الالتزام بالبروتوكول واستمرّ في تطبيق الحل الأمني في سوريا في مواجهة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالحرية والتغيير.

المجلس الوزاري العربي الذي سيُناقش تقرير الدابي في وضع لا يُحسد عليه فالهدف الذي من أجله أُرسلت بعثة المراقبين العرب إلى سوريا والمتمثل بحماية المواطنين العزّل لم يتحقق وبالتالي فإنه مطالب دينياً ووطنياً وقومياً وأخلاقياً أن يكون على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقه وأن يُسمّي الأشياء بمسمياتها الحقيقية فاستمرار الخلاف والانقسام بين وزراء الخارجية العرب حول الخطوة التالية التي يتعيّن على الجامعة العربية اتخاذها لدفع النظام السوري إلى وقف العنف والقتل يعني تحمل الجامعة مسؤولية أدبية وأخلاقية في استمرار نزيف الدم السوري. فالجامعة العربية التي تصدّت للأزمة السورية وسعت وتسعى لإبقائها في إطار البيت العربي تُدرك جيّداً أن استمرار الصمت على مماطلة النظام في سوريا بوقف العنف وإعطائه المهلة تلو الأخرى سيقود سوريا في النهاية إلى ما يحذر منه الكثيرون وهو الحرب الأهلية..!

======================

دمشق تتحدث عن "مكمن" سياسي أُعدّ لها في بيروت لكي تتحوّل منبراً لتوجيه الرسائل القاسية إليها

ابراهيم بيرم

2012-01-20

النهار

ليست المرة الاولى التي يجول فيها السفير السوري علي عبد الكريم علي على المسؤولين في لبنان للتحذير من مخاطر التدخل انطلاقاً من الساحة اللبنانية في مندرجات الازمة السورية، فهذا الامر تكرر خصوصا في الاشهر الستة الاخيرة، لكن مشهد التوتر الذي بدا فيه السفير وهو يصرح في السرايا الحكومية بعد لقائه الرئيس نجيب ميقاتي، واستطرادا الكلام المنطوي على مرارة والذي اطلقه وهو يتحدث عن جعل الساحة اللبنانية منصة للهجوم على نظام بلاده، كان شيئا جديدا خرج عن المألوف، وهو يعني بشكل او بآخر ان "السيل بلغ الزبى"، وان وراء الاكمة معطيات وتطورات لامست الخطوط الحمر بالنسبة الى دمشق.

في غضون اسبوع واحد تلقت العاصمة السورية ضربتين موجعتين معا مصدرهما الخاصرة اللبنانية، احداهما سياسية – اعلامية، والثانية مادية - عسكرية، ولا شك في ان اصداءهما وتداعياتهما ما انفكت تتردد. فخلال الايام الثلاثة الاخيرة من الاسبوع المنصرم نجح الساعون في محاولة تحويل العاصمة "الحليفة" بشكل او بآخر للنظام في دمشق، منبراً تُكال للنظام السوري منه الاتهامات والضربات على نحو غير مسبوق.

وقد تجلى ذلك في زيارة الامين العام للامم المتحدة بان كي - مون وزيارة وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو. فالاول اختار هذه العاصمة "الوفية" لدمشق، ووفق المقربين منها، ليوجه رسالة قاسية منها بالذات، وهو وان كان اطلق في السابق مثل هذا الكلام بحق النظام السوري، الا ان اطلاقه من منبر العاصمة اللبنانية شيء له معنى للنظام السوري، ولا سيما اذا ما تيقن هذا النظام من معلومات فحواها ان المؤتمر الذي نظمته احدى منظمات الامم المتحدة عن "الربيع العربي"، كان مقررا ان يعقد اصلاً في اسطنبول، لكن تركيا الساعية الى النزول عن شجرة الازمة السورية، والتي حاولت في الآونة الاخيرة ان تنأى بنفسها وبأهم مدنها عن هذه الازمة، تدخلت بالتعاون مع آخرين في بيروت وفي خارجها، بغية نقل المؤتمر الى بيروت، اي على مسافة اقل من مئتي كيلومتر من دمشق، ليكون له الوقع الاكبر والدوي الاعمق ويحقق مراميه في إلحاق اكبر اذى معنوي بالنظام في سوريا.

وثمة في الوسط نفسه من يرى ان كلام بان كي - مون بالنسبة الى سوريا وبالنسبة والى سلاح المقاومة، قد احرج "الخصوصية اللبنانية" التي تسعى كما هو معلوم وبجهد جهيد لضبط تناقضاتها الحادة حيال الحدث السوري، وبالتالي الرفع من منسوب تداعيات الحدث السوري على الساحة اللبنانية، وهي التي تكابد منذ اندلاع الازمة في سوريا وبالتحديد منذ ان قرر بعض الاطراف في لبنان ان يكونوا اكثر انحيازا ضد النظام في دمشق، ويخوضون حرب المعارضة السورية من الساحة اللبنانية بمشقة كبرى لتحصين نفسها.

اما الثاني، اي داود اوغلو، فلم يكن مجيئه الى بيروت، وفق نظر المقربين من دمشق، الا لتحقيق حلقات الحرب التركية على سوريا من المكان الاعز لدمشق، وافهام هذه العاصمة بأن لا مكان آخر بالنسبة اليه حتى وان كان ابرز حلفائها لاعبا اساسيا فيه، وحتى لو كان فيها حكومة محسوبة بشكل او بآخر على دمشق.

اما المقصد الثاني، فهو ان داود اوغلو جاء الى بيروت ليثأر ضمنا من ضربة سياسية كانت وجهت اليه من على شواطئها قبل عام بالتمام والكمال، وذلك عندما مكث ونظيره القطري الشيخ حمد بن جاسم في لبنان 24 ساعة اضافية في فندق فينيسيا، منتظرا جواب قيادة "حزب الله" على عرض حملوه قوامه ضمان ابقاء الرئيس سعد الحريري في سدة الحكم في مقابل ان يبادر الى خطوات من شأنها ان تفك ارتباط لبنان بالمحكمة الدولية التي كان الحزب يومذاك متهيبا قراراتها الاتهامية، فإذا بالرسول المنتظر يحمل اليه جوابا سلبيا، فيغادر بيروت خالي الوفاض يجر اذيال الخيبة ومعه شعور بأن سوريا وحلفاءها تغلبوا عليه ومنعوه من تحقيق اول انجاز ذي قيمة في لبنان.

لذا، فإن ثمة من يعتبر أن داود اوغلو مارس في جولاته على السياسيين والروحيين في بيروت نوعا من "الاستذة" وعبر عن شعور بالشفقة على النظام السوري لان هذا النظام فقد الحضن التركي، كونه لم يتلقف فرصة العروض التركية لانقاذه، وفق الكلام الذي ردده اوغلو مع كل الذين جال عليهم.

لذا، فإن المقربين من دمشق في بيروت يتحدثون عن تدبير مسبق معد بدقة واتقان لعقد هذا المؤتمر في العاصمة اللبنانية، نظرا الى رمزية هذه العاصمة لسوريا ولحلفائها ولاغراق هذه العاصمة، التي نجحت حتى الان بشق النفس في تلافي التداعيات السياسية والامنية للازمة السورية، في هذه الازمة لكي يشعر النظام في دمشق بأن اطمئنانه من ناحية الخاصرة اللبنانية مبني على رمال، وبالامكان اختراقها، وليس على ارض صلبة وفق ما يعتقده ويتصرف على اساسه.

وبالطبع فإن المقربين من دمشق في بيروت، يرون ان الكلام الذي اطلقه بان علانية وذاك الذي قاله داود اوغلو ضمناً في جولاته على المسؤولين، وانعقاد المؤتمر في بيروت، هو جزء في سلسلة ممتدة من ابرز ملفاتها زيارة مساعد وزيرة الخارجية الاميركية جيفري فيلتمان والتي انطوت على امر عمليات اميركي لحلفاء واشنطن في لبنان، وكل ذلك يصب في خانة واحدة هي دفع النظام السوري الى الشعور بأن ما من ساحة آمنة له في محيطه، وبالتحديد على الساحة اللبنانية التي يفترض انها ساحة دعم واسناد، ولافهام حلفاء دمشق داخل الحكومة اللبنانية وخارجها، بأن عليهم ان يعيدوا حساباتهم، ويضبطوا بدقة حراكهم لان ثمة من يترصدهم من داخل ساحتهم ومن خارجها.

وعليه ثمة من يتحدث عن ان الاستياء السوري الذي ورد على لسان السفير علي كان له مصدر آخر، هو ان ثمة في داخل الحكومة اللبنانية من سهّل نقل المؤتمر الى بيروت، ولم يفعل ما ينبغي فعله للحيلولة دون تحول بيروت منبراً لتوجيه الرسائل التهديدية الى النظام السوري.

ولا بد من الاشارة الى ان اصداء هذا الاختراق السياسي لخصوم سوريا لبيروت وتداعياته على هذا الشكل دفع حلفاء دمشق الى اجراء نقاش داخلي عنوانه العريض: هل في الامكان بعد كل ما حصل ان تبقى سوريا تسير على الوتيرة نفسها وان تكتفي بحدود ما تقوم به، وتراعي فيه خصوصيات الوضع اللبناني من منطلق الحرص على الاستقرار والنأي بالبلاد عن ازمة المحيط، في حين ثمة من يرفع من وتيرة حراكه ومن منسوب ممارسته المنحازة ضد النظام في سوريا؟

واذا كانت دمشق ما برحت تعاني من ألم المكمن السياسي الذي تعرضت له من منابر بيروت في الاسبوع المنصرم، فإنها تتحدث عن ان الثغرة العسكرية التي نفذت منها المجموعات المسلحة الى بلدة الزبداني وسيطرتها عليها، مصدرها ايضا الجانب اللبناني، وخصوصاً ان هذه البلدة تحاذي الحدود اللبنانية.

وفي كل الاحوال، ثمة من بات يخشى فعلا ان تخرج ردود فعل سوريا وحلفائها في لبنان في الايام القليلة المقبلة عن الحدود المألوفة والمعروفة، فتفقد الساحة اللبنانية حصانة الامان والاستقرار اللذين تمتعت بهما خلال الفترة الماضية.

======================

الجامعة العربية والثورة السورية

غازي دحمان دمشق

المستقبل

20-1-2012

ماذا يعني تأكيد الأمين العام للجامعة العربية، نبيل العربي، أن مهمة المراقبين العرب في سورية مستمرة رغم كل الأخطاء والخطايا التي ارتكبتها هذه البعثة في أدائها التقني؟، وفي ظل إصرار النظام السوري على الاستمرار في ثوابته تجاه الثورة: استمرار القتل، واجتياح المدن والأرياف، والمزيد من الاعتقالات !.، وماذا يعني أن تطلب اللجنة الوزارية العربية،عبر بيانها التقييمي الأول، من النظام و( الجماعات الأخرى) وقف العنف. ربما ليس لذلك سوى معنى واحد هو أن الجامعة العربية تمخضت (من سفاحها مع النظام) فولدت مصيبة.

من نافلة القول أن الجامعة العربية هيأت كل الفرص للنظام السوري كي يتشاطر عليها. أكثر من شهرين وهي تقف على أعتابه بشكل مذل تستجديه الموافقة على مبادرتها، ثم سوفت ودلست على مبادرتها ذاتها، وقبلت أن يعيد النظام السوري تفصيل أجزاء من المبادرة لتتناسب وقياسه، ورضيت بحرف مهمة بعثتها من مراقبة لتنفيذ النظام التزاماته المنصوص عليها في البروتوكول إلى مهمة تقصي للحقائق مستحيلة التحقق في ظل إمكانيات البعثة التقنية والظروف التي تعمل بها.

والحاصل أن الجامعة منحت النظام الفرصة لتهيئة مسرح عمليات البعثة بحيث يشكله بالطريقة التي تناسبه، وأعطته الوقت الكافي لينتهي من طلاء دباباته ويجهز لها مرابض في الشوارع الخلفية للمدن، ويلبس جنوده وشبيحته زي قوات حفظ النظام حيث ظهروا كمن يرتدي ملابس للسهرة، إضافة إلى الوقت الكافي ليقوم النظام بتدريب كوادر عديدة لمقابلة بعثة المراقبين، بعضهم على هيئة مؤيدين للنظام يشكون من عنف (الجماعات المسلحة)، وبعضهم على هيئة معارضين مشكلتهم مع الحكومة (وليست مع النظام) مزدوجة، إذ هي من جهة لا تؤمن مادة المازوت لهم ومن جهة أخرى لا تؤمن لهم الحماية من بطش (المجموعات المسلحة) التي تنتشر في طول البلاد وعرضها.

وزيادة على ذلك منحت، الجامعة العربية للنظام في سوريا، ميزة رسم خريطة تحركات بعثة المراقبين، بحيث يسمح لهم بدخول مناطق معينة ويمتنع عن الموافقة على دخول مناطق أخرى بحجة عدم قدرته على حمايتهم فيها باعتبارها مناطق خطرة.

لقد بات واضحاً أن مهمة النظام العربي، ممثلاً بالجامعة العربية، في سوريا تنطوي على مقاصد كثيرة، يأتي حل الأزمة على هامشها، حيث يظهر أن النظام العربي يستغل عذابات السوريين لينظف نفسه مما يعتبره خطأً كارثياً ارتكبه في معالجته للأزمة الليبية، ويعمل من جهة أخرى على إدارة صراعات أطرافه الناشبة في ظل مرحلة الربيع العربي ودخول أطياف جديدة إلى نادي الحكام العرب، أكثر من إدارته للأزمة السورية ذاتها، وذلك في ظل قناعة عدد كبير من الأنظمة العربية، التي بدأت تستعيد توازنها وقواها من صدمة الربيع العربي الأولى، بضرورة أن تكون الثورة السورية آخر عنقود الثورات العربية، بحيث يتعقد مسارها كما يصعب ضبط مآلاتها، وإن نجحت بعد ذلك فلا بأس ان تكون بثمن مرتفع تتحول معها رومانسية الربيع العربي إلى دراما شتوية مرعبة وقاسية، والهدف هو أن تتعظ الشعوب العربية وتقبل أقدارها برضاء وتأخذ من مأساة السوريين العبر.

إلى ذلك الحين، يتيح هذا المشهد الغارق بدماء السوريين، فرصة للجامعة العربية لأن تدرب طواقمها على إدارة الأزمات في سوق اللحم السوري، فثمة فائض من السوريين الذين لا لزوم لهم، وفرصة لهذه الطواقم " الحكومية " لأن تتسوق و"تعمل" سياحة، وتأخذ الصور التذكارية بجانب ما تبقى من تماثيل الأب الخالد والإبن القائد، ولا ضير أن تتمزق حناجر السوريين بأغنيتهم الحزينة (يا الله مإلنا غيرك)، بعد أن تمزقت أجسادهم بفعل جبروت آلة عسكرية لا ترحم وتثخن وجدانهم من هول المأساة والإحساس باليُتم.

