ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 21/12/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

سوريا والتحرك العربي

غازي دحمان

الجزيرة

20-12-2011

يطرح التحرك العربي تجاه سوريا، سواء ما تعلق منه بالمبادرة الهادفة إلى إيجاد مخرج للأزمة السورية، أو ما أفرزته من عقوبات اقتصادية، سؤالاً حول الجدوى والفاعلية المراد تحقيقها من وراء هذا الحراك، وهل كان بالأصل لدى الجامعة العربية قناعة بقدرتها على أن تكون طرفاً ذا فاعلية في الأزمة السورية؟

يشير تاريخ التعامل السوري مع الجامعة العربية، وخاصة منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي، إلى سعي القيادة السورية إلى تحويل طبيعة العلاقة بين الطرفين إلى علاقة وظيفية لمصلحة توجهات القيادة السورية وخدمة لسياساتها الإقليمية، وكان قد بدأ بهذا التحول عبر توظيف الجامعة في إصدار قرار يؤيد دخول قوات عربية إلى لبنان توكل قيادتها إلى الطرف السوري، ثم ليصار بعد ذلك إلى استحواذ سوريا على الوضع اللبناني حتى عام 2005، وما نتج عنه من استخدام لبنان كأحد أوراق القوة والضغط والتساوم في مواجهة العرب والعالم.

ولعل هذا التوجه السوري، في حينه، حمل في طياته قناعة ضمنية بجدوى التحرك المنفرد من أجل تحقيق الإستراتيجية السورية الإقليمية دون الإعلان على ذلك، بل على العكس، فقد بقي الخطاب السوري مفعماً بشعارات القومية العربية والدعوة إلى توحيد الجهود العربية، ولكن وفق الرؤية السورية التي تضع الأولويات وتحدد الأخطار والأعداء والحلفاء وترسم تالياً خطط وإستراتيجيات المواجهة، وكل ذلك دون الالتزام العملي بالمعنى الشمولي للأمن القومي، الذي لم يشمل، في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، العراق المهدد بالدمار على يد إيران الإسلامية الصاعدة.

وبناء على هذا التوجه سوف تدخل العلاقات السورية العربية في طور جديد يرتكز على حقيقة ذات جذر براغماتي صرف أدرج في سياسة اشتراكية راديكالية، مفاده أن كل سياسة عربية مؤيدة للتوجهات والرؤى السورية هي سياسة صحيحة من جهة وذات بُعد عربي وقومي من جهة أخرى، بمعنى أن معيار قومية سياسة أية دولة عربية هو مدى دعمها للسياسة السورية، وأن أي خلاف في التوجه والرؤى مع سوريا يعني التشكيك بمدى الالتزام القومي العروبي.

ومع أسف من أن النظام السوري استطاع تعميم هذه القاعدة عربياً، مستفيداً في ذلك من بعض الظروف العربية، خاصة تشدده تجاه الصلح المنفرد الذي عقدته مصر مع إسرائيل، وانشغال دول الخليج العربي بالحرب العراقية الإيرانية، حتى تحولت هذه القاعدة إلى نمط من الإرهاب السياسي الذي ينطوي على التخوين والتهديد لكل سياسة عربية مخالفة لسوريا أو ناقدة لأداء سياساتها الإقليمية في لبنان وفلسطين والعراق.

غير أن قاعدة العمل هذه كان من نتيجتها إرهاق العمل العربي برمته، وتدمير كل ممكنات التطور فيه، الأمر الذي كان له الأثر الواضح في إطار النظام الإقليمي العربي وتبعاً له العمل العربي المشترك برمته، والناتج عن إحساس الكثير من الأطراف العربية بعدم جدوى هذا الإطار طالما لا يتم الأخذ برؤاها وتصوراتها وحتى هواجسها ومخاوفها، وطالما أن الجامعة العربية قد جرى اختطافها -دون مسوغ واقعي- من قبل بعض "القومجيين" العرب، سوريا وليبيا القذافي، المتصارعتين مع نظام صدام حسين (جناح القومية الآخر)، والجزائر المتصارعة مع المغرب والمنكرة عليه قوميته وعروبته، الأمر الذي سينتج عنه ابتداع فكرة المجالس العربية القائمة على أساس الاتحاد والتعاون بين الدول على أساس إقليمي (مجلس التعاون الخليجي) و(اتحاد المغرب العربي) و(مجلس التعاون العربي الذي ضم العراق والأردن ومصر واليمن الشمالي). وبقيت سوريا خارج أي إطار عربي إقليمي، وحاولت تعويض ذلك عبر تشديد سيطرتها على لبنان وقسم من التنظيمات الفلسطينية.

ولاحقاً، وفي عهد الرئيس بشار الأسد، سوف تتجه السياسة السورية -وخاصة بعد الاحتلال الأميركي للعراق- إلى اعتماد التحالف مع إيران أساساً وبديلاً إستراتيجياً نهائياً عن الإطار الأمني العربي، مع الإبقاء على الخطاب السياسي القومي كإضافة ديكورية وليس خياراً إستراتيجياً.

بل سيتحول الاندماج السوري في الإطار العربي إلى مجرد حالة شكلية عند الانفتاح الإستراتيجي الكبير في العلاقات مع تركيا، حيث سيتم تكييف الخطط الإقليمية وتهيئة الواقع الجيوستراتيجي السوري، بما فيه الواقع الاقتصادي والإمكانيات اللوجستية والوضع الإستراتيجي برمته، بما يتناسب والرؤى التركية وتوجهاتها في الدخول إلى المنطقة العربية عبر البوابة السورية، وذلك في إطار المشروع الذي أطلق عليه في حينه (مشروع الربط الإستراتيجي للبحور الخمسة).

وبالرغم من حالة الانفتاح العربي على سوريا بعد حرب لبنان 2006 -والتي قادتها بعض دول الخليج العربي (قطر، الإمارات، الكويت) عبر الاستثمار الاقتصادي في سوريا والانفتاح السياسي على قيادتها- فإن هذه الحالة لا تعكس جهداً سورياً في هذا الإطار أو حتى مجرد مراجعة دبلوماسية وإستراتيجية ومحاولة إعادة تموضع جديدة تستفيد من المعطيات المتمثلة بالنهوض الخليجي الحاصل في السياستين الإقليمية والدولية، بقدر ما يعكس توجهاً إستراتيجياً خليجياً يسعى إلى إعادة دمج سوريا في الإطار العربي بهدف تعزيز التوازنات الحاصلة في المنطقة على إيقاع الأطماع الإيرانية الناهضة والاستدارة التركية باتجاه الشرق، فضلاً عن التعنت الإسرائيلي وتحديه المستفز للعالم العربي.

وبالطبع لم تشهد هذه المرحلة تخلياً نهائياً، من قبل سوريا، عن الإطار العربي، وإن جرى على الأرض تأسيس وقائع إستراتيجية تخالف ذلك، إذ طالما أدرك صانع السياسة الخارجية السورية أن الدور الوظيفي للإطار العربي ما يزال من الممكن استثماره، وخاصة لجهة إمكان تشكيل شبكة أمان عربية تحمي النظام من الأخطار التي تجسدت في فترات معينة من العقد الأخير، وتحميه من الاستهداف وخاصة بعد اتهام سورية بالضلوع في اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري وتشكيل محكمة دولية للتحقيق في هذا الأمر.

باستثناء ذلك، لم يكن للعرب أي تأثير سياسي أو دبلوماسي من وجهة النظر السورية، وبقيت قاعدة التعامل في هذا السياق قائمة على أساس أن المطلوب من العرب القيام بوظائفهم تجاه سوريا تنفيذاً لالتزاماتهم العربية والقومية، دون السماح بالتأثير في التوجهات والسياسات التي تعد شأناً داخلياً. من هنا يبدو أن العتب السوري على العرب ناتج عن الإيمان بهذه القاعدة، إذ إن المطلوب عربياً تقديم المساعدة المادية والدبلوماسية في مواجهة (العصابات المسلحة)، على ما تمنى وزير الخارجية وليد المعلم، وترك قضية التعامل مع مطالب الشعب للإدارة السورية باعتبارها شأناً داخلياً محضاً.

وفي واقع الأمر، يشير السلوك السوري تجاه بيئته العربية إلى حقيقة رؤية النظام للإطار العربي وتقديره لإمكانيات هذا الإطار القائمة أصلاً على عدم الثقة بإمكانيات وقدرات النظام العربي، الأمر الذي ينعكس سلباً على استجاباته للمطالب العربية، فإذا كان المطلوب تقديم أي شكل من أشكال التنازل في مواجهة الثورة الدائرة في سوريا فإن ذلك يستدعي تقديمها إلى أطراف دولية ذات فعالية أكبر.

كما أن التنازلات، فضلاً عن ضرورة إرفاقها بضمانات محددة، فإن مفاعيلها يتوجب أن تتجه للمستقبل، بمعنى إعادة تأهيل النظام دولياً، والضغط على إسرائيل لإعادة الجولان، كي يظهر النظام وكأنه تجاوز (المؤامرة) بنصر مؤزر يشرعن بقاءه مديداً، وبغض النظر عن مدى شطح مثل هذه التصورات، هل يملك العرب ومبادرتهم الواقعية جداً مثل تلك المطامح والآمال!

=================

لا تكونوا شركاء في قتل السوريين !

خلف الحربي

عكاظ

20-12-2011

ماذا يعني توقيع بروتوكول عربي لوقف الحملات الإعلامية ضد سوريا مقابل موافقة نظام الأسد على المبادرة العربية ؟، يعني باختصار توقف القنوات الإخبارية العربية وفي طليعتها العربية والجزيرة وربما الصحافة أيضا عن تغطية الجرائم التي يرتكبها نظام الشبيحة ضد الشعب السوري الأعزل، بحيث يتسنى للأسد وشبيحته ارتكاب مجازر واسعة ضد المدنيين في سوريا دون ضجيج، تماما مثلما فعل الأسد الأب قبل عقدين من الزمان حين قتل عشرات الآلاف في حماة بعيدا عن الأنظار !.

