ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 07/12/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

إسلاميون ومدنيون... ممكن؟!

عبد الوهاب بدرخان

تاريخ النشر: الثلاثاء 06 ديسمبر 2011

الاتحاد

بعد أعوام طويلة، بل عقود، من النهج التحذيري في الغرب من صعود الإسلاميين وقفزهم إلى السلطة، أصبح الغرب متقبلاً وجودهم الآن في الحكم، بل يبدي كل الأريحية في الاعتقاد باعتدالهم إلى حد إسكات الليبراليين إذ يتذمرون ويتباكون.

ما الذي غيّر الأحوال وصنع الفارق؟

لابد أنه صندوق الاقتراع. فما دام الإسلاميون خرجوا من تحت الأرض أو من المخابئ أو من السجون ليعبروا إلى السلطة من خلال الانتخابات فقد أصبحوا على الرحب والسعة.

أما ماذا يحملون وماذا سيفعلون وكيف سيخوضون التجربة، فتلك قصة أخرى. إذا كانت الفكرة المسبقة عنهم أنهم يصلحون فقط لإدارة تنظيماتهم وليس لإدارة الدول، فلا مجال للتحقق من ذلك إلا بتجريبهم واختبارهم.

لا شك أن بعضاً منهم يوحي بالثقة أكثر من بعض آخر. صحيح أن الانتفاضات والثورات الشعبية لم تهتف لهم كبديل مؤكد للأنظمة المتساقطة، بل لعلها في صراخها من أجل الحرية لم تتمنَّ رؤيتهم في طليعة الفائزين في أول اقتراع حر ونزيه، إلا أنها في جهرها بالنقمة الخالصة على ما سبق شُرّعت الأبواب لدخول الإسلاميين إلى السرايات.

كانت الأنظمة السابقة تصنّف ك"ليبرالية"، وما لبثت هذه الصفة أن غدت في الأذهان كمرادف للاستبداد. وإذ غازل الليبراليون تلك الأنظمة، بل تعاملوا معها واستفادوا منها ما أمكنهم ذلك، فقد بدا طبيعياً أن يصيبهم شيء من سقوطها، وحين استداروا للسير في ركاب الثورات واصلوا التنازع فيما بينهم -كما كانوا يفعلون سابقاً- على المناصب والمكاسب، فكان أن فتكت بهم الانتهازية وقوّضت مصداقيتهم، فيما وقف الإسلاميون -كما في مصر، مثلاً- يرقبونهم بجهوزية متكاملة لخوض النزال في الشارع، ثم في صناديق الاقتراع، وغداً تحت قبة البرلمان.

المسألة هي أن الشعب يريد بداية مجردة من تركة العهد السابق. يريد "نخبة" جديدة ومختلفة، فهو عرف انتهازية الليبراليين ولم يتعرف بعد إلى انتهازية الإسلاميين، لكنه يأمل بأن لا يخيّبوا أمله سريعاً. إنه يعرفهم، رغم أنهم لم يكونوا في سدة المسؤولية، ويتوقع منهم أداءً شبيهاً بذلك الذي نهجه "العدالة والتنمية" في تركيا تنقلها من بلد على حافة الإفلاس إلى اقتصاد حيوي متمتع بفائض مريح مكنّه من تجنب عاديات الأزمة المالية العالمية.

وكلمة السر في هذا النجاح كانت "مكافحة الفساد"، فهي التي حركت الناخبين في المغرب للتيمن بنسختهم المحلية من "العدالة والتنمية". إنهم يتطلعون إلى نزاهة وشفافية في تفعيل التنمية علها تترجم وفرة في فرص العمل.

إسلاميون أو ليبراليون، عسكر أو تكنوقراط، معتدلون أو متطرفون، لابد أن الحراك الشعبي كرّس قاعدة أن كرسي الحكم لن يعود بعد اليوم وثيراً أو مريحاً فيتيح الجلوس المديد عليه، أي أن الولاء سيكون للمحاسبة وليس للشخص. كان شعار "دولية مدنية ديمقراطية"، تردد كثيراً في الميادين والساحات. وإذ يتوالى فقد الإسلاميون لترجمة هذا الشعار وتطبيقه ربما يصحّ التساؤل: هل الإسلامي هو المدني المنشود؟ هذا ما سيكتشف بالممارسة، وفي التجربة يأتي البرهان. فالمدني الحقيقي هو المفترض سلفاً أنه يقبل الآخر، وأنه أكثر تأهلاً لاحترام الحقوق والحرية والمساواة، وأن أيديولوجيته الوحيدة هي الصالح العام والمصلحة العامة. ولعل أكثر ما يشيع الغموض في حال الإسلاميين أنهم لا يتقنون سوى الاشتغال بالدين، وقد استخدموه في الدعاية السياسية وفي استقطاب الناس، واستندوا إليه في المناورات والمماحكات على غرار سواهم من أصحاب الأيديولوجيات غير الدينية، بل كرروا أساليب هؤلاء من تيارات شتى، شيوعية ويسارية، واستنسخوا وسائلهم على نحو غير موفق في التقليد، وحتى بكفاءة أدنى أحياناً. مع وصولهم أخيراً إلى "قيادة الأمة" لابد لهذا الشحن الأيديولوجي أن يتخفف من حدته. فالمسلمون مسلمون، ولا داعي لاستدراج تديّنهم إلى التحزّب. فهذا كان مقلقاً، وسيبقى مثاراً للتوترات.

هناك شيء من التغيير، لا يزال طفيفاً لكنه معبر، ونجده خصوصاً في الشكليات والمظاهر، وحتى في بيانات رصينة كتلك التي ألقاها راشد الغنوشي، أو في تصريحات أدلى بها عبد الإله بنكيران، أو بدرجة أقل في تلميحات خجولة من "أخوان" مصر. هناك تطمينات إلى الحريات، معطوفة على ما يشبه تعهدات بعدم التعرض لحقوق المرأة. يمكن أن نصدّق بنكيران فليس حزبه من صاغ الدستور المغربي الجديد. سننتظر لنرى في أي وجهة سيُكتب الدستوران المصري والتونسي. فإذا صير إلى تعاقد اجتماعي يغلّب "الاعتدال" وقيم المحاسبة والتداول السلمي على السلطة تكون انتفاضات الشعوب خطت الخطوة الحاسمة في التغيير.

=================

شباب العرب والتوقف القاتل

د. طيب تيزيني

تاريخ النشر: الثلاثاء 06 ديسمبر 2011

الاتحاد

ها نحن الآن قد قضينا ما يقترب من ثلاثة أرباع السنة، ولا يزال "شباب العرب" سائرين باتجاه أهدافهم، وقد حقق فريق من هؤلاء غير قليل من هذه الأهداف، في تونس ومصر وليبيا تحديداً، لكن الآخرين في اليمن وسوريا ما زالوا يعكفون على إنجاز المدخل إلى الانتصار. ومن ثم، ما زالت حيوية النشاط الشبيبي وقسوة المواجهة مع ركائز النظامين المعْنيّين، قائمتين على قدم وساق، وما يهمنا هنا يتمثل في تعقُّب ما يمكن أن يكون قد أخذت تعاني منه الوضعيتان الأوليان في تونس ومصر. ونحن هنا لن ندخل في جزئيات هاتين الأخيرتين، وإنما سنكتفي بمعالجة نقطة دقيقة وحساسة غالباً ما ظهرت في تاريخ الحركات والانتفاضات والثورات والنهضات، أو -بتحديد أكثر دقة- في تاريخ أعقد الحلقات في ذلك التاريخ. أما ما نعنيه بذلك فيتمثل في أن هذه الحلقات الأعقد تظهر -بصورة عامة- إما مع دخول الشباب المعنيين هنا في حالة من التعب أو الملل أو الشعور بالعجز أو القنوط وغيره، فيتكون عنده شعور بضرورة مراجعة ذاته وعمله وأهدافه، والأدوات التي يستخدمها في سبيل تحقيق عمله الاستراتيجي.

