ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 31/12/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

عام التشدد الإيراني

الجمعة, 30 ديسيمبر 2011

وليد شقير

الحياة

اعتاد المواطن العربي العادي أن تمر الأعوام عليه من دون تغيير يُذكر، برتابة ما بعدها رتابة، وبتسليم بالأمر الواقع الذي يعيشه، قمعاً وتخلفاً وإهداراً للكرامة. زاد في هذا كله العجز العربي عن وقف الانحدار المتواصل في مواجهة إسرائيل وسعيها الى إلغاء الهوية الفلسطينية وإنكارها وجود شريك فلسطيني في معادلة السلام في المنطقة.

وحده العام 2011 خرج عن القاعدة بعدما انطلقت شرارة التغيير من تونس أواخر أيام العام الذي سبق. ومن المنتظر أن يشذ العام المقبل عن قاعدة الرتابة هذه بعدما حبل العام الحالي بأحداث تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية وغيرها من الدول.

إلا أن عام 2012، سيحمل استمراراً للحراك التغييري في هذه الدول كلها، لكن ستكون له نكهة مختلفة كثيراً، نظراً الى ما يحصل في سورية. وسواء حمل العام الجديد، تغييراً في سورية أم لم يحمل، لأن كثيرين يتوقعون أن تطول الأزمة التي تعيشها، إما بدخول بلاد الشام في مواجهة مديدة أو بتطور المواجهة الى حرب أهلية، فإن وجه الاختلاف الأول مع العام المنتهي أن ما تعيشه سورية ينعكس تغييراً مباشراً في المشهد الإقليمي، مقارنة بالتعديل غير المباشر في هذا المشهد، الذي أحدثته وتحدثه انتفاضات تونس ومصر وليبيا واليمن والحراك الذي شهدته البحرين...

بدأت معالم الانعكاس المباشر للحراك السوري تظهر في 2011 في سياسة الحليف الأول للحكم الحالي في سورية، إيران، في ساحتين حيويتين للسياسة الإيرانية على الصعيد الإقليمي هما العراق ولبنان.

تستبق طهران إمكان فقدان حلقة الوصل الجغرافي – السياسي بينها وبين المشرق العربي وبينها وبين هاتين الدولتين تحديداً. فما عجزت عنه دول الخليج العربي ودول الغرب من فك الارتباط بين إيران وسورية قد تنجح فيه الانتفاضة في سورية، إذا غيّرت في النظام أو إذا أضعفته مع ما يعنيه ذلك من تعديل في علاقته بإيران. وهذا ما يدفع طهران الى استباق التغيير في سورية، بالتشدد في إمساكها بزمام الأمور في السلطة في بغداد. وما يحصل فيها من صراع بين قوى الائتلاف المفترض الذي انفرط عقده، يتعدى التنافس على ملء فراغ الانسحاب الأميركي، الى صراع بين قوى تتعارض ولاءاتها وحساباتها الإقليمية ونظرتها الى الدور الإيراني الإقليمي وموقع العراق منه. فحسابات هذه القوى المتعارضة المصالح والرؤى باتت أكثر تبايناً، ليس فقط بسبب الانكفاء الأميركي من العراق، بل بفعل تأثير التغيير في سورية، مهما كانت درجته، على التعاون الإيراني – العراقي ودور طهران في تركيبة السلطة في بغداد. فالتطابق بين طهران والقيادة السورية هو الذي كان أفرز غلبة القوى الحليفة للأولى في هذه التركيبة خلال 2011. وستجهد للحفاظ عليها في عام 2012.

وليس لبنان شاذاً عن هذه المعادلة. فالتطابق بين سياسة القيادة السورية مع طهران ومقتضيات نفوذها في لبنان، هي التي أفضت الى فرط محاولة صوغ الاتفاق السعودي – السوري وما يسمى باتفاق س – س وبالتالي الاستغناء عن حكومة الوحدة الوطنية برئاسة سعد الحريري في أوائل ايام العام المنصرم.

سبق ذلك انفراط عقد التعاون السعودي – السوري في العراق على دعم ترؤس رئيس القائمة العراقية أياد علاوي رئاسة الحكومة العراقية، أو شخصية ثالثة غيره وغير رئيس قائمة دولة القانون نوري المالكي. ومنذ ذلك الحين تكرّست سورية، وما زالت، كعقدة ربط بين نفوذ إيران في بغداد ونفوذها في بيروت.

وفي لبنان من الطبيعي أن تسعى طهران الى استباق إمكان حصول التغيير أو على الأقل استمرار الحراك في سورية والأزمة التي تعصف بها خلال 2012، بالتمسك بنفوذها في لبنان بمعزل عن هذا التغيير، فيصر حلفاؤها على الحؤول دون سقوط الحكومة الحالية كغطاء لذلك النفوذ الذي يمارسه «حزب الله» على أوجه مختلفة في السلطة ويلجم حلفاء له عن التسبب باهتزاز الوضع الحكومي. وليس صدفة أن تستعجل قوى 14 آذار التغيير في دمشق، وأن تستأخره قوى 8 آذار الى حد إنكار وجود انتفاضة في أرجاء البلاد.

وإذا كان المستعجلون يحرقون المراحل فإن الذين ينكرون الأزمة الداخلية يرفضون التسليم بنتائجها تمهيداً للمجاهرة بأن ما حققوه من نفوذ هو حق مكتسب مع سورية بقيادتها الحالية، أو بسورية مختلفة.

في اختصار فإن العام 2012 هو عام التشدد الإيراني في العراق ولبنان تعويضاً عن ضعف حلقة الربط السورية.

=================

الثورة إذ تبعث الروح في الاندماج الوطني

الجمعة, 30 ديسيمبر 2011

علي العبدالله *

الحياة

انطلقت الثورة السورية واتسع نطاق فعلها، امتدت أفقياً حتى شملت مساحة الوطن، وزاد عدد المشاركين في فعالياتها حتى بلغ الملايين فشمل رجالاً ونساء، شيوخاً وأطفالاً، وتطور شعارها وهدفها ليبلغ سقفاً واضحاً: إسقاط النظام.

أفرزت المواجهة المحتدمة مع النظام ظواهر سياسية واجتماعية وثقافية أخذت تتعمق وتتمدد في طول البلاد وعرضها. مع بداية الثورة نشأت ظاهرة التضامن بين المواطنين في المحافظات مع المدن والبلدات والقرى التي تتعرض لبطش النظام ووحشيته، فكانت أهزوجة سكان محافظة درعا تضامناً مع سكان محافظة حمص الذين تعرضوا لقمع وحشي لردعهم، بدورهم، عن المشاركة في الثورة تضامناً مع سكان درعا الذين تعرضوا للبطش والتقتيل لأنهم تظاهروا يطالبون بأولادهم.

ومع امتداد الثورة وانتشار سناها الأخّاذ استعاد المواطنون ذاكرتهم الوطنية بتحرير تاريخهم ورموزهم الوطنية الكبيرة، التي طمسها الاستبداد ومنعها من الحضور في الحياة العامة لمصلحة تكريس عبادة الرئيس الذي غلبهم على أمرهم، من الأسر، واستعادوا صورة البلاد وجغرافيتها من خلال متابعة أخبار الثورة وتضامن المتظاهرين مع الثوار في مناطقهم البعيدة بذكر أسماء المناطق في هتافاتهم وأهازيجهم. وهي مناطق ومدن وبلدات لم يكونوا قد سمعوا بها أو عرفوا عنها شيئاً. لقد انتشت الذاكرة وعادت أسماء المدن والبلدات، وحتى القرى النائية، إلى التداول، مغادرة كهوف النسيان المميتة، كما خرجت إلى العلن شخصيات ومدن وبلدات وقرى واتسعت الذاكرة لسلطان باشا الأطرش وصالح العلي وإبراهيم هنانو وحسن الخراط ومحمد الاشمر وشكري القوتلي وعبدالرحمن الشهبندر... الخ، ومدن وبلدات وقرى مثل درعا وبصر الحرير ونمر وطفس وحماة وكرناز وإدلب وجرجناز وحمص والقامشلي وسواها، التي لم تكن تحضر في حياة السوريين. لقد ضجت الذاكرة وتزاحمت بالأسماء والمسميات وصور الشهداء، وعمت البلاد أغنيات مغني الثورة الشهيد إبراهيم القاشوش وأهازيج ورقصات الحماصنة وساد بين الناس حديث حميم عن إبداعات الحماصنة وصلابتهم، وغاب التلاسن الحمصي الحموي والحديث عن يوم الأربعاء ليحل محله التضامن والتأسي والسعي لتقديم يد العون لأهل حمص المحاصرين، كما استقبال الفارين منهم من جحيم القصف واحتضانهم في البيوت والقلوب. وعندما انغرست موسى الجلاد في صدور أهل حماة تحركت السلمية لتصب دماءها في أوردة جرحاهم، وذابت في وهج الثورة حساسيات قديمة بين أهل حماة وريفها على خلفية التباين المذهبي ولم يعد هناك حديث عن إسماعيلية السلمية وعلوية الغاب أو مرشديتهم، فقد وحدهم البطش وشلال الدم الهادر من عروقهم جميعاً.

وتوالت المتغيرات تزيح قيماً نبتت في سورية في ظل الاستبداد والقهر وتزرع قيماً بديلة لها نكهة جديدة، نكهة الحرية الآتية على جناح الثورة حيث لم يشعر الثوار بالدهشة أو الغرابة عندما اختار المصوتون اسم «آزادي» (كلمة كردية معناها بالعربية الحرية) لجمعة من جمعهم المجيدة، بل إن لافتات رفعت في مدينة حمص، التي ليس فيها مواطنون كرد كثيرون، كتبت باللغة الكردية، كما صدحت حناجر الكرد في تظاهراتهم العارمة بدعوات الحرية وإسقاط النظام باللغتين الكردية والعربية، ورفعت لافتات كتبت بالكردية والعربية والسريانية. لقد أسقط الشعب الاضطهاد القومي والإقصاء السياسي الذي مارسه النظام على الكرد والأشوريين - السريان بلفتة ذكية ومباشرة وأعاد إلى سورية رونقها ونكاتها التي افتقدتها طوال عقود الاستبداد والقمع. ولعب النظام بمصير البلاد وأقدار العباد عبر تحفيز المخاوف والهواجس الطائفية بالاعتداء على المواطنين بالقتل والخطف والتنكيل والاغتصاب، لاستدراجهم إلى ردود أفعال من الجنس نفسه وإدخال البلاد في أتون حرب طائفية كي يدنس الثورة ويشوّه صورتها الأخلاقية والوطنية ويضرب شرعيتها. واستعان النظام ببعض شياطينه وشياطين حلفائه وبعض المطبّلين من اللبنانيين لتوسيع ساحة الهواجس والمخاوف الطائفية لتشمل المسيحيين. عندها رد الشعب السوري بشعاره العظيم «واحد... واحد... واحد... الشعب السوري واحد»، صدحت به حناجر الملايين وأنشدته فدوى سليمان وهي تستند إلى كتف عبدالباسط الساروت في أحياء حمص عاصمة الثورة وساحة نصرها الآتي، وحمل راية مواجهته محمد صالح حفيد المجاهد السوري الكبير صالح العلي بشجاعة وإصرار على رغم اعتقاله مرات ومرات.

لقد نجح النظام في استدراج بعض من ذاقوا مظالمه وإجرامه إلى الشرب من كأس الطائفية البغيض وانزلق بعضهم إلى ردود فعل على الخطف والاغتصاب بالقيام بالمثل، لكنها بقيت استجابة محدودة ومرذولة لم تستسغها جماهير الثورة أو تقبلها، على رغم تفهمها للظروف التي قادت إليها حيث رفعت اللافتات الرافضة للممارسة الطائفية وحمل الناطقون باسمها النظام مسؤولية أي انزلاق نحو الحرب الطائفية التي تدفع إليها سياساته وممارساته.

إنها سورية الجديدة بنت الثورة وحفيدة ثوار العشرينات الذين هبوا لطرد المستعمر الفرنسي ورسموا حدود البلاد وهويتها من سلطان باشا الأطرش الدرزي إلى صالح العلي العلوي وحسن الخراط ومحمد الأشمر السنيين وإبراهيم هنانو الكردي، ممن لم يجدوا غضاضة أو حرجاً في تسمية الأطرش قائداً لثورتهم.

* كاتب سوري

=================

هذا العام والعام المقبل في الشرق الأوسط الكبير

الجمعة, 30 ديسيمبر 2011

باتريك سيل *

الحياة

سيذكر المؤرخون أنّ عام 2011 هي السنة التي انتفض فيها العرب على زعمائهم الديكتاتوريين. وانفجرت القوة الشعبية بالأساس على يد أشخاص غاضبين وغير صبورين يتحلّون بشجاعة كبيرة وكلّهم من الشباب. وشكّل التفجّر الديموغرافي محرّك الربيع العربي.

تحكي الأرقام الرواية بكاملها. لقد أدّت معدلات الخصوبة المرتفعة في أنحاء العالم العربي إلى مضاعفة عدد السكان وزيادته ثلاث وحتى أربع مرات في غضون دورة حياة واحدة، مما تسبّب بتوسع الخدمات الحكومية في مواجهة الضغط والتضخم الهائل في عدد الطلاب وبتوقعات محبطة.

وفي بلد تلو الآخر، انتقل جيل جديد من الشباب المثقف أو شبه المثقف إلى سن الرشد واكتشفوا أنّ الوظائف غير متوافرة لهم. فهم لا يستطيعون بالتالي الوصول إلى السلع الاستهلاكية التي يتمّ الترويج لها على شاشات التلفزة ولا الحصول على مسكن لائق ولا الزواج في سنّ مبكر من دون أن يلوح في الأفق إمكان عيش حياة كريمة. وتعدّ بطالة الشباب الشرارة التي أشعلت نيران الثورات العربية.

ولا شكّ في أنّ هدف هؤلاء الشباب المحبطين كان الأشخاص الفاسدين والرأسماليين المقربين منهم الذين ناضلوا في كلّ بلد عربي من أجل الوصول إلى مراكز السلطة. ويطالب الثوّار بوضع حدّ للفساد وبتوزيع أكثر عدلاً للثروات. كما أنهم يريدون الحصول على حصتهم الخاصة من المكاسب الوطنية.

وانتهى كل ذلك بهؤلاء الشباب إلى تحدّي الأنظمة السياسية التي عاشوا إلى جانب أهلهم تحت نيرها وتسبّبت لهم بمعاناة على مدى سنوات طوال والمؤلفة من العائلات الحاكمة المتعجرفة والمتكبّرة ومن شبكاتها الوراثية التي تضمّ أفراد العائلة والأصدقاء فضلاً عن أنظمة الحزب الواحد البالية وقوات الأمن الوحشية التي تُحكم السيطرة على كلّ وجه من وجوه المجتمع والغياب الكامل للحريات الأساسية. وتمّ الحديث كثيراً عن رغبة الثوّار في الحصول على «الكرامة» أي الاحترام الذي تدين به الحكومات لشعوبها والذي كان غائباً للأسف في عدد كبير من بلدان المنطقة.

وحين تتحوّل الشكاوى الاقتصادية إلى شكاوى سياسية، تبدأ الأنظمة بالتهاوي. وتميل الثورات بفعل طبيعتها إلى أن تكون عنيفة ومدمّرة. وحين تنجح في إسقاط الأعمدة البشرية والمادية لأيّ دولة، تنشئ فراغاً يصعب أحياناً سدّه. إذ يمكن تدمير منزل في غضون ساعة إلا أنّ إعادة بنائه تتطلّب شهوراً إن لم يكن سنوات. ويجب أن يتمّ تكريس المرحلة المقبلة في الثورات العربية لإنشاء مؤسسات الدولة الجديدة التي ستحلّ مكان تلك التي سقطت. ولا تعدّ هذه مهمّة سهلة. ومن المرجح أن تكون بطيئة ومؤلمة وأن تشهد بدايات خاطئة. لقد تلت معظم الثورات التي حصلت في التاريخ كالثورة الفرنسية عام 1789 سنوات من العنف والفوضى.

وسيسير كلّ بلد عربي الآن بحسب وتيرته الخاصة. وكلّما كانت الثورة عنيفة وطالت كلما كان من الأصعب إعادة البناء، الأمر الذي سيكتشفه حتماً بعض البلدان مثل سورية واليمن. يملك كلّ بلد تاريخه الخاص وبنى السلطة الخاصة به وخصائصه الفريدة. لكن يبدو أنّ موضوعاً واحداً طغى على الثورات التي حصلت في السنة المنصرمة ويمكن وصفه بأنه رغبة عميقة لدى شعوب هذه الدول في التعبير عن الهوية العربية والإسلامية وعن تحرّرها من أي وصاية ثقافية وسياسية أجنبية.