======================

محاورو النظام السوري: باعة أساطير أم سعاة أوهام؟

صبحي حديدي

2012-01-19

القدس العربي

منذ أن فاجأت الانتفاضة السورية، ومثلها جميع الانتفاضات العربية، الغالبية العظمى من شرائح المثقفين والنُخَب والشخصيات المعارضة، فأخذتهم على حين غرّة، ومن حيث لا يحتسبون كما يتوجب القول؛ صدرت عن هؤلاء سلسلة 'قراءات' للأوضاع القائمة، أو القادمة، تراوحت بين ردّ الفعل المعبّر عن الحماس الشديد، أو ردّ الفعل المتشكك بحذر شديد، أو ردّ الفعل الذي يسعى إلى تمويه المفاجأة بأقنعة شتى تميل إلى السفسطة عموماً، ولكنها لا تفلح دائماً في إخفاء عناصر شعورية دفينة مثل الارتباك والحرج والحيرة و... بعض الجرح النرجسي، أيضاً! لم يكن سهلاً، في منح فضيلة الشك إلى هذه الحال المعقدة، أن يكتشف مثقف سُجن ثلاث أو أربع أو سبع سنوات، أنه كان غافلاً إزاء، وربما قاصراً مقصّراً في إدراك، هذا الحراك العبقري الفذّ الذي كان يعتمل في صدور الصبايا والشباب، واندلع بغتة وبقوّة، فهزّ أركان نظام استبداد وفساد وراثي، أمني وعسكري واستثماري، يواصل البقاء منذ 41 سنة بصفة ديناصورية أو تكاد.

هذا المثقف والأمثلة على نموذجه ماثلة للعيان، وافرة كثيرة، فلا حاجة إلى تعيين بعضها إسمياً انضوى في صفّ الانتفاضة دون إبطاء بالطبع، وكما للمرء أن ينتظر من 'مثقف ثوري' أو 'مثقف عضوي' أو 'مثقف ملتزم'؛ ولكنّ 'القراءات' التي اقترحها للانتفاضة سرعان ما انقلبت عنده إلى هواجس، ثمّ ارتيابات (شبه ديكارتية أحياناً!)، فاشتراطات (تتوسل 'العقل' دائماً، وتُعلي شأن 'السياسة' بوصفها 'توسطات' وليس تظاهرات!)، وصولاً إلى حال مدهشة من القطع، وبعض القطيعة، مع أهل الانتفاضة أنفسهم، والشباب منهم بصفة خاصة. وهكذا، رأيناه ينحو باللائمة على رافعي شعار 'الشعب يريد إسقاط النظام'، لأنه غير واقعي، وغير قابل للتحقق؛ ويطري تيّار الحوار مع النظام لأنه، في المقابل، سلوك 'واقعي'؛ ولا يتردد في الاعتراف بأنّ النظام لن يقبل الحوار أصلاً، ولكن هذا هو المطلوب: إحراج النظام أمام الشرائح المترددة من أبناء الشعب!

هو، في جانب آخر لا مفرّ من اقترانه بهذه المعادلة، يتعامى تماماً عن حقيقة أنّ آلة البطش الفاشية التي اعتمدها النظام في قمع الانتفاضة، وانطوت على استخدام كلّ الأسلحة وكلّ النيران وكلّ الفظائع وكلّ صنوف التنكيل الهمجية، بما في ذلك التصفية الجسدية المباشرة، والتمثيل بالجثث، واعتقال الرضّع وتعذيب الأطفال واغتصاب الصبايا والنساء... لا مكان في قواميسها لمفردة 'حرج'، ولا لأية مفردة أخرى توازيها في المعنى والدلالة. بيد أنّ هذا التعامي هو، في حقيقته الباطنية، والسيكولوجية ربما، صيغة في مداراة حرج المثقف صاحبنا، وليس حرج النظام عملياً؛ وثمة، هنا، مسعى للتحايل على اصطفافات وطنية وسياسية وأخلاقية صارت جلية وصريحة، ولا تقبل التوسط أو التسوية أو المساومة.

والمرء، إلى هذا، لا يعدم عند صاحبنا المثقف إياه ذلك التذاكي في تقليب الموقف من النظام، ورأس النظام شخصياً، على وجه وقفا، في آن معاً: هو، تارة، مستبدّ، يائس، يقود البلاد إلى الكارثة، ولا سبيل إلى بقائه على رأس الحكم؛ ولكنه، تارة أخرى، جدير بأن ينقلب إلى مواطن صالح خدم بلاده، ويستحقّ التكريم والتعظيم وكامل حقوق المواطنة! هو، مرّة، 'الرئيس الدكتور' الذي يتوجب التوجه إليه لإنقاذ البلاد من الأخطار المحدقة بها؛ ولكنه، مرّة أخرى، رأس نظام مستبد فاسد يتوجب رميه في 'تنكة الزبالة'! وإذْ يدعو إلى الحوار مع النظام، سواء من أجل هدف 'الإحراج' دون سواه، أو لاكتساب فئات اجتماعية أخرى إلى صفّ الانتفاضة؛ فإنّ صاحبنا المثقف يعترف بأنّ كلّ ما يعد به رأس النظام هو 'الحرب على الإرهاب'!

وأمّا الرافعة الكبرى في تفكيره، ولعله يرى فيها سلاحه السجالي الأمضى، فهي هذه المعادلة العالقة، أو بالأحرى المعلّقة عن سابق قصد وتصميم، بحيث تسدّ الآفاق جميعها ولا تفتح إلا كوّة واحدة، تفضي إلى الحوار مع النظام: النظام عاجز عن إخلاء الشوارع من المتظاهرين، والمتظاهرون عاجزون عن إسقاط النظام. حسناً، فما العمل إذاً؟ يجيب صاحبنا: الحوار الوطني، بين الجميع، ومع الجميع، على غرار ما يقترح 'المثقفون'. إجابة فرعية، على السؤال ذاته، تذكّر بالمثال الأوروبي، وفي أوروبا الشرقية خاصة، حيث كان المجتمع المدني والمثقفون هم الذين أسقطوا الدكتاتوريات؛ الأمر الذي يوحي بأنّ الحراك الشعبي الراهن، المتمثل في الاحتجاجات والتظاهرات والإضرابات، هي الأفق المسدود؛ والأفق الآخر، المفتوح، هو ذاك الذي ينخرط فيه مثقفو المجتمع المدني.

وقارىء هذه الآراء، خاصة إذا كان غريباً عن الملفّ السوري، أو غير ملمّ بتاريخ نظام الاستبداد والفساد الورثي هذا، قد يقع بالفعل أسير سطوة المعادلة، التي تبدو أقرب إلى 'العقل' و'السياسة'، كما تحمل صفات 'الواقعية' و'الاعتدال'. ولا يزيد في جاذبية هذا الطرح إلا أضاليل النظام التي تقول إنّ السلطة تدعو إلى الحوار الوطني، والمعارضة هي التي ترفض المبدأ وتعطّل المصالحة. العارف، في المقابل، ليس بحاجة إلى قدح الذاكرة لكي يستعيد النقيض تماماً، فلا يكشف لعبة النظام في التضليل والمراوغة، بينما البطش يزداد وحشية ودموية، فحسب؛ بل يتنبه إلى مقدار البؤس في أطروحات هذا النموذج من المثقفين المعارضين دعاة 'الحوار الوطني'. ذلك يجعلهم، على نحو أو آخر، باعة أساطير، أو سعاة أوهام، أو أتباع منزلة بين المنزلتين... لعلها أدهى وأمرّ!

ذلك لأنّ الأسد الابن، ومنذ السنة الأولى لتوريثه، عبّر عن مزاج كاره للمثقف المعارض، اختلطت في ثناياه عناصر التهكم والسخرية والاحتقار والتخوين، بل إنكار الوجود أيضاً، وذلك في حديث شهير إلى صحيفة 'الشرق الأوسط' اللندنية، مطلع العام 2001. ولقد بدأ من مبدأ التخوين، ليس دون فذلكة معتادة: 'في كلّ المجتمعات هناك الأبيض وهناك الأسود وهناك حسنو النيّة وسيئو النية'، وبذلك: 'لا نستطيع أن نقول إننا أمام حالة مطلقة. هل يمكن أن نقول بأنّ كلّ الناس عملاء؟ هذا مستحيل. هل يمكن أن نقول إنّ كلّ من يطرح فكرة ظاهرها إيجابي هو وطني؟ أيضاً هذا مستحيل'. ولقد اعتبر أنّ أفعال هؤلاء المثقفين (وهي، للتذكير المفيد، لم تتعدّ البيانات وارتياد المنتديات، فلا أحد تظاهر، ولا أحد اعتصم أو أضرب) إنما 'تمسّ الاستقرار على مستوى الوطن'؛ ثمّ اختار للأمر احتمالين: 'أن يكون الفاعل عميلاً يخرّب لصالح دولة ما، أو أن يكون جاهلاً ويخرّب من دون قصد'؛ وجزم حول النتيجة: 'الإنسان في كلتا الحالتين يخدم أعداء بلده'.

كذلك لجأ الأسد إلى ما أسميناه، آنذاك، مداواة المثقفين بما كان هو الداء... في ظنّه، بالطبع. ولقد سأل، في التعقيب على بيانات المثقفين: 'أنا لا أعرف من هم هؤلاء الأشخاص الذين سمّوا أنفسهم المثقفين. هل هم مثقفون فعلاً أم ماذا؟ لا توجد لديّ معلومات'. كان ذلك التصريح مدهشاً من رئيس أحاط نفسه، منذ انطلاق سيرورة توريثه، برهط من التكنوقراط غير البعثيين إجمالاً، ممّن شكّلوا 'مجموعة ال 18'، أو ال G-18 حسب تعبير الكاتب الأمريكي المنافق فلنت ليفريت، من أمثال ماهر المجتهد، نبيل سكر، سمير سعيفان، رياض الأبرش، سامي الخيمي، غسان الرفاعي، وعصام الزعيم... هذا فضلاً عن بعض المثقفين المنتمين تاريخياً إلى اليسار.

وكان من غير المعقول أنّ الأسد يقصد القول إنه لا يعرف المثقفين المعارضين معرفة شخصية، أو لا يعرف ما الذي يمثّلونه اجتماعياً وسياسياً وثقافياً ومعرفياً، إذْ كيف كان ممكناً له أن لا يعرف مَنْ هو أنطون مقدسي، أو عارف دليلة، أو عبد الرحمن منيف، أو ممدوح عدوان، أو علي الجندي... من موقّعي بيان ال 99؟ وكيف يمكن لرئيس 'شاب'، يعلن نيّة التغيير والتطوير، أن لا يعرف صفوة مثقفي بلده؟ الحقّ أنه كان يعرف معظم مثقفي سورية من موقّعي البيانات وناشطي المنتديات ولجان إحياء المجتمع المدني، وما كان يقصده من إنكار في التساؤل، ('مَنْ هؤلاء؟')، لم يكن يخصّ الهوية والموقع والمعرفة الشخصية، بل يتناول جوهرياً القول إنهم مجرّد نكرات: ما قيمتهم؟ وما أهمية ما يقولون ويكتبون؟

ذلك لأنه، وفي الفقرة التالية مباشرة، يذهب إلى التشكيك حتى في تعريف المثقف كما يمكن أن يحمله أصحابنا، فيسأل، ليس دون النبرة الأكاديمية المعتادة: 'لكن ما هو المقصود بكلمة مثقف؟ هي كلمة عامة إلى حدّ ما. هل من يطّلع على مواضيع مختلفة هو مثقف؟ هل صاحب الشهادة العلمية هو مثقف؟ هل من يقرأ كتباً كثيرة هو مثقف؟ هل من يكتب الشعر أو القصة أو الرواية أو يعمل في الصحافة هو مثقف؟ هي كلمة غير واضحة الحدود. وعلى كلّ حال هذا التصنيف غير معتمد بالنسبة لي'! كذلك كان الأسد يعلم أنّ هاجس مثقفي سورية، في تلك الأيام كما هي الحال اليوم أيضاً، لم يكن التوافق حول تعريفات المثقف، بل حول تعريفات الحقّ والحرّية والقانون، وحول الاجتماع والسياسة والاقتصاد والثقافة، وحول الانضمام إلى عالم أخذت فيه الأنظمة الشمولية الدكتاتورية تنقرض واحدة تلو أخرى، وحول ضرورة إحداث تغيير ديمقراطي جوهري في حياة البلاد، وحول الماضي والحاضر والمستقبل.

لكنّ تركيزه على تعريف المثقف، بدل مناقشة آراء المثقفين وفحوى بياناتهم، لم يكن يُراد منه ممارسة رياضة الفذلكة وحدها، بل صياغة تعريف المثقف كما تعتمده فلسفة النظام. هنالك نوعان من الأشخاص، قال الأسد: 'شخص يفكّر ويخرج بنتائج ضارّة للوطن'، و'شخص يفكّر ويخرج بنتائج مفيدة للوطن'... هكذا، باختصار شديد. ولأنّه لم يضرب مثلاً على أيّ من الشخصين، فقد كان منطقياً أن يشغل أنطون مقدسي، آنذاك، موقع النمط الأوّل؛ وأن يشغل علي عقلة عرسان موقع النمط الثاني: الأوّل طالب بتحويل سورية من قطيع إلى شعب، والثاني طالب بتحويل المثقفين من بشر إلى سائمة.

وليس مدهشاً أنّ النظام لم يحتمل، في الماضي، نبرة الاعتدال التي طبعت معارضة بعض المثقفين دعاة الحوار، فاتهمهم ب'إثارة النعرات الطائفية و'وهن عزيمة الأمّة'؛ وأنّ النظام لا يحتملهم اليوم، أيضاً، حتى إذا كان يُحسن ترويج بضائعهم وتغذية هواجسهم، الأساطير منها والأوهام... على حدّ سواء!

' كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

======================

قوات ردع عربية الى سورية... لمَ لا؟

الخميس, 19 يناير 2012

عبدالوهاب بدرخان *

الحياة

ما الذي أطلق فجأة فكرة ارسال قوات عربية الى سورية لوقف القتل وإراقة الدماء؟ انه بلا شك الخطاب الرابع للرئيس السوري، بما تضمنه من ترجيح فجّ للاتجاه الى الحرب الأهلية. فهذا المنطق يقود الى ذاك المنطق، اذ إن حال انفراد النظام بآلة العنف تعني أنه لن يتردد في ارتكاب أكبر المجازر وأكثرها فظاعة ل «استعادة الاستقرار» التي أعطاها أولوية.

اذا كان لهذه الفكرة أن تتحقق فلا ريب أنها ستتطلب قراراً عربياً شجاعاً واستثنائياً. ولا أحد يتوقع أن يكون قراراً سهل المنال. سيكون هناك من يحذّر من «اللبننة» أو «العرقنة» أو من التجربة الليبية، غير أن التذرع بهذه السوابق لتبرير التهاون وعدم التحرك ليس خياراً بل تهرباً من المسؤولية. فالعرب أمام وضع غير مسبوق ويفترض ردود فعل غيرمسبوقة، أو سيكون عليهم أن يقولوا علناً إنهم في هذه اللحظة التاريخية يميّزون فعلاً بين شعب عربي وشعب عربي آخر، وإنهم وجدوا بالأمس أسباباً للانحياز الى شعب ليبيا ويجدون اليوم أسباباً للتقاعس في مساعدة شعب سورية رغم أنه يواجه ارهاب الدولة نفسه إن لم يكن أعتى.

صحيح أن سورية لا تتعرض حالياً لغزو خارجي يستوجب نصرتها لكن وقائع القتل اليومي باتت تنمّ عن تعرض الشعب لعدوانية بشعة لا تنفك تستشرس من دون ضوابط أو رحمة. فلنتذكر الأخبار عن «حصارات التجويع» وقطع الماء والكهرباء، وعن قصف المدن والبلدات واغلاقها، وعن منع مرور الأغذية والأدوية، وعن اطلاق النار على المسعفين والغائثين واقتحام المستشفيات وخطف الجرحى أو تصفيتهم، وأخيراً عن منع دخول «قافلة الحرية» واضطرار المراقبين العرب الى التفاوض على تمرير الخبز هنا وهناك... هذا يحدث في سورية وليس في غزة أو جنين، وفي ظل النظام الحاكم لا تحت الاحتلال الاسرائيلي.

