ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 18/01/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

وحدهم يقاومون

الياس خوري

2012-01-15

القدس العربي

السوريون وحدهم، هذا ما كان وما سوف يكون، كل الكلام المبتذل عن طلب التدخل الخارجي، او التذرّع بالتدخل الخارجي، تهاوى. وحده النظام يستعين بالخارج ويستجلب الاسطول الروسي، ويستقوي بالسلاح المستورد من موسكو، وبحليفه الايراني.

اما شباب سورية وشاباتها، الذين غطت دماؤهم السماء، فانهم وحدهم.

وحدهم يتظاهرون ووحدهم يموتون.

وحدهم يصنعون الأمل، ووحدهم يتدثرون باليأس.

وحدهم، هتافاتهم واهازيجهم وصمودهم وبطولاتهم، تكتب الصفحة الأكثر اشراقا في تاريخ بلادهم وتاريخ العرب.

وحدهم، متروكون لمصيرهم. لا امريكا ستفعل شيئا لأجلهم، ولا عرب امريكا يريدون ذلك او قادرون عليهم.

وحدهم، لأنهم طرقوا بوابة المستحيل، وقالوا ان قلب العرب يجب ان ينبض من جديد، فاجتمعت ضدهم اعتى آلة عسكرية فاشية، وامعنت فيهم قتلا، والعالم يتفرج.

المراقبون العرب لم يكونوا سوى نتاج البؤس العربي، الذي حوّل العالم العربي الى ملعب للقوى الاقليمية والأجنبية.

والجامعة العربية تقول ما لا تفعل، تغطي فتوق العجز بالكلام، ولا تملك اي وسيلة ضغط فعلية كي تتوقف المذبحة.

اما العالم الغربي، الذي عشنا عقودا في ظل تواطئه مع الدكتاتور العربي، والذي حاول ان يستلحق نفسه بعد سقوط بن علي، ولا يعنيه من الثورة المصرية سوى دعم الانقلاب العسكري خوفا على معاهدة كامب دايفيد، والذي ساهمت طائراته في اسقاط الدكتاتور الليبي طمعا في جنة النفط، هذا العالم يقف مترددا امام الثورة السورية، وهذا ما كنا منذ البداية على اقتناع تام به. فامريكا لا تريد سوى مصلحة اسرائيل، ومصلحة اسرائيل تكمن في اضعاف سورية كوطن، وارهاقها، كي يصير دكتاتورها مجرد دمية لا حول لها.

كل النقاش الذي تورط فيه المثقفون السوريون كان وهماً. كل الكلام عن تدخل خارجي كان بلا معنى.

الخلاف ليس بين من يريد تدخلا لن يحصل، وبين من لا يريد تدخلا، هو خلاف وهمي.

السؤال هو كيف تنتصر الثورة السورية.

بعد عشرة اشهر من اندلاعها، تجد الثورة السورية نفسها مهددة. لقد ضاع الكثير من الوقت والجهد على التحالفات الدولية والعربية، وكان الأحرى ان ينصب الجهد كله من اجل بناء مؤسسات الثورة، كي يستطيع الشعب الوصول الى هدفه في اسقاط النظام.

هذا هو السؤال.

السؤال يبدأ من واقع آن للجميع قراءته بدقة: الشعب السوري وحده في مواجهة آلة القمع.

هذا هو الواقع الذي يجب الانطلاق منه، بل هذا ما كشفه الواقع منذ الأيام الاولى لاندلاع اكبر انتفاضة شعبية في تاريخ العرب المعاصر.

المواجهة بين شعب اعزل وبين نظام فاشي، بنى آلة عسكرية مخيفة في انتظار لحظة الانقضاض الشاملة على الشعب.

كان الرئيس السوري واضحاً في خطابيه الأخيرين، فهو يعلن ببساطة ووضوح وبلغة لا التباس فيها انه قرر ان ينتصر على الشعب!

تم حشد الناس بالطريقة 'البعثية' اياها، كي يقف فيهم الرئيس خطيباً ويقول انه سينتصر عليهم، وأنه لا يبالي بأحد.

يقول للناس وللعالم انه قرر ان ينتصر على شعبه، يستخدم اللغة الملتبسة اياها في الكلام عن الاصلاح وما شابه، يناور في كل شيء ولا يعطي شيئاً، لكنه يبقى ممسكاً بالبندقية، كي يعلن انه لن يتراجع عن قراره بالحسم.

لعبة النظام صارت واضحة، انها استدراج الثورة السورية الى الحسم العسكري، وهناك يستطيع الابن ان يستعيد 'امجاد' الأب، محولا سورية كلها الى حماه ثانية.

هذا هو الخطر الذي يجب ان يعيه الجميع. النظام يستطيع ان يلجأ الى الحسم العسكري الشامل، وعبر غزو المدن والقرى.

لكن لعبة الحسم العسكري رغم خطرها الأكيد لم تعد تخيف السوريين، لا لأنهم يملكون جيشاً موازيا يستطيع مقاومة الجيس النظامي، بل لأنهم يملكون ما لا يستطيع اي جيش الانتصار عليه: الارادة والوحدة.

ليس التنسيق بين المجلس الوطني والجيش الحر هو ما سيغير المعادلة، رغم ضرورته، وليس البحث المتعثّرعن قواسم مشتركة للمعارضات السورية هو الجواب، رغم ان هذا المسعى يجب ان يستمر.

الجواب هو في الابداع الشعبي الذي تصنعه حمص وادلب ودير الزور وريف دمشق وحماه وحي الميدان وطلبة حلب... انه القرار بأن لا عودة الى الوراء، وان اية قوة عسكرية في العالم، مهما عظمت لا تستطيع ان تقهر ارادة شعب قرر ان يقاوم الى النهاية.

الجواب في تنسيقيات الثورة، التي تنهض بعد كل ضربة وموجة اعتقال، في شجاعة الناس وهم يحتقرون الذل ولا يخافون، الجواب هو في الأيدي المرتفعة والأقدام التي تقرع الأرض، والدموع التي صارت بلون الدماء.

الجواب كان وسيكون سورياً.

المعركة طويلة. الثورة السورية هي الأصعب والأكثر جذرية والأكثر كلفة. لا وجود هنا لجيش يقف على الحياد على الطريقة التونسية، او لجيش يصطاد الثورة بما يشبه الانقلاب على الطريقة المصرية، او لطائرات الناتو التي دمرت اكثر مما حمت المدنيين على الطريقة الليبية.

في سورية ثورة طويلة بشروط معقدة وكلفة عالية وتضحيات كبرى.

لا تستطيع الثورة ان تنهزم او تتراجع، خيارها الوحيد هو الاستمرار حتى اسقاط النظام.

السوريون وحدهم، وهم يعلمون ان مهمتهم هي الأكبر، لأن مصير ثورتهم سيحدد مستقبل بلادهم ومستقبل العرب.

=================

هل من حرب سورية إسرائيلية في الأفق؟

الثلاثاء, 17 يناير 2012

أكرم البني *

الحياة

ثمة وجهتا نظر يجري تداولهما في الأوساط السياسية والثقافية السورية حول ما يشاع عن احتمال نشوب حرب بين سورية وإسرائيل في المدى القريب.

ترجِّح وجهة النظر الأولى خيار الحرب، مستندة إلى أنها الورقة الأخيرة التي يمكن أن يلجأ إليها نظام اهتزت شرعيته بصورة غير مسبوقة وبات مصيره على المحك بعد فشل كل وسائل القمع والتنكيل في القضاء على الاحتجاجات والتظاهرات شبه اليومية، ومع حالة من العزلة الشديدة والحصار العربي والعالمي المطبق عليه.

ويجد هؤلاء أنه أمر مألوف أن تلجأ الأنظمة الاستبدادية المأزومة إلى افتعال حروب خارجية لربح الوقت والتهرب من معالجة الأسباب الحقيقية لأزماتها.

لكن ما يمكن أن يعطي هذه الحقيقة زخماً إضافياً في الحالة السورية، شعور أهل الحكم ببداية تبدل في الموقف الإسرائيلي من الستاتيكو القائم ومن الشروط القديمة للحفاظ على الاستقرار، خاصة وأن هذا الخيار ينسجم مع السمة العامة التي تميز سياساتهم اليوم، وهي الهروب الى الأمام، فلا التوغل في أساليب القمع والعنف بات يجدي نفعاً، ولن تكون النتيجة أفضل في حال الانكفاء والتراجع، كما أنهم خير من يعرف أن الركون الى عامل الوقت لم يعد في صالحهم، ما يترك أمامهم أملاً وحيداً هو افتعال حرب خارجية، عساها تمنحهم فرصة الالتفاف على أسباب أزمتهم، أو على الأقل تذليل عدد من العقبات القائمة وكسب نقاط تساعد في تحصيل بعض الشرعية ومعالجة أهم التصدعات.

ويضيف أصحاب هذا الرأي بأن أهل الحكم يتطلعون عبر خيار الحرب إلى تحقيق أهداف عدة، ولنقل ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، أهمها توظيف أجواء الحرب وسلاح التعبئة لتعزيز الضبط الداخلي وتمرير المزيد من القمع والقهر بأقل ردود أفعال، والرهان على الشعارات الوطنية في تمييع الشعارات المتعلقة بالحرية والكرامة والعدالة، وتالياً في تمزيق وحدة الحراك الشعبي وشق صفوف المعارضة وتشويه سمعتها، ثم التعويل على ترميم قاعدتهم الاجتماعية المتهالكة عبر مغازلة القوى والجماعات التي لا يزال الهم الوطني يحتل الأولوية لديها، هذا ناهيكم عن الرهان على مناخات الحرب في إعادة رص صفوف القوى العسكرية التي بدأت تعاني من تصدع وانشقاقات متواترة، وفي الطريق تحرير الذات من المسؤولية في ما آلت إليه الأوضاع والتنصل من مفاعيل الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها المجتمع والمرشحة لمزيد من التفاقم، فضلاً عن التطلع إلى أن يفتح الصراع العسكري مع إسرائيل بوابة جديدة كي يستعيد النظام الحاكم بعضاً من دوره الإقليمي المفقود، أو يفضي إلى خلط الأوراق العربية والإقليمية والعالمية ويفتح الأفق أمام مسار جديد واصطفافات جديدة، والأمل في تخفيف حدة الموقف العربي الذي صار يميل أكثر لمحاصرة سياسة النظام وتغييره، وإيجاد حراك في التفاعلات السياسية الجارية في الغرب حول الوضع السوري يزيد قلق المتشددين ويشجع دعاة التريث والتعاطي الاحتوائي.

في المقابل، تستبعد وجهة النظر الثانية حدوث حرب، بل تعتبر ذلك واحداً من المستحيلات، إلا إذا تمت كشكل من أشكال التواطؤ بين الطرفين لمساعدة النظام على تجاوز أزمته، فهذا الأخير غير مؤهل عسكرياً لحرب واسعة على جبهة الجولان، وقواته تنتشر في مختلف المناطق والمدن السورية، وقد أنهكتها المواجهات اليومية الدامية مع الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة، ويتساءل هؤلاء: ألم يفقد أهل الحكم بعد عشرة شهور من عمر الثورة، فرصةَ المناورة بحرب خارجية للالتفاف على الأزمة الداخلية وتشويه أسبابها؟!

أوَلا يؤدي افتعال صراع عسكري خارجي في الظرف الراهن إلى عكس الأهداف التي يبتغونها؟! أوَلن تعزز مناخات الحرب عوامل ضعف النظام في التحكم الأمني وتزيد من احتمال تفكك أداء المنظومة العسكرية، وتفقدها السيطرة نهائياً على مناطق صارت بمنأى عن هذه السيطرة؟! ثم من قال إن إعادة إحياء الهموم الوطنية قد تطعم الناس «خبزاً» وتردّهم إلى السكينة والخضوع، أم ثمة من لا يزال يشكك بأن الناس لم تَمَلَّ شعارات المواجهة والممانعة وتعافها نفوسهم وهم أكثر مَن خَبِرَ كيف وُظفت هذه الشعارات لتعزيز أسباب التسلط والاستئثار والقمع والفساد؟! وأيضاً من قال إن حملة التعبئة الأيديولوجية الوطنية سوف تفضي الى توسيع جماهيرية الحكم وتشجع الالتفاف حوله، وإنها لن تؤدي، مع استمرار حال التأزم الاجتماعي والاقتصادي السياسي، إلى كشف عمق الهوة التي تفصل بين مصالح نظام اهتزت شرعيته وهيبته وبين مصالح المجتمع، وتعجل تالياً من ردود أفعال الفئات المترددة أو السلبية وتشجعها على حسم خيارها في دعم الثورة والتغيير؟!