أنا لا أراهن أبدا على موقف الولايات المتحدة من القضية السورية فسوريا بالنسبة للأمريكان ليست مصر أو ليبيا أو تونس، فالنظام السوري الحالي كان ولا يزال لاعبا أساسيا في الحفاظ على أمن إسرائيل وسقوطه يعد أمرا مقلقا بالنسبة للولايات المتحدة، ولا أراهن كذلك على موقف الجامعة العربية لسببين: الأول منهما أن قراراتها ليس لها قيمة على أرض الواقع والثاني أنها لم تتوقف عن تقديم المهلة تلو المهلة للنظام السوري كي يواصل عمليات القتل والتعذيب والاعتقال.

أنا أراهن فقط على صمود الشعب السوري البطل في مواجهة هذا النظام الوحشي الغادر الذي لم تظهر قوته إلا على المدنيين العزل، ولكن الشعب السوري الذي يواجه رصاص الشبيحة بصدور عارية من حقه أن يستفيد من التغطيات الإعلامية التي تكشف للعالم وحشية هذا النظام مثله مثل كل الشعوب العربية التي ثارت ضد الطغيان، ومنع وسائل الإعلام العربية من تغطية الأحداث في سوريا سوف يحرم ثوار سوريا من إيصال صوتهم إلى العالم ويمنح فرصة ذهبية للشبيحة كي يقوموا بأكبر قدر من المجازر حتى تنكسر شوكة الثوار. لذلك إذا كانت الجامعة العربية عاجزة عن مساعدة الشعب السوري في محنته فإن أقل شيء يمكن أن تفعله هو أن لا توافق على شرط النظام السوري الذي أسماه (وقف الحملات الإعلامية التحريضية) كي لا ينطبق عليها المثل الشعبي الذي يقول: (لا من خيرك ولا من كفاية شرك) !.

فحتى لو افترضنا أن النظام السوري وافق على إرسال مراقبين عرب إلى سوريا فإن المراقبين سوف يتعرضون للمراقبة !، كما أن هؤلاء لن ينقلوا الحقيقة إلى العالم لأن مهمتهم تنحصر في كتابة تقارير سرية تناقش داخل قاعات مغلقة، وبعد المناقشة تبدأ الدراسات ثم المفاوضات ثم تدرس القرارات وهكذا حتى يلحق الأحياء بالأموات !، وحينها قد ينجح الأسد في إخماد الثورة عن طريق قتل أكبر عدد ممكن من المتظاهرين أو ربما ينقل السلطة إلى أحد معاونيه بعد السيطرة على الأوضاع.

وكمواطن عربي لا يستغني عن تغطية العربية والجزيرة للثورة السورية ولا يلفت انتباهه في الصحافة العربية سوى أخبار سوريا أدين سلفا كل محاولة للتعتيم الإعلامي على أخبار الثورة السورية وأقول للجامعة العربية: لا تكونوا شركاء في جرائم قتل أشقائنا في سوريا.

=================

امتحان ما بعد التوقيع للجامعة ودمشق والمعارضة

رفيق خوري

الانوار لبنانية

20-12-2011

الخطوة مهمة، وإن كانت الخطوات التالية هي التي تضيّق أو توسّع المسافة بين الوقائع والتوقعات. نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد يوقع في الجامعة العربية بروتوكول المراقبين بعد تعديله عبر مراسلات على مدى أسابيع: دمشق تسأل بالمفرق والتفصيل عن معنى كل كلمة، والجامعة ترد بالجملة. ولم تكن لحظة التوقيع خالية من الشكوك المتبادلة. شكوك سورية عبّر عنها وزير الخارجية وليد المعلم في ما تضمره وتسعى له دول عربية معينة. وشكوك عربية لدى هذه الدول في نيات النظام السوري بالنسبة الى تنفيذ خطة العمل العربية.

ومن الطبيعي أن تكثر الأسئلة على المسرح في انتظار الأجوبة في الكواليس. هل أخرج التوقيع الطرفين من الطريق المسدود أم ان وراء الحاجز الذي أزيل حواجز أكبر على الطريق؟ هل تكون نقطة حبر في الجامعة العربية بداية لوقف مجرى الدم على الأرض في سوريا أم تبقى حبراً على ورق؟ هل يسد التوقيع الطريق الى التدويل عبر حل سوري - عربي أم ان زحام الحسابات والمصالح يجعل التعريب محطة مطلوبة على طريق التدويل؟ وما الذي يقود الى فك الاشتباك بين الجانب الداخلي للأزمة السورية الدامية حيث الصراع على النظام، وبين البعد الاقليمي والدولي للصراع على سوريا وموقعها فوق الخارطة الجغرافية - السياسية للمنطقة؟

الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي أعاد التذكير بأن البروتوكول هو مجرد آلية لمراقبة التنفيذ المطلوب لخطة العمل العربية. وهي بالطبع خطة الانتقال الديمقراطي للسلطة عبر خطوات محددة ومتكاملة. من وقف العنف وازالة المظاهر المسلحة الى اطلاق المعتقلين والسماح بالتظاهر السلمي. ومن الحوار بين النظام والمعارضين تحت مظلة الجامعة العربية الى تطبيق ما يصل اليه الحوار من تعديل دستوري أو صوغ دستور جديد الى اجراء انتخابات تعددية على أساس قانون انتخاب ديمقراطي وصولاً الى انتخابات رئاسية. والبداية هي تأليف حكومة يشارك فيها المعارضون برئاسة شخصية محترمة من المعارضة.

والمهمة ليست سهلة. لا على النظام الموحد. ولا على المعارضين المنقسمين بين من يقبل الحوار مع النظام ويدرك أن الواقعية تقضي بالتفاهم على مرحلة انتقالية لا بد منها، وبين من يرفض الحوار مع النظام مطالباً بسقوطه من دون قدرة على اسقاطه.

لكن المبادرة العربية هي الفرصة الوحيدة لحل يحافظ على سوريا، لأن ما يمنع التدويل هو نجاح المبادرة، في حين أن فشلها وصفة للتدويل. فالأزمة مدولة منذ البدء. وليس أخطر من تدويل الحل سوى تدويل الأزمة من دون حل

=================

تطبيق المبادرة العربية

الراية القطرية

التاريخ: 20 ديسمبر 2011

دخلت الأزمة في سوريا منعرجًا جديدًا وحاسمًا يمكن أن يبشر بوقف إراقة دماء المواطنين السوريين يتمثل بتوقيع الحكومة السورية في القاهرة البروتوكول المحدد للإطار القانوني ومهام بعثة المراقبين العرب الذين أعلن الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي أن طلائعهم سيتوجهون إلى دمشق خلال 72 ساعة.

بقدر ما يمكن وصف التوقيع السوري الذي جاء متأخرًا على البرتوكول بالخُطوة المهمة بقدر ما يجب التأكيد على أن الأهم هو تنفيذ المبادرة العربية بشأن سوريا التي سبق أن وافقت عليها حكومة دمشق دون تطبيقها على الأرض فالبرتوكول أساسًا وثيقة تتعلق "بالإطار القانوني ومهام بعثة مراقبي الجامعة العربية التي سيتم إيفادها إلى سوريا للتحقق من تنفيذ خطة الحل العربي وتوفير الحماية للمواطنين السوريين العزل".

لقد كان الهدف الأساس للجامعة العربية ولجنة المتابعة العربية التي ترأسها دولة قطر منذ اندلاع الثورة الشعبية السورية المطالبة بالحرية والديمقراطية والتعددية والتغيير وقف العنف ضد المدنيين وسحب الآليات العسكرية من المدن والمناطق السكنية وإطلاق سراح المعتقلين وعقد مؤتمر للحوار الوطني في مقر الجامعة العربية تشارك فيه الحكومة وكافة أطياف المعارضة السورية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة التي تفاقمت وسقط جراءها عشرات آلاف الضحايا بين قتيل وجريح ومشرد بسبب إصرار النظام السوري على استخدام العنف ضد المدنيين السوريين المطالبين بالحرية والتغيير.

بعيدًا عن التشكيك في نوايا ودوافع توقيع الحكومة السورية على البرتوكول بعد مماطلة وتسويف الذي جاء بعد قيام الجامعة العربية بفرض عقوبات اقتصادية وسياسية على النظام السوري وإعلانها التوجه لمجلس الأمن الدولي بعد تقديم " روسيا" مشروع قرار إلى مجلس الأمن بشأن الأزمة السورية الأمر الذي يعني تدويل الأزمة وهو ما دفع الجامعة العربية إلى اتخاذ قرار مماثل لنقل وجهة النظر العربية -قبل توقيع دمشق على البرتوكول -فإن النظام السوري مطالب الآن أكثر من أي وقت مضى أن يدلل على حسن نواياه ورغبته الحقيقية في الوصول إلى حل للأزمة السورية من خلال الوقف الفوري لاستخدام العنف ضد المدنيين السوريين وسحب الأسلحة الثقيلة من المدن والبلدات السورية المحاصرة والسماح للمواطنين بحرية التظاهر والتعبير عن مطالبهم وعدم الرد على تظاهراتهم بالرصاص وإراقة الدماء والبدء بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين الأمر الذي يهيئ الأجواء لحوار وطني شامل وحقيقي يحقق مطالب الشعب السوري.

إن تطبيق المبادرة العربية من قبل النظام السوري يعني حل الأزمة السورية داخل إطار البيت العربي مما سيمنع بالضرورة تدويلها ويبعد بالتالي خطر الفتنة الطائفية والحرب الأهلية التي باتت تهدد مستقبل سوريا ومصيرها.

