ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 14/01/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

"الإخوان" السوريون

حازم الأمين

الجمعة 13 كانون الثاني 2012

لبنان الان

تتهم أطراف في المعارضة السورية "الاخوان المسلمين" بانهم أول من سيجري صفقة مع النظام في سورية في حال عُرضت عليهم. فيرد الاخوان بان عروضاً من النظام تصلهم على نحو دوري الى اسطنبول حيث يقيمون. وليست الوساطة الايرانية التي كشفوا عنها الوحيدة على هذا الصعيد، بل سبقها وأعقبها وساطات قامت بها شخصيات عربية "مستقلة" من الجزائر والسودان ومن شخصيات سورية أيضاً. والجواب على ما يردد الاخوان "كيف نجري صفقة مع نظام لا افق له... الأمر بمثابة انتحار سياسي".

ثم ان جهد النظام لجهة الايحاء بان الاخوان هم من تُتقدم لهم العروض انما يندرج في سياق سعيه لتثبيتهم في واجهة المعارضة بصفتهم قوتها الأبرز. ففي نفس الخطاب الذي ألمح فيه الرئيس السوري بشار الأسد الى استعداده للحوار معهم، خرج عن النص المكتوب لكلمته واستعاد عبارة البعث الشهيرة: "الاخوان الشياطين". وهو ما يشي بان "الاستعداد للحوار" ليس أكثر من سعي لشيطنة المعارضة.

وسورية على ما تُرى من اسطنبول أشد تعقيداً وضعفاً مما هي عليه في لبنان او الأردن. ففي ييروت وعمان يُثقل على مُراقب دمشق حال الضعف والوهن الذي يكابده بلده، وما ان يفكر بما تشهده سورية حتى تساوره الظنون ببلده ومستقبله. ومن السهل عندها ان يرتعب جراء مشاهدة الرئيس السوري بشار الأسد في ساحة الأمويين، وان يقول "إننا في طور جديد تماماً، هو من الخطورة الى حد يدفع رؤوساء أقوياء الى ما دُفع اليه الأسد".

المشهد من اسطنبول ليس ناصعاً، لكنه مختلف عما هو من بيروت وعمان. فالمجلس الوطني السوري المقيم معظم الوقت في المدينة هو صورة عن وضع آخر. الاخوان المسلمون فيه خيار تركي، والعلمانيون خيار أوروبي، ومن السهل ان تسمع من "مراقب تركي" ان برهان غليون "دمية في يد الفرنسيين" (وعليك هنا ان لا تنسى ما ينطوي عليه هذا القول في ظل تأزم العلاقة بين انقرة وباريس بفعل ملف المجازر الأرمنية، وأيضاً بفعل الافتراق الذي أحدثه نجاح الخيار الفرنسي في ليبيا واخفاق التردد التركي).

وان تسأل مسؤولاً تركياً عما اذا كان "الاخوان" في سورية خيار "العدالة والتنمية" فلن تحار بجوابه على رغم جهده في عدم التأكيد والحسم. نعم انهم خيار تركيا، لكن الأخيرة ليست الشريك الأكبر في صناعة مستقبل سورية، وهو ما لم يقله المسؤول طبعاً، انما ما يمكن استنتاجه من الحضور الدولي والعربي الكثيف في اسطنبول.

لكن قدرة تركيا على الوصول الى "عقل" المعارضة في سورية أكبر من قدرة الأطراف الدولية الأخرى. فهنا يمكنك ان تعاين السرعة الاستثنائية التي تمكنت عبرها "العدالة والتنمية" من التحول الى نموذج لجماعات الاخوان المسلمين في الكثير من البلدان العربية. وها هم "مثقفو" الاخوان في سورية يتحدثون في اسطنبول عن خيار "الدولة المدنية" التي يتمكن فيها الاسلاميون من تشكيل الحكومة من دون المس ب"مدنية الدولة"، على ما فعلت "العدالة والتنمية"، وهذه على ما يبدو محاولة أولى للإنزياح عن النموذج، ذاك ان ما لم تمسه "العدالة والتنمية"، حتى الآن، ليس مدنية الدولة، بل علمانيتها.

ثم ان مشاعرك حيال "الدهاء الاخواني" لن تبددها حكايات هؤلاء عن "الخيار المدني التركي"، فجلهم قدم منذ أشهر قليلة الى اسطنبول. قدموا من السودان ومن اليمن ومن الأردن حيث كانوا يقيمون في حواضن أخوانية غير تركية. وبعضهم عرج قليلاً على الدوحة قبل ان يصل الى اسطنبول! والسرعة في تبني "الخيار التركي" لا يبعث على الاطمئنان.

لكن في اسطنبول يمكنك ان تختبر أكثر ان الأخوان ليسوا الشريك الأكبر في المعارضة السورية. ليسوا الاخوان المصريين، وليسوا حركة النهضة التونسية. وما يطمئنك أيضاً انهم يشعرون بالحاجة الى ولادة جديدة، وتدرك أطراف منهم انهم لم يكونوا في التاريخ السوري الحديث ضحايا فقط، انما أيضاً شركاء.

لن تحصل الولادة الجديدة من دون رواية مختلفة لحكاية الاخوان في سورية. ولا يبدو ان صوت الداعين الى تقديم هذه الرواية قوياً.

=================

التقرير المقبل لبعثة المراقبين..!

الراية القطرية

التاريخ: 13 يناير 2012

بات تاريخ التاسع عشر من الشهر الجاري موعد تقديم بعثة المراقبين العرب تقريرها الثاني حول مهمتها في سوريا إلى الجامعة العربية حاسمًا فالمفترض بالتقرير الذي سيقدم لمجلس وزراء الخارجية العرب وإلى اللجنة الوزارية العربية المعنية بالأزمة السورية أن يجيب عن سؤال بات يتردد بقوة في الشارع السوري وفي أروقة الجامعة العربية حول الجدوى من استمرار مهمة بعثة المراقبين العرب في ظل العجز عن تطبيق أهم بنود البرتوكول الذي وقعته الحكومة السورية والمتمثل بحماية المواطنين السوريين وهو البند الذي لم يتحقق حيث ازدادت أعداد الضحايا من المواطنين السوريين الذين يجري استهدافهم بالقتل من قبل أجهزة الأمن والشبيحة في المدن والبلدات السورية في ظل وجود بعثة المراقبين العرب.

الجامعة العربية التي وصف أمينها العام نبيل العربي في آخر تصريحاته الصحفية "الوضع في سورية بأنه مقلق" أصبحت مطالبة أمام الشعب السوري وأمام الشعوب العربية باتخاذ إجراءات ملموسة وفعالة تؤكد قدرتها على القيام بدورها في هذه المأساة التي دخلت شهرها العاشر دون أفق بأن يتوقف شلال الدم في سوريا.

لقد كان معالي رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني صريحًا حين قال في المؤتمر الصحفي المشترك مع وزيرة الخارجية الأمريكية"إن مهمة المراقبين العرب في سوريا لم تنجح"، مشيرًا في نفس الوقت إلى "أن الحكومة السورية غير مستعدة لتغيير منهجها في التعاون لحل الأزمة حسب رغبة الشعب السوري".

إن عدم تجاوب الحكومة السورية مع جهود اللجنة الوزارية العربية ووضعها العراقيل أمام مهمة بعثة المراقبين العرب قد يؤدي إلى عجز الجامعة العربية - التي تشهد تباينات في مواقف دولها في كيفية التعاطي مع الأزمة في سوريا - عن التعاطي بفاعلية والوصول إلى مخرج من الأزمة في سوريا وهو ما يفتح الباب أمام تدويل الأزمة خاصة أن التحركات الدولية في مجلس الأمن قد استؤنفت مجددًا في محاولة لإصدار بيان يدين عنف النظام ضد الاحتجاجات الشعبية في سوريا.

مبادرة الجامعة العربية- حتى هذه اللحظة- ما زالت تشكل أرضية حقيقية للخروج من النفق المظلم الذي دخلته سوريا بسبب تعنت النظام هناك فوقف القمع وقتل المدنيين وتحرير جميع السجناء السياسيين، وعودة القوات الأمنية إلى الثكنات، ودخول وسائل الإعلام الدولية إلى الأراضي السورية كفيل بتوفير مناخ جديد في البلاد يؤسس لمرحلة انتقالية تشارك فيها جميع الأطراف في سوريا وتحقق مطالب الشعب السوري بالحرية والديمقراطية.

=================

الشعب السوري يصنع «الربيع العربي»...

خيرالله خيرالله

الرأي العام

13-1-2012

من كان يصدّق أن الشعب السوري سينتفض. من كان يصدّق ان ثورته ستكون أمّ الثورات العربية وانه يصنع بالفعل الربيع العربي من المحيط إلى الخليج؟ لدى التمعّن بالأحداث العربية التي لا سابق لها والتي شهدها العام 2011، يمكن القول بسهولة ان حدث الأحداث كان الشعب السوري. كان رجل السنة وكلّ سنة. فاجأنا الشعب السوري بقدرته على المقاومة والممانعة في وجه نظام لم يكن له هدف سوى القضاء عليه وتطويعه وحرمان أفراده من حقّ المواطنة. نعم، إن الشعب السوري كان رجل العام 2011 وهو رجل السنة 2012. من كان يتصوّر ان الشعب السوري سيصمد كلّ هذا الوقت في مواجهة نظام لم يكن لديه من همّ سوى مصادرة ارادته وتحويله الى مجرّد ارقام على غرار ما هو حاصل في كوريا الشمالية حيث خلف كيم جونغ ايل والده كيم ايل سونغ، ثم خلف كيم جونغ اون والده كيم جونغ ايل!

سورية ليست كوريا الشمالية، علما ان الشعب الكوري يمكن أن يفاجئنا يوما. سورية شعب يقاوم النظام ويرفض الخضوع له. تضم سورية مجموعة من المكونات لا تزال تسعى الى قيام دولة ديموقراطية تعيش بشكل طبيعي في الشرق الأوسط بعيدا عن وهم اسمه وهم الدور الاقليمي الذي لا وجود له. بكلام اوضح، سئم الشعب السوري من المتاجرة به ومن عملية الهروب المستمرة الى الأمام التي لم تنطل عليه يوما. كان الشعب السوري يعرف ان كلّ ما في الأمر انّ الكلام عن «مقاومة» او «ممانعة» ليس سوى مبرر لتدجينه وافقاره وانتزاع حقوقه البديهية وتحويله الى مجرد قطيع. لذلك انتفض الشعب السوري. كان مفاجأة الربيع العربي الذي لم يزهّر ولن يزهّر إلا في دمشق. لا قيمة للربيع العربي إذا لم يزهّر في دمشق وينتج نظاما جديدا يكون قدوة للعرب وغير العرب في المنطقة بعيدا عن اي نوع من الظلم او التعصّب او العنصرية او التزمت الديني.

قليلون راهنوا على الشعب السوري. معظم العرب والأجانب اعتقدوا أن لا أمل يرتجى من سورية وان النظام القائم قادر على مقاومة ايّ انتفاضة شعبية. فاجأ السوريون معظم العرب وغير العرب، بما في ذلك اوروبا والولايات المتحدة. نزل السوريون الى الشارع. سينزلون بأعداد اكبر على الرغم من القمع والظلم والاعتقالات العشوائية التي لم توفّر بعض أنقى السوريين وأكثرهم تعلّقا بالوطن والعروبة الحضارية. في النهاية، لن يصحّ الا الصحيح. لم يكن ممكنا إلاّ ان ينفجر الوضع في سورية لأسباب موضوعية. في طليعة هذه الاسباب ان النظام لم يكن قادرا على إيجاد حلّ لايّ مشكلة من المشاكل المطروحة منذ سنوات عدة بدءا بحرية التعبير وانتهاء برغيف الخبز مرورا في طبيعة الحال بتأمين حدّ أدنى من المساواة بين المواطنين بعيدا عن الطائفية والمذهبية.

كان السوري العادي يعرف تماما ان الشعارات التي يستخدمها نظام غير قادر لا على الحرب ولا على السلام انما تصب في خدمة عائلة ومجموعة تابعة لها لا هدف لها سوى البقاء في السلطة. كان همّ النظام محصورا في بقائه في السلطة. لم يفهم هذا النظام معنى الخروج العسكري من لبنان نتيجة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه. لم يفهم معنى التغيير الاستراتيجي الذي شهدته المنطقة والذي يتمثّل في انه اصبح، نتيجة الاغتيال، تحت رحمة إيران في لبنان. لم يتعلّم شيئا من التجارب التي مرّ بها. على العكس من ذلك، تمسّك بالكتاب القديم الذي يقرأ منه اركان النظام والذي يقوم على فلسفة إلغاء الآخر.

بقي النظام يقرأ من هذا الكتاب الى ان فوجئ باليوم الذي اكتشف فيه انه لم يعد أمامه سوى إلغاء شعبه. الى الآن، لم يستطع النظام استيعاب ان ذلك ليس ممكنا وان إلغاء الشعب السوري لن يحلّ المشكلة العضوية التي يعاني منها تاريخيا، أي منذ نشوء الكيان السوري. كلّ ما في الأمر ان على النظام في سورية مواجهة الحقيقة المرّة المتمثلة في انه أوصل البلد إلى أزمة نظام وكيان في الوقت ذاته وان تعليم السوريين في المدارس ان لبنان وفلسطين والأردن ولواء الاسكندرون جزء من سورية الطبيعية ليس سوى نكتة. ربما تكمن المشكلة في ان النكتة طالت أكثر مما يجب وانه آن آوان مواجهة الواقع.

يقول الواقع بكلّ بساطة ان النظام السوري الذي قام على سياسة الابتزاز غير قابل للإصلاح وان الشعب السوري يعرف ذلك. أكثر من ذلك، إذا كان النظام يراهن على الانقسامات في صفوف المعارضة، فانّ هذا الرهان ليس في محله. لا مكان لمثل هذا النوع من الرهانات لانّ مشكلة النظام ليست مع المعارضة. انها مع الشعب اوّلا واخيرا. لم يعد الشعب السوري يقبل العيش في قفص. انه يعرف ما يدور في العالم ومطّلع على ادق التفاصيل. انه يعرف ان النظام الذي ينادي بالعلمانية في سورية لا يمكن ان يكون صادقا مع شعبه عندما يدعم «القاعدة» في العراق وحزبا مذهبيا مسلحا تابعا لإيران في لبنان.

خلال نحو نصف قرن من جود هذا النظام السوري الذي بدأ في العام 1963 بعثيا مدنيا وانتهى نظاما عائليا- بعثيا، لم يتغيّر شيء. كان الهدف منذ البداية إلغاء الشعب السوري. تبين ان الشعب السوري لا يقبل إلغاء نفسه وان سورية ليست كوريا الشمالية. فاجأ السوريون النظام مثلما فاجأه قبل ذلك اللبنانيون. تبين ان السوريين، مثل اللبنانيين، متعلّقون بثقافة الحياة وانهم يرفضون الشعارات الطنانة التي لا تنطلي على احد. انّهم رجل السنة وكلّ سنة. ستظلّ سورية قلب العروبة النابض. لكنّ الكلام هنا عن العروبة الحضارية وليس عن عروبة المزايدات التي لا تصبّ سوى في خدمة دولة عنصرية اسمها إسرائيل لا أكثر ولا اقلّ.

=================

سوريا: نظام المصفاة ساقط وزواله مسألة وقت فقط

أحمد العالم

المستقبل

13-1-2012

بداية يمكن القول، ان صباح يوم 25 كانون الثاني يناير، حسم مصير أنظمة الاستبداد والقهر، الاستئثار والفساد والتوريث، في العالم العربي، فسقوط نظام حسني مبارك، قرر مصير كل الأنظمة المشابهة، في العالم العربي، القائمة على تمتع الرئيس بصلاحيات مطلقة، وتحكّمه بالسلطتين التنفيذية والتشريعية، وسيطرة العائلة ومجموعة من رجال الأعمال المقرّبين، على مقدّرات الاقتصاد الوطني وثروات البلد المهمة والنوعية، علماً أن الجمهوريات العربية وبلا استثناء، مثّلت استنساخات للنظام المصري.

إذن بناء على المعطيات والشواهد السابقة، يمكن الاستنتاج أن النظام السوري سقط، مع سقوط نظام حسني مبارك، غير أن ثمة دلائل وبراهين أخرى، تؤكد أنه سقط نظرياً أو اكلينيكياً، وزواله نهائياً بات أيضاً مسألة وقت، أسابيع ربما شهور ولكن ليس سنوات بالتأكيد.

كان النظام السوري طوال عقود أشبه بجوزة صلبة، ذات قشرتين خارجية وداخلية، وكل واحدة منها، تتكون من عدة طبقات، غير أنها تأكلت في معظمها، بشكل تدريجي ولكن متواصل، طوال الشهور الثمانية الماضية.

القشرة الخارجية تكونت من طبقتين، إقليمية ودولية، شملت الأولى التحالفات، والعلاقات التقليدية والتاريخية الراسخة أو المستجدة، مع المحيط العربي والإسلامي، أي مع مصر والسعودية والأردن وقطر ولبنان والعراق وايران وتركيا وفي الشهور الأخيرة وصلت الأمور إلى حد القطيعة، مع القاهرة والرياض والدوحة وأنقرة، وثمة سجال حاد في بغداد وبيروت، عن جدوى الاستمرار في الحفاظ على العلاقات مع النظام السوري الساقط، والبقاء بالتالي خارج الإجماع العربي والدولي، ونقاش مماثل وأن أقل حدة وعلنية في طهران، علماً أن هذه لن تكون قادرة وحدها، على حماية النظام من مصيره المحتوم، وكما قال الديبلوماسي والسياسي أحمد جنتي، فإذا أحرق النظام كل مراكبه فما جدوى أي دعم ومساندة له.

