ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 26/12/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

التآمر الشيطاني الحقيقي

بقلم/ طه خليفة

الراية

25-12-2011

بشار الجعفري مندوب النظام السوري بالأمم المتحدة وصف قرار الجمعية العامة الذي صدر الاثنين 19 ديسمبر2011 بإدانة القمع وانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا بأنه " مؤامرة شيطانية " ضد بلاده.

لو لم يقل الجعفري مثل هذا الكلام فإنه حتما سيعاقب في دمشق، قد يعزل من منصبه، أو يسجن، لأنه لم يدافع عن النظام العائلي الطائفي بأكثر العبارات بذاءة في قاموس الشبيحة، فهو وغيره مثل الشرع والمعلم وبثينة شعبان وعادل سفر والآخرين ليسوا أكثر من أدوات ترمى عندما تنتهي أدوارها. هم مثل عرائس الماريونيت.

قبل أسابيع كان هناك نموذج آخر على غرار الجعفري وهو يوسف أحمد مندوب الشبيحة لدى الجامعة العربية حيث أخرج من قاموس البذاءات أسوأ ما فيه وألقى به على العرب وجامعتهم بسبب قرار تعليق عضوية بلاده، لأنه لو لم يفعل ذلك فسوف يعاقب، فلا أحد في سوريا إلا ولابد أن يجيد الرقص على أنغام الولاء للعائلة المالكة.

كيف يكون قرار الجمعية العامة "مؤامرة شيطانية "، وقد وافقت عليه 133 دولة. الشيطان نفسه لو تجسد للبشر فإنه قد لا يستطيع إقناع كل هذا العدد من الدول لإدانة سوريا.

خمسة آلاف على الأقل سقطوا شهداء، عدد يفترض أن يستفز الحجر وليس البشر للإدانة بل والتدخل لإنقاذ الشعب الذي يحصده النظام الأسدي حصدا دون أن يمر يوم واحد دون شهداء، حكومات هذه الدول لديها ضمير وأخلاق وحس إنساني لذلك أدانت أبشع جريمة يشهدها العالم في 2011 بعد جريمة القذافي في ليبيا، وهذا أضعف الإيمان السياسي من المنظمة الدولية التي تعجز من خلال مجلس الأمن عن إدانة ذلك النظام المتخلف أو التدخل لحماية المدنيين.

إدانة ساحقة للنظام الوحشي، وتضييق طوق العزلة الدولية حوله، وانتصار للثورة وشهدائها وإخفاق للأنظمة الاستبدادية التي تساند زميلها في دمشق، فمن هو الذي يتآمر ويستطيع إقناع كل هذه الدول بمؤامرته؟.

المتآمر الحقيقي هو ذلك النظام بما يرتكبه ضد شعبه حيث يستقوي عليه بالسلاح الذي لم يوجهه لإسرائيل، كما يستقوي بالدعم العسكري والمادي الذي يأتيه من إيران وحزب الله، وبالدعم السياسي من روسيا والصين.

في اليوم نفسه الذي ينتصر العالم للدم السوري، يرضخ النظام العائلي الطائفي ويوقع على بروتوكول الجامعة العربية المتعلق بإرسال بعثة مراقبين إلى سوريا بعد مماطلة طويلة نجح خلالها في إدخال الجامعة بتفاصيل عقيمة لشراء مزيد من الوقت على أمل إنهاء الثورة وقمعها بكتائبه العسكرية.

المعلم وزير الخارجية قال إن بلاده وقعت البروتوكول تلبية لنصيحة روسيا، وتقديري أن التوقيع في هذا الوقت له هدف مزدوج:

الأول: تفويت فرصة نقل الملف السوري من الجامعة لمجلس الأمن ، فقد كان مقررا عقد اجتماع وزاري عربي الأربعاء 21 ديسمبر- تأجل بالطبع - لإحالة المبادرة العربية إلى مجلس الأمن ليقوم بتبنيها بعد أن منح العرب دمشق مهلا كثيرة كلها جاءت على حساب الشعب حيث القتل اليومي مستمر، النظام وليس الشعب هو من استفاد من المهل وكأنه لا شيء يتغير.

الثاني: أن روسيا قدمت مشروع قرار لمجلس الأمن لإدانة العنف في سوريا وهو مشروع غير متوازن حيث يساوي بين العنف الوحشي للنظام وما يفترضه المشروع من عنف للمعارضة، وهو تحرك روسي هدفه رفع العتب عنها لأن موقفها غاية في الحرج حيث تقف بمواجهة المجتمع الدولي ضد إدانة نظام بربري يرتكب فظاعات منذ عشرة أشهر ضد شعبه، بل هي صارت شريكة في تلك الفظاعات.

روسيا تريد أن يكون مشروعها بمجلس الأمن مدعوماً بورقة تجاوب سوريا مع الحل العربي لإحباط التحرك الأمريكي الأوروبي الضاغط لإدانة دمشق وفرض عقوبات أممية عليها، والادعاء أنها تساهم في حل الأزمة عبر الوسائل السلمية. هذا هو التآمر الشيطاني الحقيقي.

المشروع الروسي والتوقيع السوري حلقة جديدة في لعبة المراوغات واللف والدوران من نظام الشبيحة المدعوم من موسكو وبقية الحلفاء: الصين وإيران وحزب الله وحكومتي العراق ولبنان التابعتين لطهران لإطالة عمر النظام وإنقاذه من السقوط مهما يكن العدد الذي يسقط من السوريين، فالإنسان في سوريا لا قيمة له.

قرار الجمعية العامة إدانة معنوية يصعب تحويلها إلى إجراءات عقابية على الأرض، فمجلس الأمن وحده هو صاحب القرار في مثل هذه الحالات، والمجلس غير قادر على التوصل لقرار بسبب الفيتو الروسي الصيني وهما بلدان محكومان بنظامين على غرار النظام السوري، فالطغاة يدافعون عن بعضهم البعض في مجلس الامن، وفي خارجه. بالمناسبة يواجه بوتين وميدفيدف احتجاجات شعبية على تزوير نتائج الانتخابات البرلمانية الروسية، وأشد ما يخشاه النظام في روسيا هو وصول الربيع العربي إليه لذلك يتخذ مع الصين موقفا حادا من الثورات العربية لأن لدى النظامين ما يقلقان منه ، فكل أسباب اندلاع ثورة من أجل الحرية والديمقراطية متوفر.

البروتوكول الذي تم توقيعه لن يوقف آلة القتل اليومية لأن نظام الشبيحة ماهر في المراوغة واستهلاك الوقت وهو سيعرقل عمل المراقبين بكل ما يملك من ألاعيب، وسيختلق مشاكل كثيرة حتى يغرق الجامعة في حلها دون أن تتفرغ طواقمها لممارسة الرقابة، ولذلك قال برهان غليون رئيس المجلس الوطني السوري إن الجامعة منحت النظام فرصة أخرى لمواصلة القتل. منذ أن بدأت الجامعة مناقشة الشأن السوري سقط الألوف ما بين شهيد وجريح ومشرد ومفقود ومعتقل، نظام الشبيحة لا يعتد بالجامعة ولا بقراراتها ولا بعقوباتها، هو نظام لا تردعه إلا القوة .. والقوة وحدها.

=================

بعد المراقبين العرب... المرحلة الانتقالية في سورية

خيرالله خيرالله

الرأي العام

25-12-2011

شاء النظام السوري أم أبى، تشكّل موافقته على البروتوكول القاضي باستقبال مراقبين عرب في الأراضي السورية موافقة على المبادرة العربية. إنها خطوة في الاتجاه الصحيح شرط أن تكون هذه الخطوة مقدمة لمرحلة انتقالية تؤدي بطريقة أو باخرى إلى التخلص من النظام القائم. تغيير النظام هو الهدف الحقيقي للمبادرة العربية. فالعرب يعرفون جيدا أن النظام السوري لا يستطيع الإقدام على أيّ إصلاح من أي نوع كان، لا لشيء سوى لانّه غير قابل للاصلاح من جهة ولأنّ أي إصلاح يعني نهايته من جهة أخرى.

المهمّ توقف العنف ووضع حدّ للظلم الذي يتعرّض له المواطن السوري ولعملية استخدام سورية قاعدة للقضاء على ما بقي من كلّ ما هو عربي في المنطقة. والمقصود بكلمة عربي هنا، العروبة الحضارية المنفتحة على العالم والبعيدة كل البعد عن العنصرية وسياسة الابتزاز والغاء الآخر التي لم يعرف النظام السوري غيرها.

تحتاج سورية إلى مراقبين عرب يمكن ان يساهم وجودهم في حقن الدماء وتوقف عملية القمع المنظمة التي يواجه بها النظام شعبه. ولكن يفترض بالعرب منذ الآن التفكير في الخطوة المقبلة، اي في اخراج سورية من ازمتها التي هي ازمة نظام أولا معطوفة على الازمة التاريخية للكيان السوري. انهما ازمتان متلازمتان ادتا إلى جعل سورية في حال هرب مستمرّة إلى امام توجت بتحولّها تدريجا، منذ العام 2005 تحديدا، إلى بلد عربي تحت الوصاية الايرانية. عمليا، يلعب النظام السوري حاليا، بكل بساطة، دورا يقود إلى وضع العرب في اسر فكّي الكمّاشة الإيرانية- الإسرائيلية!

سيذهب المراقبون العرب إلى سورية. ماذا بعد ذلك؟ هل يتوقف القمع والقتل أم يلجأ النظام إلى مزيد من المراوغة وإلى تركيب افلام، من النوع الساقط طبعا، لتبرير نظريته القائلة أن هناك مسلّحين ينتمون إلى جماعات سنّية متطرفة يطلقون النار على قوى الامن ويعتدون على المنشآت الحكومية.

من يعرف ماذا يدور فعلا في سورية يدرك تماما ان ليس في استطاعة النظام تقديم ادلّة على وجود مسلحين سلفيين في مواجهة مع ادواته القمعية. لا وجود سوى لجنود منشقين يدافعون عن حياتهم وعن حياة المواطنين العاديين الذين انتفضوا في وجه الظلم والقهر وقرروا استعادة كرامتهم وحريتهم لا اكثر. لو لم يكن الأمر كذلك، لما كان وزير الخارجية السوري السيّد وليد المعلّم اضطر إلى عرض اشرطة عن اعمال عنف جرت في لبنان وليس في سورية. بعض هذا العنف في لبنان مصدره النظام السوري الذي لم يتوقف لحظة عن اثارة النعرات الطائفية والمذهبية في الوطن الصغير بغية تبرير دور الاطفائي الذي كان مدعوا إلى لعبه في لبنان في مراحل معيّنة. كان يفعل ذلك من أجل الظهور في مظهر من يحمي المسيحيين من المسلحين الفلسطينيين ومن المسلمين تارة وحماية المسلمين من المسلمين تارة اخرى. بكلام أوضح كان يسلّح المسيحيين، ثم يأتي بمن يعتدي عليهم كي يبرر الفائدة من وجوده في لبنان.

هذه مرحلة انقضت. هذه الاعيب عفى عليها الزمن. لم يعد النظام السوري قادرا على لعب دور الاطفائي في لبنان لتبرير وضع اليد عليه. كلّ ما يستطيع عمله الآن هو الاستنجاد بايران عن طريق الميليشيا المسلحة التي هي في امرتها من اجل استعادة بعض نفوذه وارهاب اهل السنّة في الوطن الصغير ومعهم معظم المسيحيين والدروز وقسم لا بأس به من أبناء الطائفة الشيعية الكريمة الذين يرفضون الاستقواء على الشريك في الوطن عن طريق السلاح المذهبي الايراني الذي يمر عبر سورية!

تمتّع النظام السوري بقبوله مجيء المراقبين العرب بروح رياضية عالية. مطلوب منه الآن التمسك بهذه الروح الرياضية وقبول المرحلة الانتقالية. لذلك يفترض في جامعة الدول العربية ألاّ تمرّ عليها حيلته الاخيرة. يفترض بها الانتقال إلى مرحلة اخرى تتجاوز المبادرة الاخيرة التي لن يتمكن النظام السوري من تطبيقها. لن يتمكن من ذلك لانّ المبادرة تستهدف وقف القمع والقتل في حين ان النظام السوري لا يتكلّم لغة اخرى.

كيف الانتقال إلى مرحلة اخرى؟ الجواب ان من الافضل لجامعة الدول العربية التفكير منذ الآن بالمرحلة الانتقالية في سورية. لا يمكن لسورية ان تبقى خنجرا في خاصرة الامن العربي. لا يمكن لسورية ان تكون مصدرا لاثارة القلاقل في البحرين وذلك نيابة عن النظام الايراني في معظم الاحيان. لا يختلف اثنان على ان هناك اصلاحات لا بدّ منها في البحرين. لكنّ ذلك لا يبرر في اي شكل اثارة النعرات المذهبية في منطقة حساسة تطمح ايران إلى وضع اليد عليها والتحكم بثرواتها على طريقة ما تقوم به حاليا في العراق...

تكمن مشكلة النظام السوري في انه في مواجهة مع شعبه أولا. هذا الشعب الأبيّ هو الذي اخذ المبادرة وقرر التخلص من النظام الذي لا يزال يراهن على عامل الوقت وعلى الدعم الايراني الآتي عبر العراق... أو لبنان. مثل هذا الرهان لا يمكن ان يؤدي سوى إلى مزيد من الدماء ومزيد من الاحتقان الطائفي والمذهبي. وحدها المرحلة الانتقالية الواضحة المعالم والمآل يمكن ان تؤدي إلى وضع حدّ للعنف الذي يمارس في حق الناس العاديين. وحدها المرحلة الانتقالية التي تعني الانتهاء من النظام الحالي يمكن ان توفّر للسوري العادي املا بمستقبل افضل يستعيد فيه بلده وحريته وكرامته.

من دون المرحلة الانتقالية التي يمكن ان تتضمن ضمانات لاهل النظام، متى صاروا خارج السلطة، سيأتي المراقبون العرب إلى سورية وسيغادرونها بصفة كونهم شهود زور على جولات جديدة من العنف والقتل لا طائل منها لا االيوم ولا غدا ولا بعد غد...

هل يتجرّأ على طرح المرحلة الانتقالية التي يمكن ان تعطي معنى لمبادرتهم الاخيرة، أم يوفّرون للنظام شهود زور ستقتصر مهمّتهم على تسجيل عدد الشهداء على يد آلة القتل التي يمتلكها والتي تشكّل رأسماله شبه الوحيد؟

خيرالله خيرالله

كاتب لبناني مقيم في لندن

=================

هل تُنقذ «القاعدة» الشعب السوري من بروتوكول الموت!

بينة الملحم

الرياض

25-12-2011

 ارتبطت الأنظمة القمعية بالأداء المسرحي حين تمارس أعمالها السياسية والأمنية؛ هذه هي حال النظام السوري الذي استغلّ توقيعه على البروتوكول لتنويع وتشتيت الرؤية العربية والدولية للوضع في سورية، فمنذ أن وقّع النظام على البروتوكول قُتل أكثر من مائتي سوري، بل إن توقيعه يدل على أن النيّة المبيتة لتمديد الوقت وكسب الفرص من أجل ضرب المتظاهرين وإفناء أكبر عددٍ منهم. أكثر من أربعين قتيلاً في يوم الخميس ويوم"جمعة البروتوكول" قبل أمس.

بدأت مسرحية الأداء السياسي والأمني مع إعلان النظام السوري تسلل عناصر من تنظيم القاعدة عبر لبنان بهدف تنفيذ أعمالٍ إرهابية، وأن التفجير الذي حدث في العاصمة السورية بموقعين أمنيين كان من تدبير تنظيم القاعدة، وبلغت المسرحية ذروتها حين قال النظام السوري إنّ "التحقيقات الأولية" تشير إلى توربط القاعدة، وكأنهم يعلمون شيئاً عن التحقيقات الأمنية أو العدالة الاجتماعية، لم يحققوا في مقتل "عماد مغنية" ولا في مقتل وزير الداخلية :"غازي كنعان" ولم يقبل النظام لجنة التحقيق في اغتيال رفيق الحريري، الآن فقط جاء "التحقيق".

العراقيون يعلمون جيداً دعم النظام السوري للقاعدة منذ 2001 حتى إن نائب وزير الخارجية الأميركي السابق قال سنة 2003: "إننا لم نحصل على الدعم الكامل من الحكومة السورية فيما يتعلق بمشكلة القاعدة. لقد سمحوا لأفراد القاعدة بالدخول والاستيطان فعلياً في سورية بعلمهم وتأييدهم"، وأذكّر بمقال كتبه الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى "مايثو ليفيت" الذي جاء فيه:" إنّ الرعاية السورية للإرهاب تشمل الدعم النشط لحزب الله، وتقديم ملاذ آمن للقاعدة" ويشير إلى قادة مهمين في تنظيم القاعدة يسكنون سورية بعلم النظام السوري مثل "الملا فؤاد". الغريب أن وجود تنظيم القاعدة في سورية لا يقتصر على الوجود الشكلي، بل على صفقة متبادلة بينهم وبين النظام السوري، فهو أَمّنَ لهم سبل التدريب وسَهّل لهم الوصول إلى العراق، وطوال تواجد التنظيم على أرض سورية لم تطلق القاعدة رصاصةً واحدة في وجه الأمن السوري، حتى إن الخلايا التي مرّت على سورية وقبض عليها سواء في إيطاليا أو غيرها تتحدث عن "وصول آمن للمال" وهذا يدل على أن القاعدة ليست على عداءٍ مع النظام السوري، بل في تقاربٍ ربما يكون نتيجة صفقة.

إدخال القاعدة في ملف الثورة السورية وبعد التوقيع على بروتوكول الجامعة العربية يدل على أن النظام يحاول ممارسة التشويش على الذين سيأتون لمشاهدة الوضع الجاري في سورية، بعد عشرة أشهر من بدء الثورة السورية تأتي المبادرة بكل جلبتها لتخلص إلى بروتوكول عادي، والوفد الذي سيزور سورية لن يرى إلا ما سيسمح له النظام برؤيته، ولا تَقلُّ المبادرة العراقية إخفاقاً عن المبادرة العربية والتي انتهت إلى بروتوكول يتيم، يسعى النظام العراقي بقيادة نوري المالكي إلى تنفيذ وصية إيرانية لغرض إنقاذ النظام السوري الذي تتساقط أطرافه يوماً بعد يوم، وإذا لم تفعل الجامعة العربية شيئاً ملموساً تجاه السوريين فإن الكارثة الإنسانية ستتضاعف، لن تكون للمبادرة العربية ولا العراقية فعالية من دون إجراءات ضد النظام السوري لكسر نرجسيته وإيقاف مجازره.

النظام السوري يعيش الآن قصة الصراع مع الانهيار، وهو من أجل البقاء لديه الاستعداد لتسليم قدراته الاقتصادية الحيوية للروس لحمايته من قرارات مجلس الأمن، وحتى يستمر في البقاء يخترع قصصاً عجيبة لا يصدقها العقل، حيث يُحمّل تنظيم القاعدة الذي كان هادئاً منذ عقدٍ كامل بتفجيرين بدمشق، وذلك وفق "تحقيقات أولية".

الوضع السوري حالياً كشف عن لعبة إيرانية قديمة كان النظام السوري شريكاً فيها، وكذلك نوري المالكي أيضاً، ويمكن وصف المشهد بالأسئلة التالية: العراق يعلم أن المقاتلين معظمهم يأتون من سورية، وإيران تعلم ذلك، لماذا إذاً يدافع نوري المالكي وأنصاره عن بقاء نظام الأسد الآن؟ هل أنّ قوة المالكي في العراق مرتبطة بالفوضى التي تأتي من مقاتلين يأتون من سورية، ومن مراكز تدريب في سورية؟! ربما حملت الأسئلة الماضية أجوبة دالّة.

استخدم النظام السوري القاعدة في السلم، وهو يستخدمها الآن في الحرب، يستخدمها إعلامياً، وإلّا يمكنه إن كانت القاعدة متورطة أن يقبض على القياديين من التنظيم بسورية والذين يعلم جيداً أماكن تواجدهم ومقار تدريبهم.

بعد كلّ هذه الفصول المسرحية التي يقدمها النظام السوري، ماذا ستفعل الجامعة، وهل سيكون البروتوكول فرصة لموت السوريين وحياة النظام؟! هل هو بروتوكول الحياة؟ أم بروتوكول الموت؟!

=================

من يحاكم من في سجل الجريمة العالمي؟!

يوسف الكويليت

الرياض

25-12-2011

 ليس دفاعاً عن تركيا حول ما قيل عن مجزرة الأرمن، والتي صارت شماعة ترفع لاستفزاز بلد عضو في حلف الأطلسي، لتأتي الاتهامات ممن يجتمع بهم اقتصادياً واستراتيجياً..

الاتهام الأخير جاء من حكومة ساركوزي الفرنسية، ولو كان الأمر يقتصر على حرية الدفاع عن موقف تاريخي فإن محاكمة فرنسا على جرائمها سيفتح أبواباً تضعها في موقع الدفاع، فأفريقيا شاهد إثبات على مذابح وإبادات جماعية ارتكبها الاستعمار الفرنسي الذي رفضت كل الحكومات الاعتراف بتلك الوقائع، ولم يكن المليون شهيد في الجزائر ثمناً سهلاً للاستقلال، ولا آلاف القتلى في فيتنام قبل الهزيمة المدوية بعد موقعة «بيان - بيان - فو» التي قادها «جياب» ، ولا الاعتداء على مصر في حرب السويس لمجرد أنها ساعدت الجزائر على نيل حريتها..