=================

من التخلف إلى الاستبداد

د. طيب تيزيني

تاريخ النشر: الثلاثاء 20 ديسمبر 2011

الاتحاد

منذ عشرة أشهر وحين بدأت الشرارة الشبابية في سوريا، أبدى مجموع من الشباب والمواطنين والمراقبين دهشتهم مما بدأ يبرز، خصوصاً في العاصمة. وكان آخرون في بلدان عربية قد عاشوا المأساة البطولية، التي قدمها الشاب "بوعزيزي" في تونس. وكان سؤال كبير يطرح نفسه في الرأي العام العربي، بعد هذا الحادث: ما هو الاستثنائي الخطير، الذي جرى تناقله بتونس وبعده في سوريا "بسوق الحميدية" الشهير في دمشق؟ وكانت أحداث مصر الانتفاضية قد أعلنت شرارتها؟ لم يطل الأمر، حتى بدأ الناس يكتشفون ما هو في طور البحث عنه، لقد عرفوا أن ما يصنع الكائن الإنساني إنساناً بعد أن أنجز الاستحقاقات الثلاثة الكبرى، والانتقال إلى وضعية العمل وتطور الدماغ، إنما هو الكرامة الإنسانية. وهنا ظهرت الشعلة الحمراء التي خطها "بوعزيزي" في تونس، والبائع الجوال في دمشق الذي اهتز كيانه احتجاجاً بعد إهانة شرطي له.

كان ذلك الذي قصم ظهر البعير، والذي أعاد للبشرية التفكير بما هي هذه الكرامة. وعبر تجارب واسعة وحوارات مستفيضة، راح البشر يتلمّسون أهمية الثالوث التالي في حياتهم: الحرية والكفاية المادية والكرامة. ذلك أنه اتضح أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل إن الحرية والكرامة تكوّنان الشرط الذي يسمح أن كل الخبز في سياق الحفاظ على إنسانيته، دون قيود، إن غياب الوعي التاريخي الإنساني جعل النظم الاستبدادية العربية تُبدي دهشتها من خروج الشباب إلى الشارع، فراحوا يعِدون بالقيام بإصلاحات اقتصادية مادية. أما أولئك فأعلنوا أن كرامتهم وحريتهم هما ما يتظاهرون من أجله أولاً، بحيث يبرز شعار الكفاية المادية في هذا السياق.

لم يكن يماري أحد في أن العالم العربي "متخلف" وفي أنه صُنف في "العالم الثالث"، ولكن لم يكن أحد يفصل الحرية والكرامة عن الكفاية المادية. ها هنا يأتي "استبداد النظام الأمني" الذي يعيد ترتيب الأشياء والقيم وفق أولوياته. إذ من أجل أن يهيمن هذا النظام في البلدان العربية (وسوريا من ضمنها)، كان يجب منذ البدء أن يحاصَر الشعب السوري (نموذجاً) في الأقاليم الثلاثة المذكورة آنفاً. من هنا، برزت الوظيفة الحاسمة القائمة على ضرورة أن يُفسد من لم يُفسد بعد، بحيث يصبح الجميع ملوّثين.

وقد اقتضى ذلك ألا يتوقف الأمر عند "التخلف" ذي المصادر التاريخية والراهنة، بل أن يمتد إلى حلقة أخرى قصوى، هي التنويه بأن "التخليف" يقف على رأس أولويات النظام الأمني. وانطلق هذا الأخير -في سياق ذلك- باتجاه التحول إلى حالة أبدية تتم، بمقتضاها، مهمات تأسيس "دولة الملفات الأمنية"، التي تُنهي كل مظاهر الحرية والكرامة، لكن التي تحافظ على حدّ ما من الكفاية المادية، إنما عن طريق الفساد والإفساد بكل احتمالاتهما: إلى امتلاك ثروة البلد التي تتضمن كذلك ثروات الأفراد، فإلى المخدرات، مع تأكيد قاطع على سلطة مرجعية حزبية واحدة يُزعم أنها تمثل الجميع. وكل من يقف في وجه هذه الاستراتيجية، يعلن نفسه "معادياً للأمة وواحداً مِمّن يوهّن وجودها ومصائرها التاريخية".

إن تحويل سوريا من بلد متخلف إلى بلد مخلَّف، يمثل استراتيجية تدميرية، وعلى هذا الأساس، كان قانون الاستبداد الرباعي (في السلطة والثروة والإعلام والمرجعية) القوة القصوى الفاعلة باتجاه ذلك التخليف: بطالة هائلة متصاعدة، وثروة وطنية مسروقة، وفتح ملفات النساء المنظمات، للعيش وللقيام بخدمات أمنية، وتصدع وتفكك في مؤسسات "الدولة"، والعمل الدائم على توليد صراعات طائفية ودينية ومذهبية وإثنية وقومية...إلخ، وإلا، كيف تعلن جماعة أنها باقية للأبد، بعيداً عن المساءلة والمراقبة والضبط! وقد لوحظ كيف راح رؤوس تلك "الدولة" وأعوانها يعلنون، إن الذي يحدث في البلدان العربية المنتفضة ما هو إلا "مؤامرة خارجية"، تدبرها الإمبريالية خصوصاً ضد بلدان المقاومة والممانعة، مستكثرين على "غلابا الوطن" أن ينتفضوا وأن يعلنوا نهاية العذابات.

=================

المجتمع المدني والتحوّل الديموقراطي

جيروم شاهين

المستقبل

20-12-2011

إن موضوع المجتمع المدني هو، اليوم، من المواضيع الأكثر تداولاً في جميع المجتمعات لارتباطه، من جهة، بشكل الحكم الأكثر ديموقراطية، ومن جهة ثانية، بالعولمة في جميع مستوياتها.

فالمجتمع المدني هو، في ذهن النخبة بشكل خاص، والنخبة العربية بشكل أخصّ، مرادف للتحول الديموقراطي.

فهو بالتالي، البديل عن المجتمع الذي تهيمن فيه سلطة الدولة الاستبدادية الشمولية، والبديل، عن النظام القبلي والمجتمع الطائفي الذي تكون فيه الكلمة العليا لشيخ القبيلة أو رئيس الطائفة.

أجل، عندما نتحدث عن "التحول الديموقراطي" في عالمنا العربي يحضر الى ذهننا مدى حاجتنا الى تطور الدساتير، وتطور القوانين، وشرعة حقوق الإنسان ووضعها موضع التنفيذ. وهذا كله لن يتحقق ما لم ينشأ في كل مجتمع موقع فاعل وفعّال لما يسمى المجتمع المدني.

صحيح أن الآراء تعددت وتباينت في شأن تحديد مصطلح المجتمع المدني، منذ نشأته، إلا أن الأسس والمبادئ التي بُني عليها مفهوم المجتمع المدني كانت تتمثل بسيادة القانون واحترام إرادة الإنسان وحقوقه في حقول الاقتصاد والسياسة وتحديد دور السلطة، وإعطاء المجتمع الدور الكبير في بناء الحياة وصنع القرار السياسي، وبناء الدولة على القانون والمؤسسات، والتسامح، وقبول النقد والرأي الآخر. إن بناء المجتمع المدني أصبح هدفاً إنسانياً تسعى لتحقيقه فلسفات ونظريات متعددة. وإن اختلفت هذه النظريات بعض الشيء، إلا أنها كلها تشدد على وظيفة المجتمع المدني في حماية الفرد من عسف الدولة وسطوتها، وعلى إشراك الناس في صنع القرارات.

مع ذلك، وعلى الرغم مما بات يتمتع به مفهوم المجتمع المدني من رواج في الخطاب الفكري والسياسي العربي، فإنه لا يزال يمتلك معاني ودلالات مختلفة من قبل مستخدميه.

وهكذا فإن معظم تعاريف المجتمع المدني تستثني المؤسسات الاقتصادية القائمة على الربح والمتعلقة مباشرة بعمل وآليات السوق في إطار المجتمع المدني خلافاً للمفهوم الكلاسيكي الذي شمل العلاقات الاقتصادية ضمن المفهوم.

كما يستثني بعضهم الأحزاب السياسية من تشكيل المجتمع المدني لافتراض أنها تسعى للوصول الى السلطة، في حين يصر بعضهم الآخر على مركزية دورها في المجتمع المدني كونها تطرح برامج اجتماعية واقتصادية وتعليمية وغيرها. وما زال هناك جدل يدور حول ما إذا كانت التشكيلات القائمة على أساس الدين والطائفة، أو الانتماء الاثني تشكل جزءاً من المجتمع المدني أم ينبغي استثناؤها منه.

فهذه، من جهة، تسعى الى التغيير والدفاع عن حقوق وتطلعات فئات واسعة في المجتمع والضغط على مراكز القرار. لكنها، من جهة ثانية، قد تتناقض مع مبدأ المواطنة.

إن التباين في تحديد حدود ومكونات المجتمع المدني يعود، في جانب منه، الى اعتماد مفهوم ذي بعد واحد معزول عن سياق محدد تاريخياً ومجتمعياً.

لذلك، علينا الأخذ في الاعتبار كلاً من الزمان والمكان عندما نفكر في مفهوم المجتمع المدني والمفاهيم المماثلة.

فالمطلوب هو أن نتجه مباشرة الى الواقع العربي لنلتمس منه محددات مفهوم المجتمع المدني. فعلى سبيل المثال: قد نجد، هنا أو هناك، جمعية تحمل اسماً طائفياً. ولكن العمل الذي تقوم به ليس بطائفي بل يندرج ضمن خدمة الناس بكل شفافية وتجرد. ليس المهم إذن الاسم والشكل. المهم هو المضمون، أي عمل الهيئات المدنية وتوجهاتها ومبادؤها.

وإذا ما تساءلنا عن وضع هيئات المجتمع المدني في البلدان العربية لوجدنا تفاوتاً في هذا الوضع بين دولة وأخرى. لكن، على العموم، لم يتوصل بعد المجتمع المدني بتثبيت موقعه والتوصل الى علاقة تكامل مع السلطة السياسية. فهذه الهيئات غالباً ما نراها واقعة تحت قيود السلطة السياسية وضغوط التمويل.