وفي أنحاء الشرق الأوسط الأكبر، بدءاً من تونس مروراً ببعض البلدان وصولاً إلى أفغانستان يشعر المرء بوجود ثورة ضد المحاولات الأجنبية لفرض نمط مجتمع غربي على العالم الإسلامي إلى جانب إخضاعه للمصالح الاستراتيجية الغربية. وقد نكون نشهد فصلاً جديداً وربما أخيراً في النضال العربي الطويل ضد الاستعمار الغربي التي بدأت بعد الحرب العالمية الأولى وهزم في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي. إلا أنّ هذا النضال أُحبط مجدداً مع بروز إسرائيل بعد الحرب العالمية الثانية والأنظمة الديكتاتورية العربية التي تلتها.

ويبدو أنّ مرحلة جديدة في النضال تبدأ الآن. ألا يشكّل ذلك تفسيراً للفوز الانتخابي الكبير الذي حقّقته الأحزاب الإسلامية؟ تعدّ هذه الأحزاب مقرّبة من عامة الشعب وتقدّم خدمات اجتماعية أخفقت الدولة أحياناً في تقديمها. إلا أنّ شعبيتها الكبيرة نابعة من دفاعها عن التقاليد الإسلامية والاجتماعية والثقافية والدينية وتعبيرها عن هوية وطنية أصيلة.

ولسنا نعرف بعد كيف سيتصرّف الإسلاميون في الحكومة. هل سيعتمدون النمط التركي للإسلام المرتبط بالديموقراطية العلمانية أم أنهم سينتهجون التشدّد السلفي؟ ومهما تكن الإجابة على هذا السؤال، أظن أنّ هدفهم الرئيس يقوم على إدخال حاكمية رشيدة، أي إنشاء فرص عمل وإلغاء الفساد وتوزيع عادل للموارد بدلاً من الديموقراطية الليبرالية على النمط الغربي.

ومن المرجّح أن يستمر انهيار نفوذ أميركا وسمعتها خلال هذه السنة القادمة. ويعدّ ذلك نتيجة حتمية لأخطاء واشنطن الفادحة في السياسة الخارجية. لقد أدّى المحافظون الجدد الموالون لإسرائيل في إدارة جورج بوش الابن دوراً كبيراً في تدمير العراق وقطع أوصاله. وطالما أرادت إسرائيل أن يكون العراق ضعيفاً علماً أنها المستفيد الأوّل من حرب العراق. وتقوم القوى نفسها بدفع الرئيس باراك أوباما إلى مواجهة إيران وإلى تخليه المخزي عن الفلسطينيين. ويضاف إلى رصيد الإخفاقات تدخّل أميركا المكلف في أفغانستان ونزاعها الخطير مع البلد المجاور لها باكستان واستخدامها الطائرات من دون طيّار لشنّ عمليات قتل دقيقية غير شرعية. وليست هذه الطريقة لكسب القلوب والعقول في العالم العربي والإسلامي.

ويجب أنّ يتحمّل هذا العالم سواء كان تحت حكم الزعماء الجدد أو القدامى مسؤولية المشاكل الخطيرة التي يواجهها. ويجب برأيي إيلاء انتباه ملح لثلاث مشاكل: المشكلة الأولى هي الحاجة إلى حماية الاقتصاد المصري واليمني من الانهيار لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى اضطرابات كبيرة في المنطقة الأكبر. أما الثانية فهي الحاجة إلى بناء الجسور فوق الانقسام السني - الشيعي لحماية المنطقة من الخلافات والحروب الأهلية. فيما المشكلة الثالثة هي حاجة الزعماء العرب إلى استخدام النفوذ الذي لا يزالون يملكونه مع المجتمع الدولي والإفادة من زخم الثورة من أجل مساعدة الفلسطينيين في سعيهم الطويل إلى إقامة دولة مستقلة. ومن دون حلّ هذه المشكلة القديمة، يمكن اندلاع المزيد من الحروب المدمّرة في المنطقة.

وبغية تحقيق هذه الأهداف المهمّة، تؤدي المملكة العربية السعودية وشركاؤها الخليجيون دوراً أساسياً. فهم يشكّلون القطب الجديد للثروة والتربية العربية والحكومة المستقرة والتأثير الدولي. كما أنهم لم يشهدوا لغاية اليوم ثورات. ويُنتظر الكثير منهم. وثمة أسباب كثيرة تدعو إلى الترحيب بقيام اتحاد للدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي كما اقترح أخيراً العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز. فقد يقدّم مثالاً لأوروبا المنقسمة!

* كاتب بريطاني مختص في شؤون الشرق الأوسط

=================

مراقبون

الجمعة, 30 ديسيمبر 2011

حسام عيتاني

الحياة

مبكر بعد الحكم على اداء لجنة المراقبين العرب في سورية ونتائج أعمالها. والبروتوكول الموقع بين جامعة الدول العربية والسلطات في دمشق لا يتيح صلاحيات واسعة لأعضائها كما ان مهمتها جديدة على «العمل العربي المشترك» القابع في زوايا النسيان والاهمال.

واللجنة ليست لتقصي الحقائق ولا لمراقبة وقف اطلاق نار ولا لمتابعة تنفيذ اتفاق بين طرفين متصارعين، بل لرصد التزام «اطراف» بالمبادرة العربية التي لا تنطوي، بذاتها، على تسوية سياسية للصراع في سورية. كل هذا صحيح، ويمكن اضافة العديد من النقاط التي تساهم في اضعاف المراقبين من نوع الرقابة الصارمة التي تفرضها عليهم الأجهزة الامنية السورية والقيود اللوجستية التي يبدو انها تشمل ابسط المعدات اللازمة لتسجيل وتوثيق ما يعاينون. هذا بالاضافة الى تجاهل السلطات لبند رئيس في البروتوكول يتعلق بدخول الصحافة المستقلة ومرافقتها بعثة المراقبين.

بيد أن العوائق هذه من النوع المنتظر من نظام اختار القتل طريقة وحيدة للحوار مع معارضيه. بل ان المتحدثين باسم الحكومة السورية، كوزير الخارجية وليد المعلم، ألمحوا إلى انهم سيغرقون المراقبين بالتفاصيل، وها هم يغرقونهم بدماء اهالي حمص وحماة وادلب ودوما، في ما يرقى الى مستوى التحدي الصفيق لمصداقية اللجنة حتى قبل بدء عملها.

لكن، من ناحية ثانية، ثمة ما يدعو الى الانزعاج الشديد في تركيبة لجنة المراقبين وفي رئاستها على وجه التحديد. فالاستغراب هو أقل ما يمكن التعبير عنه عند الاطلاع على السيرة الذاتية المختصرة للفريق مصطفى الدابي، رئيس المراقبين. إذ كيف يمكن تصور تولي رجل قضى جزء كبيرا من حياته المهنية في أجهزة استخبارات نظام الرئيس عمر البشير، صاحب التاريخ المعروف في الحروب الداخلية في الجنوب ودارفور والقمع الشرس ضد المعارضة في الشمال، رئاسة لجنة تراقب تنفيذ اتفاق وقعته سلطة تتحاذى مع الخرطوم في القمع، حذو النعل للنعل، (على ما تقول العرب)؟

وبغض النظر عن غموض دور الدابي في دارفور وعدم ورود اسمه في لائحة المتهمين المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، رغم بعض المعلومات عن اشرافه على تأسيس وتسليح ميليشيات الجنجاويد الشهيرة، إلا أن الرجل اضفى الاهانة على الجرح باعتباره الوضع في حمص «مطمئنا» وذلك غداة هجوم دموي للقوات المسلحة السورية على ناحية بابا عمرو من المدينة وفي الوقت الذي كان «الأمن» يفتح النار على المتظاهرين السلميين في حماة التي لا تبعد كثيرا عن حمص.

يمكن الزعم أن الكيفية التي اختير الدابي فيها رئيسا للجنة المراقبين، تختصر الأسلوب الذي ما زالت الهيئات العربية، في الجامعة والأنظمة سواء بسواء، تستخدمه عند النظر الى المسائل التي تعني تلك الكميات المُهْمَلة والمنسية من البشر التي تسمى «الشعوب العربية». وما زال النظام الرسمي العربي قادراً على انتخاب أغرب ما فيه وأكثره تهالكا وتداعيا، عندما يعزم على التعامل مع المسائل الحساسة كالعلاقة بين شعب يتعرض لمجزرة يومية وبين سلطة غارقة في انكارها وضلالها.

وكانت الجامعة قد اتخذت خطوات معقولة تحت ضغط الشارع والتظاهرات والشعوب الثائرة، في ما يتعلق بليبيا وسورية، لكن الأكيد ان الربيع العربي لم يتجاوز بعد عتبة مقر الجامعة في القاهرة، ناهيك عن ابواب مكاتب المسؤولين فيها.

=================

عام خطير مقبل بعد «الربيع العربي»

الجمعة, 30 ديسيمبر 2011

راغدة درغام - نيويورك

الحياة

مدهشة هذه السنة التي توشك على الانتهاء، إنما مفاجآتها ليست كلها جميلة أو مبشرة بالخير. فالنظام الإقليمي الجديد ما زال في طور الصياغة والغموض ما زال يكتنف هوية وأجندة اللاعبين المحليين والدوليين. بصراحة، معظمنا يجد نفسه تارة مبتهجاً بما أتت به اليقظة العربية 2011، وتارة مرعوباً بسبب ما أسفر عنه ما سمي بالربيع العربي. إننا نمتطي أرجوحة الحيرة، صعوداً احتفاء بسقوط أنظمة احتكرت السلطة لثلاثين أو أربعين سنة، وهبوطاً إحباطاً لدى تصوّر البديل الآتي إلى احتكار الحكم بسلطوية دينية. في البدء فاجأنا الشباب العربي بشجاعته وإقدامه وحداثته في إحداث التغيير. ثم أتت علينا مفاجأة مصادرة الأحزاب الإسلامية لانتفاضة الشباب. دموية التخلص من حكم معمر القذافي في ليبيا أوقفتنا عن التفاؤل بمستقبل أفضل لليبيا، لا سيما عندما تبين أن الثوار، بمعظمهم، رفعوا الانتقام والتطرف راية بعدما أنهت قوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) مهام القصف الذي لولاه لما تباهى الثوار بانتصارهم. في البدء أتت مفاجأة التعاون ما بين مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية وحلف شمال الأطلسي لإقناع مجلس الأمن بتبني قرارات مصيرية لليبيا. بعد ذلك أتت الاتهامات التي سكبت الماء على التطلعات بصفحة جديدة نظيفة في ليبيا. في البدء ترددت الإدارة الأميركية في تبني ثورة الشباب في مصر أو الانتفاضة في سورية. بعد ذلك تعاقدت إدارة أوباما مع ما يسمى بالإسلام المعتدل في مصر وغيرها، ووافقت أخيراً على مطالبة الرئيس السوري بالتنحي عن السلطة. «إرحل إرحل» و «يللا برّا» و «الشعب يريد إسقاط النظام» باتت هتافات تحشد الجماهير لتحتفي بقدرتها على التغيير وجرأتها على المطالبة. لكن هذه الهتافات دقت ناقوس الرعب ليس فقط بين أركان السلطة وإنما أيضاً بين صفوف رجال الأعمال الذين اعتُبروا النخبة القريبة من الحكم. هذه الهتافات تركت البعض في قشعريرة التأثر بالحشود في الميادين، وتركت البعض الآخر في قشعريرة الخوف مما هو آتٍ بعد التغيير- حكماً واقتصاداً ومستقبلاً في العلاقات بين الطوائف ومع الأقليات. أولى ضحايا التغيير كانت المرأة العربية. الأقليات ربما تكون الضحية الثانية. رائحة الحروب الطائفية تتصاعد في كامل المنطقة. والخوف من التقسيم بدأ يدب الرعب في القلوب - التقسيم في العراق وفي مصر وليبيا واليمن وغيرها. أين إيران من كل هذا؟ وأين إسرائيل؟ ما هي طموحات تركيا؟ وماذا سيفعل العرب بربيعهم؟ ماذا يريد الغرب؟ وهل لدى الولايات المتحدة أجندة خفية؟ هل روسيا متمسكة بالورقة السورية أو أنها جاهزة لرميها جانباً حالما تحصل على ما تريد في منطقة الخليج؟ وهل ستبقى دول الخليج بعيدة عن قطار التغيير الذي مر بالمنطقة العربية؟

لن نستوعب كل ما حدث عام 2011 والأرجح أننا لا نعرف بعد كل التداعيات. قد تكون مصادرة اليقظة العربية الشبابية مجرد محطة في عملية التغيير الديموقراطي - كما يزعم الداعون إلى الرضوخ لما تمليه العملية الانتخابية. إنما الخوف، كل الخوف، هو أن تكون المصادرة اقتناصاً ذكياً لثورة الشباب على نسق ما حدث في إيران قبل أكثر من ثلاثين سنة. والبقية تاريخ.

ربما يستوعب الشباب ما يحدث ويضعون استراتيجيات مذهلة تصحح المسارات وتعيد اليهم أدوات إدارة مستقبلهم ومنع احتكاره. هذا يستلزم يقظة حقيقية بإضعاف نشوة إحداث التغيير وبعملية منظمة واعية للمطبات. يتطلب الأفكار الخلاقة لاجتذاب الجيل الجديد الى اختيار الحداثة والموافقة على فصل الدين عن الدولة. يتطلب قراءة معمقة لموازين القوى في منطقة الشرق الأوسط وماذا قد يكون في ذهن الذين يريدون العرب في تمزق وحروب طائفية وعقائدية تسفر عن التقسيم.

ملفت جداً كيف أن اليقظة العربية أسفرت عن تماسك وازدياد الوعي والتنسيق بين دول مجلس التعاون الخليجي. ملفت لأن هذه الدول هي الدول الغنية بالموارد الطبيعية، النفط والغاز، وكذلك هي التي تملك قدرة الشراء والتأثير في الأسواق. هذه الدول استفاقت إلى ضرورة الإصلاح وهي تتحدث بلغة التكامل والاتحاد. صانت هذه الدول نفسها من الربيع العربي، بل باتت عاملاً أساسياً فيه. وضعت لنفسها استراتيجية الحصانة من العقائدية والأيديولوجية ونصبت أمامها أولوية البقاء قوية وجامدة فيما أمواج التغيير تعصف ببيئتها المباشرة وغير المباشرة.

العراق يقلقها، ويقلقها جداً، لا سيما أنه يبدو في رأيها إما منصاعاً لما تريده إيران - الأمر الذي يجعله أكثر خطورة ما بعد الانسحاب الأميركي - أو انه قد يكون على أبواب التقسيم. الاستراتيجية الخليجية نحو العراق اليوم ليست كما كانت عليه في السابق. إنها أقرب إلى صيانة نفسها من إفرازات وتداعيات الآتي من العراق الجديد، لا سيما إذا حدث حقاً التقسيم وعاد الكلام عن «الهلال الشيعي».

في اليمن قد يكون احتمال تلقي الرئيس علي عبدالله صالح العلاج في نيويورك جزءاً من التفاهم على تدجين ما لليمن كي لا يصبح كالصومال أو أفغانستان. ربما تقسيم اليمن هو في الأفق، وربما الانزلاق إلى الفقر والبؤس بما يؤدي إلى إخماد النيران. حصيلة الأمر أن اليمن لم ينتفض في ثورة تغيير حقيقي إذ إن ذلك يتطلب انقلاباً على الفكر ورواسب الانتماء القبلي. واليمن بعيد كل البعد عن ذلك.

مصر مهمة لمجلس التعاون الخليجي ولبقية العرب، ومصر في بلبلة وضياع وأيضاً في خيبة أمل وإحباط. ما حدث في مصر كان مبشّراً في البداية عندما بدا أن الجيش تحوّل من جيش النظام إلى جيش الشعب. ميدان التحرير يأتي بين الحين والآخر بمفاجآت تعيد إحياء الأمل بالشباب والحداثة والإصرار على تغيير جذري في العقلية والعادات على السواء. إنما ما يلبث أن يتغير ذلك سريعاً إلى كآبة لدى مشاهدة أفعال الجيش بالذات إزاء النساء، ولدى إدراك توجهات الشعب المصري الذي ينتخب التطرف والحكم الديني. مصر أرجوحة طرأ عليها الصدأ، هبوطها مؤلم ومرعب على السواء.