أما مصداقية الوقوف أمام تلك الأحوال وغيرها فتأتي من أن نمط الحراك الاجتماعي والسياسي والثقافي التغييري...إلخ، إنما هو حالة معقدة ومشوبة بالصعاب، فهذه لا تسير على وتيرة قانونية سوسيولوجية جامدة وذات مواصفات معروفة مسبقاً، أما الممارسة بمقتضى تلك القانونية، وخصوصاً من قِبل فئة شبابية، قلّما دخلت عالم السياسة والحراك السياسي والصراع السياسي على مدى عقود بسبب من نظام استبدادي على قولبة الشباب في نشاط يتجه نحو الكرة العابثة، والفن الهابط وكذلك الانحراف بشتى صيغه، ومن ثم، يمكن القول إن تلك التغييرات الشبابية القومية الجديدة لم يكن لها أن تسير إلى الأمام دون صعوبات وأخطاء، خصوصاً في إطار "الخطاب السياسي الثقافي"، الذي تجلى في الأهداف والشعارات المُطلقة في التظاهرات المعلنة.

وعلينا أن نضيف إلى ذلك مجموعة من الأخطاء والهنات، التي ظهرت في ممارسات الشباب والمفاوضات التي تمثلهم، جنباً إلى جنب مع محاولات أطراف من النظام اختراقهم وضرب بعضهم بعضاً وغيره. وتأتي أخيراً وليس آخراً المعاناة الشديدة، التي راح الشباب يئنون تحتها مع عائلاتهم ومدارسهم وأعمالهم وتأمين عيشهم. لقد أسهم ذلك -في حالات معينة- بإضعاف أو بخلخلة بعض التوازن في النشاط الشبابي الانتفاضي، لكن ما ينبغي التشديد عليه هنا، يتمثل في أن النظام الأمني السابق لم يتفكك بعد، وإن ظهر كذلك. وهذا هو من طبائع الأمور في مراحل الانتقال من مرحلة إلى أخرى جديدة. وقد ظهر ذلك في تونس ومصر وليبيا، بعد انتصار عمومي للقوى الشبابية الجديدة، لم يَطلْ بعد قطاعات المجتمعات العربية المعنية. ذلك كله يتجلى في المصطلح السياسي، الذي تكون نتيجة تقارب مرّت بها بلدان كثيرة في العالم، ونعني به "مرحلة الانتقال" من نظام مهيمن إلى نظام جديد يجد نفسه مُواجَهاً بقوة جرى التعبير عنها ب"القوى المضادة للثورة أو للانتفاضة...إلخ. وأحياناً يبرز "المنهزمون" بلبوس أخرى يسعى أصحابها إلى اللعب على "الجديد" من الشباب غضّ التجربة، والكبار الذين أبعِدُوا عن الشباب وهمومهم الحقيقية (عمل وحرية وكرامة)، ومن ثم المفرَّط بتجاربهم وخِبرتهم، بألف أسلوب وأسلوب.

ها هنا بالضبط، قد تحدث مأساة تاريخية كبرى، إذا انخدع المنتفضون الثائرون بخطاب سياسي زائف يقدمه من راحوا يجدون مصيرهم تحت قبضة الانتفاضة الثورية. من هنا، يمكن القول بأن سدَنة النظام القديم في البلدان العربية تسعى وستسعى دائماً إلى الانقضاض على الوليد الجديد، بحجج زائفة. ومن ثم، لا سبيل للانخداع بالقوى الآخذة بالانحسار، والتوقف عن السير في طريق التقدم التاريخي عبر إنتاج مجتمع مدني وديمقراطي يسعى إلى تغطية حاجات الشعوب العربية المخلصة بتلك الثلاثية المذكورة. نعم، إن التوقف في منتصف الطريق قد يفضي إلى كارثة!

=================

«سورية أوّلاً»... بعد فوات الأوان!

خيرالله خيرالله

الرأي العام

6-12-2011

هل طرح شعار «سورية أوّلا» يقدّم أو يؤخّر هذه الأيام؟ جاء الطرح عن طريق أوساط تابعة للنظام، جاء متأخرا، بل متأخرا جدا. لم يعد يفيد النظام اللجوء إلى مثل هذا النوع من الشعارات الذي كان يمكن أن يعني الكثير في مرحلة معينة كان يتوجب فيها على النظام الاهتمام بالشأن الداخلي بدل متابعة عملية الهروب إلى الأمام المستمرة منذ ما يزيد على أربعة عقود.

على الرغم من ذلك، يبقى مثل هذا الطرح مفيدا نظرا إلى أنه يكشف مدى تدهور أوضاع النظام الذي لم يعد من مجال لإنقاذه إلاّ في مخيلة بعض المرضى من السياسيين اللبنانيين من طراز النائب المسيحي ميشال عون الاختصاصي في التحالف مع كلّ من يريد الشرّ والأذى للبنان واللبنانيين.

هؤلاء السياسيون، وهم في الواقع اشباه سياسيين، لا يدركون أن المسألة مسألة أسابيع أو اشهر ليس إلاّ قبل أن تعود سورية إلى السوريين... أوّلا!

كان مهمّا طرح شعار «سورية أوّلا»، عن طريق صحيفة تابعة للنظام تصدر في دمشق وليس في مكان آخر نظرا إلى أنه يعني الكثير في مرحلة ما ستعود سورية فيها إلى كنف العروبة الحضارية. انها سورية التي ستسعى إلى تجاوز مشاكلها الداخلية ومشاكل شعبها الابي الذي يعرف ما هي طبيعة النظام القائم منذ وصول «البعث» إلى السلطة في العام 1963 ثم انتقالها تدريجيا إلى حكم الطائفة، ثم حكم العائلة الواحدة ابتداء من العام 1970.

إن هذا الشعب الذي ينفّذ أمّ الثورات العربية، وربّما أشرف ثورة في التاريخ العربي القديم والحديث، إنّما يعرف معنى شعار «سورية أوّلا». إنه يعني قبل كلّ شيء التوقف عن التلطي بالشعارات من نوع «المقاومة» و«الممانعة»، وهي شعارات لم تعد سوى بالويلات على السوريين قبل غيرهم.

يعاني هذا الشعار في طبيعة الحال الاهتمام بالسوريين وبتنمية ثروات سورية بدل نهبها. ويعني أيضا وقف المتاجرة بقضايا العرب والتوقف عن لعب دور الجسر الإيراني البديل المستخدم في اختراق كلّ منطقة عربية، بما في ذلك دول الخليج التي عانت كلّها من مؤامرات إيرانية. كانت سورية منطلقا لهذه المؤامرات وذلك بغرض التمويه على العمليات التي تنفّذ انطلاقا من الأراضي الإيرانية وتستهدف هذا البلد العربي أو ذاك.