فمن جهة العلاقة ما بين المجتمع المدني والدولة، يلاحظ أن المشكلة الأولى والأساسية والمعممة هي عدم الثقة المتبادلة ما بين الدولة والمجتمع المدني. فلا هذا الأخير يثق بالأولى، ولا الأولى تثق بهذا الأخير. هذا الأمر تترتب عليه أمور كثيرة مهمة تأخذ شكل قيام الدولة بتبني مجموعة من الأدوات القانونية والأمنية والسياسية والإعلامية التي تؤدي الى إحكام السلطة على المنظمات الأهلية أو المدنية.

نستنتج من هذا الأمر أن العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني هي في الواقع علاقة تحتاج الى إعادة النظر من ناحية المرجعية والمفهوم والأدوات بحيث تصبح علاقة شراكة حقيقية تكون فيها السلطة، في إطار التشريعات والقوانين والممارسة، مشجعة للعمل الأهلي ليأخذ هذا الأخير دوره الكامل في خدمة الناس وفي تنمية المجتمع وصولاً الى بناء الدولة المدنية.

في الخلاصة، لا بد من التركيز على ضرورة تنمية العمل المدني بشكل كبير. فمنظمات المجتمع المدني تُعرف بأنها العناصر الفاعلة الأساسية في برامج التنمية البشرية، ولا سيما في ما يتعلق بتقديم الخدمات للفقراء والمهمشين، وفي محو الأمية، ورعاية الشبيبة، والعمل في قضايا العلاقة ما بين الرجل والمرأة، ونوادي تكنولوجيا المعلومات، وحماية البيئة، وغير ذلك.

وبمنظور أوسع، فإن المجتمع المدني هو الساحة الشرعية التي يستطيع المواطنون المشاركة فيها بشكل متزايد في مرحلة التحول الى مجتمع ديموقراطي. لذلك يجب على المجتمع المدني أن يدعو الى إزالة العقبات التشريعية والعملية التي تكبح نشاطه، أو أن يعمل من أجل وضع إطار قانوني يسمح بالدعوة الى تغيير السياسات، ومتابعة أداء الحكومة، والقطاع الخاص، وتطبيق المساءلة.

=================

بشار صار من الماضي

علي حماده

2011-12-20

النهار

ليس المهم مساجلة وليد المعلم حول ظروف توقيع النظام في سوريا بروتوكول المراقبين العرب مع الجامعة العربية. فما قاله عن فرض التعديلات التي تضمن احترام سيادة سوريا تفصيل بالنظر الى حجم المعاناة التي يعيشها السوريون، والمهم اليوم هو التأكد من التطبيق الفوري والالتزام الدقيق لبنود البروتوكول، علماً ان العالم أجمع، وأوله العرب، يعتبرون ان بشار الاسد يناور ليكسب مزيدا من الوقت، او انه يحضّر لعمل ما أمني ضد المراقبين يجري الاعداد له ليظهر انه من صنع الثوار في سوريا. من هنا وجوب ان تلزم البعثات العربية الحذر الشديد باعتبار ان النظام يعتمد دائما الاساليب المافيوية في نزاعاته مع الداخل والخارج على حد سواء. وما نعنيه بالاسلوب المافيوي ان نظاما لم يتأخر لحظة في قتل الآلاف من أبناء بلده في الشهور القليلة المنصرمة لن يتوانى عن التهيئة لمكمن ينصبه للمراقبين العرب كي يمضي في حملة القتل المنظمة بأقل قدر من الضغوط الخارجية.

وقع نظام بشار الاسد على البروتوكول فيما كان حي الميدان في العاصمة دمشق ينتفض، والعشرات يسقطون برصاص الامن والجيش و"الشبيحة". وان كنا من الذين يعتبرون ان بشار يراوغ، لانه لا يقيم وزناً لغير بقاء النظام، فإننا نرى ان على المعارضة السورية بفئاتها كافة ان تقبل بها وتشجع عليها، وتتعامل معها بإيجابية. فالمبادرة العربية والبروتوكول أوجدا لحماية المواطنين السوريين، ويضمنان مواصلة التظاهر السلمي وحماية المتظاهرين. وبناء عليه ينبغي إعادة تفعيل الحراك الشعبي الواسع لحظة وصول طلائع المراقبين بتظاهرات ضخمة ضد النظام وبشار الاسد.

إن القبول بالمبادرة العربية، وتوقيع بشار البروتوكول لا يعنيان خيار إسقاط النظام ودفن "جمهورية حافظ الأسد" ما عاد قائماً، ولا ان الثورة لطي هذه الصفحة السوداء من تاريخ سوريا والعرب ستضعف، بل العكس تماما. فالتصميم أقوى من أي وقت مضى، والحوار مع قتلة الأطفال غير مجد، ولا حل إلا بتنحي بشار الاسد وتفكيك النظام برمته.

إننا ندرك ان النظام يناور. وندرك انه يتذاكى بقبوله توقيع بروتوكول المراقبين العرب في إطار تهيئته لخديعة جديدة، ولكننا نعرف يقيناً ان الثورة مستمرة، وباستمرارها وتصاعدها على كل المستويات، فإنها هي التي ستفرض على العالم أجندتها بالنسبة لسوريا وليس النظام. فدماء الشهداء هي التي صنعت الثورة، وهي التي مكنت قوى المعارضة المتنافرة من الاتحاد في أطر ذات صدقية، وهي التي فرضت ان تصير الحرية والكرامة في سوريا بنداً عاجلاً على الأجندة الدولية. وهذا العنصر تحديداً سيكون منطلق تغيير النظام في سوريا.

إن بشارالأسد لا ينتمي الى المستقبل، فقد أغرق حاضره بدماء آلاف السوريين، ويقيننا انه لن يكون من مكان في سوريا المستقبل لقتلة الأطفال. وفي اختصار شديد نقول ان بشار الأسد هو الماضي، أما الحرية والكرامة فهما المستقبل في سوريا الغد.

=================

في بلد يسوده القتل ورئيسه غائب عن الوعي.. العصيان المدني آخر الدواء الكيّ

د. عمّار البرادعي

2011-12-19

القدس العربي

يقولون 'يكاد المريب أن يقول خذوني'، فكيف بمرتكب الجريمة المعروف والموصوف والثابتة عليه أمام أعين العالم، كما هي حال نظام بشار الذي ما زال يلفّ ويدور محاولا التغطية عليها بشتى طرق التحايل لكسب الوقت، رغم إدراكه أن كل هذه الأساليب المفضوحة لن تحول دون مصيره المحتوم على أيدي أبناء شعبه.

لم يُفاجئنا نظام بشار برفضه منذ البداية التوقيع على بروتوكول يسمح بدخول مراقبين من قبل الجامعة العربية، بل على العكس كان يمكن أن يُفاجئنا لو قبل بذلك. لقد كان من البديهي أن يرفض بمجرّد أن يسأل نفسه : ماذا سيُراقب هؤلاء وماذا سيسجلّون عن مشاهداتهم لعمليات التقتيل والقمع، وعن مشاهد أرتال الدبابات وهي تقتحم المناطق السكانية وجثث القتلى التي تبقى في الشوارع إلى حين التمكن من انتشالها، ناهيك عن جنازات التشييع بالجملة كل يوم، والدمار الذي يستحيل أن تُحدثه بنادق 'المتآمرين' من أفراد الشعب، على فرض أنها استُعملت في كل أنحاء سورية لمواجهة آلة التدمير الرسمية ؟

من المؤكد أن كل ما ستراه عين المراقب أو الزائر من جرائم بحق المواطنين هو من صنع أجهزة النظام المدرّبة على قمع المواطن في الأساس بدل مواجهة الأعداء، فهل يمكن والحالة هذه أن يكون الحاكم الدكتاتور ضدّ نفسه حتى يوافق على استقدام من سيكبّل يديه ورجليه بالقيود، وهو الذي يدرك أنه بمجرد توقيعه على البروتوكول يكون قد بَصَمَ سلفا بإبهامه على لائحة إدانته المعززة بكمّ من الوثائق وشهود العيان ؟

رفض النظام من هذه الزاوية كان بديهيا ومتوقعا، ولم يأت بدافع الحرص على السيادة ولا الكرامة كما تُردّد أبواقه الإعلامية، ولا ردا على شعوره بالإهانة من قبل الجامعة العربية التي أثبتت وقائع الأسابيع الأخيرة أنها ـ وبتوجيهات من معظم حكامنا ـ حريصة على عدم إسقاط نظام بشار بأيدي شباب الثورة الشعبية.

ليس بدافع حبّ هؤلاء الحكام له، بل حرصا على بقائهم في كراسي الحكم وتحسّبا ليوم يصل فيه كل واحد منهم الى وضع بشار الآيل الى مصير القذافي ونظامه، بدليل هذا الكرم الرسمي والإستثنائي في منحه العديد من المهل المتتالية، وعدم قطع الجامعة الإتصالات معه لتبادل الآراء حتى بعد أن' زاد على قائمة شروطه السابقة أمورا جديدة لم نسمع بها من قبل'، حسبما قال أمينها العام نبيل العربي، إلى درجة أن كل مهلة 'أخيرة' منها كانت تتبعها على الفور 'أخيرة أخرى'، حتى وصلت حدود المماطلة الى منحه بعد استنفاذ هذه المهل 'مهلة إضافية'.

ورغم كل هذه المراعاة التي لم تلق من النظام إلا التلاعب وفرض الشروط الإحتيالية المستفزّة التي تمثّلت حتى بعودته التكتيكية للموافقة على البروتوكول بصيغة أوقــــح من الرفض وأكثــــر مغالاة في المكابرة بالمحسوس، عاد أمين عام الجامعة مجددا إلى الطلب من السلطات السورية توقيع هذا البروتوكول لكي يجري رفع العقوبات عنها، دون أن ننسى أن شرط رفع العقــــوبات الذي تقدم به النظام يقضي بفورية الرفع بعد التوقيــــع، وليس بعد التنفيذ كما يُفترض. ولما اضطُرّ بعد ذلك إلى دعوة وزراء الخارجية للاجتماع يوم السبت 17 الجاري، عاد وأجلّ الموعد .. وهكذا دواليك حتى اللحظة.