وسورية مخيفة ومرعبة أيضاً. هناك اتخذ الربيع العربي منعطف الخريف وهو يعد بشتاء قاس. جامعة الدول العربية لعبت وتلعب دوراً لم يسبق لها لعبته، وهذا مشجع إذ إنها لم تعد مجرد متفرج بل أصبحت لاعباً. إنما ليس واضحاً إن كان بشار الأسد بحث حقاً عبر نائبه فاروق الشرع احتمال اللجوء إلى روسيا، أو إنه ما زال عازماً على القتال حتى سحق المعارضة كاملاً. إنها اللعبة الكبرى في سورية حيث النظام يبدو مصراً على البقاء تحت أي ظرف وبأي ثمن كان.

مَن هو القائم على تغيير النظام الإقليمي الجديد؟ أهو الشعب الذي انتفض؟ أم هي الدول الكبرى التي رسمت خريطة النظام الإقليمي الجديد ووجدت لنفسها شركاء محليين، منهم دول إقليمية ومنهم قنوات إخبارية ومنهم قوة جديدة اسمها «سوشال ميديا»؟ أم انه مزيج؟

لا بأس بإطاحة أنظمة ونظام إقليمي لم يكن في صالح الشعوب، بل على حسابهم. لعل هذا هو الأهم الذي حدث في 2011. التحدي الأكبر سيكون في صوغ البديل. فإذا كان قد تم الإعداد لبديل يسمى حكم الإسلام المعتدل، يجب على شباب اليقظة العربية أن يطالب بكل ما لديه من أدوات وقدرات بضمانات تكفل عدم احتكار السلطة باسم العملية الانتخابية وبضمانات تحييد الدساتير عبر الإصرار أن تكون مدنية.

خمسون ألف قتيل في ليبيا أو خمسة آلاف ضحية في سورية، إن كل مَن دفع حياته ثمناً لليقظة العربية يستحق الضمانات هذه.

ما حدث في العراق لم يكن الحرب من أجل الديموقراطية العربية، كما يستسيغ للبعض أن يزعم. كانت حرب العراق حرب استدعاء «القاعدة» وأمثالها إلى ساحته للقضاء عليهم كي لا يذهبوا إلى الساحة والمدن الأميركية. كانت أيضاً حرب إزالة صدام حسين وتدجين العراق كي لا يتمكن لاحقاً من امتلاك القدرات النووية. كانت حرب العراق هدية لإيران ولإسرائيل. وربما كانت حقاً حرب تقسيم العراق. فالتقسيم في الأفق الآن، وهذا ليس من قبيل الصدفة.

ما حدث عام 2011 جاء من الداخل العربي، وليس عبر حرب أميركية. جاء عفوياً إلى تونس، ثم انتقلت العدوى إلى مصر، ثم دخلت قوات حلف الناتو طرفاً في حرب إسقاط النظام الذي كان صديقاً لبريطانيا وإيطاليا وفرنسا وتركيا والولايات المتحدة وغيرها. في اليمن اختلف الأمر. وفي البحرين، سارعت دول مجلس التعاون إلى الالتفاف حماية للبحرين ولنفسها في آن. وفي سورية، التغيير آت إنما تداعياته على إيران ولبنان ما زالت غامضة.

العام المقبل يحمل الكثير من الغموض في طياته. خلاله ستتفجر المشاعر ليس ابتهاجاً أو إحباطاً فحسب، وإنما غضباً أيضاً لأن الناس ستكون في حاجة إلى وظائف وإلى استقرار.

البعض في الولايات المتحدة يراهن على حاجة الحكام الجدد في مصر، مثلاً، إلى المساعدات الأميركية الحاسمة لبقائهم في السلطة. وهم في ذلك يستعدون لأنواع التأثير الجديد مع الإسلام المعتدل. فإما أن يتغير الإسلام المعتدل في الحكم ويتأقلم مع احتياجاته إلى المعونات الأميركية، أو يفشل ويُحاسَب من قِبَل قاعدته الانتخابية. المشكلة في هذا، أن الكلفة غالية وأن الناس ستجوع وأن هذه المعادلة لن تحمي أمثال مصر من التمزق والتقسيم.

سنة صعبة ستكون السنة المقبلة. عام خطير ما بعد التغيير ما لم تستدرك قوى الحداثة والتنوير وتفاجئنا بما يعيد إلينا الابتهاج باليقظة العربية.

===================

وماذا عن الجامعة العربيّة؟

الياس الديري

2011-12-30

النهار

يدرك الزعماء العرب من قدامى وجدد وبَيْن بَيْن، كما تدرك واشنطن وموسكو والعواصم الأوروبيّة، أنّ سيف الجامعة العربيّة لا يختلف عن سيف السلطنة العثمانيّة في آخر أيّامها.

أما باعها فغير فعّال، على ما تنبئ السوابق من الأيّام والأزمات.

ولا هي تملك من النفوذ العملي والمعنوي ما يمكّنها من لعب أدوار أساسيّة في الأزمات والخلافات بين الأشقّاء "الأعدقاء"، فكيف بها وبقراراتها ومراقبيها في هذا الخضم من الثورات والمواجهات التي تجري فيها الدماء أنهاراً؟

وبأي "سلاح"، وبأي نفوذ، وبأيّة قوّة، تواكب متطلّبات ومقتضيات "ربيع العرب"، وثورات التغيير، والأعاصير الهادرة التي تطيح الأنظمة الديكتاتوريّة الظالمة تباعاً؟

وخصوصاً حيث لا تزال الجماهير الثائرة تزمجر، سواء في فيافي اليمن السعيد، أم حيث تشهد المدن السوريّة فيضاً لا يهدأ من التظاهرات والاصطدامات، ومنذ عشرة أشهر على التوالي، وحيث تدلُّ المؤشّرات كلّها على السير قدماً في اتجاه الأسوأ والأقسى.

والخبر اليقين الذي يجيب عن معظم الأسئلة تكشفه لنا المحنة اللبنانيّة، الممتدّة على مسافة زمنيّة تكاد تلامس العقود الأربعة... ويوم حاولت الجامعة العربيّة أن تدلي بدلوها وبمبادراتها التي بقيت حبراً على أرض الواقع.

بالطبع والتأكيد تستحقّ هذه الجامعة الثناء على محاولاتها ومساعيها الحميدة، وإن كانت تصطدم دوماً بتطوّرات دراماتيكيّة لا تستطيع القرارات الورقيّة والنيّات الحسنة التأثير عليها، أو إيقافها، أو حتى لعب دور الوسيط والحكم بين أفرقائها.

وها هم مراقبوها وموفدوها إلى سوريا يكتشفون صعوبة مهمّتهم، وربما استحالة قيامهم بأيّ دور حتى في مجال المراقبة العمليّة الشاملة، والإحاطة بكل العوامل والظروف التي يتخبّط فيها الوضع المتأجّج، وعلى الأخصّ بالنسبة إلى الوسائل والأدوات القمعيّة، التي يلجأ إليها رجال النظام، في محاولات قمع المتظاهرين والمطالبين بالتغيير الشامل، واستبدال النظام القمعي بنظام ديموقراطي، وإلى آخره.

وفي هذا الصدد يمكن التوقّف عند تأمّلات دقيقة لوزير خارجيّة فرنسا السابق أوبير فيدرين، الذي يعلن صراحة أنه لا يدري "إلى متى سيتمكّن النظام السوري من البقاء".

ولا يستبعد فيدرين أن "يحاول هذا النظام تثبيت نفسه بقوى القمع والقسوة البالغة، كونه يفتقد أي قاعدة شعبيّة".

إذاً، في وضع بهذه الخطورة، وبهذه التعقيدات، ماذا يمكن هذه الجامعة أن تفعل؟ تضع تقريراً لن يختلف بشيء عمّا يُقال ويذاع بالصوت والصورة يوميّاً؟ أم تفسح في المجال لتدخّل دوليّ؟

كل الاحتمالات واردة، ومفتوحة كذلك على تطوّرات خطيرة، ليس من السهل التسرّع في الاستنتاج والتكهّن إزاءها.

كما ليس من السهل على لبنان، بحاله المزرية، أن يستمر في تقليد النعامة، فيما الرياح السموم بدأت تهبّ صوب تخومه.

=================

مسلسل القتل مستمر بوجود المراقبين

الراية القطرية

التاريخ: 30 ديسمبر 2011

استمرار سقوط الضحايا برصاص قوات الجيش والأمن السوريين يهدد مهمة المراقبين العرب- الذين وصلوا إلى المدن السورية بهدف حماية المواطنين العزل- بالفشل.

التصريحات الصادرة عن رئيس بعثة المراقبين العرب والتي تتحدث عن تعاون جميع الأطراف مع لجنة المراقبين لا تستقيم مع استمرار عمليات القتل وإطلاق الرصاص على المظاهرات الاحتجاجية التي تشهدها المدن السورية.

حتى هذه اللحظة لا تبدو السلطات السورية ملتزمة بتطبيق المبادرة العربية بشأن الأزمة السورية كاملة فما زالت قوات الجيش منتشرة في المدن السورية ولا تزال الدبابات تشاهد في شوارع المدن أو جرى إخفاؤها في مراكز حكومية كما يقول ناشطون سوريون ولا يزال مصير عشرات الآلاف من المعتقلين الذين لم تقم لجنة المراقبين العرب بزيارتهم مجهولاً ففي الوقت الذي يجري الحديث فيه عن عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين تقوم السلطات السورية بالإفراج عن 755 معتقلاً ممن تقول عنهم إن أيديهم لم تتلطخ بالدماء، في خطوة تبدو لذر الرماد في العيون وللقول إنها تطبق وثيقة البروتوكول في حين يجري الكشف يومياً عن مقتل عدد من المواطنين السوريين تحت التعذيب.

مساحة التفاؤل التي أشاعها توقيع النظام السوري على بروتوكول بعثة المراقبين بدأ بالانحسار والثقة باللجنة العربية وأدائها أصبحت ضعيفة ومحل شك لدى المواطنين السوريين ولدى أطراف المعارضة السورية التي بدأت بالمطالبة بتغيير رئيسها.

لا أحد يريد إصدار الأحكام المسبقة على نتائج أعمال لجنة المراقبين العرب لكن تواصل القتل والعنف لا يدل أبداً على أن السلطات السورية تريد بالفعل الاستجابة لمطالب المواطنين السوريين بالحرية والديمقراطية والتغيير وهي تستخدم بعثة المراقبين العرب كغطاء لاستمرار تفضيلها للحل الأمني كمخرج لها من الأزمة التي تعصف بالبلاد.

لا شك أن المراقبين العرب لمسوا عن قرب- وهم الذين استقبلتهم التظاهرات الحاشدة في المدن التي زاروها- حجم المرارة والألم الذي يعتمل في نفوس المواطنين السوريين جراء الرد الدموي الذي يقوم به النظام السوري رداً على احتجاجاتهم ومطالبهم .

لا يمكن الجزم أبداً بنجاح مهمة المراقبين العرب ما دام مسلسل الضحايا في سورية مستمراً بدون توقف وما دامت أعمال العنف متواصلة حتى تحت أنظار وأعين المراقبين وبالتالي فإن على الجامعة العربية واللجنة الوزارية العربية المعنية بالأزمة السورية أن تسارع لتدارس التطورات التي حصلت مع دخول بعثة المراقبين العرب إلى المدن السورية واتخاذ قرارات واضحة بشأن مهمة اللجنة ومدى التزام النظام السوري بالمبادرة العربية وبروتوكول مهمة المراقبين العرب.

=================

مصداقية المراقبين العرب على المحك

صحيفة المدينة

التاريخ: 30 ديسمبر 2011

ربما أن سقوط العشرات من القتلى في سوريا أمس وأمس الأول رغم انتشار المراقبين العرب في حمص والعديد من المدن السورية الأخرى يثير العديد من التساؤلات التي لا يمكن التهرب من الإجابة عليها، لكن قد تحمل بعض الإجابات أحد الاحتماليين: إما أن النظام السوري يحاول إخفاء جرائمه من خلال تضليل بعثة المراقبين العرب، أو أنه يهدف إلى توريط الجامعة العربية والطعن في مصداقيتها وتشويه دورها ومواقفها، وبالتالي توجيه ضربة للنظام العربي ككل.

لذا فإنه قد يكون من غير المناسب إصدار تصريحات استباقية أو متسرعة، مثل تلك التي صدرت عن رئيس البعثة بقوله إنه لم يشاهد دبابات في حمص وإنما عربات مدرعة، أو قوله إنه «لم يشاهد حتى الآن ما يثير الخوف» و»أن الوضع في حمص يبعث على الاطمئنان»، في الوقت الذي كان يسقط فيه المزيد من الضحايا في حمص وغيرها من المدن السورية، وذلك بجانب حملات الاعتقال، وقصف المدن بالأسلحة الثقيلة وكأنه عدوان خارجي، الأمر الذي يتطلب من المراقبين العرب التحقق من حملات القتل والمداهمة والاعتقال، والتنقل بحرية في كافة الأماكن بما في ذلك المستشفيات والمعتقلات، وإجراء الاتصالات اللازمة مع كافة السكان وذوي الضحايا والمعتقلين.

هناك العديد من المؤشرات التي تدعم فرضية محاولة النظام السوري تضليل بعثة المراقبين العرب. أبسط مثال على ذلك اتهام منظمة هيومان رايتس ووتش السلطات السورية أمس بتعمد إخفاء المئات من المعتقلين عن أنظار المراقبين، حيث تأكد أن المعتقلين نُقلوا إلى مواقع عسكرية يحظر على المراقبين الوصول إليها.

لاشك أن المصلحة العربية والمصلحة السورية بخاصة تقتضي الحفاظ على مهمة بعثة المراقبين العرب، لكن دون الإخلال بقواعد وأسس عمل هذه البعثة سواءً من قبل الحكومة السورية أم من قبل البعثة نفسها. إن أي إخلال بجوهر تلك المهمة وأهدافها يعني سحب البساط من تحت أقدام الحل العربي وبالتالي اللجوء إلى التدويل الذي لا يعني فقط تعريض وحدة واستقلال سوريا للخطر، وإنما أيضًا تهديد الأمن القومي العربي ككل.

=================

عد أيها الجنرال إلى الخرطوم!

مشاري الذايدي

الشرق الاوسط

30-12-2011

فعلا «مربك»، أقل وصف يمكن إطلاقه على اختيار جنرال سوداني تابع للرئيس عمر البشير، المتهم بدوره بارتكاب جرائم حرب وإنسانية ضد مواطني بلده، ليس من محكمة الجنايات الدولية وحسب، بل من مواطنين سودانيين أنفسهم.

الجنرال مصطفى الدابي، رئيس فريق المراقبين العرب التابع للجامعة العربية، كان رئيسا للاستخبارات العسكرية في نظام عمر البشير، في وقت غير وردي لتاريخ هذه المخابرات! والبشير هو من رشح الدابي للجامعة العربية، التي أخذت بدورها الموافقة السورية على اسمه!

وصف مربك أطلقه عمر إسماعيل، من حملة «مشروع كفاية» المناهضة للإبادة الجماعية والتابعة لمركز التقدم الأميركي البحثي، فقد وصف اختيار الدابي بأنه «مربك». وأضاف إسماعيل، حسبما ذكرت «بي بي سي» البريطانية: «يجب على المحكمة الجنائية الدولية التحقيق مع الدابي لوجود أدلة على ارتكاب جرائم مماثلة في السودان، بدلا من جعله على رأس فريق مكلف بالتحقيق في مزاعم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سوريا».

معلوم أن نظام الأسد كان قد راهن على موقف سودان عمر البشير إلى جانبه في إجراءات العزل العربي داخل الجامعة، باعتبار الصداقة والانتماء لمعسكر الممانعة، وبالأحرى باعتبار كلا النظامين في موقع النبذ الدولي والإقليمي، ولذلك كانت «فلتة» الموافقة السودانية على قرارات مجلس الجامعة، بقيادة قطر، في حزمة عقوبات «شكلية» للنظام السوري، مفاجأة لنظام الأسد، وشذوذا عن السياق، لذلك يبدو كأن تعيين الجنرال الدابي تعويض عن هذه الفلتة الإنسانية!