سيكون على الاجتماع الوزاري العربي المقبل أن يبتّ مصير مهمة المراقبين التي فقدت فاعليتها منذ أول رصاصة انطلقت فوق رؤوسهم، لكن عليه خصوصاً أن يبتّ مصير المبادرة العربية، فهذه اللحظة المؤجلة أزفت أخيراً، وها هي الحاجة تمسّ الى بدائل.

قبل أيام كان لا يزال هناك نظرياً بديل هو احالة المبادرة نفسها الى مجلس الأمن ليتبناها، وكان يقال إن هذا التحرك س «يحرج» دولتَي الفيتو روسيا والصين. لكن هذا البديل سقط، اذ لم يعد النظام في سورية مبالياً بما يتضمنه التقرير الثاني وربما الأخير للمراقبين ولا معنياً بالدور العربي، بدليل هجوم الرئيس السوري على الجامعة و «مستعربيها».

أصبح النظام معنياً أكثر بما يراه من «أقلمة» و «تدويل» محتملين يضعان سورية وايران وروسيا في مواجهة «المؤامرة» نفسها، ويأمل في أن يساعداه على النفاذ من مأزقه، فهذا ما تمناه دائماً وهذا ما يعتقد أنه يتقنه، لذا رأى أن يفوّت فرصة الخطاب العقلاني لمصلحة خطاب التحدي ليكون أكثر انسجاماً مع فورة الاستياء الروسية في مجلس الأمن ومع استعراضات القوة الايرانية.

وقبيل الخطاب كانت مواقف عدة شجعت على «حوار» بين النظام والمعارضة، بما فيها ذاك الذي أعلنه بابا الفاتيكان وعواصم عدة غير معجبة بالنظام ولا بممارساته. لذا علا سقف التوقعات من بشّار الأسد، ثم هوى الى الحضيض بعدما تكلّم، فحتى وزير الخارجية الفرنسي بدا متفاجئاً ب «خيبة الأمل»، ربما لأنه انتظر مثل آخرين كلاماً عقلانياً ورزيناً يصلح تمهيداً ل «الحوار»، فهذا ما يفترض سماعه من أي رئيس يريد ملاقاة شعبه. كانوا جميعاً واهمين، وكان الأسد كمن يقول لهم «أنتم لم تعرفوني بعد». الوحيدون الذين يعرفونه جيداً هم الذين يتظاهرون ضدّه ويتلقّون طلقات عناصر أمنه و «شبيحته» ولا ينتظرون سوى اللحظة التي يعلن فيها تنحيه أو رحيله.

أراد الرئيس السوري أن يبلغ من يهمه الأمر في المجتمع الدولي - أو أطراف «المؤامرة» كما يعتقد - أنه بدأ لتوّه مرحلة جديدة من المواجهة، وأنهم اذا اعتقدوا أنهم اخترقوا «ممانعته» من خلال المبادرة العربية والمراقبين فما عليهم سوى أن ينعوا هذه المحاولة. وبديهي أن رسالة بان كي مون إليه من بيروت بأن «مسار القمع طريق مسدود» لن تبدّل شيئاً في روايته عن «المؤامرة».

ليس مؤكداً أن الأسد استطاع تحقيق هدفه الآخر من الخطاب، وهو طمأنة من يوالونه وشدّ عزيمتهم، حتى لو نزلوا بعدها الى ساحة الأمويين، أما الأكيد فهو أنه أعطى زخماً مضاعفاً للانتفاضة الشعبية التي هان عليها تحدّي البرد والثلوج بعدما استهانت بتحدّي الموت.

ثم جاء الجواب على التحدي من واشنطن: مهمة المراقبين لن تستمر الى ما لا نهاية، ثم من واشنطن عبر قطر: ارسال قوات عربية لوقف اراقة الدماء. هي اليوم مجرد فكرة أو اقتراح للقول بأن العالم ادرك بعد خطاب الأسد أن النظام اتخذ قراره انه ذاهب الى حرب أهلية، أي الى القتل العاري بلا أي حساب، ولا حاجة الى خطاب خامس لفهم ذلك. ومن لا يزال غير مصدّق أو يحاول الانكار، جاء شعار الانتفاضة «جمعة الجيش الحرّ» واضحاً وبليغاً، فبعد اليأس من المجتمع الدولي والجامعة العربية، لم يبقَ سوى جيش المنشقين ل «حماية المدنيين»، ولا يجهل أبناء الانتفاضة أن جيشهم هذا لا يزال ضعيفاً وقليل التجهيز، لكنهم يريدون أن ينتظروه وأن يتحملوا مزيداً من التضحيات ليروه قادراً على حمايتهم. ليس صدفة أن يصبح هذا الجيش بمثابة ذراع عسكرية ل «المجلس الوطني السوري»، اذ فرضه منطق الأرض والأحداث وباتت مدن عدة تعوّل عليه، فأفراده من عائلاتها وابنائها، ثم إن وجوده يقوّي المبررات لاقامة «المنطقة العازلة» التي طال الحديث عنها.

لا بدّ أن وضع اقتراح ارسال قوات عربية الى سورية في التداول يذكّر دمشق، بمعزل عن تطبيقه أو عدمه، بأن التاريخ يعيد نفسه لكن في اتجاه معاكس. قبل خمسة وثلاثين عاماً كان استفحال الحرب الأهلية جعل القوى الدولية تحث الدول العربية على ارسال «قوات ردع عربية» الى لبنان، بمشاركة سورية التي ما لبثت أن أفسدت مهمة تلك القوات وأفشلتها لتبقى قواتها وحدها طيلة تسعة وعشرين عاماً ولم تخرج من لبنان إلا بانتفاضة شعبية وبعدما فقدت الغطاء الدولي لوجودها. ها هي نذر الحرب الأهلية في سورية تحرك الخيار ذاته تجنباً لتدخل عسكري دولي لا تبدو القوى المعنية متحمسة له رغم رغبتها في رؤية خط النهاية لهذا النظام.

* كاتب وصحافي لبناني

================================

سوريا: الإمام يرسل مبعوثا

طاهر الاميري

الشرق الاوسط

20-1-2012

بعد شهور من الترقب، وربما النزاع الداخلي، يبدو أن إيران قررت لعب دور مباشر في صياغة نتائج النزاع حول مستقبل سوريا. وهناك الكثير من المؤشرات التي تشير إلى تغير في السياسة.

على مدى ما يقرب من عام، حاول الإعلام الإيراني المملوك للدولة أن يبدو محايدا تجاه القضية السورية. فكانت الأنباء بشأن الثورة السورية إما محدودة أو تقدم بصورة شبه متوازنة تعكس وجهات نظر كل من النظام البعثي والمعارضة. بيد أن الإعلام الخميني تبنى خلال الأسابيع القليلة الماضية موقفا عدائيا صريحا تجاه المعارضة السورية. فتبنت وسائل الإعلام رواية تؤيد مزاعم النظام السوري بأن الثورة «مؤامرة أجنبية» وأن العنف الذي تزعم أنه حصد ما يزيد على 5 آلاف شخص هو من صنيع مجموعات إرهابية. بيد أن وسائل الإعلام في طهران لم تتحرك لتغطية الأحداث السورية بصورة مباشرة. فلم توفد أي من وسائل الإعلام الإيرانية مراسلا واحدا إلى سوريا. وعلى الرغم من وجود مكاتب دائمة لاثنتين من وكالات الأنباء التابعة للدولة في دمشق، لكنهما لم يحاولا أيضا تغطية الثورة في جميع أنحاء سوريا. والسبب هو أنه حتى أكثر الصحافيين طمعا لم يتمكن من وضع اسمه على أكاذيب النظام الفجة.

كان من بين الإشارات الأخرى على رغبة إيران في رفع تمثيلها في دمشق تلك الزيادة في شحنات الأسلحة إلى سوريا. وزيادة في عدد رحلات شركة «آسمان للشحن الجوي» إلى دمشق بنسبة 50 في المائة. وعلى الرغم من أن جزءا من الجسر الجوي ربما يكون قد استخدم في الأغراض غير العسكرية، لكن يحتمل أن تكون الزيادة الكبيرة مرتبطة بتهريب السلاح لإنقاذ النظام السوري.

هناك أيضا زيادة في عمليات النقل البري إلى سوريا، فعلى الرغم من تراجع تدفق الحجيج من إيران إلى سوريا، فإن عدد الشاحنات التي تحمل الشحنات في ارتفاع، بما في ذلك السلاح، التي ارتفعت بشكل كبير. وقد صادرت السلطات التركية يوم الأحد الماضي أربع شاحنات إيرانية على خلفية الشكوك بتهريب الأسلحة إلى سوريا. وعلى الرغم من نفي طهران، أصرت تركيا على أن هذه هي المرة الثانية خلال ستة أشهر التي توقف فيها شاحنات إيرانية تنقل أسلحة إلى سوريا.

بيد أن من بين المؤشرات الأبرز على التدخل الإيراني الكبير في سوريا كان زيارة الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، الوحدة المكلفة رسميا بمهمة تصدير الثورة. وبحسب مصادر في طهران فقد عقد سليماني في دمشق اجتماعا لمدة أربع ساعات مع الرئيس بشار الأسد لمناقشة «تنسيق الاستراتيجية لحماية سوريا من المؤامرات الخارجية».

ونقل سليماني تقريره بشكل مباشر إلى المرشد الأعلى علي خامنئي، وهو ما يعتبر مؤشرا على أن المرشد الأعلى يمسك بخيوط السياسة تجاه سوريا متجاوزا الرئيس محمود أحمدي نجاد ووزير خارجيته علي أكبر صالحي.

وقد عبر أحمدي نجاد وصالحي في أكثر من مناسبة عن تحفظاتهما بشأن دعم النظام السوري. ويبدو حاليا أن خامنئي نحى جانبا كل هذه التحفظات. وقد أخبرتني بعض المصادر في طهران أن المرشد قرر منع سقوط سوريا في «معسكر الأعداء لتقع في معسكر الجمهورية الإسلامية».

لكن.. هل إيران قادرة على إنقاذ سوريا؟

بطبيعة الحال، يمكن لإيران أن تخفف من تأثير العقوبات على سوريا عبر تزويدها بالمال والسلاح. وتستطيع أيضا أن تلعب دورا في تعزيز سياسة النظام السوري بمحاولة سحق الثورة من خلال عمليات القتل والاختطاف.

كان للجنرال سليماني وجود بالفعل في سوريا مع بعثة عسكرية قوامها 600 رجل. فقد كان قادرا على جلب وحدات من حزب الله، الفرع اللبناني، لمساعدة القوات السورية الموالية للنظام. فقد قام فيلق القدس بتدريب المئات من مقاتلي حزب الله لعمليات خارج لبنان. وقد اختبر سليماني بعض هؤلاء المقاتلين في عمليات في العراق. ويستطيع سليماني أيضا الاعتماد على عناصر من جيش المهدي العراقي، والذي على الرغم من حله رسميا فإنه استعاد سلاحه ولا يزال يحتفظ بوجود غير رسمي تحت قيادة رجال سليماني.

الدعم القوي من إيران يمكن أن يرفع في الوقت ذاته من معنويات النخبة الحاكمة في سوريا الذين بدأوا يفقدون رباطة جأشهم خلال الأسابيع الأخيرة. بعض الفارين المحتملين من القوات الأمنية السورية ربما يقررون انتظار رؤية نتائج التدخل الإيراني قبل القيام بحركتهم.

التدخل الإيراني قد يقنع أيضا روسيا والصين بالاستمرار في رفض تدخل الأمم المتحدة المحتمل لوقف المذابح في سوريا.

الأهم من ذلك، كما تشير بعض الدوائر في طهران، أن بمقدور الجمهورية الإسلامية أن تروج لحل يمكن من خلاله أن يطلب من الرئيس الأسد التنحي حتى يتمكن النظام البعثي من الاستمرار في صورة جديدة.

على الرغم من كل هذا فإن فرص طهران في النجاح محدودة للغاية. فبداية، لم تشعر القوات المسلحة السورية يوما بالطمأنينة تجاه المحور السوري - الإيراني. وعلى الرغم من توقيع الدولتين ميثاق دفاع مشترك، فإن التعاون المشترك بين الجيشين الإيراني والسوري لا يزال محدودا، فإيران ترتبط بتعاون أوسع نطاقا مع كوريا الشمالية وفنزويلا منها مع سوريا. فيما تبدو النخبة السورية متحفظة تجاه التحالف مع الإمامية الإيرانية.

يزعم حزب البعث أنه يؤيد الدولة العلمانية غير الطائفية ذات التوجه الاشتراكي، في الوقت الذي يقوم فيه النظام الإيراني على طلاسم دينية وخرافات طائفية وكراهية للتوجه الاشتراكي. ولذا فإن سوريا التي ستدار بشريعة ولاية الفقيه، قد لا تغري الكثير من أفراد النخبة السورية.

وإذا ما نجحت طهران في جعل سليماني رجلها الفعلي في سوريا، ربما تثبت الثورة السورية قدرة أكبر على المقاومة أكثر مما يتخيل خامنئي. وقد فهم أحمدي نجاد وصالحي ذلك، ولهذا السبب، حاولا بشكل خفي، وضع حاجز بين إيران وسوريا.

ليس لإيران مصلحة في مساعدة تحطيم الثورة السورية. وتدخلها العسكري يمكن أن يفتح طريقا للدول الأولى لإرسال قوات إلى سوريا.

إن الحصافة تقتضي أن يضع واضعو السياسة الإيرانية في حسبانهم إمكانية نجاح الثورة السورية في تغيير النظام في دمشق.

ربما تجعل محاولات خامنئي وسليماني لمنع سوريا من التحول في معسكر الأعداء من ذلك أمرا محتوما.

=============================

سورية.. هل انتهت فرص نجاح العمل السياسي؟

2012-01-19

الوطن السعودية

بات من الواضح أن الوصول إلى الجهر بفكرة إرسال قوات عربية إلى الأراضي السورية، من أجل العمل على وقف أعمال العنف، لم يكن عبر طريق قصيرة، وإنما كان بعد أن سلكت محاولات إقناع النظام السوري بالتخلي عن العنف، جميع الطرق السياسية الممكنة، لكن العقل الحاكم في سورية، بقي متمسكا بالحلول الأمنية العنيفة، ومصرا على خطابه الإعلامي الذي يضع الثورة الشعبية في صورة المؤامرة الخارجية، ويجعل من المتظاهرين إرهابيين، بل ويحيل أفعال "شبيحته" إلى "عناصر مندسة".

الدعوة التي أطلقها أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، مطلع هذا الأسبوع، وأكد فيها على تأييده لإرسال قوات عربية إلى سورية، تعني استنفاد الطرق السياسية، لأنها أول دعوة من هذا النوع تصدر عن حاكم عربي، وقد تلتها تصريحات مؤيدة لطرح الفكرة للنقاش، إذ أعلن بعدها وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري أن اقتراح أمير قطر بإرسال قوات عربية إلى سورية "سيكون على جدول أعمال اجتماع مجلس الوزراء العرب في 22 يناير في القاهرة"، وهو القول المتفق مع تصريحات وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، مما يعني تحول دعوة أمير قطر، إلى مقترح مطروح للنقاش في الاجتماع المقبل للمجلس الوزاري بجامعة الدول العربية، وهذا ما قد يجعل من الاجتماع المنتظر تحولا حقيقيا في أسلوب تعاطي جامعة الدول العربية مع الملف السوري.