هذا المسلسل بكل تعقيداته كان من الممكن اختصاره وتفادي نتائجه من قبل النظام، حيث كان بإمكانه الهروب من 'زنقة' المراقبين وخيار القبول أو الرفض قبل الوصول اليها، لو تخلّى عن عقدة المكابرة وتعامل بإيجابية وتعقّل مع مطالب الإنتفاضة الشعبية التي سرعان ما حوّلها بعناده وجبروته الإجرامي الى ثورة شاملة وصلت الى حد إعلان لجان التنسيق المحلية عن بدء 'إضراب الكرامة' المفتوح، واعتباره الخطوة الأولى نحو مرحلة العصيان المدني الشامل الذي سيفضي إلى شلّ كل جوانب عصب النظام.

كان بإمكانه الإعتراف بالواقع الإستبدادي الفاسد دون مواربة ولا تعلّل، والمسارعة إلى اتخاذ قرار جريء بوقف عجلة التقتيل، وإبداء استعداده للنزول عند إرادة الشعب وتلبية مطالبه، بدلا من الإصرار على نعته بالمتآمر والإرهابي والعامل على تنفيذ مؤامرة خارجية تستهدف ممانعته وصموده وتصدّيه التي صدّعنا بها طوال أربعة عقود من التفرّد والتحكم برقاب العباد. وكان بإمكانه أن يُقلل من حجم كارثته القادمة لا محالة، وربما كان بإمكانه عندها المطالبة بضمان نهاية له تختلف عما حصل للقذافي، بدل أن يُصبح من المستحيل عليه اليوم أن ينال نهاية كعلي عبد الله صالح الذي تحايل كثيرا ثم اضطر الى التنازل، ولو بصيغة لا تخلو من الخبث والتحايل أيضا.

الغريب في بشار الذي استغربت باربرا وولترز من تصنّعه الهدوء وإنكاره كل الحقائق أثناء الحوار الذي أجرته معه لمحطة إم بي سي، تأكيده من خلال أجوبته الإستهبالية على الأسئلة التي وُجّهت إليه أنه فعلا كما وصفه الناطق باسم الخارجية الأمريكية 'إما منفصل عن الواقع وإما أنه كما قال هو: 'ليس هناك حكومة تقتل شعبها إلا إذاكانت تحت قيادة شخص مجنون'. فهل يُعقل مثلا أن يكون جوابه على السؤال الذي طرحته عليه باربرا: كيف تصف ما يحصل الآن (في سورية)، بالرد مندهشا: '..وما الذي يحصل؟'.

وحتى عندما رأيناها تسايره على تجاهله وتقدّم له بعض الأمثلة على الجرائم التي ارتُكبت بحق شخصيات معروفة ذكرت ثلاثة منها بالإسم، ادعى أنه لا يعرف أحدهم ولم يسمع عن الآخر لأنه 'غير مشهور!'، ولم يُعلّق على الثالث. ثم ارتفعت وتيرة استهتاره بهذه الحقائق ووعي الدنيا لها فادّعى أن هذه الأمثلة ليست إلا حالات فردية، وأن أكثرية الذين قُتلوا هم من الموالين للحكومة.

لم يفكّر بشار لحظتها أنه إذا كانت أكثرية الذين يُقتلون هم من موالي النظام على حد ادعائه، فلماذا يحجب سورية عن كل وسائل الإعلام، ولا يفتح لها الأبواب كي تُسجّل بالكلمة والصورة كيف أن الشعب يُمارس حرب الإبادة ضد الحكومة 'المسالمة' ورجالاتها؟ أليس من مصلحته ومصلحة نظامه في هذه الحالة أن يُبادر هو ـ لا الجامعة ـ إلى المطالبة بإيفاد مراقبين، ويُسارع الى توقيع بروتوكول يُنظم هذه العملية دون وضع العراقيل والشروط التي لا يرمي من ورائها غيرالعرقلة والتسويف؟

ثم، إذا كان الشعب السوري إرهابيا ومتآمرا وهو الذي يقوم بعمليات القتل الجماعي، فماذا يقول النظام في وصف أولئك الذين التزموا بالمشاركة في الإضراب ـ وهو بالمناسبة تعبير سلمي بأسلوب سلبي ـ حين اكتفوا بإغلاق محلاتهم ولزموا بيوتهم تجاوبا مع نداء اللجان التنسيقية، على الرغم من إقدام عسكر بشار وشبّيحته على كسر أقفال المحلات لإرغام أصحابها على الإسراع بفتحها كي لا يجري نهبها، فهل يُعقَل أن يكون الشعب إرهابيا ومتآمرا لمجرد تجاوبه مع نداء الإضراب؟

إضافة لكل ما تقدّم، تبدو النقطة الأبرز في نظر العالم أن الفضائح التي تضمنتها أجوبة بشار في هذه المقابلة ـ وغيرها من المواقف ـ تكاد لا تُحصى، ولا يجرؤ على التفوّه ببعضها حتى الفاقد لنصف عقله .لذلك فمهما حاول النظام ترقيع ما ورد على لسانه لن يُفلح في إخفائها، حتى لو أعاد فبركتها بالكامل، بل سيغوص أكثر في عملية التضليل والتعالي الكاذب، كقول المتحدث باسم الخارجية السورية ردا على تعليق الناطق باسم الخارجية الأميركية ' .. إذا أراد المسؤول الأميركي، فإنه لدينا معهد لتدريب الدبلوماسيين ويمكننا أن نعطيه دروسا.

السؤال الملحّ الآن: وماذا بعد، وكيف سيكون الحل؟

في محاولتها الإجابة على ذلك تروّج أبواق بشار نقلا عن لسانه أن الثورة ستستهلك ذاتها وسيصيبها الإرهاق مع مرور الأيام، وأن الجيش سيبقى مواليا له، ويتناسون أن أجهزة بشار القمعية باتت تجهد بكل الوسائل كي لا تنتقل مشاهد حمص وحماة ودرعا إلى قلب العاصمة وأحيائها.

ويقول آخرون بأسلوب 'المحايد' الحريص على البلد بأهله ونظام حكمه معا، أن توازن الرعب بين المتصارعين يفتح باب استمرار الوضع على حاله إلى ما لا نهاية. ويخلصون من وراء ذلك إلى أنه لابدّ من إيجاد حل متوازن في المقابل يستند إلى مقولة 'العفو عمّا مضى'، ويتناسون أنه لا يمكن المساواة بين المجرم والضحية.

وليس بعيدا عن هذا الطرح يخرج علينا بعض قادة المعارضة كرئيس المجلس الوطني السوري بتصريحات متشعبة ومختلفة الصياغة لكنها تصبّ في نفس السياق. فهو لا يريد التدخل الخارجي، ولا يريد في الوقت نفسه أن يُواصل الجيش السوري الحرّ تصدّيه لآلة النظام. وعندما يُعرب عن تخوّفه من الحرب الأهلية يُقرن كلامه بالدعوة الى حلّ سلمي (بين النظام وضحاياه). ومع أن أبرز نشاطاته تنحصر في سفرياته المستمرة والتنقّل بمؤتمرات مجلسه من بلد لآخر، إلا أنه لم يتمكن حتى الآن من تحقيق إنجاز عملي يُذكر، لا لجهة توحيد قوى المعارضة أو توسيع دائرة الإعتراف بها، ولا على صعيد تحصيل قدر من الدعم للضحايا وأسر شهداء الثورة .. إلى آخر المهام التي يُفترض أن ينجح في بعضها أو واحدة منها على الأقل، وهو ما دفع البعض إلى التقوّل أنه أصبح حجر عثرة في طريق معارضي الخارج والداخل في آن.

ولكن هذه الأطروحات وما شابهها لا تعكس وجه المعارضة الفاعلة التي تمثلها ثورة شعبنا في الداخل، وما على الباحث عن الحقيقة إلا متابعة سير ما يجري يوميا لجهة تصاعد فعل الثورة، إلى جانب اتساع دائرة انشقاق الأحرارعن جيش ومؤسسات النظام، حتى يرى الوجه الحقيقي الذي لا يريد أن يعترف به النظام، ولا أن تحسم أمرها تجاهه جامعة الحكام العرب.

' كاتب سوري يقيم في باريس

=================

من انقذ من: الجامعة ام النظام السوري؟

رأي القدس

2011-12-19

القدس العربي

توقيع السيد فيصل مقداد نائب وزير الخارجية السوري على 'بروتوكول' المراقبين العرب الذي اعده وزراء الخارجية العرب، انقذ الجامعة العربية مثلما انقذ النظام السوري في الوقت نفسه، وشكل صدمة للمعارضة السورية التي كانت، وما زالت، تراهن كثيرا على الموقف العربي لمساندة جهودها، السلمية منها والعسكرية، لفرض التغيير الديمقراطي المأمول.

المنتفضون السوريون الذين واجهوا رصاص الجيش والامن بصدورهم، كانوا محقين عندما رفعوا لافتات تتهم الجامعة العربية بالمشاركة في قتلهم، من خلال المبادرات التي يقدمونها من حين الى آخر، ويمددون سقفها، مما يعطي النظام فسحة من الوقت لترتيب اوراقه، وفرض شروطه، مثلما حدث مع البروتوكول الاخير.