ثم أي رهان خاسر التعويل على أجواء الحرب وما تثيره من مشاعر وطنية في كسب تعاطف الشارع العربي وفي إزاحة مشاعر الغضب والألم التي رسخت في نفوس أبنائه من مشاهد القمع والتنكيل ضد السوريين العزل، أو التعويل على دور مناخات الحرب في إعادة بناء موقف جديد للصف العربي، الذي خبر جيداً لعبة الحروب وتوظيفها في أزمات الأنظمة وصراع المحاور، ولم ينجرّ إلى تبديل مواقفه وتحفظاته تجاه حروب أكثر إحراجاً بالمعنيَيْن السياسي والأخلاقي، كحرب لبنان عام 2006 وحرب غزة عام 2009، وأيضاً في تجاوز جديد الموقف الغربي الذي بات يعتبر استمرار النظام السوري بمنأى عن التغيير خطراً يهدد الاستقرار وأشد وطأة من إزالته.

بلا شك، تستند السياسة السورية لتسويغ خيار الحرب الى حق مشروع باسترداد الأرض المحتلة في مواجهة تعنت صهيوني لا يعرف حدوداً، لكنه أمر خطير اللجوء إلى افتعال معارك عسكرية أو حرب قد لا تبقى محدودة، تحت ذريعة طلب هذا الحق وللتهرب من الاستجابة للتطورات الداخلية واستحقاقاتها، والاستهتار بالآثار السلبية العميقة وبحجم الخسائر والأضرار التي سوف تتكبدها البلاد ومستقبل أجيالها إن دفعت الى معركة غير متكافئة وغير مبررة سياسياً وقانونياً، وألا يصح تشبيه هذا الخيار بخيار اليائس، وربما بلعبة صولد تطلب الحد الأقصى، إما ربْحَ كلِّ شيء أو خسارةَ كل شيء!

* كاتب سوري

=================

نظام الأسد في سوريا.. وماذا بعد؟

م. سعيد الفرحة الغامدي

الثلاثاء 17/01/2012

المدينة

من الصعب التكهن عن بعد؛ ماذا سيكون الوضع في سوريا إذا سقط النظام السوري؟! -الذي أصبح قاب قوسين أو أدني- وذلك إذا تجنبت سوريا الدخول في حرب أهلية يطول مداها وتجر إليها لبنان ودول مجاورة أخرى! مفاتيح الحسم السريع بيد النظام عن طريق التخلي عن السلطة وإيجاد مخرج آمن للرئيس وأعوانه على منوال الترتيب الذي حصل في اليمن الذي مازال متعثرًا هو الآخر حتى اللحظة. المعارضة السورية لازالت لم توحد صفوفها بعد، والجيش كذلك لازال أغلبيته مع النظام بكل دفاعاته وأسلحته التي ينبغي الحفاظ عليها قبل أن تقع في أيدٍ تعبث بها في ظل الفوضى القائمة والتي من المتوقع أن تتصاعد وتيرتها ما لم تتوصل الأطراف المتصارعة إلى حل سريع قبل أن تذهب سوريا -الوطن- وكل ما تملك من وسائل الدفاع عن أمنها واستقرارها في مهب الريح.. وتنبري إسرائيل لتكمل الصفقة وتغلق كل ما تبقى للعرب من أمل في الصمود على الجبهة السورية.

إيران التي تعضد النظام في الوقت الراهن لا تستطيع تغليب الأسد على شعبه لأنها هي الأخرى في خطر من ضربة خارجية بسبب حماقة التصريحات التي يطلقها بعض قادتها من وقت لآخر وتهديداتها بإغلاق مضيق هرمز أمام الملاحة البحرية.. الأمر الذي لن يسكت عنه العالم لضمان تدفق الطاقة النفطية من دول المنطقة إلى الأسواق العالمية التي تعتمد عليها بالكامل.

والواقع السوري يدل على أن الكل وصل إلى نقطة اللا عودة.. فالنظام مصر على الاستمرار حتى النهاية.. والمعارضة أيضًا تصر على مواصلة الثورة حتى النصر -كما تدعي-. سوريا بلد عربي محوري، وليس من مصلحة العرب أن يتفتت، مثلما حصل للعراق، ولكن إصرار النظام على الارتباط بإيران على حساب علاقته مع العمق العربي وتخلف وتيرة الإصلاح المطلوب في شؤونه الداخلية سبب له المشاكل التي أدت إلى الحالة الراهنة. وبالعودة إلى أصل المشاكل التي أزّمت العلاقات العربية -عربيا وخارجيا- نجد القضية الفلسطينية من صميم الأسباب التي أدت إلى التخلف والتوتر وعدم الاستقرار في المنطقة من بداية القرن العشرين حتى الوقت الراهن واتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل.. وأوسلو الفلسطينية وما تلاها من الاختراقات الإسرائيلية المتعددة التي أوصلت المنطقة إلى سياسة عنق الزجاجة، والعدو الإسرائيلي هو المستفيد الأول من كل الإخفاقات التي حصلت، ومازالت تجر ذيولها في كل ركن من أركان العالم العربي. والريبة من أن نتائج الربيع العربي ستقود إلى الأسوأ فيما يخص القضية الفلسطينية وليس للأحسن، ومرة أخرى يظل العدو الإسرائيلي هو المستفيد الأول وإذا دخلت سوريا في أتون حرب أهلية طويلة المدى فذلك غاية ما يتمناه الصهاينة لأن ذلك سيُدمِّر مقوّمات جبهة قائمة وصامدة تحسب لها حساب في الحرب والسلم مهما كانت التكهنات والمحاذير والروايات متعددة الجوانب. إن التفكير بصوت عالٍ في هذه المرحلة لصالح القضية الفلسطينية ومستقبل الأمة العربية على المدى البعيد لا أحد مستعد الإصغاء له الآن في ظل المعارك الدائرة في بلاد الشام وغيرها من الدول العربية.. لأن كل زنقة مزنوقة بزنقتها. وكم من قائل.. إن الرئيس بشار الأسد بحاجة لمن يهمس في أذنه -من خارج طاقم الجامعة العربية الحالي- ويقول له: إذا كنت فعلًا تحب سوريا فخذ العبرة ممن سبقوك من بداية الربيع العربي.. واذهب قبل أن تذهب سوريا في مهب الريح! والإسراع في تدارك الموقف في غاية الأهمية.

=================

«المحور الثلاثي» يستدرج صفقة أم مواجهة؟

جورج سمعان

17 كانون الثاني 2012

القدس

 تبرز المواقف السياسية الأخيرة للقادة الروس والسوريين والإيرانيين أن هذا المحور الثلاثي باتت أطرافه مربوطة بإحكام واحدها إلى الآخر، في مواجهة السياسة الأميركية والغربية عموماً. كأن مصيرهم بات واحداً. لذلك، لا عجب في أن يكون التشدد عنوان الخطاب السياسي لهذا الثلاثي: إيران لم تكف من أسابيع عن التلويح بإقفال مضيق هرمز إذا طاولت العقوبات الغربية قطاعها النفطي. والرئيس بشار الأسد أطل أخيراً ليؤكد تمسكه بالخيار الأمني، حاملاً على الجامعة العربية و «المؤامرة» الخارجية، ومستبعداً تالياً أي تسوية محتملة للأزمة الداخلية. وفلاديمير بوتين هدد عشية معركته الرئاسية بأنه لن يسمح بخطوات انفرادية على الساحة العالمية لا تراعي رأي روسيا ومصالحها.

لا تخفي كل من طهران وموسكو دعمهما دمشق، منذ اندلاع الاحتجاجات في المدن السورية. ويعول نظام الأسد كثيراً على هذا الدعم في مواجهة خصومه في الداخل والخارج. وحذّرت موسكو من أنها ستعتبر أي هجوم على إيران بسبب برنامجها النووي «تهديداً مباشراً لأمنها»، ودان نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف الحظر النفطي المقترح ضدها. وجدد رفض بلاده أي تحرك واسع ضد نظام الأسد.

واضح تماماً سعي القادة الثلاثة إلى حرف الصراع عن وجهته الداخلية وما تلح عليه من استحقاقات تستلهم «الربيع» العربي، إلى إطار إقليمي ودولي واسع. لعل في ذلك استنهاضاً لشعور قومي في إيران. أو دغدغة حنين بعض القوى إلى عصر إمبراطوري بائد في روسيا. أو تحفيز بعض القوى على الصمود في مواجهة «مؤامرة» خارجية قائمة على سورية من سنوات... وهزمت في أكثر من موقعة!

لم يجد الرئيس الأسد بديلاً من العودة إلى خطابه الأول: فالتسوية الداخلية بين المعارضة والنظام تبدو مستحيلة بعد الدماء التي جرت، وفي ظل وقوف الطرفين على خطوط نار متقابلة تزداد استقطاباً مذهبياً واشتعالاً يتوسع. ومبادرة الجامعة العربية لم تجد توافقاً إقليمياً داعماً، ولم توفر وقتاً كافياً لمساعي روسيا وحتى إيران وتركيا في ظل غياب التفاهم أو التلاقي الدولي على صيغة أو صفقة لن يكتب لها النجاح ما لم تكن شاملة جملة من الملفات المرتبطة بالأزمة السورية ومستقبل الوضع في هذا البلد.

أما بوتين وأحمدي نجاد فيواجه كل منهما تحدياً على مستوى الداخل قبل الخارج. ففي روسيا كما في إيران رفض واضح لفئات وقوى واسعة ووازنة لمحاولة استئثار كل منهما بالقرار. وهما يواجهان حركة احتجاج تستيقظ وتخمد تبعاً للظروف. أي أنهما يعيشان تهديداً مقيماً. وهو ما يدفعهما إلى دغدغة الشعور الوطني بالحديث المتكرر عن عظمة الأمة والعمل على استعادة أمجاد إمبراطورية ضائعة أو مسلوبة. ويتشاركان المخاوف من صعود دول آسيا الوسطى من كازاخستان إلى تركمانستان على مستوى النفط والغاز. وما يشكل ذلك من منافسة لاحتكار بعض أسباب القوة، لئلا نقول الابتزاز، في يد موسكو أو طهران.

ويواجه بوتين، كما نجاد، حملة على حكومته في موضوع الحريات وحقوق الإنسان. والحملة لن تتوقف عن حقن الداخل ودفعه إلى التصعيد في وجه النظام. بالطبع لا تحلم واشنطن بإمكان تغيير النظام في كل من روسيا أو إيران، إلا أن احتمالات تغيير النخب الحاكمة أو السياسات أمر وارد إذا توافرت له شروط معينة. ولا يخفى أن مرد حملة التهديدات التي تطلقها الجمهورية الإسلامية هو الحزمة الجديدة من العقوبات التي تسعى إليها أميركا وشركاؤها الأوروبيون وغير الأوروبيين. والتي ستشكل عامل ضغط على الشارع الإيراني وتحفيزاً له لرفع الصوت وإحياء المعارضة لحكومة نجاد وسياساتها المحلية والخارجية. فضلاً عن السعي لوقف المشروع النووي.

وتشكل سورية واسطة العقد في هذا الثلاثي. فكما هي جسر عبور لإيران إلى قلب الشرق الأوسط وحدود الصراع العربي – الإسرائيلي، وخط تواصل مع حلفائها في لبنان وفلسطين، هي كذلك لروسيا. فميناء طرطوس ترى إليه المؤسسة العسكرية الروسية رمزاً موروثاً من أيام صراع المعسكرين الشرقي والغربي. ويوفر للبحرية الروسية موطئ قدم في المتوسط. مثلما توفر العلاقة المتينة مع دمشق عموماً دوراً فاعلاً لموسكو في الصراع العربي – الإسرائيلي وأي ترتيبات سلام أو تسوية. ومثلما تجهد الجمهورية الإسلامية لتأكيد حضورها الفاعل في الإقليم واستعادة ما كان لها أيام الشاه، يرتفع صوت بوتين محذراً لوقف حملة التطويق الأطلسي لروسيا وقضم مواقعها، سواء في العالم العربي أو في آسيا الوسطى.

ويعرف بوتين - مثلما يعرف نجاد - أن الاستراتيجية الدفاعية الأميركية الجديدة تركز على آسيا والمحيط الهادئ، سعياً إلى مواجهة التهديد الصيني المتنامي في تلك المنطقة التي قد تغدو في السنوات المقبلة أبرز ساحة للصراع. ويدرك أن حجم الدور الروسي فيها لن يكون رئيسياً مع وجود القوتين الأميركية والصينية، لكنه دور يشكل تعزيزاً للحضور الصيني. من هنا يرحب الصينيون بأي دور لموسكو في هذا الإقليم في مقابل الدور الذي تؤديه كل من كوريا الجنوبية واليابان مؤازرة للدور الأميركي. لذلك، تركز روسيا ثقلها في الشرق الأوسط، ودول الجوار.