النظام السوري أدرك جدية الأمر، وأن الإعلان عن الفكرة، لم يكن استهلاكا إعلاميا مجردا، ولذا حاول استباق أي نقاش حول إرسال قوات عربية، فأعلن على لسان مصدر مسؤول في وزارة الخارجية رفضه القاطع للفكرة، قائلا: إنها "تفتح الباب أمام استدعاء التدخل الخارجي في الشؤون السورية"، في حين كان الجيش السوري الحر، والمكون من المنشقين عن الجيش السوري النظامي، قد ذهب إلى حد مناشدة مجلس الأمن بإصدار قرار ضد النظام السوري، تحت الفصل السابع الذي يتضمن استخدام القوة، وفي هذا دلالة واضحة على عمق المأساة، وحجم المعاناة؛ فالسوريون المعارضون لن يصلوا إلى مرحلة المطالبة بالتدخل الخارجي المباشر، إلا في حال وصول الأوضاع إلى الدرجة القصوى في التأزم.

=======================

سوريا.. من يسدد فاتورة التغيير؟!

عبدالمنعم مصطفى

الخميس 19/01/2012

المدينة

احتاج نظام حافظ الأسد إلى ارتكاب مجازر دموية غير مسبوقة على مدى أكثر من عامين لاستئصال شأفة المعارضة في حماة قبل ثلاثين عامًا، فكم يحتاج ابنه طبيب العيون الشاب بشار الأسد لاقتلاع عيون الثورة في بلاده؟!

المنطق يقول: إن ما كان يستغرق عامين لإنجازه قبل ثلاثين عامًا بات ممكنًا إنجازه في بضعة أسابيع، فالأسد الأب عمل في زمن كان يمكن فيه تغييب وسائل الإعلام وحجب الصورة وتشويه الحقائق وترويج الأكاذيب ثم تصديقها. أما الأسد الابن فتلاحقه أفلام «يوتيوب» ومواقع التواصل الاجتماعي وكاميرات الهواتف الجوالة، وتضع جرائمه لحظة بلحظة تحت عين العالم، وبين يدي قضاة المحكمة الجنائية الدولية؟!

تبدو قدرة الأب على ارتكاب المجازر وتصفية الخصوم أعلى بالتأكيد من قدرة ابنه، بينما تبدو مهمة طلاب التغيير في سوريا الآن أسهل بكثير، مقارنة بما واجهه أسلافهم على يد نظام حافظ الأسد قبل ثلاثين عامًا، ومع ذلك فإن إسقاط النظام السوري لا يبدو -حتى الآن- مهمة سهلة، بل إن البعض قد لا يراها ممكنة.

معضلة التعاطي مع أزمة النظام السوري ربما ترجع إلى زاوية التعاطي، وهى بدورها ترجع الى دوافع التعاطي، التي تتراوح بين التعاطف مع مطالب شعبية بالتغيير في مواجهة نظام قد لا ينافسه في الميل للبطش سوى نظام العسكر في ميانمار، أو نظام عائلة كيم ايل سونج في كوريا الشمالية، أو التضرر من سياسات النظام الذي يصف نفسه بقوى «الممانعة» وهى حالة أدنى من الرفض وأقل من المقاومة، لا ترقى بصاحبها أبدًا إلى مستوى الفعل، أو التأثير، لكنها لا تسحب منه القدرة على العرقلة والتعطيل.

العلاقة الخاصة جدًا بين النظام العلوي في دمشق وبين نظام الملالي في طهران، قد تكون أبرز محددات السلوك الدولي والإقليمي إزاء النظام السوري، إذ تصطدم تطلعات النظام الدولي لمعاقبة ومحاسبة طهران على انتهاكاتها لمعاهدة حظر الانتشار النووي، بتحالفات الملالي مع سوريا وحزب الله في لبنان وحركة حماس في غزة، وكلها مواقع تطل على خطوط تماس ساخنة مع إسرائيل التي تشير تقديرات محايدة إلى أن تحت يدها أكثر من مائتي رأس نووي فضلاً عن وسائل حملها من صاروخية وجوية وبحرية.

الارتباط العضوي بين طهران وبين نظام الأسد، يجعل فض تحالفهما مهلكا للطرفين، أما استمرار هذا التحالف فهو مدعاة لاستمرار الصدام بينهما وبين المجتمع الدولي الذي يبدو غير راضٍ باستمرار تحالف طهران-دمشق، وغير قادر على فض هذا التحالف دون اللجوء إلى أساليب خشنة أو حلول عسكرية يعرف الجميع متى وكيف تبدأ، لكن أحدًا لا يمكنه التكهن لا بمسارها ولا بمآلاتها.

ما قيل إنه دعوة قطرية لنشر قوات عربية في سوريا لحماية المدنيين، يبدو وكأنه طرح «أخلاقي» أكثر منه سياسي، يعتمد قاعدة أننا كلنا إخوة عرب، وأن عرب دمشق سوف يشرعون أبوابها لعرب الجامعة العربية شاكرين ومهللين، وهو ما لم ولن يحدث، وهكذا فنشر قوات عربية غير ممكن بدون موافقة سوريا، التي لم توافق، وبالطبع فإن الرفض السوري قد يفتح طريق عرب الجامعة إلى مجلس الأمن الذي لن يتمكن؛ بسبب تشدد روسيا، من تبني قرار مماثل لقراره بشأن ليبيا، إن عجز مجلس الأمن قد يفتح بدوره الباب لعمل خارج مجلس الأمن ربما ينطلق عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة وفق صيغة «الاتحاد من أجل السلام» التي تتيح التدخل العسكري بإرادة أغلبية الدول الأعضاء حيث لا يوجد فيتو بالجمعية العامة.

ولكن هل ثمة من هو مستعد لعمل عسكري ضد نظام الأسد في الوقت الراهن؟

أبسط الإجراءات العسكرية المطروحة سواء بتحديد هدف التدخل بأنه لفرض حظر جوي، أو لإقامة منطقة عازلة، أو حتى لإنشاء ممر آمن، يقتضي بالضرورة استخدام قوات جوية ضخمة لمدى زمني ممتد تقوم خلاله بتدمير وسائل الدفاع الجوي والقواعد الجوية وشبكات الرادار والاتصالات السورية، حتى يمكن لطائرات التدخل مراقبة التزام دمشق بالحظر الجوي، نفس هذه الإجراءات مطلوبة لإقامة منطقة عازلة سوف تقتضي أيضًا نشر قوات على الأرض لحماية المنطقة العازلة، حتى مسألة إقامة ممرات آمنة سوف تقتضي استخدام مستوى محدود للقوة ولتأمين تلك الممرات.

كل تلك الإجراءات تحتاج إلى إرادة سياسية «غائبة» في واشنطن بسبب عام الانتخابات الرئاسية من جهة، وبسبب توابع التدخلات السابقة في أفغانستان والعراق وأخيرًا ليبيا، على الاقتصاد الأمريكي المنهك من جهة أخرى.

لهذه الأسباب يبدو نظام الأسد وكأنه يراهن على عنصر الزمن، فبوسعه مواصلة أعمال القمع والقتل والتنكيل، خلال مدى زمني قد يمتد لبضعة أشهر، يعتقد أنها كفيلة بإسكات المعارضة، فيما تراهن غالبية المجتمع الدولي على أن المزيد من القتلى سوف يعني المزيد من العقوبات التي يبدو أنها بدأت تنال من قدرة النظام على مواصلة القمع، فيما تنقطع إمدادات الكهرباء والغاز والوقود، وسط ارتفاع شديد في الأسعار بسبب تدني قيمة الليرة السورية، بينما يعرض رجال أعمال علويون رشى مالية على رجال المخابرات حتى لا يتم استخدام موظفيهم قسرًا في المظاهرات المؤيدة للأسد، فيما يقوم رجال الجمارك بغض الطرف عن شحنات أسلحة يتلقاها الثوار عبر لبنان مقابل مبالغ مالية، بينما يقول بعض جماعات الثوار إنهم يحصلون على نصف أسلحتهم بشرائها من أفراد في الجيش.. وهكذا يمكن ملاحظة أنه تحت وطأة الضغوط الاقتصادية يصبح كل شيء للبيع في سوريا بما في ذلك النظام ذاته.

عوامل الولاء للنظام في سوريا تتآكل مع تراجع هيبته وتزايد عزلته وانحسار نفوذه، ويتآكل معها نظام طائفي قمعي، بات العلويون معه يخشون من عواقب الربط بين مصيرهم ومصير نظام الأسد.

دعم المعارضة، وضرب العزلة الدولية على نظام الأسد، ومواصلة شغل طهران بذاتها، ومحاولة تفكيك عناصر التحالف الايراني - السوري، كلها عوامل ستقود حتمًا إلى سقوط النظام، لكنها فقط مسألة وقت، كلما طال زادت فرص إسلاميي سوريا في خلافة النظام القائم.. والعنوان الحقيقي الوحيد للمشهد الراهن في سوريا هو المزيد من الانتظار، فالنظام يشتري الوقت لمقاومة السقوط، والعالم يشتري الوقت بانتظار السقوط، أما من يدفع الثمن فهو الشعب السوري الذي لا يمهله بطش النظام، ولا تسعفه مروءة النظام الدولي.

=================

الانتفاضة السورية... صعوبة الحسم السلمي

تاريخ النشر: الخميس 19 يناير 2012

فراس مقصد

الاتحاد

محلل متخصص في الشرق الأوسط مقيم بواشنطن

بينما يتناقش زعماء العالم حول ما ينبغي القيام به بشأن الأزمة في سوريا، مازال جزء كبير من ترددهم يتمحور حول ما إن كان ثمة بديل ذي مصداقية لأكثر من 40 عاماً من حكم الأسد. وفي هذه الأثناء، صَعَدَ المجلس الوطني السوري، وهو تجمع يتكون في الغالب من زعماء سياسيين منفيين، إلى الواجهة باعتباره الصوت الرئيسي للمعارضة في الخارج. ولكن ماذا عن الجيش السوري الحر، القوة المتمردة المتزايدة المؤلفة من آلاف المنشقين الذين يهاجمون قوات الأسد الآن على الميدان؟

في محاولة للحصول على بعض الأجوبة، انتظرتُ بقلق ولهفة أحد قادة الجيش السوري الحر بمنزل آمن بارد ومظلم على الحدود السورية- اللبنانية. الصمت المقلق الذي كان يسود المكان لم يكن يكسِّره سوى صوت الرصاص الذي يسمع من بعيد في التلال النائية. ومر وقت قبل أن تظهر في الأفق الأضواء الأمامية لسيارة تشق طريقها بتعرج عبر طريق جبلي أسود. وبعد وقت قصير، ترجل القائد أحمد العربي المركبة وبندقية كلاشنيكوف في يده.

العربي رجل قوي البنية في الخمسينيات من عمره لا لحية لديه، فقط الشارب السوري التقليدي وابتسامة كاريزمية. وإلى جانب بندقيته الهجومية، كان العربي مسلحاً بهاتف نقال يستعمله للتواصل مع الجنود في الميدان، كما يستعمله ككاميرا لالتقاط صورة مع الصحفيات اللاتي يهرِّبهن عبر الحدود. إنه رجل يمكن القول إنه بالكاد محافظ أو متدين.

وبعد حديث مازح قصير من أجل تخفيف الأجواء المشحونة، دخل القائد العسكري العامل في الحدود اللبنانية في صلب الموضوع:الكتيبة التي يقودها تسمى "فجر الحرية" وتمتد منطقة عملياتها من جبال شمال لبنان إلى أطراف مدينة حمص السورية المحاصَرة، التي تبعد بحوالي 12 ميلاً. أهدافها المعلنة الرئيسية هي الدفاع عن اللاجئين الجرحى الذين يفرون إلى شمال لبنان- حيث تقوم بتأمين طرق الهرب التي يسلكونها والدفاع عنهم على الأراضي اللبنانية. كما تعمل على تأمين إيصال الإمدادات الإنسانية إلى حمص وتوفير طرق الوصول للصحفيين الأجانب الذين يقومون بتغطية الانتفاضة.

الأوامر التي يتلقاها المئات من جنود العربي الذين يعملون داخل سوريا تصدر عن قيادة المتمردين في جنوب تركيا. وعلى الرغم مما يروج من أخبار حول عمليات الانشقاق العسكري عن قوات الأسد وما يعقبها من هجمات عليها، إلا أن القائد يصر على أن الجميع يأتمر بأوامر سلطة مركزية إذ يقول "إن وحداتنا تستعمل أسلوب الكر والفر، ولا توجد عناصر خارجة عن السيطرة".

أبو محمد وزوجته لاجئان يقول الجيش السوري الحر إنه يحميهما. فقد قطعا مئات الأميال مشياً على الأقدام من بلدة درعا في جنوب سوريا للوصول إلى الأمان الذي توفره الجبال الشمالية للبنان، وهو مستهدف من قبل السلطات السورية بسبب مشاركته في الاحتجاجات المعارضة للنظام التي فجرت الانتفاضةَ لأول مرة قبل نحو 10 أشهر. وبعدما فشلت في القبض عليه، قامت القوات الحكومية، على ما يفترض، بتعذيب وقتل ابنه الذي يبلغ من العمر ثلاث سنوات، قبل أن تعيد جثته مبتورة الأصابع وعدد من الرصاصات قد اخترقت صدره الهامد.

وبينما يحكى الأب المكلوم قصته المؤلمة، كانت زوجته ترضع طفلاً ضعيفاً وُلد قبل الأوان خلال فرارهما.

وخلافاً لما يدعيه النظام، فإن الدعم الأجنبي للجيش السوري الحر مازال شحيحاً حيث يعتمد العدد المتزايد من المنشقين على ما يستطيعون الاستيلاء عليه من الثكنات العسكرية الحكومية. والأشخاص الذين رأيتهم لم يكونوا يحملون سوى بنادقهم الأوتوماتيكية الصادرة عن الحكومة وصناديق الرصاص.

وحسبما يقال، فإن الزعماء العسكريين الليبيين، الذين أسقطوا القذافي مؤخراً بدعم من "الناتو"، هم الوحيدون الذين عرضوا على المتمردين بعض المساعدة. ذلك أن لدى الزعماء الغربيين والأتراك والعرب تخوفات مشروعة بشأن دعم الجيش السوري الحر، ومن ذلك تجنب مواجهة عسكرية مباشرة مع نظام سوري يمتلك مخزونات كبيرة من الأسلحة الكيماوية، ومئات من الصواريخ الباليستية، ولديه سجل من اللجوء إلى العنف السياسي.

ولكن وبينما تنزلق سوريا إلى حرب أهلية بتحريض من النظام، نحو حرب يمكن أن تمتد إلى لبنان والعراق المجاورين، يزداد ثمن عدم التحرك الأجنبي. ثم إنه نظراً لعنف النظام المتزايد والعنف المضاد، فإن الحفاظ على الانتفاضة السورية سلمية لم يعد خياراًَ. ولذلك، فإن المجتمع الدولي في حاجة إلى استراتيجية واضحة من أجل تسريع وتيرة التغيير في سوريا، علماً بأن الجيش السوري الحر بات اليوم جزءاً هاماً لا يمكن تجاهله من المعادلة. وبالنسبة للقائد العربي، يمثل فرض منطقة حظر جوي من قبل المجتمع الدولي أو ممر إنساني بمحاذاة الحدود التركية- السورية المطلب الرئيس، حيث يعتقد أن من شأن مثل هذا السيناريو أن يوفر غطاء للآلاف من الجنود المحبطين داخل سوريا والذين مازالوا غير قادرين على الانشقاق عن الجيش. كما أن من شأنه توفير قدر أكبر من الحماية للمدنيين، ووقف انزلاق سوريا إلى حرب أهلية عبر تسريع رحيل النظام.