الطبقة الثانية من القشرة الخارجية، تمثّلت بالعلاقات الدولية، مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا والصين، والقوى الصاعدة مثل البرازيل جنوب أفريقيا والهند، علماً أن النظام حرص تاريخياً، على قنوات مفتوحة مع واشنطن، تفاهمات إقليمية ولو بالحد الأدنى - باستثناء فترة جورج بوش الابن - وعلاقات جيدة مع أوروبا، وتاريخية مع روسيا والصين، وانفتاح على القوى الصاعدة في أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية وواضح الآن أن العزلة الدولية تبدو شبه كاملة، حيث القطيعة التامة مع أميركا وأوربا والتصويت الجارف ضد دمشق، في لجنة حقوق الإنسان التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتبدّل الواضح في لهجة الصين ومقاربتها للأحداث، والتحوّل في الموقف الروسي قد يكون مسألة وقت فقط، خاصة بعد القرار الأخير للجامعة العربية، وفرض العزلة السياسية الديبلوماسية والاقتصادية ضد نظام الرئيس بشار الأسد.

القشرة الداخلية من الجوزة الصلبة، أو بالأحرى التي كانت صلبة، تكوّنت بدورها من عدة طبقات، أولها هيبة النظام وسطوته الهائلة وجبروته وترويعه للناس، لدرجة منعهم من التفكير في مجرد الخوض في المسائل السياسية، ناهيك عن النزول للشارع والتظاهر، والمطالبة بإسقاطه بل إعدام رموزه، ومنها أيضاً القبضة الأمنية الهائلة، من قبل أجهزة المخابرات المتعددة المسميات والصفات والوظائف، مع التلاقي على قهر الناس والتلصص عليهم، وإذلالهم المنهجي وكسر وقتل إرادة التحدي والثورة فيهم، القشرة تضم كذلك الجيش الممسوك بقبضة حديدية، والذي كان لأربعة عقود، أحد أسلحة النظام لتكريس سلطته وسطوته، إضافة إلى رجال الدين السنّة، الذين تم تدجينهم ودفعهم بالاتجاه الصوفي الدراويشى، بعيداً عن السياسة والاقتصاد والمجتمع، وأخيراً الطبقة الاقتصادية، التي استفادت من انفتاح النظام وعلاقاته الخارجية، والتي تتركز بشكل رئيسي في دمشق وحلب.

القشرة الداخلية تأكلت بطبقاتها المختلفة، بشكل منهجي ومتواصل طوال الفترة الماضية، فلم يعد للنظام أي هيبة أو قدرة ردع، مع استمرار نزول الناس للشوارع لتسعة شهور، واصرارهم على المضي في الثورة، حتى تحقيق أهدافها، بل والتجرؤ على المطالبة بإعدام قادة النظام ورموزه، وباتت الأناشيد الخاصة بذلك لازمة للتظاهرات، وحتى لنغمات أجهزة الهاتف المحمول، ولم تعد أجهزة الأمن رغم جرائمها، التي يندى لها الجبين، والعائدة إلى العصور الوسطى، والتي تصل إلى درجة الجرائم ضد الإنسانية، قادرة على قهر الناس، كسرهم، وقتل إرادة الثورة والتمرد في نفوسهم، بينما تزداد الانشقاقات في الجيش يوماً بعد يوم، ولم يعد هذا حامي الديار، وإنما قاهراً وقاتلاً للشعب، في سياق معركة النظام اليائسة، من أجل البقاء. أما رجال الدين، وبعد الاعتداء على المساجد واقتحامها حتى قصفها، وإهانة كبار رموزهم مثل الشيوخ أسامة الرفاعي وكريم راجح ومفتي حلب المرحوم إبراهيم سلقيني، فقد تخلوا عن حيادهم السلبي، وعادوا للانحياز للشعب - ولو بشكل جزئي - مدافعين عن حريته في التعبير عن آماله وطموحاته، وحقه في تقرير مصيره بنفسه، بعدما صودرت إرادته والدولة ككل، لصالح النظام ثم الحزب ثم العائلة أما الطبقة الاقتصادية في الشام وحلب، فواضح أيضاً التململ في صفوفها، وبعد العزلة السياسية الخارجية، والعقوبات الاقتصادية العربية والدولية الصارمة، سيكون الأمر مسألة وقت أسابيع وشهور وليس سنوات، كي يصلوا إلى الاستنتاج الحتمي، في أن مصلحتهم الشخصية، كما مصلحة البلد استقراره وأمنه، تقتضي سقوط النظام، وحدوث ذلك بشكل أسرع يوفر المزيد من الخسائر البشرية الاقتصادية والاجتماعية.

غالباً ما تم طرح السؤال، عن أسباب عدم استقالة، أي من السفراء أو المسؤولين الكبار الآخرين في الدولة، كما كان الحال في اليمن مثلاً، والحقيقة أن ذلك يعود إلى أسلوب المصفاة، الذي اتبعه النظام منذ أربعة عقود تقريباً، للحفاظ على سطوته وبقائه، ففي الجيش مثلاً يتم إرسال جميع الضباط، عند بلوغهم رتبة عقيد، إلى دورة أركان حرب، يحصلون في ختامها على رتبة عميد، ثم يتم إدخالهم إلى المصفاة فيذهب معظمهم إلى البيت، مع امتيازات أفضل، ويبقى ويرفع فقط فقط من هم قريبون من العائلة، والأجهزة الأمنية، نظام المصفاة نفسه، نراه في الخارجية والوزارات والمؤسسات المهمة الأخرى، السياسية والإعلامية والأمنية، بحيث لا يصل للدرجات والوظائف العليا، إلا المقرّبون أصحاب الولاء الأعمى للنظام ورموزه، والموظفون المخبرون لدى أجهزته الأمنية المتعددة، والانشقاقات الأخيرة في الجيش، تقدم البرهان الواضح على هذه الحقيقة، حيث معظم المنشقين رغم أنهم يعدون بآلاف من الجنود وصغار الضباط، وأرفعهم رتبه بدرجة عقيد لم يصل إلى المصفاة بعد.

إذن وبناء على ما سبق، يمكن الاستنتاج أن نظام المصفاة انتهى نظرياً واكلينيكيا، وسقوطه عملياً بات مسألة وقت فقط، والزمن يقاس بالأسابيع والشهور، وليس بالسنين علماً أن في دولة مثل سوريا، حيث النظام الحديدي، والسطوة والقبضة الأمنية الصارمة، فإن خروج الناس للشارع للتظاهر والمطالبة بإسقاط النظام وإعدام رموزه، ليس لمئة ولا حتى مئتين وإنما لثلاثمئة يوم، يعني أن النظام سقط فعلاً، ومنذ اليوم الأول لانهيار هيبته وجبروته، اللذين مثلاً تاريخياً خط الدفاع الأول، والأقوى عنه في مواجهة الشعب.

=================

مستفيداً من الخلاف في الجامعة ومجلس الأمن .. الأسد ينتقل من موقع الدفاع إلى الهجوم

اميل خوري

2012-01-13

النهار

بعدما انتقل الرئيس بشار الأسد من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم بغية حسم الوضع عسكرياً ومن ثم يبدأ الحل السياسي مستفيداً من الخلاف العربي والخلاف الدولي على الحل المناسب للأحداث في سوريا، فإن السؤال الذي لا جواب عنه حتى الآن هو: ما العمل إذا فشلت كل المبادرات في وقف أعمال العنف والإفراج عن المعتقلين لتصبح الأجواء مهيّأة للتفاهم والتوافق؟

لقد بات واضحاً أن لا شيء يجمع الجامعة العربية على موقف حازم من الوضع في سوريا، وان مجلس الامن لا يستطيع إصدار قرار فاعل من دون أن يصطدم ب"الفيتو" الروسي. فما هو الحل إذاً؟ هل يترك الشعب السوري وحده يقلع شوكه بيديه ويسقط منه كل يوم عدد من القتلى والجرحى؟

يقول ديبلوماسي لبناني يتابع التطوّرات الاقليمية والاتصالات الدولية حول الوضع في سوريا، إن ما من ثورة شعبية ضد أي نظام وضد الحكام فيه نجحت ما لم يكن للجيش موقف منها او كان لتدخل خارجي شأن في هذا الموقف، لأنها تختلف عن الانقلابات العسكرية التي إذا فشلت يحاكم القائمون بها ويعتبرون خونة، وإذا نجحت فإن حكماً عسكرياً يقوم خلال 24 ساعة ويعتقل الحكام السابقين ويحاكمهم باعتبارهم خونة...

الواقع ان الكلمة الفصل في كل حركة ثورة شعبية او عسكرية هي للأقوى، فعندما رفض المفوض السامي الفرنسي في لبنان جان هيللو الافراج عن رجال الاستقلال المعتقلين في راشيا حذره المفوض السامي البريطاني الجنرال سبيرس من مغبة عدم الافراج عنهم لأن الجيش البريطاني سوف يزحف من عمان الى بيروت ليغير الوضع القائم فيها. عندها استجاب الفرنسي الأضعف طلب البريطاني الأقوى. وعندما قررت "الجبهة الاشتراكية الوطنية" المعارضة لعهد الرئيس بشارة الخوري القيام بتظاهرة ضخمة في العاصمة لتطالب باستقالته استدعى قائد الجيش وكان على رأسه اللواء فؤاد شهاب وسأله كيف سيتصرف حيال هذه التظاهرة. وعندما أجابه بأن الجيش لا يتدخل في صراع سياسي بين المعارضة والموالاة سلّمه على الفور كتاب استقالته وعهد اليه مسؤولية حفظ الامن في البلاد الى ان يتم انتخاب رئيس للجمهورية خلفا له. وعندما أبلغ الجيش المصري الرئيس حسني مبارك انه لن يكون طرفا في الصراع القائم بينه وبين المعارضة وانه سيقف على الحياد عند تحرك الشارع، اضطر الرئيس المصري الى تقديم استقالته، وهو ما فعله الرئيس التونسي زين العابدين بن علي عندما بلغه ان الجيش لن يقف معه لا بل ان ثمة محاولة لاغتياله. ولو لم يتدخل حلف شمال الاطلسي لحسم المعركة في ليبيا لكان الزعيم القذافي استمر في ضرب معارضيه حتى ولو أدى ذلك الى سقوط عشرات آلاف القتلى والجرحى. ولو لم تطرح دول مجلس التعاون الخليجي مبادرة لحل الازمة في اليمن ولم تمارس ضغوطا سياسية وعسكرية على الرئيس علي عبدالله صالح لما امكن الخروج منها، ومع ذلك فإنها لا تزال تواجه تجاذباً بين التيارات المعتدلة والتيارات المتشددة في اليمن.

والوضع في سوريا لا يختلف عن الوضع في اليمن، فالجيش السوري لا يزال يقف بغالبيته مع الرئيس الاسد ولا تزال فئة لا بأس بها من الشعب تعلن تأييدها له ويسقط كل يوم قتلى وجرحى في مواجهة مع أهل النظام مضى عليها حتى الآن 11 شهرا ولا احد يعرف متى تنتهي وكيف لأن الجامعة العربية فشلت حتى الآن في وضع حد لأعمال العنف ولا هي قادرة على اتخاذ قرار فاعل يحقق ذلك بسبب الخلاف بين اعضائها على اتخاذ هذا القرار، ولا مجلس الامن الدولي توصل حتى الآن الى اتخاذ موقف يضع حدا لما يجري في سوريا، ولا تركيا مستعدة لأن تأخذ على عاتقها مسؤولية الحسم من دون غطاء عربي او دولي. فمن هي إذاً الجهة القادرة على اخراج سوريا من أزمتها التي ستطول إذا لم تحسم لتشعل حرباً إقليمية يكون لبنان أحدى ساحاتها؟

يعتقد الديبلوماسي اللبناني ان دول الغرب إذا لم تتوصل الى اتفاق مع روسيا والصين على قرار يصدر عن مجلس الامن فإنها تصبح في مواجهة أحد الخيارات الآتية:

أولا، اللجوء مرة اخرى الى "الاطلسي" لمساعدة المعارضة على انصار النظام السوري، شرط الا يؤدي تدخله الى تدخل روسي مناوئ وإلى حرب أهلية تنتهي بالتقسيم.

ثانياً، ان يتم تكليف تركيا الأمر وذلك بفتح ممرات انسانية ومناطق عازلة بتنسيق مع ايران وموافقة عربية ودولية توصلا الى تسوية شبيهة بالتسوية اليمنية.

ثالثاً، ان تكلف دول الغرب روسيا ايجاد تسوية للأحداث في سوريا بالتنسيق مع الدول المعنية بعد اتفاق على تقاسم النفوذ في المنطقة.

=================

تدويل الأزمة السورية بين الأمل والواقع السياسي

نور الحلبي

2012-01-12

القدس العربي

لقد فشلت المبادرة العربية في سوريا بشكل عملي حسب ما يراه المراقبون السياسيون للملف السوري والتي أتت أصلا متأخرة مقارنة مع تحرك الجامعة العربية إزاء الملف اليمني رغم فشلها في حل الأزمة اليمنية حلا جذريا، وكذا سرعتها في التحرك إزاء الملف الليبي، ويرجع هذا التأخر إلى التشبيح السياسي الذي يمارسه النظام السوري في الدول العربية من خلال التهديد بالحرب الإقليمية والاقتصادية ونحو ذلك، وهذا ما نجح به النظام اتجاه تركيا التي لم نعد نسمع تصريحاتها القوية اللاذعة إزاء القضية السورية كما السابق، إضافة لتأثيراللقاء التركي الإيراني الذي حصل من قريب، وما جعل الدول العربية تتأخر في مبادرتها أيضا سكوتها بداية الأزمة بسبب الخوف من تأثر المنطقة كلها في حال تأزمت الأمور بشكل أكبر في الأراضي السورية؛ في حالة من التردد للإقدام على المبادرة قام الشعب السوري بحسمها من خلال إصراره على متابعة ثورته مهما كلفه الثمن، إضافة لضغط الدول الغربية على الجامعة لحل الأزمة بسبب عدم رغبة الغرب في التدخل العسكري وتدويل هذا الملف، وهذا ما تدركه الجامعة العربية جيدا.

وما يؤكد فشل المبادرة بشكل أوضح خطاب الرئيس السوري الأخير الذي يهاجم فيه رؤساء الدول العربية ويستهزئ بالمبادرة ويسمهم بالعملاء للغرب ونحو ذلك، فضلا عن مهاجمة المراقبين اليوم في الأراضي السورية من قبل الشبيحة في رسالة مفادها: طرد المراقبين ورفض المبادرة.

ورغم أن الجامعة العربية تدرك سلفا بعدم التزام النظام السوري ببنود المبادرة وأن بقاءه مرهون بقدرته العسكرية والأمنية التي إن تخلى عنها حسب ما تنص عليه بنود المبادرة يعني: أن سقوطه سيكون حتميا وسريعا، إلا أنها أرادت من خلالها عدم تدويل الأزمة مماشاة الغرب في عدم رغبتهم بتحريك هذا الملف، وأرادت حل المسألة عربيا من خلال المبادرة كخيار وحيد، وهذا ما جعلها اليوم تقرر بقاء المراقبين في سوريا على الرغم من عدم تنفيذ النظام السوري لبنود المبادرة.

ومن هنا تجد المعارضة الشعبية في سوريا والمعارضة السياسية عدا بعض الفئات منهم ممن يخشون تدمير المؤسسة العسكرية بسبب الانشقاقات التي تحدث في صفوف الجيش؛ أن سحب تلك القدرة العسكرية من يد النظام وتحويلها لصالح الثورة بما يعرف بالجيش الحر عامل هام في نجاح الثورة السورية وتحقيق الحماية للمدنيين، إذ يرى المجلس الوطني والمعارضة الشعبية ضرورة إحالة الملف لمجلس الأمن الدولي وتدويله غربيا للمطالبة بحماية السوريين من خلال إنشاء مناطق عازلة ونحوها والذي هو في حقيقته تدخل عسكري، إذ هذا الحظر الجوي يقوم من خلال طائرات عسكرية غربية تقوم باختراق الحدود الجوية السورية وحماية المناطق المحظورة، ورغم خطورة هذه الخطوة إن حدثت والتي لابد أن تكون مضبوطة إلا أنهم يرون فيها تشجيعا للمؤسسة العسكرية في الانشقاق عن النظام والوقوف مع الثورة وسحب القوة من يد النظام لتكون بيد الشعب ومن أجل حمايتهم، وبالتالي يكون سقوط النظام حتميا، وهذا ما سيحصل في حقيقة الأمر حسب رصد النشطاء في الداخل واتصالات كثير منهم مع قوى أمنية داخلية كثيرة وحتى من المقربين من النظام الذين يبدون استعدادهم لمثل هذه الخطوة في حال إنشاء مثل هذه المناطق والحصول على الأمان من بطش النظام، وهذا ما يخشاه النظام ويدركه تماما إن حدثت مثل هذه الخطوة، ولهذا يسعى لتحالفات دولية تجنبه قيام الغرب بإنشاء مثل هذه المناطق أو حدوث تدخل عسكري، والرؤية هذه للمجلس الوطني السوري بشأن تدويل الأزمة ونظرته تلك للجيش الحر تأتي في إطار تجنيب سوريا الدخول في حرب ومواجهات دامية بين الجيش الحر والجيش النظامي في حال بقيت الأزمة واستمر القتل والتنكيل مما يؤدي بالتالي لحرب أهلية قد بدت بوادرها في الآونة الأخيرة، والتي قد تتطور للحرب الطائفية التي يحاول النظام منذ بداية الثورة النفخ في نارها وإثارة فتنها.

وهذه النظرة للتدخل العسكري وللجيش الحر ترى فئة أخرى من المعارضة ممن يسمون بهيئة التنسيق الوطني خلافها إذ يعتبرون التدخل العسكري الغربي مأساة تؤدي لخسائر أكبر في الأرواح وتدميرا للبلاد وتأجيجا للمنطقة بأسرها، وإذ يتكلمون عن عدم استعداد الغرب لهذا التدخل يبدو انهم يفضلون طريق التفاوض والحوار رغم أنه من المعلوم أن النظام السوري لن يتنازل عن السلطة لا بالحوار ولا بالقوة حتى تنفذ كل أوراقه السياسية والعسكرية ولو أباد ثلث الشعب السوري كما ورد هذا التصريح من السلطة نفسها وهذا ما بات معلوما للجميع، فالنظام السوري يحارب شعبه والعالم وكل من يقف ضده على طريقة القذافي لكن من غير مواجهة ومجابهة علنية، وإنما بالكذب والمراوغة واللعب بكل الأوراق المتاحة لديه.