وكانت روسيا تاريخياً تؤمن بأن بناء علاقات وشراكات ثنائية مع الجيران للحفاظ على مصالحها الحيوية، أكثر نجاعة من العلاقة مع الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا البعيدة. من هنا هذه الشراكة القائمة بين موسكو وطهران وإن بدا أن الأولى تستخدم أحياناً الثانية ورقة في صراعها أو حوارها مع أميركا وأوروبا. هذه الشراكة تفرضها ليس فقط ما تمثله الجمهورية من سوق سلاح واسعة لروسيا، بل مصالحهما المشتركة في بحر قزوين وآسيا الوسطى ومحاولة الحد من نفوذ تركيا التي ترى إليها روسيا أنها عادت إلى دورها القديم في حلف شمال الأطلسي والعلاقة الاستراتيجية التي تجمعها مع الولايات المتحدة.

لذلك، يخشى أن يؤدي وصول بوتين إلى سدة الرئاسة، بعد شهرين، إلى إلحاق الضرر بالجوانب الإيجابية للعلاقات التي عمل على تطويرها كل من الرئيسين باراك أوباما وديمتري مدفيديف، مفضلاً إعادة بناء الثقة في العلاقة مع إيران، والتمسك تالياً بالنظام في سورية. وهي علاقة تضع أقدام روسيا في مياه الخليج الدافئة كما تضعها في قلب المعادلة الشرق أوسطية. وقد توفر لها فضاء يكسر الطوق الذي يحاول ال «ناتو» ضربه حولها، من جورجيا إلى أوزبكستان وأذربيجان وحتى تركيا. كما أن روسيا لا ترغب في أن ترى إلى سورية أو إيران تدوران في فلك أميركا وأوروبا.

لا يعبر بوتين صراحة أنه يريد إحياء الاتحاد السوفياتي. لكنه يكاد يشبه أحمدي نجاد عندما يعلن أنه سيجعل من بلاده قوة لا يستهان بها وبموقعها ومصالحها في العلاقات الدولية كما في الصراع الدولي على مستوى الكرة الأرضية. لكن المفارقة أن الرئيس الأميركي الذي يتوجه إليه الزعيمان الروسي والإيراني لم يقم لهما حساباً كبيراً في استراتيجيته الدفاعية الجديدة، مثلما فعل حيال الصين. فواشنطن تدرك أن روسيا لم تعد تلك القوة العسكرية أو الاقتصادية التي تتيح لها استعادة دور مفقود. مع العلم أن ترسانتها تتجاوز ما تمتلكه الصين على صعيد الأسلحة الاستراتيجية والانتشار خارج الإقليم.

فهل يستطيع بوتين تحقيق ما لم يحقق في ولايتيه السابقتين وفي رئاسته الحكومة الحالية؟ هل يستطيع استعادة دور موسكو التليد من البوابتين السورية والإيرانية مثلاً؟ صحيح أن موسكو أثبتت أنه لا يمكن تجاوزها في عدد من الملفات. فالحرب على إيران مثلاً لا يمكن ألا تحسب حساباً لروسيا. وهو ما تعول عليه طهران في صراعها مع الغرب. وكذلك يبدو جلياً اليوم كم أن الموقف الروسي في الأزمة السورية يشكل عائقاً كبيراً في وجه محاولات التغيير التي تقودها المعارضة في الداخل، وبعض القوى العربية والغربية في الخارج.

لكن النفوذ الروسي في المنطقة يظل قاصراً عن مقارعة النفوذ الأميركي. ولا حاجة إلى كم من الأدلة والتطورات التي شهدتها المنطقة في العقدين الأخيرين. وبالتالي لا يمكن بوتين أن يستعيد لموسكو ما كان لها ماضياً. يستطيع أن يقايض برفع الصوت والتهديد. تماماً كما تفعل إيران التي تستعرض كل يوم ترسانتها العسكرية، خصوصاً الصاروخية. هي لا تريد حرباً تلحق ضرراً بخصومها لكنها قد تحولها أرضاً محروقة. ما تريده هو أن يقايضها هؤلاء الخصوم. أو على الأقل أن يبتعدوا عنها. ما تريده هو الاعتراف بدورها الذي كان أيام الشاه، بدورها المحوري، دولياً وإقليمياً.

حتى الآن كان في سلم أولويات روسيا معاودة احتضان الجمهوريات السوفياتية السابقة، ثم تمتين العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا. فهل يبدل المحور الثلاثي في سلم الأولويات؟ وماذا يمكن أن يقدم بوتين إلى أهل الشرق الأوسط؟ هل يستطيع حل الصراع العربي - الإسرائيلي؟ وما مدى تأثيره في مسارات الربيع العربي، أو بالأحرى ماذا يمكن أن يجني من منطقة تتجه برمتها نحو أنظمة إسلامية محافظة... فيما يخشى قيام مثل هذه الأنظمة على حدود روسيا وداخل بعضها؟ ألا يعي أن قدرة الشعوب على التغيير تتقدم على ما تخططه الدوائر العليا؟

ألا يعتبر مما حدث للاتحاد السوفياتي وتداعيات سقوطه في العالم... والتي وصلت أخيراً إلينا؟ هل يعود إلى مبدأ المساومة كما فعل حتى الآن بالورقة الإيرانية... وبالورقة السورية؟ وهل يقدر؟

=================

عن الأسد وخطابه

تاريخ النشر: الثلاثاء 17 يناير 2012

د. أحمد يوسف أحمد

الاتحاد

بعد شهور من الصمت ألقى الرئيس السوري خطاباً يوم الثلاثاء الماضي تضمن رؤيته للأزمة السورية وسبل الخروج منها. يلفت النظر أن ما يقارب العام قد انقضى على ثورتي تونس ومصر ومن بعدهما الثورتان اليمنية والليبية، ومع ذلك فإن إدراك القيادة السورية للموقف ما زال على ما هو عليه، وكأن نظماً لم تسقط وحكاماً لم يجبروا على الهرب أو التنحي أو يقتلهم الثوار، فما زال الثوار والمعارضون جماعات من "الإرهابيين" يتحركون بوحي من قوى أجنبية وعربية، وتدعمهم أجهزة إعلام كاذبة تحاول دفع السوريين إلى الوهم والسقوط والانهيار! والمشكلة أن هذا التشخيص يكاد يتطابق مع مثيله التونسي والمصري واليمنى والليبي، علماً بأن أبسط مبادئ التحليل العلمي تشي بأن العوامل الخارجية لا يمكن أن تكون هي العوامل الرئيسة في تفسير ظاهرة ما.

ينطوي تشخيص القيادة السورية على تناقضات كامنة أولها ما سبقت الإشارة إليه حالاً من نسبة ما يحدث في سوريا إلى عوامل خارجية، وثانيها أنه لم يتعرض أصلاً لتفسير كيف أن نظاماً سياسيّاً يرى فيه الأسد ونخبته نظاماً نموذجيّاً يُخترَق إلى هذا الحد من "الإرهابيين والمخربين" دون أن تتمكن مؤسسات النظام السياسية والأمنية والعسكرية من أن تضع حداً لاختراقهم، وكيف تستطيع وسائل إعلام خارجية مهما بلغت قوتها أن تدفع شعباً إلى الثورة على "نظام نموذجي" يعيش في كنفه، وكيف أن القيادة لا ترى في سقوط آلاف الشهداء والجرحى وهروب آلاف أخرى إلى دول مجاورة -لا ترى في ذلك تآكلاً في شرعية النظام. ومشكلة إدارة الأزمات السياسية في هذه الحالات أن هذا الإدراك المشوه للأزمة لابد أن يفضى إلى قرارات عاجزة عن مواجهتها، فتكون النتيجة مزيداً من التعثر والسقوط.

خص الرئيس السوري الجامعة العربية بجزء يعتد به من خطابه، فقد فشلت خلال ما يزيد على ستة عقود في إنجاز موقف يصب في المصلحة العربية، وهي جامعة منزوع عنها صفة "العروبة" وإنما تحولت إلى "مستعربة"، ثم أضاف أنه إذا كان بعض الدول العربية يسعى إلى تعليق "عروبة" سوريا في الجامعة فإنه يعلق "عروبة" الجامعة، واعتبر مبادرة الجامعة العربية "منصة انطلاق" إلى مجلس الأمن. والحقيقة أن هذا التشخيص -مع الاعتراف بوجود عوامل ضعف بنيوية في الجامعة- ينطوي على مغالطات بينة، إذ أنه عبر تاريخ الجامعة نستطيع أن نتحدث عن دعمها المعنوي والمادي لحركات التحرر في الوطن العربي في خمسينيات القرن الماضي، وعن احتضانها في النصف الأول من ستينيات ذلك القرن مشروع الكيان الفلسطيني، وعن تجنيب النظام العربي ويلات الانقسام والصدام في أزمة المطالبة العراقية الأولى بالكويت في 1961، وعن توفير الآليات المطلوبة لحصار نظام الحكم المصري بعد خروجه على مألوف سلوك النظام العربي واتجاهه منذ 1977 إلى سياسة منفردة لتسوية الصراع مع إسرائيل.

وإذا كانت الإجابة بالنفي على الأسئلة السابقة، وكان تشخيص القيادة السورية للجامعة العربية صحيحاً، فلماذا بقيت سوريا داخلها طيلة هذه العقود من الإخفاق؟ ولماذا لم نسمع عن محاولات سورية دؤوبة لإخراج الجامعة من حالة التردي التي تعانيها؟ ثم إن تشخيص القيادة السورية لمكانة سوريا في الجامعة العربية ينطوي على مبالغات غير مقبولة. صحيح أن سوريا ركن أساسي في بنية النظام العربي، ولكن القيادة السورية وقعت هنا في خطأ علمي آخر وهو أن "الجزء" مهما كانت أهميته لا يمكن أن يكون أهم من "الكل"، وهذا يعنى في حالتنا هذه أن فرض "عزلة" عربية على سوريا لا يعنى عزلة الجامعة العربية. أما الحديث عن "المبادرة العربية" تجاه الأوضاع في سوريا واعتبار هذه المبادرة "منصة انطلاق إلى مجلس الأمن" فهو ينطوي بدوره على تناقض آخر، صحيح أن بعض النظم العربية ربما يكون راغباً في تصفية حساباته مع النظام السوري، ولكن أي مراقب منصف يعلم أن هناك اتجاهاً قويّاً داخل الجامعة لعدم تكرار التجربة الليبية، ولا يقل عن ذلك أهمية أن الحديث عن نوايا خبيثة خلف المبادرة العربية يتناقض مع قبول سوريا هذه المبادرة، وتفاوضها الممتد حولها، وقبول مبدأ المراقبين العرب بعد طول ممانعة.

ماذا عن الحل إذن؟ من المهم هنا الإشارة إلى أن الرئيس السوري لم يرَ آلية للإصلاح سوى الحوار الوطني والدستور الذي قارب الإعداد وسيستفتى الشعب عليه. أما عن الحوار فقد ازدادت الفجوة بين النظام ومعارضيه عبر دماء الآلاف من الشهداء والجرحى، ولذلك فإن آفاق حوار وطني حقيقي تكاد تكون مسدودة خاصة وقد استبعد الأسد منه قوى المعارضة الموجودة في الخارج التي تعمل وفقاً لتوجيهات القوى الأجنبية حسب تصوره، في الوقت الذي لم يشر فيه بحرف إلى نوعية قوى المعارضة التي يمكن أن تشارك في حوار كهذا. وأما مشروع الدستور الجديد فلا نعرف الكثير عن القوى الحقيقية التي تكمن خلفه، وإن كان انحيازها للنظام القائم مرجحاً أو على الأقل فهي لن تفرز دستوراً يحقق الإصلاح والتغيير المنشودين لأنهما سيفضيان إلى تقويض نظام لا يستفيد منه الأسد فحسب وإنما نخبته العسكرية والمدنية والتجارية أيضاً، وتعلم هذه النخبة أن في تقويض النظام قضاءً مبرماً عليها. وفضلاً عن كل ما سبق فإننا لا نعرف أيضاً لماذا تأخر مشروع الدستور الجديد طيلة هذه الأشهر على رغم تفاقم الموقف السياسي والوضع الأمني.