وعلى الرغم من قسوة الظروف التي يعيشون فيها، إلا أن المتمردين واللاجئين على حد سواء يبدون واثقين بأن الأربعين عاماً أو يزيد من حكم الأسد باتت تشارف على نهايتها إذ يقولون متفائلين: "إنها مسألة وقت فقط". ولكن السؤال هو: بأي ثمن؟

عندما نهض القائد العربي ليرحل، التقط بندقيته وقطع لي وعداً إذ قال: "إذا جاء (الغرب) لمساعدتنا، فإنني سأسمي ابني "جوبي""، نسبة إلى وزير الخارجية الفرنسي (ألان جوبي) الذي تزعم الدعوات إلى تدخل إنساني في سوريا قبل أن ينسحب ويتوارى عن الأنظار بين التلال الباردة المظلمة التي أتى منها، ومخططه هو عبور الحدود إلى حمص في الصباح التالي.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة

«كريستيان ساينس مونيتور»

=================

رسالة الرأي العام العربي

جيمس زغبي

السفير

19-1-2012

استمعت باهتمام لخطاب الأسد الأخير الذي انتقد فيه تدخل جامعة الدول العربية لكبح جماح العنف الذي يهز دولته في الوقت الراهن، وقد ادعى فيه أنه يستمع لشعبه ويتحدث بالنيابة عنه، وأن نظامه هو حامل لواء القومية العربية، وأن الجامعة لا تعبر عن المشاعر العربية الحقيقية.

نحن لا نستطيع أن نجري استطلاعات رأي في سوريا في الوقت الراهن لأسباب عدة، ولكن لو نظرنا إلى الاحتجاجات المستمرة بدون توقف، وما تقابل به تلك الاحتجاجات من عنف يرعاه نظامه إلى حد كبير، نستطيع القول إن الأسد في ما قاله قد يعبر عن جزء من الشعب السوري، ولكن من المؤكد أنه لا يعبر عن جميع السوريين.

وإذا كان صحيحاً أننا لم نجر استطلاعات رأي في سوريا، إلا أننا أجرينا استطلاعات رأي عنها في مختلف البلاد العربية، وقد تبين من تلك الاستطلاعات أن الأسد لا يعبر عن نبض الشارع السوري، وأنه مغيب عن حقائق الرأي العام العربي، وأن الغالبية العظمى من المستطلعة آراؤهم، يقفون إلى جانب المحتجين السوريين، ويرون أن الوقت قد حان كي يستقيل الرئيس السوري.

والاستطلاعات الأخيرة التي أجريناها عبر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا توضح أيضاً إلى جانب ذلك بعض المشاكل التي تواجه المنطقة، وتقترح مفاتيح الحل لبعض القضايا الكبرى كذلك.

ولسنا في حاجة للاستماع للسوريين دون غيرهم ومعرفة ما يدور في بلادهم فقط.. فعندما ذهبنا أيضاً إلى العراق المجاور وجدنا أن رئيس الوزراء المالكي يحاول الاستئثار بالسلطة، ويفاقم بذلك من مخاطر نشوب حرب أهلية داخلية، كما وجدنا غالبيات كبيرة تشعر بالقلق الشديد على مستقبل وطنها، وترفض التقسيم وتتطلع إلى حكومة قادرة على توفير الوظائف، وإنهاء الفساد، وتوفير الاستقرار.

وفي الوقت الذي يتطلع فيه العرب إلى معرفة موقف الولايات المتحدة منهم فإن واشنطن مطالبة، هي أيضاً، بضرورة الاستماع للرأي العام العربي بشكل أفضل مما تفعل حاليّاً. وعندما انتخب أوباما ارتفعت معدلات قبول الولايات المتحدة في العالم العربي بعد أن كانت قد انخفضت إلى مستويات قياسية أيام بوش، أما الآن بعد مرور ثلاث سنوات على تولي أوباما مقاليد السلطة، فقد أصبحت تلك المعدلات أقل مما كانت عليه في عام 2008، حيث لا يرى العرب الآن أي تغيير في الطريقة التي تتعامل بها أميركا مع القضايا التي يعتبرونها ذات أهمية مركزية لعلاقاتهم مع الغرب، وعلى وجه الخصوص القضية الفلسطينية وضرورة التوصل إلى حل لها يحقق للفلسطينيين حريتهم وكرامتهم.

وأجرينا كذلك استطلاعات رأي في بلدين من البلدان التي شهدت انتفاضات أسقطت حكوماتها وأتاحت الفرص للتغيير. وتوصلنا إلى أنه على هؤلاء الذين تم انتخابهم مؤخراً في تونس ومصر أن يهتموا بمواطنيهم ويستمعوا لما يقولون. وقد وجدنا أن الشاغل الأول في البلدين هو توفير الوظائف للعاطلين، وإن كان تعزيز الديموقراطية وحقوق المرأة، بندان يأتيان على رأس قائمة أولويات التونسيين السياسية خاصة.

ولا شك في أن الاستماع للرأي العام أمر في غاية الأهمية أيضاً بالنسبة للحكومات الأخرى في المنطقة. وأود أن أشير في هذا السياق إلى أن المسح الذي أجريناه لقادة الأعمال في منطقة الخليج قد بين أن من بين الموضوعات التي تشغل بال المسؤولين في تلك المنطقة، ذلك الخاص بإيجاد المزيد من الوظائف لدعم النمو الاقتصادي للقطاع الخاص بحيث يمكن للمشروعات الصغيرة أن تصبح هي قاطرة الوظائف.

ان الأصوات العربية تهم، وعلى وجه الخصوص بالنسبة للغرب الذي تجاهل المشاعر العربية لفترات طويلة. كما تهم أيضاً آراء الرأي العام داخل المنطقة عموماً. وكلما سارع القادة في الشرق والغرب لسماع أصوات الرأي العام، والاستجابة لها، تحقق التغيير على نحو أسرع وأنجع.

=================

حلفاء بشار: اقفزوا من سفينة غارقة!

علي حماده

2012-01-19

النهار

لم يعد السؤال هل يسقط النظام في سوريا؟ بل متى يسقط؟ فقد خرجت سوريا تقريبا عن سيطرة النظام، وتحولت ساحة مواجهة واسعة تمتد من درعا جنوبا الى ادلب شمالا ومن اللاذقية ساحلا الى البوكمال في الداخل. واتى خطاب بشار الاسد الاخير، الذي اعلن فيه صراحة انه ماض في خوض الحرب ضد الشعب، واصفا الثوار بعصابات مسلحة ورافضا الحياد في المعركة، على قاعدة ان من ليس مع النظام فهو ضده ليؤكد بدايات الانهيار. هذه الصورة التي رسمها بشار في خطابه الاخير مصدرها الواقع على الارض، ففي حين يعتبر النظام انه الاقوى عسكريا وامنيا ويدافع عن بقائه بإراقة المزيد من السوريين، خرجت البلاد عن سيطرته. وصار على بشار ان يقتل المئات اسبوعا بعد اسبوع لئلا يسقط. انه واقع احتلالي بامتياز. يذكر بجيوش الاحتلال في مراحلها الاخيرة عندما يسقط جدار الخوف مما يحول السيطرة استحالة دائمة، ويجعل السقوط حتمية.

في سوريا حالة احتلالية موصوفة. وبشار الاسد لا يملك ان يتجاهل هذا الواقع حتى لو كان مرا وصعبا للغاية. فهو يعيس يوميا لحظات سقوط "جمهورية حافظ الاسد" التي ورثها كمن يرث حقلا او بيدرا بأهله! سوريا 2011- 2012 ليست سوريا حافظ الاسد. انتهت هذه المهزلة، وانتهت هذه الكذبة الكبيرة التي يصدقها القابض على الزناد وحده، ويقبل بها الخاضع للمسدس الموجه الى رأسه. لذا يستحيل ان يحلم بشار وبطانته بسوريا يستمرون في حكمها، او بسوريا شبيهة بتلك التي اورثهم اياها حافظ الاسد. كانت سوريا تلك اشبه بالمقبرة المسكونة بالناس. واليوم خرج الشعب ليقول كلمته. بدأت الثورة سلمية، وستتحول مع ايغال النظام في القتل مواجهة مسلحة. وثمة من يعتقد ان الحرب الاهلية قادمة لا محالة بعدما ورط النظام قسماً من العلويين في القتل على قاعدة اقناعهم بأن اي تغيير سوف يؤدي الى اضطهادهم! وفي مطلق الاحوال إن الحرب الاهلية اذا ما قامت فعليا وفي شكل لا عودة منه، فإنها لن تكون في مصلحة من يسيرون في ركب بشار الاسد وبطانته. لقد انتهت تلك المرحلة، وعجلة التاريخ لا تعود الى الخلف. وقد صار بقاء النظام معلقا بموقف روسي لا بد ان يتغير في وقت من الاوقات. وحسب وزير الخارجية التركي احمد داوود اوغلو (خلال زيارته لبيروت قبل ايام) فإن المفاوضات مع موسكو قائمة على قدم وساق حول ملفات تتعدى ملف سوريا او ملفات المنطقة. كل ذلك مع تواتر انباء لم تتأكد تماما بعد تفيد ان الصين تتجه للعودة الى موقفها التقليدي القاضي بالامتناع عن التصويت في مجلس الامن في حال مناقشة قرار جديد حول سوريا. فهل تبقى روسيا وحدها مع بشار في مواجهة السوريين والعالم؟ اكثر من ذلك ثمة من يرى انه حالما يفرغ فلاديمير بوتين من معركته الرئاسية في الاسبوع الاول من آذار المقبل سيكون لموسكو موقف مختلف عما سبق بالنسبة الى الازمة السورية.

في مطلق الاحوال، المهم بالنسبة الينا في لبنان هو ألا يتوهم بعضنا ان بشار باق: انتهى الامر، فاقفزوا من السفينة... وبسرعة !

=================

وقف القتل في سوريا أمام انسداد الأفق .. إنشاء منطقة عازلة بداية حرب أهلية

اميل خوري

2012-01-19

النهار

السؤال الذي لا جواب عنه حتى الآن هو: كيف السبيل الى وقف القتل وإراقة الدماء في سوريا قبل ان يتحول اقتتالا داخليا قد تكون له مضاعفاته وتداعياته في المنطقة؟

لقد أرسلت جامعة الدول العربية بعثة مراقبين الى سوريا لتنفيذ البروتوكول الذي وقعته، وأهم ما فيه وقف أعمال العنف والإفراج عن المعتقلين السوريين. لكن هذه البعثة فشلت في أداء مهمتها، إذ استمرت بوجودها اعمال العنف ولم يتغير شيء في المشهد السوري سوى ان المراقبين باتوا في حاجة الى من يراقبهم ليتأكد من حسن أدائهم... وهذا ما دعا أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى اقتراح إرسال قوات عربية إلى سوريا لوقف أعمال العنف. لكن سوريا بادرت فوراً الى رفض هذا الاقتراح مستبقة قرار الجامعة العربية في شأنه وذلك بدعوى انها ليست في حاجة إليها وان وقف أعمال العنف يتم بحل سياسي وليس بحل عسكري، عدا أن لا أحد يستطيع ضمان سلامة هذه القوات حتى وإن كانت مهمتها غير قتالية. وهذا الموقف السوري يطرح اسئلة، منها:

1 – من هي الدول العربية المستعدة للمشاركة في هذه القوات بعدما رفضت سوريا وجودها داخل اراضيها.

2 – إن هذا الاقتراح اذا ما جرى البحث فيه في اجتماع المجلس الوزاري للجامعة، قد لا يحظى بموافقة الاكثرية لأسباب، منها: ان الظروف التي دعت في الماضي إلى إرسال قوة "ردع عربية" الى لبنان تختلف عن تلك التي تسود حاليا سوريا ودول المنطقة. فلبنان وافق على ارسال تلك القوة في اجتماع لقمة عربية عقدت في الرياض وسبق ارسالها اتفاق مع سوريا، المشارِكة الأكبر في تلك القوة، والتي ما لبثت ان اصبحت سورية خالصة، بعدما تأكدت سوريا أنها مكلّفة وقف الاقتتال في لبنان وإخراج المسلحين الفلسطينيين من أرضه إلى تونس بموافقة عربية ودولية وتحديداً أميركية وعدم ممانعة اسرائيلية. فما هو إذاً الحل الذي يوقف اعمال العنف في سوريا اذا ظل الحل العربي غير فاعل والحل الدولي غير مقبول؟

في معلومات لمصادر ديبلوماسية، أن ثمة اقتراحات تُبحث بين الدول المعنية، بعضها يقضي بأن يتبنى مجلس الامن المبادرة العربية ويضع الآلية الملائمة لتنفيذ بنودها. أو أن يتم تأليف قوة متعددة الجنسية تشاركه فيها تركيا وايران وروسيا لتصبح مقبولة سورياً. أو أن يتم تكليف إيران وتركيا وروسيا تنفيذ المبادرة العربية أو أي مبادرة أخرى ترتئيها هذه الدول بموافقة مجلس الأمن أو بموافقة الدول المعنية فقط إذا لم يتم التوصل في مجلس الأمن الى اتفاق على قرار يلزم سوريا تنفيذه.

أوساط سياسية متابعة تعتقد انه اذا لم يتم التوصل الى حل بوقف اعمال القتل، فإن سوريا ومن معها ستواجه احد خيارين: إما حرب أهلية قد تمتد إلى خارج حدودها فتشعل المنطقة وتعرّضها للتفكيك والتقسيم وهذا ما تتوق اليه اسرائيل، وإما القبول بحل من الحلول المقترحة لتفادي اندلاع هذه الحرب، خصوصا أن الاجواء السورية باتت مهيأة لحرب أهلية بعد تشكيل مجلس عسكري أعلى للجيش السوري الحر. وهذا المجلس الموجود داخل الاراضي التركية، سوف يعمل بدعم تركي وعربي ودولي على اتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من أفراد الجيش السوري للانشقاق عنه، بغية الاسراع في انهاء المعاناة في سوريا بتغيير النظام، خصوصا إذا ما قام الجيش السوري الحر بعد أن يكون قد ازداد عددا وعدة وبالتنسيق والتعاون مع كل مكونات المعارضة السورية في الداخل والخارج وبدعم عربي ودولي ولاسيما تركي، بإنشاء منطقة عازلة داخل الحدود السورية تكون أشبه بالمنطقة العازلة التي أقامها الثوار الليبيون انطلاقاً من بنغازي. ومن المنطقة العازلة يصير في الامكان التحرك وتلقّي كل انواع الدعم والمساعدات. إلا أن نجاح هذه الخطوة في رأي الأوساط نفسها يتطلب وقوف روسيا والصين أقله على الحياد، وإلا فإن ذلك قد يؤدي الى إشعال حريق يلهب المنطقة بما فيها منابع النفط، ولا تكون سوريا وحدها هي عود الثقاب بل ايران ايضا التي تهدد بإقفال مضيق هرمز إذا ما مضت الدول الغربية في تطبيق العقوبات النفطية والمصرفية عليها. هذه الحرب إذا ما اندلعت فقد لا تنتهي الا بتسوية او صفقة يتم بموجبها تقاسم مناطق النفوذ بين شرق وشرق وغرب وغرب.

=================

الأزمة السورية تتفاقم بدون حل

نصوح المجالي

الرأي الاردنية

19-1-2012

الأزمة في سوريا لا تراوح مكانها ولكنها تتفاقم والهوة تزداد بين القوى السياسية المعارضة وبين النظام الحاكم, المعارضة تتجه لجلب العون من الخارج والنظام السياسي يكثف عمليات القمع المسلح في الداخل, ويطرح قوانين ومشاريع للاصلاح من جانب واحد تضيع في صخب الشارع, للمعارضة مؤيديها وللنظام مؤيديه وبين الطرفين روايات متناقضة توظف لخدمة هذا الطرف او ذاك..