لو أن السجل الفرنسي كان نظيفاً، وأنها بلد محايد وقف من النزاعات الدولية بعيداً، لأعطيناها الحق في نقد وتقويم ما حدث في كل العالم من جرائم أياً كان نوعها، لكنها في عُرف التاريخ مدانة سلفاً بشواهد لا تستطيع إنكارها، والأمر لا يقتصر عليها وحدها، فألمانيا أشعلت حربين عالميتين، وبريطانيا قطعت أصابع الهنديات أثناء الاستعمار، وأسبانيا والبرتغال دمرتا شعوب وحضارات أمريكا الجنوبية وكذلك بقية دول أوروبا التي تنافست على استعمار العالم لتحريك آلتها الاقتصادية، ولا ننسى كيف أن بريطانيا التي فرضت الأفيون على الشعب الصيني سجلت في تاج مستعمراتها البقع السوداء في تاريخ الاستعمار، في مخالفةِ كل الأعراف البشرية..

لا أحد يدري لماذا تُستهدف دول قد تكون لها تجاوزات حقوقية مع شعوب أخرى، ولا تؤخذ جرائم إمبراطوريات وحكومات في كل القارات في تعديات وصلت إلى حدود لاإنسانية، ثم تأتي متسربلةً ثوب العفة والطهارة والنداء بالحقوق الإنسانية، وتحاكِم عليها بينما لا تعترف كيف تشرع الاحتلال والاعتداء، وإبادة الإنسان وتلويث بيئته، وتدّعي ما يناقض سلوكها في الماضي والحاضر، وإلى سنوات قريبة، ولا تزال تهدد من لا يسير في خطها المستقيم.

لا أحد يبرر المخالفات التشريعية والقانونية ضد الإنسان أياً كان مصدرها، لكن سجل العذاب بالسحل والقتل، وقطع الأطراف، وكل ما تسوغه السياسة، بات جزءاً من واقع خلفته ظروف تأسست أصلاً على استعباد الإنسان للإنسان، وقد اختفت حالة الرقيق، والاستعمار وما قيل بالحتمية البيولوجية، عن رقي شعوب على أخرى، وهي جزء من حملات عنصرية بدأت بتفوق الرجل الأبيض على كل الأجناس، ولم تنته مع الاحتكار والإملاءات السياسية والضغوط الاقتصادية كمبرر للقوة، إلى أن وصلنا للاستعمار الاقتصادي والقوة الناعمة ومصطلحات أخرى راجت لتكون جزءاً من امتدادٍ لحروب بلغات وأسلحة أخرى..

لنسأل.. هل اختفت العنصرية داخل القلاع الديمقراطية وهضم حقوق مواطنين من جنسيات أخرى وحتى في ملاعب كرة القدم تبرز هذه الظاهرة رغم وجود القوانين والتشريعات؟ وفي هذه الحال إذا كانت الإدانة والملاحقة يجب ان تصلا إلى تركيا فكل حيطان المنازل في الغرب من زجاج، وفتحُ سجل السوابق، إذا لم يُغلق فإن محاكم شعبية ستنشأ للمطالبة بحقوق مواطنيها من الأموات والأحياء ولن تسقط مع تقادم الزمن..

=================

الدين والسياسة في سورية المستقبل

د. وائل مرزا

الأحد 25/12/2011

المدينة

رغم كل ماقيل ويُقال، لن يكون ممكناً الهربُ من جدليّة الديني والسياسي في سورية الجديدة.

هذه حقيقةٌ بات الاعترافُ بها مطلوباً. بعيداً عن الشعارات والأوهام والأمنيات.. لأن الإصرار على إنكارها في الواقع السوري إنكارٌ لذلك الواقع ذاته. وإنكارُ الواقع لا يؤدي إلا إلى الفوضى. في حين أن التسليم بوجود تلك الحقيقة قد يؤدي إلى استيعابها والتعامل معها بشكلٍ يحقق مصالح سورية كشعبٍ وكوطن على غير صعيد.

قد يتساءل المرء: لماذا تفرضُ هذه الجدليةُ نفسَها على سورية وأهلها؟ هل صحيحٌ أن الأمر لايعدو أن يكون (لعنةً) أصابت ثقافةَ هذا البلد كما يرى البعض؟ أم أن دلالات الظاهرة أكبر من أن يتمّ اختزالها في ذلك التفسير الهروبي (الخفيف)؟

بكلماتٍ أخرى: هل يحاول التاريخ أن يقول شيئا للسوريين؟ هل تحاول الثورة السورية الراهنة أن توصل إليهم رسالة معينة؟

وباختصارٍ ووضوح: هل يمكن أن يكون في تلك الجدلية كمونٌ يجبر السوريين على مواجهة تحدي البحث عن (نموذج جديد)؟

ليست صناعة التاريخ ولا صناعة نماذج الحياة حكراً على أحد في هذه الدنيا. فلماذا نهرب من مواجهة ذلك السؤال؟

يفهم المرء تخوّف البعض من الروح (الرسالية) حين (تتلبّس) العقل العربي المعاصر في سورية وغيرها، لأن نتيجة ذلك التلبّس كانت مأساويةً في كثيرٍ من الأحيان. لكن مقاربة هذا الموضوع لايجب أن تكون بالضرورة (رساليةً) على الدوام. فكم من صفحاتٍ للتاريخ كتبها تراكمُ الجهد البشري عبر خطوات صغيرة في حسابات البشر، ولو لم تكن خلفها روحٌ رسالية بإيحاءاتها السلبية السائدة في ثقافتنا.

ففي غياب شروطٍ فكرية وثقافية موضوعية تساعد الروح الرسالية على صناعة التاريخ والحياة، صارت تلك الروح في الماضي نقمةً على أهلها حيناً، و نقمةً على العالم بأسره حيناً آخر.يستوي الأمر فيما يتعلق بالروح الرسالية القومية أو الإسلامية أو الحداثية.

فباسم الرسالة القومية، أنتج البعض التسلط السياسي، ومعه التخلف الاقتصادي والاجتماعي على كل صعيد.

وباسم الرسالة الإسلامية، أنتج البعض الآخر العزلة عن الآخر والتقوقع حول (الأنا)، والهروب من الدنيا في اتجاه (الآخرة)، والغربة عن الحاضر والمستقبل في اتجاه (الماضي).

وباسم رسالة الحداثة والعصرنة والتحضّر، أنتج البعض الثالث ضياع الهوية حيناً، وضياع البوصلة التنموية والثقافية حيناً آخر.

هذا ماتفعله الروح الرساليّة عندما تتملك العقل الذي لايعرف الحلول الوسط، ويعالج ردود الأفعال بردود الأفعال..

لكن هذا لايعني أن يصبح الخيار البديل متمثلا في (الاستقالة) الحضارية، والوقوع في فخّ التقليد للنماذج القائمة وكأنها مُطلقةٌ ونهائية. فتلك هي عقلية الثنائيات المتقابلة التي تحاصر واقع الناس وتخنقه، حين يقفزون على الدوام على أي خيارٍ (ثالث).

لامفرّ من الاعتراف علنياً، دون مداورةٍ أو تهرّب، بأن الإسلام سيكون بشكلٍ أوبآخر عنصراً رئيساً في رسم ملامح صورة سورية المستقبل.

فقد تمنى البعض في يومٍ من الأيام بأن يصبح الدين بشكلٍ عام والإسلام تحديداً شيئاً من الماضي. وساد لفترةٍ واقعٌ أوهمهم بإمكانية تحقيق ذلك الحلم. لكن الحياة البشرية أفرزت معطيات سرعان ما محت تلك الأوهام. حيث عاد الدين اليوم ليزاحم كل انتماء وكل فكرة، وليجد لنفسه تأثيراً في كل قضية.

لهذا، صار مطلوباً أن يتم البحث في جدلية الديني والسياسي في سورية المستقبل. ولن يكون هذا ممكناً إلا إذا استطاع الساسة والمثقفون السوريون، من مختلف المدارس الفكرية والأيديولوجية، تجاوز مواقفهم الصارمة المحدّدة المعروفة تجاه تلك الجدلية.

لقد أصبح إضفاءُ القداسة على أي ممارسات سياسية تُمارس باسم الإسلام مستحيلاً مادام الذين يمارسونها بشرا يُخطئون ويُصيبون. هذه حقيقةٌ لم يعد ممكناً رفضها. ومحاولة العمل بعكس مقتضياتها ستجرُّ الوبال على من يقوم بذلك ابتداءً، فضلاً عن التأثير السلبي لمثل هذه الممارسة على سورية الجديدة كوطنٍ وكدولة.

لكن من غير المقبول أيضاً النظر إلى كل ماهو (إسلامي)، خاصةً في فضاء السياسة،بمنطق (الرفض المبدئي) المبني على مزيج من الشعور بالفوقية الثقافية تجاهه من ناحية،ومنطق الخوف والحذر منه من ناحية ثانية. وأخطر مافي الأمر أن يحاول البعض القفز على دور الإسلام وإلغائه من خلال حلول سريعة وقصيرة النظر وقليلة الحسابات.

لا إمكانية للتعامل مع جدلية الديني والسياسي من مثل تلك المنطلقات بعد اليوم. والسؤال الأساسي المطروح: أي فهمٍ للإسلام هو الذي يصلح لسورية الجديدة؟

واضحٌ أننا بحاجة منذ الآن إلى الكثير من المرونة والموضوعية والتجرد والحوار.

ربما كانت هذه الشروط صعبة، ولكنها ليست مستحيلة.

نعرف صعوبة زحزحة جميع شرائح المثقفين السوريين، من مختلف الانتماءات، عن مواقعهم الفكرية لسببٍ أو لآخر.. لكن الأمر لايتطلب ذلك النوع من الإجماع. فالمسألة تتعلق بالنوع وليس بالكمّ. وهي أولاً وقبل كل شيء (موقفٌ) ثقافي سنترك للتاريخ الحكم عليه. يكفي أن توجد بعض الشرائح المستعدة لتحريك الراكد لكي ينطلق القطار. عندها، يصبح الآخرون أمام الخيار المعروف بين القفز إليه في آخر لحظة، أو الحياة بعد مغادرته في قاعات الانتظار.

=================

سياسات إيران: المالكي والأسد و"حزب الله"

د. رضوان السيد

تاريخ النشر: الأحد 25 ديسمبر 2011

الاتحاد

قال الأمير سعود الفيصل إنّ إيران أرسلت وزير مخابراتها إلى السعودية، إظهاراً لإرادة التهدئة والتفاوض. وقد يكون ما تقوله إيران صحيحاً لجهة النوايا، إنما لا تبدو آثاره حتى الآن في أعمال أتباع إيران وأنصارها في المنطقة العربية. فالرئيس الأسد الذي يتمتع بدعم إيران ورضا ولاية الفقيهين الأكبر والأصغر عنه، لا يزال يقتل عَلَناً المئات مهملاً نصائح الإيرانيين العلنية له بوقف العنف والاتجاه للإصلاح. وعندما قبل البروتوكول العربي أخيراً قيل علناً إنّ ذلك كان بضغطٍ من روسيا وليس من إيران. ويمضي هؤلاء موكّدين أنّ "البروتوكول" لن يطبّق، ليس بسبب شراسة النظام السوري وغرامه بقتل الناس فقط؛ ولكن أيضاً لأنّ الإيرانيين لا يقبلون حلاً يأتي من عند غيرهم ولو كان روسيا الحبيبة! وأمين عام "حزب الله" يقول ويكرّر إنه يسيطر بسلاحه على كلّ شيء، ومن لم تكفه التجربة الأولى، فليجرب مرةً أُخرى! والمالكي، رئيس الوزراء العراقي، ارتكب خطأً هو من الهول والغرابة، بحيث يفوق خطأَه- وهو من "حزب الدعوة" المتشدد- بدخوله إلى العراق هو والأكراد والهاشمي وأمثالهم على ظهر الدبابة الأميركية. فبمجرد خروج الأميركيين أقدم على هدْم التركيبة التي بنوها له مع الإيرانيون لتمكينه هو (وليس المجلس الأعلى أو علاّوي) من حكم العراق! والإيرانيون أنفسهم، قالوا عن المبادرة العربية حول سوريا إنها مضحكة، ثم قالوا عن بيان القمة الخليجية الذي يتهمهم بالاستمرار في التدخل في الشؤون الداخلية لدول المجلس إنه ظالمٌ وغير صحيح!

لقد اشتهر الإيرانيون -بخلاف الحكام العرب المُغادرين- بالتفرقة بين الدعاية الضخمة الموجَّهة للخصوم والأصدقاء، والسياسات الحقيقية التي يتبعونها تجاه الخصوم والأصدقاء أيضاً. ويذكر المراقبون نماذج على ذلك في قبول إيران للقرار 598 عام 1988 بشأن وقف النار بينها وبين العراق. فقد قال الخميني وقتها إنّ هذا القرار هو أَمَرُّ عليه من العلقم، لكنه قبلهُ ونفذه. وعندما هجم الأميركيون على المشرق الإسلامي عام 2001 كانت الدعاية الإيرانية ضدهم، ومن ضمنها التهديد بالحرب الماحقة، لكنهم في الواقع شاركوهم في أفغانستان وفي العراق، وتمددوا بمعرفتهم في عدة دولٍ ومجتمعاتٍ عربية وإسلامية. وعندما كان المسؤولون في الجمهورية الإسلامية يُسألون عن سرِّ هذا الانفصام بين الدعاية والعمل منذ عام 2001 وحتى عام 2009، كانوا يجيبون بما أجاب به الإمام الخميني السيد الخامنئي الذي كان رئيساً للجمهورية واختلف مع حكومة مير حسين موسوي باسم الدين، فقال له الخميني: "إنّ ما تقوم به الحكومة هو من مصلحة الدولة، وإذا تعارضت مصلحة الدولة مع مصلحة الدين؛ فإنّ مصلحة الدولة تتقدم، لأنّ الدين باقٍ بينما الدولة تتهدَّد إذا اختصمت مع الدين، وإذا تهددت الدولة كان ذلك وبالاً على الإسلام نفسِه، وعلى أيّ حال فإنّ الدين منتصرٌ في النهاية على يد إمام العصر والزمان، فلا تختلفْ مع الدولة"!

والذي لا شكَّ فيه أنّ هذه العقلية البراجماتية خالطها الكثير من سوء التقدير نتيجة الاصطفافات في السنوات الأخيرة، بحيث ما عاد يمكن للذين يحتكمون في فهم تصرفات مسؤولي الجمهورية الإسلامية إلى العقلانية الاجتهادية للملالي أن يعتمدوا عليها في توقُّع ما سيقوم به مسؤولو إيران أو لا يقومون. ويبدو ذلك فيما فعلوه في العراق ولبنان على وجه الخصوص. ففي العراق سيطر الإيرانيون على الحكومات المتعاقبة، وبخاصةٍ أيام الجعفري والمالكي. وإذا لم يكن ممكناً اعتبارهم مسوؤلين عن الفساد الفظيع، لأنّ العراقيين جميعاً لم يقصِّروا في سرقة أنفُسِهِمْ كأنما المال العامُّ غنيمةٌ بارزةٌ تؤخذ اليوم قبل الغد، فلا شكَّ أنهم يتحملون إلى جانب الأميركيين، قسطاً كبيراً من المسؤولية عن الفوضى وانعدام الأمن ونشوب النزاعات الطائفية. وفي حدود عام 2009 وعندما كان العراقيون يتفاوضون مع الأميركيين بشأن الانسحاب وتنظيمه، كان الموقف الإيراني شديد التناقُض بين يومٍ ويوم، بحيث تساءل كثيرون منا: ماذا يريد الإيرانيون من العراق، هل يريدونه أن يبقى ضعيفاً ومنقسماً، أم يريدونه خالصاً للفريق الشيعي الموالي لهم؟! وما اختلف سلوكهم بلبنان عنه بالعراق. فقد همَّ "حزب الله" باقتحام السراي الحكومي عام 2007 لإخراج السنيورة منه، ثم قيل إنّ خامنئي تدخَّل بطلبٍ من الملك عبد الله لمنْع ذلك خشية الفتنة الشيعية السنية التي كانت إيران غارقةً فيها بالعراق. بيد أنّ ما لم يحصل عام 2007 حصل في 7 مايو عام 2008 وعلى نحوٍ أفظع وأكثر هَولاً؛ إذ قام "حزب الله" باحتلال بيروت بالسلاح. وفي عام 2010 قام الحزب، يؤازره النظام السوري، بإسقاط حكومة سعد الحريري، وها هو يربض حتى اليوم على الدولة اللبنانية والنظام اللبناني بالعديد والسلاح.

وجاءت انتخابات رئاسة الجمهورية بإيران في صيف عام 2009، لتكشف أنّ الاختلال الحاصل والمتفاقم في العلاقة بين إيران والعرب، الشيعة والسنة (بسياساتٍ إيرانيةٍ واضحة)، لا يقتصر على السياسة الخارجية؛ بل إنّ الاختلال أصله داخلي. إذ ما كان النظام مضطراً لتزوير الانتخابات (كما فعل مبارك بمصر) من أجل تفويز نجاد. كما أنه ما كان مضطراً لتعذيب المعارضين لنجاد وقتْلهم لقيامهم ببعض التظاهُرات السلمية. ثم إنّ المحافظين من حول خامنئي ما كانوا مضطرين للانقسام إلى هذا الحدّ في عام 2011 بشأن نجاد من جهة، وسليماني من جهةٍ ثانية؛ بحيث وصل الصراع إلى حدود الاقتتال فيما بينهم، وليس بينهم وبين المعارضين الإصلاحيين!

لقد بدا الآن كأنما كانت خطةُ الإيرانيين منذ العام 2010 أن يرثوا الأميركيين في كلّ المنطقة التي تمددوا فيها بموافقتهم خلال السنوات العشر الماضية. وما ظهرت معارضةٌ من الأميركيين لذلك، بدليل أنهم عقدوا معهم صفةً لإعادة المالكي إلى رئاسة الحكومة العراقية بعد الانتخابات التي خسرها في مواجهة علاّوي. لكنّ الأميركيين كانوا قد نصبوا لهم كمائن وخوازيق في كلّ مكان، وتركوهم يقلّعون شوكهم بأظافرهم، كما يقال. إذ قبل خروج الأميركيين من العراق تغير الوضْع الاستراتيجي بالمنطقة، وهذه المرة ليس بمبادرةٍ من الأميركيين أو الإيرانيين أو الأتراك أو الإسرائيليين. وأنا أُعدّد هذه الأطراف لأنها كانت هي المتحركة والفاعلة بالمنطقة العربية خلال العقد المنقضي. تغيَّر الوضع الاستراتيجي بالمنطقة العربية نتيجة الثورات الشعبية العربية التي أزاحت أربعة رؤساء حتى الآن. كان الأميركيون يعتمدون على هؤلاء الرؤساء، وكانت إيران تعتمد على غياب الجمهور العربي وتتحدث وتفعل من خلال تنظيماتها باسمه. وكان الأميركيون والأوروبيون -رغم جَزَعهم- أذكياء، فبدلاً من إعانة الرؤساء المتداعين، أَقبلوا على تأييد ثورات الشعوب ودعْمها حيث أمكن ذلك. أمّا الإيرانيون فقد بشّروا في دعايتهم العرب بقيام جمهورياتٍ إسلاميةٍ مثل الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وبلغ من اقتناع الجنرال سليماني، المسؤول عن فيلق القدس وعن التنظيمات الإيرانية والموالية لإيران بالمنطقة، أن أَنذر خصومه بالداخل الإيراني، أنه إذا حصل له شيء، فإنّ المصريين هم من سينتقمون له، على أساس أنه هو الذي صنع الثورة المصرية! وكان ذلك كُلُّه أَوهاماً، لأنّ وسائل إعلام إيران والمالكي و"حزب الله" الآن تتحدث كلّها ضدَّ الثورات العربية باعتبارها مؤامرة أميركية وصهيونية على تيارات الأنظمة الممانعة والمقاوِمة، وبينها نظام الأسد ونظام المالكي و"حزب الله"!

على مشارف خروج الأميركيين من العراق، وحديثهم عن انسحاباتٍ أُخرى، أيقظ الإيرانيون من جديد جماعاتهم وتنظيماتهم بالعراق ولبنان والبحرين واليمن والكويت... بيد أنّ التأثير ما كان كما أرادوا. فحركات الإسلام السياسي السنية (بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي) تحولت مع الثورات العربية إلى عنصر فاعل وقوي في السلطات الجديدة، وما عادت محتاجةً للدعم الإيراني، ولا عاد الجمهور يقبل منها العمل عند إيران أو معها. والسوريون ثاروا على نظامهم ولايزالون، وقد تصاعد عداؤهم ل"حزب الله" والمالكي لإعلاناتهما المتكررة بشأن دعم الأسد. وهناك يقظةٌ سنيةٌ كبيرةٌ ما عادت تقبل التقسيم ولا الانقسام ولا السير وراء دعواتهما بحجة الممانعة والمقاومة. وسياسات الإيرانيين الماضية والحاضرة تهدِّد الجماعات الشيعية العربية بالانكشاف باعتبارها تقدم المصلحة الإيرانية على حساب مصالح بلدانها دولاً ووحداتٍ اجتماعية. وهكذا يلجأ "حزب الله" وبشار الأسد للدخول في أوهام "تحالفات الأقليات" رجاء تأجيل المدة، وتأخير الأَجَل. فهل تكون زيارة وزير الاستخبارات الإيراني للسعودية "بشيراً" بتغيير إيراني تجاه العرب وتجاه أهل السنة؟ قد يكون ذلك. بيد أنّ الظواهر على الأرض حتى الآن لا تدلُّ عليه: {والله غالبٌ على أمره، ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون}.