وأما مسألة عدم رغبة الغرب بالتدخل العسكري في سوريا فهي حقيقة واضحة وضوح الشمس عبرعنها وزير الخارجية القطري حين طلبت المعارضة من الجامعة تحويل الملف لمجلس الأمن بقوله: (ان الملف السوري موجود أصلا في مجلس الأمن الدولي..) إلا أن الدول الغربية لا تنوي تحريك هذا الملف وتدويل الأزمة ولو أرادت لأقدمت على ذلك منذ البداية كما في الملف الليبي وما الحديث المتكررعن طلب توحيد المعارضة من قبل الغرب والعرب إلا ذريعة لعدم الرغبة في التدويل مقارنة مع سرعة تدويل الملف الليبي رغم عدم وجود معارضة فيه سياسية ومجلس انتقالي في بداية الثورة الليبية، والقارئ للسياسة الغربية يدرك تماما أن الدول الغربية تتحرك ضمن مصالحها ولا مصالح ترجى سياسة أو اقتصادية في سوريا بل على العكس تماما ليس من مصلحتها التدخل أصلا في حالة الحرب التي تعيشها أمريكا مع إيران أحد حلفاء النظام السوري خوفا من إشعال حرب ضد اسرائيل هم بغنى عنها في الوقت الراهن، وحتى قد قيل في قراءة سياسية أخرى أن دعم روسيا للنظام السوري والتهديد باستخدام حق الفيتو في مجلس الأمن يدخل ضمن مصلحة الولايات المتحدة والدول الغربية وأنه قائم باتفاق فيما بينهم من أجل عدم تحريك هذا الملف والإبقاء على النظام السوري الداعم لإسرائيل بشكل غير مباشر على اعتباره خالقا للتوازن بين القوى في المنطقة من خلال أكذوبة الممانعة، وما التصريحات والتنديدات من قبل هذه الدول إلا ضرورة سياسية يقتضيها الواقع العام السياسي والإنساني فقط أمام الرأي العام، والسبب الأهم الذي يجعل التدخل أكثر استحالة وتحريك الملف السوري أكثر صعوبة هو حدوث القناعة الأكيدة لدى الدول الغربية والتي تترسخ يوما بعد يوم بأن النظام البديل للنظام السوري سيكون معبرا عن إرادة الشارع العربي وقيمه ومبادئه ومواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية خصوصا وأن سوريا بوابة العرب للقدس وأرض الجولان مازالت محتلة إلى الآن، وما يدل على دعم اسرائيل للنظام تصريح اسرائيلي: ينص على استعداد اسرائيل لاستقبال الطائفة العلوية في الجولان في حال سقوط النظام السوري، وما يزيد تخوف الغرب من النظام البديل في سوريا بشكل أكبر هو دخول الأحزاب الإسلامية اليوم في تونس ومصر المعترك السياسي بإرادة الشعوب وعلى طريقهم ليبيا، وهذا ما يرجح حدوثه في سوريا في حال سقوط نظام الأسد، لاسيما وأن الأغلبية العظمى في سوريا من أهل السنة، يلمح هذا التخوف من خلال تحرك واشنطن اليوم لأخذ التطمينات والضمانات من الإخوان وغيرهم من الأحزاب الإسلامية للاستمرار بعملية السلام: الأكذوبة التي لعبوا بها على الشعوب العربية لسنين طويلة وهذا ما يجب أن يحذره الإسلاميون اليوم، ويدركوا جيدا أن الشعوب لم تعد تصدق هذه الأكذوبة وتود الخروج من تلك اللعب السياسية وتسعى لتحقيق قناعاتها وحل قضاياها.

وإذ تخشى الجامعة العربية وهيئة التنسيق الوطني من التدخل العسكري في سوريا اليوم إلا أن النظام السوري استجلب الغرب للبلاد منذ بداية الأزمة وهاهو اليوم يدخل الأساطيل الروسية التي تعطيه الثقة والطمأنينة التي تحدث بها في خطابه الأخير ازاء التدخل في بلاده وتدويل الأزمة ومن المرجح أن دخول روسيا للبلاد قام بتأشيرة ومباركة غربية، روسيا التي من المتوقع أنها أصبحت اليوم تعد حلقة وصل لاتفاق بين أمريكا وإيران في شأن الملف السوري من خلال اللقاء الروسي الإيراني الذي حدث من قريب كما اللقاء الإيراني التركي تأكيدا على رفض تدويل الأزمة من الدول الكبرى، لعبة سياسية خاضعة للمصالح تلمح من خلال تساؤل هام يطرح نفسه أثناء فترة احتلال العراق في تمكين أمريكا للشيعة الذين تقف من وراءهم إيران في القضاء على صدام حسين ودخولهم السلطة وتمكينهم في العراق في إطار صفقات ومصالح اقتصادية وغير اقتصادية في الأراضي العراقية رغم حالة الخلاف والصدام التي تعيشها أمريكا وإيران، ومن المخيف أكثر أن تلك الاتفاقات اليوم بشأن الملف السوري تجري ضمن وضع استغلالي من الغرب للمبادرة العربية التي تدعم قمع الثورة من حيث لا تدري وبشكل غير مباشر وغير مقصود، وهذا ما يعطي النظام الثقة بالبقاء اليوم بشكل أكبر فيضرب الأسد في خطابه بالمبادرة عرض الحائط ويهاجم فيه الدول العربية...

وما يريده المجلس الوطني والمعارضة الشعبية اليوم وضع العالم أمام مسؤولياته والعمل على إحالة الملف لمجلس الأمن وتدويل الأزمة من خلال استغلال القوانين الدولية والحقوقية الإنسانية وهذا هو الأمل الوحيد اليوم للشعب السوري الذي تنتهك حقوقه كل يوم أمام مرأى العالم كله، والذي يرغب أن تكون الدول العربية داعمة له وهذا واجبها من باب الأخوة العربية، خصوصا وأن دخول المراقبين اليوم لسوريا كان فرصة ذهبية ليرى العرب ما يجري لأخوتهم السوريين على أرض الواقع ويدركوا حقائق الأمور رغم خطورة الوضع على المراقبين، وما يضع الأمل فيه الشعب السوري اليوم بعد الله ونصره هو الجيش السوري الحر الذي سيكون المخرج الوحيد لهم في حال تخلى العالم عنهم، وحتى لو كان النظام يملك أوراقا سياسية وعسكرية فالأهم والمعول عليه أولا وآخرا هو إرادة الشعوب ومن حق الشعب السوري نيل حريته وإعادة بناء بلاده بعدما أهلكها الفساد والفقر والخراب لأربعين عاما بعيدا عن اللعب السياسية كلها، ومن هنا حرب سلمية يعلنها الشعب السوري المنتفض على الظلم بكل أشكاله سلاحه فيها صوته، يصر هذا الشعب العظيم على خوضها ولو قتل جميعه معلنا (الموت ولا المذلة).

=================

مشروعية تخوف علمانيي سورية من هيمنة الإسلاميين

الخميس, 12 يناير 2012

وائل السواح *

الحياة

هل ينبغي للعلمانيين والليبراليين السوريين أن يقلقوا من احتمال وصول الإسلاميين إلى السلطة في حال سقوط النظام السياسي بعد الانتفاضة العارمة التي يقوم بها السوريون هناك؟

ثمة مؤشرات تقود إلى الجواب ب: نعم. ففي مصر وتونس والمغرب فازت القوى الإسلامية بالغالبية النيابية التي تتيح لها أن تحكم، وربما تعدِّل الدستور وتقوم بوضع دستور جديد على أساس الشريعة الإسلامية، بينما يتوقع في الجزائر أن تضاعف الأحزاب الإسلامية مقاعدها إلى المثلين في الانتخابات البرلمانية التي ستجرى العام المقبل.

ويبدو أن التناقض بين الخطاب الإسلامي المعتدل (البراغماتي أحياناً) الذي يقدم في بعض الدول العربية لا يصمد كثيراً أمام الواقع. ففي تونس، أفضل الأمثلة بين أيدينا، يبدو خطاب راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة الذي فاز بأعلى نسبة في الانتخابات النيابية، معتدلاً بحق، حتى أنه يقول إنه مع حرية تغيير العقيدة والدين للأفراد. ومع ذلك، نجد أن الخناق يُضَيَّق على المفكرين العلمانيين والفنانين والمثقفين والنساء. وقام إسلاميون سلفيون باحتلال مباني كلية الآداب في الجامعة التونسية، للمطالبة بتمكين المنقبات من الجلوس للامتحانات، وتخصيص مسجد في حرم الجامعة، والتفريق بين الطلاب الإناث والذكور، وعدم السماح للنساء بتدريس الرجال. حدث ذلك من دون أن يقوم الغنوشي بإدانة هذا الاحتلال، على رغم رمزيته الكبيرة. فكلية الآداب المركز الحقيقي للعقلانية التونسية التي ميزت هذا البلد فكرياً على مدى العقود السابقة.

وفي ليبيا، كان أول تصريح أدلى به مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي هناك بعد سقوط القذافي أن ليبيا الجديدة ستعيد القانون الإسلامي الذي يسمح بتعدد الزوجات. وفي مصر، كرر الإخوان مراراً أثناء الانتفاضة المصرية أنهم يؤيدون دولة مدنية ديموقراطية. ولكنهم سرعان ما أخذوا يتنصلون من تعهدهم بإعادة تفسيرهم لمفهوم الدولة المدنية الديموقراطية. والتنصل مارسته رموز إخوانية معتدلة كعبد المنعم أبو الفتوح ومحمد سليم العوا، عندما طرحا فكرة الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية. ولعل السادة في تنظيم الإخوان سيجدون صعوبة في تفسير كيف تكون الدولة مدنية بمرجعية إسلامية. لقد استُخدم تعبير دولة مدنية كنوع من التواطؤ بين الليبراليين والإسلاميين خلال الثورات. فمن جانب قبِِل الليبراليون به كبديل عن مصطلح الدولة العلمانية التي تسبب ضيق صدر للإسلاميين وأنصارهم عموماً. ومن جهة قبل الإخوان هذه الفكرة كبديل مخفف عن مفهوم الدولة الإسلامية الذي أصبح يشكل عبئاً، والذي يصعب استحضاره من دون تذكّر التجارب المرة في أفغانستان والسودان والصومال وغزة. وقد فُهِم ضمناً من استخدام المصلح أنه يدل على دولة ديموقراطية أولاً، تقوم على مبادئ المدنية، مقابل الأسس العسكرية والإكليروسية، وتستند أساساً على مفهوم المجتمع المدني الذي يمكن أن يشكل كفة التوازن مقابل سلطة الدولة. ومن هنا ينبغي أن تحترم هذه الدولة الحريات الفردية، بما فيها حرية الاعتقاد والتعبير، ولا تقوم بالتضحية بحرية الأفراد على مذبح الجماعة (الشعب، الجمهور، الطائفة، إلخ). فكيف، والحال هذه، تكون الدولة المدنية ذات مرجعية إسلامية؟

مجرد الربط بين المفهومين يقوض فكرة مدنية الدولة لأنه سيقوض فكرة المواطنة القائمة على المساواة، باستبعاد كل من هو غير مسلم، بل استبعاد المسلمين الذين لا يقبلون بالإسلام كمرجعية لهم في الحياة الدنيا.

وأيضاً في مصر، تدور الآن دعوات إلى تحريم بيع المشروبات الكحولية وملابس البحر، كما يعبر كثير من المصريين عن خشيتهم من الاعتداء على المسيحيين خصوصاً بعدما أعلن ياسر برهامي أحد أكبر قادة السلفيين أن «اليهود والنصارى كُفار». وكانت ثالثة الأثافي إعلان سلفيين عن تشكيل «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمصر».

في سورية، يتبنى الإخوان خطاباً معتدلاً ويتفقون مع الليبراليين على مفهوم الدولة المدنية. ولكن يجدر الانتباه إلى أن الإخوان أنفسهم لم يسعوا إلى تغيير برنامجهم السياسي الذي أقروه في 2005، والذي يدعو إلى «الهوية العربية الإسلامية للمجتمع السوري،» وإلى أن «دين الدولة الإسلام». ولا تزال المرجعية السياسية للإخوان السوريين تستند إلى قاعدة أساسية وهي أن «الله سبحانه وتعالى قصر الحكم عليه وحده»، وهي تقصر كل التشريعات البشرية على اجتهادات يمكن للمسلمين تقديمها فقط من خلال تلك الأحكام بواسطة «الاجتهاد من خلالها والبناء عليها». أما المواطنة في الوثيقة الإخوانية ف «انتماء شرعي يقوم على أساس هويتنا الإسلامية،» وهي تدعو إلى «أسلمة القوانين تدريجياً»، لاعتقاد محرر الوثيقة أن «الشريعة المنزلة من عند الله رحمة للعالمين أرفق وأحكم وأرعى لمصلحة الناس أجمعين». وبذلك يرجع المشروع الإخواني إلى المربع الأول. فمَنذا الذي يمكنه بعدئذ أن يقول عكس ما جاء به المشروع الإخواني «الحضاري» من كلام منزل لا مجال لمناقشته؟

أضف إلى ذلك أن الإخوان لا يشكلون جميع الإسلاميين، بل يمكن أن يبدوا أكثر اعتدالاً من كثير من إسلاميين ظهروا أو سيظهرون على الساحة السياسية. ولا يستطيع أحد أن يتنبأ بعدد الأحزاب التي سيفرزها الشارع السوري في المستقبل. ولا يبدو المثال الذي يقدمه مشايخ يظهرون على قنوات فضائية أصولية مثالاً مشرقاً، يمكن استخدامه لتبيان اعتدال المسلمين. وأخيراً يأتي نائب سابق في مجلس الشعب ليهدد في شريط مصور طائفة سورية بعينها بالعقوبة الجماعية بعد سقوط النظام، ليعطي دليلاً جديداً على موقف فئة من الإسلاميين من سورية المستقبل.

كل ما سبق يجعل من المفهوم التخوف الذي يبديه العلمانيون والليبراليون من أن تكون سياسة الإسلاميين السوريين مجرد وسيلة للوصول إلى الحكم، عبر انتخابات تقوم على أساس ديموقراطية المرة الواحدة. ولذلك نرى كثيرين منهم يصرون على التوصل إلى مبادئ أولية وأساسية لا تخضع لتصويت أو تقبل تبديلاً، مبادئ تلغي فكرة الأكثرية والأقلية في ما خص حقوق الإنسان كما نص عليها العهد-الشرعة الدولية والحريات الأساسية ومسألة المساواة التامة بين جميع السوريين بغض الطرف عن الجنس أو الدين أو الانتماء القومي. فكما أن حق الحياة لا يمكن التصويت عليه، وكما أن قانون عودة العبودية لا يمكن أن يدرج على جدول أعمال أي برلمان، فالتفكير والاعتقاد والتعبير والتجمع حقوق أولية وأساسية، لا يمكن أن تخضع لتصويت أو استفتاء. والاتفاق على هذه المبادئ عامل أساس في وضع تصور لسورية ديموقراطية حقيقية، فإذا تم الاتفاق عليها، يمكن لصندوق الاقتراع، وقتها، أن يحدد من الذي يحكم البلاد لأربع سنوات مقبلة.

* كاتب سوري

=================

لا ثمن لتضحيات السوريين أقلّ من تغيير النظام

الخميس, 12 يناير 2012

عبدالوهاب بدرخان *

الحياة

أيام صعبة سيمضيها المدنيون السوريون المنتفضون، اذ لا يزال العالم يدعو ويطالب ب «حمايتهم» لكنه يتلكأ في الإقدام على مبادرات. ستكون أيضاً أياماً صعبة للمراقبين العرب، وقد تنعكس سلباً على تعاملاتهم سواء مع المدنيين أو مع أجهزة النظام المولجة بتقنين تحركاتهم أو بتشتيت جهودهم. وفيما يسعى الجميع، القوى الدولية والنظام السوري، الى الاختباء وراء الدور العربي، فإن هذا الدور سيكون على المحك إذا ضَغط من أجل حوار بين القاتل والمقتول.

لم يكن متوقعاً أن تكون الجامعة العربية أكثر وضوحاً، حتى في ديبلوماسيتها، حين طالبت النظام السوري ب «التنفيذ الفوري والكامل» لتعهداته، وحين قالت إن نجاح مهمة المراقبين رهن هذا الالتزام، وكذلك حين أصرّت على أن تلك التعهدات «تضمن توفير الحماية للمدنيين السوريين وعدم التعرض للتظاهرات السلمية». لكن هذا مجرد كلام يعرف السوريون أن «آلة القتل» ستترجمه بعد ساعات على صدور بيان الجامعة بمزيد من سفك الدماء، فالنظام غير معني إلا بما يعتقد أنه يضمن بقاءه، حتى وهو يغرق.

الواقع المرّ يفيد بأن المراقبين وصلوا متأخرين، فمنطق الأرض تغيّر، وحتى منطق العنف تغيّر. كان يمكن أن تكون مهمتهم مجدية قبل شهور عديدة، عندما كان لا يزال هناك من يطالب الرئيس السوري ب «أن يطرح حلاًّ ويقوده»، أما الآن، فتجاوزت المواجهة إمكان الحل الإصلاحي التوافقي، لأن وطأة الدم ثقلت واشتدّت، ولأن ثمن التضحيات التي قدمها الشعب لا يمكن أن يقلّ عن تغيير النظام.

يتزايد الاقتناع بأنه سيسقط، سيتصدّع من داخله قبل أن يسقط، فالذين لم يتظاهروا ضدّه بعد، لأنهم خائفون أو محاصرون، أو لأن بيئتهم تتريث وتنتظر، لم يعودوا يجدون أيَّ معنى في التظاهر معه حتى لو أجبروا على ذلك، ولم يعودوا يعوّلون عليه في أي حال. وبمقدار ما يبدي هذا النظام قوةً وبطشاً بمقدار ما يبدي ضعفاً، إذ إن توسل ذريعة «القاعدة» لمخاطبة الخارج عبر التفجيرين «الإرهابيين» في دمشق، يشي بأنه اجتاز نقطة اللاعودة في عدوانيته تجاه شعبه. وإذا كانت الانتفاضة تناشد العالم التدخل لتخليصها منه، فإنه ينذر الخارج بأنه على وشك أن يفلت «القاعدة» على الشعب. لكن ماذا يستطيع الخارج لإنقاذه، بل لماذا ينقذه، طالما أنه اختار أن يغرق.