تبقى مسألة التدخل الخارجي سواء كان أجنبيّاً أو عربيّاً أو مزيجاً منهما، والحقيقة أنه على رغم النوايا السيئة المحتملة لبعض الدول التي تطالب بهذا التدخل، فإنه في الوقت نفسه أصبح مطلباً ملحّاً لقطاعات من الثوار أنفسهم. ومع ذلك يبقى التدخل الدولي ملتبساً للغاية، أولاً لأنه يخلط بين سوريا الدولة وسوريا النظام، وبفرض أنه ممكن فقد يتجه بالأساس إلى تدمير الجيش وليس النظام السوري، ذلك أن القوة السورية مهما كانت ممارسات النظام الحالي في سوريا تبقى إضافة للقوة العربية في مواجهة أية تحديات قادمة، وثانيّاً لأن تنفيذه يبدو مسألة معقدة للغاية سواء كان عربيّاً أو أجنبيّاً أو مختلطاً. عربيّاً لأننا نعرف أن الانقسامات بين الدول العربية وعدم وجود تنسيق مسبق بينها لمواجهة مثل هذه المواقف من الممكن أن يجعل من هذا التدخل كارثة حقيقية، وأجنبيّاً لأنه ما من قوة عظمى أو كبرى إلا وتواجه مشكلات معوقة لهذا التدخل، فالإدارة الأميركية خرجت بالكاد من مغامرة الغزو العسكري للعراق في 2003 وبقي لها أن تواجه الوضع في أفغانستان، والدول الأوروبية غارقة في أزمة اقتصادية ممتدة لا يمكن أن يكون التدخل العسكري في موقف كالموقف السوري الراهن متسقاً مع متضيات الخروج منها.

يبدو إذن أن الحل الوحيد يكمن في صمود الثوار واستمرار الثورة حتى ينتفض الشعب السوري بأكمله ضد ممارسات النظام، وقد تحدث انشقاقات متزايدة في مؤسسات النظام وعلى رأسها المؤسسة العسكرية مما يجعل الموقف أقرب إلى حالة الحرب الأهلية، وقد يمثل هذا في حينه سياقاً يبرر التدخل الخارجي على رغم كل سوءاته ومحاذيره. أعان الله شعب سوريا الحبيبة وأمده بالقوة والعزم والإصرار، فهي المفاتيح الوحيدة لنجاحه في استخلاص حقوقه.

=================

قوات عربية... لكن من أين؟!

راجح الخوري

2012-01-17

النهار

من أي سماء يمكن أن تهبط القوات العربية التي يقترحون إرسالها الى سوريا، وهل هناك فعلاً دول عربية تملك الرغبة او الاستعداد للقيام بهذه المهمة المستحيلة، واذا كانت بعثة المراقبين قد عجزت عن تقديم تقارير واضحة ومفيدة عما يجري، فهل هناك من يصدق ان

في وسع قوات عربية ان توقف حمام الدم الهادر في سوريا ؟

فعلاً من اين يمكن ان تأتي هذه القوات يا طويل العمر؟

من الجزائر التي تدعم نظام الأسد، ام من المغرب الذي لم يسبق له ان شارك في أي قوات منتدبة من هذا النوع، ام من تونس الغارقة في اعادة ترتيب الوضع بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي، ام من ليبيا التي تقف على حافة صراعات مسلحة بين الثوار، ام من مصرالغارقة في هموم الانتقال من نظام مبارك الى "ديموقراطية" تحيط بها علامات استفهام كثيرة بعد نتائج الانتخابات الاخيرة ؟

ام تأتي من اليمن الذي بالكاد يتراجع عن حافة الحرب الاهلية، ام من العراق حيث تدعم سلطة نوري المالكي نظام الاسد، والذي يراوح عند ابواب حرب مذهبية بغيضة بين السنة والشيعة، ام انها تأتي من الاردن الذي يكفيه ما فيه من متاعب ؟

لعلها تذهب من لبنان القاصر الذي لا يجرؤ في ظل حكومته البائسة على حماية الفارين من سوريا الى اراضيه، ام تراها ستأتي من مجلس التعاون الخليجي و"درع الجزيرة" الغارق في مهمات تطوير قدراته الدفاعية والردعية في وجه التهديدات الايرانية المتصاعدة وقد وصلت اخيراً الى توجيه التهديد لدول المنطقة من زيادة انتاج نفطها لسد حاجات السوق العالمية؟!

كل هذا ليس خافياً بالتأكيد على أمير قطر الشيخ حمد الذي اقترح ارسال هذه القوات لأنه يريد وقف حمامات الدم المتزايدة بأي طريقة، وخصوصاً الآن بعدما فشلت مهمة المراقبين فشلاً فاضحاً، وهو ليس خافياً ايضاً على عمرو موسى الذي ايد الاقتراح الذي سيكون موضع بحث في اجتماع وزراء الخارجية العرب في 21 كانون الثاني الجاري.

بالتأكيد يريد الشيخ حمد من اقتراحه ارسال قوات عربية الى سوريا، ان يحدث هزة جديدة قد تساعد على تلمس مخارج توقف حمامات الدم، التي تنذر بنشوب حرب اهلية تلهب المنطقة كلها. واذا كانت الدول العربية غير قادرة على هذا الأمر فإن مجرد طرحه يفتح الابواب على إمكان تحمّل مجلس الامن والمجتمع الدولي مسؤولياتهما حيال المأساة السورية.

=================

حول يزيد والحسين الشهيد والأسد المقاوم!!

ياسر الزعاترة

الدستور

17-1-2012

أسوأ ما في الكتابة حول الموقف الإيراني، ومن ورائه القوى الشيعية مما يجري في سوريا، وبالضرورة في العراق، هو ما يتعلق بنبرة التكفير التي تشيع في الردود والتعليقات، الأمر الذي يسيء للفكرة وصاحبها في كثير من الأحيان، وتضعه في ذات الخانة؛ خانة السب واللعن والتكفير التي يتبناها قطاع من الناس في هذه الأيام على خلفية الحشد الطائفي الذي يتصاعد في المنطقة على نحو مخيف، والذي نحمّل بدورنا جزءً كبيرا من مسؤوليته للسياسات الإيرانية، سواءً في بعدها السياسي، أم في بعدها المتعلق بالحرص على التبشير المذهبي هنا وهناك.

على أن ذلك لا يحول بيننا وبين التطرق لبعض القضايا الضرورية التي يشترك معنا في رؤيتها عدد من عقلاء الشيعة كما نتابع في بعض المنتديات، لاسيما أن فريقا منهم قد أخذوا يحذرون من تأثيرات موقف إيران وحزب الله وعدد من القوى الشيعية مما يجري في سوريا على معادلة التعايش المذهبي في المنطقة، الأمر الذي يهدد بنشوب حرب مذهبية طاحنة لن يربح منها سوى أعداء الأمة.

للذين يرددون دائما قضية سب الصحابة كمبرر للتكفير نقول (مع إدانتنا الحاسمة لذلك) إن الصحابة أنفسهم قد تقاتلوا وقتل بعضهم بعضا، والقتل أسوأ من السب. ثم أن تكون للشيعة روايتهم فيما خصَّ المرحلة التالية لموت النبي عليه الصلاة والسلام، فلا يستدعي ذلك إخراجهم من ملة الإسلام، وروايتهم هذه معروفة لعلماء الأمة منذ القديم، ولم يعتبر أحد منهم باستثناء القلة أنهم لم يعودوا من أهل القبلة؛ هكذا بالجملة.

مشكلتنا اليوم مع إيران وبعض القوى الشيعية هي مشكلة سياسية في المقام الأول، فعندما كان حزب الله يقاتل الكيان الصهيوني كنا معه، ولن يدفعنا أي خلاف معه إلى تجاهل البطولات التي قدمها، كما أن دعم إيران للمقاومة في فلسطين ولبنان لا يمكن إنكاره، أيا تكن النوايا.

المشكلة اليوم هي تحديدا في العراق وسوريا، فضلا عن بعض السياسات الاستفزازية في بعض دول الخليج رغم وجود مطالب مشروعة للأقليات الشيعية فيها. والحالة السورية هي من دون شك الأكثر استفزازا على الإطلاق، لاسيما أن “التشبيح” الإعلامي الذي نتابعه هنا وهناك لا يغير في حقيقة الإجماع العربي الإسلامي (السني على وجه الخصوص) على دعم الثورة السورية، بصرف النظر عن رؤية الناس السابقة لسياسات النظام فيما خصَّ المقاومة والممانعة.

في هذا السياق يبرر حزب الله وأمينه العام الموقف من بشار الأسد بحكاية المقاومة والممانعة، وقد قال ذات مرة إنه لو كان النظام في البحرين ممانعا لكان لنا رأي آخر. وهنا على وجه التحديد نجد من الضروري تذكير “السيد” ومن يؤمنون بخطه بحكاية الحسين الشهيد، بل أجمل الشهداء في وعي الأمة جمعاء، والذي تقام له الكربلائيات السنوية على نحو مسيء لصورة الإسلام في بعض الأحيان، أعني مظاهر اللطم والتطبير التي يتابعها العالم عبر الفضائيات.

هنا نجد من الضروري تذكير “السيد” بأن خروج الحسين على يزيد لم يكن ذا صلة بسياسته الخارجية، أعني ما إن كان ممانعا أم غير ذلك، بل بسياسته الداخلية المتعلقة بالظلم والفساد. ولا يفوت “السيد” أن الحسين قد خرج على يزيد بينما كانت جيوش الأخير (جيوش الأمة) تذهب بعيدا؛ تفتح الأمصار وتقاتل الروم وسواهم، فلماذا لم يقل أحد إن الحسين كان يتآمر مع الروم من أجل ضرب الجبهة الداخلية للأمة؟!

إن الوفاء لقيم الحسين الشهيد تتطلب الوقوف إلى جانب الشعب السوري في مواجهته لدولة الظلم والفساد التي يمثلها بشار الأسد وعائلته وعصابته، وليس ثمة من تبرير يمكن أن يكون مقبولا لاتخاذ الموقف الآخر.

لقد فعلت هذه الفتنة فعلها في الأمة، وأهل السنة الذين لم يعتبروا أنفسهم طائفة في يوم من الأيام أخذوا يذهبون في الاتجاه الطائفي بسبب مواقف إيران ومن يتبعها، وعلى عقلاء إيران والشيعة أن يعيدوا النظر في مواقفهم قبل أن يخرج الوضع عن السيطرة، ونجد أنفسنا أمام كارثة ستخسر فيها إيران وحلفاؤها أكثر من بقية المسلمين، مع أن الجميع خاسرون من دون شك.

في هذا السياق نقل الكاتب اللبناني “العلماني الشيعي” علي الأمين عن الأمين العام الأسبق لحزب الله الشيخ صبحي الطفيلي أرقه من هاجس الفتنة التي تبدو أمام عينيه، “ويتحسس كوارثها في هذا الضخ المذهبي الهائل على كل المستويات، إلى حد أن الكثيرين ممن يفترض بهم تقويضها يسيرون إليها بوعي خطير”. ويعتبر الطفيلي أن مقولة “حلف الأقليات تدغدغ رؤوس البعض، خصوصا من الشيعة هذه الأيام”، وإن تورطوا بها: “فهم يدركون قبل غيرهم أنها موصلة للشيعة إلى أحضان إسرائيل”، معتبرا أن المراقب لما جرى منذ اغتيال رفيق الحريري إلى اليوم يلحظ في المفاصل الرئيسة دفعا لمشروع حلف الأقليات إلى الواجهة، وتأمين شروط قيامه بعزم إقليمي ودولي، وبتنفيذ واستجابة محلية لبنانية، حزب الله ليس خارجها. انتهى الاقتباس، فمن يسمع؟!

=================

لم يكن أمير قطر "يمزح" لكن...

سركيس نعوم

2012-01-17

النهار

لم يكن امير دولة قطر يمزح عندما اقترح، رداً على سؤال إعلامي، ارسال قوة عربية الى سوريا لوقف العنف. ورغم ذلك فان لبنانيين وسوريين كثيرين وعرب "تساءلوا عندما سمعوه اذا كان جدياً في اقتراحه، او إذا كان يقصد الانتقال الى العمل العسكري العربي لانهاء ما يجري في سوريا. وتساءلوا ايضاً عن معنى وقف العنف الذي تحدّث عنه. هل هو عنف نظام آل الاسد ضد الثائرين عليه الذي يشكّلون، في رأي قطر ومجلس التعاون الخليجي وغالبية الدول العربية و"العالم الغربي"، الاكثرية الشعبية في سوريا؟ ام هو عنف الجماعات "الارهابية والتخريبية" كما يسمّي النظام هؤلاء الثائرين؟ ام هو عنف الفريقين معاً؟

وتساءل هؤلاء اللبنانيون والسوريون والعرب اذا كانت الدول العربية، التي يقترح امير دولة قطر ان ترسل قوات لوقف العنف في سوريا، ترغب في ذلك، او تسمح لها ظروفها الراهنة بذلك، أو تمتلك من الاعتبارات والمخططات والقدرة ما يدفعها الى ارسال قوة عسكرية الى بلاد الشام. وتساءلوا ايضاً اذا كانت الدول العربية توافق على ذلك سواء في جامعة الدول العربية أو في المشاورات الثنائية.

وتساءل اللبنانيون والسوريون اياهم مع غالبية العرب اذا كان نظام آل الاسد في سوريا يقبل تدخل قوات عسكرية عربية في بلاده سواء لمساعدته او لمساعدة الثوار.