إضافة إلى ذلك، يعني اعتماد هذا الشعار التوقف عن المتاجرة أيضا باللبنانيين والفلسطينيين. إنها تجارة يمارسها نظام ليس قادرا لا على الحرب ولا على السلام. لا همّ للنظام سوى ممارسة لعبة الابتزاز بدل الانصراف إلى معالجة المشاكل الحقيقية التي يعني منها الوطن والمواطن والتي جعلت مليون عامل سوري، إذا لم يكن أكثر، يعملون في لبنان بدل أن يكون هناك مليون عامل لبناني أو أردني يعملون في سورية.

لو قُدّر للنظام السوري الاعتراف، قبل اندلاع الثورة، بأنّ شعار «سورية أوّلا» كان يمكن أن يشكل بالنسبة إليه طريق الخلاص بدل اعتماد سياسة إلغاء الآخر، لما كان وزير الخارجية السوري السيّد وليد المعلّم مضطرا للشكوى من تهريب السلاح إلى سورية. كذلك، لم يكن مضطرا للجوء إلى التزوير في محاولته إثبات أن هناك «إرهابيين» في سورية. فطوال ما يزيد على أربعة عقود، لم يكن لدى النظام السوري من همّ سوى تهريب السلاح إلى دول الجوار، خصوصا إلى لبنان. من أين كانت تأتي الأسلحة التي حصل عليها الفلسطينيون في لبنان؟ من أين مصدر أسلحة الميليشيات التي تصدّت في البداية للوجود الفلسطيني المسلّح في لبنان. ألم تكن الأراضي السورية، مصدر معظم هذه الأسلحة حتى لا نقول كلّها، طوال سنوات وسنوات؟

لا حاجة إلى البحث عن الاسباب التي دعت النظام السوري في كلّ ساعة إلى التفكير في كيفية الاعتداء على جيرانه العرب وغير العرب. ألم يقاوم دائما فكرة ترسيم حدوده مع الأردن؟ ألم يدرج لواء الاسكندرون في خرائط الكتب المدرسية طوال عقود عدة... إلى أن جاء يوم اكتشف فيه أن عليه الاستسلام للشروط التركية، بما في ذلك التنازل نهائيا عن «اللواء السليب» نتيجة اكتشافه أن أكراد عبدالله اوجلان لم يعودوا ورقة بمقدار ما صاروا عبئا عليه؟

لا حاجة طبعا، إلى الحديث عن ضرورة ترسيم الحدود مع لبنان. كلّ ما يمكن قوله في هذا المجال ان الحدود بين البلدين كان يمكن أن تشكل منطقة تسمح بتعاون نموذجي في مجالات عدّة بين بلدين عربيين شقيقين. ما حصل بدل ذلك، ان مناطق الحدود تحولت معبرا لمسلّحين فلسطينيين وغير فلسطينيين تابعين للأجهزة السورية أقاموا قواعد في الأراضي اللبنانية وحوّلوها مقرّا لهم. هل من هدف لهذه القواعد سوى الإساءة إلى لبنان واللبنانيين والقضية الفلسطينية في طبيعة الحال؟

لو طُبّق شعار «سورية أوّلا» باكرا، لكان النظام أيقن أن دعم ميليشيا مذهبية اسمها «حزب الله» الإيراني بالسلاح وكلّ أنواع التسهيلات في لبنان لا يتفق في أي شكل مع ما يدعيه مسؤولون سوريون عن تجاوز سورية الانقسامات الطائفية والمذهبية. من يصدّر السلاح لدعم المذهبية، لا يعود للأسف الشديد في منأى عن أخطار المذهبية والسلاح معا!

لا يمكن لنظام أن يكون ضدّ «الإخوان المسلمين» في سورية ومعهم خارجها، كما الحال مع «حماس» التي تشكّل أفضل تعبير عن الانتهازية السياسية. لم تتورّع «حماس» وهي من «الإخوان» عن ممارسة هذه الانتهازية مع النظام السوري نفسه بعدما اكتشفت أنه هالك لا محالة...

أخيرا وليس آخرا، لو اعتمد النظام السوري شعار «سورية أوّلا»، لما كان مضطرا لأن يكون شريكا في اغتيال أفضل اللبنانيين وأكثرهم رقيّا. هؤلاء، على رأسهم رفيق الحريري ورفاقه، وصولا إلى بيار أمين الجميّل، مرورا بباسل فليحان، وسمير قصير، وجورج حاوي، وجبران تويني، ووليد عيدو، وانطوان غانم، هم من العرب الشرفاء حقّا الذين كان همّهم الأوّل محصورا بمساعدة سورية على الانتماء إلى العالم المتحضر والمحافظة على عروبتها...

المؤسف أن إطلاق شعار «سورية أوّلا» جاء بعد فوات الأوان. لم تعد المسألة مسألة شعارات تطلق من هنا أو هناك، شعارات كان النظام السوري يستخدمها في الأمس القريب في «تخوين» الآخرين الرافضين لسياسته القائمة على الابتزاز ليس إلاّ من جهة، وتحويله البلد مجرد تابع للنظام الإيراني من جهة أخرى. ما هو مطروح حاليا: أي سورية بعد رحيل النظام؟ وهل يمكن حماية سورية مستقبلا من دون شعار «سورية أوّلا»؟ إنه شعار للمستقبل وليس لنظام ينتمي إلى الماضي.

=================

صدقية بشار الأسد

علي حماده

النهار

6-12-2011

مرة جديدة يعلن النظام في سوريا قبوله اللفظي بالمبادرة العربية المتمثلة ببروتوكول يقضي بإرسال مراقبين عرب الى سوريا للتحقق من توقف النظام عن اطلاق النار على المدنيين. ومرة جديدة يبقى الامر عالقا بين الاخذ والرد، واستيضاحات من هنا، وطلب تعديلات من هناك، واشتراطات بإلغاء العقوبات فور التوقيع، فضلا عن شرط اخير يصفه دبلوماسيون عرب ب"التافه"، هو اصرار النظام في سوريا على ان يتم التوقيع في دمشق وليس في مقر الجامعة العربية. "تافه" يقولون لأن نظام بشار الاسد اوصل سوريا الى حافة الحرب الاهلية، بقتله اكثر من خمسة آلاف مواطن، واجتياحه المدن والبلدات بالعشرات، وصولا الى التمسك بشرط يستمطر منه شيئا من الاعتبارية المتهاوية على مستوى الخارج. والحال ان الاسد، ترتفع في كل مكان بدءا من العالم العربي وانتهاء بالمجتمع الدولي اصوات تناديه بالتنحي لأنه لا يمكن رئيسا ان يستمر في حكم بلاد بعدما صار على قاب قوسين او ادنى من ان يفتح ملفه الشخصي مع اركانه في محكمة الجزاء الدولية. فالرسالة الصريحة القوية التي صدرت قبل ايام في حق النظام في سوريا بتصويت مجلس حقوق الانسان في جنيف بغالبية ساحقة بإدانة النظام بإرتكاب افعال ترقى الى جرائم ضد الانسانية، هي الطريق الاسرع الى المحاكم الدولية. هذا في وقت يتم فيه عمل توثيقي جبار لكل الجرائم التي يمارسها نظام الاسد، الامر الذي سيعرض عاجلا ام آجلا المعني الاول للملاحقة الدولية. ومن هنا سيواجه الاسد الابن نهاية محتملة في لاهاي يتنقل فيها بين محكمة الجزاء الدولية الناظرة في الجرائم ضد الانسانية في حق الشعب السوري، والثانية المحكمة الخاصة بلبنان الناظرة في جريمة اغتيال رفيق الحريري وسائر شهداء "ثورة الارز" في لبنان.