شيء واحد لا يمكن اخفاؤه ان سوريا تسير نحو الانقسام من الداخل, وانها تتراجع اقتصادياً بسرعة وان أحد عشر شهراً من ثورة الشارع السوري لم تثبت سوى ان النظام السياسي بجيشه واجهزته الامنية المتعددة كان حتى الان اقوى من انتفاضة الشعب السوري, فلم تفتر عزيمة الجيش السوري في مطاردة معارضي النظام والمحتجين في جميع المحافظات السورية, ولم يتوقف نزيف الدم ومواكب الضحايا ولم تتراجع السلطات السورية عن روايتها الاساسية بأن ما يحدث بفعل عصابات تسللت الى سوريا في اطار مخطط سياسي خارجي يستهدف دور سوريا في الممانعة وغاب عن هذه الرواية ان الشعب السوري المحتج ايضاً شعب ممانع ومقاوم للصهيونية, وليس الجيش والنظام وحسب, وان موضوع الخلاف الحالي هو ممانعة النظام الحاكم إحداث تغيير في اسلوب وآليات الحكم يعطي اغلبية الشعب السوري دوراً في المشاركة في الحكم, ومساحة اكبر من الحريات وتعددية حقيقية تسمح بتداول السلطة بدل توارثها, هذه الممانعة هي اساس الازمة وليس الاختلاف على كيفية مواجهة اسرائيل او قوى الاستعمار.

المؤسف أن القوى التي تعول عليها المعارضة في الخارج تزيد الازمة السورية تعقيداً ولا تساهم في الحل, فالقوى الخارجية تراهن على فريق دون فريق ولا تسعى الى ايجاد حلول توافقية بين اطراف النزاع من خلال اصلاح سياسي حقيقي في الساحة السورية, كما أن تصفية الخصوم ما زالت الحل الامثل بالنسبة لاجهزة الامن السورية.

فتركيا لعبت دوراً سياسياً ودعائياً في الازمة وتبنت دعم المعارضة لكن دورها الحقيقي يبقى محدوداً ومعلقاً ما دام دور مجلس الامن وحلف الاطلسي غير مفعل, كان يمكن أن تخدم تركيا سوريا أكثر لو دخلت بجدية على خط المصالحة الوطنية السورية والاصلاح السياسي الداخلي, والجامعة العربية كانت اعمى في زفة، توهمت ان دخول الساحة السورية بمراقبين عرب، يخفف الحملة العسكرية على المتظاهرين، ويوفر فرصة للتفاهم لكن الجامعة العربية دخلت سوريا بدون خطة سياسية، وبدون فريق مراقبة محترف، وبدون تجهيزات تساعد على احكام الرقابة، إلا أن الرقابة لم تخفف من حدة العنف في الساحة السورية، وانطلي عليها الكثير من دهاء النظام في اخفاء سطوته، وإلقاء اللوم على الطرف الاخر، ولهذا تباينت تصريحات بعثة الرقابة، بين متعاطف مع النظام، ومدين له، مما افقد البعثة العربية مصداقيتها وفاعليتها، لدى المحتجين في الشارع السوري.

فالجامعة العربية، في شكلها الراهن، تمثل حصيلة ضعفنا العربي، على مدى عشرات السنين، وجماع عدم جديتنا والتزامنا بالقضايا القومية الجامعة، واخطر ما قد يرشح عنها ان تتحول كما رشح من بعض التصريحات الى قوة تدخل عربي في سوريا، وهو امر غير عملي وغير واقعي، يفتح الباب لصراع عربي عربي على نطاق واسع، وينقل الانقسام من الساحة السورية، الى الساحة العربية، مثل هذا الاقتراح، تسجيل موقف في حالة يأس، وليس نتاج حكمة.

اما الطرف الدولي ممثلا بمجلس الامن اميركا وروسيا ودول الغرب فالاوضاع الدولية لا تسمح بمغامرات عسكرية في المنطقة، تفتح ابواب الصراع الاقليمي في المنطقة، على اوسع نطاق كما أن الادارة الاميركية، معطلة عن اتخاذ اي قرار يتضمن مغامرة في عام الانتخابات، واوروبا غارقة في عملية ترميم اوضاعها الاقتصادية، وروسيا اتخذت موقفا الى جانب النظام السوري، رغم محاولات تعديل موقفها لجهة رفض استمرار العنف، وادانة انتهاك حقوق الانسان وتوجيه اللوم للطرفين وفي ذلك رياء مكشوف فيما حدث في سوريا، نسخة مخففة، لما اقترفته القوات الروسية في جورجيا والشيشان، حيث لم يراعي اي قانون دولي او إنساني.

الازمة السورية قد تمتد طوال عام 2012، وتشهد تداعيات كثيرة، والحسم فيها رهن، بمراجعة حقيقية من قبل النظام السوري نفسه او مغامرة خارجية تدعم المعارضة قد تغيّر النظام وتدمر سوريا، وتخلط الاوراق، والصراعات في المنطقة، وقد تنتهي الى غير ما توخاه من تبنوا هذا الخيار، والأيام كاشفة.

=================

سورية: الثورة من تحت!

أمجد ناصر

2012-01-18

القدس العربي

يفاجأ المرء، اليوم، بعدد المؤلفات التي وضعها باحثون أجانب عن سورية، خصوصاً تلك المتعلقة بحقبة حزب 'البعث' المديدة (1963 2012!). ولمن هو ليس أكاديمياً مثلي ولا متخصّصاً ب 'الشأن السوري' فإن حجم المفاجأة مدهش قياساً بفقر المكتبة العربية لمؤلفات تتناول هذه الفترة الحاسمة من التاريخ العربي الحديث، ولولا إطلالات الناقد والباحث صبحي حديدي (الذي ينوِّع في كتاباته ببراعة بين الأدبي والسياسي) على ما يكتبه الأكاديميون والصحافيون الأجانب (الأمريكيون تحديداً) وتنقيباته في اطروحاتهم لما وقفت، شخصياً، على مدى الاهتمام الذي توليه الدوائر الأكاديمية والبحثية الغربية للشأن السوري. المذهل في أمر هذه المؤلفات المكتوبة عن سورية ليست هي، بحد ذاتها، ولكن، أيضاً، متواليات مراجعها المعنية بالبلد، كأننا، والحال، أمام كتب تتناسل من كتب وهكذا دواليك.

لم تكن سورية حدثاً عارضاً في الحياة العربية. ليست مكاناً طَرفياً لا يقدِّم ولا يؤخر في مصائرنا. لقد كانت، دائماً، مركزاً، أو طرفاً رئيسياً، في الحياة العامة للمشرق قبل العرب والإسلام وأثناءهما وبعد توطّدهما فيها وما طرأ عليهما من تحولات. لسورية مكانة لا يمكن تجاهلها في شؤون الحرب والسلم، الثقافة والفنون، التجارة والمبادرات الاجتماعية. وقد ظلت، بصرف النظر عن النظام الحاكم فيها، محجَّاً لأناس البلدان المحيطة بها ونقطة عبور يصعب تفاديها لحركة الناس والأفكار والسلع. وإذا كان التاريخ هو الذي يصعد بأمكنة ويهبط بأخرى فإن الجغرافيا، على حد قول الباحث الاسكتلندي رايموند هينبوش، هي التي كتبت قدر سورية التاريخي. ولكن ليست الجغرافيا الطبيعية فقط بل الجغرافيا البشرية كذلك، وليس خافياً التأثير المتبادل بين الاثنتين والجدل القائم بينهما وهو ما يسميه جمال حمدان 'عبقرية المكان'.

هذه الأهمية الفائقة للمكان السوري نعرفها. فمثلما في كلِّ عربيٍّ شيءٌ مصريٌّ قادمٌ من الثقافة والفنون وبعض السياسة (في زمنها الناصري) فإنَّ في كلِّ عربيٍّ مشرقيٍّ شيءٌ سوريٌّ أيضاً، سواء تعلَّق بالأصل والنسب والجغرافيا التي تقطَّعت أوصالاً، أم تعلَّق بالأثر الثقافي والفني. ولكن معرفتنا ب 'المؤثر السوري' لم تترجم مؤلفات ودراسات كما فعل الغربيون. الفارق بيننا وبين الغربيين، على هذا الصعيد، هو حرية البحث. قد تكون هناك دوافع غير علمية في هذا المسعى (وهي موجودة من دون شك) ولكنها تظل تحتكم الى معايير نفتقدها. لست، هنا، في وارد نفي وجود دراسات وأبحاث عربية تتناول أزمنةً سوريةً معاصرة. مثل هذه الدراسات موجود بالتأكيد ولكن الميل الى التسّييس عندنا قد يغلب على الطابع العلمي ما يجعلها تتراوح بين حديِّ المدح والقدح، التطبيل للنظام أو التشنيع عليه.

' ' '

أعترف أني لم أكن أعرف شيئاً عن 'المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتجية' في واشنطن. وقد لا يكون هذا المركز معروفاً لكثيرين غيري. لكن تطوراً غير متوقع، البتة، حدث في مدينة درعا السورية الجنوبية في الخامس عشر من شهر آذار (مارس) الماضي دفع بالشأن السوري الى صدارة الاهتمام العربي والعالمي وأدرج سورية في سياق رياح التغيير التي تهبُّ على العالم العربي رغم استبعاد رئيسها لأمر كهذا واعتباره في عداد المستحيل. وسوف يسجِّل التاريخ، على الأغلب، أنَّ الفتيةً الذين 'شخبطوا' بضع كلمات على جدران المدينة التي يعتبرها النظام 'خزاناً بشرياً' لحزب 'البعث' قد كتبوا، من دون أن يدروا، فصلاً جديداً في تاريخ بلادهم والمنطقة. ما حصل لأولئك الفتية بات معروفاً. وما جرى بعد ذلك نراه، يومياً، يرشح دماً من شاشات التلفزة.

لكن عدم معرفتي بمركز الدراسات السوري المذكور لا يعني أنه لم يكن موجوداً، أو نشطاً في بحثه ونشره لدراسات تتعلق بسورية. عدم المعرفة، أو حتى الاهتمام، من قبل كثيرين تهمهم أحوال سورية نابع من يأس بإمكانية التغيير في ذلك البلد. فبعد تحوّل 'ربيع دمشق' (لاحظوا أنه سبق 'الربيع العربي' بخمس سنين على الأقل) الى خريف سريع وكئيب وتمكَّن النظام السوري من اجتياز 'عنق الزجاجة'، كما كان دأبه في أحوالٍ ومقاماتٍ سابقة، رسَّخ اليأس في قلوب أشدّ المعّتدين بتفاؤل الإرادة. تشاؤم العقل طغى على تفاؤل الإرادة. وهذا النظام الذي كُتِبَ له أن ينجو من أعاصير الداخل والخارج سينجو مرة أخرى.. ولكن إلى حين. هذا ما حدث في سورية حتى اللحظة التي خطَّ فيها بضعة فتيان شعار 'الربيع العربي' الشهير على جدران شوارع المدينة الجنوبية 'البعثية': الشعب يريد إسقاط النظام!

تلك هي اللحظة الفارقة في عمر النظام البعثي في سورية. وبعدها راح كلّ شيء سوريٍّ يطفو على السطح. طفقت أسماء القرى والبلدات التي لم يسمع بمعظمها غير السوريين تكرُّ. بدأت وجوه معلومة ومجهولة تظهر على الشاشات. أخذت نعوت وأوصاف تتدحرج. ظهرت قوى وأحزاب من جوف اليأس والنسيان، ولفِّقت أخرى على عجل. كلُّ أمر سوريٍّ مجهول أو ميؤوسٍ منه أو متوارٍ في الظلال البعيدة راح يتظهَّر ويكتسب قيمة. وكان من بين ذلك 'المركز السوري للدراسات السياسية' في واشنطن الذي يترأسه وجه بات، اليوم، معروفاً هو الدكتور رضوان زيادة.. والذي تلقَّفت نتاجاته دار رياض الريّس للنشر في بيروت. مجموعة من الكتب البحثية الرصينة راحت تصدر، تباعاً، عن دار الريّس كأنها كانت في قمقم. كأنها كانت موجودة على الرَّف وما إن جاء وقتها حتى ظهرت إلى العلن. آخرهذه المؤلفات كتاب الباحث الاسكتلندي المختص بالشؤون السورية رايموند هينبوش 'سورية: ثورة من فوق' الذي نقله الى العربية الكاتب والمعارض السوري حازم نهار.

' ' '

يتقاطع كتاب هينبوش مع كتب أخرى تناولتها في هذه الزاوية: صعود حزب 'البعث' إلى السلطة في سورية وتمكّنه من إدامة وجوده على نحو مديد ومحيّر، في آن، في بلد كان يوصف بأنّه مرجل اضطرابات سياسية. بهذا يتلاقى مع كتاب الباحث ستيفن هايدمان 'التسلطية في سورية'. كما أنه يتقاطع، من زاوية بحثه في أدوات التسلّط وشعاراته، مع كتاب الباحثة ليزا وادين عن الخطاب والرموز في البلد نفسه. بيت القصيد في كتاب هينبوش أنَّ حزب 'البعث' أحدث في سورية ثورة من فوق على عكس ثورات تقوم بها الجماهير الشعبية وتقودها أحزاب سياسية نحو أهداف محددة (ثورة أكتوبر البلشفية في روسيا مثلا). لكن هذه الثورة التي جاءت 'من فوق' لم تكن منقطعة الجذور على الصعيد الشعبي، فقد تمكن حزب 'البعث' (السوري تحديداً) من صنع قاعدة اجتماعية مكونة، أساساً، من الفلاحين الناقمين على سلطة الاقطاع التي لم تستطع حكومة الوحدة (بين مصر وسورية) من وضع حد لها. لم يكن الفلاحون هم جمهور 'البعث' فقط بل انضمت اليه الأقليات الدينية كذلك. ففي سلطة تقوم على شعار القومية العربية، العابر للمحليّة وموازينها العددية، يمكن للدروز والعلويين والاسماعليين والمسيحيين أن يروا أنفسهم في المرآة، وأن يشكلوا لهم هوية بعيدة عن معيار الأكثرية والأقلية المذهبية أو الدينية. بالقومية تتساوى الأقليات الدينية والمذهبية العربية بالأكثرية العربية. تجد الأقلية والأكثرية قاسماً مشتركاً وجسراً لعبور معادلة العدد وما يترتب عليها من غلبة. لكن حكم 'البعث' لم يستند الى حزب فقط بل هو، إلى ذلك، قوات مسلحة وأجهزة أمنية (أخطبوطية) ومنظمات نقابية ومهنية استطاعت أن تخترق شرائح واسعة من الطبقة الوسطى وتحولها، مع الفلاحين والعمال، إلى قاعدة اجتماعية للنظام. تلك هي أدوات التحكّم في ما يسميه هينبوش 'الفاشستية الشعبية' التي تصنع قاعدة اجتماعية عريضة وتمارس، بالتالي، تحكّمها بهذه القاعدة.

مرَّ حكم 'البعث' في سورية بمراحل مختلفة لكن الأسس الأولى ظلت تمدُّ النظام بعناصر الاستمرار التي حيَّرت الباحثين. ففيما انهارت أنظمة عديدة تشبه النظام السوري في أوروبا الشرقية والعالم الثالث استمر نظام 'البعث' في حكم بلد 'نمرود' في طبعه واجتاز عاصفة إثر أخرى.. حتى جاء يوم فتيان درعا الموعود الذي قد يكون فارقاً في الرزنامة السورية. محطات عدة يتوقف أمامها هينبوش في عهدي الأسدين لكن يمكن اختصار تقييمه لعهد بشار، أو برنامجه 'الإصلاحي'، بأنه محاولة ل 'عصرنة الاستبداد'، أي تحسين عمل النظام بحيث يمكنه البقاء والاستمرار وتوليد التنمية الاقتصادية اللازمة لضمان قاعدته.