لم يكد فريق الدابي، الذي رش عليه عطور المديح نبيل العربي، أمين الجامعة الممانع بدوره، يهبط على دمشق، حتى - وبقدرة قادر - قررت «القاعدة» القيام بعمليات تفجير وتفخيخ في دمشق وحلب!

يهرع فريق الدابي إلى ميدان التفجير، وليس إلى حمص وإدلب وجسر الشغور وجبل الزاوية ودرعا ودير الزور وغيرها من المناطق المشتعلة، التي هي سبب تكوين هذا الفريق أصلا، وليس ملاحقة مسرحيات النظام الأمنية المعتادة والخبيرة بحكاية المفخخات في لبنان والعراق!

بعد برهة خجل، ذهب الفريق، مثل المكره، إلى حمص، وأصغى الدابي، كما شاهدنا في شاشات القنوات، ببرود شديد، وهو يمشي مشية عسكرية، إلى مناشدات أحد أهالي حمص له بالدخول إلى ميدان الجرائم في حي بابا عمرو، واستمع وهو يمشي دون أن يتوقف، إلى صرخات وحكايات ثكلى سوريا من أهالي بابا عمرو، كان باردا مثلجا، بشكل يدعو للدهشة.

يفترض بالشاهد والمراقب والحكم أن يكون بعيدا عن الشبهات والوصمات، والحق أن جنرالا من أصحاب عمر البشير، ورئيسا سابقا لجهاز استخباراته العسكرية، يأتي ليتحقق بنزاهة من واقع جرائم إنسانية أمر يدعو للرفض والتشكيك، وليس فقط الارتباك.

سيدي الجنرال الدابي: عد إلى السودان وحقق هناك وراقب حوادث القتل والتهجير، عوض توزيع عبارات المديح لتعاون قتلة الناس في حمص وحماه ودرعا وجبل الزاوية.

=================

الثورة السورية على مفترق طرق

رضوان السيد

الشرق الاوسط

30-12-2011

وصل المراقبون العرب إلى سوريا كما هو معروف، وهم يحاولون منذ ثلاثة أيام البدء بتنفيذ «البروتوكول» الذي يقتضي إيقاف القتل وسفك الدم، وسحب الجيش والقوى الأمنية من المدن والبلدات، وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين، والتفكير في طرائق لإغاثة الشعب السوري في المحنة الهائلة التي نزلت به نتيجة حروب الإبادة التي يشنها عليه نظامه منذ عشرة أشهر.

ولست مهتما هنا بهل ينجح المراقبون في مهمتهم أم لا، وهل يستجيب النظام أخيرا أم لا. فكل ذلك لم يعد مهما ولا ممكنا. إذ لو تجاوب النظام، وحل نوع من الهدنة يتيح الانصراف لإغاثة الناس؛ فإن هم الناس لن يكون الأكل والشرب والكهرباء ومداواة الجراح، والسؤال عن المعتقلين. بل ما سيفعله الباقون على قيد الحياة بحمص وريفها، ودرعا وريفها، وإدلب وريفها، ودمشق وريفها، وحماه وريفها، وكل البلدات والقرى - سيكون النزول إلى الشارع وبسلاح ومن دون سلاح، لمقاتلة النظام القاتل ولو بالأيدي والأذرع العارية. فنحن نتحدث عن نحو السبعة آلاف قتيل، والأربعة عشر ألف مفقود، والسبعين ألف معتقل، وما يزيد على المائة ألف مشرد من مكان إلى مكان. وهذا فضلا عن الذين لجأوا إلى تركيا ولبنان والأردن والعراق. فقد كان في سوريا قبل عام أو بقي فيها نحو المليون عراقي، أما اليوم فإن أعداد العراقيين اللاجئين لا تكاد تذكر، وبدأ السوريون أنفسهم يهربون إلى العراق!

فلو أن النظام عاد إلى رشده - وهذا أمر مستبعد جدا - فمعنى ذلك أن ممثليه خلال شهر سيجلسون مع المعارضين بالداخل والخارج بالجامعة العربية، للتفاوض حول «حل سياسي». ولو أن المعارضين فعلوا ذلك (هم يقولون إنهم لن يفعلوا)، فلا شك أن الجمهور سينبذهم، ولن يقبل بالبقاء دقيقة واحدة تحت سلطة هذا النظام القاتل. فما مات من اليمنيين خلال عام لا يزيد على الأربعمائة، وها هي ملايينهم تخرج إلى الشارع فيما بين تعز وصنعاء لتطالب بمحاكمة علي عبد الله صالح، بدلا من إعطائه ضمانات قانونية هو وأقاربه ورجالات نظامه! ولذا فالواضح اليوم، وبل ومنذ ثلاثة أشهر أن الثائرين الذين وطنوا أنفسهم على عدم الخضوع مهما كلف ذلك، سيمضون قدما في ثورتهم، وسيزداد استعمالهم للسلاح للدفاع ثم للهجوم، وسيقاتلون مع «الجيش السوري الحر» لحين بلوغ القدرة على إسقاط النظام من طريق المقاومة الداخلية، والعقوبات العربية والدولية. فالحرب الأهلية بين السنة والعلويين مثلا لن تقع. أما الذي سوف يقع أو بدأ يقع فهو أن قسما من الشبان الريفيين المشاركين في الاحتجاجات، يحملون السلاح الآن. والنزاع الداخلي الذي يكثر الحديث عنه سيكون بين الشبان الثائرين والمنشقين عن الجيش من جهة، والجيش والقوى الأمنية من جهة أخرى.

وإذا كانت هذه هي مآلات الثورة والثوار، فكيف يفكر النظام، والذي يفعله أو سيفعله. ما تزال لدى النظام آمال داخلية وخارجية. أما الآمال الداخلية فتتمثل في اعتقاد القدرة على إخماد الحراك. ورجالات النظام يقولون إن ذلك ممكن لأن مناطق الالتهاب الحقيقي محدودة أو أنها لم تتطور منذ ثلاثة أشهر، وهي تتمثل في درعا وريفها، وإدلب وريفها، وحماة وريفها، وحمص وريفها. ويبلغ حجم هؤلاء أكثر من مليونين، لكنهم الآن متعبون جدا، ويمكن أن ينكسروا؛ أو أن هذه هي آمال النظام. أما في الخارج فهناك إيران والمالكي بالعراق وحزب الله بلبنان، وهذه جهات معروفة دوليا، وقد توحدت الآن تقريبا في جهد مشترك استماتةً في الدفاع عن نفسها ونظام حليفها الرئيس الأسد. وقد ظل حزب الله على لسان أمينه العام ولعدة أشهر يعلل هذه «النصرة» الشرسة للنظام السوري بأنه نظام ممانعة ومقاومة. وقد كان الحزب بالاتفاق مع النظام السوري قد انقلب على حكومة سعد الحريري وأتى بميقاتي رئيسا للحكومة بلبنان. ومنذ ذلك الحين صار يعد لبنان وليس الحزب فقط ضمن محور الممانعة الذي فيه طهران والعراق وسوريا وحزب الله. وميقاتي ينكر ذلك بالطبع، لكن التركيبة التي أتى بها خاضعة للحزب والجنرال عون، ويشكل لبنان في وضعه الحالي منفذا ماليا وتجاريا للنظام السوري المعزول، ويستطيع أركانه ورجال أعماله أن يتنفسوا من خلال نظامه المصرفي الذي بدأ يتعرض للرقابة الأميركية والدولية الشديدة.

وشأن المالكي رئيس الوزراء العراقي مع النظام السوري، لا يختلف عن شأن حزب الله. لكن موقفه لم ينكشف إلا عندما تفاقم الأمر وتدخلت الجامعة العربية، وظهر موقف لبنان والعراق متمايزا أو مناقضا للموقف العربي العام. وفي حين صمت رئيس الوزراء اللبناني في أكثر الأحيان، كان المالكي قبل انفجار صراعه مع السياسيين السنة بالعراق، أكثر كلاما وفصاحة. وقد تظاهر بالوساطة، وأرسل وفدا بالفعل إلى دمشق. وقال إنه على استعداد لاستقبال وفد من المعارضة. إنما الطريف كان ما علل به موقفه الداعم للنظام. قال المالكي: أنا قضيت في سوريا 16 عاما (أي إن النظام له عليه جمائل)، والنظام هناك قوي وليس إسقاطه سهلا، ثم إن الوضع هناك معقد، وعدم الوصول إلى إجراء الإصلاحات بالتوافق سيؤدي إلى مشكلات كبرى. وهو يقصد بتعقيد الوضع الطبيعة الطائفية للنظام السوري، وأن العلويين (والأقليات الأخرى) لن يتخلوا عن النظام الحالي دونما قتال، فتنجم عن ذلك نزاعات طائفية تشبه الحرب الأهلية. وتحليل المالكي هذا يبدو مبالغا فيه إلا إذا وضعناه في السياق الكامل الذي يقصده، والذي عبر عنه الإيرانيون وبعض السياسيين العراقيين، وهو النزاع السني/ الشيعي. فهؤلاء يرون أن الثورات العربية تمثل صحوة سنية، ولدى بعض تيارات تلك الثورات (= السلفية) عداء للشيعة، وهذا فضلا عن البعد السياسي والاستراتيجي، فالمحور الإيراني محور شيعي، والعلويون بالمعنى الاستراتيجي، وليس الديني أو المذهبي، صاروا جزءا من الامتداد الإيراني بالمنطقة مثل شيعة لبنان أو بعض شيعة الخليج. فإذا كان حزب الله قد تغطى (دونما نجاح كبير) بورقة توت المقاومة؛ فإن المالكي مضطر للإفصاح أو الغمغمة بما يتجاوز واجبات الجوار والصحبة. ولا شك أن النظام السوري تلقى مساعدات من عند المالكي وبواسطته (من إيران)، أكبر مما تلقاه من جهة لبنان. فالطائرات الإيرانية مراقبة من تركيا، ولذلك هناك الجهة البرية من طريق العراق، والجهة البحرية الأكثر تعقيدا لتعرضها للمراقبة الإسرائيلية والأميركية. ويقال إن مقتدى الصدر أو الخزعلي المنشق عنه (في الحضن الإيراني)، أرسلا عناصر لمساعدة النظام السوري في محنته مع شعبه.

لقد أطلت بعض الشيء في إيضاح «المنظومة» التي يستند إليها النظام السوري من الناحيتين المذهبية والاستراتيجية. ويمكن أن نضيف إليها هنا روسيا الاتحادية التي تورد إليه السلاح، والتي تدعمه في الأمم المتحدة. كما يمكن أن نضيف إلى عوامل دعمه الخوف الإسرائيلي من نظام ديمقراطي في سوريا يكون عدوا لها بالفعل وليس بالشكل مثل نظام الأسد، ودعك من خنزوانات حزب الله بشأن المؤامرة الأميركية على النظام المقاوم! إذ من أسباب تطور الأزمة إلى هذه الأبعاد الخطير التردد الأميركي الشديد في التدخل، ليس بسبب الموقف الروسي فقط، بل وبسبب الموقف الإسرائيلي!

لقد كان منتظرا إذا طالت مدة الأزمة دونما مخرج عربي أو دولي أن تتطور خصومة الشعب السوري مع النظام إلى صراع مسلح. وفي هذا الصراع يقف نحو المائة ألف مقاتل مع النظام بتسليح وتدريب جيد، في مواجهة نحو المليوني متظاهر ومحتج وثائر، بينهم تقديرا خمسة عشر ألفا ينتمون إلى الجيش السوري الحر، وخمسة عشر ألفا آخرون حملوا السلاح. وليس لدى هؤلاء تسليح جيد ولا تدريب أو انتظام حقيقي كما في الجيوش، لكنهم قد لا يحتاجون إلى ذلك لأنهم يشنون حرب عصابات اقتصرت حتى الآن على الدفاع عن النفس بقدر الإمكان، لكنها تتطور إلى الهجوم إذا انهارت المبادرة العربية علنا، بملاذات آمنة أو من دون ملاذات!

===========================

غباء النظام السوري

الخميس, 29 ديسيمبر 2011

عبدالرحمن الخطيب

الحياة

لم يشهد التاريخ الحديث نظاماً سقط بسبب غباء سياسته وإعلامه مثل النظام السوري، فالنظام السوري منذ بداية الثورة وهو مصر على التأكيد على غبائه المستحكم للعالم كله، فمنذ الأسبوع الأول ألقى بشار الأسد خطاباً في «مجلس التهريج» السوري، حين خرج فيه ضاحكاً بسذاجة وبلاهة مفرطة لفتت أنظار العالم كله، شبه فيه الشعب السوري بأنهم أطفال يريدون الحليب، وجالت عدسات القنوات الفضائية السورية في المحافظات، لنقل المسيرات المفبركة التي قام بها «المنحبكجية»، أي الذين يرفعون شعار كلمة «منحبك»، في محاولة ساذجة لإقناع العالم في الخارج بأن له مؤيدين كُثراً، ثم أصدر مرسوماً جمهورياً بتغيير الوزارة، وعيّن وزير الزارعة الفاشل، الذي تسبب في جفاف نصف سورية، رئيساً للوزراء، كما عيّن بعض وزراء الديكور؛ ثم جمعهم وأعطاهم أوراقاً وأقلاماً ليكتبوا محاضرته التي ألقاها عليهم، وكأنهم يكتبون درس إملاء، وفي الوقت نفسه كان إعلام النظام يصرح بأن الجيش دخل إلى المدن، وقتل المندسين والسلفيين الذين يدعمهم سعد الحريري، وبندر بن سلطان، وعبدالحليم خدام؛ وذلك بناءً على طلب الشعب، الذي طالب النظام بحمايته، فحاصر المدن وقطع الماء والكهرباء، وقتل الأبرياء من الشباب والأطفال والنساء والعجزة بوحشية وهمجية، ومثّل بالجثث، وإمعاناً في الغباء، في أن بشار ليس مكترثاً بأرواحهم وبمطالبهم، أصدر في الأسبوع الخامس مرسوماً يقضي بالعفو عمن تأخر في دفع المخالفات المترتبة عليه من الماء والكهرباء قبل عام 2008.

كان إعلامه وأبواقه ينكرون وجود معارضة، وفي كل يوم يقولون: «خلاص خلصت». وأن ما يحصل إنما هو مؤامرة أجنبية لتركيع سورية؛ لأنها دولة صمود وتصدٍ، وبسبب مبادئها القومية في عدم الاستسلام للضغوط الغربية للتطبيع مع إسرائيل، والأنكى من كل ذلك، علماء النظام الذين لا يرون إصلاحاً في سورية من دون بشار الأسد، كأن النساء قد أصابهن العقم، فلم يخلفن رجالاً غير بشار الأسد، صاحب المصطلح المشهور «حزمة الإصلاحات».

كان بشار يلجأ في خطبه المملة السفسطائية إلى إعلامه المطبل، خشية الوقوع في إحراج صحافيين من وكالات الأنباء العالمية من خلال توجيه أسئلة تحرجه، وتفضح أكاذيبه وادعاءه بأن جيشه وشبيحته لا يقتلون إلا الذين يحملون السلاح، ولكنه بعد مضي تسعة أشهر، وبعد كثرة الضغوط عليه في أهمية إجراء لقاء مع إحدى الصحف العالمية، ليبرهن أنه يتكلم اللغة الإنكليزية، تحدث إلى صحيفة أميركية، فوقعت «الفاس في الراس»، إذ ظهر غباؤه بشكل لافت للنظر، حين صرح بأن لا علاقة له بالجيش؛ ما حدا بالمتحدث باسم البيت الأبيض أن يصرح بأن هذا الرجل مجنون، واضطر الإعلام السوري في اليوم التالي إلى تنظيم ندوة صحافية مطولة ليبرر ويرقع ما تفوه به زعيمهم المفدى.

كان النظام يأتي ببعض الأسلحة ويضعها في المساجد على أنه صادرها من الإرهابيين، ولم يتنبه إعلامه الغبي إلى أنه يعرض أسلحة جديدة غير مستعملة. وكان أيضاً يستدعي بعض المجرمين، الذين كانوا سجناء وخرجوا بموجب مرسوم عفو رئاسي، إلى القنوات الفضائية للاعتراف بأنهم شاركوا في المظاهرات، وقتلوا مدنيين أبرياء بالأسلحة التي كانت بحوزتهم، منهم الشخصية المشهورة «أبو بصير»، الذي كان سجيناً بتهمة تعاطيه الحشيش، والذي اشتهر بتعبير، كان يكرره مراراً في القنوات الفضائية بقوله: «قالوا لي: اقتل هؤلاء المتظاهرين فقتلتهم، وربي يسّر». حتى أصبحت عبارة «ربي يسّر» مصطلحاً فكاهياً لمعظم مواقع «فيسبوك».