في موضوع البرتوكول مع الجامعة العربية لا يشذ بشار عن مساره القديم، فيحاول اللعب على عنصر الوقت بالمماطلة والتحايل واختراع شروط بات من المعلوم انها مرفوضة. فإفتقار بشار الفاضح الى الصدقية يمنع لجنة المتابعة الوزارية العربية من قبول شرط الغاء العقوبات فور التوقيع، باعتبار ان المطلوب هو التنفيذ الفوري والتام لبنود البروتوكول. وللعرب مع النظام في سوريا تاريخ سلبي حافل. اكثر من ذلك، ثمة عامل شخصي في الموضوع فقد انتهى التعامل مع الاسد على انه رئيس مكتمل الشرعية. انه في عرف العرب والعالم في طور الخروج من الحكم. وكل الحلول ومشاريع الحلول تدور حول مرحلة انتقالية تبدأ بتنحي الاسد الابن عن الحكم وخروجه مع عائلته وفريقه الامني والمالي من البلاد.

لقد فقد بشار صدقيته الداخلية والخارجية على حد سواء، وتحول بنظر ملايين السوريين وبنظر المجتمع الدولي قاتل اطفال. ومن هنا يمكن القول ان مستقبله صار وراءه. ولعله يفوته وهو يشتري الوقت بقتل الناس ان صفحة "سوريا الاسد" طويت، وان "جمهورية حافظ الاسد" ماتت. وان المستقبل هو لثورة الحرية والكرامة تسقيها دماء احرار سوريا وحرائرها.

=================

المواقف الدولية باتت تستند إلى الإجماع العربي .. توظيف عامل الوقت ضد النظام السوري

روزانا بومنصف

النهار

6-12-2011

على رغم احتلال الواجهة الديبلوماسية والإعلامية في الموضوع السوري الاخذ والرد بين النظام السوري والجامعة العربية حول مبادرتها من اجل انهاء العنف في سوريا، فان التعويل الاساسي يستند الى مدى التأثير الروسي في اقناع النظام بقبول هذه المبادرة او اعداد مبادرة اخرى يتم عبرها تأمين التوافق الدولي حول بديل من الرئيس السوري بشار الاسد. فهذه النقطة الاخيرة هي التي يتم العمل عليها في الواقع في المرحلة الثانية. اذ انه لا امل كبيرا من تطبيق الاسد المبادرة العربية حتى لو قبلها مجددا ورضي بالتوقيع على البروتوكول الذي اعدته الجامعة ما لم يكن ذلك يندرج في اطار كسب الوقت، وفق اعتقاد مراقبين ديبلوماسيين. لكن ما بات مسلما به وفق مصادر ديبلوماسية معنية يندرج وفق الآتي:

- ان لا عمل عسكريا من اي نوع او حجم ضد النظام السوري. فهذا الامر ليس مطروحا على الطاولة وليس واردا حتى في معرض الضغط على النظام من اجل القبول بوقف العنف، اقله في المرحلة الراهنة وفي انتظار بلورة نتائج الاجراءات التي تم اتخاذها وهو لم يستخدم في اي لحظة من باب التهديد كما يحصل بالنسبة الى ايران مثلا حين يقول المسؤولون الاميركيون ان كل الخيارات موضوعة على الطاولة ايحاء بان العمل العسكري قد يرد في وقت ما على رغم استبعاده من الادارة الاميركية واعتمادها في شكل اساسي على الضغوط الديبلوماسية والاقتصادية والعقوبات في المجالين معا والتي باتت تساهم، وفق المصادر المعنية، في ازدياد عزلة ايران وجعلها بمثابة "دولة مارقة" خصوصا بعد الاعتداء على سفارة بريطانيا في طهران الذي ادى الى رد فعل دولي ديبلوماسي يلحق الضرر الكبير بالسلطات الايرانية في هذه المرحلة.

كما ان الامر ليس مطروحا حتى من خلال اقامة ملاذ آمن على الحدود مع تركيا على رغم وروده كاحتمال في اوقات متفاوتة. والدول الغربية وفي مقدمها الولايات المتحدة تتجنب الخيار العسكري في المنطقة بعد انسحابها من العراق على رغم انها تبقي ما يقارب 40 الف جندي في المنطقة من اجل المحافظة على مصالحها الحيوية فيها.

- ان هناك مجالا متاحا الى حد كبير لان تلعب روسيا ، كونها الدولة الوحيدة التي تدعم النظام السوري، دورا في هذا الاطار وفق ما كان اعلنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن المبادرة اليمنية التي اعرب عن امله ان تنطبق على سوريا ايضا موحيا بان بنودها الاساسية قد تكون محور ما يتم العمل عليه. وهو الامر الذي يعتقد انه يجري العمل عليه بعيدا من الاضواء والاعلام حول كيفية تأمين توافق اقليمي ودولي على بديل من القيادة السورية الحالية. ولا تبدي هذه المصادر قلقا من استقدام روسيا قطعاً عسكرية بحرية الى البحر المتوسط وعلى تماس مع الشواطىء السورية باعتبار ان هناك وجوداً لاساطيل اخرى في المنطقة ايضا لاسباب تتصل بالقلق الذي يساور الدول الكبرى من التحولات الجذرية في المنطقة ومحاولة مواكبتها باجراءات احترازية وليس للتدخل العسكري وفق ما تخوف البعض. لكن قد يكون للاساطيل الروسية مفعول ابقاء الدعم الروسي قائما ومعبرا عنه بالنسبة الى النظام بما يبقي الكفة متوازنة في اي تسوية محتملة.

وفي الوقت نفسه فان الغرب يعول بقوة على امرين مهمين: الاول ان هناك موقفا دوليا بدأ يتبلور اكثر فاكثر ضد النظام في دمشق وفق ما برز في مواقف بعض الدول في لجنة حقوق الانسان والتي كانت عارضت في اوقات سابقة اي قرارات اجرائية ضد دمشق في حين ان هذه الدول كالبرازيل مثلا والهند وجنوب افريقيا باتت تظهر تغييرات في موقفها ان بالتصويت مع هذه القرارات او بالامتناع وليس بالاعتراض. الامر الذي يساهم في نضوج المواقف الدولية بما فيها الصين التي تبدو اكثر استعدادا للامتناع في اي قرار منها الى استخدام الفيتو مجددا.