هذا المشروع فشل كما نلاحظ الآن. فالاستبداد لا يمكن تحسينه لأنه يظل، مهما أجريت له من عمليات تجميل وترقيع، استبداداً. ثم ان 'إصلاحات' بشار الاقتصادية، على عكس مراحل 'البعث' السابقة، قلَّصت القاعدة الاجتماعية للنظام وصبَّ مردودها في جيوب بضعة منتفعين من العائلة أو من حلفائها.

وها هي الثورة تأتي، هذه المرة، من تحت. على عكس 'ثورة' البعث في العام 1963 التي جاءت 'من فوق'. هذه الثورة تحدث، تحديداً، في القاعدة الاجتماعية للنظام 'الاشتراكي': الأرياف والبوادي والبلدات وهوامش المدن الكبرى.. ولا شيء يحول دون انتفاض المدن الكبرى (حلب، قلب دمشق) سوى هدير الدبابات وقطعان الشبّيحة.

=================

سورية: من سيتعب اولا؟

رأي القدس

2012-01-18

القدس العربي

ان يصمد الشعب السوري، او قطاع عريض منه على وجه الخصوص، لاكثر من تسعة اشهر في مواجهة آلة عسكرية وامنية جبارة، فهذا اعجاز كبير بكل المقاييس، اذا وضعنا في اعتبارنا ان الانتفاضات العربية المماثلة المطالبة بالتغيير الديمقراطي لم تدم الا ستة اسابيع في الحالة التونسية، وعشرين يوما في الحالة المصرية، وربما جاءت الانتفاضة اليمنية استثناء.

رهان النظام السوري كان منصبا دائما على احتمال اساسي وهو ان يتعب الشعب، وان يتسلل اليأس الى نفوس النشطاء منه الذين يتظاهرون ويحتجون بصفة شبه يومية، ولكن هذا الشعب بصموده كل هذه الاشهر، اثبت خطأ هذا الرهان، وعدم معرفة من يتبنونه بمعدن هذا الشعب، وعناده المحق للحصول على حقوقه المشروعة كاملة.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن، وبقوة هو متى ستتعب الآلة الامنية للنظام من عمليات القتل والمواجهات الدموية، فلا شك انها تتعرض لضغوط كبيرة من الداخل والخارج، وهي لا تستطيع ان تظل في حالة طوارئ واستنفار مستمرة طوال الوقت. فهي تتكبد ايضا خسائر مادية وبشرية، واعداد القتلى في صفوفها في تزايد مستمر، سواء اولئك الذين يقتلون على ايدي الجيش السوري الحر وهجماته، او بعض الجماعات المسلحة التي لجأت الى السلاح تحت عنوان الدفاع عن النفس.

الناشط السوري ميشيل كيلو ابدى تحفظا مفاجئا على التوجه الحالي لعسكرة الانتفاضة السورية في حديثه لمطبوعة فرنسية نشرته امس، ولم يتفق مع الجيش السوري الحر في هجماته على القوات السورية، لخوفه من تطور الامور نحو حرب اهلية لا يعرف احد النهاية التي ستؤدي اليها. وهذه المخاوف تستحق التوقف عندها، لان عسكرة الانتفاضة تخدم النظام اكثر مما تخدم معارضيه، مضافا الى ذلك ان الضحايا هم سوريون اولا واخيرا.

لا احد يستطيع ان يتنبأ بما يمكن ان تتطور اليه الامور، لكن ما يمكن الجزم به ان الشعب السوري بشقيه المؤيد للنظام او المعارض له، كل لاسبابه، سيواجه اياما صعبا للغاية، فالحصار بدأ يعطي ثماره المرة، وقيمة الليرة السورية انخفضت الى اكثر من النصف، والاسعار في ارتفاع جنوني، والاسواق باتت شبه خالية من المتسوقين.

حالة العناد ما زالت الطابع الرئيسي للنظام، العناد في الاستمرار في الحلول الامنية، مقابل شعب لا يريد ان يتراجع بعد ان قدم اكثر من خمسة آلاف شهيد وعشرات الآلاف من الجرحى.

الازمة في سورية نحو تصعيد مكلف للغاية، والتدخل العسكري الاجنبي الذي تطالب به بعض فصائل المعارضة وشخصياتها ما زال بعيدا لان حلف الناتو لا يملك خططا للتدخل حتى الآن على الاقل، كما ان النظام ما زال يحظى بدعم داخلي من فئات ترى فيه حماية لها، وعامل استقرار، ودعم خارجي من روسيا التي تبعث بالاسلحة لدعمه واطالة عمر صموده. انها محنة ربما تطول للاسف والشعب السوري الطيب الوطني يدفع الثمن غاليا في الحالين.

=================

انتقام ايراني وشيك؟

عبد الباري عطوان

2012-01-18

القدس العربي

اسرائيل ستضرب ايران.. لا.. اسرائيل ما زالت بعيدة عن ضرب ايران.. رئيس هيئة اركان الجيوش الامريكية موجود في تل ابيب لمنع قيادتها من ضرب ايران.. اوباما يحذر نتنياهو من عدم التنسيق مع بلاده قبل ارسال الطائرات لضرب ايران.. كل هذه العناوين وغيرها سيطرت على صدر الصفحات الاولى طوال الاشهر الماضية.

فلتتجرأ اسرائيل وتنفذ تهديداتها المسعورة هذه وتضرب ايران، وتدمر منشآتها النووية التي تعتبرها خطرا عليها، فمن هي اسرائيل هذه حتى تقدم على هذه المقامرة، هل هي القوة الاعظم في العالم؟ وهل تدرك جيدا ماذا سيلحق بها؟

اسرائيل فشلت فشلا ذريعا في هزيمة حزب الله في جنوب لبنان عام 2006، وتحولت دباباتها الى اكوام من الخردة في القرى والمدن اللبنانية، وغرقت سفنها الحربية في عرض البحر امام السواحل اللبنانية، ولم تعد اليها منذ ذلك التاريخ خوفا.

اسرائيل قوية لان العرب ضعفاء، او بالأحرى بعض العرب، الذين لم يحركوا ساكنا عندما ارسلت قواتها الى قطاع غزة لقتل الابرياء بالفوسفور الابيض والصواريخ من البحر والبر والجو، وها هي تواصل هجماتها على القطاع بصفة يومية، وتقتل من تشاء من الشرفاء دون ان يحرك مجلس الجامعة العربية ووزراء خارجيتها ساكنا، وكأن هؤلاء الذين يقتلون برصاص الاسرائيليين ليسوا بشرا.

نتوقع ان تستمر هذه التهديدات الاسرائيلية الجوفاء ضد ايران لأسابيع، وربما لأشهر قادمة، ولكننا لن نستغرب اذا ما جاءت الضربة لاسرائيل من ايران نفسها، انتقاما لاغتيال علمائها النوويين على ايدي عملاء جهاز الاستخبارات الاسرائيلي 'الموساد'.

ايران تواجه مؤامرة خارجية فعلا لا قولا، تحاول خنقها اقتصاديا كمقدمة لتغيير نظامها السياسي، فالحظر على صادراتها النفطية بات وشيكا، والتعاملات مع مصرفها المركزي توقفت، والعملة الرسمية (الريال) تتهاوى، واسعار السلع والمواد الاساسية ترتفع.

' ' '

فإذا نجحت المخططات الامريكية الاوروبية في فرض الحظر النفطي، ومنع ايران من تصدير نفطها الى الراغبين في شرائه، وبادرت المملكة العربية السعودية الى زيادة انتاجها في حدود مليوني برميل يوميا لتعويضه، مثلما عوضت كميات النفط العراقية والليبية سابقا، فلماذا لا تتحرش ايران بسفن اعدائها، الحربية منها او النفطية، او تغلق مضيق هرمز، وتهدم المعبد على رؤوس الجميع دون استثناء؟

اغتيال علماء نوويين وسط طهران هو انتهاك للسيادة الوطنية، وهز لهيبة الدولة الامنية، ومثل هذا العمل الاستفزازي يحتم الرد بالقدر نفسه، ولذلك لم يفاجئنا السيد علي لاريجاني بالقول بأن الانتقام وشيك، فالدول المحترمة التي تعتز بكرامتها الوطنية من المفترض ان لا تسكت على مثل هذا الاستفزاز.

صحيح ان اغتيال اربعة علماء لا يمكن ان يوقف البرامج النووية الايرانية، فهناك المئات من هؤلاء، ولكن صمت النظام، وابتلاعه هذه الاهانة، قبل شهرين من انتخابات برلمانية حاسمة، ربما يكون مكلفا له، ولذلك ربما يكون الانتقام هو الخطوة الاقصر لرفع الروح المعنوية لأنصاره ومريديه.

السيدة هيلاري كلينتون سارعت للتنصل، وبسرعة، من اي دور لبلادها في عملية اغتيال العلماء الايرانيين، وادانت هذا 'العمل الارهابي'، واعتبرته غير حضاري، وفعلت ذلك لتجنب اي انتقام ايراني اولا، ولحصر المسؤولية في اسرائيل واجهزتها الامنية ثانيا.

الادارة الامريكية تعرف جيدا ان ايران ليست سورية، تبتلع الاهانات الاسرائيلية، وتقول انها سترد في الوقت والمكان الملائمين، ولا ترد مطلقا، فقد اكتوت من الردود الايرانية في السابق، ويكفي نجاح ايران في توريطها في هزيمة نكراء في العراق، وافشال كل مخططاتها في هذا البلد العربي، حيث ضربت عصفورين بحجر واحد، عندما استدرجت امريكا من خلال عملائها، مثل الدكتور احمد الجلبي، الى المستنقع العراقي لتخليصها من عدوها الاكبر الذي حاربها ثماني سنوات متواصلة برجولة وشجاعة، فاقت كل التصورات، والمقصود هنا الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ونظامه وجيشه، الذي خاض هذه الحرب بكل طوائفه واديانه واعراقه. ثم بعد ذلك تحوله، اي العراق،، بحرية مفتوحة لنفوذها من خلال حكم انصارها.

' ' '

لا يستبعد بعض المراقبين ان تكون ايران هي التي تقف خلف تفجير طائرة بان اميركان فوق لوكربي الاسكتلندية، ثأرا لتفجير طائرة ركابها بصواريخ امريكية فوق مياه الخليج في الثمانينات، ولا نستغرب نحن ايضا ان يكون تفجير السفارة الاسرائيلية في بوينس ايريس هو من تنفيذ حلفائها ايضا، فالفلسطينيون تخلوا عن 'الارهاب'، ووضعوا كل بيضهم في سلة المفاوضات املا في الوصول الى وطن هزيل مسخ، فاقد للسيادة والكرامة، وحتى هذا لم يحصلوا عليه بعد ان تنازلوا عن ثمانين في المئة من وطنهم فلسطين.

عندما التقيت السيد عبد الباسط المقرحي المتهم بتفجير لوكربي والمحكوم بالسجن المؤيد، قبل اشهر معدودة من الافراج عنه، بكى بحرقة وهو يقسم لي صادقا بأنه لم يقدم على هذا العمل مطلقا، وانما جرى توريطه فيه، والحكومة الامريكية اختارت الصاق التهمة بليبيا لأنها الاضعف، لان التورط في حرب مع ايران مكلف للغاية، وهذا ما يفسر اختيارها، وفرنسا وبريطانيا الى جانبها في حلف الناتو، للتدخل عسكريا في ليبيا لاحقا بسبب نفطها اولا، وضعف جيشها ثانيا، وتدمير اسلحة الدمار الشامل في حوزتها ثالثا، وضمان وجود مئتي مليار دولار من ودائعها في البنوك الغربية رابعا.

التحرش الاسرائيلي بإيران قد يستدعي اعمالا انتقامية، فهناك مصالح اسرائيلية عديدة في العالم يمكن ان تكون هدفا انتقاميا مشروعا من وجهة النظر الايرانية، الأمر الذي يعني اننا امام حرب اغتيالات وشيكة، اذا ما قررت ايران قرن اقوالها بالافعال، وهذا جائز ومتوقع مثلما علمتنا التجارب الماضية.

نفهم ان تقلق امريكا واسرائيل من البرامج النووية والقوة العسكرية الايرانية المتصاعدة التي تهدد الهيمنة الامريكية على المنطقة ونفطها اولا، والتفوق الاسرائيلي الاستراتيجي العسكري ثانيا، ولكن ما لا نفهمه هو حالة الهلع العربي الراهنة، واستعداد بعض العرب لاستعداء ايران والوقوف في الخندق الامريكي المقابل.

العرب يملكون المال والعقول والعلاقات الدولية، فلماذا يخشون من حدوث سباق نووي في المنطقة اذا امتلكت ايران الاسلحة النووية، ولماذا لا نجاريها في الميدان نفسه وبالقوة والتصميم نفسيهما؟

العيب ليس في ايران وقوتها، ولا في اسرائيل واستفزازاتها واحتقارها لنا، وانما العيب فينا كعرب، ولهذا يجب ان تتضاعف ثورات الربيع العربي لتغيير هذا الواقع المريض والعفن.

=================

قوات ردع عربية الى سورية... لمَ لا؟

الخميس, 19 يناير 2012

عبدالوهاب بدرخان *

الحياة

ما الذي أطلق فجأة فكرة ارسال قوات عربية الى سورية لوقف القتل وإراقة الدماء؟ انه بلا شك الخطاب الرابع للرئيس السوري، بما تضمنه من ترجيح فجّ للاتجاه الى الحرب الأهلية. فهذا المنطق يقود الى ذاك المنطق، اذ إن حال انفراد النظام بآلة العنف تعني أنه لن يتردد في ارتكاب أكبر المجازر وأكثرها فظاعة ل «استعادة الاستقرار» التي أعطاها أولوية.

اذا كان لهذه الفكرة أن تتحقق فلا ريب أنها ستتطلب قراراً عربياً شجاعاً واستثنائياً. ولا أحد يتوقع أن يكون قراراً سهل المنال. سيكون هناك من يحذّر من «اللبننة» أو «العرقنة» أو من التجربة الليبية، غير أن التذرع بهذه السوابق لتبرير التهاون وعدم التحرك ليس خياراً بل تهرباً من المسؤولية. فالعرب أمام وضع غير مسبوق ويفترض ردود فعل غيرمسبوقة، أو سيكون عليهم أن يقولوا علناً إنهم في هذه اللحظة التاريخية يميّزون فعلاً بين شعب عربي وشعب عربي آخر، وإنهم وجدوا بالأمس أسباباً للانحياز الى شعب ليبيا ويجدون اليوم أسباباً للتقاعس في مساعدة شعب سورية رغم أنه يواجه ارهاب الدولة نفسه إن لم يكن أعتى.

صحيح أن سورية لا تتعرض حالياً لغزو خارجي يستوجب نصرتها لكن وقائع القتل اليومي باتت تنمّ عن تعرض الشعب لعدوانية بشعة لا تنفك تستشرس من دون ضوابط أو رحمة. فلنتذكر الأخبار عن «حصارات التجويع» وقطع الماء والكهرباء، وعن قصف المدن والبلدات واغلاقها، وعن منع مرور الأغذية والأدوية، وعن اطلاق النار على المسعفين والغائثين واقتحام المستشفيات وخطف الجرحى أو تصفيتهم، وأخيراً عن منع دخول «قافلة الحرية» واضطرار المراقبين العرب الى التفاوض على تمرير الخبز هنا وهناك... هذا يحدث في سورية وليس في غزة أو جنين، وفي ظل النظام الحاكم لا تحت الاحتلال الاسرائيلي.