=================

النظام والمعارضة يقترحان روايتين متناقضتين .. تفجيرات دمشق... تساؤلات حول المُنفذ!

أليس فوردام - بيروت

ينشر بترتيب خاص مع خدمة

«واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»

تاريخ النشر: الأحد 25 ديسمبر 2011

الاتحاد

قضى العشرات من الأشخاص في دمشق أول من أمس (الجمعة) عندما استهدف تفجيران يبدو أنهما منسقان مقراً أمنيّاً تابعاً للمخابرات السورية، وهو تفجير غير مألوف في بلد يحكمه نظام شمولي يستند إلى آلة أمنية تحبس على الناس أنفاسهم وتقمع منذ شهور بوحشية انتفاضة شعبية في محاولة فاشلة، إلى حد الآن، لإخمادها، وقد أفادت وكالة "أسوشيتد بريس" أن أشلاء الجثث تناثرت في المكان الذي شهد الانفجار فيما انتشرت أجزاء من السيارات المتفحمة خارج مقر المخابرات العامة.

وفي غضون ذلك انهمك سكان عاديون في نقل الجثث إلى سيارات الإسعاف التي تنطلق بهم إلى المستشفيات القريبة. وفي حصيلة أخيرة لعدد الضحايا قال مسؤول عسكري لوكالة الأنباء الأميركية إن ما لا يقل عن 40 شخصاً سقطوا في الهجومين فيما وصل عدد الجرحى إلى أكثر من 100 شخص إصاباتهم تتراوح بين الخطيرة والخفيفة. وبعد وقوع الانفجارين مباشرة سارعت وكالة الأنباء السورية الرسمية إلى القول إن التحقيقات الأولية توحي بتورط تنظيم "القاعدة" في الهجمات، مؤكدة أن بصمات الإرهاب واضحة في التفجيرين.

ولكن في المقابل أثار قادة المعارضة السورية ومحللون أجانب العديد من علامات الاستفهام حول صحة الرواية الرسمية التي تشير إلى ضلوع إرهابيين متشددين من تنظيم "القاعدة" في تنفيذ التفجيرين، مجادلين بأن الهجمات الإرهابية نادرة الوقوع عادة في سوريا، ولم يسمع بها أحد من قبل، وبسبب السيطرة الحكومية الكاملة على وسائل الإعلام وعدم وجود مندوبي الإعلام الخارجي في سوريا فإنه يتعذر التحقق من الروايات المتضاربة التي يتقاذفها طرفا الصراع.

ويأتي الانفجاران الأخيران في منطقة كفرسوسة بالعاصمة السورية، دمشق، بعد تسعة أشهر من الاحتجاجات المناوئة للحكومة التي بدأت تتخذ في الفترة الأخيرة منحى عنيفاً في ظل انشقاق عدد متزايد من الجنود ممن ينضمون إلى "الجيش الوطني الحر"، وأيضاً لجوء عدد من الثوار إلى رفع السلاح في وجه رجال الأمن والجيش السوريين كرد على الإجراءات القمعية التي واجه بها النظام الحركة الاحتجاجية السلمية. كما تزامن التفجيران مع وصول بعثة الجامعة العربية الفنية إلى دمشق لبحث طرق تنفيذ البروتوكول العربي الذي ينص على إرسال مبعوثين إلى سوريا وانسحاب الجيش وقوات الأمن من المدن.

وبعد أسابيع من الشد والجذب وتحفظ الحكومة السورية على بنود بروتوكول الجامعة العربية وافقت في الأسبوع الماضي على التوقيع بعد تلويح أطراف داخل الجامعة العربية بإحالة الملف السوري إلى مجلس الأمن الدولي في حال تعذر التوصل إلى حل لإيقاف الحملة القمعية ووضع حد لإراقة الدماء، وتستند حكومة بشار الأسد في الدفاع عن نفسها على إلقاء مسؤولية ما يجري في البلاد من عنف على الجماعات الإرهابية والأجانب والعصابات التي تسعى على حد قول النظام إلى زعزعة الاستقرار وضرب سياسة المقاومة التي تتبناها البلاد. ولكن ذلك لم يمنعها من قبول بعثة الجامعة العربية والتوقيع على البروتوكول الذي يشكل حسب العديد من المحللين فرصة لإنقاذ النظام من خطر التدويل والعقوبات الأممية الأشد وطأة على الاقتصاد السوري.

وهكذا اصطحب مسؤولون في الحكومة السورية فريق الجامعة العربية الذي حل بدمشق لتفقد موقع التفجيرين في محاولة، على ما يبدو، لإثبات وجهة النظر الرسمية بأن العنف مرده الجماعات الإرهابية المتطرفة، وهو بالفعل ما حرص نائب وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، على تأكيده أمام الصحفيين بصحبة الوفد العربي قائلاً: "لقد قلنا منذ البداية إن ما يجري جزء لا يتجزأ من الإرهاب، إنهم يقتلون الجيش والمدنيين". بيد أن التصريحات الحكومية عن تورط الإرهاب و"القاعدة" في التفجيرين فشلت على ما يبدو في إقناع العديد من المراقبين والمتابعين للشأن السوري مثل مدير مركز "بروكينجز" بالدوحة، سلمان الشيخ، الذي قال إنه "متشكك" إزاء المزاعم التي تحمل مسؤولية التفجيرين ل"القاعدة"، أو إلقاء اللوم على جماعات معارضة باعتبارها المسؤولة عن الحادث.

واستطرد المحلل قائلاً: "لا تملك سوريا سجلاً معروفاً في التفجيرات الإرهابية التي تقوم بها القاعدة والتنظيمات التابعة لها، فالقوات الأمنية لم تفقد السيطرة إلى درجة أن يحدث تفجير بهذا الحجم في موقع أمني حساس وسط العاصمة دمشق". كما أن السرعة التي نقلت بها وسائل الإعلام السورية صور التفجيرين مع مشاهد تظهر سحب السيارتين المسؤولتين عن التفجير يثير هو أيضاً العديد من الأسئلة والشكوك.

أما داخل سوريا نفسها فقد سارع الناشطون السياسيون المعارضون للنظام إلى إبداء شكوكهم إزاء الرواية الرسمية، مشيرين إلى أن الهجوم قد يكون من تدبير النظام لتشويه صورة قوى المعارضة ونزع الصدقية عنها. وفي هذا الإطار قال "عمر الخاني" من الهيئة العامة للثورة السورية إن سكان كفر سوسة، حيث وقع التفجيران، لم يلاحظوا أي رد فعل من قبل عناصر المخابرات الذين كانوا بالقرب من الموقع عندما دوى الانفجار، بل ظلوا في مكانهم يحتسون الشاي وكأن شيئاً لم يقع! وأضاف "الخاني" أن القناصة والحرس الذين يعتلون أسطح البنايات المجاورة ويؤمّنون المنطقة لم يفعلوا شيئاً، وهو ما يثير الشكوك في نظره ويوجه أصابع الاتهام إلى النظام نفسه! ويؤكد الأمر أيضاً "محمد الدعاس"، الناشط السوري الذي ينحدر من نفس المنطقة التي وقع فيها الانفجار ويعيش حاليّاً خارج البلاد، حيث قال إنه في أيام الجمع تفرض الحكومة إجراءات أمنية مشددة على المناطق المهمة داخل العاصمة تحسباً لمظاهرات حاشدة تخرج من المساجد، ويضيف الناشط أنه لكي تصل سيارة ما إلى أحد المباني الأمنية عليها أن تجتاز على الأقل أربع نقاط تفتيش، ولا يُسمح بدخول السيارات التي لا تحمل أرقاماً حكومية.

وفي أيام الجمع أيضاً وهو اليوم الذي وقع فيه الانفجار يتمترس الجنود وقوات الأمن أمام المساجد لمنع تجمهر المتظاهرين بعد خروجهم، مشيراً إلى أن القليل فقط من رجال الأمن يبقون في مقراتهم بسبب الحاجة إليهم في الشارع. أما عن العدد الكبير من القتلى الذين سقطوا في التفجيرين داخل المبنى الأمني فيوضح الناشط أن الأمر قد يتعلق بالمعتقلين المدنيين الذين تبقيهم السلطات في أماكن سرية داخل مقرات المخابرات ولابد أنهم قضوا في التفجيرين في غياب تام للمسؤولين الأمنيين.

ولكن بصرف النظر عن منفذ العملية التي استهدفت مقر المخابرات العامة في دمشق يرى أيضاً سلمان الشيخ -من مركز "بروكينجز" في الدوحة- أن الانفجارين قد يُشيعان شعوراً بالخوف والقلق لدى السوريين بشأن مستقبل البلاد واحتمال انفلات الوضع الأمني إلى ما هو أسوأ، ولاسيما أن مشاهد الدمار والأشلاء في العراق ما زالت ماثلة أمام الأعين، وهو ما قد يقود إلى دعم فئات جديدة من السوريين للنظام القائم خوفاً من ارتماء البلاد في أجواء الفوضى والعنف، وبخاصة في المدن الكبرى مثل دمشق وحلب، حيث المصالح الاقتصادية والحياة المدينية.

ومن جهته أنحى العقيد مالك كردي، وهو قائد مجموعة من المنشقين ضمن "الجيش الوطني الحر"، باللائمة مباشرة على السلطات السورية، مشيراً إلى تصريحات سابقة لوزير الخارجية، وليد المعلم، قال فيها إن مبعوثي الجامعة العربية سيعثرون على دلائل تثبت تورط الجماعات الإرهابية فيما يجري من احتجاجات، متوقعاً أن تشهد الأيام القليلة المقبلة تزايداً في عمليات يقوم بها النظام كي تبدو وكأنها جزء من حملة إرهابية تتعرض لها سوريا.

وفيما يتعلق ببروتوكول الجامعة العربية الذي وقعت عليه دمشق قال "كردي" إنه لا أمل في قدرة الجامعة العربية على دفع النظام السوري إلى احترام التزاماته المتمثلة في سحب قوات الجيش من المدن والإفراج عن المعتقلين والكف عن القتل والسماح لوسائل الإعلام الأجنبية بدخول البلاد بحرية لرؤية ما يجري ونقله إلى العالم.

=================

بحر الدماء في سوريا

الأحد، 25 كانون الأول 2011 00:51

فهمي هويدي

السبيل

كل نشرات أخبار العرب صارت مجللة بالدم السوري. ما عدنا نرى في سوريا غير مدرعات تتحرك وشبيحة يقتلون وتوابيت محمولة على الأعناق، وجنازات تسير في الشوارع تجأر مستغيثة بالله وبضمائر العرب وأحرار العالم.

خلال الأسابيع الأخيرة أصبح معدل القتلى اليومي يتراوح بين 20 و40 سوريا.

في آخر الأسبوع الماضي وبعد التوقيع على بروتوكول الجامعة العربية تضاعف عدد القتلى، حتى وصل إلى مئة في اليوم الواحد. وبذلك وصل عدد الذين قتلهم النظام السوري خلال الأشهر العشرة الماضية إلى أكثر من خمسة آلاف شخص، حسب مصادر الأمم المتحدة. بمعدل خمسمائة مواطن كل شهر، الأمر الذي يستدعي إلى أذهاننا صور الإبادات الجماعية في صربيا ورواندا.

قبل يومين هاجم الجيش أهالي قرية كفر عويد المحاصرة منذ أسبوع، الذين لجأوا إلى الاحتماء بأحد الوديان، انقض عليهم بقذائف المدفعية والدبابات والقنابل والرشاشات، حتى أوقع مذبحة راح ضحيتها أكثر من مئة شخص، حسب تقدير المرصد السوري لحقوق الإنسان. حدث ذلك وحبر التوقيع على بروتوكول الجامعة العربية لم يجف.

الخلاصة أن النظام السوري مصرٌ على قتل معارضيه والقضاء عليهم، رغم تعاطيه مع أغلب الجهود التي تحاول البحث عن حلول سلمية للمشكلة. وهو في ذلك لا يمانع في المناورة وكسب الوقت أملا في أن تكلل بالنجاح محاولات سحق المعارضين والقضاء عليهم. وعلى الأرض أثبت أنه ليس على استعداد لأن يتراجع خطوة واحدة إلى الوراء.

على صعيد آخر، فالواضح أن النظام السوري عاجز عن تحقيق ذلك الهدف. ومن الواضح أيضا أن الجماهير الثائرة مصرة على موقفها ورافضة للتراجع. خصوصا بعدما انتشرت شرارة الثورة إلى مختلف المحافظات السورية، ولاحت بعض بوادرها في دمشق وحلب. كما ظهرت بوادر الانشقاق داخل صفوف الجيش، وتزايدت أعداد المنضمين منه إلى الثوار، كما تزايدت أعداد الهاربين من الخدمة العسكرية.

معطيات المشهد تدل على أن الثورة ما زالت عاجزة عن إسقاط النظام، كما أن النظام غير قادر على إنهاء الثورة. ومع تزايد أعداد القتلى والمعتقلين والمختفين، فإن فرصة التوصل إلى حل سلمى بين الطرفين صارت شبه منعدمة. حيث بات بفصل بين الجانبين بحر من الدماء يتسع حينا بعد حين، بما يستحيل معه إقامة أي جسر من التواصل فوقه.

في حدود المعلومات المتاحة، فإن موقف النظام السوري لا يزال قويا بصورة نسبية على الأرض، فالنخبة القابضة على السلطة لا تزال متماسكة، والأجهزة الأمنية سيطرتها قوية على دمشق وحلب. والدعم الإيراني الكبير يساعد النظام على الثبات في الداخل ويوفر له القسط الأكبر من متطلبات الصمود والاستمرار، كما أن التأييد الروسي يقدم للنظام غطاء في الخارج يطمئن إليه. ويحول دون المضي قدما في تدويل الأزمة.

ولا غرابة في ذلك، إذ فضلا عن التحالف الاستراتيجي بين طهران ودمشق، الذين يوفر للطرفين وضعا أفضل أمام التهديد الإسرائيلي، فإن إيران التي ملأت الفراغ في العراق بعد انسحاب الأمريكيين منه، تخشى إذ ما سقط النظام السوري أن يهدد ذلك مكتسباتها في العراق. وكما أن روسيا لن يكون لها موطئ قدم في الشرق الأوسط إذا سقط النظام السوري الذي يوفر لها قاعدة بحرية في ميناء طرطوس.

الخلاصة أن الصراع في سوريا مرشح لأن يطول أجله، خصوصا في ظل ضعف المبادرات والضغوط العربية، واستبعاد احتمال التدخلات الدولية في الوقت الحاضر على الأقل، الأمر الذي يعنى أن شلال الدم سوف يستمر، وأن تحدي النظام غير قابل للتراجع، خصوصا أنه نجح في إذكاء الحس الطائفي، واستنفر العلويين ضد «خطر» أهل السنة، وتبادل الطرفان الخطف والقتل. وبدا أن العلويين أصبحوا مقتنعين بأن سقوط النظام يعني نهاية نفوذهم وربما وجودهم، ولذلك فإنهم أو أغلبيتهم أصبحوا يخوضون معركة حياة أو موت، بل إنهم شكلوا ميليشيات مسلحة باتت تجوب الشوارع في بعض القرى.

ورغم أن أفق الحل يبدو مسدودا في الأجل المنظور، فليس مستبعدا أن يحدث انشقاق مفاجئ في النظام خصوصا إذا تم إنهاك الجيش والشبيحة، وانتهزت عناصر «الجيش الحر» هذه اللحظة لتكثيف الضغط عليه. وهناك همس مكتوم يتحدث عن حل للأزمة شبيه بما حدث للرئيس علي عبدالله صالح في اليمن، يسمح بنقل السلطة إلى طرف مقبول، ويمكن الرئيس بشار الأسد وجماعته من مغادرة البلاد في «خروج آمن» يجنب البلاد إراقة مزيد من الدماء. وقد يكون هناك مخرج آخر لا نراه، لأنهم إذا كانوا يمكرون فإن الله خير الماكرين.

=================

تحية «انتحارية» للمراقبين العرب!!

ياسر الزعاترة

الدستور

25-12-2011

تحدثنا غير مرة عن الاختراقات التي أحدثتها المخابرات السورية في جسم تنظيم القاعدة وخطوط الإمداد التي رتبها منذ احتلال العراق (سلمت للأمريكان عددا كبيرا من عناصرها في سياق إثبات حسن النية!!)، بل إن قدرا من التنسيق لم يكن بعيدا بين عدد من السلفيين الجهاديين السوريين وبين المخابرات من أجل نقل السيارات المفخخة والانتحاريين، بخاصة من الشبان القادمين من الخليج وشمال إفريقيا.

نتذكر في هذا السياق أبو القعقاع (محمود قولا غاصي) الذي كان خطيب الجهاد المفوه في مدينة حلب، والذي اغتالته المخابرات السورية لاحقا بعد أن استنفذ أغراضه إثر قرار النظام بإنهاء خطوط إمداد القاعدة في العراق بعد سيطرة حلفاء إيران عليه.

نشير إلى ذلك كله من أجل التذكير بأن لجهاز المخابرات السورية قدرات كبيرة على إحداث الاختراقات الأمنية في جسم التنظيمات، ونتذكر في هذا السياق أيضا تلك الاختراقات التي أحدثوها في جسم الجناح العسكري لجماعة الإخوان المسلمين أيام الصدام المسلح معها مطلع الثمانينات.

نشير إليه أيضا في معرض الحديث عن التفجير الانتحاري المزدوج الذي ضرب قلب دمشق في منطقة أمنية بالغة الحساسية، والذي جاء عشية قدوم المراقبين العرب إلى سوريا، وبالطبع من أجل القول إن ما يجري لا يعدو أن يكون حربا بين عصابات إرهابية وبين الجيش والنظام السوري، فضلا عن استعداء العالم على الثورة السورية بنسبتها إلى القاعدة (حزب الله اتهم أمريكا بالوقوف وراء التفجير، كيف؟ لا ندري!!).

لو جاء التفجيران قبل أسابيع على سبيل المثال لما ترددنا في نسبتهما تخطيطا وتنفيذا لتنظيم القاعدة في العراق (أو جماعات جهادية لبنانية)، لاسيما أن التنظيم لم يخف نيته دعم “المجاهدين السوريين”، كما أن الاختراقات التي أحدثتها المخابرات السورية في التنظيم لن تكون حائلا دون نجاح أية عملية له داخل سوريا. وإذا كانت للمخابرات السورية قدراتها، فللتنظيم قدراته ومغامراته أيضا، بدليل أن الهجمة الرهيبة عليه داخل العراق وضرب خطوط إمداده لم تؤد إلى إنهاء عملياته بشكل كامل، ولولا غياب الحاضنة الشعبية أو تراجعها خلال السنوات الأخيرة لما تراجعت قوته إلى هذا الحد، مع أن تلك الحاضنة يمكن أن تنتعش من جديد إذا أصرَّ نوري المالكي على الاستخفاف بالعرب السنة والإمعان فيهم إقصاءً وتهميشا.

ما نرجحه فيما خصَّ العملية المزدوجة هو أنها نتاج اختراق سهَّل تنفيذها، حتى لو كانت من تنفيذ تنظيم القاعدة في العراق أو مجموعات سلفية جهادية لبنانية. مع عدم استبعاد الاحتمال الآخر رغم محدوديته في ظل حساسية الهدف والاستنفار الأمني الرهيب داخل دمشق وحلب على وجه التحديد.

أيا يكن الأمر، فإن ما ينبغي التأكيد عليه هو أن شروع بعض التنظيمات الخارجية (لبنانية أو عراقية)، أو حتى مجموعات سورية حديثة النشأة في تنفيذ عمليات مسلحة ضد أهداف أمنية سورية لا يغير في حقيقة أن ما يجري في سوريا حتى الآن هو ثورة سلمية يراها الناس أمام أعينهم، وأن معظم الضحايا في سوريا هم أبرياء عزل يتساقطون برصاص الجيش السوري وقواه الأمنية وشبيحته.

نتمنى ألا يتورط أحد في هذا المسار، لاسيما أن السوريين وممثليهم في الداخل والخارج لا يزالون مصرين على الثورة السلمية، ويشعرون أن بوسعها إسقاط النظام، وإن خلال فترة أطول. أما الجيش السوري الحر، فإن مهمته هي حماية المتظاهرين وليس تنفيذ عمليات مسلحة ضد أهداف عسكرية وأمنية.

لكن إصرار تلك المجموعات على تنفيذ هكذا عمليات و”نجاح” بعضها لن يغير في حقيقة المشهد الذي يتمثل في أن الثورة السورية هي ثورة سلمية واجهها النظام بالرصاص، الأمر الذي لا يمكن لأحد السيطرة على تداعياته، بما في ذلك ممثلو تلك الثورة ورموزها. بل إن الحرب الأهلية ذاتها لا تبدو مستبعدة في ظل استمرار عمليات القتل.

نتمنى بالطبع أن لا تؤدي الألعاب التي يمارسها النظام إلى تضليل المراقبين العرب الذين ينبغي عليهم الذهاب إلى حيث القتل اليومي وسقوط الضحايا الذين كان من بينهم مئات الأطفال الذين لا يصدق عاقل أنهم كانوا إرهابيين مندسين، وأن يتابعوا قضايا عشرات الآلاف من المعتقلين والمعذبين.

يبقى القول إن بوسع النظام تضليل العالم كله، لكنه سيظل عاجزا عن تضليل شعب سوريا الذي أعلن بالفم الملآن أنه لن يتوقف عن ثورته قبل تحقيق الانتصار الكامل، كما لن يضلل جماهير الأمة التي تدرك الحقيقة بحسها الفطري الذي يصدق شعب سوريا أكثر مليون مرة من

النظام وشبيحته الذين يمارس بعضهم القتل والتنكيل في الداخل، بينما يواصل زملاء لهم التضليل في الخارج أيضا.