كان السقوط قد حدث يوم أدرك النظام أن بقاءه بات مرتبطاً فقط بالقتل العلني المدان يومياً في كل مكان حول العالم، وليس بالخطاب الخشبي الذي ردّده طوال عقود وضمّنه كل ما يصحّ أو لا يصحّ عن سورية، ليتبيّن أخيراً أن سورية ليست هذا النظام وإنما هي هذا الشعب الذي يريد استعادة حريته. لكن حتى القتل لم يعد يوفر له بوليصة تأمين للبقاء أو لإعادة فرض الخوف والصمت. قَتل أكثر مما يمكن تصوّره، وربما أكثر مما توقع هو نفسه، وقد يقتل أكثر، لكنه بات يعرف أنه لن يبقى، لا كما كان ولا كما يرغب في أن يكون، وفقاً لما يسمى «الحل السوري» الذي يحاول الترويج له كشكل من أشكال البقاء... مع شيء من التنازلات.

لم يتعامل النظام مع المبادرة العربية في الوقت المناسب، حين كان يمكنها أن تساعد على استدراج حل سياسي وتسهيله، بل أرادها -ولا يزال- شاهداً يشرّع ارتكاباته. وهكذا تعامل مع النصائح التركية وحطّم علاقته مع أنقرة التي كانت أهم ما أنجزه إقليمياً. ولم يبدُ أن «الصديق» الروسي أو «الحليف» الإيراني كانا معنيين بمثل هذا الحل، لأن تواصلهما مع المعارضة ظل سطحياً، وارتباطهما بالنظام عميقاً الى حد عدم الانحراف عن روايته للأحداث رغم إدراكهما ما يشوبها من أوهام. ولم يحسن تسويق قابليته لضمان الاستقرار وحماية الأقليات، رغم جهود أبواقه في لبنان ليكتسب قبولاً أو ليجدد القبول الذي تمتع به سابقاً بفضل هذه الادعاءات.

وإذ تحاول المبادرة العربية حمل النظام على ضبط «آلة القتل» وتدعوه الى التزام تعهداته التي لا تملّ تكرارها (إطلاق المعتقلين، إخلاء المدن والأحياء السكنية من المظاهر المسلحة، فتح المجال أمام منظمات جامعة الدول العربية ووسائل الإعلام العربية والدولية للاطلاع على الأوضاع)، فإنها لا تستبعد حلاًّ سياسياً من خلال «حوار وطني»، لذلك طالبت الجامعة أطراف المعارضة السورية بتقديم «مرئيات» موحدة للمرحلة المقبلة في سورية. لكن أحداً لا يعرف متى يتوقف القتل ومتى يُصرَّح عن العدد الحقيقي للمعتقلين ومتى يُفرج عنهم ومتى يتضح مصير المفقودين ومتى يُفتح البلد للإعلام... ليكون هناك مجال واقعي ل «الحوار». لم يستطع المراقبون حتى الآن الاقتراب من أي تصور واقعي لأحوال المعتقلين ولم يتح لهم معرفة أماكن احتجازهم، إذ تكثر حالياً المعلومات عن استخدام بواخر راسية قريباً من الشاطئ لتكديس المواطنين الرهائن بعيداً من الأنظار. وخلال وجود المراقبين، تلقت عائلات كثيرة في حمص وسواها جثث أبنائهم الذين أُخضعوا للتعذيب، وليس معروفاً ما إذا سألوا عن ظروف اعتقال هؤلاء ووفاتهم، وإذا كانوا تلقوا أيَّ إجابة.

هناك الكثير مما ينبغي جلاؤه قبل أن تتمكن الجامعة من استكشاف إمكانات الحوار واحتمالاته، وحتى قبل أن تسعى أو تضغط ل «توحيد» معارضة غير متجانسة موضوعياً في ارتباطها مع الانتفاضة أو في تصوراتها ل «إسقاط النظام» وغير متساوية في التضحيات وفي «ضريبة الدم». ثم إن الحوار مع النظام، مع احتفاظه بأجهزته الإجرامية واستمراره في القتل، لن يؤدي الى أي حل حتى لو توصل الى «تشكيل حكومة وحدة وطنية لتسيير المرحلة الانتقالية». لكن الجامعة تبدو متفائلة بالنسبة الى حوار كهذا، فهي لا تزال بعيدة جداً من تأمين مقدماته ومتطلباته. وإذا كان «الوفاق الوطني» هو الهدف في نهاية المطاف، فإنه لن يتحقق في ظل ميزان القوى الحالي، وإلا لكان النظام تمكن من الشروع في الحوار الذي لا ينفك يتحدث عنه من دون انتظار مساعي الجامعة.

من الواضح أن هناك توافقاً عربياً-دولياً على أن تمضي لجنة المراقبين في مهمتها إلى نهاية هذا الشهر، إذ إنها الوحيدة التي استطاعت اختراق الستار الحديد الذي أقامه النظام لمنع أي تدخل خارجي، ليصار بعدئذ إلى البحث في الخطوة التالية. لكن أحداً لا يتوقع أن يستجيب النظام لما تطلبه الجامعة والمجتمع الدولي، وبالتالي فإن مسعى الجامعة العربية سيصطدم أولاً بحقيقة أن وجود المراقبين لن يوقف القتل، وثانياً بواقع أن السلطة السورية لن تتمكن من سحب الآليات العسكرية ولن تقبل بالتظاهر السلمي ولن تسمح للصحافة العالمية بالدخول الحرّ الى البلد (وهو ما لم يحصل أبداً منذ قام النظام قبل ما ينوف على أربعة عقود)، بل ستصطدم ثالثاً بالاستحالتين: وقف عنف النظام ووقف الانتفاضة، اللتين لا تشيان بأي قابلية ل «الحوار». ولا شك في أن أي «نجاح» لمهمة المراقبين سيعني تظاهرات أكثر حشداً، وهو ما لا يحتمله نظام لا يزال يهدد بالإقدام على مجازر كبرى.

* كاتب ومعلّق لبناني

=================

الدين وثورات «الربيع العربي»

الجمعة, 13 يناير 2012

بشير عيسى *

الحياة

ثورات ما يسمى الربيع العربي والتي تحاول من خلالها بعض التيارات السياسية، الإبقاء على الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي ورئيسي في دساتيرها، يلغي المساواة بين المواطنين كأفراد، وذلك من خلال النظر إليهم كجماعات. هذا الشيء الذي يعزز تفضيل ثقافة بعينها، تفضي إلى هيمنة تنتقص من الآخرين حقوقهم، مما يلغي مبدأ المساواتية في الحق والعدل، الذي يكفل تكافؤ الفرص، وهو ما يصيب الليبرالية في مقتل. إذ يجعل من الدولة والحريات رهينة للخصوصية الثقافية، التي لا تفضي إلا لإعادة الاستحواذ المولد للاستبداد، حيث يتم إعادة إنتاج الأفكار والوسائل بطريقة شرعية تلزم الجميع القبول بها في شكل مقونن.

فالصندوق الانتخابي الذي كان يرفضه الفكر الشمولي، أصبح الآن بأمس الحاجة إليه للعبور إلى السلطة، هذا الطارئ في السياسي، يدلل على غيابه من الحامل الثقافي، كون فكرة الانتخاب تقوم على مبدأ الحرية الفردية في الفكر والممارسة، التي انبنت منها الفلسفة الليبرالية. فمن يطالب بالديموقراطية الآن، عليه أن يتعرف عليها أولاً، من خلال فهمها ضمن سياقها ومسارها التاريخي قبل أن يتبناها. والأخذ بكليتها إن لم نقل بروحيتها، دون استنساب، يقوم في أحيان كثيرة على التضليل، كمقاربتها مع الشورى مثلاً! وذلك خدمة لبعض الحركات والجماعات التي تستثمر المناخ الديني في مشاريعها السياسية.

فالليبرالية - ولا أقصد الجديدة - التي تكفل الحريات للجميع دون استثناء، تضع الجميع على نفس السوية في قوانينها العامة، بحيث لا تؤثر الخصوصيات بالمعنى السلبي للكلمة على العام، إلا في حدود ضيقة، ضمن معادلة تكفل تحقيق وتعزيز العدالة المجتمعية على أساس المواطنة، بغض النظر عن اللون أو الجنس أو المعتقد، وهو ما يقارب بالاجتماع السياسي مفهوم « الدولة- الأمة «، كأرقى شكل وصلت إليه البشرية حتى الآن، لجهة عدم التمييز بين مواطنيها أمام القانون.

أما ما يطرح في عالمنا العربي والإسلامي من مفهوم «الدولة المدنية»، فيبقى ملتبساً بالمشروطية الدستورية التي تنص على أفضلية التشريع الإسلامي، الشيء الذي يبقي على الخلل بين مكونات المجتمع، كما يجعل مفهوم الديموقراطية ذي البعد التنويري أقرب إلى شورى سياسية تستغل خصوصية مجتمعاتها، بغرض الكسب والفوز الحزبي.

فثقافة الكسب والفوز تتعارض ومبدأ المصلحة الوطنية العامة، والتي تتطلب من النخب والفرقاء السياسيين تقديم تنازلات متبادلة بقصد تمكين الدولة، عبر عقد اجتماعي جديد، يكون بديلاً عن العقود الاجتماعية الهشة، التي كانت تمسك بها الأنظمة الشمولية، بقوة تسلطها لا بقوة القوانين، التي تفترض المساواة للجميع، بغض النظر عن طبيعة الهويات الثقافية الموجودة ضمن الدولة.

على هذا الأساس يؤمل من الثورات العربية الخروج من فكر الجماعات الذي يتذرع بالخصوصيات الثقافية، لأنه يعيد إنتاج الصراع على أساس الهويات الدينية والعرقية، وهو ما يهدد الوحدة الوطنية للدولة. وما لم يتم التعامل مع هذه الإشكالية بروية وحكمة، بحيث تنتفي موجبات عوامل التفكك والصراع فإن مشروع الدولة- الأمة، الضامن للوحدة الوطنية لن يرى النور، إذ سيبقى الباب مفتوحاً على إحياء ثقافة الجماعات التي تتمترس خلف خصوصيتها الثقافية. وهو ما يجعل الصراع بديلاً عن التشاركية السياسية الوطنية، والتي أُولى أهدافها يتمثل في خدمة المجتمع ككل، عبر السعي لإحقاق العدل في توزيع الثروة والدخل وتكافؤ الفرص على أسس المواطنة.

وما لم يحدث ذلك، فإن عوامل النكوص للثورات العربية ستكون أقوى من نزعات التحرر، إذ سيتم لجم الثورة وحرفها عن مسارها المفترض. وهنا لا يكفي الحديث عن الديموقراطية ومشروع الدولة المدنية، إذ ما يزال هذا الشعار عائماً وفضفاضاً، لا يجيب عن الأسئلة المصيرية المتعلقة بالطريقة الأمثل لبناء الدولة، كما لا يطمئن المتشككين في المرحلة ما بعد الانتقالية، وهو ما يبقي عامل الثقة غائباً بين جميع الأطراف السياسية. وإن كانت المرحلة فرضت الالتفاف حول قضايا وعناوين رئيسية، كإسقاط الأنظمة وتغيير الدساتير، بحيث تكفل التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، فإنها تبقى دون المستوى المأمول منه.

هناك تخوف كبير لدى البعض من المسكوت عنه في الخطاب السياسي، لدى الحركات الإسلامية التي أدركت الآن أهمية الديموقراطية السياسية، ولعل اجتماع أكثر من ثلاثين حزباً وحركة من القوى الليبرالية والعلمانية الوطنية في مصر، ومطالبتها بوثيقة فوق دستورية، يعطيان مؤشراً قوياً إلى مدى الخوف من انزلاق الثورة نحو شمولية إسلامية، محمية دستورياً ومعززة بصندوق الانتخاب. تخوف كان له حضوره في كل دول الربيع العربي، ومنها سورية التي اختلفت معارضتها حول شكل مدنية الدولة بين علمانية ودينية. خلاف تم تأجيله بضغوط خارجية ومحلية، تحت عذر النأي عما يفرّق، وأن الأولوية هي لتوحيد الصفوف من أجل إسقاط النظام.

إن الإتيان برموز وشخصيات ليبرالية، لتكون واجهة مرحلية لمعارضة إسلامية يرضى عنها الغرب، لا يحل الأزمة بقدر ما يخفيها. كما أن الحديث عن تمثيل الأقليات يعكس هشاشة هذه التحالفات ويؤكد أن الثورة لم تخرج من حساسياتها العمودية، وهو ما يكرس منطق الخصوصيات الثقافية التي تتقاسم السلطة، ليصب في مصلحة الأغلبية المدافعة عن خصوصيتها الثقافية، الشيء الذي يثير العصبيات لدى الجماعات الأخرى ويبرر حفاظها على تجانسها الثقافي، وفي حال استمر الأمر على ما هو عليه فإننا أمام استحضار جديد لثقافة الملل والنحل.

ثمة خطاب عصبوي ديني، يتم السكوت عنه لمصالح سياسية، في أحسن الحالات يتم تبريره بموجب مقتضيات المرحلة، وحساسية الظرف الذي تمر به الثورة. وبذلك يتم التعتيم على الأصوات المحذرة من المؤجل، وهو ما يزيد من سوداوية المشهد، وبانتظار أن تحلق «بومة منيرفا» من داخل صفوف المعارضة، يبقى القلق مشروعاً على مستقبل هذه «الثورات».

* كاتب سوري

=================

يا عروبة مَن حَماكِ!

الجمعة, 13 يناير 2012

الياس حرفوش

الحياة

في حملته الأخيرة على المعارضة السورية وعلى «متآمري» الخارج، لجأ الرئيس بشار الأسد إلى الدفاع عن القومية العربية، واتّهم من يعتبرهم خصومه من العرب بأنهم «مستعربون»، وقال إن التجرؤ على سورية، وهي «قلب العروبة النابض»، يجعل عروبة هؤلاء مشكوكاً فيها. أليست دمشق هي عاصمة بلاد الشام وعاصمة الأمويين، على ما فاخر به الرئيس السوري.

لا جدال حول موقع سورية التاريخي المهم في قلب العالم العربي، ولا حاجة لاستعادة شهادة الرئيس عبد الناصر فيها، فسورية لا تحتاج إلى شهادة. غير أن استعادة هذا الموقع الآن على لسان الرئيس السوري، في الوقت الذي تنحاز دمشق إلى معسكر في المنطقة، لا يكنّ للعرب، حضارة وثقافة ولغة، إلا الاحتقار والاستخفاف، هو الذي يدعو إلى الاستغراب.

فالاتكاء على موقع سورية العربي يأتي بعد أن ذهب النظام السوري بعيداً في تحالفه مع النظام الإيراني، الذي يعتبر القومية العربية وشعاراتها عدوه الأكبر، ويرفض اعتبار الخليج «عربياً» مصراً على تعريفه «الفارسي» له. بل إن قادته ممن يتقنون اللغة العربية، يرفضون النطق بها. أضف إلى ذلك رعاية ذلك النظام للمشروع التفتيتي المذهبي في المنطقة، الممتد في كل مواقع نفوذ ذلك النظام، من بغداد إلى بيروت، مروراً بعدد من دول الخليج، حتى وصل الآن إلى سورية نفسها.

كيف يستقيم في هذه الحال الاستنجاد بالعروبة، فيما العرب ينظرون إلى التحالف السوري الإيراني بحذر، معتبرين أن قواعده مذهبية بحتة لا تمت إلى القومية العربية الجامعة بأية صلة؟

اضف إلى ذلك أن العروبة التي يستحضرها الرئيس السوري اليوم فقدت لمعانها ولم تعد تسيل لعاب احد، في ظل عمليات التوحيد القسرية التي ارتكبها «القوميون العرب»، وفي طليعتهم أصحاب شعار «يا عروبة من حماكِ غير البعث الاشتراكي». يكفي ذكر ما اقدم عليه القيّمون على العروبة من البعثيين العراقيين والسوريين في كل من الكويت ولبنان، وقبلهما في الأردن وفلسطين.

ثم إن مشاعر العروبة الصادقة لا تتفق مع التعامل بعنصرية واستعلاء مع فريق من المواطنين ولو كانوا معارضين، أو مع العرب الآخرين، والخليجيين منهم على وجه خاص. السوريون الذين يتظاهرون ضد النظام يوصفون بأنهم فلاحون وأبناء قرى، لا يكنّون للمدن والحواضر سوى مشاعر الحسد. بل إن بعضهم وُصفوا مؤخراً ب «الشياطين». أما الخليجيون فهم ليسوا في نظر القيادة السورية سوى أصحاب أموال يفتقرون إلى «الحضارة». ويصل الاستخفاف بهم إلى حد إهانة ملبسهم وطرق عيشهم، بما يذكر بشوفينية القومية النازية التي قامت شعاراتها على العنصرية والفوقية في التعاطي مع الأعراق والقوميات الأوروبية الأخرى.

ومشاعر القومية الصادقة لا تتفق مع تصنيف النظام السوري نفسه كمدافع عن الأقليات، بهدف استغلال خوفها وتعزيزه كوسيلة للمحافظة على دعمها للنظام. فالقومية يجب أن تكون وعاء حاضناً للجميع. وادعاء حماية الأقليات يعزز التفكك الوطني الذي أمعن النظام أصلاً في تفكيكه على أسس مذهبية، واضعاً المذهب والطائفة في موقع متقدم على الوطن، وهو بالطبع أبعد ما يكون عن الفكر الذي يفترض أن يعتنقه أي قومي حقيقي.

انه دفاع واستنجاد متأخران بالقومية العربية، التي افقدها القوميون انفسهم بريقها، وبات معظم العرب متبرئين منها. لأن الذين تولوا «رعاية» هذه القومية خلال أربعة عقود لم ينجحوا سوى في إطلاق الشعارات، سواء ما تعلق منها بالداخل في أوطانهم، أو في الخارج، في المواجهة المعروفة النتائج التي يتحدثون عنها مع «العدو الصهيوني».