هل من اجوبة عن هذه التساؤلات وعن اخرى كثيرة غيرها؟

من الاجوبة ان رفض نظام الاسد اي تدخل عسكري وان عربياً في بلاده لا بد ان يؤدي الى خطوة من اثنتين. الاولى، تخلي العرب عن هذا التدخل. والثانية، تنفيذه بالقوة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل ان الدول العربية مجتمعة ومنفردة مستعدة لمواجهة عسكرية مع النظام المذكور؟ والجواب استناداً الى المعطيات المتوافرة هو كلا. والسؤال الآخر الذي يطرح هو ان هل تمتلك هذه الدول القدرات اللازمة لتنفيذ التدخل المذكور؟ والجواب هو كلا ايضاً. فقطر التي تدخلت بمئات من جنودها في ليبيا لا تستطيع ان ترسل الآلاف الى سوريا لعدم توافرهم. والعربية السعودية لا تستطيع الامر نفسه لأسباب ثلاثة. اولها، حرصها الدائم والمزمن على عدم التورط في مغامرات عسكرية، وعلى عدم استعمال القوة الا عندما يتهدد امنها مباشرة سواء من الداخل او من الخارج او منهما. وثانيها، انشغالها بالخطر الذي تشكّله ايران الاسلامية عليها وبالبحث عن طريقة لمواجهته. وثالثها ادراكها ان امنها الداخلي معرّض للاهتزاز سواء بسبب التوتر في المنطقة الشرقية التي تعتبر ان ايران تؤثر في بعض شيعتها. ودول الخليج الاخرى ليست في هذا الوارد لغياب القدرات. ومصر اكبر الدول العربية واكثرها امكانات عسكرية، مشغولة بنفسها هذه الايام. وستبقى كذلك طويلاً. فضلاً عن انها، وبعد تجربة تدخلها العسكري الفاشل في اليمن في ستينات القرن الماضي، احجمت عن التدخل المباشر عسكرياً واكتفت بالانواع الاخرى منه. وما امتناعهما عن الاشتراك في قوة الردع العربية التي قررت قمتان عربيتان مصغّرة ثم موسعة ارسالها الى لبنان عام 1976 لوقف الحرب فيه، ولمصالحة دولته مع الوجود الفلسطيني المسلح على ارضه الا دليل على ذلك. اما دول المغرب فمشغولة بأوضاعها الداخلية وكذلك السودان والاردن، علماً ان للأخير تاريخ عريق في انواع اخرى من "التدخل الفاعل".

في اختصار تريد غالبية الدول العربية الخلاص من النظام السوري. لكنها لا تمتلك القدرات اللازمة. ولذلك فإنها تعوّل على الدول الكبرى التي بدورها لا تستطيع الآن القيام بذلك عسكرياً طبعاً، والتي يرفض بعضها العمل العسكري اساساً. وليس هناك من العرب من عنده مخطط "عربي" شامل تشكل سوريا جزءاً محورياً منه مثلما كان للاسد الاب الراحل مخططاً ل"سوريا التاريخية" لبنان جزء مهم منه. فقط دولتان غير عربيتين، ويا للاسف، تمتلكان المخطط والقدرة لتغيير الاوضاع السورية، وتنتميان في الوقت نفسه الى الاسلام بفرعيه، وهو شرط ضروري لقبول السوريين والعرب اي تدخل عسكري في بلادهم، وهما تركيا وايران. لكنهما متناقضتان في المشروع والرؤية والاهداف حتى الآن على الاقل. اولاهما مع ثوار سوريا، وثانيتهما مع نظامها. ولن يتوافقا اذا لم تتوافق الثانية مع اميركا، او لم تدخل معها في مواجهة عسكرية شرسة... وخاسرة. والاحتمالان امامهما عقبات كثيرة وجدية. وفي الانتظار "تغطس" سوريا اكثر في الدم.

=================

قوات متعددة الجنسية لسوريا؟

علي حماده

2012-01-17

النهار

جاء قول امير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الذي عبر فيه عن دعم فكرة ارسال قوات عربية لحماية المدنيين في اطار حل يفرض على النظام في سوريا، ليفتح نقاشا واسع النطاق في شأن حدود التدخل الخارجي في الازمة السورية. فالموقف القطري (قطر رئيسة القمة العربية واللجنة الوزارية العربية المعنية بالازمة السورية) يعكس اقتناعا عربيا ودوليا بأن مهمة المراقبين العرب فشلت وما عادت كافية لوقف القتل الذي يمارسه النظام في سوريا ضد المواطنين العزل. اكثر من ذلك، كان خطاب بشار الاسد الاخير واضحا لجهة اعلانه عن مواصلة القتل حتى بوجود المراقبين. وقد هاجم الاسد الابن الجامعة العربية، اي الحل العربي، حتى بدت مهمة المراقبين العرب مجرد نزهة سياحية اكثر منها مهمة سياسية - انسانية. وبذلك يمكن الزعم ان مهمة المراقبين انتهت، وان بقاء فرق المراقبين في سوريا صار مثل عدمه. ومن هذه الزاوية يمكن تفسير موقف امير قطر الذي فتح الباب علنا امام الحديث عن قوات عربية تنتشر في سوريا لوقف القتل.

الفكرة المطروحة جذّابة اذا ما نظرنا الى واقع الحال السيئ على الارض. فبشار الاسد يخوض حربا حقيقية ضد الشعب، وانتشار بضع عشرات من المراقبين العرب لم يحل دون ارتفاع منسوب القتل، وتاليا صار من الضروري الذهاب ابعد بفتح موضوع نشر قوات عربية في مدن ومناطق تحل مكان الجيش والامن السوريين، على ان تمتلك القوات العربية امكان ردع اي خلل او خروق على الارض. بالطبع لن يقبل النظام في سوريا بهذا الحل، وسيعتبره مقدمة للبننة سوريا، اي تكرار التجرية اللبنانية التي كان لنظام حافظ الاسد اليد الطولى فيها قبل اربعة عقود، حيث ادى حافظ الاسد دور "الاطفائي المهووس" ببراعة استثنائية!

البحث في إرسال قوات عربية جيد، لكنه غير كاف. فالدول العربية غير قادرة على تأمين قوات عربية جيدة التدريب تكون قادرة على مهمات رادعة على الارض. وحدها قوة متعددة الجنسية عربية - غربية - روسية يمكن ان تؤدي الدور بكفاية. ولكن المرحلة الراهنة لا تشي بإمكان ان يقبل بشار الاسد بانتشار قوات عربية - دولية حتى بمشاركة روسية.

ان الحديث عن قوات عربية على الارض في سوريا ينبغي ان يشكل مقدمة لبحث جدي في حل عسكري للأزمة السورية. فاستمرار النظام في قتل المواطنين لا يمكن ان يستمر الى ما لا نهاية، وخصوصا ان الثورة مستمرة بزخم كبير. وسكوت المجتمع الدولي عن القتل اقرب ما يكون الى التواطؤ منه الى الخوف من اللااستقرار في المنطقة.

إن التدخل الدولي واجب في سوريا. التدخل العسكري بداية عبر دعم الجيش السوري الحر، واقامة مناطق عازلة جنوبا وشمالا ضرورية لحماية آلاف الجنود المنشقين الذين يحتاجون الى مناطق آمنة في سوريا يلجأون اليها. هذا التدخل يقوض كثيرا قدرات النظام لمواصلة حربه في الداخل، ويقرّب نهايته.

=================

أضعف الإيمان - حرب أهلية تلوح في سورية

الثلاثاء, 17 يناير 2012

داود الشريان

الحياة

الحرب الأهلية هي المصير الذي ينتظر سورية. مهمة جامعة الدول العربية فشلت في التمسك بالسياسة ولجم العنف، والدول الغربية تنتظر نهاية عناد النظام السوري، وضبابية الحل العربي وتخبطه. ووسط هذه الحيرة السياسية، بدأت البلاد تشهد حالاً من الفوضى، أخطر ملامحها، انحسار سلطة النظام عن مناطق عديدة، وتنامي مظاهر التسلح بين الناس، فضلاً عن ان النظام السوري ربما تساهل، أو سهّل وصول قطع من السلاح الخفيف الى المحتجّين، استعداداً لتبرير شن هجوم عسكري واسع، وإعلان ان البلاد في حال حرب، وخلط أوراق المنطقة.

الحرب الأهلية في سورية لم تبدأ، لكن بوادرها تلوح على نحو يصعب إنكاره. حوادث التطهير الطائفي بدأت في بعض الأحياء المختلطة، وعمليات الاعتقال أصبحت تنفّذ بطرق عشوائية، وهناك من يُعتقل ثم يُطلق من أجل الحصول على المال. وتحدّث قادمون من سورية عن غياب للسلطة المركزية أصبح ملموساً، وعن تصرفات تشير الى ان بعض قوات الأمن بات يعمل لمصلحته، بما يذكّر بأوضاع الميليشيات في الحرب الأهلية في لبنان وأفغانستان. وربما شهدت سورية خلال الأسابيع المقبلة، في ظل ضعف السلطة المركزية، انقسامات حادة داخل الأجهزة الأمنية وصفوف الجيش، من أجل أطماع سياسية ومادية.

لا شك في ان سورية بدأت العد التنازلي لمواجهة شاملة تجري في أنحاء البلاد. والمؤسف أن المعارضة تدرك ان النظام ماضٍ الى هذه النهاية لأنها مخرجه الوحيد. وعوضاً عن تقديم تنازلات، ومحاولة لجم هذا التدهور الأمني والسياسي، نرى أقطاب المعارضة في الخارج يصمّون آذانهم عن هذه الحقيقة المفزعة، ويحرّضون على التدخل الأجنبي، على رغم يقينهم ان الحرب الأهلية ستُفضي الى نهاية سورية التي نعرفها، وربما نهاية دول مجاورة.

الأكيد ان ثمة فرصة لتجنُّب الحرب الأهلية. والدول العربية مطالبة بمراجعة موقفها، الداعم بلا شروط للمعارضة السورية. والحل المنتظر يبدأ من الدعوة الى تعليق الاحتجاجات الشعبية، وتقديم خطة للخروج من الأزمة، يكون العرب طرفاً فيها. ومن دون موقف عربي منفتح وخلاّق ستدخل سورية في حرب يموت فيها مئات الآلاف من البشر، وتمزّق ما تبقّى متماسكاً في هذه المنطقة.

=================

بشار الأسد والفرصة التي لن تعود

منذر عيد الزملكاني

الشرق الاوسط

17-1-2012

لن أدخل في هذا المقام بفرص الإصلاح التي أضاعها أو بمعنى أدق أهملها بشار الأسد منذ خلافته لأبيه عام 2000 ميلادية وحتى ميلاد الربيع العربي في 2011، لكن يكفي أن أشير إلى ما أورده ستيفن هايدونمان أحد كبار الباحثين في الشأن السوري خصوصا والعربي عموما إلى أن الفترة ما بين عامي 2006 و2007 تميزت بتصعيد كبير وغير مسبوق للقمع السياسي في سوريا ووصول أعداد المعتقلين السياسيين إلى حدود لم تكن معهودة من ذي قبل ولا حتى في عهد أبيه حافظ الأسد. ولن أدخل هنا في نقاش ومناظرة حول ما إذا كان بشار الأسد أصلا مشروع إصلاح سياسي واقتصادي لسوريا أم أنه امتداد لحكم حافظ الأسد، فذلك له مقامه أيضا.

لكن نبقى في الربيع العربي أو ما أحب أن أسميه بالفجر العربي فقد كان بمقدور بشار الأسد أن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه وأن يكون زعيما تاريخيا لسوريا لو أنه أحسن قراءة ما جرى في تونس وفي مصر وما كان يجري في ليبيا واليمن وما عليه المنطقة العربية من أحداث طارئة وجارفة لا تبقي ولا تذر إلا من تذكر واعتبر.

لقد تحسس بشار الأسد وهج الثورات العربية التي كان بوسعه أن يستضيء بها بدلا من أن يكتوي بنارها. وأحس بالخطر الشديد مع سقوط بن علي ومبارك واشتعال كل من اليمن وليبيا. كان من المفروض على بشار الأسد أن يتخذ إجراءات استباقية لمواجهة خطر مد الثورات العربية وصدها عن دخول داره لحماية عرينه ونظامه وهو النظام الأكثر عدوانية لشعبه وهو الأجدر بضرورة الإصلاح والتغيير من غيره. لكن القرار الوحيد الذي اتخذه بشار الأسد هو الاستعداد الأمني والعسكري للمواجهة مع الشعب. فقد توالت الأنباء عن وصول سفينتين حربيتين إيرانيتين إلى شواطئ اللاذقية وعلى متنهما معدات عسكرية وأسلحة لقمع المتظاهرين، كما اعترضت تركيا طائرات إيرانية متوجهة إلى سوريا محملة بمعدات وأسلحة أيضا لقمع المتظاهرين. إذن فالقرار المبيت والنية المعقودة كانت هي القمع والقتل وليس الإصلاح أو الحوار وبمعنى آخر الحرب على الشعب لا المصالحة معه أو الحرب على الشعب ثم فرض المصالحة عليه. إنها العقلية الأمنية المزمنة التي جبل عليها النظام السوري منذ نشأته الأولى.