=================

من المسؤول عن جمعة دمشق الدموية؟

الأحد, 25 ديسيمبر 2011

خالد الدخيل *

الحياة

كان يوم الجمعة الماضي يوماً دموياً في دمشق جراء التفجيرين اللذين استهدف أحدهما مبنى فرع أمن المنطقة، واستهدف الثاني مبنى إدارة المخابرات العامة، وكلاهما في حي كفر سوسة في العاصمة السورية. الحادث عمل إجرامي بامتياز مهما كانت الجهة التي تقف وراءه. لكن لمثل هذا الحدث، بطبيعته الإرهابية، هدف سياسي لمن خطط له ونفذه. فمن يقف وراءه؟ هنا تبدأ حكاية المسؤولية التي قد تطول كثيراً قبل أن نعرف الحقيقة. وجه الإشكال في حكاية المسؤولية لا يقتصر فقط على الطبيعة السرية المحيطة بمثل هذا العمل. هناك وجه آخر، وهو طبيعة النظام السوري التي تسمح بتداخل إمكانية استهدافه بمثل هذا العمل، مع إمكانية أنه المسؤول عنه قبل غيره وهو يواجه ثورة شعبية تصر على إسقاطه.

يشتهر النظام السوري بأنه يستخدم العنف، بما فيه التفجيرات والاغتيالات كأحد الأدوات التي يستخدمها في سياساته المحلية والإقليمية. وهو يستخدم ذلك إما لتصفية خصومه، أو من يعتقد أنهم خصومه لإزاحتهم عن المشهد، أو لممارسة ضغوط أمنية على هذه الدولة أو تلك، أو هذا الفصيل السياسي أو ذاك، خاصة في لبنان، وذلك بغية الحصول على تنازل معين، أو موقف سياسي لم يتمكن من الحصول عليه بالآليات السياسية العادية. يتهم اللبنانيون، مثلاً، النظام السوري بأنه مسؤول عن الكثير من الاغتيالات التي حصلت في لبنان ما بين 1976 و 2008. وربما أن من أشهر الاتهامات الشائعة (غير القضائية) عن النظام السوري هي تلك المتعلقة بتورطه في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق، رفيق الحريري ورفاقه عام 2005، وقبل ذلك، هناك ما يشبه اليقين بين اللبنانيين، والكثير من المراقبين عرباً وغير عرب، بأن النظام السوري كان وراء اغتيال الزعيم اللبناني كمال جنبلاط، والرئيس رينيه معوض، وغيرهما من سياسيين وكتاب وصحافيين. من جانبه، كان رئيس الوزراء العراقي الحالي، نوري المالكي، قد اتهم قبل سنتين حكومة بشار الأسد بأنها ضالعة في أعمال التفجيرات الإرهابية في العراق. وقد طالب المالكي حينها الأمم المتحدة بتشكيل محكمة جنائية لتحديد مسؤولية النظام السوري في هذه الأعمال الإرهابية. تغير موقف المالكي الآن مع وصول موجة الثورة إلى سورية، وما تحمله معها من تداعيات، وخاصة على إيران، الحليف الراعي للمالكي وحكومته.

في السياق نفسه يتحدث السوريون، خاصة خارج سورية بدواعي الخوف، عن الطبيعة الأمنية القاسية للنظام مع الشعب، وكيف أنه يستخدم الاعتقال، والتعذيب، وأحياناً التصفية الجسدية، مع كل من يشتبه أنه يأخذ موقفاً معارضاً من النظام وشرعيته. هناك حالات مفقودين سوريين ولبنانيين لا أحد يعرف شيئاً عن مصيرهم، وحالات سجناء سياسيين بقوا في السجن إلى أن أدركتهم الشيخوخة والمرض. ومن أشهر هؤلاء صلاح جديد، الذي أزاحه حافظ الأسد بانقلاب عام 1970. ومن هؤلاء أيضاً المسرحي السوري سعد الله ونوس، وأستاذ الاقتصاد عارف دليلة. هناك أيضاً حالات انتحار لمسؤولين كبار تثير أسئلة وشبهات أقرب إلى الألغاز، من مثل انتحار رئيس الوزراء السابق محمود الزعبي بسبب ما قيل عن اتهامه بالفساد، وانتحار وزير الداخلية الأسبق، غازي كنعان في مكتبه برصاصتين، على خلفية علاقته برفيق الحريري، وموقفه من عملية توريث الحكم من الأسد الأب إلى الأسد الابن.

الشاهد في كل ذلك، أن النظام السوري يستخدم الورقة الأمنية بمعناها الواسع لأغراض سياسية في الداخل والخارج. فإذا كان هدف النظام من استخدام هذه الورقة في الخارج الحصول على مواقف سياسية من الأصدقاء والخصوم معاً، فإن هدفه من ذلك في الداخل هو تصليب جدار الخوف والرعب بين المواطنين، واستخدامه كحاجز ردع أمام الشعب حتى لا يقترب قيد أنملة من محرمات النظام السياسية، وخاصة وضع سياسات النظام موضع تساؤل أو تشكيك في صوابيتها، أو مردودها على البلد. فإذا وصف النظام نفسه بأنه «نظام مقاومة وممانعة» في وجه المخططات الإسرائيلية والأميركية، فإنه يجب أن يأخذ المواطن هذا التوصيف كما هو بحرفيته، وألا يزيد عليه إلا بما يعزز من تأكيده، ومن صوابيته، بغض النظر عن إن كان التوصيف حقيقياً أو غير ذلك. المحرم هنا هو محاولة التشكيك في حقيقة التوصيف، أو محاولة التأكد من تطابقه مع الواقع.

عندما يذهب الزائر إلى سورية يلحظ مظاهر هذه العلاقة بين المواطن والنظام. ومن أبرز هذه المظاهر ما يتسم به سلوك المواطن السوري من حيطة وحساسية مفرطتين في تناول موضوع النظام وسياساته المحلية أو الإقليمية. ربما قيل أن هذه الحيطة وذلك الحذر هو سمة بارزة في السلوك السياسي لأي مواطن عربي. وهذا غير صحيح على إطلاقه، خاصة في العقدين الأخيرين. أن الأنظمة السياسية العربية تتسم جميعها بالاستبداد، صحيح. لكن أن تستنتج من ذلك أن السلوك السياسي للنظام وللمواطن في كل بلد عربي لا يختلف عن السلوك نفسه في سورية، فهو استنتاج ساذج، ولا ينطبق على الواقع. لا يشبه النظام السوري في هذه الحالة إلا نظام صدام حسين السابق، ونظام العقيد السابق في ليبيا، وربما نظام زين العابدين بن علي، السابق أيضاً في تونس. ما عدا ذلك فإن هامش الحرية في بقية البلدان العربية أوسع من ذلك بكثير. وفي كل الأحوال، لا يخشى المواطن على حياته ورزقه في الدول العربية مثلما يخشى عليها في المثلث «الذهبي» لسورية الأسد، وقبل ذلك في عراق صدام، وجماهيرية العقيد.

بهذا المعنى، يمكن أن يلاحظ المراقب الخارجي، مظاهر أخرى لحالة الخوف الجماعية. من ذلك مثلاً أن الناس في كل أنحاء سورية، السياسي، وأستاذ الجامعة، ورب وربة العائلة، والتاجر في متجره، والمهني، وغيرهم، كل هؤلاء يعبرون عندما يتحدثون لوسائل الإعلام المحلية دائماً عن رأي واحد، وموقف واحد هو رأي النظام وموقفه. لا يمكن أن يعبر هذا التطابق مع الموقف الرسمي في كل مناسبة، وفي كل زمان ومكان من سورية، ومن كل الناس دون استثناء، عن موقف حقيقي اختياري لكل السوريين، على الأقل ليس لغالبيتهم. كيف يمكن التأكد من حقيقة الاتفاق أو الاختلاف مع النظام، كخيار سياسي حر؟ حتى أولئك الذين ترتبط مصالحهم مع النظام لا يمكن التأكد من مواقفهم أبعد من أنها تعبير عن هذه المصالح، مهما كانت هذه المصالح دائمة أو مؤقتة. وصفة الديمومة أو التوقيت هذه تعتمد على طبيعة صلة صاحب المصلحة مع العصبة العائلية التي تمسك بزمام الحكم في النظام. هناك صورة أخرى، وربما أكثر تعبيراً عن حالة الخوف التي تحكم سلوك السوريين من نظامهم. وهي صورة أعضاء مجلس الشعب وهم يصفقون ويهتفون بشكل جماعي يقترب من الهستيريا بحياة الرئيس، وبعبقريته وحنكته السياسيتين، وذلك في كل مرة يذهب فيها إلى المجلس لإلقاء خطاب. والغريب أن الرئيس لا يمانع، ولا يتحسس من استقباله بهذه الصورة التي تتناقض تماماً، وعلى الهواء مباشرة مع ما يفترض لمجلس الشعب كممثل للسلطة التشريعية من استقلال عن السلطة التنفيذية التي يمثلها الرئيس.

من الممكن الاستنتاج من كل ذلك أن النظام هو من نفذ التفجيرين، ليس فقط لإرباك وفد الجامعة العربية من المراقبين في يومه الأول، وإنما لبث الرعب بين المواطنين، وتخويفهم من عدم الاندفاع مع رغبة التظاهر التي قد يذكيها قدوم الدفعة الأولى من مراقبي الجامعة. ومما يعزز هذا الاستنتاج استعجال النظام بتوجيه الاتهام لتنظيم «القاعدة». وهو حسب علمي أول اتهام يوجهه النظام لهذا التنظيم. لم تنفذ «القاعدة» أية عملية إرهابية داخل سورية من قبل، خاصة عندما كانت في ذروة نشاطها. لماذا تنفذ هذه العملية، في هذا التوقيت الحساس تحديداً؟ يقال بأن «القاعدة» استعادت حيويتها في العراق بعد الانسحاب الأميركي، وأن تفجير دمشق جاء متزامناً مع تفجيرات بغداد قبله بيوم واحد. والتفسير الممكن أن كلا التفجيرين موجهان ضد حلفاء طهران في العراق وسورية، وذلك تعبيراً عن الحالة الطائفية التي تعصف بالمنطقة. لكن هذا محض استنتاج منطقي، مثله مثل اتهام النظام السوري بالتفجيرين. وبما لا هو كذلك قد يكون الاستنتاج صحيحاً، وقد يكون مجرد اتهام من دون أدلة.

حسب نظرية من له مصلحة في التفجير، وهي نظرية النظام، فإن المسؤولية قابلة أن تكون للنظام ولخصومه في الوقت نفسه. هل ننتظر عملية تحقيق مهنية تجلي لنا الحقيقة؟ قبل عامين أو أكثر تم اغتيال القائد العسكري ل»حزب الله»، عماد مغنية، في المكان نفسه. ووعد النظام بتحقيق يكشف هوية المنفذ. وحتى الآن لم يعلن شيء من نتيجة التحقيق. وحتى لو ثبت أن مسؤولية تفجيري الجمعة لا تقع على النظام، فإن هذا يعفيه من المسؤولية الجنائية، لكنه لا ينفي مسؤوليته السياسية والأمنية. فهو بطبيعته الأمنية، يكون قد رسخ ثقافة العنف والثأر داخل المجتمع السوري. وحسبك الحل الأمني الدموي الذي يطبقه هذا النظام في حق الشعب منذ أكثر من تسعة أشهر قضى فيها ما يقرب من 6 آلاف من السوريين عدا عن الجرحى، والمفقودين، والمعتقلين. ما هو الفرق في هذه الحالة أن يكون المسؤول عن تفجيري الجمعة الدامية هو النظام، أو تنظيم إرهابي، وكلاهما لا يأبه بأرواح الأبرياء؟

* كاتب وأكاديمي سعودي

=================

المتظاهر شخصية العام العالمية 2011!

فايز سارة

الشرق الاوسط

25-12-2011

ليس حدثا عاديا أن تختار مجلة «تايم» الأميركية «المتظاهر» باعتباره شخصية العام 2011. فهذا الخيار لمجلة مثل «تايم» له دلالات كبيرة، لعل الأبرز فيها إدراك المجلة لأهمية هذه الشخصية والانحياز لها بما تركته من بصمة واضحة في الحياة التي عاشها سكان العالم في عامنا الذي يستعد أن يغادرنا الأسبوع بعد القادم، وكان التعبير البارز لهذا الموقف وصف المجلة «المتظاهر» بالقول «إنه جسّد شعورا عالميا يحمل الأمل بالتغيير وأطاح بحكومات وبأفكار معلبة، وجمع بين أقدم التقنيات وأكثر التكنولوجيات تطورا لتسليط الضوء على الكرامة الإنسانية، وقيادة العالم على طريق القرن الحادي والعشرين ليكون أكثر ديمقراطية مع أنه أحيانا أكثر خطورة».

وأهمية التعريف الذي ساقته «تايم»، تكمن في أنه يعطي صورة عامة لشخصية المتظاهر، التي وإن استندت إلى ما ظهر من ملامحها في بلدان الربيع العربي، مضافا إليها حضور المتظاهرين في بقاع كثيرة من العالم، امتدت من روسيا إلى بريطانيا في غرب أوروبا وصولا إلى الولايات المتحدة، وفي إيران وإسرائيل واليونان وغيرها، مما ساهم في بلورة ملامح هذه الشخصية، الحاملة دلالات مهمة من حيث نزعتها إلى تغيير العالم عبر الإطاحة بحكومات وأفكار صارت من الماضي، واستخدامها وسائط متعددة تجمع بين القديم والجديد لأجل تحقيق هدفها وغايتها في توفير الحرية وتأكيد الكرامة الإنسانية باعتبارهما جزءا من عملية دفع العالم ببلدانه وشعوبه على طريق الديمقراطية المأمولة.

الصورة العامة للمتظاهر العالمي، وإن اتفقت بملامحها مع ملامح المتظاهر العربي، فإن للأخيرة تفاصيلها المميزة، حيث يخرج المتظاهر العربي من أجل قانون يحميه ويحفظ حقوقه في ظل سلطات طاغية ومستبدة، ومن هذه النقطة بالذات أخذ المتظاهر العربي خصوصيته، التي أعطت المظاهرات هذا القدر من الاهتمام والتأثير والاحترام، وسط حقيقة أن التظاهر في بلدان العالم، يبدو مختلفا في دوافعه وأدواته وأهدافه وحيثياته الأخرى، ولهذه أسباب تكمن في خلفيات السياسة والمجتمع في كل بلد من البلدان.

إن التمايز الأساسي بين المتظاهر في البلدان المتقدمة والغربية على نحو عام والبلدان العربية، يكمن في اختلاف الأهداف. فالأول يسعى - غالبا - من أجل هدف محدد يتعلق بقضية معينة، فيما يخرج الثاني من أجل أهداف عامة، حيث أهداف المتظاهر العربي غالبا تغيير الإطار القانوني والحقوقي للدولة والسلطة وعلاقتهما بالمواطنين، وبالاستناد إلى ذلك تتم صياغة مطالب التغيير الكلي وشعارات المتظاهرين.

والتمايز الآخر بين متظاهري البلدان المتقدمة وأمثالهم العرب، يمكن ملاحظته في اختلاف بيئة التظاهر. ففي الحالة الأولى، يستند التظاهر إلى بيئة قانونية وإدارية مرسومة مسبقا، تجري عملية التظاهر في حدودها، ونادرا ما يتم تجاوزها بخلاف ما هو عليه واقع الحال في البلدان العربية، التي لا تعترف أغلب سلطاتها أصلا بالتظاهر وبحق المواطنين بالتعبير عن آرائهم في تظاهرات سلمية ومنظمة، مما يترك الباب أمام أشكال مختلفة للتظاهر، ترسم حدوده ومساراته وفق الظروف الواقعية والعملية، وغالبا ما يتم قمع المظاهرات السلمية بواسطة القوة والعنف المفرط ضد المتظاهرين من جانب القوى والأجهزة الأمنية، وتم في الواقع العربي إدخال ميليشيات مسلحة في عمليات قمع المتظاهرين منها الشبيحة في سوريا والبلطجية في مثال مصر.

وثمة اختلاف آخر في موضوع التظاهر بين البلدان المتقدمة والأخرى العربية، وهو اختلاف نتائج التظاهر. ففي الحالة الأولى تكاد النتائج تكون محدودة من حيث مسرح التظاهر وما يصيب المتظاهرين وما يؤدي إليه التظاهر على صعيد السلطات والسياسات والشخصيات الحاكمة، أما في الحالات العربية، فتكون النتائج أكثر حضورا وأثرا، وغالبا فإن مسرح المظاهرات تصيبه خسائر بفعل أعمال العنف التي تتم ضد المتظاهرين، وقد يدخل الأخيران إطار رد فعل، وتتجاوز النتائج الأضرار والخسائر المادية في مسرح التظاهر إلى خسائر بشرية تلحق بالمتظاهرين قتلا وجرحا واعتقالا ومطاردة، وقد تصيب الأضرار العناصر الأمنية، إذا وقعت صدامات مع المتظاهرين.

في الجانب السياسي للتظاهر ثمة اختلاف بين وواضح نتيجة تمايز الأهداف. وفي الغالب فإن نتائج المظاهرات في الدول المتقدمة تحقق نتائجها في تغيير السياسات والمواقف، وقد تطيح بالمسؤولين عن تلك السياسات والمواقف التي يناهضها المتظاهرون، فيما نتائج المظاهرات العربية مختلفة من الناحية السياسية، حيث لا مكان لنتائج جزئية تفصيلية، بل إن النتائج تكون كلية على نحو ما تمخضت عنها نتائج المظاهرات في تونس وفي مصر من إسقاط للنظام ورموزه، وهي الأهداف التي تعبر عنها أهداف وشعارات المتظاهرين في اليمن وسوريا.

إن المظاهرات ترسم ملامح المتظاهرين، وفي بلدان الربيع العربي، كانت صورتهم أكثر وضوحا في حضورهم النشط والفاعل وفي أهدافهم التي تعكس طموحهم لتغيير حياتهم في بناها ومعانيها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، توفر العدالة والمساواة، ولأن الأمر على هذه الصورة من الأهمية، فكان لا بد أن يتحلى المتظاهرون بقدر كبير من الشجاعة والإصرار، وهذا ما يمكن تلمسه بوضوح اليوم في شوارع سوريا واليمن، وما زالت روحه حاضرة في شوارع تونس وليبيا، وقد يكون ذلك في خلفية ما قاله ريك ستينل، مدير تحرير «تايم» في تعليقه على اختيار المتظاهر شخصية عام 2011 في أن «هؤلاء الأشخاص غيروا من الآن التاريخ، وسيغيرون التاريخ في المستقبل»!

=================

«القاعدة» تساند الأسد؟

طارق الحميد

الشرق الاوسط

25-12-2011

هز انفجاران بسيارتين مفخختين العاصمة السورية دمشق، فسارع النظام الأسدي بالإعلان عن أن تنظيم القاعدة هو المسؤول عن تلك العملية التي تزامنت مع وصول وفد المراقبين العرب إلى سوريا، والذين هرع النظام الأسدي لنقلهم لتفقد موقع التفجيرين، فهل هذه تمثيلية من النظام، أم أن «القاعدة» قررت دعم الأسد؟

فمن الغريب أن تعلن واشنطن الخميس الماضي، أي قبل تفجيرات دمشق بيوم، عن رصد مكافأة مالية ضخمة قدرها عشرة ملايين دولار لمن يدل على أكبر ممولي «القاعدة» اليوم - وهو سوري الجنسية ويقيم بإيران، البلد الذي يدعم بشار الأسد علنا وبالسر، ويكفي أن هناك خمسة مختطفين إيرانيين بسوريا تقول المعارضة إنهم قناصون - ثم بعد ذلك يقول النظام الأسدي إن «القاعدة» هي من تقف خلف تفجيرات دمشق! وهنا الأسئلة عديدة، ومستحقة، ويجب على كل عاقل أن يطرحها على نفسه، فلماذا لم تتحرك «القاعدة» إلا يوم وصول المراقبين العرب لدمشق؟ وكيف استطاعت «القاعدة» الوصول إلى المواقع التي وصلت إليها بدمشق، وهي، أي العاصمة السورية، مقطعة إلى مربعات أمنية، ولا تتحرك فيها مظاهرة واحدة إلا قمعت أشد قمع، فكيف تحركت «القاعدة» هناك بكل سهولة؟

وقد يقول قائل: وماذا عن البيان المنسوب ل«القاعدة» والذي يتبنى فيه عملية دمشق؟ وماذا عما قال النظام الأسدي إنه تحذيرات من لبنان عن تحركات ل«القاعدة» في سوريا؟

وللإجابة عن آخر نقطتين هنا فلا نملك إلا أن نطلب من القارئ الكريم أن ينشط ذاكرته ويتذكر قصة أبو عدس السخيفة والمضللة، بكل تفاصيلها المخادعة والتي استخدمت يوم اغتيال الراحل رفيق الحريري بلبنان، وربما الفارق الوحيد بين بيان، بل قصة، أبو عدس، وما حدث الجمعة الماضي بدمشق، أنه لم يعد بيننا اليوم من الإعلام العربي، إلا قلة، الذين يتبنون خدعة أبو عدس، بوعي أو من دونه، واللبيب يفهم! وعليه فإذا كان أهم رجال «القاعدة» المطلوبين اليوم هو السوري عز الدين عبد العزيز خليل، الموجود في إيران، والذي يدير عمل «القاعدة» من هناك، فكيف يمكن أن تستهدف «القاعدة» النظام الأسدي، وقواته وشبيحته؟

أمر لا يصدق، خصوصا أن عملية إرسال الانتحاريين إلى العراق كانت لعبة سورية بحتة، وهذا حتى ما نسبته إحدى وكالات الأنباء الإيرانية لبشار الأسد حينما نقلت عنه تهديده لوزير الخارجية التركي عن قدرة النظام الأسدي على حرق المنطقة، ونقلت وقتها الوكالة الإيرانية عن مصدرها كيف أن النظام الأسدي سهل للأميركيين الإطاحة بصدام حسين، ثم أذاقهم الويل عبر العمليات التي تمت بالعراق، ويكفي أن الرئيس الأميركي السابق بوش الابن قد قصف موقعا للانتحاريين داخل سوريا، وعلى الحدود العراقية!