المتظاهرون في سورية اليوم لا يتظاهرون ضد انتماء سورية العربي. انهم يتظاهرون مطالبين بحريتهم وبأن يسمع النظام صوتهم. ولو كانت العروبة متصالحة في الأصل مع قيم الحرية والديموقراطية والعدالة، كما كان يجب أن تكون، لما كفر بها كثيرون من العرب، كما أظهرت ثوراتهم، ولما كان صوت الرئيس السوري في دفاعه المتأخر عنها مثل صوت صارخ في البرية.

=================

فائض المعنى... بدل القوة

الجمعة, 13 يناير 2012

حسام عيتاني

الحياة

الثورات العربية، وفي مقدمها الثورة السورية، مدعوة إلى إنتاج فائض في المعنى تقابل به وتدحض، فائض القوة الذي تستند إليه أنظمة الاستبداد العربية.

الثورة السورية في المقدمة لأنها اصطدمت بالنواة الصلبة للخرافة العربية. الخرافة السياسية التي تتحدث عن وحدة وطنية تُحَصّن الداخل ضد كل انحراف أو زيغ عن الولاء المطلق للرئيس وعائلته وطغمته المتسلطة، وعن انتصارات وأدوار وهمية على مستوى الكوكب تجعل الدول بكبيرها وصغيرها تطلب رضا الحاكم. والخرافة الثقافية التي تنسب لأهل العروبة إنجازات لا أصل لها ولا فصل في كتب التاريخ بل يقع أساسها في مخيلات مؤدلجة لشراذم من أنصاف المتعلمين الذين اجتاحتهم شهوة السلطة. وخرافة الاجتماع النافية لوجود فوارق بين المواطنين الذين يشكلون، في أدبيات الأنظمة، صخرة صماء لا شقوق فيها ولا ندوب، ولا عمل لها غير أن تتحمل ضربات العدوان الصهيوني الأميركي فيما هي تصد عن جسد النظام ورأسه أهوال سياسات خرقاء.

طبعاً، لا نقصد ب «فائض المعنى» ما رمت إليه مقولة الفيلسوف الفرنسي بول ريكور الذي اهتم بالنص والسرد وبقاء معانيهما (أو فيضهما) بعد زوال السياقات التي انتجت النصوص والسرديات، أو بكلمات ثانية، تغير الدلالات وبقاء الكلمات. فريكور اهتم أكثر بالنصوص الأدبية والتاريخية ولم يتناول في أعماله، على ما نعلم، الراهن السياسي. بيد أن ذلك يبقي مجالاً للمتأمل فرصة الاستفادة من المصطلح في مجال ربما لم يأبه له ريكور. مجال أقرب إلى التناول اليومي لكنه قد لا يقل تعقيداً بسبب تداخل معطيات الواقع وتفاصيله وآثاره.

واعتمد النظام العربي، بصيغه المختلفة وصولاً إلى الجماعات الأهلية المسلحة في العراق ولبنان، فائض القوة لتكريس هيمنته على المجال العام وإحباط الخصوم ومنعهم من محاولة تحديه. ولا ريب في أن الثورات العربية كانت موجهة في بعض نواحيها، إلى فائض القوة الذي كان يلذّ للسلطات والأنظمة استعراضه. وغالباً ما يأتي اللجوء إلى فائض القوة عند الافتقار إلى «المعنى» في السياسة والثقافة والاجتماع. فيكون استسهال توسل القوة العارية، الجسدية والمسلحة، التعويض الوحيد عن قوة الإقناع وقوة التوافق وقوة التحالف. هذا ناهيك عن تهافت الهيمنة الثقافية واضطراب تلك الاجتماعية. وثمة شواهد كثيرة في الحالة اللبنانية، على سبيل المثال لا الحصر.

وتجد الثورات العربية نفسها اليوم أمام واقع تسارع القوى الدينية إلى ملئه بما يهدد بإعادة إنتاج أنظمة تسلطية استبدادية. فانهيار منظومات الأفكار المسيطرة في الدول الأمنية، وقبل ذلك انهيار أدوات السيطرة المادية من أجهزة امن واقتصاد وتعليم، يترك الساحة فارغة أمام من يحمل مشروعاً يتسم بحد أدنى من التماسك والتنظيم، وهذا حال الإسلاميين. لكن ذلك لا ينبغي أن يحول دون مشاركة الإسلاميين في السلطة، من جهة، ودون احتضان القيم والفنون والرؤى التي انتجتها الثورات في صراعها ضد الاستبداد، من جهة ثانية.

ورغم الأثمان الباهظة التي يدفعها الشبان العرب في ثوراتهم على أنظمة القهر والقمع، لا مفر من الاستمرار في تبني قيم التنوع والديموقراطية والاعتراف بالآخر، والإعلاء من شأن الحرية الفردية والعامة كمدخل لا بد منه لتحرر المجتمع من قيود الاستلاب السابق. ويمكن القول إن ما تقدم به شباب مصر منذ سنة إلى اليوم، يحيي الآمال بيقظة تعم المجتمع المصري الذي بدا في الأعوام الماضية مصاباً بمرض النوم. الأمر ذاته ينطبق على سورية وتونس وغيرهما.

=================

سوريا تريد «حماية إلهية»

سوسن الأبطح

الشرق الاوسط

13-1-2012

المعارضة السورية لا ترى حلا ولا أفقا من دون تدويل. في المقابل «لا توجد دولة واحدة تريد تدخلا عسكريا في سوريا»، إذا ما صدقنا كلام الأمين العام لجامعة الدول العربية. العرب يخشون ترددات الزلزال السوري، ويطالبون قوى المعارضة بتوحيد صفوفها، وبلورة أفكارها. المعارضة نفسها يبدو أنها تزداد تشرذما وتباغضا. برهان غليون لسوء الحظ لا يحظى بشعبية كافية. الرجل الأكاديمي المثقف يبدو أكثر توازنا وعقلانية من أن يحتمله مزاج شعبوي عاصف وغاضب كالذي تمر به المعارضة السورية الآن. في السر ثمة من يعتبر غليون أسيرا لضغوط خارجية غربية، وهناك من يرى علاقاته التركية مشينة، أما الإسلاميون فلا يستسيغونه بسبب توجهاته العلمانية، في حين يقول أعضاء في المجلس الوطني جهرا، إنه لا بد من انتخاب شخصية أخرى بأسلوب أكثر ديمقراطية، تحظى بقبول أكبر، في أسرع وقت. بعض المعارضة يتهم البعض الآخر، بأنهم شبيحة عند النظام ومزدوجو المهمات، بينما النصف الآخر يتهم النصف الأول بالعمالة للغرب.

على الأرض وفي الداخل، الوضع ليس أحسن حالا. مخاوف رئيس الوزراء التركي أردوغان من حرب أهلية ليست أوهاما خيالية. القتل والثأر الطائفيان باتا من يوميات الثورة. أن يكون النظام هو الذي يدفع بها أم جماعات سنية متطرفة، لا يهم، الأهم أن الفتيل الطائفي اشتعل وتوهج. الغضب من النظام، والاحتجاجات ضده، بدأت تتصاعد، في الشهر الأخير في كل المحافظات حتى تلك التي كانت هادئة لغاية الآن، في القامشلي كما في حلب ودير الزور، وعسكرة الثورة متواصلة، وإن أنكر المعارضون. النظام نفسه يتصدع، ويفقد سيطرته على بعض أحياء حمص، وريف دمشق وحتى ريف حلب وإدلب، لكنه لا يزال قادرا على الصمود، وربما لفترة مؤذية وطويلة، إذا ما أصغينا لناشطين ميدانيين. أي أننا أمام سيناريوهات عسكرية تشبه حربا أهلية، يتقاتل فيها شبيحة النظام العلويون في بعض المناطق الساخنة وحلفاء لهم منتفعون من طوائف أخرى في مواجهة غالبية سنية تزداد تطرفا بتزايد كم الدم الهادر، المسفوك بالمجان.

الثوار على الأرض يخبرونك بأن الوضع عالق في عنق زجاجة، والجميع يختنق. هناك الموت والقمع والتعذيب للثوار في السجون والفقر والعوز والبرد بلا مازوت للأهالي، وحياة معلقة حتى إشعار آخر. أما النظام فعليه أن يتعايش كل يوم مع مستجدات جديدة، من قطع طرق، إلى هجوم على أمنه وشبيحته، وحتى تفجير مقراته العسكرية.

رغم ذلك، الثوار عاجزون وحدهم عن حسم معركتهم لصالحهم، دون تدخل خارجي، بحسب رأيهم، لكنهم محكومون بالاستمرار، لأنهم باتوا ميتين على أي حال، إن لم يكن برصاص رجال الأمن، فتحت سياطهم ونيران تعذيبهم في السجون. ولا يستبعد ثوار في حال ترك الوضع للتوازنات الداخلية أن يتمكن النظام من سحقهم بالفعل. هذه الحسابات هي إحدى الأسباب الرئيسية التي تجعل المعارضة تصر على التدويل، وترفض استمرار البعثة العربية التي لا يمكنها إلا أن تكون مسالمة، ودبلوماسية، وتأخذ وقتها في التقصي، دون أن تغضب أيا من الأطراف. وكان ناشطون سوريون عبروا عن سخطهم ويأسهم من الطريق المسدود الذي وصلوا إليه، دون أن يتحمس أي طرف للتدخل لنجدتهم بأن كتبوا متهكمين على إحدى لافتاتهم: «الشعب يريد حماية إلهية».

الخطاب الأخير للرئيس بشار الأسد، جاء متأخرا جدا، يحاول أن يفتح كوة في الجدار السوري الأصم، متحدثا عن ركيزتين: الإصلاح ومحاربة الإرهاب (أي القضاء على المعارضة المسلحة)، طارحا فكرة العفو عنها. المعارضة على الأرض ترفض أي حوار، لأن ثقتها بوعود النظام تساوي صفرا، وبدل «الإصلاح» تنادي ب«إعدام الرئيس» و«إسقاط النظام»، وأمام كلامه عن «محاربة الإرهاب» لا تقبل بأقل من «عسكرة الثورة» وإطلاق يد الجيش الحر ومن معه من محاربين أشاوس.

الوضع يتعقد إذن في سوريا، وهو ما يجعل خبراء غربيين يزورون إسرائيل، ويلجأون إلى مراكز أبحاث هناك، على اعتبار أن الدولة العبرية هي الأقدر على فهم ما يدور حولها. لكن باحثين إسرائيليين يقولون، إنهم هم أيضا لا يستطيعون الإحاطة بالوضع السوري، أو تصور المستقبل، وإنهم لا يملكون غير ترقب الأحداث، مع البقاء في حال يقظة وحذر شديدين.

للمرة الأولى يصنع الشارع العربي الحدث، ويصبح الغضب الفوضوي هو المحرك الذي يصعب التنبؤ بالمدى الذي ستصل إليها حممه. هذا لا يعني أن الأيدي الخارجية لا تحاول أن تعبث بالمشهد العربي عموما، والسوري خصوصا، لكن يعني أن العبثية الداخلية صارت من الجموح بحيث يتعذر كبحها، أو التنبؤ بمستويات جنونها.

=================

بشار الأسد وإدراكاته للثورة في سوريا

رضوان السيد

الشرق الاوسط

13-1-2012

ليس صحيحا أن الرئيس بشار الأسد ما تغير ولا تغيرت آراؤه في شخصه وشعبه ومهماته بين خطابه الأول وخطابه الثالث، خلال عشرة أشهر من المذابح المستمرة في أنحاء سوريا الدامية، فقد تغير أو تغيرت آراؤه لجهتين، الأولى أنه لا يريد مغادرة الرئاسة، لأن شعبه «يدعمه»! والثانية أنه مستعد للدخول في حوار مع المعارضة، لكن قسما من تلك المعارضة (غير الوطنية بالطبع) لا تقبل الحوار معه! وهذا الاستنتاج الساخر من جانبي لا تقلل هزليته السوداء من حديثه، فقد اعترف الرجل من حيث لا يقصد بأن الثائرين بالداخل، ومعظم المعنيين والفاعلين من العرب والأجانب، هؤلاء جميعا يريدونه أن يغادر السلطة اليوم قبل الغد، كما اعترف بأنه يبلغ من قوة المعارضة وجديتها وتصميمها على تغيير النظام، بحيث ما عادت (ومنذ عدة أشهر) تقبل الحوار معه. وقد قال العقيد القذافي قبل الفريق الأسد إن «الملايين» تدعمه، وستزحف معه وبقيادته للقضاء على الجرذان، لكنه لم يسأل نفسه بالطبع السؤال البديهي: إذا كانت الملايين داعمة وزاحفة، فما الداعي لقتل عشرات الألوف بالقصف المدفعي، وإذا كان الشعب السوري داعما لك أيها الضرغام - وهو أساس شرعيتك كما تقول - فما الداعي والدافع لقتل الألوف المؤلفة، وسجن وتشريد الألوف المؤلفة، وإحالة ذلك كله على المؤامرة التي صارت واضحة كما تقول؟! ولقد صدقت في قولك في أحاديثك الصحافية الشهيرة أنك لست مثل بن علي ومبارك، فقد كانت لدى الرجلين بقية من الإحساس بالواجب وضرورات المنصب أو التظاهر بذلك، فخرج كل منهما أكثر من مرة، قبل السقوط السريع، ليقول للجمهور إنه لا ينوي البقاء للأبد في منصبه، ولا ينوي التوريث، وإنه مستعد لتعديل الدستور بحيث يمتنع عليه ذلك. بل زادا على ذلك بالقول (صدقا أو كذبا) إنهما ما أمرا بقتل المتظاهرين، وسيحاسبان المرتكبين لأعمال الفتك والقمع الشنيعة! أما أنت فما خرجت لتتحدث إلى شعبك المبتلى بك خلال عشرة أشهر من سفك الدماء إلا ثلاث مرات، ما اعتذرت فيها عن شيء، ولا ذكرت شيئا عما حدث ويحدث، ولا اعتبرت أحدا من نظامك مسؤولا، وإنما المسؤولون هم ضحاياك، والعرب والأجانب! وبعد هذه الوعود الطويلة العريضة في الإصلاح، تؤمل الآن الذين يبقون على قيد الحياة بأنك ستعدل الدستور وتجري استفتاء عليه بعد ثلاثة أشهر أو أربعة، أما شخصك الكريم فهو فوق كل استفتاء وبعده!

هناك داء عياء نزل بكل حكام الجمهوريات العربية الوراثية الخالدة، وأعراضه كثيرة لكن أهمها اثنان: الانفصام في الشخصية، وانعدام الحس الأخلاقي. فلا أحد منهم ذكر أو يذكر كيف وصل إلى السلطة (بالانقلاب أو بالتعيين)، ولا أحد منهم تردد أو يتردد في سفك دم كل من يذكره بأنه بشر من البشر، وبأنه لا شرعية له لأنه لم يصل إلى السلطة، كما لم يستمر فيها، بالوسائل والآليات المشروعة! وهذا الإنكار والتنكر يحيل بالفعل إلى ذاك الانفصام الذي يخرج أفرادا وجماعات عن بشريتهم وإنسانيتهم، وسواء أكانوا يتحملون مسؤوليات عامة أم أنهم من المرتكبين التسلسليين. بيد أن الفصام على هوله - وبخاصة عندما يتلبس حاكما أو مسؤولا - لا يكفي لفهم تصرفات حكامنا الجمهوريين التقدميين المستنيرين خلال الأربعين سنة الماضية. بل لا بد أن يضاف إلى تلك الآفة آفة أخرى هي المسألة الأخلاقية، وقد تأمل المسألة كثيرون من الفلاسفة واللاهوتيين والسياسيين واختلفوا فيها أو عليها عبر العصور ولجهتين: التأصيل للأخلاق، وهل هي ذات أصول دينية أو طبيعية في فطرة الإنسان؟ لكنهم، وأيا كانت توجهاتهم دينية أو مدنية، ما اختلفوا على النتائج: حرمة الدم، وحرمة الكرامة، وحرمة الحرية، وحرمة الاعتقاد، وحرمة حرية التعبير، والجهة الأخرى التي اختلفوا عليها هي علاقة الأخلاق بالعمل السياسي أو عمل رجل الدولة، وقد كان هناك من قال - كما نعرف - بالبراغماتية، وإن الغاية تبرر الوسيلة. بيد أن الغالبية العظمى من المفكرين ورجالات الدولة ذهبت إلى أن العمل السياسي هو أشرف الأعمال، لأنه تطوع يصل إلى الاحتراف في خدمة الناس، ورعاية شأنهم العام، ولذلك فهو عمل أخلاقي من طراز رفيع، وإذا كان الأمر كذلك فإن النزاهة والتزام القانون، وتقصد العدالة، هي شروط أخلاقية لا يمكن التنازل عنها، أو يصبح الحاكم طاغية في أسرع وقت! ونحن نعرف منذ مدة، وليس منذ قيام الثورات العربية فقط، أن هناك تجاهلا وإنكارا للأخلاق في المجال السياسي والعام في العالم العربي، مكابرة وبطرا وقلة أخلاق وتجبرا، واستخفافا بأرواح الناس وكراماتهم.

لم يخبر الرئيس الأسد رعاياه بالداخل والجهات الإقليمية والدولية فقط، أنه متشبث بالكرسي، بل وأخبر المواطنين المذهولين أيضا أنه سيصعد من أعمال القتل للقضاء على المؤامرة والإرهابيين، ومن هم الإرهابيون؟ إنهم الذين يقتلون المدنيين، ولو صدقنا إعلام النظام السوري، وإعلام لبنان العظيم، وقلنا إن هناك إرهابيين مسلحين بالفعل، فعلى من نحسب الثمانية بل العشرة آلاف ضحية، وبينهم مئات الأطفال، وعلى «ذمة» من نحسب المفقودين والمشردين والنازحين والجرحى؟! نحن (والقانون الدولي) نسمي أعمال الإسرائيليين في هدم المنازل وتخريب بساتين الزيتون بفلسطين إرهابا من جانب المحتل، فماذا نسمي أعمال المحتلين «الوطنيين» الممانعين في سوريا العربية؟ وبعد ذلك كله يأتي رأس النظام ليخبر الناس (ومن بينهم شعبه المعذب) أن الأخطاء في ممارسات القوى الأمنية محدودة، وكيف تكون محدودة وقد نالت من حياة وأجساد وكرامات هؤلاء الملايين من المواطنين، الذين كان من المفروض أن يحمي النظام استقرارهم وحرياتهم من الأعداء، فإذا بهم يضطرون لاستصراخ العربي والأجنبي لحمايتهم من نظامهم القاتل!