وزراء الخارجية العرب صعدوا على شجرة عالية جدا من خلال اجتماعاتهم المتلاحقة حول الملف السوري، وخطواتهم المتلاحقة لعزلته، مثل تجميد عضوية سورية في الجامعة العربية، وفرض عقوبات اقتصادية ومالية، كتجميد التعاطي مع البنك المركزي السوري والمصارف التجارية الاخرى، وعندما ادركوا ان تأثير هذه العقوبات محدود، وتصيب الشعب السوري اكثر مما تلحق ضررا بالنظام، قرروا ان يبحثوا عن 'سلّم' ينزلهم من فوق هذه الشجرة، فجاءت الوساطة العراقية طوق الانقاذ. فمتى كان النظام العراقي وسيطا موثوقا لدى الجامعة؟

التهديد بوقف رحلات الطيران المدني لم يترجم على الارض، والعقوبات الاقتصادية ظلت حبرا على ورق، حيث لم يلتزم بها جيران سورية، مثل الاردن الذي سيتضرر بصورة اكبر، والعراق الذي عارضها من الاساس، اما تركيا فوجدت ان طابور شاحناتها المحملة ببضائعها اطول من صبر ايوب، فقررت التزام الصمت، وتوقفت عن حماسها التقليدي في الحملة ضد النظام السوري، ولم نعد نشاهد الدكتور احمد داوود اوغلو مشاركا متحمسا في اجتماعات اللجنة العربية بشأن سورية.

حتى تهديد الجامعة العربية باللجوء الى مجلس الامن الدولي في حال رفض النظام التوقيع على بروتوكول المراقبين، وتدويل الازمة السورية بالتالي، تهديد محفوف بالشكوك، لسبب بسيط وهو ان كلا من بريطانيا وفرنسا اقدمتا على هذه الخطوة قبل شهرين، وتقدمتا بمشروع قرار لفرض عقوبات اقتصادية اشد على سورية، فماذا حدث؟ جاء 'الفيتو' الروسي ـ الصيني المشترك لاحباط هذا التوجه، ولا نعتقد ان مصير اي توجه عربي الى مجلس الامن سيكون افضل حظا.

امريكا لا تريد اسقاط النظام السوري بالوسائل العسكرية، لان قيادتها لا تستطيع ان تسوق فكرة خوض حرب جديدة وما يترتب عليها من تبعات ومخاطر الى رأي عام مرهق بالازمة الاقتصادية الطاحنة التي جاءت واستفحلت بسبب حروب بوش في العراق وافغانستان، وزادت هذه القناعة ترسخا بعد ان رأت كيف ان الانظمة البديلة لحلفائها في كل من مصر وتونس جاءت بالاخوان والسلفيين الى سدة الحكم، وهؤلاء سيشكلون خطرا على اسرائيل ومعاهدات السلام التي وقعتها في كامب ديفيد ووادي عربة، ومن ثم اتفاقات اوسلو التي نفقت مثلها مثل مبادرة السلام العربية.

النظام السوري كسب الجولة، وسجل هدفا ذكيا في مرمى الجامعة العربية، ووجه ضربة قوية للمعارضة السورية التي بنت عليها آمالا عريضة، بمجرد قبوله ببروتوكول المراقبين هذا، ولو على المدى القصير، فأمام هذا النظام شهرين على الاقل لالتقاط الانفاس، هي المدة الزمنية المحددة لمهمة هؤلاء المراقبين لاعداد تقاريرهم بعد مشاهداتهم على الارض، وتقديمها الى وزراء الخارجية العرب لتقويمها واتخاذ القرارات بشأنها. ويعلم الله ماذا يمكن ان يحدث خلال هذين الشهرين.

في المقابل، لا يجب ان يفرح النظام السوري بهذا 'الانجاز'، ويستمر في اعمال القتل الدموي بحق المواطنين الابرياء، فقد تكون هذه المبادرة العربية فرصة له للانخراط في حوار حقيقي مع المعارضة والافراج عن المعتقلين فورا، لان سقف المراوغة بات محدودا جدا، وهناك خطر اكبر يهدد النظام، وسورية كلها، وهو خطر الحرب الاهلية، والتمرد العسكري، فعمليات تهريب الاسلحة الى الجماعات المسلحة في الداخل في تصاعد، وتدفق المقاتلين لنصرة هؤلاء من دول الجوار بدأ عمليا، وهناك ادلة قوية تؤكده، مما يوحي، بل يؤكد، اننا امام تجربة مماثلة لتجربة ما كان يسمى بـ'المثلث السني' في العراق في السنوات التي اعقبت الاحتلال الامريكي.

فترة التقاط الانفاس التي قد يوفرها توقيع بروتوكول المراقبين قد تكون فرصة للنظام السوري لمراجعة كل ممارساته وسياساته السابقة والتخلي عن العناد الذي طبعها، وبما يؤدي الى بلورة سياسات جديدة لتلبية مطالب الشعب المشروعة في التغيير الديمقراطي.

=================

ما هو المطلوب اليوم في سورية؟

الثلاثاء, 20 ديسيمبر 2011

سلامة كيلة *

الحياة

تظهر الانتفاضة السورية وكأنها في مأزق، الأشهر تمرّ من دون أن ينفتح أفق يشير إلى الطريق الموصل إلى «إسقاط النظام». لقد ظهر أن توسعها الأفقي قد توقف، أو حتى تراجع، على رغم أن الملاحظ يلمس أن مناطق جديدة تدخل كل جمعة جديدة، وربما كل يوم. لكن في كل الأحوال ما قيمة التوسع من دون أن يكون واضحاً ما يمكن أن يضيفه لكي يفتح أفق التغيير؟

ثم برزت الحاجة إلى «تعبير سياسي» عن الانتفاضة. وربما أحسّ الشعب المنتفض بأن هذا التعبير يمكن أن يوجد الأفق الذي يدلّها الى طريق التغيير. وإذا كان هدف توحيد المعارضة قد طرح كأساس لبلورة هذا التعبير السياسي، فإن «ألعاب» المعارضة قادت إلى أن يتشكل المجلس الوطني السوري ممثلاً لجزء من هذه المعارضة، معظمه في الخارج. لكنه أصبح التعبير السياسي الذي يلمّ كتلة كبيرة من المنتفضين، انطلاقاً من الأمل الذي يحدوهم بتوضيح الطريق.

وكانت أطراف المجلس الوطني المؤسسة (الإخوان والليبراليين) تشير منذ أمد إلى التدخل الدولي لحماية المدنيين والحظر الجوي، وحتى التدخل العسكري، لهذا ظهر وكأن مهمة المجلس العتيد هي النشاط الدولي من أجل حماية المدنيين، وليتسرّب معها مطلب الحظر الجوي، ويشار من جانب بعض أطراف المجلس الأساسيين (الإخوان وإعلان دمشق) إلى التدخل العسكري. وقد لعب الإعلام الذي هو بيد هذه الأطراف، أو الداعم لها (مثل قنوات الجزيرة والعربية) على العنف الدموي الذي يواجَه به المنتفضون، خصوصاً بعد انتصار ليبيا بمساندة حلف الناتو، لتعميم فكرة الحماية الدولية، والحظر الجوي، وربما البدء بالتحضير لطرح فكرة التدخل العسكري، على رغم أن الوضع الدولي يؤشر إلى عدم إمكانية ذلك (الآن على الأقل).

وبهذا أصبح المخرج من «مأزق» الانتفاضة هو بالضغط من أجل تدخل دولي لـ «حماية المدنيين»، وأصبحت مهمة المجلس الوطني هي الحصول على الاعتراف الدولي، ودفع الدول للتدخل من أجل ذلك... الذي كان يُطرح على أن يؤخذ قرار من مجلس الأمن تحت البند السابع (الذي ينص على التدخل العسكري) من أجل فرض حظر جوي لـ «حماية المدنيين» (كما أوضح رضوان زيادة مراراً في نص محفوظ). وهذا ما وجد من يدعمه في الانتفاضة، انطلاقاً من أن حماية المدنيين لا تعني التدخل العسكري، أو أن الحظر الجوي لا يعني التدخل العسكري. وربما يقود القتل الممارس والتدمير وكل أشكال العنف قطاعات إلى الاعتقاد بأن التدخل العسكري يمكن أن يحلّ مشكلتها، بالتالي تطالب بذلك.

شهران وأيام من نشاط المجلس لم تصل إلى حل، وظهر أن الجامعة العربية تماطل، و «الدول الغربية» لا تريد التدخل العسكري. الأمر الذي يجعل هذا الأفق مغلقاً، حتى للمتحمسين له. بالتالي سيكون كل الجهد الذي بذل بلا فائدة، ويكون قد تعمم وهم أربك الانتفاضة، وجعل المنتفضين ينتظرون حلاً لا يأتي، بدل البحث عن أفق آخر. وإذا كان التفكير أصلاً بالتدخل «الخارجي» لأن نتائجه خطيرة، وسيكون الدم والتدمير أكبر، وسيقود إلى صراع طائفي وتفكك الدولة، فإن الوضع الدولي كان يشير إلى أن الإمبريالية الأميركية والأطلسي ليسا في وارد التدخل نتيجة الأزمة الاقتصادية العميقة التي تلفّ الاقتصاد الرأسمالي. وتركيا، وهي التي تمتلك قدرة عسكرية، لا يبدو أنها تريد التدخل العسكري.

بمعنى أنه ارتبط دعم المجلس الوطني بخيار «الدعم الدولي»، ولا يبدو أن «الأمل بحل ليبي» هو أمر ممكن. الآن عاد البحث عن أفق يطرح من جديد. المشكلة التي تحكم النظر هنا هي أن العنف الدموي الذي يمارس يجعل الشعور بـ «العجز» لدى المنتفضين أمراً ممكناً، خصوصاً في المناطق التي تتعرّض للقصف والقتل والحصار، وبالتالي يستدعي من يعتقد بأنه يخفف من ذلك... هذا تفكير «طبيعي» في وضع دموي. لكن النظر الإشكالي هو الذي يحكم أطراف المعارضة التي لا تعتقد من الأساس أنه يمكن أن يهزم الشعب السلطة، لأنها أقوى من أن تسقط، لهذا لا بد من الدور الدولي. ولهذا لا نشاط لها سوى على الصعيد «الدولي»، الذي لا يبدو أساسياً في كل الأحوال، لأن الدول «الغربية» تتدخل حينما تفرض مصالحها ذلك، ولا تتدخل حين لا ترى حاجة. وبالتالي سيكون كل نشاط هو زائدة. وقد عززت البلدان «الغربية» من حصارها على السلطة، على رغم أنها لم تحسم كلها حول «التنحي»... والنظم العربية تماطل كما يظهر، لأن دورها لا حاجة له إلا حين تقرر البلدان الإمبريالية، وهذه لم تقرر.