ومن غباء النظام أيضاً خروج وزير الخارجية وليد المعلم في ندوة صحافية، عُرض فيها شريط فيديو يتضمن أن المتظاهرين هم الإرهابيون الذين يقتلون المدنيين الأبرياء؛ وزعم فيها أن المتظاهرين يريدون تحويل سورية إلى ولايات وإمارات إسلامية سلفية؛ ثم تبين أن الشريط صور في لبنان قبل سنوات عدة، وبث الإعلام مقاطع لمقابر جماعية في جسر الشغور، قيل: إن الإرهابيين فعلوها لإخفاء فعلتهم. وهذا دليل على غباء النظام، إذ كان يبدو كأنه فيلم كوميدي للترويح على النفس، وتسلية المهموم. وقد جاء بنتائج عكسية لما كان يهدف إليه النظام. إذ يكفي لدحض أكاذيبهم أن يسأل المرء نفسه: لماذا تلجأ عصابات مسلحة إلى دفن ضحاياها في مقبرة جماعية؟ خصوصاً أن من المعروف أن ذلك كان أسلوب النظام، لإخفاء آثار جريمته، تنصلاً من المسؤولية أمام الشعب وأمام المجتمع الدولي.

يوم الجمعة الماضي لجأ النظام إلى أسلوب جديد رخيص مكشوف، حين قام بتفجير سيارتين أمام مقرين أمنيين. وبعد أقل من نصف ساعة أعلن التلفزيون السوري أن تنظيم القاعدة هو من قام بهذا العمل، وأنهم ألقوا القبض على الفاعلين، فهل يُعقل أن تنظيم القاعدة انتظر عشرة أشهر للقيام بمثل هذا العمل يوم دخول المراقبين إلى سورية، ليثبت أنه المسؤول عن قتل أكثر من خمسة آلاف مواطن سوري؟ وهل يُعقل أن يوجد الخبراء والمحللون صباح يوم العطلة الرسمية، لكي يقوموا بالاستنتاج والتأكد خلال 15 دقيقة؟ وكيف وصل التلفزيون ووسائل الإعلام، وسمح لهم فوراً بالدخول بتلك السرعة؟ بل وهرع النظام إلى استدعاء وفد المراقبين العرب إلى مكان الحادثة مباشرة. أين كان الإعلام والتصوير حين قام بعض أفراد الجيش الحر بإطلاق صاروخ على مبنى المخابرات الجوية؟

ثم ألم تكن «القاعدة» وغيرها من التنظيمات الإسلامية المتشددة مدعومة من النظام خلال السنوات الماضية؟ إن الحقيقة التي يعلمها الشعب السوري أن النظام كان يدعم الشباب المجاهدين المتجهين إلى العراق بعد الاحتلال الأميركي لها. وأن سبعة من كبار قادة القاعدة المتهمين في أحداث 11 أيلول (سبتمبر) كانوا سوريين، بل إن أسامة بن لادن نفسه ترعرع في صغره مع والدته، علياء إبراهيم غانم، سورية الأصل، في قرية جبريون، التي تبعد عن محافظة اللاذقية 25 كلم. ونشرت الصحف، آنذاك، أن المخابرات الأميركية التقطت مكالمة هاتفية بين أسامة بن لادن وبين رقم هاتف في سورية، قبل أحداث 11 أيلول (سبتمبر) بساعات قليلة. كل ذلك ليس حباً في أهل السنّة، ولكن نكاية في دول الغرب المعادية للنظام.

يقول عمرو بن كلثوم: ألا لا يجهلن أحد علينا/ فنجهل فوق جهل الجاهلينا.

* باحث في الشؤون الإسلامية.

=================

النظام السوري...والقراءات الخاطئة

الخميس, 29 ديسيمبر 2011

منصور الخنيزان

الحياة

من منطلق التقاليد العربية والإسلامية الراسخة، وهدياً بقول النبي الكريم «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً»، بذلت الجامعة العربية جهوداً حثيثة لإنقاذ الوضع المتدهور في سورية، ونصرة الشعب السوري الأعزل برد الظلم عنه، ونصرة النظام السوري برده عن ظلمه، بعد أن أصبح القتلُ والسحلُ والتنكيلُ شرعةً ومنهاجاً للنظام الحاكم في سورية، إذ تناقلت وسائل الإعلام المختلفة، على رغم التعتيم المتعمد، التقارير المصورة عن مجازر ترتكبها قوات الأمن والجيش وأعوان النظام الموالون له بحق المدنيين العُزل، تشجبها وتستنكرها كل المواثيق والأعراف، فكان لزاماً أن تتحرك الجامعة العربية وتضطلع بمسؤولياتها بإجراءات ملموسة لتضع نهاية لهذا الوضع المتدهور، وتكف يد التهور والبطش عن الشعب السوري.

تكررت محاولات الجامعة، وجولات أمينها العام إلى العاصمة السورية دمشق لإثناء النظام عن المعالجة الأمنية للأحداث، وتدشين إصلاحات مجتمعية سياسية واقتصادية، فلم تحصد تلك المحاولات إلا التسويف والمماطلة والإمعان في التنكيل، وارتفعت حصيلة القتل وزادت بشاعته ووحشيته، فما كان من الجامعة العربية إلا أن عقدت اجتماعاً على المستوى الوزاري في مقرها بالقاهرة في 2 - 11 - 2011 وأصدرت ما عُرِف بالمبادرة العربية لتسوية الأزمة السورية، وتقضي الخطة العربية بوقف إطلاق النار، وسحب الآليات العسكرية من المدن والمناطق السكنية، وإطلاق سراح المعتقلين، وإيجاد آلية لمتابعة وقف العنف على الأرض من خلال المنظمات العربية، والسماح بدخول الإعلامين العربي والدولي، ثم بدء حوار وطني برعاية الجامعة العربية بين النظام السوري وكل مكونات المعارضة السورية.

وعلى رغم أن تلك المبادرة كانت تحمل طوق النجاة للنظام السوري الغارق لا محالة، فإنه أبدى مراوغة عجيبة ولم يتجاوب معها في حينه، إلى أن اتخذ المجلس الوزاري لوزراء الخارجية العرب في جلسته المنعقدة يوم السبت 16 - 11 - 2011 قراراً بما يشبه الإجماع، إذ اعترضت دولتان وامتنعت ثالثة عن التصويت، بتعليق عضوية سورية في الجامعة العربية لحين قيامها بتنفيذ الخطة العربية لحل الأزمة السورية، كما دعوا إلى سحب السفراء العرب من دمشق.

وعلى رغم أن التحرك سياسي بحت، والساحة هي جامعة الدول العربية، بيت العرب، والحاضرين ممثلون ديبلوماسيون، إلا أن مندوب سورية خرج على كل الأعراف والتقاليد الديبلوماسية ووجه ألفاظاً وصفت بالنابية لبعض زملائه من الوزراء.

وعلى صعيد الداخل السوري تحركت جحافل الشبيحة (جناح النظام) التي تأتمر بأوامره، وتنفذ مخططاته بالهجوم والتعدي على مقار البعثات الديبلوماسية لبعض الدول العربية والإسلامية في دمشق، وروعت من فيها من العاملين، وعبثت ببعض محتوياتها، بما يُعد انتهاكاً صارخاً للتقاليد والأعراف والقواعد الديبلوماسية والقانون الدولي، خصوصاً اتفاقيتي فينا «1961 و1963» بشأن العلاقات الديبلوماسية والقنصلية، اللتين ترتب أحكامهما التزاماً قانونياً بحماية مقار البعثات الديبلوماسية والقنصلية، وكذلك الأشخاص العاملين بها، وهو التزام عام ودائم حتى في أوقات الحروب التي تنشب بين الدول لا تستطيع الدولة المضيفة أن تعرض للخطر أفراد ومقار البعثات الأجنبية، بل إن عليها التزام توفير الحماية الأمنية وتسهيل إجراءات المغادرة الآمنة لأراضيها في أسرع وقت، حتى تدرأ عنهم الخطر وعن نفسها المسؤولية في مواجهة الجماعة الدولية، وما يحكم علاقاتها من قواعد وتقاليد.

إذ تنص المادة 59 من اتفاقية فيينا 1963 على التزام الدولة المضيفة بحماية مباني القنصلية: تتخذ الدولة الموفد إليها التدابير اللازمة لحماية المباني القنصلية لبعثة قنصلية يرأسها عضو قنصلي فخري ضد أي اقتحام أو إضرار بها ولمنع أي اضطراب لأمن البعثة القنصلية أو الحط من كرامتها.

كما تنص المادة 44 من اتفاقية فيينا بشأن العلاقات الديبلوماسية: على الدولة المعتمد لديها، حتى في حال قيام الحرب أن تمنح التسهيلات للأشخاص المتمتعين بالمزايا والحصانات، بخلاف من هم من رعاياها، وكذلك أعضاء أسر هؤلاء الأشخاص، مهما كانت جنسياتهم، لتيسير لهم مغادرة أراضيها في أسرع وقت، ويجب عليها إذا ما استدعى الأمر، أن تضع تحت تصّرفهم وسائل النقل اللازمة لأشخاصهم ولمتعلقاتهم. كما تقرر المادة 45 من الاتفاقية ذاتها أنه «في حال قطع العلاقات الديبلوماسية بين دولتين، أو إذا ما استدعيت بعثة بصفة نهائية أو بصفة وقتية، تلتزم الدولة المعتمد لديها حتى في حال نزاع مسلّح أن تحترم وتحمي مباني البعثة، وكذلك منقولاتها ومحفظاتها».

أمام هذه القواعد القاطعة، ووفقاً لما استقر عليه العمل بين الأسرة الدولية والقانون الدولي العام، ما كان ينبغي للنظام السوري أن يحتكم خارجياً لقانون «الشبيحة»، الذي يطبقه على شعبه، رداً على طلباته المشروعة في تحسين المعيشة، بل كان ينبغي عليه أن يتصرف تصرفاً لائقاً بدولة عضو مؤسس في كثير من المنظمات الدولية، موقعة على مواثيقها، ومن ثم ملتزمة بأحكامها، هو ما يؤشر بوضوح إلى أن النظام السوري إما أنه يريد أن يفرض قانونه الخاص وتصوراته على العالم، أو أنه فقد التركيز والمنطق في إدارة أزمته التي خلقها في الداخل والخارج، وفي الحالتين يكون سار عكس الاتجاه، وله أن يواجه ما هو أكثر سياسياً واقتصادياً، إذ أمهل وزراء الخارجية العرب، في ختام اجتماعهم بالعاصمة المغربية الرباط الأربعاء 16 - 11 - 2011، سورية ثلاثة أيام للتوقيع على بروتوكول لاستقبال مراقبين على أراضيها، للتأكد من وقف العنف ضد المدنيين في البلاد وتطبيق المبادرة العربية.

كما أكد الوزراء العرب على «ضرورة اعتذار سورية عن الاعتداءات التي تعرضت لها السفارات العربية في دمشق، وعلى التزامها بحماية البعثات الديبلوماسية».

فهل يسعى النظام السوري لاغتنام الفرصة وينقذ نفسه أولاً ويجنب بلاده الدخول في أتون حرب أهلية تُسفك فيها مزيد من الدماء، أم يستخدم السبل ذاتها التي تراهن على عنصر الزمن، ولا تلتقي فيها الأقوال والأفعال؟

سؤال ستفصح عنه الأحداث عما قريب.

* محامٍ سعودي.

=================

من مرحلة «الشبيحة» إلى مرحلة «القاعدة»

الخميس, 29 ديسيمبر 2011

عبدالوهاب بدرخان *

الحياة

كانت سنةً واعدة لكن موجعة. كانت سنةً نتعلّم منها ونتذكرها. السنة التي اكتشف فيها المستبدّون، متأخرين، ما لم تقله لهم تقارير البصّاصين: انهم غير محبوبين، على عكس ما يعتقدون، وغير مرغوب فيهم اطلاقاً، وأن رحيلهم حتمية محبّذة. السنة التي اكتشف فيها الشعب أنه «يريد»، ولو ان الخيارات والبدائل التي ارتسمت أمامه ليست بمستوى الطموحات. السنة التي اكتشف فيها أنصاف الطغاة المستمرّون والطغاة المتستّرون والطامحون للطغيان أن مغامراتهم لم تعد مضمونة بعد الآن. وأخيراً السنة التي اكتشف فيها الغرب أن مفاهيم الموروث الاستعماري فقدت صلاحيتها، وأن عليه نيل مصالحه من دون أن يحتقر الشعوب أو يعتبرها بلا كرامة وغير مؤهلة للحرية أو يخصّب الاستبداد في حكام فرديين لإخضاعها.

كان نمط السقوط أو الانهيار عاكساً لمستوى الدولة والمجتمع، ولمدى قوة الاستبداد أو هشاشته، كذلك لشخصية المستبد وارتباطه ببلده، ولا شك في أن أخطرهم هو أكثرهم سفكاً للدماء... رأينا الرئيس التونسي الذي يتدبّر له أعوانه رحلة بلا عودة أملاً بالحلول محله، فكان الجيش لهم بالمرصاد. ورأينا الرئيس المصري يرمي أوراقه الواحدة تلو الأخرى أمام الشاشة أملاً في الحفاظ على من أصبحوا لاحقاً «فلوله»، لكنه اضطر لأن يرحل ثم استُقيل قبل أن يعود الى قفص الاتهام. ورأينا الرئيس الليبي يدمّر ويقتل ويلقي سيلاً من الخُطب ولا أحد سواه يصدّق ما يقوله، ثم يتذوّق للحظات مرارة التنكيل قبل أن يُقتل ويُعرض لمن يريد الرقص على جثته ثم يدفن في لا مكان في جوف الصحراء. ورأينا الرئيس اليمني يداول المناورة والقتل ثم المراوغة مع القتل فالدهاء فالرضوخ وتوقيع (التنازل عن الحكم) فالقتل مجدداً والقتل ثانيةً وعاشرةً من دون أن يتضح أيّها سيكون ختام القتل. ولا نزال نشهد الرئيس السوري يعاند الشعب والعالم، يخالف منطق التاريخ والطبيعة الانسانية، بل يعتقد أن إشعال المنطقة ورقة رابحة ستُكسبه استمرار نظامه، اذ تحوّل جهازه الأمني عصابة من القتلة المطلوبين دولياً، وها هو يهدد شعبه بـ «القاعدة»، يستقوي بها ويستخدمها كما فعل دائماً في مناورة جديدة ليبقى في المنصب، من دون ان يعرف لماذا يبقى بعدما تلاشت السطوة وسقطت الهيبة.

السنة لم تنتهِ بعد. بقي منها ما يكفي النظام في سورية ليزهق بضع عشرات زائدة من الأرواح علّ نزواته تستكين، أو ليحتفل بسنة جديدة موصولة بسابقتها بالدم. ها هو قد ودّع مرحلة «الشبيحة» ليستهلّ مرحلة «القاعدة». وهذه لعبة كانت متوقعة، بل مكشوفة: فبعد نظام البعث لا بد من أن يأتي نظام «القاعدة»، والسيناريو العراقي لا يزال حيّاً وشاهداً. فاذهبوا أيها المفتشون العرب الى المتاهات القاعدية. كانت دول كبرى فائقة التجهيز والتسلّح سبقتكم اليها فضاعت فيها وأخفقت. ظننتم أنكم قادمون الى بلد يملك نظامه المتهاوي ارادة لوقف دورة الدم التي أطلقها قبل عشرة شهور، فإذا بكم مدعوون الى وليمة العنف الأكبر.