كثيرون هم أصدقاء النظام السوري وأصدقاء بشار الأسد بشكل خاص مثل رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي وليث شبيلات المعارض الأردني البارز، الذين أبدا ما بخلوا عليه بالنصيحة تلو الأخرى من أجل المضي قدما في إجراء الإصلاحات السياسية والاقتصادية الضرورية وأن يستقوي هو بها على الشعب قبل أن يستقوي الشعب عليه بطلبها.

وكان الجواب الضمني لبشار الأسد للجميع دائما هو أن أهل مكة أدرى بشعابها واتخذ الحل الأمني سبيلا، إلا أن الأحداث في سوريا تؤكد يوما بعد يوم أن بشار الأسد ما كان يوما يدري شعاب سوريا ولا من هو شعبها.

لقد فشل النظام في سوريا في قمع المتظاهرين وإخماد الثورة، وأدرك بشار الأسد صدق وحرص ناصحيه، فبعد أكثر من عشرة شهور على استخدام الحل الأمني نجد أن الثورة تزداد أفقيا وعموديا وأصبحت سيطرة النظام الآن على الأرض محدودة تماما. ففي مدينة دمشق وريفها لا يسيطر النظام فعليا إلا على المنطقة الواقعة ما بين ساحة الأمويين في الغرب وساحة العباسيين في الشرق وما وراء ذلك فالجيش السوري الحر هو صاحب اليد العليا. لذلك بدأ النظام في سوريا بتكتيك جديد مع قبوله بعثة المراقبين العرب واستغلال وجودهم بافتعال تفجيرات مروعة في دمشق عاصمة الأمويين وهي أعمال غير مسبوقة في مسيرة الثورة السورية، والهدف من ذلك هو خلق نوع من التوازن بين النظام والثوار في مظلمتهم للجامعة العربية، فالثوار يشتكون من قمع النظام وإجرامه بينما يشتكي النظام من العمليات الإرهابية «المفبركة» والعصابات المسلحة المزعومة ويصبح كلا الطرفين غير راض عن أداء المراقبين ومستوى مهنيتهم ومدى نزاهتهم. وهذا ما يجعل الجامعة العربية في مأزق أشد مما هي فيه، الأمر الذي يمهد لتسوية بين النظام والمعارضة على غرار ما حدث في اليمن من تجاوز للثوار وتجاهل لمطالبهم خصوصا أن المعارضة السياسية ما زالت ضعيفة ومهلهلة أو أنه يراد لها أن تكون كذلك، فالمجلس الوطني بتركيبته الحالية غير مؤهل سياسيا ولا حتى تنظيميا لإسقاط النظام وقيادة المرحلة التي تليها بينما هيئة التنسيق الأكثر خبرة قد سقطت شعبيا عندما تولت عن أهداف الثورة بل تربصت بها ونالت منها منذ البداية. إذن النظام يسعى الآن إلى فرض الحل السياسي وذلك من خلال الجامعة العربية بعد أن عجز عن فرضه على الثوار منفردا.

لكن تبقى إرادة الأحرار والحرائر في داخل سوريا الأمل لهذه الثورة العظيمة والسبيل الوحيد في إحباط أي مشروع من النظام أومن الجامعة العربية ممكن أن يضفي الشرعية من جديد على نظام بشار الأسد وإن ازدادت التضحيات وارتقى عشرات الآلاف من الشهداء. فالثورة لا تعبأ أبدا بالتكاليف والتضحيات وإنما بمدى تحقيق الأهداف والوصول إلى المطلوب. وتبقى التكلفة الأكبر على سوريا وشعبها الحر ليس عشرات الآلاف من الشهداء ولا الفتنة الطائفية المقيتة ولا الضائقة الاقتصادية المريرة وإنما هي بقاء هذا النظام واستمرار آل الأسد في حكم البلاد واستعباد العباد.

* باحث في مركز الدراسات السورية في جامعة سانت أندروز، المملكة المتحدة

=================

المتغيرات التي حولت بشار إلى شمشون

غسان الإمام

الشرق الاوسط

17-1-2012

في قمة العرب البيروتية (2001)، وفي أوج الفرحة بالمنصب والسلطة، حاضر الشاب الوارث، من فوق. فوق، الزعماء العرب. جامل أهل الحكمة والتجربة فورة الشباب. فسكتوا عنه. عندما اختلف معهم، بعد سنين قليلة، وصفهم متماديا بأنهم «أشباه رجال»!

ها هو بشار اليوم يدخل أولى سني الكهولة (46 سنة). لم تزوده السلطة المطلقة بحكمة التجربة. فقد فرز العرب عربين. ألحق نفسه ونظامه بالعرب العاربة. قال عن عرب الجامعة إنهم عرب «مستعربة». عرب «بلا ثقافة. بلا حضارة»! ربما لأنهم لم يلتحقوا مثله بإيران.

ماذا سيكون رد عرب عدنان على عرب إيران؟ عرب الأغلبية الصامتة في انتظار يوم الخميس (19 يناير «كانون الثاني» الحالي) على أحرَّ من الجمر. من القاهرة، سيأتي رد وزراء خارجية العرب.

في الرد على الإهانة. والاستفزاز. والتهديد، أعتقد أن هناك ثلاثة خيارات أمام العرب: تدويل بشار، بإحالته إلى مجلس الأمن، بعدما تحول إلى «شمشون»: عليّ. وعلى العرب. المنطقة. والعالم.

الاحتمال العربي الثاني يستوحي قلة الحيلة مع نظام لا بد من مداراة سفاهته، بتمديد المهلة المعطاة له، ليصلح نفسه، ويكف عن التسلّي بقتل شعبه.

الاحتمال الثالث والأخير سحب المراقبين. ف«مَنْ راقب الناس مات هما». وتركُ الحسم للصدام الدموي بين الشعب والنظام في الميدان.

لكل من هذه الاحتمالات إيجابيات وسلبيات. أبدأ أولا بشمشون الأسد. فقد خرج من قوقعة عزلته، ليهدد الأحياء بمصير الأموات من ضحايا النظام، اعتقادا منه بأن المتغيرات الأخيرة في الموقفين العربي والدولي، جاءت لخدمته، لتحسين مواقع نظامه. وفي مقدمة هذه المتغيرات وصول الأسطول الروسي وصواريخه.

في رؤيتي لاحتمال التدويل، أجد أنه مجرد انتقال من عجز عربي، إلى عجز أميركي/ أوروبي. مع حياد أنجيلا ميركل قاطرة أوروبا الاقتصادية، يبدو أوباما وساركوزي مشغولين في انتفاضة انتخابية لا تقل تهديدا لمستقبلهما السياسي، عن تهديد الانتفاضة السورية لشمشون بشار.

وبالتالي، فالتدخل الغربي في سوريا مستبعد حاليا، طالما أنه عاجز عن نيل «الرخصة» من مجلس الأمن العاجز، بدوره، عن بصمها، بوجود الفيتو. التوأم الروسي/ الصيني.

السؤال المحيِّر في هذا العجز الدولي: لماذا تشجع أميركا وأوروبا، إذن، مجلس برهان غليون الإخواني، على المطالبة بالتدويل الذي تعارضه، أصلا، معارضة الداخل؟ هل هي مجرد الرغبة في تنكيد حياة شمشون الأسد، وإدامة الصراع الدموي في سوريا؟

يبدو أن مجلس المعارضة السورية الخارجية معجب بمشروع التدويل الذي أتاح له الظهور الدعائي، في «مجلس» دهاقنة السياسة الدولية: هيلاري. هيغ. جوبيه.. فيما كان على المجلس السوري الانشغال بدعم التنسيق بين جناحيه الليبرالي والإخواني. ثم تحقيق التوافق مع المعارضة الداخلية، بعدما أجبره أردوغان وداود أوغلو على وضعه في الخدمة الدعائية لجيش سوريا الحر المنطلق من تركيا.

احتمال رهان عرب الجامعة على «تسوية» ما، مع النظام، ينطلق من واقع الانقسام العربي بين معارض. ومنحاز. وشاهد «ما شافش حاجة»، على الرغم من العيون السود ل170 مراقبا دخلوا من بوابة النظام. ومهددون بالخروج مسحوبين. أو مطرودين من النافذة.

أعتقد أن المتغيِّر الأهم في الموقف العربي هو الانشغال بتفاقم الصراع في الخليج: إغلاق إيران لمضيق هرمز خط أحمر. أميركا وأوروبا اللتان تنهلان من نفط الخليج ستسارعان إلى فتح المضيق بالقوة. إذا ردت إيران بالتعرض لحقول النفط والناقلات الخليجية، فالرد على الرد سيكون بتدمير الحقول النفطية الإيرانية. وربما معها مراكز المشروع النووي الإيراني.

الصين تسعى إلى الحصول على جرعة نفطية خليجية بديلة للنفط الإيراني. لكن روسيا سارعت إلى التحذير من شن حرب أميركية على «جارتها» إيران. السبب الحرب الدبلوماسية والإعلامية التي يشنها الغرب على نظام بوتين. هناك مساومة تحت الطاولة بين الغرب وبوتين. إذا نجحت التسوية بتحييد روسيا، يصبح موقف بشار ونجاد حرجا للغاية، فيما تنتعش المبادرة العربية لتأديب النظام السوري.

أذكِّر هنا بأن المبادرة العربية لم تصل، بعد، رسميا إلى المطالبة العلنية بتغيير النظام. فهي تدعو المعارضة إلى الحوار معه.

ولعل الخليجيين، ربما باستثناء القطريين أو بالاتفاق معهم، غير راغبين في وصول «الإخوان» إلى إحياء مشروع الخلافة الإسلامية مع تركيا. من خلال سيطرتهم على سوريا، بعدما سيطروا انتخابيا على مصر ومعظم المغرب العربي.

وصل تردد الجامعة إلى درجة عدم نشر تقرير الفريق السوداني محمد الدابي عن جولته «السياحية» في سوريا مع مراقبيه، واكتفاء الأمين العام نبيل العربي بالقول إن التقرير كان «مُرْضيا». فقد ساوى بين القتلة والمقتولين. لعل الخليجيين، بعد الجروح التي ألحقها كل من الشبيحة والانتفاضة بالمراقبين الكويتيين والإماراتيين، يترحمون على حنكة وتجربة المخضرم عمرو موسى.

مع ذلك، لست ضد المراقبين العرب، بمن فيهم الدابي. وأستغرب إلحاح قادة انتفاضة الخارج والداخل على استعجالهم في مهمتهم أو سحبهم. فهم على كل حال أفضل من قوات بان كي مون العاجزة عن حفظ سلام جنوب لبنان. ودارفور. والكونغو. وجنوب السودان.

أما الانسحاب فهو الاحتمال الأسوأ. الانسحاب العربي يمنح شمشون النظام الفرصة للحسم الأمني مع الانتفاضة، على الطريقة السورية/ اللبنانية: «يا قاتل. يا مقتول».

هناك عامل آخر غير المتغيرات الدولية والعربية، في إجبار بشار على النزول إلى الساحة «الحكواتية»، للتمهيد بحسم الوضع الأمني بقبضة وعضلات شمشون، بعدما ازداد فوضى واهتزازا، من دير الزور شرقا. إلى محافظة إدلب غربا. ومن ريف حمص وحماه في الوسط. إلى اللاذقية الساحلية. إلى ريف دمشق من دوما شمالا إلى درعا جنوبا. وعلى طول الحدود مع لبنان من الزبداني جنوبا إلى تلكلخ والقصير شمالا.

ماذا سيقول التاريخ عن بشار؟ عرف كيف يصل. لكن لم يعرف كيف يحكم. يدخل بشار التاريخ من بوابة شمشون: «عليّ. وعلى أعدائي». في غيبوبته عن الواقع، فقد أذهل السوريين، موالين ومعارضين، بدعوتهم إلى «احتضان» الشبيحة والأجهزة الأمنية! كسب بشار رضا الوالدة. في مخالفته لمنطق التاريخ، ارتكب مخالفة سير. سار عكس اتجاه المسيرة البشرية نحو الأفضل حضاريا. وإنسانيا.