لقد قال كثيرون من المراقبين مع بداية الاحتجاجات في سوريا إن هدم النظام هناك ليس سهلا، لأنه لا يستند إلى الداخل بحيث إذا فقد الدعم الداخلي سقط، ولأنه ما عاد هناك في سوريا جهاز وطني كبير للأمن والحماية والشرعية بحيث يستغني عن رأس النظام وحواشيه حفظا للدولة والمواطنين، فالنظام السوري مثل الخيمة التي تقوم أعمدتها في الجوار الإقليمي والترتيبات الدولية، وفي شهور الثورة الماضية تقطعت وتكسرت حبال وأعمدة، وصمدت حبال وأعمدة أخرى. تقطعت كل الحبال العربية، وكل الأعمدة الغربية، وتزعزعت الحبال الروسية، وثبتت الأعمدة الإيرانية، والأخرى الأقلوية، أما الإسرائيليون فإنهم وبعد إجماع على فائدة النظام بالنسبة لهم، انقسموا إلى قسمين. قسم يريد التشبث بالأسد ونظامه خوفا من العدو المشترك للأسد ونتنياهو معا: الإسلاميون! وقسم يريد التفكير في المستقبل والتقدير له، لأن النظام السوري انقضت شرعيته، ولا فائدة من النواح عليه! بيد أن الذي يبقي النظام اليوم ليس الدعم الإيراني ودعم أنصار إيران بالعراق ولبنان، بل التردد أو العجز العربي والغربي، ولست أرى أن الذهاب لمجلس الأمن يمكن أن يجلب حلا، لكنه ولا شك يزيد من الضغوط على النظام، كما تستطيع تركيا أن تفعل ذلك.

وبتدويل ومن دون تدويل، تبقى الأعباء في إسقاط النظام السوري على عاتق الثوار السوريين. وبرهان غليون رئيس المجلس الوطني يريد أن تبقى الثورة سلمية وأن تتوسع، وكلنا نريد ذلك، إنما الواقع أن التوسع سيقترن أمام الهول العنيف بالتسلح، ويكون على العرب جميعا إحالة المناورة على مجلس الأمن، والانصراف لمساعدة الثورة السورية بشتى الوسائل، لأن في خلاص سوريا من نظامها خلاصا للشعوب العربية في فلسطين وسوريا والعراق ولبنان، ودخولا في الزمن العربي الجديد للحرية والكرامة والديمقراطية والحكم الصالح، فلا حرية ولا كرامة ولا صالح للعرب والعروبة والعربية إلا بزوال النظام السوري!

=====================

وماذا بعد الاعتداء على بعثة المراقبين؟

الوطن السعودية

2012-01-12

الاعتداءات التي تعرضت لها مجموعة من مراقبي الجامعة العربية، في مدينتي اللاذقية ودير الزور، وأدت إلى إصابة 11 فردا من أعضاء البعثة، صدرت عن متظاهرين مؤيدين للنظام، أي من قبل عناصر غير معارضة، مما يعني  في الاحتمال الأدنى  تساهلا واضحا من قبل النظام السوري في توفير الحماية، ويعني في معنى المعنى وجود إخلال حقيقي بالالتزامات السورية بحماية المراقبين وتسهيل مهمتهم، وربما تجاوز الأمر ذلك إلى الإيعاز والتخطيط والإشراف على التنفيذ. أما في حال كون بعض الاعتداءات قد صدرت عن متظاهرين معارضين للنظام، فإن ذلك لا يعفي النظام السوري من مسؤولياته والتزاماته بحماية أعضاء بعثة المراقبين.

البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية السورية، أمس، والذي يؤكد على أن سورية ستستمر بتحمل مسؤولياتها في تأمين أمن وحماية المراقبين، وعدم السماح لأي عمل يعيق ممارسة مهامهم؛ لا يعدو أن يكون حلقة في سلسلة الخطابات الإعلامية الممجوجة، التي تعتمد على التضليل، ومناقضة القول للفعل، إذ لم تف الحكومة السورية بتعهداتها الأساسية، المتمثلة في إيقاف القتل، وسحب جميع المظاهر المسلحة، فكيف لها أن تفي بالتزامها الخاص بتأمين بعثة المراقبين؟

المحللون كانوا يتوقعون حدوث تجاوزات ضد أفراد بعثة المراقبين، منطلقين في ذلك من المعرفة الدقيقة بأساليب النظام السوري، القائمة على أساليب العصابات، سواء أكان ذلك في التفكير، أم في طرائق التنفيذ، وهي توقعات نابعة من قراءة تاريخ النظام بكل تعقيداته، وارتباطه بعدد من الأعمال المشينة، التي لا تليق بالأنظمة السياسية الحقيقية، وإنما تندرج ضمن أساليب التنظيمات والعصابات.

تتزايد الصعوبات والعوائق التي تقف في طريق بعثة المراقبين، ولا يلوح في الأفق أمل في وقف أعمال القتل المتزايدة، إذ قتل 400 شخص منذ بدء مهمة مراقبي الجامعة العربية في 26 ديسمبر الماضي، وهو رقم يحمل دلالة واضحة على أن نهج النظام لم يتغير، ويبدو أنه لن يتغير، لأن العقل الحاكم متكلس في أفكاره العتيقة.

=================

عباءة الأسد العربية

طارق محمد الناصر

الرياض

12-1-2012

  لا أتفق مع من يقول بأن خطاب الرئيس السوري يوم الثلاثاء الماضي كان خطابا فارغا. إذ لو لم يكن هناك إلا فائدة اعترافه بالمسؤولية الكاملة عن جميع ما جرى ويجري على الأرض السورية لكفى. الاعتراف هو الاعتراف حتى لو احتوى على شتيمة فالأسد قال: "خسئتم .. لست أنا من يتخلى عن المسؤولية" وانه "لا يعيش في قوقعة".

ورغم إنفاقي لأكثر من ساعة ونصف أدافع فيها شرودي ومللي وأنا أستمع للخطاب إلا انني لم أجد، للأسف، كثيرا من نقاط الاتفاق مع محتواه. غير ان نقطة واحدة وجدتني اتفق فيها، تماما، مع الأسد وهي وصفه للوضع العربي بالانحطاط. إذ كدت ان أصفق مع المصفقين عندما طمأن رجاله المصطفين أمامه بأن هذا الانحطاط سيعقبه نهوض، وعندها سيتحقق الاستقلال الثاني وهو الذي ستصل إليه الشعوب العربية عندما تأخذ زمام المبادرة في دولها. ورغم ان الأسد لم يبين كيف ستأخذ الشعوب العربية زمام المبادرة لكنني صفقت وكان سيناريو ما حدث في تونس ومصر وليبيا هو ما يدور في مخيلتي.

بدا واضحا أن الخطاب يهدف للهجوم على العرب وجامعتهم. فقد أقذع الأسد في اتهامه للجامعة بأنها ساهمت بزرع الفتنة والفرقة في سورية، وبأنها مستعربة، وأنها تتبع سياسة "الحزم والتشدد مع سورية، واللطف مع إسرائيل". لا احد بوسعه ادعاء كفاءة الجامعة العربية كمؤسسة إلا أنها، بالقطع، لم تتبع سياسة الحزم والتشدد مع النظام السوري بل ربما كان العكس هو الصحيح بإغداقها للمهل عليه.

من الظلم، على كل حال، وصف الخطاب كله بالرتابة، إذ تمكن الأسد من انتزاع بعض الابتسامات منا، نحن المتابعين عن بعد. أبرز الابتسامات أتت عندما هاجم الدول العربية التي "تنصحنا بالإصلاح وليس لديها أي معرفة بالديمقراطية"، فسورية، وفقا للخطاب، دولة ديمقراطية منذ الدولة العثمانية..!!. يجب ان يتبرع أحد ما بإبلاغ الأسد بأن هناك عدة أساليب للحكم الرشيد أحدها هو الديمقراطية. ثم ليتبرع بإخباره ان الديمقراطية التي تجعل حزب الرئيس هو المهيمن، دستورياً، على الدولة والمجتمع وتتيح للرئيس ان يحكم لثلاثين عاما ثم يورث ابنه ليست ديمقراطية وإن ادعت ذلك.

ابرز ما لفت نظري في الخطاب كان الوقت الطويل الذي استغرقه الأسد محاولا الفصل بين العروبة، وبين العرب" المستعربة". لا حاجة للقول بأن ذلك الفصل لم يكن بريئا ولم يكن دافعه، بأي حال من الأحوال، حسن النية. فالأسد كان حريصا على تحييد العروبة عند مهاجمته للعرب لسبب بسيط هو ظنه ان العباءة العربية ما زالت صالحة لستر سوءة مذهبية نظامه الدموي التي استشرت في كل مفاصل الدولة.

=================

بشار ملهم الثورة السورية!

علي حماده

2012-01-12

النهار

لن نتوقف كثيراً عند تفاصيل خطاب بشار الاسد الرابع الممل الذي ألقاه البارحة. فروحية الخطاب تدل على انه اعلن الحرب الشاملة على الثورة في سوريا، وانه يتجه الى محاولة حسم المعركة بالعنف، لكن بوتيرة أكبر وأعم وأشمل. والحال ان دخول المراقبين العرب الى سوريا لم يخفّف منسوب القتل في سوريا، بل تشير الارقام التي ادلت بها دوائر الامم المتحدة الى انه سقط اكثر من اربعمئة مواطن سوري برصاص النظام منذ دخول المراقبين العرب قبل اسبوعين، وبالتالي فإن وجود جهة خارجية لمراقبة حسن تطبيق المبادرة العربية من النظام لم يأت بالنتائج المطلوبة، وان تكن اللجنة الوزارية العربية اخذت علما بالعوائق الكثيرة التي يضعها النظام على عمل المراقبين، فإنها لم تعلق المهمة. لكن الواقع مختلف.

فبشار الاسد هاجم الجامعة العربية وبعض الدول العربية، وكان يقصد دول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص، واعتبر ان الجامعة العربية باتت تمثل انعكاسا للحالة العربية المزرية، ومع ذلك لم يعلن وقف التعاون مع مهمة المراقبين العرب، ولم يعلن سحب توقيعه عن البروتوكول العربي. وهنا المفارقة الكبيرة في مواقفه. فهل يحضر لفخ امني كبير لمهمة المراقبين العرب؟

في مطلق الاحوال ثمة معلومات تشير الى ان النظام في سوريا طلب تغطية روسية لما سماه مرحلة الحسم العسكري مع الثورة، وقد سماها الاسد مرحلة "نهاية مخططات المؤامرة"! ووفق المعلومات، فإن الاسد قدر عدد القتلى الذين سيسقطون بنحو ثلاثين الفا خلال الاشهر الاربعة المقبلة، على ان يحسم الوضع نهائيا مطلع الصيف المقبل. ويعتقد الأسد انه بحسم المعركة بهذه الطريقة يمكنه ان يعيد "الاستقرار" الى سوريا لعقدين مقبلين. وحسب المعلومات عينها، ينقل عن القيادة الروسية انها اعتبرت الارقام التي قدمها الاسد مرتفعة جدا، ولا قدرة لموسكو على تأمين حماية سياسية وديبلوماسية وحتى عسكرية متى تخطت ارقام الضحايا العشرة آلاف!

لقد أعلن بشار الاسد الحرب المفتوحة في خطابه الرابع. وقطع الجسور مع الداخل والخارج، فهل جاء الخطاب الذي اعقبه في اليوم التالي خروجه مع عائلته الصغرى بين مؤيديه في ساحة الامويين، انعكاسا لشعوره بالقوة وبالتمكن من حسم المعركة وإلحاق هزيمة حاسمة بالثورة، ام انه حقا يخوض آخر معاركه.

من المؤكد انه كلما خرج الاسد على السوريين بخطاب جديد، اشتد عصب الثورة، وقويت عزيمة الثوار، وتأكد السوريون ان شيئا لن يتغير ما بقي النظام وبشار في مكانهما. اكثر من ذلك، مع كل خطاب جديد يتعزز اليقين ان بشار ينتمي الى عصر مضى، وانه اسير والده الذي كان لا يزال حتى الخامس عشر من آذار 2011 يحكم سوريا من قبره! من هنا قول الكثيرين ان خطب بشار الاسد هي التي تزيد الثوار ايمانا بصحة خيارهم الوطني، تصميما بالمضي قدما في ثورة الحرية والكرامة. انه بمعنى من المعاني "ملهم" الثورة، وان بمفعول عكسي!

=================

المساعدات المالية لنظام الأسد إيرانية لا عراقية

سركيس نعوم

2012-01-12

النهار

ظن كثيرون من المعادين للنظام السوري والمناصرين للثورة الشعبية عليه، التي يكاد عمرها ان يبلغ العشرة اشهر، ان الجمهورية الاسلامية الايرانية حليفته الاستراتيجية لن تستطيع مساعدته على نحو عملي للصمود في وجه العزلة العربية والعقوبات الدولية المفروضة عليه. والدافع الى هذا الظن كان في الحقيقة دافعين. الاول، عدم وجود حدود جغرافية مباشرة بين الدولتين يمكن الافادة منها لتزويد النظام المذكور كل ما يحتاج اليه من مساعدات مادية وعسكرية وبشرية اذا اقتضى الامر واقتصادية ونفطية وما الى ذلك. والثاني، عدم انتظام العلاقة بين نظام بشار الأسد وعراق ما بعد (الراحل) صدام حسين رغم الكثير من الامور المشتركة بينهما. اذ تخللتها مراحل من تبادل الهجمات السياسية، ومراحل من الانتقاد حمّل خلالها النظام العراقي، الذي نشأ بعد اطاحة صدام والاحتلال الاميركي، سوريا مسؤولية الكثير من الاعمال التخريبية والارهابية التي الحقت اذى بالغاً به وبالشعب العراقي على تنوع مكوناته، وتالياً بالاستقرارين السياسي والامني. علماً ان مراحل وإن قليلة من الهدوء سادت العلاقة بين بغداد ودمشق فرضتها احياناً كثيرة المصالح المشتركة للنظام السوري من جهة ولأجنحة محددة من النظام العراقي "الجديد". كما فرضتها مصالح ايران التي تتمتع وباعتراف "العارفين" وكلهم من عرب واجانب بنفوذ واسع داخل العراق وخصوصاً في اوساط مكوّنه الشيعي. إلا أن ذلك لا يلغي حقيقة، يعرفها متابعو العلاقة السورية – العراقية بعد سقوط صدام حسين، هي ان فترات المطر والعواصف التي تخللتها كانت اقل من فترات الصحو. كما لا يلغي حقيقة اخرى هي ان العلاقة بين سوريا والعراق قبل إطاحة صدام حسين ونظامه لم تكن سوية، بل كانت علاقة عداء تام وقطيعة غالب الاحيان، وعلاقة تبادل "الاذى" الامني كلما استوجبت الاوضاع الداخلية عند كل منهما ذلك رغم "بعثية" النظام فيهما. علماً ان العلاقة بين البلدين الشقيقين المتجاورين جغرافياً اللذين يشكلان معاً قلب الامة العربية، واللذين يوفر اجتماعهما قوة للعرب قادرة على مواجهة الاستهدافات الخارجية اقليمية كانت ام دولية، علماً ان هذه العلاقة لم تكن سوية ايضاً قبل حكم "حزب البعث" للبلدين ولأسباب عدة منها التنافس على الزعامة العربية، والخوف من سيطرة احدهما على الآخر، مع وجوب عدم نسيان التأثيرات الخارجية المتنوعة التي لم تكن تحبذ يوماً أي تقارب فعلي وثابت وجدي وطويل الأمد بينهما. وفي هذا المجال يلفت متابعو تطورات للأوضاع في العراق الى ان شعبه او بعض شعبه (ربما يصح اطلاق تسمية الشعوب على مكونات الشعب العراقي مثلما فعلنا في لبنان) يُحمّل سوريا بشار الاسد مسؤولية التدهور الأمني في بلاده بعد الاطاحة والاحتلال. فهي التي كانت تُدخِل اليها الارهابيين الآتين من لبنان والاردن وتركيا. وهي التي كانت تستقبلهم وتدرّبهم. وهي التي آوت "زعيماً" لبعث العراق "مقاوماً" للاحتلال وللنظام هو يونس الأحمد ومكّنته مع بعثيين آخرين من الاستمرار في "المقاومة". فهل يسمح ذلك بأن يتحوّل العراق وسوريا حلفاء فجأة؟ طبعاً لا. لأن ما في القلب يبقى فيه ولا يخرج فيجرح إذا قضت مصالح القوى الكبرى الاقليمية بذلك.

في أي حال، يقول المتابعون أنفسهم، ان الكلام عن مساعدة العراق لنظام سوريا اليوم فيه الكثير من المبالغة. فهو لا يقدّم اليها اموالاً نقدية. وحدها ايران تتكفل بذلك لأن لديها حسابات او اموال خارج مؤسسات الدولة يستطيع نظامها التصرّف بها. لكنه فتح اسواقه لسوريا، وبدأ تفعيل الاتفاقات الاقتصادية الموقّعة معها في السابق. وهذا امر يساعدها في تخفيف اثر العقوبات عليها. والفضل في ذلك يعود الى ايران التي تريد ان تبقى قادرة على التواصل الجغرافي مع سوريا عبر العراق، كي تستمر في تنفيذ مخطّطها الاقليمي المعروف، وقبل ذلك لكي تنجح في تلافي انهيار النظام فيها. ذلك انها (اي ايران) لا تستطيع وربما لا تريد انقاذه بالقوة العسكرية لأنها بذلك تهدّد نفسها وتحديداً النظام الاسلامي فيها.