زاد القتل بوتيرة هستيرية لأن النهاية اقتربت. زاد العنف بعد التوقيع على «بروتوكول المراقبين». سجّلت «القاعدة» دخولها على الخط، صدفة أو ميعاداً، في اليوم والساعة والمكان التي أرادها النظام تحية لـ «طليعة» المراقبين بعد ساعات على وصولها، اذ هاجمت مقرّين أمنيين في دمشق نفسها، كي يفهم من يريد أن يفهم أن النظام السوري كان ولا يزال هدفاً للارهاب بل «ضحية» له. فـ «القاعدة» بلا وجوه، هي كل أحد ولا أحد، لا آليات عسكرية لها كي تسحبها، ولا معتقلين مطلوب منها الإفراج عنهم، ولا تميّز بين مدنيين وعسكريين، ولا بين مبنى «ادارة المخابرات العامة» الذي زعم «أنها» استهدفته بالهجوم وبين أي ساحة في حمص أو حماه. ولا تعني «بصمات القاعدة» التي رصدها النظام في تفجيري دمشق سوى أنه يقترح وجود علاقة للتنظيم الارهابي بالانتفاضة الشعبية أو حتى بـ «الجيش السوري الحرّ»، أما النظام نفسه فيجهل كل شيء عن هذا التنظيم ولا يعرف كيف كانت عناصره تأتي الى الأراضي السورية فتجد من يستقبلها ويفرزها ويصنّفها ويُخضعها لتدريبات أولية ويمنحها تسهيلات ثم يضعها على الدروب السرية التي تقودها الى داخل العراق أو يسرّب بعضاً منها الى لبنان أحياناً، ويبدو الآن - والله أعلم - أنها أو أن قادتها اتخذوا من تلقائهم قراراً بسلوك تلك الدروب في اتجاه الإياب الى «المصدر الأم»، أي الى داخل سورية لتضرب من استقبلها وألجأها ودرّبها ووفّر لها تسهيلات. هذه، اذاً، «قاعدة» بلا أي وفاء أو حتى اخلاقية!

لم يكن توقيع «البروتوكول» مع العرب من أجل وقف العنف، بل لتجنّب توجّه العرب بمبادرتهم الى مجلس الأمن، فيكون على النظام السوري عندئذ أن يخضع لمعايير الأمم المتحدة في المراقبة، بأعداد وخبرات وتجهيزات أكبر وأدقّ وبقواعد أكثر صرامة لحماية المدنيين وبمسؤوليات على الدولة «المضيفة» لا يمكنها مخاتلتها، وإلا فإن التقارير ستترجم بعدئذ بإجراءات عقابية. ووقف العنف له وجهة أولية لا بدّ منها: أن تسحب السلطة أوامر سبق أن أعطتها وأجازت فيها القتل، بمعزل عن وجود أو عدم وجود مراقبين. لكن هذا يحتاج الى عقل أمني آخر، لا يلجأ الى «الشبيحة» احتيالاً، ولا يسوّغ لنفسه الاستهانة بحياة مواطنين. في غياب عقل أمني سويّ، وما دام النظام سجّل رضوخه الأول لضغوط الخارج، حتى لو كانت عربية، كان لا بد من الانتقال الى الخطة «ب»: فلتخرج «القاعدة» من جحورها... وليكن هذا هو التنازل الأول والأخير، ونهاية التعريب والتدويل معاً، أما التعريب فمصيره أن يُدجّن، وأما التدويل فكل من يحاول الدفع اليه سيعرف أنه ذاهب الى مقارعة عمياء مع «القاعدة».

وصل المراقبون متأخرين جداً، قليلي العدد، وبصدقية محط اختبار، ليجدوا في استقبالهم سلطة موتورة، منهكة ومتأهبة لارتكاب المجزرة التي توعّدت حمص بها. المراقبون جاؤوا الى بؤرة يقعون فيها بين نارين: الأمنيون و «الشبيحة» من جهة، والجنود المنشقّون من الجهة المقابلة. يحتاجون الى معجزة كي يبلغوا الأماكن المراد معاينتها، والى اعجوبة كي يتمكنوا من التحرك، ذاك أن حمص باتت في لجّة مواجهة مذهبية لا رحمة فيها. عشرة شهور من ضغط النظام ووحشيته كانت كافية لإزهاق «سلمية» الانتفاضة، ومع ذلك اذا سحبت الدبابات وجحافل الأمنيين، فإنها قد تستعيد في لحظة تظاهرها السلمي حقاً. يحتاج المراقبون، وفق الأمين العام للجامعة العربية، الى اسبوع للتأكد من أن النظام ينفذ التزاماته. ليس ببضع عشرات المراقبين تستطيع الجامعة رصد ما يحدث في أكثر من عشر مدن وعشرات البلدات، كان يفترض تجهيز مئات المراقبين وإرسالهم معاً، فوراً ودفعة واحدة. ثم ماذا بعد الاسبوع، اسبوع آخر؟ وماذا عن البنود الأخرى عدا وقف العنف، ماذا عن اطلاق المعتقلين وعن الإعلام الخارجي؟ كان النظام واضحاً في أنه معنيٌ اضطراراً بـ «بروتوكول المراقبين» وليس بـ «المبادرة العربية». اذاً، ليس في الأفق تحرك سياسي لمواكبة عمل المراقبين، وفي أي حال ليس النظام من يراهن على نجاح مهمتهم.

* كاتب وصحافي لبناني

=================

بإمكان روسيا ان تساعد الشعب السوري ولكن ليس بإطالة عذاباته

سمير التقي

2011-12-28

القدس العربي

قد يحتار المراقب للموقف الروسي من القضية السورية في فهم خلفياتها، وقد يكتفي البعض بسردٍ لسيرة العلاقات السورية الروسية منذ منتصف القرن التاسع عشر، او اهمية الوضع الجيو- استراتيجي لسورية.ولكن هل تكفي هذه التفسيرات الشكلية لشرح ما يحدث؟

من الناحية النظرية فان سورية هامة من وجهة نظر الاستراتيجية الكونية الروسية،لكن اين هي هذه الاستراتيجية في الوقت الذي لا تزال فيه روسيا تحاول بصعوبة اعادة تحصين الدائرة الجيو- استراتيجية القريبة منها، ولا يزال أمنها القومي يعاني من ثغرات كبرى، بدءا من الدرع الصاروخي في غرب اوروبا إلى صعود الاسلام الاصولي في جمهوريات آسيا الوسطى، إلى تعثر مخططاتها في كل من جورجيا واذربيجان، إلى وضعها المتردي في البلقان، إلى فشلها في اقامة تحالف صلب مع كل من الصين او الهند.

فهل اصبح النظام السوري فجأة 'صخرة تتحطم عليها مؤامرات الاستعمار والامبريالية'؟

يحيل بعض المراقبين سر تمسك روسيا بنظام الأسد الآيل للسقوط إلى أن مبيعات الأسلحة والموقع الاستراتيجي لسورية كأسباب رئيسية لاستمرار روسيا في دعم نظام بشار الأسد. حيث تبلغ عقود التسلح اربعة مليارات دولار في العقد الحالي والتي تشمل في ذلك طائرات ميج المقاتلة 29، وطائرات التدريب ياك - 130، وأنظمة الدفاع الجوي، الصواريخ المضادة للسفن. ولئن كان هذا السلاح الذي لا يتيح لسورية اكثر من أن تمنع تحليق الطيران الاسرائيلي فوق قصر الرئاسة السوري فانه من المؤكد انه لم ولن يصل إلى حد تمكين الجيش السوري من تحرير الاراضي السورية المحتلة منذ 1967.

تستثمر روسيا في البنية التحتية والطاقة والسياحة السورية منذ عام 2009، ولكن ليس بأرقام كبيرة، وتقوم كل من شركات سترويتل غاز ببناء مصنع صغير لمعالجة الغاز الطبيعي 200 كم شرق حمص وبدأت شركات أخرى عملها في مشروعين آخرين لكنها لم تستطع المضي في انجازهما. كما بدأت مؤخراً شركة نفط تتارستان العالمية في مجال ضخ النفط في سورية العام الماضي في يناير كانون الثاني وأعلنت أنها ستنفق 12.8مليون دولار على تطوير الآبار قرب الحدود العراقية. ومن المعروف ان ذلك لم يكن ممكناً لولا الخلفيات التي سمحت لهذه الصفقات بالمرور.

ويقدم بعض المحللين الغربيين تفسيرات تشطح بعيداً لهذا الموقف الروسي وينسبونه إلى جنون العظمة الذي ورثته روسيا عن الاتحاد السوفييتي. ويقولون ان ثمة تقليدا روسيا عريقا بتبرير الاستبداد والمجازر وراء غبار من امجاد الأمة والمصالح الامبراطورية. ويؤسس هذا التوجه ل 'مذهب الروسي' قديم لإضفاء نظرة قدسية على دور روسيا في العالم، والذين يرون في روسيا 'روما الثالثة' بعد ان افسد الغرب قيم روما القديمة.

ويمعن هذا المنطق في القول ان ازدراء الديمقراطية على انها نتاج للمسيحية الغربية. إذ يرى ان الديمقراطية تضعف المجتمع وتحط من تلاحمه في حين انه ينبغي للدولة ان تكون هي القوة الأساسية التي تؤول اليها وتخدمها كل الخطط والبرامج ومجمل عملية التنمية. وتشن هذه المدرسة حالياً في روسيا حملة شعواء على من تسميهم بالمتغربين الذين تلوثوا بالثقافة والقيم الديمقراطية الغربية، بدلاً من التركيز على تطوير القوى العسكرية التي يفترض، على حد زعمهم، أن تلعب درواً محورياً في استعادة روسيا لمكانتها في العالم. ويتحدث الخبراء الغربيون ايضاً أن الأوساط القومية الروسية عادت للحديث عن 'حضارة شمالية' تقدم بديلاً لديمقراطية الغرب، الآيل إلى التفكك.

وينسب الخبراء الغربيون موقف روسيا من الأزمة السورية إلى أنهم ينظرون إلى النظام السوري صخرة فريدة تتحطم عليها مؤامرات الغرب باعتبارها داعيا خاصاًوفريداً لهذا النمط 'الشمولي المافيوي من الليبرالية'. وتردد هذه الأوساط من جهة أخرى أن روسيا تراهن على العدد الكبير من الشركس الذين يعيشون في سوريا ما زالت علاقات مباشرة إلى ذويهم في آسيا الوسطى الشمالية. فسورية هي موطن لحوالي 150،000 منهم نصفهم تقريبا ويحتفظون شخصياتهم اللغوية من الأديغة في آسيا الوسطى الشمالية. وفي حين تعتبر الشعوب الشركسية شعوباً محاربة قوية الشكيمة وتتمسك بقيم اخلاقية عسكرية عالية وساهمت في عملية بناء سورية الحديثة وشاركت في العديد من المعارك وقدمت فيها بعضاً من اهم شهداء سورية وابطالها.

لكن الحقيقة تقول عكس كل هذه التفسيرات. وكل من يمعن النظر في هذه الحجج ومجمل هذه الأرقام يدرك انها طفيفة وعابرة ولا يمكن ان تشكل محوراً مركزياً للموقف الروسي.

فصفقات السلاح الروسية مع دول الخليج لا تقارن لا بالحجم ولا بالمدى مع ما يمكن لسورية ان تشتري. ولا تشكل عقود النفط هذه الا نذراً طفيفاً من الاستثمارات المشتركة التي تعمل عليها كل من روسيا وايطاليا وبريطانيا في كل من كازاخستان وتركمانستان وغيرها. كما لا يبدو ان روسيا التي انخفضت حصتها من الدخل العالمي إلى ما لا يزيد عن 4' مستعدة الآن للعودة إلى حرب باردة جديدة. كما ان روسيا تعلم انها حتى في عصرها الذهبي لم تكن تستطيع ان تؤمن لسورية بديلاً تنموياً عن موضع سورية في العالم.

لا يبدو كل ذلك مقنعاً.

فروسيا التي خسرت ليبيا لا يمكنها ان تدعي انها خدعت في مجلس الأمن بل لابد انها توقعت ان ينزلق الغرب فيها إلى مستنقع آخر مثل المستنقع العراقي. لكن الأمور لم تسر في هذا المنحى، بل سرعان ما خرجت روسيا عملياً من المعادلة الليبية. وبعد ان خطا الاتحاد السوفييتي خطوة متقدمة إلى الأمام من خلال توقيعه على معاهدة هلسنكي التي كرست حداً ادنى من القيم الانسانية والديمقراطية اعتبرت اساسية كي يندرج أي بلد في المجتمع الدولي وفي وأوربا، فيبدو ان روسيا ومن خلال موقفها الراهن من النظام السوري تخطو خطوتين إلى الوراء من خلال دعمها وتسترها ومراوغتها تجاه مذابح النظام. وبالمقابل لا يحمل التاريخ القديم والقريب للشركس والاديغيين اجمل الذكريات مع السلطة المركزية الروسية كما ان جمهورهم العام قد اظهر ميلاً كبيراً نحو التدين وخصوصاً على ضوء احداث الشيشان.

فهل يصدق القول ان روسيا نفسها لا تزال تمر هي نفسها بمخاض تحول عميق تخشى ان تجد نفسها في لحظة معينة في خضم نزاعات اثنية وقومية قد تلجأ فيها هي ذاتها لوسائل شبيهة بوسائل الأسد.وفي هذه الحالة،هل تحتاج روسيا لأنظمة محاصرة مأزومة منبوذة كي تروج بضاعتهاودورها الاقليمي؟

لا شك ان الكرملين يرى يوماً بعد يوم استحالة انقاذ النظام. ويعلم انه لن يكون قادراً على الاصلاح ولا على مصالحة شعبه. وهويعلم ولاشك أن النظام السوري قد ينزلق أيضا إلى ذات مصير النظام الليبي، وبالرغم من ذلك يرسل الكرملين الطراد الصاروخي، الاميرال كوزنيتسوف، واثنين من السفن المرافقة في جولة لمدة شهرين للبحر الأبيض المتوسط يرسو خلالها في طرطوس حيث يعمل ستمائة من الفنيين الروس لتجديد القاعدة للسفن الروسية.

بغض النظر عن المبررات فان الحصيلة هي ان روسيا اتخذت موقفا مناصراً للجلادين وحاولت مساواتهم بالضحايا ودعمت استمرار سفك دماء السوريين ويعمل الكرملين بقوة ضد فرض عقوبات تستهدف الحاق ضعف شديد بحكم بشار الأسد الآيل إلى السقوط. وها هم المتظاهرون السوريون الذين يضعون دمهم على اكفهم في سبيل سورية حرة ومستقلة ومزدهرة،ويا للأسف، يحرقون الأعلام الروسية غضباً من روسيا.

ولو قلبنا اوجه العلاقة بين الطرفين لوجدنا ان المواقف التي تحكم السياسة الروسية تحتاج لمراجعة بلا شك. إذ يمكن لروسيا ان تلعب دوراًبناءً لا غنى عنه في تسهيل مسار خروج سورية من ازمتها ويفتح الطريق فيها نحو انتقال طري في فترة ما بعد حكم الأسد. وبدل من ان تشكل روسيا سداً منيعاً أمام انهاء الأزمة السورية، يمكن لها ان تساهم بل ان تكون شريكاً في صياغة طريق الخروج من المأزق الحالي.

تعلم قيادة الكرملين ان النظام السوري آيل للانهيار لا محالة، وذلك قبل كل شيء لأنه يرفض حتى الآن الاعتراف بمجرد وجود الأزمة، ولأنه قطع كل الطرق على قدرته بالذات لإصلاح نفسه وللتصالح مع المجتمع الذي عاث فيه ذبحاً واجراماً، ولأنه ان خطر بباله الاصلاح يوماً فانه الطريق اليه يمر بالضبط عبر الاطاحة بتلك الطغمة الحاكمة وأجهزتها الأمنية التي اصبحت تأخذ سورية شعباً ومجتمعاً وجيشاً رهينة لإجرامها. وتعلم روسيا كل ذلك اصبح مستحيلاً.

لن ينسى الشعب السوري موقف الشعب الروسي والدولة الروسية من قضيته. ومن المحزن ان نرى سوء فهم الأوساط الروسية لجوهر القضية والأزمة السورية يدخل العلاقات السورية الروسية في مأزق عميق يعتبر من اصعب اختباراتها. وسيكون من السذاجة الاعتقاد بأن الشعب السوري سينسى اية قيم حكمت السلوك الروسي تجاه عذاباته الراهنة.