والامر الآخر ان المواقف الدولية تستند بدورها الى الاجماع العربي الذي تكون ازاء موقف النظام في دمشق والذي يساهم في شكل اساسي في زيادة عزلته خصوصا في ضوء الاجراءات المعلنة الاخيرة التي تقيد حركة اركان النظام وتدفعهم الى التفكير بالمخاطر على مصالحهم في ظل استمرار الحال على ما هي. فهذه الاجراءات التي اتخذتها الدول العربية معطوفة على اجراءات الدول الغربية ستترك لكي تفعل فعلها في التأثير على النظام واركانه مع مواصلة الضغوط السياسية والديبلوماسية من دون استبعاد احتمال اعداد مشروع قرار جديد امام مجلس الامن لن يكون في استطاعة الروس استخدام الفيتو لمعارضته بسبب الموقف العربي، خصوصا في حال لم توقع دمشق على بروتوكول التعاون مع المبادرة العربية او لم تنفذها. وتقول هذه المصادر انه ينبغي اعطاء كل هذه الاجراءات الوقت الكافي قبل اي خطوات اخرى خصوصا ان استمرار سقوط القتلى على نحو يومي سيؤدي الى توافق دولي اكبر على كل الاجراءات اللاحقة ايا تكن طبيعتها. الامر الذي يعني ان ثمة رهانا على عامل الوقت في المقلب الآخر لرهان النظام السوري على هذا العامل ايضا وامكان الاستفادة من تطورات بعد الانسحاب الاميركي من العراق، وفق ما يعتقد البعض.

=================

هل أشرف عهد تلامذة الحجاج بن يوسف على الانتهاء ؟

نصوح المجالي

الرأي الاردنية

6-12-2011

هؤلاء الذين اقتحموا الساحة العربية خلسة بالانقلابات العسكرية, وشعارات الثورة والحرية والوحدة والكرامة العربية, في النصف الثاني من القرن الماضي, غلب على اكثرهم الفساد السياسي والمادي وطغيان وتسلط الانظمة الشمولية التي اقاموها.

وحده عبدالناصر كان صاحب رؤية قومية وفكرية شاملة ومشروع عربي طموح, لكن الهجمة الدولية والصهيونية عليه انهت مشروعه عملياً بهزيمة حزيران التي بدت وكأنها مصيدة للمشروع الناصري, لكن وسائل نظامه السياسية كانت ايضاً قمعية وبعيدة عن الديمقراطية.

لقد فشلت هذه الانظمة رغم أنها ناخت طويلاً على صدور الشعوب وانتهت باغناء القلة وافقار الكثرة, وضياع الحقوق وتردي الاحوال الاقتصادية, ولم تكن الانظمة التقليدية الاخرى بأحسن حال في سجل الحريات والديمقراطية وحقوق الانسان مع التفاوت في الشدة والاعتدال بينها.

وعندما أخذت هذه الانظمة وبخاصة الثورية منها تنكشف ويُفلس مشروعها وجدت نفسها في مواجهة الشعوب التي ابتليت بها, ونضَب قاموسها السياسي الغني بالشعارات والوعود الثورية البراقة ولم يتبق لديها سوى مثال واحد في حكم شعوبها وهو مثال ونموذج الحجاج بن يوسف الثقفي, الذي لم ير في مطالب واحتجاجات ابناء الشعب سوى رؤوساً حان قطافها وحناجر حان حزها وأنفس حان اخمادها.. الى هنا أنهت مشاريعنا الثورية العربية فئة قليلة مستأثرة بالحكم ومدججة بالقوة والثروة ومستميتة على السلطة بأي ثمن, واغلبية مغلوبة على أمرها لا تملك الا الصدور العارية والاصرار على كسر حلقة الاستبداد والخوف لاحداث الاصلاح الذي غاب طويلاً.

في غفلة من الشعوب صادر هؤلاء الحكم من ظهور الدبابات التي لم تستخدم الا لقهر الشعوب وارهابها, ولم تنتج ثوراتهم الا نماذج من الحكام, أرهق الشعوب ودولاً بوليسية اتكأت على القمع البوليسي والخوف للحفاظ على بقاء أنظمتها, واليوم يتحدث اكثر هؤلاء عن الاصلاح الذي غيّبوه عقوداً طويلة والاصلاح الذي يريدونه هو اصلاح الشعوب التي خرجت عن طاعتهم طلبا لابسط حقوق البشر في هذا العصر، وليس الاصلاح الذي يجعل الشعوب سيدة في اوطانها.

قبل ذلك انهارت كعبتهم الكبيرة وملهمتهم في موسكو، التي غيبت شعوبا كثيرة وراء ستار حديدي، انتهى الى قهرهم وفقرهم وتخلفهم الاجتماعي والاقتصادي, ومن تلك الكعبة المنهارة استمد اكثرهم شعاراته واسلوب حكمه عدا عن احزابهم المنفردة، وما زالت بعض هذه الانظمة تعتقد انها قادرة على اسقاط الشعوب بالقوة لتمديد فترة استحواذها على السلطة.

آن الاوان ان تسود في الساحة العربية المبادئ الثورية الاصلاحية التي تحقق التغيير السياسي والاجتماعي من ارادة الشعوب ومن حضورها الفاعل والعامل في مؤسسات وطنها، بعيداً عن السياسات التسلطية والازمات المفتعلة والصراعات الداخلية التي استنزفت الشعوب لحساب قلة، خطفت الحكم وتصرفت كالوارثين في الارض بمقدرات الامة.

آن الاوان لردم الهوة بين السلطوي والديمقراطي في بلاد العرب ليقوم التوازن بين دور الشعب مصدر السلطات، ودور النظام السياسي منفذ السياسات، وفق ارادة جماعية توافقية تمثلها ارادة الشعب فتُعلي المصالح الوطنية الجماعية وتكرّم الناس في اوطانها، وتقيم العدل بالقانون وتحرر العقول من الخوف والوهم والتسلط فالاوطان لا تكون حرة الا اذا كان انسانها حرا لربما اشرق عهد الانقلابيين والحكام الذين استنسخوا مثال الحجاج بن يوسف على نهايته، وبدأ عهد الاجيال المطالبة بالعدالة وعهد الشعوب الحرة في اوطانها.

=================

ليس المطلوب توحيد المعارضة السورية وإنما توحيد الهدف

د. خلدون الأسود

2011-12-05

القدس العربي

أقال نظام حافظ الأسد وإبنه بشار الدولة السورية من وظائفها وفتح خاصرة المجتمع وبدأ به تفكيكا. وعندما لم يبق للقانون، المستقل عن المتقاضين، أية سلطة، أصبح الإستزلام لرجال السلطة، الذين بدورهم أصبحوا فوق القانون وخارجه أنجع وسيلة للحماية والنفوذ. الأمر الذي أدى لإضعاف ولاء الأفراد لمجتمعهم وبالتالي وطنهم. تحت هذا النظام تخلّت الدولة السورية عن حياديتها تجاه مواطنيها بالإضافة إلى تخليها عن دور الضامن لهذه المواطنة، وأصبحت الدولة أداة بيد النظام للنهب والقمع فقط. حرص النظام لضمان استمراره، الغير مبني أصلا على أي عقد اجتماعي أو شرعية شعبية، على تفكيك المجتمع إلى لبناته البدائية.

ولكي يأخذ دور الضامن للسلم الأهلي حرص النظام السوري على إعادة أحياء فروق طائفية كاد المجتمع السوري يتجاوزها قبل 49 عاما. أصبح وجود النظام السوري الحالي يتعارض مع وجود مجتمع موحد يحرص على أفراده ويلهمهم منظومة أخلاقية تنبع من ذواتهم وتقف بنفس الوقت خارجهم تنظم علاقاتهم بين بعضهم. وكلما أوغل النظام بإلغاء المجتمع السوري كوحدة تكاد تكون بيولوجية كلما ضعف انتماء الأفراد المجتمعي الأمر الذي إنعكس تحللا من الكثير من القيم التي تحافظ على حاضر ومستقبل المجتمعات، مثل قيم الصدق والتعاون والإيثار والعطاء إلخ من القيم التي تنبع من الوجود الاجتماعي للأفراد وتحكم بدورها علاقتهم مع المجتمع وبالتالي يرفعها الأفراد كقيم فوقية كثيرا ما ينسبونها لقوى ما وراء طبيعية. والأمثلة على الانحدار الأخلاقي المتسارع يعرفها كل السوريين ومن أحد مظاهرها الفساد الإداري المستشري المحمي من السلطة.