هذا عن العراق وسوريا، ماذا عن تطورات الوضع الداخلي في الأول؟ المتابعون لأوضاعه من قرب يقولون انهم يخشون انفجار الوضع الأمني وعودة الحرب الأهلية. ويقولون أيضاً ان المرجع الأعلى آية الله السيستاني ليس مرتاحاً لما يجري. انه يحمّل كل السياسيين والمسؤولين مسؤولية التردي الراهن، ولذلك فانه يمتنع ومنذ مدة عن استقبالهم. ويقولون ثالثاً، انه يمتلك رؤية واستشرافاً للوضع العراقي قد يضعهما قريباً موضع التنفيذ.

=================

خطاب الأسد.. الأولوية للحسم الأمني

كمال مضاعين

الرأي الاردنية

12-1-2012

لا يمكن قراءة خطاب الاسد يوم الثلاثاء الماضي خارج سياقه الدولي والاقليمي، أو تجاهل مدى ارتباطه بالتقرير الذي اصدرته الجامعة العربية بعد انتهاء المرحلة الاولى لمهمة المراقبين العرب، فالخطاب لم يأت بجديد نوعي بقدر ما ركز، وبوضوح، على الوضع الامني الذي لا حل سياسيا قبل حسمة، وباستثناء طرح دستور جديد على الاستفتاء العام بشهر آذار القادم يكاد يخلو الخطاب من أي طرح برنامجي يتعلق (بالاصلاح) الذي تطالب به الاطراف الدولية المعادية تقليديا لسوريا والقوى الاقليمية الطامحة للمشاركة بحفلة تقاسم النفوذ على المنطقة العربية اسوة بايران واسرائيل.

يعكس خطاب الاسد قراءة دقيقة للراهن السياسي الذي تعيشه الازمة السورية المحكومة بحالة توازن قوى دولي واقليمي لا يسمح (آنيا) بحدوث اختراقات أو تسويات كبرى بين الاطراف المتصارعة، مما وفر فرصة حقيقية (للحسم الامني) للازمة السورية والتي لم يقبل الاسد بحث اي من الملفات السياسية قبل الانتهاء من هذه المهمة.

تشهد منطقة الخليج العربي سباقا محموما للتسلح ومناورات عسكرية تلامس حدود الخطر، في وقت تشهد فيه السواحل السورية استعراضا روسيا للقوة لم نشهده منذ انتهاء الحرب الباردة، كما وتحولت العراق الى ساحة مفتوحة للصراع على النفوذ بعد الانسحاب الامريكي، وعلى المستوى السياسي تحظى سوريا بدعم روسي صيني صلب، وبموازاة ذلك فشلت كل من الولايات المتحدة واوروبا بفرض حل عسكري للازمة السورية، وفيما يتعلق بالاطراف الاقليمية هناك اصطفاف موازي واضح على ضفتي هذه المواجهة الدولية.

هذا التوازن بميزان القوى الدولي والاقليمي (علق) الازمة السورية الى حين توصل الاطراف الدولية الى تسوية اوسع قد تشمل الملفات الرئيسية وفي مقدمتها ملف (النفوذ على منطقة النفط)، ما يعني أن آليات التدخل بالازمة السورية سيقتصر آنيا على الدعم العسكري للمجموعات المسلحة والتعبئة الاعلامية التي تتبرع بها أحدى الدول العربية ذات الحماس المفرط للسياسة الامريكية بالمنطقة، فتكرار السيناريو الليبي يتطلب استصدار قرار من مجلس الامن تقف كل من روسيا والصين ضده، ودعم المجموعات المسلحة داخل سوريا يبقى ذا تأثير محدود، هذا ناهيك عن العوامل الاخرى التي تصب في الصالح السوري مثل تماسك الاجهزة الامنية وتشتت المعارضة..الخ، هذا الواقع (المؤقت) وفر فرصة حقيقة للحسم الامني الذي تحدث عنة الاسد في خطابه.

رفض الاسد في خطابه قبول فكرة حكومة الوحدة الوطنية، والحقيقة أن المعارضة السورية ليست موحدة أولا، وهذا ليس بسبب الخلاف أو الاختلاف على أجندة الاصلاح، بل بسبب تحالفات فصائل المعارضة الدولية والاقليمية، وثانيا، بسبب اقتصار وجود الفصائل الموالية لواشنطن وأنقرة في الخارج فقط، وهذا لا يعني أن واشنطن ليست قادرة على فرض هذه الفصائل على طاولة الحوار بالمستقبل.

نقرأ من خطاب الاسد بأن الازمة السورية ستراوح مكانها الى حين توصل الاطراف الدولية الى الاتفاق على تسوية ما، وأن الحسم الامني هو سيد الموقف الى ذاك الحين.

=================

كي لا تأكل الثورة السورية نساءها

يحيى الأوس

2012-01-11

القدس العربي

خلقت الثورة السورية المشتعلة منذ تسعة شهور قياداتها الجديدة على صعيد الشارع وبات من المؤكد أنها في طريقها لسحب البساط من تحت أقدام القيادات القديمة وأقصد هنا الزعامات التقليدية التي نشأت في ظل النظام حتى أصبحت على شاكلته تتكلم لغته وتستخدم مفرداته. حتى قيادات الحركة النسوية التي ظلت لفترة طويلة تتصدر المشهد النسوي في سورية، هي اليوم مهددة بفقدان مكانتها فلا هي قادرة على مواكبة ما يجري في الشارع من جهة، ولا هي قادرة على تطوير خطابها الإعلامي - على الأقل- لتواكب الثورة السورية من جهة أخرى. ولئن كانت قد أبدت تعاطفا خجولاً مع مجريات الأحداث، إلا أن هذا لن يسمح لها منذ الآن وصاعدا بالبقاء في موقعها في وقت ظهرت فيه شخصيات نسوية جديدة انبثقت من قلب الحراك وانتزعت اعترافا بوجودها ليس من الشارع وحسب ولكن من مختلف التيارات التي تسير في ركاب الثورة.

فللمرة الأولى منذ عقود تعلو المشهد السوري سيدات مستقلات بلا خلفيات سياسية، خلافا لما عرفته البلاد من تسيد النساء اليساريات لواجهة العمل النسوي في العموم، فالنساء الجدد القادمات من رحم الحراك انخرطن منذ الأيام الأولى في العمل الميداني اليومي إلى جانب الرجال ودون استئذان، ليحطمن بذلك واحد من أشد الخطوط التي كان الرجال يحتكرونها، فما حدث لم يكن مجرد انتزاع حق المشاركة في العمل السياسي الذي ظلت المرأة على هامشه لفترة طويلة بل هو أبعد من ذلك، فقد انتزعن شرف العمل الميداني في واحدة من أسوأ المراحل التي يمكن للمرأة أن تعايشها في تاريخ سورية واقصد هنا الظروف الأمنية والمجتمعية المنفلتة خاصة في المناطق المتوترة.

على أن انعدام الخلفية السياسية لمعظم هؤلاء النساء لا يلغي تأثرهن بطبيعة الحراك الذي أكره على ارتداء اللبوس الديني، وهو ما يعزز مخاوف من يعتقدون بأن الدفع باتجاه إشراك النساء في الحراك الدائر في الشارع لا يعدو سوى أن يكون تكتيك سياسي تتبعه التيارات الإسلامية لعبور المرحلة الحالية. إلا أن وقفة متأنية تكفي لتبديد تلك الشكوك مع ما أحدثنه هذه المرحلة من تبدل يمكن تلمسه في المزاح العام بالنسبة للتجمعات أو التيارات الإسلامية التي تقبلت مشاركة المرأة في الشأن الميداني لما يدور على الأرض، لا بل أن هذه التيارات لجأت إليه ودعمته لتأجيج الحراك ولخصوصيات تتعلق بردات الفعل الأمنية الأقل حدة تجاه هذه التحركات النسوية نظرياً، بغض النظر عما واجهته التظاهرات النسوية من ردات فعل عنيفة من قبل قوات الأمن أودت بحياة نساء وأدت إلى اعتقال أخريات لفترات زمنية متفاوتة.

هذه المخاوف ظلت على الدوام تتأيد بالحديث عن تصاعد سقف مطالب الحركات الإسلامية التي ينظر إليها بريبة كبيرة يعبر عنها بخشية حدوث انتكاسات على صعيد الحقوق المدنية عموماً، وعلى وجه التحديد ما يتعلق منها بحقوق المرأة، مع العلم بأن واقع الحال في سورية بالنسبة لمكتسبات المرأة يختلف عن مثيله في تونس - على سبيل المثال- إذ لا يمكن القول بأن هناك مكتسبات مستهدفة من قبل التيارات الإسلامية في حال نجحت هذه الأخيرة في الوصول إلى السلطة، بل على العكس، فما تحقق للمرأة السورية لا يلامس المحظورات الدينية حتى بالنسبة للجماعات الدينية المتشددة ناهيك عن المعتدلة، لا بل قد نذهب إلى أن الحركات الإسلامية المعتدلة قد تكون في ظرف تاريخي ما أكثر قدرة على إحداث انفراجات على صعيد حقوق المرأة من الأنظمة التي تدعي العلمانية لكنها لا تنفك تغازل المرجعيات الدينية وتتحاشى غضبتها.

بين ما كان وما سيكون هناك ثورة اجتماعية غير مسبوقة فتحت الطريق أمام هدم القيود التي تعزل المرأة عن الحياة العامة، فللمرة الأولى لا يقف الرجل والمرأة على طرفي نقيض، بل كليهما جزء منها، وما المطالب التي رفعتها النساء كالديمقراطية والمواطنة والحقوق المدنية سوى جزء من المطالب العامة لهذه الثورة، الأمر الذي يجعل منها شريك فاعل، وما يجب اقتناصه في هذه المرحلة هو هذه الفرصة التي تلوح للنساء السوريات بمختلف مشاربهن المتعلمات منهن وغير المتعلمات، المحجبات وغير المحجبات، الثريات والفقيرات، من أجل الحصول على حقوق مهضومة منها الاجتماعي ومنها السياسي.

=================

عيون وآذان (ماذا ينفع الإنسان إذا ربح سورية ... وخسر نفسه)

الخميس, 12 يناير 2012

جهاد الخازن

الحياة

منذ انفجار الأحداث الدموية في سورية في آذار (مارس) من السنة الماضية ألقى الرئيس بشار الأسد ثلاثة خطابات في 1/4/2011 و 22/6/2011 و10/1/2012، (وكلمة للجيش في ذكرى عيد تأسيسه السادس والستين في 1/8/2011) وكادت الخطابات كلها أن تكون خطاباً واحداً، فهناك "مؤامرة كبيرة" على سورية من دول قريبة وبعيدة، أو "فصول المؤامرة والقتل"، أو "التآمر الخارجي"، يقابلها حوار وطني وإصلاح وصمود.

المعارضة السورية التي رفضت خطاب الرئيس الأسد الأخير كما رفضت خطابه الأول تريده أن يتنحى لتخلفه في الحكم، وهو لن يفعل.

أشعر إزاء مواقف الجانبين بأن الأزمة ستطول اكثر مما تتوقع معارضة تصرح بتمنياتها فلا أرى وقائع على الأرض تؤيدها، وبأن الأزمة لن تنتهي بانتصار النظام الذي يبشر بقرب دحر المؤامرات والإرهابيين من كل نوع، محلي أو مستورد.

بكلام آخر، القتل اليومي سيستمر، وقد قتل 20 سورياً أو أكثر يوم ألقى الرئيس خطابه الأخير، وقتل غيرهم في اليوم التالي، ولن ينتهي هذا اليوم حتى نسمع عن مزيد من الضحايا.

أطالب مرة أخرى بوقف القتل، سواء بقي النظام أو سقط، وانتصرت المعارضة أو اندثرت. حفظ الحياة أهم من كل المواقف، وماذا ينفع الإنسان إذا ربح سورية، أو العالم، وخسر نفسه.

كنت استمعت إلى خطاب الرئيس في مطلع نيسان، وكلي أمل بأن يعلن برنامجاً إصلاحياً يكسب به أسابيع أو أشهراً، وأن ينفذ بعضه، ويكسب مزيداً من الوقت، وندخل سنة 2012 وقد تجاوزت سورية الأزمة. غير أن الرئيس لم يقدم شيئاً في خطابه أمام مجلس الشعب، ولم يقدم شيئاً في خطابه قبل يومين، فحديث الإصلاح يبقى حديثاً غير مقنع.

أقل إقناعاً الحديث عن مؤامرة خارجية، فالمؤامرات موجودة ودائمة، إلا أن السوريين الذين يتظاهرون كل يوم ليسوا جزءاً من مؤامرة خارجية، وإنما هم مواطنون لهم مطالب معروفة ومحقة.

في الوقت نفسه، المعارضة السورية ترفض التعامل مع النظام، فطلبها الوحيد منه هو أن يرحل، وهو لن يرحل طوعاً، ولديه عناصر قوة تضمن له البقاء في الحكم مدة طويلة، وحتماً أطول مما تتوقع المعارضة.

بين مطرقة الحكم وسندان المعارضة يدفع السوريون ثمناً هائلاً من دماء أبنائهم كل يوم. وكان يفترض أن تهب الدول العربية للدفاع عن الشعب السوري، إلا أن كلاً منها في حاجة إلى من يساعده، وقد رأينا المجموع ممثلاً بجامعة الدول العربية التي لم ترحب بها الحكومة السورية أصلاً، ولم تتحمس لها المعارضة، وأصبحت فوراً جزءاً من الخلاف بدل أن تكون عنصراً في الحل.

في الصراع الدائر لست مع الحكومة أو المعارضة، وإنما أرجو أن أكون مع الشعب السوري، فبحكم العمر أعرف سورية قبل ثلاثة أرباع المتظاهرين، وهي بلدي بقدر ما هي بلدهم (أيضاً مصر).

والشعب السوري اليوم يدفع ثمن سياسات انتحارية، فالنظام اختار الحل الأمني من اليوم الأول، ودخل طريقاً مسدوداً لا يعرف كيف يخرج منه، والمعارضة أغلقت الأبواب من اليوم الأول أيضاً، ولا أدري ما هي الأسس التي بنت عليها فرضيات انهيار النظام بسرعة.

النظام أقوى مما يتمنى المعارضون والمعارضة أكثر تماسكاً مما يتمنى النظام، والإفلاس السياسي السوري هو مرآة للإفلاس العربي العام، وهناك ضياع لا يستفيد منه سوى الأعداء فهم يحيكون المؤامرات ونحن ننفذها أو نلبسها.

وهكذا فنحن أمام وضع ليس فيه أي إيجابية، ويعلم الله أنني حاولت، تخفيفاً على القارئ وعلى نفسي، إلا إن عناصر المواجهة لم تترك لي منفذاً مهما صغر.

=================

سورية: «لعبة انتظار» خطرة

الخميس, 12 يناير 2012

يزيد صايغ *

الحياة

لقد دخلت الأزمة السورية مرحلة «جمود مؤلم» قد تمتدّ طيلة العام 2012، بعد أن بلغت الضغوط الخارجية والتحديات الداخلية أبعد ما ستذهب إليه في الأمد المنظور. من الواضح تماماً أن النظام عجز عن قمع الانتفاضة ولن ينجح بذلك خلال السنة المقبلة. لكن يبدو أيضاً أن المعارضة –بجناحها في الخارج وفي الداخل حيث ثقلها– غير قادرة هي الأخرى، على توسيع نطاق نشاطاتها وفعاليتها أو ابتكار سبل جديدة لممارسة الضغط، بغية زيادة ومضاعفة نقاط الاحتكاك والمواجهة، وصولاً إلى استنزاف النظام وأجهزته الأمنية-العسكرية وإرهاقهما.

من المحتّم، عاجلاًَ أم آجلاً، أن تفشل بعثة المراقبين التي أرسلتها جامعة الدول العربية إلى سورية في أواخر كانون الأول (ديسمبر) الماضي. صحيح أن احتضارها يمرّ عبر لحظات شدّ وجذب، فيما توجّه اللجنة الوزارية للجامعة المزيد من التحذيرات إلى الحكومة السورية، وفيما تماطل هذه الأخيرة لتتراجع في اللحظة الأخيرة، لكن من غير المرجح أن يتم الإعلان عن موت خطة العمل العربية رسمياً لبعض الوقت. ويعني ذلك، إذا صحّ التقدير، أن تهديدات جامعة الدول العربية بإعادة فرض المقاطعة الاقتصادية على النظام، كما أعلنت في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت، أو باللجوء إلى إجراءات أخرى مثل منع رحلات الطيران المدني العربي من وإلى سورية أو مطالبة مجلس الأمن الدولي بالتدخّل، سوف تستغرق أسابيع لإقرارها وأشهراً لتحويلها إلى حيّز التنفيذ الفعلي.

لا يزال النظام السوري يستفيد من هامش ملحوظ للمناورة. ويعود ذلك من ناحية، إلى أن مجلس التعاون الخليجي الذي تزعّم حتى الآن مبادرات جامعة الدول العربية تجاه سورية، لا يملك خطة واضحة تحدِّد له خياراته المقبلة، كما أن المجلس لم يحدّد «انتقال السلطة» كهدف رئيس في سورية، على عكس سياسته في اليمن، التي وضعت ذلك هدفاً منذ البداية. ولا يقلّ أهميةً عن كل ذلك تصلُّب موقف روسيا والصين مؤخراً في مواجهة السياسة الأميركية والغربية عموماً تجاه سورية، مما يعيق الأمم المتحدة عن الضلوع بدور فعّال، فيما يشير اتجاه التطورات السياسية الداخلية في العراق إلى أن الحكومة هناك ستلعب دور «الرئة» الإضافية لنظيرتها السورية.

يتمثّل العامل الحاسم في أنه لن يكون هناك ثمة تدخّل عسكري خارجي، من شأنه «فَرط المسبحة» الداخلية في سورية، بحيث يتهاوى مؤيّدو النظام من الطبقات الوسطى المدينية أو تنطلق سلسلة انهيارات داخل المؤسسات الحكومية أو الأجهزة الأمنية والعسكرية، وصولاً إلى انقلاب جذري للميزان الداخلي في البلاد، فلا الولايات المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي مستعدّان لتكرار السيناريو الليبي لمجموعة أسباب عملياتية وجغرافية ومالية (فيما يتأرجح مصير اليورو على شفير الهاوية)، بينما تمتنع تركيا عن أي دور عسكري مباشر، على الرغم من استعدادها لتطبيق العقوبات الاقتصادية المكلِفة. فلن تنشأ مناطق الحظر الجوي (الكامل أو الجزئي)، أو مناطق حدودية محمية، أو «ممرّات إنسانية» لإيصال المؤن والأدوية إلى المدن والبلدات المحاصَرة داخل سورية.