نعم يمكن لروسيا ان يكون لها دور بناء يساعد فيه الشعب السوري وان تحافظ على مصالحها ورؤيتها لمخارج الأزمة. وفي وقت تظهر فيه اهمية تعزيز الوحدة الوطنيةوضمان هبوط طري لعملية انتقال السلطة والتغيير الديمقراطي في سورية تبرز أهمية تأمين كل الضمانات الممكنة لمنع انزلاق البلاد إلى الحرب الأهلية ولضمان امن واستقرار وسلامة كل مكونات الشعب السوري الطائفية والاثنية، فرداً فرداً وجماعة جماعة سواء في ما قبل السقوط او في مرحلة الانتقال او في سورية الجديدة، وباستثناء تلك الزمرة التي تلطخت ايديها بدماء الآلاف من ابناء شعبنا. بل يمكن لروسيا ان تكون طرفا مسهلاً وضامنا وشريكاً في عملية الهبوط الطري وسيكون الشعب السوري ممتناً لها. وعندها ستصبح سورية صخرة تتحطم عليها كل محاولات كسر هذه الصداقة العريقة بين الجار الشمالي الكبير وسورية الجديدة. فهل تقبل القيادة الروسية بمقاربة اكثر استشرافاً وبصيرة لمستقبل العلاقات مع سورية والمنطقة العربية؟

=================

الخروج من مربع العجز العربي

رأي الدستور

الدستور

29-12-2011

اثبتت الوقائع والمستجدات التي صاحبت الربيع العربي، ان الشعوب العربية قادرة على الخروج من مربع العجز والضعف، الى مربع الفعل وصناعة التاريخ والمشاركة في صناعة المستقبل الواعد.

ومن هنا كان الشرط الاول والمطلب الاهم التي هتفت به حناجر الشباب العربي، في ميادين التحرير بالقاهرة والتغيير بصنعاء، وشارع بورقيبة في تونس وفي كل العواصم والمدن.. نعم للحرية والديمقراطية والكرامة وهي الاسس والروافع لطي صفحة القمع والفساد، وتشريع صفحة جديدة في حياة هذه الشعوب عنوانها الدولة المدنية الحديثة.. القائمة على العدالة والمساواة، واداتها الانتخابات الحرة، النزيهة، وصولا الى تداول السلطة والحكم الرشيد.

ان الاجماع الشعبي الذي ميز الثورات العربية من طنجة وحتى مسقط، يؤكد شوق الشعوب العربية الى الديمقراطية وشوقها الى الحرية، ورفضها الشديد للقمع والاستبداد، والفساد الذي اهدر الثروات العربية وافشل كافة مشاريع التنمية، وزاد رقعة الفقر والجريمة وحول هذه الاقطار الى بلاد طاردة للكفاءات والعقول والسواعد، فاختارت الهجرة الى اربع ارجاء المعمورة طلبا للحرية والحياة الكريمة.

ان دراسة اسباب هذه الثورات واسباب انتشارها بهذه السرعة.. كانتشار النار في الهشيم تؤكد ان الشعوب لم تعد تقبل ان تعيش في القمقم، مهمشة، فقيرة، عاجزة، مكبلة بالاغلال والقيود، وان تصبح اوطانها مسرحا لبغاث الطير.. تستباح مقدساتها وتدنس على يد الصهاينة المجرمين وهي تنتمي لامة عظيمة، وحضارة عريقة، كان لها الفضل في انقاذ العالم والبشرية كلها من الضلال والظلام، الى النور والمعرفة والعلم.

لقد اكد الربيع العربي في عامه الاول ان الامة العربية قادرة على الانبعاث من جديد، وقادرة على الدخول في التاريخ، والمساهمة في صناعة مستقبل البشرية ولن ترضى بعد اليوم ان تبقى مهمشة.. تعيش على حواشي الاحداث.. وان تبقى صدى للاخرين.

مجمل القول: اعادت الثورات العربية للانسان العربي اعتزازه بامته، واعتزازه بتاريخها وحضارتها، واثبت الربيع العربي ان هذه الشعوب رغم ما عانت وقاست وكابدت، الا انها لم تمت وما زالت قادرة على الخروج من تحت الرماد، كطائر الفينيق، وكسر حاجزي الصمت والخوف.. والعودة الى صدارة الاحداث، لكتابة التاريخ من جديد.. لتعود كما ارادها الباري عز وجل “خير امة اخرجت للناس”.

=================

المراقبون في حمص .. ماذا بعد؟

عريب الرنتاوي

الدستور

29-12-2011

مرّ اليوم الأول لبعثة المراقبين العرب في سوريا بسلام، لكن ذلك لا يكفي أبداً للحكم على مستقبل هذه البعثة والجزم بأنها ستنهي مهام عملها بنجاح، الصورة تبدو شائكة ومعقدة بعض الشيء.

للنظام مصلحة في البرهنة على أنه يواجه “عصابات مسلحة”، وتفجيرات دمشق أعطت للرواية الحكومية الرسمية بعضاً من “الصدقية” التي كانت تفتقر إليها، وفي حمص، ثمة رهان حكومي على أن المراقبين، سيخرجون بدليل إضافي على وجود جماعات أصولية مسلحة، فضلاً عن “العصابات الجرمية”.

وللمعارضة مصلحة حقيقية في إسقاط الرواية الرسمية، ونسف إدعاءاتها من جذورها، أمس كان الاختبار الأول، تظاهرة سلمية شارك فيها عشرات ألوف الحمصيين، ودعوات للمراقبين لزيارة “المستشفيات الميدانية”، والاطلاع على نتائج حرب التدمير التي شنّها النظام على المدينة.

وبين هاتين المصلحتين المتناقضتين، سيجد المراقبون أنفسهم أمام تحدٍّ كبير، لن تكون مهمة سهلة أبداً، وقادمات الأيام قد تكون حبلى بالمفاجآت، لا سيما في ضوء التقارير الروسية التي تحدث عن “اختراقات” في صفوف أجهزة الأمن السورية، تسمح بالاعتقاد بأن مهمة المراقبين وحيواتهم، قد لا تكون آمنة بالمرة، وما ينطبق على مهمة هؤلاء في حمص، ينطبق بالقدر ذاته على مهام زملاء لهم توجهوا إلى درعا وادلب وغيرهما من بؤر الاشتباك وخطوط التماس المشتعلة.

وبعيداً عن التعقيدات التي تواجه مهمة المراقبين، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: ماذا لو خرج هؤلاء بمعلومات موثقة عن جرائم قارفها النظام، أو بعض أركانه، ماذا لو أوصوا بمحاسبة ومحاكمة المتسببين عنها، كيف سيتعامل النظام مع توصيات كهذه، وهو الذي لم يحاسب أي جندي أو ضابط حتى الآن، ممن قارفوا بلا شك، جرائم بحق أبناء شعبهم، بمن في ذلك مقترفي الجريمة الأولى، شرارة الانتفاضة السورية، والتي راح ضحيتها أطفال درعا؟، من الذي سيقدم هؤلاء للقصاص، من الذي سيجبر النظام على الاضطلاع بمسؤولياته؟ ثم، أن العالم يبدو منهمكاً بتطبيقات بروتوكول المراقبين، لكأن المبادرة العربية تكاد تختزل بهذا البروتوكول، مع السؤال المُلحّ هو: وماذا عن جوهر المبادرة وبقية بنودها السياسية والإجرائية؟، ماذا يعني الإفراج بالأمس عن زهاء سبعمائة معتقل، وبقاء ألوف غيرهم خلف القضبان (البعض يقول عشرات الألوف)؟، ماذا إن ترتب على سحب الجيش، خروج تظاهرات جماهيرية واسعة في المدن المحاصرة والمنكوبة؟، ألم توفر تظاهرة حمص بالأمس، مؤشراً على ما يمكن أن يحدث في حال سحب الجيش قواته ودبابات و”شبيحته” من المدن السورية؟، أليس هناك احتمال أن تنتقل شرارة التظاهرات الجماهيرية السلمية إلى حلب ودمشق، “مستقوية” بوجود المراقبين، ومستظلة ببعثة الجامعة العربية؟، كيف سيتصرف النظام، كيف ستتصرف الجامعة والمجتمع الدولي، وما هو سيناريو اليوم التالي؟.

ثمة جدل في معظم عواصم القرار الإقليمي والدولي حول هذه الأسئلة والتساؤلات، البعض يعتقد أن مهمة المراقبين، ستطيل عمر النظام، والبعض (الأقل) يعتقد أنها ستعجل في رحيله وكشف أزماته وتناقضاته، البعض يرى أنها تمثل “خذلاناً” للثوار السوريين، والبعض يعتقد أنها ستوفر حماية للمتظاهرين الذين سيعودون للساحات والميادين، ما أن يتسرب إلى نفوسهم القليل من الطمأنينة والاطمئنان، البعض يرى أنها ستقوي شوكة “الجماعات المسلحة” و”الفصائل العنفية”، والبعض الآخر يرى نقيض ذلك، فأين هي الحقيقة؟ في ظني أن أهمية تجربة المراقبين، تكمن في أنها -قد- توفر لأول مرة، فرصة إطلاق عملية سياسية لإحداث الإصلاح المُفضي إلى لتغيير في سوريا، أمس ذهبت الجارديان في هذا الاتجاه، دعت لحوار وعملية سياسية، ولم تنزع عن رواية النظام عن “العصابات المسلحة” الصدقية الكاملة، وفي ظني أن أطرافاً دولية وعربية عديدة، وبعض أصدقاء سوريا (حماس، روسيا) هم أيضاً مع البحث عن عملية سياسية، التي هي في الأصل، مطلب قطاع من المعارضة السورية في الداخل (هيئة التنسيق) وبعض شخصياتها الوازنة.

أمام سيناريوهات التدخل الأطلسي والانزلاق إلى حرب أهلية وانقسام سوريا وتقسيمها، تميل أطراف متزايدة للحديث عن “حل سياسي”، وإذا كان لا بد لهذا الحل أن يرى النور، فإن من شروط نجاحه، أن يكون جذرياً، وأن ينطوي على آليات وديناميكيات، من شأنها إحداث التغيير المطلوب في سوريا، وإلا كان الحل السياسي “تقدمة مجانية” للنظام، وجرعة لتمديد عمر الفساد والاستبداد.

النظام يخشى هذا السيناريو، لأنه مُحمّل بفرص تقويضه من الداخل، وبعض المعارضة (بعض الخارج) يرفض هذا السيناريو، لأنه يقوم على أجندة زمنية طويلة نسبياً للتغيير، هؤلاء يستعجلون التغيير الذي سيأتي بهم إلى سدة السلطة والحكم، بصرف النظر عن الوسيلة والكلفة والأثمان، لكن تطور الأحداث السورية في الأيام والأسابيع القليلة، أخذ يدفع في هذا الاتجاه، وفي ظني أن على المعارضة السورية، بالذات في الخارج، أن تأخذ ذلك بنظر الاعتبار، وأن تفكّر باجتراح المقترحات الكفيلة بجعل أي “حل سياسي” للأزمة، بوابة للإصلاح والتغيير، لا وسيلة لتهدئة الخواطر وإدارة الأزمة وإراحة الضمير وتأجيل الاستحقاق.

=================

سوريا: عودة التظاهرات مقياس!

علي حماده

2011-12-29

النهار

نستعير من الزميل الاستاذ طارق الحميد وصفه في مقالته قبل يومين في "الشرق الاوسط" المراقبين العرب بـ"المتفرجين العرب". فحركة الايام الاولى تدل على ان النظام في سوريا تمكن من تطويق مهمة "المراقبين"، فحولهم متفرجين لا حول ولا قوة لهم. بدأ الامر بضبط حركة انتقالهم في المناطق الحساسة بأكثر من وسيلة وطريقة، وصولا الى الاعتماد على قلة عددهم لممارسة لعبة الكر والفر مع الثوار في حمص وغيرها من المناطق. وهكذا دخل "المتفرجون العرب" سوريا وما توقفت آلة القتل - كما سماها العاهل السعودي - عن قتل السوريين العزّل وسط صمت واحجام عربي وعالمي غريب. والحال ان شدة التركيز على موضوع الرقابة والمراقبين حجبت المبادرة الاساسية التي جرى صوغها في الجامعة العربية، وكان عمادها وقف القتل، وسحب الجيش والمدرعات من المدن والقرى، وفك حصار المناطق الثائرة، واطلاق جميع المعتقلين.اما موضوع المراقبين فكان اداة للتحقق من التنفيذ. وما يؤسف له ان "المتفرجين العرب" وصلوا الى سوريا وانتشروا بأعداد لا تكفي لتغطية شارع فرعي في مدينة حمص وحدها، ولم يتوقف القتل، بل ان منسوبه ما تراجع. فالتظاهرة الضخمة التي شهدتها منطقة الخالدية في حمص المنكوبة وارادت التوجه سلميا الى دوار الساعة، جرت مواجهتها بالرصاص الحي، فيما كان المتفرّجون العرب يزورون حيّا آخر من احياء حمص. ومعلوم ان اليوم الذي سبق شهد قتل عشرات المواطنين وتدمير المنازل فوق رؤوس ساكنيها في باباعمرو. وقد استمر القتل في كل مناطق سوريا برصاص وقذائف من جيش، تحول جيش احتلال موصوفا يمارس اعمالا لم يمارسها جيش الاحتلال الاسرائيلي نفسه. وليتذكر الناس ان حرب 2006 التي اشعلها "حزب الله" ادت الى استشهاد 1300 لبناني، وان حروب سوريا كلها مع اسرائيل اوقعت شهداء اقل مما اوقعته حرب بشار الاسد على شعبه منذ الخامس عشر من آذار 2011، فما بالك بحجم القتل في عهدي الاب والابن!

وبالعودة الى موضوع "المتفرجين العرب"، نقول ان الاساس في التقويم هو المبادرة العربية. فالتحقق من التطبيق لا يحتاج الى انتشار على الارض بمقدار ما يحتاج الى وقف شامل للقتل سوف يتأكد في حال حصوله بعودة التظاهرات الضخمة فالمقياس لمعرفة درجة تقيد النظام بالمبادرة العربية سيكون وقف اطلاق النار على الناس، وتاليا تنطلق التظاهرات الكبرى في شوارع مدن سوريا وقراها. ولعل تظاهرة الخالدية يوم الثلثاء اكبر دليل على ان نسمة "امان" عابرة اتى بها "المتفرجون العرب" الى بعض حمص المنكوبة انزلت عشرات الآلاف الى الشوارع بسلمية لافتة، متجاوزين وجعهم لكي يقدموا شهادتهم الى العالم والتاريخ. ان الجامعة العربية مدعوة الى تذكير بشار الاسد بعناصر المبادرة، واولها وقف القتل. وفي مطلق الاحوال، فإن التفكير في التدخل المباشر على الارض ينبغي ان يكون عنوان المرحلة المقبلة في سوريا. فالنظام الذي قام على القتل واستمر به، بالتأكيد لن يرحل سلميا.

=================

المخرج السوري.. والممثل العربي!!

يوسف الكويليت

الرياض

29-12-2011

  سيطول عرض الفيلم السوري، لأن المخرج قادر على التلاعب بالأدوار، وعكس المشاهد الظاهرة، إلى صور ضبابية، بحيث تختفي الحقيقة عن مشاهد وشاهد فريق الجامعة العربية، طالما يخضع لرقابة الدولة وتوجيهها ورغباتها..

فالأصل في الإجماع العربي حيال نزاع السلطة مع شعبها، مختلَف عليه داخل رواق الجامعة، فالعراق انتقل من العدو إلى الحليف، فهو يضرب عناصر بعثه، ويدعم بعث سورية الذي تعتمده دمشق وجهها في الهيمنة، وادعاء العلمانية ومعاداة إسرائيل والامبريالية الغربية إلى آخر مسلسل فكر الخمسينيات والستينيات، بينما الأردن يبرر موقفه أنه بدون العلاقة الاقتصادية مع سورية سينهار، ولبنان منقسم، أصلاً، بين حليف مع نظام دمشق، ومحايد ومعاد، وكالعادة فكلّ فريق يزايد على الآخر في لعبة السياسة، ومن بقي من دول الجامعة، هناك من يتبنى المخاوف التي طالما اتكأت عليها دمشق، بأن البديل عنها حربٌ أهلية يهيمن عليها متطرفون ينتمون للقاعدة، وآخرون يرون في زوال السلطة قطع حبل السرّة مع إيران، كمشروع قومي يلغي القوس الشيعي، ومخاطره ومطامعه.

فالقتل، مع وصول وفد المراقبة العربية وقبله، تضاعف عدده من الآحاد إلى العشرات فالمئات، وعملية أن يُرسَل خمسمائة، أو ألفين من المراقبين فإنهم لا يستطيعون ملاحقة انتشار الجيش والأمن اللذين يغلقان مناطق الإبادة للمواطنين، وحتى تحركاتهم ستكون بإذن من الحكومة، وفقاً لذريعة التعدي على السيادة، ثم إن أي عضو أو حتى رئيس الوفد لن يجرؤ على إطلاق أي تصريح، بنقل الحقيقة كما شاهدها، لأن الجميع سيخضعون للمراقبة حتى في آلات تصويرهم، إن وجدت، أو كتابة تقاريرهم إلاّ برضا حكومة دمشق، وإلاّ فإن النتيجة هي سحب هواتفهم الجوالة، وكل محتويات أوراقهم ثم طردهم، إذا لم يلتقوا مع هدف السلطة..