وقصر النظر هذا لدى المعارضة، خصوصاً وبالأساس التي في الخارج، لاتباع سياسات تربك الانتفاضة. وإذا كانت سياسات السلطة تدفع الشعب إلى الانتفاض بفعل الوحشية التي تمارس، فإن سياسات المعارضة هذه تلعب دور تأخير انتصار الانتفاضة. فليست المسألة هي مسألة انتفاضة تفجرت، وتتوسع عفوياً، وبوعي الشباب البسيط المنتفض وجرأته، ليكون دورنا هو «الشحدة» عليها، ليصبح القتل والتدمير هو أساس السياسة الإعلامية من أجل القول إن «هذا الشعب العاجز» يحتاج إلى من يحميه. الانتفاضة هي ثورة حقيقية ليست بحاجة إلى الندب، أو «الشحدة». ولا شك في أن انتصارها مرتبط بفاعليتها هي، من دون كل هذا الخوف من قوة السلطة (الذي كسره الشباب المنتفض)، والشعور بالعجز عن التغيير. على رغم أن الانتفاضة بحاجة إلى فعل سياسي، لكن لتنظيمها وتوضيح شعاراتها، والشغل على انخراط فئات اجتماعية متخوفة أو خائفة.

السلطة يمكن أن تتفكك، والفئات التي لم تشارك لا بد من أن تشارك لأنها معنية بالتغيير ككل الشعب، وأهداف الانتفاضة هي ابعد من هدف إسقاط السلطة، حيث إن الإسقاط هو مدخل تحقيق أهداف طبقات، لكي تشارك لا بد من طرح مطالبها. ووضع سورية يفرض أن تؤخذ «الحساسيات» السياسية والطائفية في الاعتبار، من أجل إفشال سياسة السلطة (التي نجحت في اللعب على أخطاء بعض أطراف المعارضة). ولهذا لا بد من أن يكون واضحاً أن كل دعوة للتدخل «الخارجي»، حتى وإن تعمم تحت الدعوة لحماية المدنيين، هي أمر يؤخر الانتفاضة، لأنه يزيد من تخوّف المتخوّفين، ويربك قطاعاً من المشاركين. كما أن كل شعار أو تصريح أو حديث يأخذ منحى طائفياً يؤخر الانتفاضة كذلك. أو وضع سورية مسبقاً في «صف» عربي ودولي، كما فعل د. برهان غليون في تصريحاته الأخيرة.

بمعنى أن وضع الانتفاضة في سورية الداخل هو الأولوية، والتفكير في توسّعها لكي تشمل الفئات التي لم تنخرط بعد (خصوصاً من «الأقليات») هو المهمة الأكبر. لأن في ذلك ما يسمح بضعف أكبر للسلطة، وبالتالي فتح طريق التغيير.

* كاتب سوري

=================

سورية و«حماية» المراقبين

الثلاثاء, 20 ديسيمبر 2011

الياس حرفوش

الحياة

هناك مطبّات كثيرة على طريق المراقبين العرب إلى سورية. المهمة التي سيقومون بها يدور جدل في شأنها حتى قبل أن يصلوا. الجامعة العربية تعتبر أن إرسال المراقبين يهدف إلى التأكد من عدم إطلاق النار على المتظاهرين. أي أن جزءاً من عمل هؤلاء المراقبين سيكون لحماية المدنيين على أساس الافتراض أن وجودهم في الشوارع السورية سيخفف من «نشاط» القوات الأمنية. كما سيتأكد المراقبون من سحب المظاهر المسلحة ومن الإفراج عن المعتقلين. أما الحكومة السورية فترى أن الهدف من السماح للمراقبين بدخول أراضيها هو أن تثبت للعالم صدق روايتها التي تكررها منذ بدء هذه الأزمة في شأن «العصابات الإرهابية المسلحة»، وهو ما أكده وزير الخارجية السوري أمس عندما قال إن المراقبين سيرون بأنفسهم أن المتظاهرين في سورية ليسوا سلميين.

هذا الخلاف ينقل مهمة المراقبين إلى عقبة أخرى: ماذا ومن سيراقبون؟ وإلى أين سيُسمح لهم أن يذهبوا؟ من حيث المبدأ يفترض أن يتاح لهم الذهاب إلى حيث يشاؤون، وأن تتولى السلطة السورية تسهيل وصولهم. أما في الواقع فإن السلطة السورية، كما أشار الوزير وليد المعلم، لا يمكنها أن تسمح لهؤلاء بزيارة «مواقع عسكرية حساسة»، كما أن تحركهم سيكون «تحت حماية الحكومة السورية»، في الوقت الذي يشترط بروتوكول المراقبين أن تقوم دمشق بـ «تسهيل» عملهم. ومعروف أن هناك فرقاً بين «التسهيل» و «الحماية»، بالمعنى الأمني، ويبدو أن هذا ما كان المعلم يشير إليه في معرض المزاح، عندما قال رداً على سؤال في شأن العراقيل التي يخشى أن توضع في طريقهم، إنه سيكون على المراقبين أن يتعلموا «السباحة». وهذا سيُدخل الجامعة في جدل مع الحكومة السورية حول طبيعة المواقع التي سيزورها المراقبون، يذكّر بالجدل الذي دار حول زيارة مراقبي الأمم المتحدة المواقع العراقية في عهد صدام حسين.

الحجة التي تتمسك بها الحكومة السورية والتي على أساسها تحاول فرض شروطها على مهمة الجامعة وعلى عمل المراقبين هي حجة سيادة الدولة على كامل أراضيها. غير أن الواقع هو أن مجرد قبول دمشق بالمبادرة العربية وبفكرة المراقبين، يتضمن تخلياً، ولو جزئياً، عن هذه السيادة. ذلك أن مهمة «المراقب» هي أن «يراقب». وعندما تسمح حكومة ما لفريق خارجي بـ «مراقبة» ما يجري على أرضها، سواء من جانب أجهزتها، أو حتى من جانب فئات معارضة على أرضها، تكون قد اعترفت بالتشكيك الخارجي في رواياتها وفي أعمالها، كما تكون أتاحت المجال لجهة خارجية لتقرير ما هو سيئ وما هو مقبول من أعمال هذه الحكومة. وهذا بعينه هو انتقاص من السيادة.

حقيقة الأمر أن دمشق دُفعت دفعاً إلى التوقيع على بروتوكول المراقبين. لا يمكن إغفال الظرف الذي وافقت فيه على التوقيع، بعد تردد دام منذ موافقتها على المبادرة العربية في 2 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. سبعة أسابيع مرت والرسائل بين دمشق والقاهرة والدوحة تذهب وتجيء والقتلى في سورية يسقطون. ولو اعتبرنا أن معدل القتل اليومي هو عشرون شخصاً، وهو حد أدنى، نستطيع القول إن حوالى ألف شخص قتلوا خلال هذه الفترة.

ما دفع دمشق إلى اكتشاف فضيلة «الحل السلمي» و «التعاون مع الجامعة» في هذا الوقت المتأخر، ليس بالتأكيد الحرص على حل الأزمة السورية من طريق الحوار مع المعارضة وإدخال الإصلاحات الضرورية. إنه التخوف من تهديد الجامعة بنقل الملف السوري إلى مجلس الأمن، والتخوف من تحول في الموقف الروسي، في ضوء مشروع القرار الذي عرضته موسكو على المجلس.

من اكثر الأمور تعبيراً عن مدى صدق دمشق عندما تتحدث عن رفضها التدخل في شؤونها الداخلية، ما أعلنه وليد المعلم أمس عن أن توقيع حكومته على بروتوكول المراقبين جاء بناء على نصيحة روسية، («نصحونا بالتوقيع واستمعنا إلى نصيحتهم») متجاوزة شروطها السابقة، وأهمها تراجع الجامعة العربية عن العقوبات التي فرضتها على دمشق في اللحظة التي يتم التوقيع السوري.

كسب الوقت على أمل تغيير المواقف وموازين القوى، جعل النظام السوري يتجاوز كل العراقيل والشروط السابقة التي كانت تسميها دمشق «شروط إذعان». إذعان ممكن أمام نصائح موسكو وتهديدات مجلس الأمن... وليس أمام الشعب السوري.

=================

المشهد السوري.. ناظر المدرسة وأولياء الأمور

محمد الرميحي

الشرق الاوسط

20-12-2011

لا أعرف على وجه اليقين لماذا كلما تابعت مجهودات الجامعة العربية مع الملف السوري، أتذكر الحكاية القديمة لناظر مدرسة اللُقطاء؛ فقد قرر - تقول الحكاية - بعد أن عانى الأمرين، من شغب الطلاب مجهولي الأب.. قرر أن يدعوا إلى اجتماع لأولياء الأمور، واشترط أن يحضر الآباء!

طبعا، للأذكياء فقط، أن ذلك الشرط تعجيزي ولا يمكن حكما تلبية مثل هذا الطلب، وهو يماثل أيضا اقتراحات الجامعة العربية تجاه ما يحدث في سوريا.. الجامعة تريد أن ترسل مراقبين لحماية المتظاهرين السوريين من عسف القوة المفرطة التي تقدم كل أسبوع عددا من الضحايا وسيلا من الدم.

قبول سوريا ذلك الاقتراح، يعني، فيما يعنيه، أن تعج المدن والقرى السورية بعدد كبير من المراقبين الذين سوف يكونون الملجأ الآمن للمتظاهرين، وعندما يتأكد الجمهور السوري أنه لن يقتل في حال التظاهر سوف تنتشر المظاهرات المطالبة برحيل النظام وهي آمنة من كل مكروه، فيتشجع من هو حتى الآن واقف على خط الأناة أو الترقب من المواطنين السورين، خوفا أو رجاء أو تحوطا، وتنتشر، بالتالي، المظاهرات المطالبة بإسقاط النظام وتتكثف حتى يسقط بالفعل.