وعلى عكس بعض التقديرات، لا يحتاج النظام السوري إلى «دفعة بسيطة» وحسب لينهار، إذ لا يزال يحتفظ بقبضة ثابتة على دمشق وحلب، حيث لا تظهر حتى الآن علامات مقنِعة على انتقال الطبقة الوسطى (من الموظفين وذوي المهن الحرّة ورجال الأعمال) إلى صف المعارضة، أو على حالات انشقاق جماعي. ولا بد أن الأجهزة الأمنية تتكبّد الخسائر والقلق حول المصير، لكنها لا تزال موالية ومتماسكة في الغالب، على الأقل ظاهرياً. وكذلك تتواصل حالات الفرار من الجيش، إلا أنها لم تتحوّل فيضاناً بعد. ثم إن «الجيش السوري الحرّ» غير قادر على أن يشكّل خطراً إستراتيجياً على النظام في غياب إمكانية إنشاء المناطق الآمنة بحماية عسكرية خارجية.

الواضح أن النظام قد اختار التخلّي عن سيطرته على بعض المناطق الريفية والبلدات الصغيرة لكي يُبقي على غالبية الجيش في ثكناته، فيما يوكِل إلى أقوى وحداته وأشدّها ولاءً مهمة ضبط المدن الرئيسية وضمان السيطرة على المناطق والمعابر الحدودية الأساسية، التي تشكّل الأولوية الأكثر حيوية بالنسبة إليه.

مفاد كل ذلك هو إطالة عمر النظام. صحيح أن الاقتصاد السوري قد انكمش انكماشاً شديداً خلال العام 2011، ربما بلغ 30 بالمئة من إجمال الناتج الوطني، غير أن اقتصادات عربية أخرى تراجعت بنسب مماثلة من دون أن ينهار النظام: العراق بعد غزو الكويت، والسلطة الفسلطينية بعد اندلاع الانتفاضة الثانية، وليبيا في ظلّ العقوبات الدولية. ومن شأن سهولة التسرّب عبر الحدود السورية واتّساع الاقتصاد «الأسود» المستند إلى التهريب، وتنوّع الاقتصاد السوري وعدم اتّكاله المركزي على تصدير النفط، والتطوّر النسبي للقطاع الخاص وتمتّعه بشبكات تجارية ورأسمالية في الخارج، أن يؤدّي كل ذلك إلى حماية المجتمع السوري عامة، وليس النظام وحده، من آثار الحصار لفترة لا بأس بها. يُضاف إلى ذلك أن أياً من الدول العربية المجاوِرة، بما فيها تركيا، لم تُغلِق حدودها مع سورية، وليس مرجّحاً أن يتم ذلك مستقبلاً (ربما باستثناء تركيا. وهذا قد يكون مؤجَّلاً أو جزئياً).

وما يزيد من جمود الأزمة السورية هو تحوّلها الواضح إلى منافسة جيو-سياسية بين القوى الإقليمية والدولية الرئيسية. وقد يُفاقِم هذا الجمود من مخاطر اتّساع العنف الطائفي، غير أنه يقف عائقاً أمام نشوب حرب أهلية حقيقية. الأرجح حدوث أحد احتمالين: السيناريو الأول أن تتوصّل عناصر داخل الطائفة العلوية –ربما قيادتها «الملِّية» الدينية التقيليدية أو بعض القادة العسكريين من خارج دائرة عائلة الرئيس بشار الأسد– إلى استنتاج مفاده أن مصيرها الهزيمة في حال نشوب نزاع عسكري واسع أو حرب أهلية، فتبادر إلى الضغط على الرئيس بهدف إقناعه بالتفاوض والاتفاق طالما يحتفظ بالقدرة على تأمين الشروط والضمانات الممكنة. أما السيناريو الثاني، في حال غياب مثل هذه المساعي أو فشلها، فهو أن يتآكل النظام من الداخل حتى يصل إلى لحظة الانهيار، فتفرُط المسبحة «وتكرّ» بوتيرة متسارعة عندما يرى السواد الأعظم من الجيش ومن المدن والبلدات أنه لم يَعُد في مقدور النظام الدفاع عن نفسه أو القيام بالهجوم المضاد.

لكن لن تأتي تلك اللحظة في العام 2012 طالما بقيت المعطيات الأساسية على ماهي عليه اليوم.

* باحث أول في مركز كارنيغي للشرق الأوسط – بيروت.

=================

الهروب إلى الحرب

الخميس, 12 يناير 2012

غسان شربل

الحياة

هل نستيقظ ذات يوم على خبر مفاده بأن صواريخ انهمرت على إسرائيل وأن طائراتها تشن غارات انتقامية؟ أم نستيقظ على خبر تفجير سفارة إسرائيلية أو مركز ثقافي وتختار إسرائيل الرد في جنوب لبنان؟ وماذا لو اختارت إسرائيل توسيع دائرة الحرب لتصفية الحساب مع المنشآت النووية الإيرانية؟ وفي مثل هذه الحال أين ترد إيران وهل تستطيع الولايات المتحدة البقاء خارج هذه الحرب؟ وماذا لو أفقنا على ألغام في مضيق هرمز؟ أو عملية انتحارية ضد سفينة أميركية في مياه الخليج؟.

أعرف ما يتردد في اكثر من عاصمة. يقول كثيرون إن الغرب لا يريد أن يحارب وليس قادراً إن أراد. وإن باراك أوباما الحالم بتمديد ولايته يريد توظيف صورته كرئيس يعيد القوات من الحروب التي أطلقها سلفه لا كرئيس يرسل الآلة العسكرية الأميركية إلى حروب جديدة. وإن نيكولا ساركوزي الذي غامر في ليبيا ليس في وارد الاندفاع في مغامرة أخرى. وإن ديفيد كامرون وأنغيلا مركل منشغلان بوطأة الأزمة المالية الغربية وانعكاساتها على منطقة اليورو وجيرانها. هذا صحيح لكن الحروب تفرض نفسها أحياناً بفعل تدهور مفاجئ في مسارح التوتر.

أعرف أيضاً ما يرد به كثيرون. أن إيران تتقن اللعب على حافة الحرب لكنها تتقن تفاديها في اللحظة الأخيرة. وأن الانتشار الحالي للجيش السوري لا يسمح له بمواجهة إسرائيل. وأن دمشق تدرك أن الخسائر التي ستلحقها ترسانتها الصاروخية بإسرائيل ستكون أقل من الخسائر التي يمكن أن تلحقها الطائرات الإسرائيلية بالوحدات التي تشكل العمود الفقري للنظام. وأن «حزب الله» لن يغامر بالذهاب مختاراً إلى الحرب في ظل الوضع السوري الحالي والتغييرات التي عصفت بالبيئة اللبنانية نفسها.

أعرف ذلك ولكن تراودني رغبة في طرح السؤال عن الحرب واحتمالات الانجرار إليها أو الهروب إليها اعتقاداً بأنها تخلط الأوراق وأن أثمانها مهما كانت باهظة تبقى أقل من تفكيك هلال الممانعة.

أكتب في ضوء متابعتي لأخبار الأيام الأخيرة. واضح أن إيران تعيش في توتر متصاعد. وأن اقتصادها يعاني من العقوبات ومهدد بالأسوأ. وأنها عاجزة عن وقف التدهور في عملتها الوطنية. وأن توسيع التخصيب يضاعف الطوق المضروب حولها. وأن محاولتها التلويح بورقة إغلاق مضيق هرمز استدرجت رداً بالغ الوضوح. وأن الإعلان عن اغتيال عالم نووي إيراني هو الرابع خلال سنتين واتهام إسرائيل بالوقوف وراء العملية ليس حدثاً بسيطاً.

أكتب أيضاً في ضوء خطاب الرئيس بشار الأسد. واضح أن مهمة المراقبين العرب ماتت ودفنت. ومعها أيضاً الرهان على حل عبر الجامعة العربية. وأن السلطة ليست راغبة في أي حل يعطي الانطباع أن سورية دخلت مرحلة انتقالية. وأن السلطة ما زالت تراهن على الحسم والانتصار وبغض النظر عن الأثمان الرهيبة. وأن المعارضة غير راغبة في أي حل يعني إبقاء النظام والاكتفاء بجراحة تجميلية له. وأن سقوط الآف القتلى في صفوفها عزز حجة الراغبين في التدويل وحجة بعض الداعين إلى مواجهة السلاح بالسلاح. وأن فوات أوان الحلول ينذر باندلاع حرب أهلية لا يمكن إخفاء طابعها الإقليمي في ضوء الانقسامات العراقية واللبنانية حول المحنة السورية.

إننا أمام معركة كبرى. ما يجري على أرض سورية يتجاوز موضوع مستقبل النظام فيها. أنه يتناول محور الممانعة بكامله. سقوط النظام السوري سيعني في حال حصوله بتر جزء أساسي من الدور الذي أنفقت طهران سنوات وثروات لانتزاعه. يعني أيضاً إعادة «حزب الله» مجرد لاعب محلي. وليس سراً أن معظم الصواريخ التي أطلقها الحزب في حرب 2006 صنعت في سورية وبتمويل إيراني.

قراءتي لملامح اللوحة القاتمة ذكرتني بما سمعته قبل شهور. قال المتحدث:»إن إنقاذ النظام في سورية يستحق إطلاق حرب ضد إسرائيل يمكن أن تغير المشهد في المنطقة. إذا كنت مهدداً بخسارة بهذا الحجم عليك المجازفة باستخدام كل الأوراق».

=================

الربيع العربي وأزمة الهوية

ياسر أبو هلالة

الغد الاردنية

12-1-2012

على من كان يكذب بشار الأسد وهو يتحدث عن "العروبة"؟ هل بقي من يصدقه؟ المهم في خطابه أنه يعبر عن أزمة حقيقية في العالم العربي، أسهم هو في تفجيرها مع أنه ليس له علاقة في إيجادها. فسورية بلد تشكل على أساس المواطنة في دستورها العام 1950، وهو بالمناسبة الدستور الذي يفصل شكل علم الثوار الذي يصفه أبواق النظام بعلم الاستعمار! وتم التضحية بالمواطنة لصالح هويات عابرة لها في الوحدة مع مصر، إلى أن جاء "البعث" وقسمها لصالح هويات فرعية طائفية باسم العروبة.

تصنع الهوية الوطنية، وعلى رأي الشاعر محمود درويش هي "ما نورَثه لا ما نرثه". فقبل الاستعمار كنا "عثمانيين" نتحرك في حدود ولايات الإمبراطورية الشاسعة، وندعو للخليفة على المنابر. بعد الاستعمار الذي أوجد الدول القطرية باتفاقات لم نشاور بها، تحولت الهوية الوطنية إلى لبنة أولى يمكن البناء عليها ولا يمكن قسمتها. فسواء بالوحدة الإسلامية أم العربية أم المغاربية أم وادي النيل أم بلاد الشام، لابد من تصليب وتمتين اللبنة الأولى، ولا يمكن البناء من حجارة هشة.

في الربيع العربي انكشفت هشاشة اللبنة الأولى، ولم يعد بالإمكان تجاهل الأزمات التي تعصف بالهوية الوطنية التي باتت تتقدمها الهويات الفرعية، من طائفية وعشائرية وإثنية وجهوية. ونجاح الربيع العربي لا يكتمل بدون الإجابة عن سؤال الهوية، وهو شرط لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة.

قبل الربيع العربي الذي أضعف مكانة الدولة لصالح الناس، برزت أزمة الهوية في العراق الذي دُمرت فيه الدولة. فليس صحيحا أن الاحتلال هو من أوجد الانقسام؛ الاحتلال كشف الانقسام عندما دمر الدولة القاهرة التي كانت قادرة على تحييد كل الانقسامات والأزمات والمشاكل.

في المجمل، أتاح الربيع فرصة لمناقشة المشاكل والبحث في حلول لها. في اليمن مثلا، والذي كان مرشحا للانفجار والتشطير إلى 12 يمناً، أزاحت الثورة شبح الانقسام، من خلال الاعتراف بمظالم الحوثيين والجنوبيين. في سورية، للمرة الأولى يعترف النظام، بحكم الأزمة، بالإحصاء الظالم الذي تعرض له الأكراد أملا في جلبهم إلى صفه. في مصر، أظهر الاحتفال بليلة عيد الميلاد رغبة القوى جميعا في تجاوز الإرث الطائفي الثقيل. حتى في تونس وليبيا، البلدين الموحدين طائفيا ومذهبيا (سنة مالكية)، برزت هويات مناطقية الداخل والساحل في تونس، والشرق والغرب في ليبيا.

يحق للثوار أن يتعاملوا مع أزمة الهوية، ويتساهل مع أخطائهم إن وقعت، لكن الأنظمة المستبدة ليست مؤهلة للتعامل مع أي أزمة، بل هي تخلق الأزمات وتعمقها. في مصر، وصل الأمر بالنظام إلى حد تفجير كنائس ليتهم بها جيش الإسلام الفلسطيني، وفي سورية لم يكتف نظام العروبة بعقود من الممارسة الطائفية البغيضة في كل شبر في سورية، بل اختار أن يلعب بورقة الأقليات على مستوى المنطقة، فيدعى بطرك الموارنة في لبنان لزيارة العراق في ظل تحالف إيران وسورية.

إن الربيع العربي سيكتمل قريبا، وينتهي مصطلح الأقلية في إشارة إلى خصوصية دينية أو مذهبية أو مناطقية، ويتحول إلى تعبير سياسي يصف من لا يحصل على أكثرية الأصوات؛ حزب أكثرية حاكم وحزب أقلية في الظل ينتظر دوره في الحكم. وبذلك وحده يجاب عن سؤال الهوية. ساعتها يمكن الحديث عن العروبة التي وصفها الشاعر محمود غنيم "لفظ إن نطقت به فالشرق والضاد والإسلام معناه".

=================

سوريا.. هل تريد أن تضحك؟

طارق الحميد

الشرق الاوسط

12-1-2012

بالتأكيد، المواطن العربي في حاجة ماسة للضحك، ولذا نزفّ له هذا الخبر، حيث يقول الرئيس السوداني إن بلاده ترتبط بعلاقات حميمة مع النظام السوري، إلا أن «هذه العلاقات لم تمنع الخرطوم من أن تعبر عن رأيها.. ونتحدث عن ضرورة عمل إصلاح في سوريا»!

فالرئيس عمر البشير يحث بشار الأسد على ضرورة الإصلاح، بل ويقول ناصحا الأسد إن «الاستقرار في سوريا وأمنها بالنسبة للسودان أمر حيوي ولكن هذا لا يمكن أن يتم إلا بحكومة مرتبطة بقاعدتها». والمقصود بقاعدتها هنا بالطبع ليس تنظيم القاعدة وإنما الشعب والمواطنون، وهذا كلام يصدر من رئيس جاء بالانقلاب العسكري، وأمضى قرابة العقدين بالحكم، وقسم السودان بعهده، وملاحق من المحكمة الجنائية الدولية بتهم ضد الإنسانية، وذهب في بلاده قرابة المليون قتيل بسبب الحروب وحملات القمع، سواء بدارفور، أو غيرها، ومعظم خصومه السياسيين إما معتقلون، وإما ملاحقون أو مهددون، ويقوم بإسداء النصائح لبشار الأسد، بل ويطالبه بالإصلاح وضرورة أن تكون الحكومة بدمشق نابعة من القاعدة الشعبية!

حقا إن شر البلية ما يضحك، ولا أظن أن هناك جغرافيا بالعالم فيها هذا الكم من الكوميديا المبكية مثل منطقتنا. والمحزن، أو المضحك، حيث تساوت الأمور، أن الرئيس السوداني يقول: «إننا موجودون في سوريا من خلال لجنة المراقبين لنقل حقيقة الأوضاع، ونحن قطعا مع الشعب السوري ونريد الأمن والاستقرار لسوريا باعتبارها دولة مهمة جدا من دول المواجهة»، قاصدا ترؤس الفريق السوداني مصطفى الدابي لوفد المراقبين العرب بسوريا، الوفد الذي حضر بعضه سرادق العزاء الذي أقامه النظام الأسدي لمن قال إنهم قتلوا بالعملية الانتحارية التي تمت يوم الجمعة الماضي في دمشق، والتي تقول المعارضة السورية إنها من تدبير النظام. فإذا كان عمل المراقبين العرب لا يختص بوقف القتل وحماية المدنيين، وليس مطلوبا منهم، أي المراقبين، الإدلاء بأي تصريحات من داخل سوريا، فهل من صميم عملهم خدمة الدعاية الأسدية؟ بل وهل رئاسة هذا الوفد العربي أمر يدعو للفخر؟ خصوصا أن الفريق الدابي يقول إن عمل المراقبين قد يتطلب أمدا طويلا، بل ولمح إلى سنوات، خصوصا عندما قال إن العمل الذي قامت به لجان المراقبة بأفريقيا استمر منذ 2004 وحتى اليوم!

أمر محزن، مضحك، وهذا أقل ما يمكن قوله، بل كان الله في عون السوريين العزل، طالما أن ناقل رسائل الجامعة هو خالد مشعل، ورئيس المراقبين من مخابرات الرئيس السوداني الذي بات يحاضر حول ضرورة الإصلاح، وضرورة أن تكون الحكومة نابعة من الشعب، وهذه بذاتها قمة الكوميديا المضحكة، ولكنه ضحك كالبكاء لا شك، كما أن ما يحدث بحق سوريا، عربيا، يجعل المرء يحزن على مستوى الدبلوماسية العربية، خصوصا ممن هم ذوو مقدرة ولكنهم يتفرجون على أزمة تعصف بدولة عربية مختطفة من قبل إيران، ويلعب بها اليوم من لم ينجزوا منجزا واحدا طوال حياتهم السياسية.

يا خسارة!

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