رائعٌ من الشعب البطل في كل أنحاء سورية، وفي حمص تحديداً، أن يخرج وسط الرصاص، أكثر من ثلاثين ألفاً في مظاهرة تستقبل وفد الجامعة، وهذا التميز للثورة السورية أنها خرجت من نطاق الخوف، إلى الإصرار على الحرية، ويدلل ذلك أنها انتهت من سيكيولوجية الرعب التي بناها النظام طيلة العقود التي حكم بها الأب ثم الابن وإلى ساعةٍ دقت فيها الثورة صوتها الذي غزا العالم بمشاهده ومظاهره..

النظام سيُخادع ويكذب، ثم يتهم من يعارضه، أو يبني على معلومة صحيحة، لكن آلات التصوير التي تنقل من ميادين المعارك، وبالصوت والصورة، خرقت حجب الحقيقة، وهذا ما حاولت أجهزة الإعلام هناك مخادعة الرأي العام، لكنها عجزت وبدلاً من الهجوم والتكذيب، صار أحد أهم مطالبها، وقف الحملات الإعلامية، ما يدلل أن هذا السلاح، صار خارقاً للدروع، ومتجاوزاً فكر السلطة الذي تقادم عليه الزمن..

وحتى لا نستبق الأحداث، نتمنى أن تنجح بعثة مراقبي الجامعة العربية، لكننا بالمقابل نعلن يأسنا لأن كل المعطيات لا تدعو للتفاؤل..

=================

سوريا تقتل أبناءها

د. محمد ناهض القويز

الرياض

29-12-2011

  أتذكر أنني في الابتدائي كنت أكره الشام لأنه كان عقبة كأداء أمام انتشار الإسلام. وقد تجلى ذلك في العدد الكبير من قتلى الصحابة في معركة مؤتة.

ثم أدركت أن الشام مهد الحضارات؛ الفينيقية والإغريقية والرومانية والعربية ثم الإسلامية. ثم أصبح الشام من الأماكن المقربة إلى قلبي لا يشاركه تلك المنزلة إلا قليل من الديار. ومع ذلك لم أزره لأسباب أظن أنها الآن أصبحت واضحة للجميع.

فما الذي يحدث للشام؟

في السابق كنت أتمنى لو عاد لواء اسكندرونة عربياً واليوم أحمد الله أن أهله بمنأى عن الجرائم التي يقترفها النظام السوري.

غضبنا لمجازر الفرنسيين في سوريا برغم أننا لم نعايشها. ولكن مايحدث اليوم في الشام على يد النظام هو أسوأ من كل المجازر التي مرّت على الشام بما في ذلك الحروب الصليبية.

الشعب الأعزل يقتل.

النظام لازال يلقي الدروس الممجوجة.

حتى ان حلفاء دمشق التاريخيين ضاقوا بجرائمها ذرعاً.

الدول الغربية استنكرت.

الدول الشرقية استنكرت.

الأمم المتحدة استنكرت.

منظمات حقوق الإنسان استنكرت.

كل ضمير حي استنكر.

الجامعة العربية تعطي المهلة تلو المهلة.

كنت أسمع تصاريح دولة الصمود والتصدي عندما تدك الطائرات الإسرائيلية مواقع داخل أراضيها تؤكد أنها ستختار الوقت والطريقة المناسبة للرد على العدو.

كنا نسمع عن سلام الشجعان.

فإذا الدبابات السورية والطائرات السورية التي جبنت عن الرد على الاعتداءات الإسرائيلية تدك المدن السورية.

أصبحت دولة القتل والتعدي بدلاً من الصمود والتصدي.

تقتل المدنيين العُزّل.

تقتل الأطفال السوريين.

المحرق طفلٌ عربي...أُسرٌ عربية.

والصامت أيضا عربي...دولٌ عربية.

=================

ما فائدة المراقبين إذن ؟!

بقلم/ طه خليفة

الراية

29-12-2011

النظام السوري يجيد لعبة استهلاك الوقت، والتفاوض العقيم لتمويت أي قضية، وإنهاك الطرف الآخر دون أن يقدم أي تنازل مفيد.

هذا ما يفعله مع الجامعة العربية منذ بدأت تتدخل لحل الأزمة. لكن الأزمة لم تحل، وسفك الدماء مستمر، والضحايا في تزايد، وحتى بعد توقيع النظام على بروتوكول المراقبين، وذهاب المراقبين إلى سوريا فإن عدد القتلى يتزايد، كأنه يقول للعرب: مبادرتكم، ومراقبوكم لن يغيروا من نهج العنف شيئاً حتى يخضع الشعب.

النظام وقع البروتوكول كمناورة جديدة لاستهلاك المزيد من الوقت، وإحباط تلويح الجامعة بنقل الملف إلى مجلس الأمن، وما أظن أن الجامعة كانت جادة في هذا التلويح، فهناك أطراف داخلها جاهزة لإفشال أي خطوة جادة لأنها متواطئة مع دمشق وتريد للربيع العربي أن ينكسر ولا يستكمل طريقه.

ماذا فعلت الجامعة للشعب السوري على الأرض من مبادرتها ومراقبيها وعقوباتها؟ .لا شيء، بل إن النظام يزداد شراسة في قمع شعبه، فهو يضاعف العقاب ليقول للشعب الثائر ضده: لا العرب، أو العجم قادرون على فعل أي شيء لك، ولا مناص من الرضوخ، والشعب ليس بوارد الرضوخ. وهذا هو المدهش في الثورة السورية التي تجاوزت عشرة أشهر الآن وما زالت مشتعلة حيث تواجه نظاماً أمنياً شرساً وتقدم يومياً أعظم التضحيات من الأرواح البريئة.

النظام لعب مع العرب لعبته التي يجيدها وهي الدخول في مفاوضات وتفاصيل جدلية مرهقة بشأن المبادرة والمراقبين، وقد استمر النقاش غير المفيد والأخذ والرد لأكثر من شهرين دون جدوى، ودون توقف آلة القتل الوحشية. وهذا البروتوكول لن يوقف نهر الدماء، فهو جزء من لعبة شراء، وهو يتأكد على الأرض اليوم.

هل العرب جادون في حماية الشعب السوري ؟. إذا كانوا كذلك فلينقلوا الملف إلى مجلس الأمن، وهم لديهم غطاء من "منظمة التعاون الإسلامي" التي أيدت الجهود والقرارات العربية، وهنا سيكون المجلس في موقف ضاغط عليه أمام أكثر من خمسين دولة عربية وإسلامية تطلب حماية شعب عربي ومسلم من الذبح اليومي على أيدي كتائب الأسد.

ندرك أن هناك عواصم عربية متواطئة مع النظام السوري وما زالت توفر الغطاء لمماطلاته، وتلتمس له الأعذار، وتعيق أي محاولات لخطوات جادة لإنقاذ المدنيين، مثل بغداد وبيروت، وهما ضمن المحور الإيراني السوري، وكذلك الجزائر التي قمع عسكرها الديمقراطية وتخشى من وصول الربيع العربي إليها، ونظامها لا يعمل على تلافي رياح التغيير بإطلاق مبادرة إصلاحية حقيقية على غرار ما فعله الجار المغربي الذي قدم لشعبه حزمة إصلاحات مهمة جنبته الثورة وتداعياتها، ومع هؤلاء عسكر السودان.

ومن المؤسف أن مواقف أمريكا وبلدان الاتحاد الأوروبي تبدو غير مفهومة، فالعقوبات ومهما كانت مشددة لن تسقط نظاماً محمياً ومدعوماً جيداً من حلفائه. الغرب تراه يوماً جاداً في الإقدام على خطوات لإضعاف ذلك النظام، وفي اليوم التالي تجده متراجعاً محبطاً، وتحزن لأنه غير قادر على إقناع روسيا والصين بعدم تكرار استخدام الفيتو بمجلس الأمن. أمريكا أوباما باتت ضعيفة وهي اعترفت على لسان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بأنها غير قادرة على التأثير على النظام السوري، كما أنها فشلت حتى اليوم في إقناع روسيا بالانضمام للجهد الدولي للضغط على دمشق لإيقاف آلة القتل.

هل فعلاً القوى العالمية الكبرى وعلى رأسها أمريكا عاجزة أمام ذلك النظام المتخلف وحلفائه من الطغاة ؟ أم أنها لا تريد إسقاطه إنما إضعافه لفرض شروطها عليه، أم إطالة أمد الأزمة لاستنزافه حتى يتهاوى ؟. الأمر محير، لكن ماذا عن شعب أعزل يواجه آلة عسكرية ضخمة توجه إليه كما حصل في ليبيا في لعبة الحسابات الدولية المعقدة الانتهازية؟.

نظام الأسد يدخل العرب في متاهات الخطة العربية والعقوبات غير الفاعلة، ولنتذكر أن العقوبات الدولية المشددة على نظام صدام لم تضعفه، إنما أضعفت الشعب العراقي، ولم يسقط النظام في النهاية إلا بالقوة العسكرية المباشرة، وما حصل في ليبيا أيضا منذ أشهر قليلة كان هو الحل الوحيد لإسقاط نظام يرتكب مجازر ضد شعبه. هذه الأنظمة الاستبدادية لا تزول بسهولة، ولا تتخلى عن الحكم احتراماً لإرادة شعوبها، فالشعوب لا قيمة لها عندها، والحرية تستحق الدماء التي تبذل فيها كما حصل في تونس ومصر وليبيا واليمن والآن في سوريا.

التوقيع على بروتوكول المراقبين مجرد عملية شكلية لا تعني أن النظام سينفذ بنود الخطة كاملة بسحب الجيش من المدن وإيقاف القتل وإطلاق المعتقلين والسماح بدخول الإعلام المستقل وإلى آخر البنود. واضح أن العرب والغرب لن يقدموا الكثير للشعب السوري الذي لم يعد أمامه إلا مواصلة ثورته بنفسه، ونجاحها في تحقيق هدفها الفترة المقبلة هو بتوحد المعارضة كلها في الداخل والخارج على هدف واحد، واتساع الثورة أفقياً ورأسياً في كل المدن السورية وعلى رأسها دمشق وحلب. لا يجب التعويل كثيراً على الخارج فالغرب يتحدث أكثر مما يفعل بينما يسقط الشهداء كل يوم برصاص كتائب الأسد وبالتعذيب في المعتقلات وبالتشريد والتجويع والتخويف والقمع الفاشي.

هذا النظام غير أمين على شعبه حيث يقتله بدل أن يحميه، وقضيته عادلة وهي الحرية والديمقراطية، وقد أصبحت العملية صراع إرادات بين هذا النظام ومعه حلفاؤه إيران والعراق وحزب الله وروسيا والصين، والطرف الآخر وهو الشعب ومن يتعاطف معه من العرب والأتراك والغرب لكنهم ليسوا بنفس قدرة الدعم والإسناد للسوريين بقدر ما يفعل حلفاء النظام له. الطغاة أكثر إخلاصاً لبعضهم بعضاً.

=================

وفد المتكبرين العرب في حمص

أمل عبد العزيز الهزاني

الشرق الاوسط

29-12-2011

زيارة وفد المراقبين العرب إلى سوريا مثل الصدقة التي يتبعها أذى، بل إنها أسوأ، لأن الأذى سبقها وتبعها.

مشهد سير المراقبين في حمص يعكس، والمفترض أن يعكس، موقف الجامعة العربية من نداءات الاستغاثة التي نسمعها كل يوم على الفضائيات: الكثير من اللامبالاة، والاستنكاف عن الإنصات لصيحات الاستغاثة وطلب المعونة.

ليس المهم ما قيل حول ماضي رئيس وفد المراقبين العرب، وأن لديه سجلا ضد حقوق الإنسان، ذلك لأنه لا يمثل نفسه في هذه الرحلة ذات الزخم الإعلامي، بل يقوم بمهمة كاميرا الرصد، يراقب ويسجل، ولكنه ظهر على شاشات التلفزة وكأنه مأمور سجن، وليس مراقبا لانتهاكات إنسانية مريعة لم يشهد العالم مثيلها منذ الحرب العالمية الثانية.

مر بمخيلتي وأنا أراقب المراقبين مشهد قديم للممثلة الأميركية أنجلينا جولي عندما زارت مخيمات للاجئين في دارفور. رغم الاختلاف في الظروف، فإن المقارنة تجلي البصر، وعسى أن تجلي البصيرة. جولي أبدت تعاطفا كبيرا مع حقائق مأساوية موجعة في أحوال أبرياء ذهبوا ضحية صراعات الساسة، حيث احتضنت ضحايا الحرب والجوع بكثير من التفاعل العاطفي، وحري بها أن تفعل، فما رأته يدمي القلب، هي لم تسجل موقفا رسميا يخص مضمون الصراع السياسي، كانت مهمتها محددة بإبراز مشكلة هؤلاء أمام الرأي العام العالمي. أنجلينا جولي لم ترتد شالا من الحرير البنفسجي وتضع أقراطا من اللؤلؤ أو الماس رغم أنها فاحشة الثراء، بل ذهبت برداء أسود، وبلا مساحيق، وأضفت نحافتها الشديدة بالصدفة مزيدا من المصداقية على المشهد، الأميركية تفهمت مآسي الناس وآلامهم وتجاوبت معها، فلم يشعروا بأنها غريبة جاءت من النصف الآخر من كوكب الأرض، لأنها تلقفتهم بكثير من الحس الإنساني واستمعت لهم بقلبها قبل أذنيها.

عمليا لا تختلف مهمتها عن مهمة المراقبين الذين توجهوا لحمص للوقوف على أثر الجرائم التي يعرفون ونعرف ويعرف العالم أنها تحصل كل ساعة من كل يوم منذ تسعة أشهر، وليتابعوا تطبيق النظام السوري للمبادرة العربية من حيث إطلاق المعتقلين ووقف العنف ومظاهر التسلح. المراقبون العرب استكبروا على الاستماع للمستهدفين من الزيارة، فظهروا كالإنسان الآلي بلا مشاعر وكأنما يسيرون بالريموت كنترول، حاول المستغيثون حملهم على الإصغاء ولكن بلا جدوى. المراقب يقف بسيجارته يمتنع عن تهدئة الناس الجياع الذين يفتقرون للطعام والماء والوقود والكهرباء.

ربما آثر الوفد عدم الإدلاء بأي تصريح حتى يقدموا تقريرهم الأخير للجامعة العربية، وهذا من حقهم، لكن من حق متظاهري الشارع أن يشعروا بقليل من التقدير والاحتواء والتفهم من وفد عربي منتظر منذ أكثر من شهر، من حقهم أن يشعروا أن 30 قتيلا يوميا منذ شهر خسروا حياتهم في انتظار أن يطل عليهم الوفد العربي لم تهدر دماؤهم هباء.

ماذا لو خرج وزير الخارجية السوري وليد المعلم غدا ليعلن في أحد مؤتمراته الصحافية أن إطلاق الرصاص الذي سمعه المراقبون أثناء جولتهم الخجولة هي تأكيد على وجود مسلحين يتربصون بالناس من سقوف الأبنية، وأن هذا بالضبط ما كان يردده النظام السوري طوال هذه الشهور الماضية، ولم يكن العرب يصدقون؟ كيف سيثبت المراقبون خلال دقائق من جولات متواضعة هوية مطلقي النيران؟ لو كان البروتوكول اشترط على الأقل دخول المراقبين مع وفود إعلامية لربما كان لهذه الجولة قيمة، لأن المراسل الصحافي سيكون أكثر شجاعة في الحصول على المعلومة من مراقب يمشي الخيلاء.

الأمين العام للجامعة العربية يعرف تماما أن من يستهدف المتظاهرين هي قوات النظام السوري، وكل من هم حول طاولة الجامعة العربية يعرفون ذلك، الحقيقة لا تحتاج بضعة أشخاص لإثباتها أو نفيها، وهذه الخطوة من الجامعة العربية التي أصرت عليها آملة وقف العنف وإطلاق المعتقلين هي باهظة الثمن حتى لو كانت تمهيدا لأن تنفض يدها من القضية السورية استعدادا لتدويل الملف.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