ليس أدل على عمق التناقض بين النظام السوري والمجتمع من أن بشار الأسد رئيس الجمهورية الذي يفترض أن يحرص على سلامة الكل بمن فيهم من حمل السلاح بوجهه، يعتبر المصالحة مع مجتمعه هزيمة ويفضل القتال حتى الموت ضد أفراد من هذا المجتمع على أن يلجأ لعملية مصالحة وطنية تستدعي اعترافا بالمجتمع وإعادة اعتبار له كمصدر للسلطة. وهو الذي لم يهدد بالقتال حتى الموت حتى من أجل السيادة الوطنية على الجولان السوري الذي تحتله 'إسرائيل' منذ 44 عاما. كان حافظ الأسد قد أضطر لممارسة القليل من السياسة في بداية حكمه، أما أبنه بشار فهو لا يعرف أية علاقة خارج استلاب محكوميه، الذين قرروا، ربما بدافع غريزة بقاء مجتمعية، في منتصف آذار/مارس 2011 أن بقاءهم كمجتمع يستدعي استعادة كرامتهم وحريتهم وبالتالي إعادة الاعتبار لوجودهم الاجتماعي.

أحد نتائج تفكيك المجتمع كان انقسام السوريين بعد انطلاقة الثورة الحالية إلى ثائرين وخائفين، وأقلية صغيرة مستفيدة وموالية، مما أدى إلى استمرار النظام السوري لمدة تسعة أشهر معتمدا ليس على ولاء مريديه بل على خوف السوريين من بعضهم البعض، الأمر الذي يعتبر أزمة وطنية يتوجب أن تدق لها نواقيس الخطر، خصوصا أن النظام السوري بعد أن خرج منتصرا بقوة القمع في عام 1982 أهمل معالجة تبعات أزمة الثمانينات ويدفع الآن باتجاه أزمة قد تعقد الوضع السوري بما لا يقاس.

ليس المهم 'توحيد' المعارضة في هذه المرحلة بقدر أهمية كسر حواجز الخوف التي تمنع بقية السوريين من الانخراط بالثورة المشتعلة في سورية بدون أيه إشارة إلى انحسارها بدون تحقيق أهدافها. على المعارضة أن تنشغل بتوفير مقومات إعادة الثقة مما سيعزز روح الانتماء إلى مجتمع تتناقض وحدته جذريا مع وجود النظام السوري الذي حرص على تقسيم الناس بين أزلام (جماعتنا) وحيادي إيجابي (صامت) ومعارض (ضد الوطن). العنف المرتكب من قبل النظام يوحد المجتمع، بينما عنف المعارضين سيؤدي لمزيد من زعزعة الثقة بين أفراد المجتمع وبالتالي يمد بعمر هذا النظام. يدرك معظم السوريين هذه الحقيقة التي جعلت الكثيرين يحجمون عن المشاركة في الثورة بعد أن بدت بعض مظاهر العسكرة بالتزامن مع تصعيد عسكري وأمني ضد مجتمع لازال أعزل. خصوصا بعد أن إجتاحت قوات النظام مدينة درعا عسكريا وأمعنت بإذلال المواطنين لكي تدفعهم نحو قتال تجيد إدارته بامتياز وتضمن فيه تفوقها. حرص الثوار على إفشال مخطط النظام الدافع لعسكرة الثورة وكان هذا جليا من خلال الشعارات التي رفعتها الثورة في بدايتها (واحد واحد الشعب السوري واحد، الموت ولا المذلة، وخائن من قتل شعبه)، بينما تعكس الشعارات الحالية حالة، نأمل أن تكون مؤقتة، من فقدان الثقة على إنجاز ما طرحته الثورة على نفسها في بداية الثورة (الشعب يريد الحماية الدولية، والجيش السوري الحر يحميني)، لذلك تطالب الشعارات بتدخل دولي ليس مطروحا أصلا على أجندة الدول القادرة على التدخل العسكري، وحماية جوية غالبا ما ستكلف سورية دمارا كاملآ لدفاعاتها الجوية بدون أن تستطيع إنجاز حماية حقيقية، وممرات إنسانية قد تكون إعادة إحياء لمخطط تقسيم سورية طائفيا.

لا بد الآن من إعادة صياغة شعارات الثورة التي يجب أن تضع بناء الدولة المدنية اليمقراطية مرة ثانية على مقدمه شعاراتها. تكمن أهمية شعار بناء الدولة المدنية الديمقراطية من أنه يضمن للخائفين مستقبلهم وللثائرين إنتصارا حقيقيا لثورتهم.

' طبيب ومسؤول هيئة التنيق الوطنية في الولايات المتحدة

=================

سورية.. المشروع العربي أو التدويل

يوسف الكويليت

الرياض   

6-12-2011

 لا ترغب الحكومة السورية في الاعتراف بوجود صراع بينها، وبين المواطنين، وكيف اختارت الرصاصة على الحوار مع المعارضة، إلا بشروطها هي، ما فجر ما يشبه حرباً أهلية تريدها حريقاً للجميع، غير أن الضغوط العربية والدولية وضعت السلطة في الزنزانة الضيقة، أي أن الحصار الذي خلق أزمة وجود للحكم، بدأ يبحث في الظلمة عن طريق يؤدي إلى إطالة الأزمة لا حلها..

جامعة الدول العربية وضعت شروطاً لتجعل سورية تعبر من المضيق الصعب إلى برّ الأمان، لكنها استهانت بالموقف العربي، معتقدة أنه فرقعة سياسية، لا تفرض عليها الانحناء مراهنة على انقسام جبهتهم، غير أن الجدية في التنفيذ وإعطاء المهلة النهائية، لغلق الدروب على أي مراوغة، أو إطالة عمر المباحثات، جعلها تلجأ لأساليبها القديمة بقبول الانحناء للرياح العاصفة، وهو ما وعدت به أنها ستوقع على الشروط، ويبقى التوقيع مجرد البداية، لأن الشكوك بتنفيذ وجود المراقبين بدون التضييق عليهم أو توجيههم قسراً بالاتجاه الذي تريده السلطة، سوف تعيد النظر في فائدة الاتفاق، طالما الدول العربية ليست غريبة عن الكيفية التي تدير بها دمشق سياستها، وتلاعبها بالمواقف والكلمات..

من مصلحة سورية الحكم والشعب، أن يخرجا من عنق الزجاجة، لأنه لا يوجد طريق ثالث يمكن عبوره بسلام، فالشعب يواصل ثورته، ولم تعجزه كميات الدم المستنزفة من الشهداء، وفقدوا الأمل بإصلاح جذري، لأنهم عملاء مدسوسون، وهي صيغة للهروب من الواقع بمبررات ساذجة لم تعد تنطلي على مراقب ينظر بعينين مفتوحتين، لما يجري على الأرض السورية..