سيكون على الاجتماع الوزاري العربي المقبل أن يبتّ مصير مهمة المراقبين التي فقدت فاعليتها منذ أول رصاصة انطلقت فوق رؤوسهم، لكن عليه خصوصاً أن يبتّ مصير المبادرة العربية، فهذه اللحظة المؤجلة أزفت أخيراً، وها هي الحاجة تمسّ الى بدائل.

قبل أيام كان لا يزال هناك نظرياً بديل هو احالة المبادرة نفسها الى مجلس الأمن ليتبناها، وكان يقال إن هذا التحرك س «يحرج» دولتَي الفيتو روسيا والصين. لكن هذا البديل سقط، اذ لم يعد النظام في سورية مبالياً بما يتضمنه التقرير الثاني وربما الأخير للمراقبين ولا معنياً بالدور العربي، بدليل هجوم الرئيس السوري على الجامعة و «مستعربيها».

أصبح النظام معنياً أكثر بما يراه من «أقلمة» و «تدويل» محتملين يضعان سورية وايران وروسيا في مواجهة «المؤامرة» نفسها، ويأمل في أن يساعداه على النفاذ من مأزقه، فهذا ما تمناه دائماً وهذا ما يعتقد أنه يتقنه، لذا رأى أن يفوّت فرصة الخطاب العقلاني لمصلحة خطاب التحدي ليكون أكثر انسجاماً مع فورة الاستياء الروسية في مجلس الأمن ومع استعراضات القوة الايرانية.

وقبيل الخطاب كانت مواقف عدة شجعت على «حوار» بين النظام والمعارضة، بما فيها ذاك الذي أعلنه بابا الفاتيكان وعواصم عدة غير معجبة بالنظام ولا بممارساته. لذا علا سقف التوقعات من بشّار الأسد، ثم هوى الى الحضيض بعدما تكلّم، فحتى وزير الخارجية الفرنسي بدا متفاجئاً ب «خيبة الأمل»، ربما لأنه انتظر مثل آخرين كلاماً عقلانياً ورزيناً يصلح تمهيداً ل «الحوار»، فهذا ما يفترض سماعه من أي رئيس يريد ملاقاة شعبه. كانوا جميعاً واهمين، وكان الأسد كمن يقول لهم «أنتم لم تعرفوني بعد». الوحيدون الذين يعرفونه جيداً هم الذين يتظاهرون ضدّه ويتلقّون طلقات عناصر أمنه و «شبيحته» ولا ينتظرون سوى اللحظة التي يعلن فيها تنحيه أو رحيله.

أراد الرئيس السوري أن يبلغ من يهمه الأمر في المجتمع الدولي - أو أطراف «المؤامرة» كما يعتقد - أنه بدأ لتوّه مرحلة جديدة من المواجهة، وأنهم اذا اعتقدوا أنهم اخترقوا «ممانعته» من خلال المبادرة العربية والمراقبين فما عليهم سوى أن ينعوا هذه المحاولة. وبديهي أن رسالة بان كي مون إليه من بيروت بأن «مسار القمع طريق مسدود» لن تبدّل شيئاً في روايته عن «المؤامرة».

ليس مؤكداً أن الأسد استطاع تحقيق هدفه الآخر من الخطاب، وهو طمأنة من يوالونه وشدّ عزيمتهم، حتى لو نزلوا بعدها الى ساحة الأمويين، أما الأكيد فهو أنه أعطى زخماً مضاعفاً للانتفاضة الشعبية التي هان عليها تحدّي البرد والثلوج بعدما استهانت بتحدّي الموت.

ثم جاء الجواب على التحدي من واشنطن: مهمة المراقبين لن تستمر الى ما لا نهاية، ثم من واشنطن عبر قطر: ارسال قوات عربية لوقف اراقة الدماء. هي اليوم مجرد فكرة أو اقتراح للقول بأن العالم ادرك بعد خطاب الأسد أن النظام اتخذ قراره انه ذاهب الى حرب أهلية، أي الى القتل العاري بلا أي حساب، ولا حاجة الى خطاب خامس لفهم ذلك. ومن لا يزال غير مصدّق أو يحاول الانكار، جاء شعار الانتفاضة «جمعة الجيش الحرّ» واضحاً وبليغاً، فبعد اليأس من المجتمع الدولي والجامعة العربية، لم يبقَ سوى جيش المنشقين ل «حماية المدنيين»، ولا يجهل أبناء الانتفاضة أن جيشهم هذا لا يزال ضعيفاً وقليل التجهيز، لكنهم يريدون أن ينتظروه وأن يتحملوا مزيداً من التضحيات ليروه قادراً على حمايتهم. ليس صدفة أن يصبح هذا الجيش بمثابة ذراع عسكرية ل «المجلس الوطني السوري»، اذ فرضه منطق الأرض والأحداث وباتت مدن عدة تعوّل عليه، فأفراده من عائلاتها وابنائها، ثم إن وجوده يقوّي المبررات لاقامة «المنطقة العازلة» التي طال الحديث عنها.

لا بدّ أن وضع اقتراح ارسال قوات عربية الى سورية في التداول يذكّر دمشق، بمعزل عن تطبيقه أو عدمه، بأن التاريخ يعيد نفسه لكن في اتجاه معاكس. قبل خمسة وثلاثين عاماً كان استفحال الحرب الأهلية جعل القوى الدولية تحث الدول العربية على ارسال «قوات ردع عربية» الى لبنان، بمشاركة سورية التي ما لبثت أن أفسدت مهمة تلك القوات وأفشلتها لتبقى قواتها وحدها طيلة تسعة وعشرين عاماً ولم تخرج من لبنان إلا بانتفاضة شعبية وبعدما فقدت الغطاء الدولي لوجودها. ها هي نذر الحرب الأهلية في سورية تحرك الخيار ذاته تجنباً لتدخل عسكري دولي لا تبدو القوى المعنية متحمسة له رغم رغبتها في رؤية خط النهاية لهذا النظام.

* كاتب وصحافي لبناني

=================

تكلفة سقوط الأسد

طارق الحميد

الشرق الاوسط

19-1-2012

هناك توقعات عديدة بأن نظام بشار الأسد آيل للسقوط، وأنها مسألة وقت.. توقعات يرددها الساسة، وعلى مستويات عدة، وتحظى تلك التوقعات بتأييد كثير من المعنيين السوريين، وليس المحللين ب«التبني»، كمن فرحوا بثورات أوطانهم، واستنكروا على السوريين ثورتهم، لكن السؤال الذي يتردد الآن هو: ما هي تكلفة سقوط الأسد؟

التقرير الصحافي الذي نشرته صحيفتنا أمس، بالتعاون مع صحيفة ال«غارديان» البريطانية، يصب بهذا الاتجاه، حيث نقل جملة من الآراء المنسوبة لشخصيات مختلفة داخل سوريا، ومنهم علويون، تعكس شبه إجماع على أن هناك قناعة في صعوبة استمرار النظام الأسدي، لكن الجميع يخشى ثمن السقوط. ومما يؤيد حالة الضعف الأسدية، رفض الإخوان المسلمين العرض الإيراني الذي يقتضي تسليم الإخوان الحكومة، وبقاء الأسد! فكيف يفعل الأسد ذلك إذا كان في وضع قوة، خصوصا أنه وصف الإخوان في آخر خطاب له بأنهم «إخوان الشياطين»؟!

ومن هنا، فإن القلق من تكلفة سقوط الأسد يجب أن ينعكس حتى على مستوى المنطقة، والمجتمع الدولي، فتأخر سقوط الأسد يترتب عليه تعقيدات أمنية، واقتصادية أكبر، ليس على سوريا وحدها، بل على المنطقة كلها. وبالطبع، ففي حال بقي الأسد، فإن الثمن غال أيضا، على السوريين، والمنطقة، وتحديدا تركيا، فحينها سيكون الأسد أخطر بكثير من صدام حسين بعد تحرير الكويت.

لذا، فإن مجرد الاكتفاء بالتوقعات، أو الانتظار، ليسقط نظام الأسد من وحده دون القيام بأي جهد يذكر لتسريع ذلك من قبل دول المنطقة المعنية، والمجتمع الدولي، يعني تعريض مصالح، واستقرار المنطقة، والمجتمع الدولي أيضا، للخطر، ناهيك عن المخاطر التي تتهدد سوريا نفسها، وتعقيد أيضا لمرحلة ما بعد الأسد. فانتظار لحظة السقوط «المتوقعة» أمر خطر، ومكلف، على الجميع.

فتكلفة تأخر سقوط الأسد تعني تعميقا للأزمة السورية، وبمثابة الوقود لحرب أهلية، وكما قال أحد الدبلوماسيين الغربيين لل«غارديان»، إنه «إذا استمر إطلاق النار على الناس لأشهر، لا يجب أن نفاجأ إذا بدأوا يردون بإطلاق النيران» وهذا ما يحدث في سوريا اليوم.

إطالة عمر النظام الأسدي تعني تعقيد الحلول في مرحلة ما بعد الأسد، ومن الطبيعي أن أكثر من سيدفع الثمن هم الأتراك، وليس العراقيين، فنظام بغداد، مثلا، يتحسس من ثورة سوريا خوفا من صحوة المارد السني، لأن النظام العراقي طائفي بامتياز، بينما يتحسس الأتراك من مستقبل سوريا ما بعد الثورة نظرا لخوفهم على مصالحهم التجارية، وأمنهم، فأنقرة ليست طائفية، بل هي ديمقراطية، وضمان بقاء النخبة الحاكمة فيها يعتمد على تقديم منجز اقتصادي للشعب التركي، وليس على وعود طائفية مغلفة بشعارات مضللة مثل الممانعة، وغيرها، على غرار ما يردده نظام الأسد، وحلفاء إيران بالمنطقة.

ومن هنا، فإن الاكتفاء بانتظار سقوط الأسد دون فعل شيء يضمن تسريع ذلك، يعد أمرا خطرا، وهذا ما يجب أن يتنبه له المعنيون باستقرار المنطقة، سواء السعوديون أو الأتراك، وحتى الأوروبيون والأميركيون.

=================

سوريا: هيك بدو المعلم!

حسين شبكشي

الشرق الاوسط

19-1-2012

المهمة الأصعب في سوريا اليوم لا تخص المسؤول عن إدارة الجيش المنتشر في كل أنحاء البلاد منهكا وهو يحاول إخماد الثورة السورية المنتشرة في كل أرجائها، ولا المسؤول عن الاقتصاد هناك وهو يرى مؤشراته تنهار وعملتها تتدهور واستثماراتها تتبخر بسرعة الضوء، ولا المسؤول عن أجهزة الاستخبارات التي لم تتمكن من «تأكيد» أي تهمة من اتهامات النظام للثوار، سواء أكان ذلك باتهامهم بأنهم مجموعات سلفية ومتطرفة وإرهابية تدعمهم حكومات «غريبة» ولها أجندات مريبة وأن الإعلام العالمي يتآمر معها، ولكن على ما أعتقد أن المهمة الأصعب في سوريا اليوم هي أن تكون مسؤولا عن إدارة حملة العلاقات العامة للنظام السوري وأن تحاول تحسين صورته أمام العالم.

هذا النوع من المهام هو ما يسمى بالمهام المستحيلة التي لا يمكن تحقيقها ولا إنجازها بأي حال من الأحوال. ومن تابع خطاب الأسد الرابع الأخير يدرك أنه كان أشبه بمحاضرة أكاديمية في جامعة كوريا الشمالية للطلبة، أو خطاب لرئيس فرع حزب البعث في محافظة نائية، وليس بخطاب مصيري لنظام يواجه ثورة عارمة وتؤيدها دول العالم بعد سنوات من القمع والقهر والذل والمهانة والاستبداد. كان الخطاب حالة من الإنكار وتوجيه اللوم إلى «الآخرين» وبأسباب هشة وساذجة لا تقبل من أحد لديه ضمير أو عقل أو إنصاف أبدا، وبعد هذا الخطاب الأطول عربيا خرج بعدها بيوم الرئيس بشار الأسد في مظاهرة مسرحية أعدت بعناية شديدة جدا ليظهر أنه بحرية وأمان وسط أعداد كبيرة من مؤيديه، ولكنها لم تعد سرا ولا هي غامضة مجهولة الكيفية التي يتم بها تجميع أرتال من البشر من مدارسهم ووظائفهم بالإكراه والجبر ليكونوا في ميادين وساحات التأييد «العفوية»، ولكن كل ذلك في واد وما يحصل على الأرض السورية في واد آخر.

هناك مدن باتت خارج سيطرة النظام كما هو واضح، مدن مثل درعا وحمص وإدلب والزبداني وغيرها في الطريق، واضح أن هناك تغييرا صريحا على الأرض، وأن حجم الانشقاقات المهولة لم يعد الجيش النظامي السوري قادرا على إخمادها وسط الجرائم المذهلة التي يرتكبها النظام السوري بأجهزة أمنه و«شبيحته»، لم يعد مؤيدو النظام والرئيس قادرين على تبييض صورة النظام ولا تحسينها، فأرقام القتلى والجرحى والذعر الذي أصاب الشعب السوري بات لا يمكن تسويته إلا برحيل بشار الأسد شخصيا ونظامه اللذين باتا مرتبطين بالذل والقتل والإنكار في حق الشعب السوري بشكل مذهل. ويضاف لذلك كله الإخفاق الكبير لمهمة مراقبي جامعة الدول العربية وتضارب الأقوال الواضح بين أعضاء منهم نطقوا صادقين بما شاهدوه، وبين رئيس البعثة صاحب الخلفية العسكرية الجنائية وهو يبرر ويوضح ويدافع عما رآه، دون أي إشارة لوجود حالات قمع وعنف واغتيال ودموية من النظام بحق شعبه.

الثورة تجتهد للحفاظ على سلميتها وسط مشروع إبادة إجرامي من النظام بحقها وحق المشاركين فيها، وكذلك محاولة الثورة الإبقاء على الخط اللاطائفي وسط تصعيد طائفي فظ ومذهل من قبل النظام بشتى الأشكال. والنظام السوري البعثي الأسدي انتهى وهو يدرك ذلك تماما، وأنه يعيش في منطقة اللاعودة السياسية، حتى أعتى مؤيديه يدركون أن المارد الشعبي السوري خرج من القمقم وأن المارد لا يعود متى خرج دون تحقيق مطلبه الأكبر.

إسرائيل تبذل جهودا مضنية لإيقاف أي تدخل في سوريا بشكل عسكري، لأنها تخشى من الأسلمة السياسية لكل حدودها كما يبدو من أثر التطورات السياسية الأخيرة نتاج الربيع العربي وتطوراته، ولكن حتى الضغوط الإسرائيلية على فرنسا وأميركا تبقى تمنيات وسط ازدياد رقعة الحراك الشعبي السوري المطالب بالحرية والكرامة، لأن إسرائيل نفسها بدأت تجهز مرتفعات الجولان لنزوح محتمل من الجالية العلوية، بحسب ما صرح به مسؤول تنفيذي عسكري كبير بالجيش الإسرائيلي.

المشهد السوري قاتم في لحظاته الحالية وشديد الدموية، ولكن نهاية النفق بدأت تتضح ملامحها، نهاية حقبة الأسد والبعث وبداية سوريا الحرية.

خطاب بشار الأسد الأخير بقدر ما كان عقوبة لمن استمع إليه تعادل عقوبة غوانتانامو، كان مؤشرا حقيقيا لنهاية النظام نظريا وعمليا.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