ولذا فإما أن تفجيرات دمشق الأخيرة ما هي إلا مسلسل هزلي للنظام الأسدي، وإحدى حيله المكشوفة، أو أن «القاعدة» باتت تدعم نظام بشار الأسد، وكلا الاحتمالين يؤديان لنفس الغرض، وهو أن النظام الأسدي، الذي يعتبر بحكم المتوفى سياسيا، يحاول إطالة عمره بأي شكل من الأشكال، ولو بالاستعانة بتنظيم القاعدة!

=================

مسرحيات دمشق

عبدالرحمن الراشد

الشرق الاوسط

25-12-2011

يحكى أن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد رد على الرئيس الأميركي باراك أوباما، عندما طالبه بإعادة طائرة الاستطلاع التي سطا عليها الإيرانيون، قائلا: «لا أستطيع.. لقد هداها الله ودخلت الإسلام». وعلى الرغم من أنها من مزحات برامج المساء التلفزيونية الساخرة فإن السياسة الجادة صارت ساخرة أكثر من برامج الكوميديا. ففي اليوم الذي يفترض أن تصل فيه طلائع المراقبين العرب إلى دمشق، فجأة وقع انفجاران استهدفا أكثر الأماكن تحصينا، مركزين أمنيين، وخلال دقائق أعلنت السلطات أنها قبضت على المدبر، فكان ذلك أسرع عملية ضبط في تاريخ العمل الجنائي، وبعد الانفجار بعشرين دقيقة كانت توزع الصور على الجميع!

دمشق عاصمة الكوميديا والدراما؛ حيث ياسر العظمة ودريد لحام وجمال سليمان. وصارت دمشق أيضا عاصمة الكوميديا السياسية؛ فرئيس الوزراء الزعبي انتحر بثلاث رصاصات، اثنتين في الجدار وواحدة في الرأس، يعني لو كانت نملة ربما نصدقها. وصدقوني هذه كانت رواية الحكومة التي بثتها وكالة «سانا» الرسمية، وليست مزحة مثل تصريح نجاد. وبعد اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري علقوا شريط اعتراف الانتحاري المزعوم أبو عدس على شجرة حتى تكتشفه وسائل الإعلام!

المجلس العسكري في مصر مسرحياته أفضل أداء قليلا من نظام دمشق. مع أن بعض المتظاهرين، الذين اتهموا بجريمة حرق المجمع العلمي، قالوا إنهم أحرقوه لأنه «فيه ناس بترمي طوب عليهم من سطحه»، إلا أن المجلس العسكري أيضا روى روايات إضافية ليؤكد براءته وهو لم يكن بحاجة إليها؛ فالصور كثيرة تدل على أن الفاعلين من صغار الشباب. يمكن أن أصدق رواية «في سيناء جماعات جهادية إرهابية»، لكن أستبعد رواية أن في 25 يناير (كانون الثاني) المقبل مؤامرة تدبر لإحداث فوضى، كما يقول المجلس؛ لأن البلد أصلا في حالة من الفوضى. ويستحيل أن أصدق مبررات العسكر والمحسوبين عليهم؛ ينكرون أنهم مَن ضرب البنت المتظاهرة في الشارع، قالوا إنها لقطات مزورة، وإن البنت متواطئة، بدليل عباءتها وملابسها الداخلية!

وعلى نفس مسرح اللامعقول، لم أصدق أن الرئيس الأميركي فعلا طلب من الإيرانيين أن يعيدوا طائرة الاستطلاع الأميركية التي استولوا عليها. كيف يتوقع أوباما أن يسلموه الطائرة التي تتجسس عليهم؟ لو قال مثل هذا الكلام الرئيس السابق جورج بوش لقالوا إنه بليد في الجغرافيا، لا يفرق بين كندا وإيران!

طبعا، الإيرانيون ليسوا أقل رداءة من أصدقائهم السوريين في حبك الروايات التي تثير السخرية، فقد قالوا إنهم أسقطوا الطائرة وهي تحلق في أجوائهم، ونحن لم نشاهد في حياتنا، منذ اختراع الطائرة، واحدة أسقطت وعثر عليها سليمة، الطائرات التي تسقط عادة يبقى منها ذيل أو عجلة، وهذه تبدو ألوانها تلمع زاهية بكامل تفاصيلها، بلا خدش واحد. الأكيد أنها لم تسقط كما قيل، بل ربما تم إجبارها على الهبوط بتغيير أنظمة التوجيه، أو أنهم استولوا عليها من مكان قريب حطت فيه.

أما لماذا هذه المسرحيات؟ فالسبب أن الجميع يريد التأثير على الناس وكسبهم إلى صفه، ولم تعد البيانات الصامتة تكفي؛ لهذا لا بد من تزوير الصور وإعداد مسرحيات، مثل تفجير سيارة وتصوير الدمار والقتلى، إنما الصور بلا مصداقية لا يمكن أن تصدق.

====================

ذلك القتل المستمر

عبدالله ابو السمح

عكاظ

24-12-2011

تزداد وتيرة القتل في سورية يوما عن يوم، والنظام الأسدي يكشف يوميا عن بطشه ووحشيته وتجرده من الإنسانية، ومع كل المحاولات من الجامعة العربية لإقناع نظام الأسد بالتوقف عن استخدام القوة المفرطة ضد شعبه الأعزل الذي يطالب بحقوقه وحريته، لم يتوقف عن القتل لقد ظل الشعب السوري سنوات طويلة صابرا على كل ممارسات الظلم والجور عليه إلى أن طفح الكيل ولم يعد في النفس طاقة على الصبر والتحمل، لقد وضحت له أكذوبة المقاومة فبانت على وجهها القبيح فإذا هي مساومة، نعم هي مساومة لا مقاومة، عشرات السنين ونظام الأسد يتلاعب بالألفاظ ويخدع شعبه والعرب بأنه نظام مقاومة للاستعمار ولإسرائيل، وابتز بهذا التحايل كل الحكومات بأسلوب (مافيا) إجرامية خبيثة، هذه المقاومة المزعومة طيلة قرابة نصف قرن لم تطلق رصاصة لتحرير أرضها المحتلة في الجولان وتلاعبت بالفصائل الفلسطينية وسلحتها وحولتها إلى (جندرمة) تعمل لحسابها، وبينما النظام الأسدي يساعد (المتطرفين الإسلاميين) ويساعدهم للدخول إلى العراق وبث الرعب بالقتل والتفجير يتفاوضون مع الأمريكان لكشف المتسللين وأخذ أتاوات ضخمة على ذلك، لقد كان نظام الأسد زارع فتنة واضطراب في الدول المجاورة له، وها هو الآن يتلاعب بالجامعة العربية وقراراتها، ويرهق المفاوضين بسفسطة وتعديلات مما نشهده على الساحة، ثم يوقعون على المبادرة ويلحسون توقيعهم بالاستمرار في قتل الشعب، وليس التوقيع له قيمة إن لم يتوقف القتل أولا.

إننا نطالب بمساعدة وتأييد جيش سورية الحر وتسليحه لخلاص سورية، فالنظام الأسدي لن يتوقف عن القتل ولا بد من طرده، فيا أيها الشرفاء ساعدوا وساعدوا المقاومة وجيشها الحر لإكمال المهمة الشريفة.

=================

ثعالب سوريا سيُفشلون المبادرة!

يوسف الكويليت

الرياض السعودية

التاريخ: 24 ديسمبر 2011

 كثيرون يتساءلون عن نهايات الوضع بسوريا، وهل يأتي سلمياً أم استمراراً للحالة الراهنة، أي ديمومة التقاتل بين محترف ومواطن أعزل؟

الاحتمالات ترشح عدة (سيناريوهات) أن يحدث انقلاب من داخل جيش الطائفة، يزيل عدة وجوه بارزة للمحافظة على البقية، ويقوم بتعديلات، لا إصلاحات جذرية، لكنها تلميع لمرحلة أخرى، قد لا تكون بقسوة النظام السابق، ولكنها أكثر اعتدالاً تماشياً مع طبيعة الصراع والظروف المستجدة..

الثاني أن يسلك النظام نفسه تصفيات عن طريق الاغتيالات بسبب الريبة بين أعضاء العائلة، والشكوك التي قد تنشأ من خلال الضغوط التي يواجهونها، وهي طبيعة أي نظام يحوّل مواجهاته للشارع لينتقل إلى الدائرة الداخلية..

الثالث أن يستمر الانشقاق بالجيش والأمن والالتحاق بصفوف الثوار من خلال إدراك عام أن انهيار السلطة بات قريباً بسبب عجزها الاقتصادي وتناقضاتها الداخلية ليحصر الرهان بين الشعب والحكومة ومن يكون صاحب النفس الطويل في القضاء أو تعجيز الآخر، وهي بالتأكيد لصالح الشعب مهما كان بطش السلطة؟

مشروع الجامعة العربية سيفشل لأن الحلول المطروحة تعد استهانة بحكومة الأسد، وافتعال أي مشكل عملية معد لها سلفاً كأن يسمح للمراقبين والصحفيين الدخول لبعض المناطق الآمنة، ثم التدرج إلى المواقع المتوترة، وعندها يتم قتل عدة أشخاص، كفيلة بخروج الجميع، وعندها ستلقي الحكومة السورية باللائمة على من تسميهم بالعملاء الإرهابيين ليضيع الدم تحت واقع عدم ضمان الأمن لتلك الوفود، وهو ما أشار إليه ضمناً وزير الخارجية السوري في أحد لقاءاته الصحفية وليد المعلم..

هنا ستجري محاولات لإصلاح الأمر من داخل الجامعة العربية بالصبر، ثم إعطاء الفرص، والتشديد على التحقيق في أمر الاغتيال وهو ما يعطي سلطة دمشق نفساً آخر بمنحها هدنة جديدة، وفي النهاية سيعود الاتفاق، نتيجة اليأس بإصلاح النظام إلى تدويل القضية، وهذه المرة سيخرج اللاعب العربي وتصبح قراراته مجرد ظل قانوني لتدخل دولي، وتبدأ عملية صراع الجبابرة داخل مجلس الأمن بين عضوين هما الصين وروسيا، المؤيدتان لسوريا والموافقتان على مبايعتها وإطلاق يدها كحق في حماية وجودها، وبين أوروبا وأمريكا كطرفين نافذي الإرادة والقوة لحماية الشعب السوري من البطش، وهما القوة الأكثر نفوذاً وفاعلية حتى باتخاذ قرار النقض من الصين وروسيا والدلائل كثيرة بدءاً من احتلال العراق، مروراً بالتدخل في ليبيا وإلى الوصول إلى حل مفروض على سوريا، ومبرر كل ذلك ان الضعف العربي لا يرقى لأن يصل ليكون قوة الضغط ومفتاح الحل.

=================

صفقة السلاح والمساعدات... والمراقبة العربية في سوريا

إعداد: محمد وقيف

الاتحاد

تاريخ النشر: السبت 24 ديسمبر 2011

موافقة دمشق على إرسال مراقبين تابعين للجامعة العربية إلى سوريا، والعلاقات بين إسرائيل وبلدان أفريقيا جنوب الصحراء، وإلغاء صفقة معدات عسكرية "متطورة" بين إسرائيل وتركيا... موضوعات من بين أخرى نعرض لها بإيجاز ضمن قراءة في الصحف الإسرائيلية.

مهمة الجامعة في سوريا

المحلل السياسي الإسرائيلي زيفي بارئيل كتب في عدد يوم الخميس من صحيفة "هآرتس" معلقاً على موافقة سوريا على بروتوكول الجامعة العربية القاضي بإرسال مراقبين. وفي هذا الإطار، قال الكاتب إن الدفعة الأولى التي تتكون من ستين مراقباً، من أصل 150 مراقباً، وصلت إلى سوريا يوم الخميس ويفترض أن تكون بمثابة حاجز يحول دون وصول الأزمة السورية إلى الأمم المتحدة، مضيفاً أن مهمة المراقبين ليست منع قتل المدنيين أو تطبيق مطالب الجامعة، وإنما ملاحظة القتل والاستماع إلى أقوال المدنيين والنظام ورفع تقارير إلى الجامعة.

مراقبو الجامعة العربية سيمكثون في سوريا شهراً واحداً مع إمكانية التمديد، غير أنه في الاتفاقية التي وقعت مع سوريا ومنحت المراقبين إمكانية دخول أراضيها، يقول الكاتب، يقيد نظام الأسد أنشطة المراقبين بشدة، وهو ما دفعه إلى التشكيك في ما إن كانوا سيستطيعون القيام بمهمتهم بأمانة، ناهيك عن الوصول إلى "حقول القتل" التي ينشط فيها الجيش السوري وقد أُعلنت مناطق محظور دخولها. كما يرى أن المراقبين سيجدون صعوبة في استجواب السجناء السياسيين، لاسيما بعد أن أمر الجيش بنقلهم من السجون المدنية إلى السجون العسكرية، حيث لن يُسمح للمراقبين بدخولها.

وفي هذه الأثناء، يقول الكاتب إن المعارضة، وفي ظل الافتقار إلى تحرك دولي ذي بال عدا العقوبات، أخذت تميل الآن إلى نقل الأزمة إلى الساحة الدولية والمطالبة بإرسال قوات لحماية المدنيين. غير أن هذا المطلب محصور بين عدم استعداد الغرب للقيام بعمل عسكري وبين نشاط المراقبين، الأمر الذي يمنح الغرب الوقت لاتخاذ قرار أيضاً. وبالتالي، يتابع الكاتب، فالسؤال هو: ما حجم الإصابات التي ستهز وتحرك الغرب وتدفع روسيا إلى تأييد تحرك ضد النظام السوري؟

المساعدات الأميركية

ضمن عددها لأمس الجمعة، أفادت صحيفة "يديعوت أحرنوت" بأن الولايات المتحدة أعلنت اعتزامها رصد 235 مليون دولار لتطوير وسائل حماية ضد القذائف والصواريخ التي يمكن أن تطلق على إسرائيل من قبل "حزب الله" وإيران. وحسب الصحيفة، فإن جزءاً كبيراً من الأموال ستخصص لتطوير نظام "مقلاع داوود" ونظامي "آرو 2" و"آرو 3" المضادين للصواريخ البالستية طويلة المدى. ويأتي هذا المبلغ غير المسبوق في وقت غير متوقع تواجه فيه الولايات المتحدة اقتطاعات كبيرة في الميزانية، بما في ذلك ميزانية البنتاجون. غير أن الصحيفة تقول إن مسؤولي البنتاجون هم الذين طلبوا من الكونجرس الموافقة على ميزانية مساعدات بقيمة 106 ملايين دولار لصالح أنظمة إسرائيلية دفاعية مضادة للصواريخ، علاوة على ميزانية "القبة الحديدية". لكن الكونجرس اختار مضاعفة ذلك المبلغ تقريباً حيث وافق على ميزانية بقيمة 235 مليون دولار، ما يمثل زيادة ب25 مليون دولار مقارنة مع 2011. غير أن هذه الميزانية لا تعتبر جزءاً من المساعدات الأميركية السنوية لإسرائيل، وإنما تدخل ضمن "التعاون العسكري" بين الجانبين حيث يقوم كل منهما برصد مبلغ مماثل لتطوير أنظمة مضادة للصواريخ.

إسرائيل وأفريقيا

صحيفة "جيروزاليم بوست" سلطت الضوء ضمن افتتاحية عددها ليوم الخميس على تاريخ العلاقات بين إسرائيل والبلدان الأفريقية، وذلك بمناسبة الزيارة التي قام بها رئيس جنوب السودان سيلفا كير لإسرائيل هذا الأسبوع والتقى خلالها كلاً من رئيس إسرائيل شمعون بيريز ورئيس وزرائها نتنياهو ووزير حربه إيهود باراك ووزير خارجيته أفيجدور ليبرمان. الصحيفة قالت إن العلاقات بين إسرائيل وجنوب السودان تعود إلى الستينيات عندما تمرد الجنوبيون لأول مرة على حكومة الخرطوم. وقد بدأت هذه الشراكة التي كانت سرية في إطار "سياسة الجوار" التي كانت تتبعها إسرائيل بهدف البحث عن تحالفات مع الدول غير العربية في المنطقة، حيث قامت إسرائيل بنسج علاقات مع الدول المستقلة حديثاً مثل كينيا ونيجيريا وأوغندا. وفي هذا الإطار، قامت إسرائيل في عهد رئيسة وزرائها جوالدا مائير بإرسال مستشارين لمساعدة هذه الدول في ميادين الزراعة، والتدريب التقني، والطب، ومشاريع البنى التحتية. كما شكل التدريب والمساعدات العسكرية حجر الزاوية في هذه السياسة. غير أن علاقات إسرائيل مع العديد من الدول الأفريقية انتهت في عام 1973 عندما شجعت منظمة الوحدة الإفريقية، تحت ضغوط شديدة من الجامعة العربية، أعضاءها على قطع العلاقات مع إسرائيل في أعقاب حرب أكتوبر 1973. كما أن علاقات إسرائيل مع نظام الآبارتايد في جنوب أفريقيا كانت أيضاً من بين أسباب تدهور هذه العلاقات. ومنذ تلك الانتكاسة، تقول الصحيفة، عملت إسرائيل على تجديد العلاقات مع معظم بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، "غير أنه مازال ثمة عمل كبير ينبغي القيام به". وتقول الصحيفة إنه إذا كان بعض الإسرائيليين ينظرون إلى السودانيين الجنوبيين أو الأفارقة الآخرين بشكل عام عبر عدسات مشكلة اللاجئين والمهاجرين الحالية فقط، فالحقيقة هي أن مساعدة إفريقيا على حل مشاكلها الاقتصادية ستساعد على وقف تدفق المهاجرين، معتبرة أن على الحكومة ووزاراتها المختلفة أن تستمر في دعم وتغذية العلاقات المتنامية مع شرق أفريقيا، والأمل في أن تصبح الأمور أحسن مما كانت عليه من قبل.

إلغاء الصفقة العسكرية

صحيفة "يديعوت أحرنوت" أفادت ضمن عددها ليوم الخميس أن المسؤولين الإسرائيليين قرروا إلغاء اتفاق دفاعي بقيمة 141 مليون دولار مع تركيا، بدعوة الخوف من إمكانية قيام أنقرة بتسليم معدات استخباراتية متطورة إلى أطراف ثالثة معادية لإسرائيل. ويتعلق الأمر بنظام استخبارات جوي يقوم على أجهزة استشعار إلكترونية بصرية، وكانت موجهة للطائرات التركية. ونقلت الصحيفة عن مسؤول في وزارة الحرب الإسرائيلية تأكيده على أن العلاقات مع تركيا مهمة للغاية بالنسبة لإسرائيل، لكنه أضاف "في الوقت نفسه، لدينا مسؤولية أمنية عن كل منتج يتلقى رخصة تصدير". وتشير الصحيفة إلى أن الصفقة الملغية وُقعت بين إسرائيل وتركيا في عام 2008، بعد مفاوضات بدأت في عام 2000. وقد علقت وزارة الدفاع الإسرائيلية على التقرير بإصدار بيان قالت فيه: "كقاعدة عامة، لا تقدم وزارة الدفاع كل الاعتبارات والمعلومات التي تؤخذ في عين الاعتبار أثناء عملية اتخاذ القرار بشأن وضع سياسة صادرات الدفاع... فالقرارات تُتخذ على أساس مهني تماشياً مع الاعتبارات الأمنية والدبلوماسية".

======================

مسيرة الثورة السورية وآفاقها

الدكتور عبدالله تركماني()

المستقبل

24-12-2011

دخلت الثورة السورية شهرها العاشر وهي أكثر وضوحاً، فقد حددت هدفها وشقت طريقها بثقة وثبات: دولة مدنية ونظام ديمقراطي يحترم الإنسان ويحافظ على حقوقه. وتابع الشعب السوري نضاله لا تخيفه آلة القتل الوحشية التي شحذها النظام والتي لم توفر طفلاً ولا شيخاً ولا امرأة، آلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى والمعتقلين، تخريب ونهب واختطاف واغتصاب، انتهاكات لا تنتهي تطبيقاً لموقف النظام : " أحكمكم أو أقتلكم ".

وهكذا، بعد سيل التضحيات التي قدمها أبناء الشعب السوري وبناته، منذ بداية الثورة السورية في 15 مارس/آذار الماضي، فإنّ الثورة كغيرها من ثورات الشعوب العربية لم تكن نتيجة مباشرة لعمل أحزاب المعارضة، بل هي جاءت من وعي تشكّل في مكان عميق من العقل والوجدان الشعبيين، وهو مكان لم يعد قادراً على تحمّل أو فهم دواعي استمرار الاستبداد المستفحل منذ أربعة عقود. كما أنّ الثورة السورية تحمل ميزة إضافية، على غيرها من الثورات العربية الأخرى، في أنها كشفت حالة التزييف وتغييب الوعي التي كانت تكتسب بها سلطة الاستبداد شرعية مزورة، بحجة الممانعة ومحاربة العدو الصهيوني.