فالشجاع هو من يعترف بواقعه ويحدد خصومه ليحاورهم بدلاً من قتلهم، والحكومة السورية تجدف بالسراب، وتشعر بوطأة حالات الانسلاخ من مؤيديها إلى الجبهة الأخرى سواء أكانوا عسكريين أم مدنيين، ولعل من اعتمدت عليهم، أدركوا أن الأوضاع تتجه إلى التصعيد وخسارة الحكومة غطاءها الأمني والاقتصادي وهما مرتكز قوتها، وهي تدرك أن القبول بحل عربي أفضل من التدويل، ومع ذلك هناك من يشكك في النوايا السورية بناء على سجلها الطويل في المخادعة..

لا أحد يريد عقوبة لسورية أو جعلها تغرق في بحر من الدماء، أو تصل إلى حالات التقسيم، لكن ما فعلته السلطة نموذج للانتقام باعتبارها البديل الموضوعي، أو الانتحار الجماعي، والغريب أن ما حدث في البلدان الثورية، لم يكسبها التجربة الناجحة بخلق مناخ يبعدها عن الحالة التي وصلت إليها..

الجانب التركي، لايمكن إنكار تأثيره في الواقع السوري، وضغطه أكثر مواجهة مع التأييد العراقي، باعتباره قوة اقتصادية وسياسية لديه ما يجعله وسيلة لسياساته، وتمرير أهدافه، وهو أكثر موضوعية وعقلاً عندما حاول منذ بدايات الأزمة التوصل لحل ينقذ السوريين حكومة وشعباً، لكن إدراك القيادة، وعنادها، والاعتقاد بأنها ستحسم المشكلة بالقوة، غيرت مجرى العلاقات بين البلدين من الإيجابية إلى السلبية..

في مقابل ذلك أصبحت إيران تحت حصار آخر، وتحولت همومها في صدامها مع العالم الخارجي المؤثر، ليبعدها عن مشاكل سورية، وقد أوكلت مهمتها للعراق الحليف المستتر، ومع ذلك فكلّ الاتجاهات أصبحت تغلق على دمشق المنافذ، ويبقى المشروع العربي هو الوسيلة للخروج من الغرق بطوفان الحرب المعلنة بين الشعب وحُكمه..

=================

تركيا تتقدم نحو المنطقة، فهل العرب جاهزون؟

الثلاثاء, 06 ديسيمبر 2011

محمد قواص *

الحياة

من يقرأ كتاب الدكتور أحمد أوغلو الشهير «العمق الاستراتيجي لتركيا» يستطيع أن يعي ركائز السياسة الخارجية لتركيا، لا سيما حين يتمكن أوغلو الأكاديمي من أن يقود بنفسه ديبلوماسية بلاده (منذ توليه منصب كبير مستشاري رئيس الوزراء عام 2003، ومروراً بتعيينه وزيراً للخارجية عام 2009).

في كتابه، يقول أوغلو «إن كل مجتمع واعد يزعم أنه يؤثر في التاريخ وليس كمًّا مهملاً، وأنه يكتب التاريخ ولا يقرأه، إنما هو مجتمع مضطر أولاً لإعادة تفسير زمانه ومكانه، وبلورة وعي متجدد بعمقه الاستراتيجي الجغرافي، والتاريخي، والحضاري».

المسألة إذاً وعيٌ للزمان والمكان. ووفق هذا الوعي تتعامل تركيا مع منطقة الشرق الأوسط. يعترف أوغلو بأن بلاده «فقدت الأحزمة الاستراتيجية الأكثر قوة في منطقة الشرق الأوسط». ويحمل أوغلو رؤية جديدة ويقول إن «تركيا اليوم ليست الدولة العثمانية التي تحمل على عاتقها مسؤولية العالم الإسلامي كله»، لكنه يؤكد ضرورة أن تطوّر تركيا القدرة على التحسس المستمر لنبض العالم العربي، وتلمس إيقاع التغير الاجتماعي، والثقافي، والسياسي الذي يجري داخل مجتمعاته.

ربما في هذا السياق نفهم الحركة التركية الأخيرة المتعلقة بالحراك العربي الراهن. ترددت تركيا وارتبكت حين اندلعت الانتفاضات هنا وهناك، لكن سرعان ما صوبت وجهتها جيداً باتجاه «تحسس النبض» بمباركة التغيرات العربية في تونس ومصر وليبيا، وبتبني موقف متقدم (سلباً للبعض وإيجابا للبعض الآخر) في شأن الحراك السوري.

لم يبتعد أوغلو في الخروج بنظرية «مشاكل صفر» مع العالم عن مقولة مؤسس تركيا الحديثة كمال أتاتورك «السّلام في الوطن والسّلام في العالم». على أن ملف العلاقة مع العالم العربي اتسم بالتعقيد، لا سيما بعد اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) وتداعي ذلك على توازنات المنطقة برمتها. فتركيا ترتبط بعلاقات حدودية طويلة مع سورية والعراق، ناهيك عن أن الإشكالية في تلك العلاقة لا تتأسس فقط على الجانب الأمني، بل إن أبعاداً حضارية تاريخية تفرض نفسها على التفصيل العربي التركي الراهن. وربما هذا ما يفسر الاندفاعة التركية باتجاه هذين البلدين (والذي ظهر واضحاً مع سورية قبل اندلاع الأحداث الأخيرة).

لكن، هل العرب جاهزون لتقبل الاستفاقة التركية الراهنة؟ لم يكن المدّ القومي العربي في المنطقة في القرن الماضي ليتيح تقارباً موضوعياً مع تركيا أيام الحرب الباردة. ذلك أن القوميين العرب بأحزابهم وأنظمتهم كانوا أقرب إلى الاتحاد السوفياتي، وبالتالي على تناقض مع خيارات أنقرة الأطلسية. ولا شك في أن زوال منظومة أوروبا الشرقية بقيادة موسكو، دفع تركيا إلى تعظيم دورها بعامة، وفي المنطقة العربية بخاصة، مدفوعة ربما بما أنتجته حرب الخليج وتداعي الحدث على الجار العراقي. طور تورغوت أوزال رئيس الوزراء في مرحلة انتهاء الحرب الباردة رؤى جديدة عمل على تحديثها إسماعيل جيم، وزير الخارجية التركي في الفترة ما بين 1997 و2002، توّجت بالبدائل التي أتى بها حزب العدالة والتنمية ووزير الخارجية أحمد داود أوغلو منذ 2002.

وفي سياق بحث العرب عن عمقهم الإستراتيجي، لم تكن تركيا تحظى بالثقة في هذا المضمار. فالنظام العربي، في شكل عام، لم يكن يرى في تركيا بديلاً، بل كان ينظر إلى أنقرة ككيان يمارس الخداع أحياناً، ويسعى إلى استغلال العرب أحياناً أخرى، لتحسين شروط التفاوض مع أوروبا وتمتين علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. على أن رأياً عربياً آخر بدأ يسجل تقدماً في هذا النقاش، ويلاحظ باهتمام تحولات تركيا في السياسة والاقتصاد، مروراً بتثبيت سيادة القانون والدستور، على حساب قوة العسكر، وصولاً إلى تحييد نسبي للمشكلة الكردية. كما نشأت قناعات عربية جديدة بأن توجهات تركيا نحو العالم العربي تتم على أساس الشراكة الإستراتيجية، ليس من بوّابة الاستثمار فقط، ولكن من بوّابة الصراع العربي - الإسرائيلي أيضاً (التدهور المنظم للعلاقات التركية - الاسرائيلية مثلاً).