=================

المعارضة السورية ليست مشتتة

طارق الحميد

الشرق الاوسط

17-1-2012

النغمة السائدة اليوم عند الحديث عن المعارضة السورية - بحق أو من دون - هي أنها مشتتة، وهذا عذر يستخدمه البعض، بقصد أو من دون، للقول إنه من الصعب اتخاذ موقف عربي أو دولي تجاه النظام الأسدي، لأن المعارضة ليست على قلب رجل واحد، لكن هذا الحديث غير صحيح.

فكيف ننتظر من شعب عاش، ويعيش، طوال أربعين عاما، تحت نظام يحكم بالرعب، والتنكيل، ويكرس الحكم بيد طائفة واحدة، أن يفرز معارضة متفقة، ومتسقة؟ وهو، أي النظام، يستخدم كل الأوراق، من أجل فرض واقع «فرق تسد» ليحكم سوريا. فنحن أمام نظام يخيف المسيحي من المسلم، والعكس، ويخيف المسلم من المسلم، وهكذا. نظام دمر مدينة في الثمانينات، وهي حماه، ليفرض سيطرته، وتلحف بعباءة ملالي إيران من أجل أن يوجد له نفوذا في المنطقة.. نظام رفع أنصاره صورة زعيم ميليشيا حزب الله جنبا إلى جنب مع بشار الأسد، فكيف يمكن بعد ذلك كله توقع خروج معارضة موحدة؟ فالمنطقي أن المعارضة السورية موحدة فقط في رغبة إسقاط الأسد، ولكن ليس في الرؤى، وهذا الأمر لا ينطبق على السوريين وحدهم.

فإذا أردنا الاستشهاد بالواقع القريب فهناك ليبيا، فلولا المظلة الدولية التي احتضنت المعارضة الليبية، وساعدتها على توفير صفوفها فورا من خلال مؤتمر أصدقاء ليبيا الذي شاركت فيه قرابة 49 دولة، وحظي بغطاء عربي، ودولي، لما كان من الممكن أن تتوحد المعارضة الليبية بذلك الشكل، وخصوصا أنها، أي المعارضة الليبية، مرت بلحظات بالغة الصعوبة، خصوصا عند اغتيال القائد الميداني اللواء عبد الفتاح يونس، وهو ما كاد يؤدي إلى تشرذم المعارضة الليبية. وإذا أردنا الاستشهاد بالتاريخ، فإنه لولا الدعم الأميركي والبريطاني، لما التأم مؤتمر المعارضة العراقية ضد صدام حسين في لندن، وهو المؤتمر الذي جمع الإسلامي بالعلماني، والكردي بالعربي، وكل فسيفساء العراق، بل ما الذي جعل حزب الله وحلفاءه في لبنان أقوياء لولا الدعم السوري والإيراني، الذي ذلل الصعوبات، وقرب المساحات حتى رأينا حزب الله حليفا لعون، وهو تحالف يشبه التقاء الشرق بالغرب!

عليه، فإن ما ينظر إليه على أنه «تشخيص» لواقع المعارضة السورية بأنها مشتتة، ما هو إلا تنصل من الواجب، الذي يقول إن على الجميع دعم المعارضة السورية، وتقريب وجهات نظرها، وتوحيد صفوفها، وتمكين قياداتها. فهذا ما تم فعله مع جميع الحالات المشابهة عربيا، تقريبا، فحتى المعارضة المصرية لمبارك حظيت بدعم معنوي من الغرب، وبعض العرب، بينما لم نر جهدا عربيا حقيقيا، أو دوليا، لدعم المعارضة السورية، مثل الاعتراف بمجلسها، وفرضه كواقع، فمجرد ظهور برهان غليون إلى جوار زعيم عربي، أو غربي، مع الدعوة إلى مؤتمر دولي، سنجد أن الأمور قد تغيرت، فلماذا يحرم السوريون من ذلك؟

هذا هو السؤال، خصوصا أن ليس الهدف خلق معارضة غير موجودة، بل هي موجودة، وتتلقى ضربات قاتلة من نظام يقتل شعبه كل يوم، فالقصة ليست افتعال أزمة، بل حلها!

=================

الأردن ونظام الأسد واحتمالات ضرب إيران

فهد الخيطان

الغد الاردنية

17-1-2012

منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية في سورية، كان لدى الجانب الرسمي الأردني قناعة بأن حكم بشار الأسد ليس مرشحا للسقوط بالسرعة التي يعتقدها البعض، لسببين رئيسيين: الأول، عدم استعداد القوى الدولية الفاعلة، وفي المقدمة منها أميركا، لعمل عسكري ضد النظام السوري على غرار ما حصل في ليبيا. والخيار البديل بالنسبة لهذه القوى هو تشديد العقوبات الاقتصادية على دمشق. وقد بدأت هذه العقوبات تؤتي أكلها بالفعل، ونزع الشرعية الدولية والأخلاقية عن النظام لعزله داخليا وخارجيا. والسبب الثاني، اعتماد النظام على قاعدة اجتماعية وطائفية ما تزال تسانده حتى الآن، إضافة إلى الانقسام الحاصل في صفوف المعارضة في الداخل والخارج.

وفي لقاء مع وفد أعضاء الكونغرس الأميركي الذي زار عمان مؤخرا، نُقل عن مسؤول أردني رفيع المستوى قوله لأعضاء الوفد: "بشار الأسد سيبقى معنا في العام 2012".

هذا الموقف لا يعكس بالضرورة تعاطفا رسميا مع نظام الأسد، وإنما تقييما واقعيا من وجهة نظر الأردن لميزان القوى في سورية. لكن هناك أطراف عربية على صلة وثيقة مع الجانبين التركي والأميركي لا تشارك الأردن رأيه، وتعتقد أن سقوط النظام السوري أمر حتمي قبل نهاية العام الحالي.

بيد أن مسؤولين عربا وخليجيين زاروا عمان في الأسابيع الماضية أكدوا لمضيفيهم أن تغييرا جوهريا حدث على أجندة القوى الدولية تجاه المنطقة، وستكون الأولوية في المرحلة القصيرة المقبلة هي التعامل مع إيران. وبدا أن هؤلاء المسؤولين على ثقة تامة من أن إيران ستتلقى ضربة عسكرية في غضون شهرين من الآن.

سيكون لمثل هذا السيناريو إذا ما وقع تداعيات كبيرة على المنطقة، يشعر الأردن بثقلها من الآن. ويسود الاعتقاد لدى الأطراف "الواثقة" من حصول الضربة، بأن نظام الأسد في سورية سيكون أكثر المتضررين من إضعاف إيران التي تعد الحليف الاستراتيجي له، ولا تبخل عليه بكل دعم ممكن.

ويمكن في هذا السياق قراءة التحذيرات الأميركية والغربية لإيران في حال أقدمت على إغلاق مضيق هرمز كما هددت من قبل، وتطمينات عضو في الكونغرس الأميركي بأن السعودية ستتكفل بتعويض حصة إيران من النفط إذا ما توقفت الأخيرة عن الضخ للسوق العالمية.

لكن شكوكا قوية تحوم حول قدرة الاقتصاد الغربي الغارق في أزمة عميقة على تحمل التداعيات المترتبة على حرب في المنطقة، وصفها أحد المسؤولين الإسرائيليين بأنها ستكون حربا كونية.

الأردن لن يكون على الصعيدين السياسي والاقتصادي بمعزل عن هذه التداعيات، وقد يجد نفسه في لحظة من اللحظات وسط ميدان حرب لا يعرف مداها ولا نتائجها.

صحيح أن النظام السوري لن يصمد بعد تدمير إيران، لكن أحدا لن يكون بمقدوره التنبؤ بالتغييرات التي ستشهدها المنطقة.

=======================

سنّة العراق .. الفتاوى والنظريات والحل المنشود

الدكتور محمد عياش الكبيسي

صحيفة العراق الالكترونية 14/1/2012

كنت قد كتبت مقالا بعنوان ( الفيدرالية .. جدل دائر وأخطاء منهجية ) وقد نشر المقال في أكثر من صحيفة ، وقد حظي بتفاعل واسع مدحا وذما ونقدا واستنتاجا مع وضد ..الخ وإلى هنا أظن أن المقال حرّك ساكنا وهذا بحد ذاته شيء إيجابي ، وأما الذين نزلوا من نقد المقال إلى نقد القائل فليس يعنيني شأنهم ويغفر الله لنا ولهم .

 

من ردود الفعل التي وصلتني : هل الكاتب مع الفيدرالية ( حلال ) أو ضدها ( حرام ) أو أنه بين بين ( شبهة ) أو ( فتنة ) ؟ إذاً هناك ثلاثة احتمالات ، وعليه يمكن أن يصنّف الكاتب في خندق ما من الخنادق المعروفة ليكون بذلك مناصرا لطرف ضد آخرَين ، وهو لا شك سيستحق المدح من ذلك الطرف بينما يستحق الذم من الآخرَين ، وربما تبرع بعض الشباب للبحث في الفتاوى ذات الصلة ليدققوا في مقدار موافقة الكاتب أو مخالفته لهذا المفتي أو ذاك ! هكذا يتعاطى مثقفو أهل السنة فضلا عن جمهورهم مع المشاكل المعقدة التي تواجههم !

واستطرادا قد يكون مفتاحا مناسبا لما أريد قوله ، لسنتين خلتا كُلّفت من قبل الجامعة بتدريس مقرر ( أصول الفلسفة ) ، أتيحت لي فيهما فرصة التعرف على علم كنت أظنه لا ينفع ، وقد أثارني تصنيف فلسفي على أساس عنصري ( الفلسفة العنصرية ) وهي تعتمد على تصنيف البشر إلى صنفين : الشعوب القادرة على إنتاج الفلسفة (المركبة) ويجعلون على رأسها ( الفرس ) والشعوب التي لا تنتج إلا المعرفة (الأحادية) ومنهم ( العرب ) وبناء عليه يقولون : إن الفرس قد أنتجوا فنا مركبا ( الزخارف المعقدة مثلا ) و أدبا مركبا ، وسياسة مركبة ..الخ ، بينما يقولون : إن العربي يميل إلى البسيط والواضح ( الأسود والأبيض ) ( مع أو ضد ) في الأفكار والعواطف والآداب والفنون ..الخ ومع استنكاري الشديد لهذا التصنيف العنصري ، إلا أنه مما يؤسف له أن شواهده تتكرر ولننظر بتمعن :

كيف يحافظ الفرس اليوم على تشبثهم بأئمة أهل البيت إلى حد المبالغة والتأليه ، وفي الوقت ذاته يطعنون في العرب ويستهينون بهم وهم أهل الآل وعشيرتهم وقومهم ؟ وليس الآل - رضي الله عنهم - إلا عربا، كيف يطعنون في شرعية كل خليفة لا نص عليه لأنه ( لا إمامة إلا بالنص ) ثم يتوجهون لبيعة الخميني والخامنئي أئمة لهم وليس فيهما نص ؟ كيف يجمعون بين النظام ( الثيوقراطي ) والذي يشبه النظام البابوي إلى حد كبير وفي الوقت ذاته يتناغمون مع ( الديمقراطية ) والتعددية الحزبية ؟ كيف يجمعون بين الطاعة المطلقة للمرجع العلمي وبين الانضباط بقواعد التنظيم واللوائح الحزبية ، كيف يتماشون بشكل صريح ومعلن مع المشروع الصهيوأمريكي في العراق وفي الوقت ذاته يقاومون هذا المشروع من خلال تبنيهم لحزب الله في معاركه مع إسرائيل ودعمهم للفصائل الفلسطينية ؟  حتى أصبح لإيران في ذهن المراقبين الحاذقين أكثر من صورة وأكثر من وجه .. وأذكر مرة أني واجهت آية الله تسخيري في البحرين ، وقلت له : كيف تفسّر لنا أن قوات بدر أصبحت محط ثقة الأمريكان وهي بنفس الوقت محط ثقتكم ؟ قال : نحن لا نريد أن يفلت خيط عراقي من أيدينا !! ثم أتبع .. قال : إن علاقتنا بالطالباني مع أنه ليس بشيعي ولا إسلامي ولا فارسي وهو على صلة بأعدائنا إلا أن علاقتنا به لا تقل عن علاقتنا بالحكيم ، ثم قال : أضيف لك : إن أشد فصائل المقاومة السنية عداء لنا والذين يكفروننا صباح مساء لكننا على تواصل وتعاون معهم !!

من الواضح في هذه الأمثلة العاجلة وبغض النظر عن حكمنا عليها دينيا أو خلقيا ، إلا أن إيران لها القدرة أن تسير بوقت واحد في خطوط معقدة وشائكة ومتناقضة ، وأذكر أني في قناة الجزيرة سألت المحلل السياسي الإيراني محمد صادق الحسيني عن إيران وسر هذا الغموض في سياساتها ، فقال : إن إيران كتاب مفتوح لكل قارئ ليس عندنا ما نخفيه لكن هذا الكتاب مليء بالألغاز !! أضاف : إن في إيران أكثر من مطبخ سياسي واستراتيجي ، أكثر من خط أو تيار ، وبينها من التناقضات الشيء الكبير ، لكن كلها منضبطة بأداة تحكم واحدة .