ومن هنا فإنّ الطابع العام للثورة ظل مدنياً وتحررياً وإنسانياً، وبقيت قاعدتها الاجتماعية تحظى بدعم من مختلف الأطياف السورية، وأخذ وجهها العام يستعير مفرداته الحداثية، بفضل تراكم نضالات الديمقراطيين السوريين طوال أربعة عقود. فقد تشكلت قيادات شابة قادرة على استيعاب معطيات التحول العالمي نحو الديمقراطية، وتمسك بزمام الأمور وتتحكم بحركتها حسب المتغيّرات، رغم وجود حالات تشويش فردية. وتكتسب هذه القيادات الخبرة اللازمة في سياق عملها وبالاحتكاك مع المخضرمين من المعارضين، فتنجز أعمالاً مشهودة. وهي تعرف أنّ هذا الليل السوري الطويل لن ينجلي بسرعة، وأنّ أمامها مهمات شاقة وتضحيات كبرى، لكنها تعرف أيضاً أنّ لا عودة إلى الوراء، وأنّ لا خيار أمامها سوى مواجهة ظلام هذا الليل الطويل بالصمود والتحدي والتفاؤل.

لقد دخلت سوريا مع استلام حافظ الأسد السلطة عام 1970 مرحلة جديدة تعزَّز فيها الطابع الأمني - المركزي - الأوامري للسلطة، وفي المقابل شكلت قوى المعارضة عام 1980 صيغة تحالفية تحت اسم " التجمع الوطني الديمقراطي" على أساس برنامج ديمقراطي يدعو إلى قيام سلطة دستورية، وهو ما فتح الطريق أمام ظهور خيار ثالث في خضم الصراع ما بين قوى استعملت الإرهاب (الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين)، وطريق عنفي تقوده السلطة أرادت به أن تقضي على الحياة السياسية وأن تروّض المجتمع، فما لبثت الأجهزة أن حاصرت أحزاب التجمع الوطني، وقوى يسارية وقومية أخرى، وبذلك فرّغت المجتمع من أي نشاط سياسي حي.

وعندما جاء الوريث بشار الأسد أطلق في عام 2000 وعوداً بالإصلاح، فساهم ذلك في ولادة حراك سياسي ومدني، وجدل ثقافي ثري، أدى إلى صدور " بيان ال 99 " مثقف، الذي ركّز على المطالبة بالتحول الديمقراطي، عبر إلغاء حالة الطوارئ، وإطلاق سراح معتقلي الرأي والضمير، وإطلاق الحريات العامة، وصولاً إلى الإصلاح السياسي المنشود. كما توصّل هؤلاء المثقفون النقديون إلى تشكيل " لجان إحياء المجتمع المدني "، التي أصدرت " الوثيقة الأساسية " في 9 يناير/كانون الثاني 2001، المعروفة اختصاراً " بيان الألف ". إلا أنّ السلطة أغلقت الباب أمام التحول الديمقراطي باسترجاعها للطرق الأمنية المعتادة.

ولكنّ المعارضة لم تستسلم فاستجمعت قواها وشرعت في تأسيس " إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي " عام 2005، بمشاركة أحزاب من التجمع الوطني الديمقراطي ووجوه ثقافية من نشطاء لجان إحياء المجتمع المدني وشخصيات ليبرالية مستقلة، كما انضم إليه أيضاً الإخوان المسلمون، على ضوء برنامجهم الجديد لعام 2004 حول " الدولة المدنية الديمقراطية ". وعلى هذا انعقد المجلس الوطني ل " إعلان دمشق " في أواخر 2007، وضم أغلب القوى السياسية السورية، فاكتمل بذلك عقد المعارضة السورية بكافة أطيافها باستثناء الاتحاد الاشتراكي العربي الناصري وبعض المجموعات اليسارية الراديكالية.

وعندما انطلقت الثورة الشعبية، شق شباب الثورة طريقهم من دون انتظار مشاركة المعارضة التقليدية ونصائحها، فاجترحوا لأنفسهم قيادات على تلاحم مع تجربتهم الميدانية، إلى أن توصل إلى تشكيل هيئاته القيادية الجديدة، ومن أبرزها " الهيئة العامة للثورة السورية ".

وهكذا أضحت الثورة السورية جهداً هائلاً من قبل جمهور كبير من السوريين لتملّك حياتهم والاستحواذ على السياسة، أي التنظيم المستقل والكلام المستقل والمبادرة المستقلة، وقد صادرتها لنفسها نخبة سياسية ضيقة، تحولت إلى عصبة مغلقة منذ أربعة عقود.

وباعتبار أنّ المعارضة السياسية هي وحدها التي يمكن المراهنة عليها للدفاع عن مشروع الثورة وإعطائه معناه الحقيقي، بوصفه ثورة الكرامة والحرية والمواطنة، كما أراد لها أصحابها أن تكون. فقد انتظر ثوار الميدان من المعارضة مساعدتهم في التواصل مع العالم الخارجي ووضع الثورة السورية في إطارها الطبيعي كجزء من الثورات العربية والتحوّل العالمي نحو الديمقراطية، وكسب الدعم والتأييد اللذين تحتاجهما خارجياً. وحتى تستطيع المعارضة القيام بهذه المهام كان ينبغي: أولاً، أن تقف مع الثورة وهو ما فعلته منذ البداية، ولو أن بعض أطرافها صرفت وقتاً طويلاً قبل أن تنخرط فيها وتساعد على تعزيز مسيرتها. وثانياً، أن تؤطرها سياسياً وفكرياً، أي أن تنشئ الإطار السياسي الذي يمثل مرجعية تضمن وحدتها واستمرارها وتواصلها مع العالم الخارجي. فوجود عنوان واحد وواضح للثورة، يضم إلى جانب ممثلي شباب الثورة الأطراف الرئيسية من المعارضة السياسية، يساعد كثيراً في كسب العرب والرأي العام العالمي إلى جانبها ويسهّل التفاهم مع أطراف النظام الدولي، ما يضمن حصول التأييد وتحقيق الاعتراف، ومن ثم توفير الكثير من الضحايا والخسائر المادية. كما أنّ وجود مثل هذا العنوان الواحد، يساعد في منع المتطفلين على الثورة من تشويه صورتها أو الحديث باسمها لتحقيق مآرب أخرى أو التسلق عليها وحرفها عن أهدافها.

وهكذا جاء الإعلان عن تأسيس المجلس الوطني السوري في 2 أكتوبر/تشرين الأول ليستجيب لنداء الثورة، ويبلور توازنات جديدة، تضمن استقراراً مواتياً للتراكم الوطني السوري، وتؤسس لنشوء تقاليد سياسية واجتماعية جديدة، وتفتح الأفق أمام شرعية دستورية جديدة لسورية المستقبل، التي ستكون لكل مواطنيها. وقد أعطى الشعب السوري شرعية تمثيلية للمجلس الوطني السوري الذي تشكل من قوى سياسية وتنسيقيات الثورة وتبنّى مطالب الثورة وأهدافها في الحرية والكرامة والانتقال إلى دولة مدنية ديمقراطية أساسها المواطنة والمساواة بين المواطنين. إذ أنه لذو دلالة عميقة الربط بين جمعتي " سقوط الشرعية " و" المجلس الوطني يمثلني "، اللتين تبرزان قرار الشعب السوري بأن يمسك بمصيره وبأن يتحرر من ربقة لاستبداد والفساد الذي ربض على صدره أربعة عقود.

لقد أكد رئيس المجلس الوطني السوري الدكتور برهان غليون، في كلمته إلى الشعب السوري عشية عيد الأضحى المبارك، المعاني السابقة حين قال: " لن تكون سوريا بعد اليوم مزرعة لأحد، كما كانت لعقود طويلة، وإنما وطن الحرية والكرامة لجميع أبنائها ". وأنّ المجلس " يخوض المعركة السياسية في الداخل والخارج معكم وباسمكم، هو مجلسكم، وهو وسيلتكم لإسماع صوتكم إلى العالم والدفاع عن قضيتكم، وأعضاؤه رفاقكم في معركة الحرية العظيمة .. لن نفاوض على دماء الضحايا والشهداء، لن نساوم على آهات الثكالى وأنات المعتقلين، لن نقع في مطبات النظام ولن تنطلي علينا حيله وألاعيبه. نحن في المجلس الوطني نؤمن بأن غاية النظام وراء أي مبادرة أو تحرك هو كسب مزيد من الوقت لا أكثر، ولن ينفعه ذلك .. لقد تقدمنا إلى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، والأمم المتحدة، بطلب رسمي لحماية المدنيين في سوريا عبر اتخاذ قرارات ملزمة بإرسال مراقبين دوليين والخيارات أمام المجلس كثيرة ولا نستثني منها شيئاً ".

إن مستقبل سوريا يُصنع اليوم، سوريا الجديدة التي نتمناها، نطمح إليها ونعمل من أجلها، سوريا الحرية لا سوريا الاستعباد، سوريا الكرامة لا سوريا التمييز، سوريا المحبة لا سوريا الحقد، سوريا الأخوة لا سوريا الضغينة، سوريا التقدم لا سوريا التخلف.

=================

بشار والقاعدة !

علي حماده

2011-12-24

النهار

عوض ان يسارع المسؤولون اللبنانيون ولا سيما اطراف ما يسمى "التحالف العريض" الى تعزية بشار الاسد بسقوط ضحايا في تفجيري المركزين الامنيين البارحة في قلب دمشق، كان حريا بهم ان يوجهوا تعازيهم الى الشعب السوري البطل، وان يرفقوها باعتذارات علنية لشهداء الثورة في سوريا، وقد تجاوزوا الخمسة آلاف بينهم مئات الاطفال والنساء. وبدل ان يتسابق اهل "التحالف العريض" كما سماه وليد جنبلاط الى تأدية واجب العزاء لقتلة الاطفال، كان حريا بهم ان يوقفوا هذا الانحدار الخطير في حس المسؤولية الذي اصاب وزراء كفايز غصن وآخرين في الحكومة باستجرارهم اعظم الاخطار على البلاد بالزعم ان تنظيم "القاعدة" دخل لبنان وهو ينطلق منه في عمليات ضد النظام في سوريا. اكثر من ذلك انهم بتصريحاتهم التي اوحي لهم بإصدارها، يبدون كطرف صغير ملحق بمافيا سوريا، وقد مهدوا بشكل او بآخر لتفجيري دمشق ولكل التفجيرات المبرمجة التي قد تحصل مستقبلا خدمة لحملة النظام الدعائية الدموية التي تشهدها سوريا راهنا.

لقد سارع النظام الى اتهام "القاعدة" بالتزامن مع بدء عمل فرق المراقبين العرب، وما همه ان كان القتلى من صغار النظام العاملين في الاجهزة المخابراتية الذين جرت التضحية بهم كالخراف وهم غافلون عن المدى الذي يمكن حالة مافيوية ان تبلغه في معركة البقاء التي تخوضها في مواجهة الشعب السوري الحر. وما هم النظام ايضا ان يستخدم صغاره في الحكومة اللبنانية التابعة كي يبرروا بمزاعمهم غير المسؤولة اعمالا امنية مستقبلية تصيب بلاد الارز. هؤلاء اللبنانيون فحسب، بدءا من وزير الدفاع وصولا الى "آخر باش" كاتب في الحكومة مسؤولون عن اختلاق "فتح الاسلام" جديدة، وعلى هؤلاء تقع مسؤولية اي نقطة دم تهدر في لبنان من اجل النظام في سوريا. وهؤلاء هم شركاء قتلة الاطفال.

لبشار الاسد قصة طويلة مع "القاعدة"، شبيهة نوعا ما بقصة ايران الاسلامية معها. فمع العداء المعلن والظاهري للتنظيم وخلاياه واشباهه، ما توقف التعاون والتخادم بينهم. ففي مرحلة التفجيرات المذهبية الكبرى في العراق، كانت سوريا المعبر الاساسي لجميع المتطوعين الاسلاميين بحماية وتشجيع وتسليح من النظام، وفي مطلق الاحوال لنا في لبنان مثال حي في الذاكرة مع قصة "فتح الاسلام" وشاكر العبسي المفبرك في اروقة المخابرات السورية، وقد انتهت القصة بالتضحية بعشرات الافراد من التنظيم مع اخراج العبسي وعدد من ضباط المخابرات السورية من مخيم نهر البارد، في صفقة مثلثة الاضلع ما كانت قيادة الجيش اللبناني ومخابراته بغريبة عنها. قصارى القول ان النظام في سوريا لعب ويلعب ورقة التنظيمات المسلحة الارهابية في كل مكان، لقاء عدم مضايقته في الداخل. ولقد شكلت سوريا الاسدين على مدى سنوات طويلة "جنة" لتنظيمات ارهابية من كل الصنوف، تبادلت واياها الخدمات في مراحل عدة. ونزعم ان تفجيري دمشق يندرجان في السياق نفسه. هذا هو إرث حافظ الاسد !

=================

روسيا وإيران الإسلامية... ونظام الأسد

سركيس نعوم

2011-12-24

النهار

حلفاء نظام الاسد في لبنان يؤكدون ان حليفه الاستراتيجي الجمهورية الاسلامية الايرانية لن يتخلى عنه رغم الصعوبات المتصاعدة التي تواجهه في الداخل، ورغم الضغوط التي تُمارس عليه من خارج من أجل ازاحة غطائه عنه ووقف دعمه له الذي ترافقه احياناً كثيرة اغراءات.

والحلفاء انفسهم لنظام الاسد يؤكدون امراً ثانياً هو ان روسيا، الدولة الكبرى الساعية الى استعادة صفة الدولة العظمى بحرب باردة مع الولايات المتحدة، ستستمر في دعم هذا النظام سياسياً في مجلس الامن وفي كل المحافل السياسية الدولية والاقليمية وعسكرياً من خلال تزويده ما يحتاج اليه من اسلحة للصمود وليس لتشكيل اي خطر جدي على اسرائيل. ويلفتون الى ان دوافع موقفها هذا ليست استراتيجية التحالف مع سوريا النظام، التي كانت قائمة ايام الاتحاد السوفياتي السابق، بل ادراكها ان الشرق الأوسط الحالي بانفجاراته ومشكلاته المتنوعة يثير اهتمام العالم وقلقه، وانه المنطقة التي تستطيع استغلالها لتحصيل الكثير من المكاسب من اميركا سواء بالتفاوض او بالمواجهة غير المباشرة.

هل التأكيدات المفصّلة اعلاه في محلها؟

يجيب متابعون اميركيون لسياسات بلادهم حيال المنطقة ولتطور علاقاتها مع روسيا بالقول ان هناك امرين يزعجان القيادة السياسية العليا في روسيا. اولهما، تزايد دور تركيا في المنطقة العربية والدول الاسلامية التي كانت وعلى مدى عقود عدة جزءاً من الاتحاد السوفياتي السابق. وما يضاعف من خطورة الدور المذكور هو ان تركيا الحالية محكومة من حزب اسلامي معتدل ومؤمن بالديموقراطية، وقد صارت انموذجاً لدول عدة في المنطقة ولمناطق اسلامية تتمتع بحكم ذاتي داخل الدولة الروسية. علماً انه كان من زمان خطراً على موسكو الشيوعية اولاً ثم "الديموقراطية" جراء عضوية تركيا في حلف شمال الاطلسي، وحلفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، واعتبارها نفسها كما اعتبار كثيرين في اوروبا اياها جزءاً فعلياً من اوروبا. أما الامر الثاني فهو شعور روسيا بالاستياء الكبير من اميركا بسبب اعتزامها نشر الدرع الصاروخية في عدد من الدول الاوروبية المحاذية لها جغرافياً والتي كانت خاضعة لها وكذلك في تركيا. وسبب الاستياء شعورها بالخوف والاستهداف في آن واحد، وربما بوجود خطة لعزلها وإضعافها وتالياً احتوائها. وهي لا تصدّق الحجة الاميركية عن هذا الموضوع التي تؤكد ان الهدف هو الحماية من "عدوانية" ايران بعدما صارت تمتلك كل انواع الاسلحة التقليدية المعقدة والخطيرة.

وبسبب الامرين المذكورين اعلاه فضلاً عن قضايا اخرى دخلت روسيا على خط أزمة نظام سوريا مع شعبها وازمته مع العالم العربي والاسلامي والعالم الاوسع، ولكن ليس من أجل الحرب والانتصار بل من اجل التوصل الى صفقة او تفاهم يحمي مصالحها ويبقي دورها الفاعل على الصعيد الدولي. وهذا امر تعرفه اميركا لكنها تتجاهله على ما يبدو حتى الآن على الأقل. لكن روسيا مصرة عليه ولا بد ان يتحقق في يوم ما. وأحد ابرز شروط تحقيقه ان يكون الاتفاق الروسي – الاميركي شاملاً كل قضايا الخلاف الاساسية.

ماذا عن ايران الاسلامية وسوريا؟

تجيب عن ذلك مصادر لبنانية وعربية واسلامية مطلعة بالقول ان ايران هذه حاولت بعد بداية الاحتجاجات (الثورة لاحقاً) في سوريا توسيط "حزب الله" اللبناني و"حماس" الفلسطينية بين نظام الاسد والثوار بغية ايجاد حل ثابت ونهائي قبل استفحال الاوضاع. لكن قيادة النظام رفضت لأنها كانت مؤمنة بسيطرتها على الوضع وبديمومة هذه السيطرة. وتجيب بالقول ايضاً ان محاولة ثانية مشابهة جرت بعد اشهر قد تكون اربعة قام بها "حزب الله" مع "حماس" بغية التفاهم على المستقبل في حال اصيب النظام القائم بسوء، وذلك بسبب علاقتها الجيدة بجهات نافذة في الثورة السورية. لكن كان له شرط هو ان يبقى له وفي ظل اي وضع جديد ينشأ في سوريا الموقع نفسه والامتيازات والضمانات نفسها (ممر سلاح الى لبنان، تدريب ورعاية وحماية...). ولم تنجح المحاولة الثانية لان "حماس" لم تكن تستطيع الوفاء بهذا الشرط لأسباب عدة قد يكون اهمها عدم معرفتها متى تنتهي حوادث سوريا وبأي طريقة ومن سيحكمها وماذا سيكون برنامجه. فضلاً عن أن "حماس" ليست جاهزة لادارة ظهرها للشعب السوري الذي حماها وآواها ودعمها.

هل يعني ذلك ان ايران قد تكون مستعدة للتخلي عن نظام الاسد في الحال المذكورة اعلاه؟

ليس هناك جواب جازم عن هذا السؤال والمعلومات التي اثارته. لكن "حزب الله" هو حليفها الاول في لبنان وصانع مجدها في المنطقة.

=================

ما الذي يحول دون وحدة المعارضة السورية؟

عريب الرنتاوي

الدستور

24-12-2011

تجتهد الجامعة العربية لجمع مختلف أطراف المعارضة السورية تحت سقف واحد...هذا المسعى يصطدم بعقبات وعوائق عديدة...من شأنها أن تحبط هذا المسعى، مثلما أجهضت مساع حميدة سابقة من قبل، ولسنا في حقيقة الأمر، متفائلين بإمكانية نجاح معارضتي الداخل والخارج في لملمة صفوفهما.

معارضو الخارج المنضون في إطار المجلس الوطني السوري، يتهمون معارضي الداخل، بأنهم “غير جذريين” في حديثهم عن إسقاط النظام، وأنهم – معارضو الداخل - يريدون إسقاط النظام من دون رأسه ورئيسه...فيما معارضو الداخلي الذين يعيشون في ظروف أمنية بالغة الدقة والتعقيد، ينفون ذلك، ويصفون مواقف زملائهم في الخارج، المتنقلين من عاصمة إلى أخرى، بالمزايدة، ذلك أن رحيل النظام هو مطلب الجميع، وإن كانت أشكال التعبير عن ذلك، والطرق المفضية إلى ذلك، تختلف من فريق إلى فريق.

معارضوا الخارج والداخل متفقون حول صعوبة إسقاط النظام، وهم يتحدثون مطوّلا عن قدرته على الصمود في وجه محاولات تفكيكه من الداخل وتسريع انهياره....لهذا يستعجل معارضو الخارج التدخل الدولي، ولا يمانعون بإعادة انتاج السيناريو الليبي، وإن كان حصفاؤهم يحاذرون البوح عن ذلك صراحة....أما معارضو الداخل، فلديهم تصور يقوم على رفض التدخل الدولي رفضا قاطعا، لأنه من وجهة نظرهم لن يكتفي بإسقاط النظام بل سيفضي إلى تفكيك الدولة، ويطالبون بدلاً من ذلك بوحدة المعارضة وإعادة توثيق روابطها مع ثورات الشباب وحراكاتهم وإطلاق الإضرابات العامة وصولاً للعصيان المدني واحتلال الساحات.

معارضو الخارج، تطغى عليهم الوجهة الإسلامية، إخوان وغيرهم...هؤلاء يشكلون العمود الفقري للمعارضة وإن كانوا يؤثرون التلطي خلف شخصيات ليبرالية وعلمانية مقبولة من المجتمع الدولي في هذه المرحلة الانتقالية...أما معارضو الداخل (هيئة التنسيق) فتطغى على غالبية مكوناتهم الصبغة القومية واليسارية عموماً

وثمة سباق بين الجانبين على ادعاء تمثيل التنسيقييات الشبابية، لأن كلا الفريقين يدرك تمام الإدراك بأنه غير متحكم بحركة الشارع ولا هو بالمقرر بشأنها...لكن معارضة الخارج تمتاز عن معارضة الداخل بحصولها على ما يشبه الاعتراف العربي والدولي بها متحدثا شرعيا باسم المعارضة السورية، ولهذا السبب تحظى هذه المعارضة بدعم مالي سخي من بعض العواصم العربية...