هذه النظرية ليس من المستبعد أن بعض أهل النظام في دمشق يعيها، وبالتالي، لن يقبل أن يوقع على تلك المبادرة العربية، فتوقيعه ذاك إن تم، يعني توقيع شهادة وفاته مقدما. ما يقوم به هو كسب الوقت لعل الرياح العالمية أو الإقليمية تهدأ، وأيضا تهدئ من الزخم في أشرعة المظاهرات والاحتجاجات الأسبوعية.

النظام السوري يقرأ الأحداث كالتالي: واضح أن هناك تيارا عارما من الإسلام السياسي يأتي بديلا للأنظمة البائدة في دول «الربيع»، هذا واضح في تونس ومصر وأيضا محتمل في اليمن وفي ليبيا، ولعل البعض في المكاتب المغلقة في عواصم اتخاذ القرار في الغرب، ولدى العرب، يستشعرون أن نظاما سوريا «محسنا» أفضل من قوة إسلام سياسي لا يعرف أحد حتى الآن إلى أين سوف تأخذ المنطقة!

من جانب آخر، يراهن النظام السوري على أن الجرس سوف يقرع في تل أبيب؛ حيث إن النظام الصهيوني في الأرض المحتلة لن يقبل بسهولة أن يحاصر بين نظامين في جناحه الغربي والشرقي مسلحين بقوة الإسلام السياسي التي هي بالضرورة معادية له بسبب آيديولوجيتها وبسبب تماسها بالجماهير، إذا أضفنا إليها قوة حماس.. يعني أن الحلقة تضيق عليه، فهو - أي النظام الصهيوني - سوف يفضل «الشيطان الذي يعرف، والذي لم يطلق رصاصة مباشرة من خلال حدوده طوال العقود السابقة، على شيطان غير مقيد قد يتصرف بخلاف ما تم».. هذه القراءة ليست بعيدة عن رؤية النظام السوري، وتمتد القراءة لتصل إلى أن تل أبيب؛ بما لها من خاطر في واشنطن، سوف تضغط ربما لوقف الحملة الدولية على دمشق.

هذه القراءة يعضدها عدد من الظواهر؛ فالحركة الإيرانية بهذا الاتجاه، أي مع تحسين لوجه النظام السوري دون إزالته، مع تقديم بعض التنازلات في ملفات أخرى، على أمل أن تمر المرحلة، وتأتي مرحلة جديدة، فلا يسقط النظام؛ بل يقدم تنازلات يمكن له في المستقبل أن يمسحها من ملفه.

كل هذا السيناريو، معطوفا على تباطؤ دولي قريب من الحيرة حول أي الطرق يمكن أن تكون ناجحة للضغط على النظام السوري من أجل التغيير الداخلي، كما أن البديل - كما يقول كثير من التحليلات - في نظر القوى الدولية، غير جاهز في سوريا حتى الآن، أي البديل العقلاني الذي يمكن أن يجعل من هذه الفسيفساء السياسية والاجتماعة السورية شبه متماسكة في حال سقوط النظام وإزالته من الصورة، وأيضا منع خيار إسلام سياسي متشدد صرف.

النتائج على الأرض لربيع العرب - حتى الآن - تجعل من المشهد السوري، مشهدا للمراجعة والتأني والتأكد من النتائج قبل اتخاذ خطوات أخرى جذرية. ربما الأفضل من كل السيناريوهات الموضوعة على الطاولة هو سيناريو اليمن، حيث لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم، فقط الراعي يذهب إلى مكان مريح مع مجموعته الصغيرة، ويبقى هيكل الدولة متغيرا على نطاق زمني معقول ومشاركا مع قوى التجديد. مع التكيف مع المطالبات الجديدة؛ ومنها تداول سلمي للسلطة، وإطلاق تكوين الأحزاب، وليبرالية أكثر في الاقتصاد، وانفكاك تدريجي من التحالف الإقليمي.. فقد أصبح التغيير، بجانب كونه سنة، ضرورة حياتية.

هذا السيناريو يحتاج إلى كثير من العمل؛ ليس على مستوى النظام السوري فقط، ولكن أيضا على مستوى المعارضة التي فتح شهيتها وصول المعارضات الليبية والتونسية والمصرية إلى دفة الحكم. فهي لا تريد المشاركة مع هيكل النظام في مرحلة تحول متوسطة المدى زمنيا، وهي بذلك تقرأ البيئة السياسية السورية والمحيط حولها قراءة مبتسرة، كما أن النظام نفسه لن يقبل بسيناريو كهذا، لأنه تعود أن يرى نفسه في المرآة ولا يرى غير صورته التي يعرف كثيرون أنها شاخت سياسيا إلا هو.

من هنا، فإن البديل لدعوة الآباء في مدرسة اللقطاء التي تحاول الجامعة العربية أن تنفذها في سوريا، يقترح أن تذهب الدعوة إلى أهل العقل، لعل فيهم بعض الحنان على الأولاد، الذين هم شعب سوريا، من خلال تقديم مبادرة تتوافق عليها الأطراف لتشكيل حكومة ائتلافية من الحرس السوري القديم والحرس الجديد، المعارضة، مع مخرج مشرف لمن هم في قمة السلطة في دمشق اليوم. بهذا يمكن حقن دماء زكية في الغالب سوف تستباح في الأسابيع والأشهر المقبلة دون أفق لوقف النزف المستمر.

آخر الكلام:

تنتشر بعض الكتابات في الفضاء العربي تعليقا على نجاح انتخاب السلفيين والإخوان في مصر وفي غيرها، تقول تلك الكتابات مباشرة أو مداورة، إن نجاح تلك الفئات الانتخابي هو بسبب تمويل يأتيهم من الخليج.. أسماء محترمة تخوض في ذلك من غير دليل. ينسى هؤلاء أن انتشار تلك الجماعات في مصر في العشرين سنة الماضية كان واضحا للعيان، وبدلا من البحث عن الأسباب العقلية.. يعلق هذا البعض قصور فهمه على نظرية المؤامرة!

=================

سوريا.. حيلة جديدة

طارق الحميد

الشرق الاوسط

20-12-2011

مع المعارضة السورية كل الحق عندما تقول إن توقيع النظام الأسدي على اتفاقية بروتوكول إرسال المراقبين ما هي إلا مراوغة. وهذا صحيح تماما، فالنظام الأسدي لا يجيد إلا الحيل، والمماطلة. فإذا كان التوقيع على البروتوكول استغرق قرابة الشهر، من حيل ومراوغات كان يسقط فيها يوميا قرابة الخمسين سوريا على يد آلة قتل النظام الأسدي طوال شهر التفاوض، أو التحايل، فكيف سيكون الحال بإنجاز ما اتفق عليه، خصوصا إذا كان وليد المعلم مشغولا بإقناع مريدي النظام الأسدي، من الدوائر الضيقة، بأن الاتفاق الذي وقع عليه النظام الأسدي قد تم بعد إجراء تعديلات عليه اشترطها النظام الأسدي؟ فما يريد المعلم إيصاله لتلك الدوائر هو أن النظام الأسدي قوي، ومتماسك، وتوقيع النظام على الاتفاق ليس من باب ضعف. فالنظام الأسدي غير معني بسلامة السوريين بقدر ما يريد حماية صورته المهتزة داخليا، وفي الدوائر الضيقة. كما أن تصريحات المعلم تظهر أن النظام الأسدي لا يزال هو نفسه ذلك النظام المشغول دائما بصغائر الأمور، ويفكر بعقلية المغتر، وليس المضطر!

والقول بأن توقيع النظام الأسدي على البروتوكول حيلة جديدة ستثبته الأيام القليلة القادمة، وأن النظام الأسدي سوف يماطل بتنفيذ الاتفاق المبرم، أيضا صحيح. فمثلما ماطل النظام لمدة شهر في التفاوض، فسيماطل قرابة شهرين آخرين في التنفيذ. ولن يتطلب الأمر كثيرا من الانتظار، فالمتوقع أن تخرج المظاهرات في سوريا بشكل أكبر الآن، خصوصا أن الاتفاق البروتوكولي معني أيضا بضمان حرية المظاهرات. وهنا سنرى ما إذا كان النظام الأسدي سيلتزم بالاتفاق أم لا. وكما أسلفنا، فإن المؤشرات كلها تقول أن لا أمل في هذا النظام، خصوصا أن آلة القتل الأسدي حصدت أكثر من 100 سوري يوم إعلان النظام الأسدي عن توقيعه على البروتوكول العربي!

عليه، فعلى العرب أن يستعدوا لجولة جديدة من المراوغة، والمماطلة، والتسويف، التي سيقوم بها النظام الأسدي في قادم الأيام، حيث سيذيق المراقبين العرب المر في التعامل معهم، وحيث سيغرق النظام الأسدي المراقبين بتفاصيل لها أول، وليس لها آخر.

إلا أن ما سيختصر الأمور كثيرا، رغم المعاناة التي ستطال السوريين العزل، هو الشعب السوري نفسه؛ فكما هو متوقع، ستكون المظاهرات في سوريا أكبر، وستشمل مناطق سورية كثيرة، حيث بات من الملاحظ اليوم أن دمشق وحلب قررتا كسر الصمت، والمشاركة في المظاهرات الشعبية ضد النظام الأسدي. ومما سيضمن إفشال حيل النظام أن المبادرة العربية تشترط سحب القوات، والشبيحة، مما سيضع النظام الأسدي على المحك، فإن سحب قواته فستكون مظاهرات حاشدة، وإن صدق النظام ولو مرة، وسمح فعليا لمراقبين عرب بالدخول إلى سوريا، فإن وجودهم سيعزز الحركات الاحتجاجية بكل تأكيد. فما لم يعه النظام الأسدي هو أن القصة ليست في ما يريده الغرب، أو العرب، بل في ما فعله، ويفعله السوريين، وهذا ما سيفسد على النظام الأسدي كل حيلة من حيله التي لا تنتهي.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