نعود إلى طرفنا السني ( العربي ) فنسأل أولا : هل أنت مع المقاومة ؟ أو مع العملية السياسية ؟ للإجابة على هذا السؤال انقسم السنة على قسمين ( مع المقاومة ) إذاً هو لا يشارك في العملية السياسية ولا يلوّث مسبحته ( سبابته ) ، أو مع العملية السياسية إذاً عليه أن يتبرأ من ( الإرهاب ) ! بعد مضي فترة انتظر أنصار الخيار الأول أن يفتح الله عليهم فيدفع عنهم شر المليشيات والجثث مجهولة الهوية ، وينصفهم من التهميش في التعليم والخدمات والوظائف ، فالحياة لا تستقيم باستهداف الأرتال الأمريكية فقط ، ثم ماذا لو طالت المواجهة لعقد أو عقود ، هنا بدأ السؤال الأحادي أيضا : هل يجوز المشاركة في الانتخابات ؟ وجاء الجواب من هنا وهناك بصوت أعلى من الأول : نعم يجوز ، فأكل الميتة يجوز للمضطر !! ( وقد وردت هذه العبارة في الفتوى الذي تبناها الكاتب نفسه ) فاندفع الناس للمشاركة بمعنويات عالية وقلبوا كثيرا من المعادلات والمسلمات في النسب والتوازنات ، تنفسوا الصعداء ، وحققوا نجاحا كبيرا إلى الحد الذي أحرج أصحاب الخيار الأول! لكن الانتخابات لم تحقق لهم ما يريدون ، عضوا أصابع الندم !! لكن الندم على ماذا وإلى ماذا ؟ لا جواب ، وهنا توقفت السبل وأغلقت الأبواب ، فالمقاومة لم توفر لهم الأمن ولا الصحة ولا التعليم- وليس مطلوبا منها ذلك - ، والانتخابات كذلك لم تحقق لهم ما يريدون ، مع الفارق أن المقاومة أكسبتهم سمعة طيبة ومجدا ستذكره الأجيال .. لكن أين الأجيال القادمة وكيف سنحافظ عليهم بلا تعليم ولا صحة ولا وظائف ولا كهرباء ؟! هنا انبثقت فكرة الأقاليم ، إنه الحل الثالث وقد شجع هذا الخيار وجود نموذج ناجح ( الإقليم الكردي ) ، المالكي لا يستطيع أن يرسل قواته إلى السليمانية أو أربيل هذا يكفي ! قال أحد شيوخ عشائر الأنبار : إن عصا المالكي طويلة نريد أن نقصّرها .. ولكن كالعادة ينقسم أهل السنة وللمرة الثالثة بثقافة ( مع أو ضد ) ثم بعد التخندق الجيد يذهبون يتلقفون الفتاوى ، شيخنا ما تقول في الفيدرالية حلال أم حرام ؟ نفس الصيغة ونفس السؤال عن الانتخابات والدخول في الجيش والشرطة ..الخ لتبدأ حالة من الجدل والاتهامات وليخسر الجميع في نهاية المطاف ، وفي كل جدل من هذا النوع نخسر قدرا من أخوتنا وعلاقاتنا وربما شيئا من ديننا وأخلاقنا ، وربما الأخطر أن نخسر ثقتنا بعلمائنا وقادتنا .

ومن هذه الثقافة الأحادية تولد الفهم الخاطئ لمقالتي الأولى ، واليوم ولكي تؤتي المقالة ثمرتها العملية لنسأل أولا : هل نحن نريد فتوى في قضية ؟ أو نريد حلا لمشكلة ؟ الفرق بين السؤالين كبير ، فالسؤال الأول يمكن أن يكون بالهاتف كما سمعت مؤخرا ، ويمكن أن يكون من مجتهد واحد ، ويمكن أن تختلف الفتاوى ، والاختلاف رحمة !! وتبرأ ذمة السائل بتحريه عن من يثق بعلمه وتقواه ، أما إذا أردنا أن نحل المشكلة ، فالأمر سيختلف ، إذ علينا أن نطرح المشكلة كلها وبكل جوانبها وزواياها بما يشبه قاعدة ( السبر والتقسيم ) ونرتب أوّلياتها وأولوياتها ، ولا نكتفي باجتهاد الفقيه ولا الفقهاء لوحدهم ، بل لا بد من جمع كل المختصين من سياسيين واقتصاديين وأصحاب الخبرات المختلفة ..الخ ثم نبدأ بافتراض الحلول ، وقطعا لن تكون هذه الحلول بصيغة الفتاوى ( حلال أو حرام ) وإنما ستكون بنظرية شاملة ومركبة ، وحتى إذا اختلفنا فإننا سنختلف في برامج مركبة وليس في مواقف آنية أو فتاوى جزئية ، وهنا فقط سوف لن يكون مجال للعابثين والمتطفلين ، سوف لن يتخندق الجمهور في خنادق متقابلة ، فالمسألة ستكون متداخلة وقد يكون الصواب في جزء من هذه النظرية وهناك صواب آخر في النظرية الأخرى ، وهكذا ..

اذاً الاعتراض هنا ليس على هذه الفتوى أو تلك ، وإنما الاعتراض على طريقة التفكير الكلية عند أهل السنة وهذا ما قصدته ب (الأخطاء المنهجية )، فالأخطاء ليست في الفتاوى والإجابات السريعة أو المقتضبة ، لكنه من الأصل هل هذه الطريقة هي التي ستحل معضلة أهل السنة ؟ أو لا ؟ وهنا لا بد أن نشير بومضة سريعة إلى نموذج ملموس ، يطرح الدكتور طه الدليمي قضية الفيدرالية عنوانا للحل ، وفي الوقت الذي تناول فيه الفيدرالية تعريفا وتصنيفا ، تناول أيضا الواقع السني والواقع الشيعي والواقع العربي والواقع الإيراني بتحليل مركب فهو يقدم رؤية دينية ونفسية وتاريخية ، فهو يفكر بطريقة منهجية مركبة ، ولم يتناول الفيدرالية كفتوى ( حلال أو حرام ) وفي تقديري هذه طريقة تفكير صحيحة منسجمة مع مشروعه ( البحث عن الحل ) بغض النظر عن صوابية استنتاجاته العلمية التفصيلية ، لكن الطرف الآخر ( المناهض للفيدرالية ) لم يقدم للآن نظريته المتكاملة للحل ، إننا نسمع فكرة محورية تتلخص بمشروع الثورة ( على غرار الثورات العربية ) كمشروع مكمل لمشروع المقاومة ، لكن ما هي نسبة نجاح مثل هذا المشروع في العراق ؟ وهل راعى هؤلاء الانقسام الحاد بين مكونات الشعب العراقي ؟ ولو فرضنا أن المالكي سيسقط بهذه الثورة فما هي الخطوة الأخرى كيف نصحح وضع الجيش الحالي المتكون من طائفة واحدة فقط ؟ ..الخ  إننا نطمح أن نقرأ أجوبة تفصيلية تشخص الحالة العراقية والمعضلة السنية بشكل مركب ، وكل هذا يحتاج إلى عقل منفتح وتفكير مريح ( غير مأزوم ) .

وعلى صلة بالموضوع كان لا بد من إزاحة القيود التي تكبل العقل السنّي ، فالإرهاب الفكري بالتسقيط أو التشهير أو التكفير كل هذا مع أنه معيب ومخجل ، وهو مع أنه يفتقر لأبسط شروط المصداقية ، فإنه مناف للواقع ، فالذي يجابه قوة الشيعة المتغلبة اليوم والمدعومة من حكومة وجيش وقوى أمنية ودولة كبيرة إنه قطعا يواجه المخاطر أكبر بكثير من الذي يدعو اليوم لمقاومة الأمريكان ، فالأمريكان لم يعد لهم وجود عسكري يمكن استهدافه ، فإذا كان مقياس الصواب والخطأ والحكم على النوايا بقدر الاستعداد للتضحية ، فقطعا الذي ينذر نفسه اليوم لمقارعة الخطر الشيعي هو الأكثر تعرضا للمخاطر ، ومن الناحية العملية فإن سياسة التسقيط هذه هي  محاولة لتكريس النظرة الأحادية والتي تأمرنا أمرا أن ننتظرها سنين عددا حتى إذا فشلت انتقلنا إلى غيرها ، لأن أصحابها لا يتركون لنا أي هامش لفحصها الآن بالنقد والنظر ، ولإزاحة هذه القيود الوهمية  تطلب الأمر أن أضرب أمثلة واضحة من الممارسات الإسلامية الناجحة والتي قد تفتح مجالا أوسع للتفكير، فالأمة شهدت أنواعا من النظم السياسية الشورية والوراثية والمركزية واللامركزية ، وقد رأينا قيام الدولة الأيوبية بجوار الخلافة العباسية ، وكان صلاح الدين يملك السلطة العليا في دولته ، ولم تكن صلته بالخليفة إلا في الأشكال والرسوم والمشتركات الإسلامية العامة ، ومع نزاهة صلاح الدين وورعه لم يتنازل عن سلطته لصالح سلطة الخليفة في بغداد ، وكان معه علماء ومع الخليفة علماء ، ولم أقرأ فتوى بتكفير صلاح الدين أو تخوينه ولا حتى لومه وتقريعه ، فلو كان هذا مخالفا للثوابت الشرعية كيف سكت كل علماء عصره وحتى علماء اليوم ؟ نعم ربما كان صلاح الدين لا يرى في الخليفة رغبة عملية في تحرير بيت المقدس ، فأصبح عند صلاح الدين هدف آخر غير هدف الوحدة ، وهو هدف تحرير بيت المقدس ، وبقضية معقدة وازن صلاح الدين بين هذه الأهداف ليضع خطته المدروسة بلا ردّات فعل ولا انفعالات نفسية آنية ، بل إن صلاح الدين ذهب أبعد من هذا حيث أنه ضم الموصل إلى دولته وقال كلمته الشهيرة ( إن فتح الموصل إلى بيت المقدس موصل ) والسؤال هنا : كيف فتح صلاح الدين الموصل ؟ ومن أين أخذها ؟

إني هنا لا أدعو إلى استنساخ تجربة تاريخية ما ، مهما كان مجدها ونجاحها ، فما كان صوابا هناك قد لا يكون صوابا هنا ، وما كان خطأ هناك قد لا يكون خطأ هنا ، ولا أني أقول إن التجربة الأيوبية تشبه الفيدرالية الموجودة في دستور العراق اليوم !! ولكني أريد فقط أن أقول : إن ما يسميه الناس ثوابت شرعية مقدسة لا يجوز للمجتهد تجاوزها ليس كله كذلك ، وإننا اليوم لا نحتاج إلى فتوى تقول لنا : الفيدرالية حلال أو حرام ، حتى نناقش الأدلة والشواهد ، وإنما نحتاج إلى نظرية متكاملة للإنقاذ قد تكون الفيدرالية جزءا منها وقد لا تكون ، وقد تكون المقاومة جزءا منها وقد لا تكون ، وقد نقدم حلا ونؤخر آخر ، ونغيّر ونعدّل بحسب المستجدات وطبيعة التحديات ، إنها نظرية مركبة ، وإنها نظرية قابلة للتشكُّل المستمر ، وهذا ما ركّزت عليه في الثلث الأخير من مقالتي السابقة لكن الأبصار غفلت أو تغافلت عنه .

قال لي معلمي يوما : إن النجاح الجزئي قد يعجل بهلاك صاحبه ! فسائق السيارة الذي ينجح في تطوير سيارته فيضاعف قدرتها على السرعة ، دون أن يعرف طبيعة الطريق ونهاياته ، قد يهوي به نجاحه هذا في الوادي السحيق ، فإنما الأمور بخواتيمها ، وإنما الأعمال بنتائجها .

إنها ليست مسألة فتوى أو موقف ، إنها أن نكون أو لا نكون ، وأكرر ( إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا ً تهوي به في النار سبعين خريفا ) ، ولا أقول كما قال ذلك الرجل المسكين - هداه الله وأحسن خاتمته - في معرض رده وجدله الصاخب :

سلام على كفر يوحّد بيننا          وأهلا وسهلا بعده بجهنم

ولكن أقول :

سلام على الإسلام ديني ودولتي      وبُعدا لأهل الكفر أهل جهنم

وليس ولائي  للتراب وإنمــا      ولائيَ للإسلام مع ْ كل مسلم

اللهم قد بلغت ، اللهم فاشهد .. اللهم لا تجعل أحدا من خلقك يأثم بسببي .. رب اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