الدعم العربي والدولي للمجلس الوطني لا شك أنه يشكل ميزة وعنصر تفوق له على “هيئة التنسيق” بيد أن هذه الدعم هو سلاح ذي حدين أيضاً، فهو جعل المجلس ساحة لتنافس القوى الإقليمية والدولية الطامعة للهيمنة على المعارضة السورية، والباحثة عن حصة لها في كعكة سوريا ما بعد الأسد، وثمة تقسيمات و”كوتات” بات يجري التعامل معها، كأمر واقع، هذا حصة تركيا وذاك حصة قطر أو باريس أو واشنطن أو الرياض...ثم أن وفرة الدعم المالي للمجلس، تسهم في تشكيل ظاهرة “بيزنيس المعارضة”، فبعض الذين كانوا يبحثون عن عمل بمائتي دينار أو ثلاثمائة دينار قبل بضعة أشهر، لم يعد بالإمكان حصر عدد الموبايلات التي بحوزتهم ولا جنسياتها، ناهيك عن السفر على الدرجة الأولى والإقامة في فنادق الخمسة نجوم.

لكن في المقابل، فإن هيئة التنسيق، وإن كانت متخففة من هذه المظاهر والأمراض حتى الآن، إلا أنها في المقابل تشكو خللين اثنين رئيسين: الأول، أنها ما زالت تعمل بطرق أكل عليها الدهر وشرب، وما زالت تتبنى خطاباً ماضوياً لم تقو على فتح نوافذه لهبوب رياح التجديد والتحديث...والثاني، أن شكوكاً طالما أحاطت بجدية معارضة بعض مكوناتها وصدقية انتمائها لتيار الثورة والتغيير.

هيئة التنسيق تبدي حماساً ظاهراً لوحدة المعارضة....المجلس الوطني لا يتملك الحماسة ذاتها، وهو يريد للهيئة أن تنضوي في إطاره كفصيل من فصائله المكونة، لا بوصفها قطباً ثانياً للمعارضة السورية...بل أن بعض أركانه يجادل علناً بعدم جدوى الاستمرار في حديث وحدة المعارضة، باعتبار أن هذه الوحدة لن تقدم أو تؤخر، وهو لا يرى أصلا، أن التغيير في سوريا سيكون ثمرة تطور تراكمي في كفاح السوريين، بقدر ما يراهن على التدخل الخارجي لإحداث التغيير.

لكل هذه الأسباب، وأخرى غيرها، لا نرى أن مساعي توحيد المعارضة مقدر لها أن تصيب النجاح قريباً...وفي ظل استمرار حالة الانقسام، ومع وجود مصالح بإدامتها، وفي ظل تنامي التدخلات الضارة من قبل أطراف عربية وإقليمية ودولية، ونجاحها في فرض رموزها وأجنداتها على بعض أطياف المعارضة الخارجية، فإن زمناً سيأتي، وقد لا يكون بعيداً، قد تفقد فيه جماهير الثورة السورية ثقتها بهذه الأطر، وتعلن رفضها ولفظها لها.

=================

إفراغ المبادرة العربية من مضمونها

علي الصفدي

الرأي الاردنية

24-12-2011

استطاع النظام السوري بمناوراته وتلاعبه بالصياغات الكلامية لنص المبادرة العربية وتعددية اقتراحاته التعديلية لها وفق ما يخدم مصالحه الخاصة المتناقضة كلياً مع مصالح شعبه وتلكؤه في توقيع بروتوكول بعثة المراقبين العرب والتصرف إزاءها وكأنها نهاية المطاف وليست بدايته وفق ما كان الهدف منها لتكون آلية تنفيذية تظهر نتائجها الملموسة على أرض الواقع وفور توقيعها، استطاع بكل ذلك وبكل دهاء إفراغ المبادرة العربية من مضمونها وتجريدها من مفعولها وإيصالها إلى حائط مسدود بغية كسب المزيد من الوقت وتحقيق المكاسب الميدانية التي توصله للقضاء على الانتفاضة الشعبية العارمة التي تعم أرجاء الوطن السوري، والتي تطالب بالتغيير الإصلاحي الديمقراطي وإسقاط النظام الشمولي.

فالتوقيع على بروتوكول المراقبين كان يقتضي إظهار الجديّة في تنفيذ بنود المبادرة التي تنص على الوقف الفوري للعنف ضد المدنيين وسحب الآليات العسكرية من المدن والمناطق السكنية والبدء بإطلاق سراح المعتقلين وعقد حوار وطني مع قوى المعارضة في مقر الجامعة العربية، إلا أن ما حصل هو على العكس تماماً من ذلك، فأظهر النظام السوري استخفافاً ملحوظاً بما يتوجب عليه القيام به، فترك العنان لآلته الأمنية القمعية التي أخذت تحصد أرواح المدنيين والعسكريين المنشقين بالعشرات، فأوقعت خلال ثمان وأربعين ساعة فقط أكثر من مئتين وخمسين قتيلاً غالبيتهم في محافظة إدلب وحمص وجبل الزاوية، وقد شكلت تلك المجازر الدموية انتهاكاً صارخاً ليس فقط لالتزامه الشكلي ببنود المبادرة العربية، بل للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وللمناشدات الدولية الداعية إلى وضع حد للعنف الدموي المتواصل.

وأمام تفاقم الوضع المأساوي الذي يتعرض له الشعب السوري منذ الخامس عشر من آذار وحتى اليوم، يقف النظام العربي والمجتمع الدولي والهيئات الأممية عاجزين عن حماية شعب مدني يتعرض للترهيب والتقتيل اليومي المستمر، واتخاذ إجراءات عملية توقف ممارسات القمع الدموي عند حدها، فتعبير أمين الجامعة العربية عن القلق الشديد إزاء تصاعد أعمال العنف لن يجدي نفعاً دون قرار عربي حاسم، والإعلان عن الغضب الدولي إزاء المجازر التي يرتكبها النظام السوري بحق شعبه لا يكفي ولا يعفي المجتمع الدولي من مسؤولياته، كما لا ينطوي على أي فاعلية تذكر، وكذلك التصريح الأمريكي بأن العالم يراقب ما يحصل، وأن النظام السوري فقد مصداقيته، وتهديد واشنطن الكلامي باتخاذ خطوات إضافية لمعاقبة سوريا إذا لم تلتزم بالمبادرة العربية لا يعدو كونه موقفا شكليا أعجز من أن يردع النظام ويوقفه عند حده، والأعجز الأكبر في ذلك كله هو مجلس الأمن الدولي المكلف بحماية السلم العالمي، والذي تتعطل فاعليته كلياً عن أداء مهامه بفعل ديكتاتورية حق النقض (الفيتو) الذي تستأثر به الدول الخمس دائمة العضوية في المجلس، والتي استخدمته روسيا والصين معاً لحماية النظام السوري من الإدانة والعقاب، ثم تراجعت سوريا قليلاً بتقديمها مشروع قرار مخفف لتجنيب سوريا التعرض لقرار إداني لها اشد لهجة يلزمها بالانصياع للتخلي عن الحل الأمني والاستجابة لمطالب مواطنيها بالإصلاح والتغيير، وأمام حالات العجز هذه، سيواصل النظام السوري الإمعان في مواصلة أسلوبه القمعي.

=================

سوريا الى أين؟

د. فايز الربيع

الرأي الاردنية

24-12-2011

بعد هذه الأشهر من القتل والعذاب، وبعد هذه الالاف من الشهداء والتشريد والحصار، هل هناك افق؟ هل يشكل توقيع سوريا على المبادرة العربية مخرجا، إن الجواب على هذا السؤال الى اين؟ يمكن الاجابة عليه بعد تفكيك لمحاور كثيرة تتقاطع حول سوريا. فالنظام في سوريا كما يقول د.حسان الصفدي في محاضرته في المركز الثقافي الملكي لغز، يرفع شعار القومية ويضرب العراق، يحارب الطائفية بالقومية وهو طائفي حتى النخاع جيشا وحزبا، وهو عائلي، وهو ذرائعي ومصلحي ومراكز قوى, يقوم على النظرية الامنية بدءا وانتهاء, اختلق بروجوازية متحالفة مع الاستبداد بعد ان قضى على البروجوازية الوطنية، فكك البنية السياسية وابقى بيئة هشة اسمها الحزب، تحول الاقتصاد إلى اقتصاد ريعي خدمي أصبح يطلق عليه العدو العاقل والنظام البغيض المطلوب، ومن هنا كان الحراك الثوري على امتداد هذه الأشهر تأثر بالربيع العربي، واستند الى ثقافة شبابية جديدة طرحت شعارات (مشروع شهيد) (الموت ولا المذلة), بعدما انسد الأفق لدى الشباب. تكلست بنى النظام، وأصبح غير راغب في الاصلاح بعد ان أعطى الفرصة وهو حراك شعبي، غير مؤطر سياسيا، وطني وغير جهوي، فيه غالبية متدينة غير مسيسة المتظاهر بألف متظاهر لأنه مشروع شهيد، لكن اهدافه أصبحت واضحة -سقوط النظام- اي ان الشعب في مواجهة النظام، اكد سلمية الحراك ومن نقاط قوته عدم وجود قيادة مركزية واضحة يسهل القضاء عليها لكن هناك إصرار لا نهائي على المواصلة لان التراجع كارثة بكل المقاييس على الحراك وعلى المحيط العربي والاسلامي على سوريا.

وإذا كان هناك من نقاط ضعف فان التسييس المبكر للثورة، ضعف التنسيق، وضعف المعارضة في الخارج وأوصل النظام الى حافة الهاوية، ولم يستطع محور لغاية الان حسم المسألة نهائيا، لا محور الغرب وامريكا ولا محور الخليج وتركيا، ولا محور ايران واسرائيل.

من هنا نعود نسأل السؤال الى أين؟!

يوصف النظام بأنه رجل ميت يمشي على رجليه، وأصبحت كلفة بقاء النظام غير محتملة، هل يتصدع النظام من الداخل، هل يحدث انقلاب عسكري علوي سني مشترك هل تندلع حرب اهلية، هل تنمو حركة الانشقاق العسكرية هذه الافاق الاربعة الأكثر احتمالا، ولكن في كل الاحوال فان بقاء النظام بشكله الحالي اصبح من المستحيلات لا كما يقول انصار النظام انه من المستحيل سقوطه، اذ لا توجد نقاط قوة في هذا النظام عن غيره في الاقطار التي سقطت فيها الانظمة اما ان يسقط الشعب او يسقط النظام وفي الغالب فان الشعوب هي التي تبقى وبخاصة ان الانظمة الشمولية لم يعد لها مكان على الخارطة السياسية في العالم، بقيت نقطة اخيرة، فالسوريون الفارون من الجحيم او المهجرون او المجبرون على ترك بلدهم، لهم علينا واجب المناصرة، والاحزاب التي اعتبرت اسالة نقطة دم في الاردن خطر على حقوق الانسان عليها ان ننظر الى مضخات الدماء التي تنزف في سوريا فهم مثلنا عرب او مسلمون او مواطنون وبكل المعايير فهم بشر يطالبون بأدنى درجات المطالبة وهي الحرية.

=================

قراءة في عقل بشار الأسد

سمير سعيفان

2011-12-23

القدس العربي

قبل أن يبدأ الربيع العربي كان بشار الأسد واثقاً من أنه لا يوجد أي سوري يتجرأ على تحدي سلطته. فقد اعتاد أن تكون سلطة عائلة الأسد مطلقة دون حدود. فهو ابن وزير الدفاع الذي انهزم جيشه أمام إسرائيل عام 1967، وبدلاً من محاكمته، كما يجري في الدول الديمقراطية التي تحكمها المؤسسات، قام بانقلاب عسكري واستولى على السلطة كاملة عام 1970، ووضع رفاقه الذين اختلف معهم في السجن إلى أن ماتوا فيه. واعتادأن يسجن معارضيه عشرات السنين لمجرد البدء بتنظيم أو إصدار بيان. ومنع أي تنظيم سياسي أو غير سياسي، سوى التنظيمات الموالية الجوفاء. وشرذم قوى المجتمع، فما عادت قادرة على أي فعل جماعي. إذن لم يبق في سورية ما يخيف الأسد.

استمر بشار على نفس نهج والده. لم يكن يحسب للشعب أي حساب، سوى أن يصفق له، كيف لا وهو ابن حافظ الأسد الذي أطلق على ذاته 'شبه المقدسة' تسميات 'الأب القائد'، و'القائد الخالد' و'القائد إلى الأبد'. وكرس نمطا من النظر إليه كطوطم مقدس لا تستطيع مسه أو الاقتراب منه، وجعل من سلطته تابو. وشاهد كيف استطاع والده أن يتصرف بسورية كمزرعة خاصة به، وكيف استطاع توريثه الرئاسة، وكيف عدل الدستور بجلسة تهريج لمجلس الشعب دون اعتراض السوريين. وشاهد طوابير صغار النفوس وأصحاب الأغراض الخاصة يتصاغرون من حوله.

لكل هذا لم يكن بشار يفكر بشكل سوي، ولم يكن يتصور وجود متظاهر ضده في الشارع. هذه الصورة أكبر بكثير من أن يحملها عقله. كان مقتنعاًبأن على الشعب أن يحبه، ومن لا يحبه عليه أن يخافه، ويصدق مظاهرات التأييد التي تخرج بأمر أجهزة الأمن ومؤسسات الدولة.

كان واثقاً بأن الشعب السوري غير قادر على فعل شيء ضده، وإن وجد من يتظاهر ضده، فهو بلا شك يستحق الموت. كان مقتنعاً بأن طلقتين من الرصاص كافيتيان لتفريق أكبر تجمع سوري معارض. هذه العقلية هي عقليته وعقلية نظامه بالكامل.

عندما انطلق الربيع العربي في تونس ثم مصر كان بشار يجيب بثقة بأن سورية في مأمن، لأن 'سورية بلد الممانعة'. لذا لم يصدق عندما قامت الثورة السورية في آذار 2011 أن هذا يمكن أن يحدث في سورية بهذه القوة. لذا كان يردد في كل شهر أن الأزمة في سورية 'خلصت' وبأن 'المشكلة باتت وراءه'. ولكنه يكتشف في اليوم الثاني أن القادم أصعب. ورغم فشل هذه التكهنات دائماَ، فمازال مستمراً في وهمه بأنها ستنتهي قريباً.

ولكن وضمن الدائرة الضيقة للسلطة فقد كانت حساباته تختلف، فقد أحسب الخطر مع انطلاقة الربيع العربي،فدخل مع أركان نظامه في حوار عما يجب فعله فيما لو وصلت الأحداث إلى سورية. وكانت النخبة الصغيرة الحاكمةأمام أحد بديلين:

* البديل الأول: الثقة بأن سلطة الأمن كفيلة بردع الشعب، وأن بضع رصاصات كفيلة بحل المشكلة، ولدى النظام تاريخ طويل في الصراع مع الشارع، وأن هذه المرة تشبه كل مرة.

* البديل الثاني: أن يدرك حكم التاريخ ويعترف به، ويسلم بانتهاء عمر أنظمة الحزب الواحد واللون الواحدوالشخص الواحد والمزارع الخاصة. وإنه قد حان استحقاق إعادة السلطة ليد الشعب، وأن يهيئ سورية لانتقال سلمي سلس للسلطة إلى دولة مدنية ديمقراطية. وحينها كان السوريون سيذكرون ذلك له طويلاً متناسين ما فات.

لم يستطع بشار أن يفكر مجرد تفكير بالبديل الثاني، فاختار البديل الأول والتمسك بالسلطة مهما كان الثمن،وحضر خططه لمواجهة التظاهرات. وبالتالي فلم يكن تصرف نظامه رد فعل آني وعفوي عندما أعطى الضابط عاطف نجيب، ابن خالة بشار الأسد، ورئيس فرع الأمن السياسي في درعا، الأمر بإطلاق النار على المتظاهرين الذين خرجوا يطالبون بإطلاق سراح أطفالهم الذين اعتقلهم وعذبهم عاطف نجيب، فقتل ستة متظاهرين.

ولكن المفاجأة المرعبة غير المتوقعة كانت أن هذه المرة ليست كما المرات السابقة، وأن التظاهر استمر، وأن الشعب السوري قد كسر حاجز الخوف، بل ومع مزيد من استخدام الرصاص والاعتقال والتعذيب كان التظاهر يتوسع ويتوسع من حيث المكان ومن حيث أعداد المشاركين.

جرب الأسد منح السوريين بعض المزايا العينية، وجرب الاجتماع بالكثير من وفود الأهالي، ولكنها لم تنفع، وجرب إطلاق برنامج إصلاح سياسي واقتصادي وقدم تنازلات لم يكن ليفكر مجرد التفكير بها من قبل، مثل إلغاء قانون الطوارئ وإصدار قانوني الأحزاب و التظاهر، وفتح حوار وطني وسمح للمعارضة بعقد مؤتمرين في سورية، وكان يعتقد أن هذا كاف لإرضاء معظم الناس. ولكن كل هذا لم ينفع في وقف التظاهر لأنه لم يتضمن إعادة السلطة للشعب والانتقال بسورية إلى نظام ديمقراطي تعددي وتداولي للسلطة. حتى أن بشار. ورغم كل ما جرى، لم يلفظ قط أنه لن يرشح نفسه للرئاسة عام 2014 أو أن يقر بجعل انتخاب الرئاسة عام 2014 انتخاباً حرا ً وليس استفتاءاً مزوراً عليه كمرشح وحيد، كما في السابق.

اخترع الأسد ونظامه حكاية المندسين وحكاية المؤامرة الخارجية والإمارات السلفية كي يخلط الأوراق ويبرر قتل المتظاهرين. وسعى منذ الأيام الأولى للثورة لدفع الانتفاضة باتجاه حمل السلاح، ليجرها إلى معركة هو الأقوى فيها،وليبررسلوكه القمعي تجاهها، طالما أنه مطمئن إلى تراخي المجتمع الدولي في محاسبته.

لم يفهم بشار ما يجري حتى الآن. وقد أصيبب الحيرة والارتباك عندما لم تفعل سياسات الاسترضاء هذه فعلها، ولم يكن لديه سوى الاستمرار في حله الأمني، وإقحام الجيش في مهمة قذرة هي مواجهة المتظاهرين وقمعهم.

ووسع حله الأمني هذه المرة ضد المنطقة كلها. فجاء التهديد أولاً لأمن إسرائيل على لسان رامي مخلوف ابن خالة الرئيس ورجل الأعمال الرئيسي لعائلة الأسد، ثم قام الأسد نفسه ليهدد المنطقة بأكملها، فيما لو تم المس بسلطته.

يجرب النظام استخدام تكتيك استخدمه خلال ما عرف بأحداث الأخوان المسلمين بين 1979 1982 إذ يضرب منطقة معينة ضربة قوية ترعب بقية المناطق، ولكن هذا التكتيك لم ينفع لا في درعا ولا في حمص ولا في إدلب ولا في حماه ولا في دير الزور ولا في أي مكان. استخدم الأسد منطق 'أن الأزمة التي لم يحلها استخدام العنف يحلها المزيد من استخدام العنف'. فكانت النتيجة أن تحولت المظاهرات من أسبوعية إلى يومية وتحول قتل المتظاهرين من أسبوعي إلى يومي، وقد تحول جزء من المتظاهرين نحو حمل السلاح كرد فعل متوقع جداً.

حتى اليوم، يصمم الأسد على المضي في لعبة عض الأصابع مراهناً على تعب الشارع. وحتى الآن ورغم كل الكوارث، فإن أبعد ما يتصوره الأسد هو إعادة إنتاج نظام مثل نظام مبارك في مصر الذي سمح بتعددية حزبية تحت سيطرة الأمن تضمن إعادة انتخابه رئيساً مطلقاً للجمهورية السورية لمرات قادمة غير محدودة. ومن المدهش أنه مازال لدى الأسد وهم بإمكانية إعادة عقارب الساعة للوراء. لأن الدوائر تضيق من حوله، فقد اضطر للتوقيع على مبادرة الجامعة العربية بعد رفضٍ ثم مماطلة ومناورة لأكثر من شهرين، وبعد أن بدأت روسيا تغير موقفها، وقد كان يعول على موقفها كثيراً. وهو الآن يحضّر لإدخال الجامعة العربية في متاهة تنفيذ مبادرتها على الأرض ويحضر لمسرحيات من الأحداث المفتعلة التي سيرتبها على الأرض بقصد تضليل الجامعة العربية وإرباكها، آملاً بتحويل مجمل المشكلة، من مشكلة شعب يريد استعادة حريته، إلى التركيز على قضايا إجرائية جزئية لتنفيذ بروتوكول المبادرة العربية التي لم تتضمن انتقال سلمي للسلطة ضمن مدة محددة قصيرة وبآلية واضحة.

مشكلة سورية ليست في قبول الحوار مع نظام الأسد، أو الموقف من برنامجه الإصلاحي، أو وجود مندسين أو مؤامرة عربية وأجنبية أو مسلحين أصبحوا موجودين بكثرة بسبب قمعه الوحشي للمتظاهرين السلميين، فهذه كلها تفريعات ونتائج جانبية للمشكلة الرئيسية وهي أن بشار الأسد لم يدرك بعد ما يجري من حوله، وما زال يرفض تسليم السلطة للشعب صاحب السلطة ومازال مستمراً في أوهامه ومازال يعتقد بقدرته على الاحتفاظ بالسلطة رغم كل ما جرى وسيجري وقد يجري. وهذا ما سيجلب الكوارث لسورية ما لم يتم ردعه بطريقة فعالة.

' كاتب سوري

=================

من ديكتاتورية الفرد إلى ديكتاتورية الطائفة

السبت, 24 ديسيمبر 2011

مصطفى زين

الحياة

كان ما يحصل في العراق متوقعاً بعد الانسحاب الأميركي. وجود الجيش المحتل لم يمنع المجازر. ربما كان ينظم الخلاف السياسي، وصمام أمان لنظام ملّي رضي به العراقيون مكرهين، مثلما كانوا مكرهين على التعايش في ظل صدام حسين. انتقل العراقيون من نظام الديكتاتور الفرد إلى ديكتاتورية الطائفة. الفرد يموت أو يزول أما الطائفة فيحرسها الغيب وتعمق جذورها الميثولوجيا. ألا تتكرر أمام أعيننا مآسي الماضي بأحقاده ونزاعاته السياسية بمسوح دينية فيها من الرياء ما فيها؟

أنشئ النظام العراقي «الجديد»، على أساس المحاصصة المذهبية والعرقية، بإشراف أميركي ورضا بعض الإقليم، وغضب بعضه الآخر. نوري المالكي، وقبله الجعفري، يحكم باسم الدستور المفصل على أساس المذاهب والطوائف. طارق الهاشمي، وقبله الدليمي، يلجأ إلى طائفته عندما يُتهم بالإرهاب. يفر إلى حمى الأكراد المنتمين إلى مذهبه. يصبح ضيفاً على بارزاني. يطلب المثول أمام محاكم الإقليم المستقل. لا الحكومة «الاتحادية» تستطيع القبض عليه، ولا زعيم كردستان يتخلى عن حماية المستجير به.

وسط هذا التشرذم الذي يفرز تفكيراً و «قامات» في حجم الطائفة والمذهب (لا يقتصر الأمر على العراق)، تحضر مشاريع استراتيجية كبرى قد تؤدي إلى دمار كل الحواضر العربية، من المحيط إلى الخليج، خصوصاً مصر وبلاد الشام، لتنفيذ هذه المشاريع.

منذ أربعين عاماً أقام الأسد الأب علاقات متينة مع إيران «الإسلامية»، واستمرت العلاقات مع الأسد الابن. لم ينظر إلى هذا التحالف، منذ نشوئه إلا كونه حلفاً مذهبياً. نادراً ما نوقش في توجهاته الاستراتيجية وتأثيره في المنطقة وفي العالم. حتى عندما اندلعت الحرب الإيرانية - العراقية أيام صدام حسين، نظر إليها من زاوية منع تصدير الخميني ثورته المذهبية إلى الخليج والعالم العربي، وليس من الزاوية الجيواستراتيجية.

في المقابل هناك المشروع التركي المتماهي مع الاستراتيجية الأميركية - الأطلسية للمحافظة على المكاسب والمصالح الكثيرة المتحققة في المنطقة، ويشكل الحكم الإسلامي (العثماني الجديد) في أنقرة أحد أعمدته الرئيسة، وجبهته المتقدمة لصد الطموح الروسي (والصيني). ومرة أخرى يستخدم الدين والمذهب والميثولوجيا لدرء الخطر الذي كان شيوعياً ملحداً، وأصبح إمبراطورياً إيمانه ناقص.

أما المشروع العربي الذي تبلور في ستينات القرن الماضي في الدعوة إلى الوحدة من المحيط إلى الخليج فقضي عليه بتواطؤ الماضي المتحكم بسلوكنا في الدنيا والآخرة. وفي توجهاتنا السياسية التي تترجم حروباً أهلية بين «القاعدة» وفروعها الكثيرة من جهة، و «عصائب أهل الحق» من جهة أخرى، فإذا بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وغداً عواصم أخرى، مواقع لتفجيرات إرهابية تطيح السياسة والاجتماع والحاضر والمستقبل.

كان يلقى اللوم على الأميركيين خلال احتلالهم العراق. ها هم رحلوا، مخلفين وراءهم من، وما، مهد للاحتلال. وكل الخوف أن يمهد آخرون لاحتلال بلاد الشام.

نحن ننتقل من ديكتاتورية الفرد إلى ديكتاتورية الطائفة.

===================

سورية: الدم والتزوير

غازي الذيبة

الغد الاردنية

24-12-2011

من يعرف قراءة الأبجدية التي اخترعها قدموس الفينيقي في أوغاريت السورية، يمكنه أن يدرك أن زوال النظام السوري بات أقرب من زوال إسرائيل. فهذا النظام وغيره مما ارتبط فعليا بكيان تم تفصيله في معامل الاستعمار الغربي، يرتكب الجرائم نفسها، ويسير على الخطى نفسها نحو الزوال.

ففي اللحظة التي وصل فيها النظام السوري إلى نقطة اللاعودة فيما يرتكبه من مذابح بحق شعبه، تبدو إحالته الى أي سياق دولي أو عربي يضبط جرائمه، أمرا يشبه إحالة إسرائيل إلى المحكمة الجنائية الدولية، أو إلى الدفع باتجاه إخضاعها لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة، من دون أن تنفذ أيا من هذه الإحالات أو تخضع لها كعادتها. وإذا ما فكرت بأن تستجيب للإجماع الأممي، فإنها تقدم حيلا وممارسات وقحة في هذا النطاق، تظهرها على أنها ليست مذنبة.

النظام السوري تلميذ للنظام الإسرائيلي في الخداع والإجرام، تعلّم على يديه في مدرسة النافق كوهين. وهو اليوم يؤكد على حفظه للدرس الإسرائيلي في التعاطي مع السوريين، ويستقبل المراقبين العرب المبعوثين من الجامعة العربية -للكشف عما يحدث على الأرض من قبله، أو من قبل من يدعي بأنهم مندسون- بمذابح مروعة.

وهو يقدم على جرائم من باب ترهيب المراقبين، ووضعهم في مناخ قاتم، يحد أولا من حركتهم داخل الأرض السورية، إذا ما دخلوها؛ وثانيا، يريد أن يبعد أصابع الاتهام عنه، ويوجهها نحو مناطق هو يصنعها ويفبركها، لتبدو الجرائم التي يرتكبها بحق الشعب السوري وكأنها من صناعة جهات خارجة على القانون كما يروج إعلامه.

صحيح أن مهمة المراقبين العرب تبدو من بدايتها صعبة، وقد تظهر على أنها مستحيلة، لكن الممكن في هذا النطاق يتبدى في حماقة النظام نفسه الذي يسرّع في توظيف أدواته الإجرامية، ومكائده وحيله المكشوفة، ليظهر براءته من دم الشعب، ويسرع في الوقت نفسه بنهايته، لأن المشهد بات مفضوحا، ولا يمكن الاتكاء عليه طويلا لتحقيق عملية إنقاذ قيصرية لمافيا الأسديين.

وهذا ما يشكل تناغما بين أداء النظام السوري وأداء إسرائيل التي باتت اليوم، برغم ما تمتلكه من قوة عسكرية عظمى ودعم لا نهائي من الغرب، تقف في مواجهة كذبها وخدائعها التي لم تعد تمر إلا على الأغبياء.

النظام السوري يلعب في الوقت الضائع، وحفلات الاستقبال الدامية للمراقبين العرب، ستتحول في وقت لا يبدو بعيدا إلى احتفالات بزواله، واستعادة السوريين لحياتهم وحريتهم.

من هنا، فإن من يعرفون القراءة، سيجدون نقاط اتفاق واضحة وبسهولة، بين كل نظام زال ونظام الأسد، وفي الطريق إسرائيل وأنظمة أخرى تسير على السكة نفسها من الإجرام والاستغباء للبشر

===============

من قام بتفجيرات دمشق الإرهابية الأخيرة؟

أحمد أبو مطر

ايلاف

24-12-2011

يزداد الوضع في سوريا تعقيدا كل يوم، خاصة بسبب قلة آليات ووسائل التحقق من خلفية بعض الأحداث والوقائع، مما يعطي الفرصة لكل طرف أن يقدّم الحدث نفسه من وجهة نظره المخالفة تماما لوجهة نظر الآخر، وتبدو أحيانا وجهتا النظر مقنعتين رغم تناقضهما. فمثلا التفجيران اللذان حدثا يوم الجمعة الثالث والعشرين من ديسمبر في مدينة دمشق مع وصول طلائع بعثة المراقبين العرب، عليهما العديد من علامات الاستفهام التي تحتاج لمناقشة وتحليل موضوعيين بغض النظر إن كنت من معارضي النظام السوري أو مؤيديه. وحسب أغلب الروايات فقد أوقع التفجيران حوالي أربعين قتيلا وأكثر من مائة وخمسين جريحا ومصابا من المدنيين وقوات الأمن والجيش. وقالت الرواية الرسمية للنظام أنّ التفجيرين حدثا بواسطة سيارتين مفخختين استهدفتا إدارة مبنى المخابرات العامة ومقر جهاز أمن الدولة في حي كفر سوسة بدمشق. وأنا هنا في هذا التحليل معتمدا على ما نشر من معلومات وعلى معرفتي الميدانية بحي كفر سوسة حيث مقار أغلب الأجهزة المخابراتية والأمنية للنظام السوري، سأقدم وجهتي النظر المطروحتين لنحاول مع السادة القراء الوصول إلى ترجيح أي من الروايتين، ومن حقي أيضا أن أعطي رأيي الترجيحي لأي الروايتين أكثر معقولية ومنطقية.

وجهة نظر النظام الرسمية

الملاحظة التي يجب عدم القفز عنها أنّ التفجيرين جاءا مترافقين تقريبا مع وصول طليعة بعثة المراقبين العرب المختلف حولها أساسا من قبل قوى المعارضة السورية، وفورا جاءت ردود فعل النظام الرسمية لتربط بين الحدثين، وبنفس الإسلوب الإعلامي السطحي الذي عرف عن الناطقين باسم النظام، فقد قال نائب وزير الخارجية فيصل المقداد: (في اليوم الأول من وصول المراقبين العرب، إنّها أكبر هدية من الإرهاب والقاعدة، لكننا سنسهل إلى أبعد حد مهمة الجامعة العربية). والسؤال المنطقي هو: كيف عرف المقداد بعد ساعة من وقوع التفجيرين أنّ القاعدة وراء هذا الإرهاب؟. المقداد وليس مسؤولا أمنيا؟. وكيف أمكن خلال ساعة الاتصال برئيس بعثة المراقبين العرب سمير سيف اليزل واصطحابه على الفور بهذه السرعة لموقع التفجيرين؟. في هكذا ظروف إرهابية ألا يتوقع أي مسؤول أو شخص عادي حصول تفجيرات أخرى؟ فكيف يتجرأ المقداد على اصطحاب ممثل الجامعة العربية إلى موقع التفجيرين؟.

وما أضعف رواية النظام السوري هذه، أنّ لبنان الرسمي تم الزج به على الخط من خلال تصريح جهاد مقدسي المتحدث باسم وزرارة الخارجية، حيث إدّعى (أنّ السلطات اللبنانية حذرت سوريا قبل يومين من أنّ مجموعة من مقاتلي القاعدة تسللت إلى الأراضي السورية عبر بلدة عرسال اللبنانية الشمالية).

طالما أنّ السلطات اللبنانية كان لديها هذه المعلومات الدقيقة، من حيث هوية الإرهابيين و نقطة تسللهم داخل سوريا، ألم يكن من السهل تتبعهم وضبطهم، خاصة أنّ الحدود السورية اللبنانية السورية في الشمال، مضبوطة بشكل لا تستطيع نملة من التسلل، فكيف يمكن لسيارتين مفخختين وفيها عناصر إرهابية من الدخول بهذه السهولة، من بلدة عرسال اللبنانية وتسير بأمان من شمال لبنان وصولا إلى حي كفر سوسة حيث أهم الأجهزة المخابراتية السورية، وتدخل السيارات هذا الحي وصولا للمقرات المخابراتية ليحدث التفجيران؟ وعلى الفور يتصل الرئيس اللبناني ميشيل سليمان بالرئيس الأسد معزيا، وكأنّه بهذه التعزية السريعة يؤكد دخول السيارات الإرهابية من شمال لبنان.

أما حزب الله اللبناني،

الحليف القوي الأمين للنظام السوري فقد حلّق بعيدا عابرا للقارات متهما الولايات المتحدة الأمريكية بالقيام بهذه التفجيرات وما سبقها من تفجيرات في بغداد، وحسب بيان الحزب ف (إنّ ذلك انتقاما لهزيمتها في العراق)، متناسيا أنّ الولايات المتحدة هي أكثر دول العالم من عانت وقدمت ضحايا بسبب إرهاب القاعدة، والأهم هل معلومات حزب الله الاستخباراتية أقوى من معلومات الأمن والجيش اللبناني اللذين إدعيا أنهما حذرا سوريا قبل يومين من دخول سيارات مفخخة من القاعدة كما ذكرت؟. هذا مع أنّ الولايات المتحدة الأمريكية رغم خلافها مع النظام السوري أدانت العملية الإرهابية كإرهاب فقط دون أن تشير إلى من يقف خلفه.

أمّا وجهة نظر المعارضة السورية،

فهي مع التأكيد المطلق أنّ هذين التفجيرين الإرهابيين من إعداد النظام السوري، وهي كانت معدة للحدوث مع وصول طليعة المراقبين العرب كرسالة لهؤلاء المراقبين انّهم سيواجهون عصابات إرهابية كما يدّعي النظام منذ مارس الماضي، ولا تستبعد بعض مصادر المعارضة انّ تحديد هذين المكانين للتفجيرين أي قرب مراكز استخباراتية للنظام، قد تم الإعداد له بحيث يبدو أمام العالم بأنّه ضعيف أمام هذا الإرهاب الذي ينجح في الوصول لحي كفر سوسة المحصّن، وأيضا ليس بعيدا أنّه قد تمّ حشر العديد من المعتقلين في المظاهرات السورية في زوايا تلك الأماكن ليكونوا هم ضحية هذين التفجيرين المعدّين بعناية من أجهزة النظام.

أمّا وجهة نظري فهي أنها من تدبير النظام للأسباب التالية:

1 . من المستحيل دخول سيارتين مفخخختين بمن فيها من الإرهابيين أيا كان عددهم، وتسير بأمان من بلدة عرسال شمال لبنان مخترقة الحدود السورية اللبنانية التي أعلن النظام نفسه أنّه قام أخيرا بتلغيمها، ونحن نعرف عدد النقاط العسكرية والاستخباراتية على الحدود السورية اللبنانية خاصة في منطقة الشمال اللبناني حيث هناك أغلب الأحيان احتقان بين الطائفتين العلوية والسنّية.

2 . ولنفترض أنّ السيارتين نجحتا في اختراق الحدود، فكيف تمكنتا من السير على الأقل مائة وخمسين كيلومترا من الشمال اللبناني إلى قلب مدينة دمشق؟. جيد تمكنتا من ذلك، ولكن كيف استطاعتا وهي حتما من مظهرها سيارات غريبة أن تدخل حي كفر سوسة المليء بالحواجز العسكرية وصولا للمقرات المخابراتية، ونحن من عشنا في دمشق وكنا نشاهد تلك المقرات قرب إدارة الجمارك العامة، نعرف ويعرف السوريون أنّه لا يسمح لأية سيارة بعبور تلك الحواجز وتقف بعيدا عنها، ومن المستحيل اختراق تلك الحواجز الاسمنتية الضخمة.

3 . هذه العملية الإرهابية تذكرنا بعملية اغتيال المسؤول العسكري لحزب الله عماد مغنية في نفس منطقة المخابرات بكفر سوسة عبر تفخيخ سيارته أثناء أن كان في اجتماع مع مسؤول مخابراتي سوري، وبعد نزوله من الاجتماع وتشغيل سيارته انفجرت به ميتا؟. لقد جاء عماد مغنية للاجتماع بسيارته فلماذا انفجرت بعد نزوله من الاجتماع وليس عندما شغّلها أول مرة عند قدومه من شقته للإجتماع؟. وقد تسرب ما يشبه أن يكون معلومة مؤكدة أنّ حسن نصر الله في إحدى اجتماعاته مع مسؤولي حزبه فور حدوث العملية، اتهم النظام السوري وشتم بعض مسؤوليه، ولكن تمّ التعتيم على ذلك لمصلحة الحزب وفائدته من النظام السوري التي هي أهم من اغتيال عماد مغنية أو اي مسؤول آخر من الحزب.

4 . إنّ تاريخ النظام السوري منذ عام 1970 حافل بالعديد من الاغتيالات التي كانت دوما تقدّم على أّنها محاولات انتحار، وقد سبق في إحدى مقالاتي أن قدمت قائمة بهذه الاغتيالات التي ليست أولها اغتيال محمود الزعبي رئيس الوزراء الأسبق في مايو عام 2000 وليس آخرها اغتيال غازي كنعان في أكتوبر 2005 ومن بعده شقيقه علي كنعان. وضمن نفس السياق عمليات القتل العديدة التي قام بها حافظ الأسد ضد رفاقه البعثيين قبل انقلابه وبعده عام 1970 .

كل تلك المعطيات من وجهة نظري تؤكد أنّ النظام هو من قام بإعداد وتنفيذ التفجيرات الإرهابية هذه، ليبدو للعالم أنّه هو ضحية الإرهاب وليس من يقوم بإرهاب أودى بحياة ما يزيد على خمسة ألاف سوري حتى الآن، على الأقل مائتين في الأيام الأربعة الماضية. لذلك تسارعت العقوبات الدولية ضد النظام، إذ أعلنت سويسرا تجميد خمسين مليون فرنك سويسري (حوالي خمسة وخمسين مليون دولار) عائدة لشخصيات سورية من بينها الرئيس بشار الأسد شخصيا ووزير داخليته إبراهيم الشعار وضباط كبار في وزارة الداخلية وأجهزة المخابرات. وشملت العقوبات السويسرية 19 شركة و74 شخصية من الشخصيات اللصيقة بالنظام. وكذلك قامت كندا بسلسلة جديدة من العقوبات ضد النظام بسبب القمع الدامي لحركة الاحتجاجات، وتشمل هذه العقوبات حظر جميع الواردات السورية باستثناء المواد الغذائية، ووقف تصدير أية معدات مراقبة هاتفية أو معلوماتية للنظام السوري. فهل كندا وسويسرا متحالفتان مع القاعدة أيضا ضد النظام السوري؟.

=================

شكوك حول نجاح المراقبين العرب في سورية

رأي الجزيرة

الجزيرة السعودية

24-12-2011

قبل أن يبدأ مراقبو جامعة الدول العربية مهمتهم في سورية نفذ انتحاريان عملية إرهابية بتفجير سيارة مفخخة ضد أهداف أمنية في العاصمة السورية دمشق، والهدف كان مقر أمن الدولة، والآخر مقر التوجيه السياسي، وكلاهما من المراكز الأمنية التي تحظى بحراسة مشددة ليس على مقراتها بل في المنطقة المحيطة بها والشارع الذي تقعان عليه مما يطرح تساؤلات عن قدرة (القاعدة) التي اتهمت كالعادة في مثل هذه الأعمال الإرهابية، وهل الجهاز الأمني السوري مخترق.

أيضاً المراقبون سيبدؤون عملهم بعد وجبة كبيرة من القتلى في الأيام الأربعة الماضية وصل عددهم إلى قرابة الثلاث مئة قتيل والأعداد مرشحة للارتفاع في ظل مواصلة قوات الجيش السوري اقتحام المدن السورية التي أطلقت عليها مصطلح المدن المشاغبة بالدبابات ودكتها بالمدفعية خصوصاً مدينتي حمص وأدلب.

في ظل هذا التصعيد الأمني الخطير تصل بعثة المراقبين العربية التي يأمل أن تعمل على وقف انتهاكات القوات العسكرية والأجهزة الأمنية، وهي مهمة يرى أكثر المتابعين تفاؤلاً أنها صعبة إن لم تكن مستحيلة، في ظل اتساع رقعة العمليات وكثرة الاقتحامات التي تقوم بها القوات العسكرية مقابل قلة عدد المراقبين الذين لا يتجاوزون 150 فرداً لا يمكنهم التحرك دون معرفة ومرافقة الأجهزة الأمنية السورية بحجة حمايتهم.

إذن الحديث عن قدرة هؤلاء المراقبين لوقف العنف وإعادة الاستقرار إلى سورية، حديث لا يمكن تحقيقه حتى على الورق، إذ طالما استمرت قوات الجيش في اقتحام المدن وطالما ترك (الشبيحة) يمارسون القتل العشوائي ضد المواطنين السوريين فإن المهمة محكوم عليها بالفشل، وهو فشل قائم ما لم تبادر السلطات السورية باتخاذ قرار حازم بإعادة القوات المسلحة إلى مقراتها وضبط أعمال الأجهزة الأمنية لعدم التعرض للمتظاهرين السلميين ومواجهة الشبيحة الذين يعثون فساداً، وطالما استمر الخيار الأمني هو الخيار الوحيد فإن التظاهرات والمواجهات ستستمر كون الشعب يدافع عن نفسه.

النظام السوري وافق مرغماً على توقيع بروتوكول وصول المراقبين إلى سورية دون أن يقدم ضمانات بوقف العمليات العسكرية والعنف والقتل ضد المتظاهرين، وهذا بحد ذاته هدم للمبادرة العربية، والنظام أراد من وراء توقيع بروتوكول المراقبين كسب الوقت مراهناً على إخماد انتفاضة الشعب التي ستتواصل طالما تواصلت عمليات القمع مؤكدة فشل مهمة المراقبين وفشل المبادرة العربية لتترك المجال لتدخل دولي لا يوقفه إلا حسن تعامل من النظام العربي وتغير تعامله مع شعبه الذي يستحق أن تلبى مطالبه في الحرية والعدالة الاجتماعية.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