وعلى رغم اعتماد الجانب العربي على الولايات المتحدة كبديل إستراتيجي، إلا أن العرب في النهاية لا يرون في واشنطن حليفاً إستراتيجياً طالما أن الأولويات الأميركية هي لأمن إسرائيل. لكن، وحتى إشعار آخر، فإن الولايات المتّحدة هي ضامن أمْن الدّول الخليجيّة العربية، وهي شريك استراتيجي مهمّ للعرب في التجارة والاستثمار والمعونات الاقتصادية والعسكرية، فيما يبقى الخيار الأوروبي متراجعاً عند العرب لكون الاتحاد الأوروبي متسقاً مع الولايات المتحدة في ضمان التفوق الأمني لإسرائيل، ولكون السلوك الأوروبي جاء دائماً مكملاً وليس مستقلاً عن الدور الأميركي، فيما لا يزال الخياران الروسي والصيني أقل من أن يرتقيا إلى مستوى البديل الاستراتيجي.

وفيما بشرت سورية بالبديل الإيراني، كان لبقية العرب موقف آخر. فإيران شريك للعرب بحكم الصِّلات التاريخيّة والجوار الجغرافي والتّداخل السكّاني، (تطلّ على الخليج العربي بسواحل تمتد على مدى 3200 كيلومتر)، غير أن خيارات إيران السياسية والأمنية، لا سيما برنامجها النووي، معطوفاً على سياساتها الخليجية وتلك في العراق وفلسطين ولبنان، وضعت إيران في معسكر التناقض والخصومة مع النظام العربي وحتى إشعار آخر.

سقطت الخيارات البديلة الواحد تلو الآخر وتقدم الاحتمال التركي بحظوظ عالية. تركيا تحظى إذاً بحظوظ التقدم المريح نحو العالم العربي. ولا شك في أن المسعى التركي قد يصطدم بطموحات إيرانية في هذا المضمار وبمخاوف إسرائيل. صحيح أن أنقرة سجلت ثورة تاريخية في مستوى العلاقات السياسية والاقتصادية مع الدول العربية من المغرب العربي إلى منطقة الخليج، بيد أن القطيعة السورية – التركية الحالية وتطورها لا بد من أن يحددا حجم الاختراق الذي يمكن أن تحققه تركيا داخل المنطقة العربية، وبالتالي درجة التفوق الممكن تسجيلها على حساب طهران وتل أبيب.

قد يبدو في الأفق أن أنقرة تجاوزت استراتيجية «مشاكل صفر»، وهي تنتقل نحو مستوى آخر من السياسة الخارجية يعتمد على شيء من العدوانية والاستفزاز. وقد تحمل الفترة القصيرة المقبلة كثيراً من إرهاصات ذلك مع سورية، وبالتالي مع طهران وموسكو.

* صحافي وكاتب لبناني

=================

امنحوهم مهلة أخرى!

حنان كامل الشيخ

الغد الاردنية

6-12-2011

كيف تتناقل وسائل الإعلام خبرا مفاده أن القيادة السياسية في سورية، تتجاهل مهلة أخيرة منحتها لها الجامعة العربية، والتي بدأت السبت الفائت إلى نهاية يوم الأحد؟

خطأ مهني تقع فيه وسائل الإعلام تلك، وهي تنقل في ذات الوقت أن ما يقارب الثلاثة والخمسين شخصا تم قتلهم على أيدي قوات الجيش والشبيحة، في نفس مدة المهلة. وتعتبرون هذا تجاهلا؟!

ثم تتجاسر هذه القيادة العظيمة على التلميح بأنها تطلب مهلة "أخيرة أخيرة"، لأنها بحاجة لبعض الإيضاحات والمزيد من التعديلات على البروتوكول الهادف إلى نشر المراقبين العرب والأجانب!!

يبدو جليا أن الأشقاء السوريين سعيدون جدا بلعبة المهل العربية تلك، والتي تؤمن لهم غطاء سياسيا وقانونيا، ليسرحوا ويمرحوا "كما هو واضح في مشاهد اليوتيوب العجيبة"، هذا من ناحية. ومن ناحية ثانية هم بحاجة لتلك الفرصة الزمنية، حتى يحضروا للعالم وأولهم للأمة العربية، حقائق مثبتة بالصوت والصورة، تشهد على وجود المندسين والمأجورين والمسلحين والمدفوعين، كما حصل في المؤتمر الأخير لوليد المعلم، والذي استهزأ من محطات إخبارية، لم تنقل عنه شريطه الشهير. والله لو كنت مكانه لدفنت نفسي بالحياة، هربا من "سواد الوجه "الذي لحق بي!

إذا امنحوهم مهلة وراء المهلة، لأنهم بهذه الوسيلة لن يقطعوا كل أسبابهم بقنوات الجامعة العربية. بل يبقى الخيط الرفيع يلتوي، ليلتف حول رقاب العرب الخجولين من فكرة طرد دولة مجرمة، تعيث فسادا في الأرواح والأملاك والأعراض، فقط لأنهم يستحون من فكرة أنهم أشقاء عرب، والتاريخ لن يسامحهم على النبذ وفقر النصيحة!

امنحوهم مهلة أخرى، فهم بحاجة لوقت يستلمون فيه القرار، ووقت آخر يفتحون فيه الظرف الذي يحوي القرار، ووقت يقرأون فيه القرار، ووقت ليسرحوا في القرار، ووقت للاستراحة .. ثم يعودون ليقرأوا القرار من جديد، ويسرحوا.. وحتى دقيقة كتابة هذه السطور كان خبر يترأس اهتمامات وسائل الإعلام: الحكومة السورية "تستعد" لإعلان موقفها من بروتوكول نشر المراقبين العرب .. اللهم طولك يا روح! فيما الصراخ المتهالك والقادم من أحياء درعا وحمص وادلب، يكاد يسمع صوته في كل العالم ما عدا دمشق!

أعلم كم من الأخوة العرب الذين لا تعجبهم آليات عمل الجامعة العربية، مع القضية السورية، ومبررهم في ذلك أن القياس نفسه لم ولا يتم التعامل واياه في قضايا مماثلة كما اليمن مثلا، أو قضايا أكثر خطورة، كضرب غزة ومحاولات تهويد مدينة القدس الشريف.

كلها أسباب منطقية وتدعو للسخرية أعرف. لكن ما يخصني في تلك اللحظة بالذات، تلك اللحظة التي ينتف فيها "شارب"، أو يدفن رأس في الطين، أو يدفع شاب إلى ما تحت الحذاء ليلعقه بلسانه، ولن أقول يقتل أو يختطف أو تغتصب .. في هذه اللحظة يجب أن يتوقف هذا الإجرام والتطهير العرقي حالا، ثم لدينا لكل حادث حديث!

فلندع الجامعة تتصرف كما يجب عليها أن تتصرف في مواقف مماثلة، رغم أنها حتى الآن لم يرتق رد فعلها عن أكثر من إقرار بعض عقوبات اقتصادية، نعرف جميعا أن دولا ستدفع فاتورتها إلا سورية تحديدا!

ولنراقب معا إلى أين ستفضي لعبة المهل تلك .. هل برأيكم سيأتي علينا يوم نرى فيه لجان المراقبة العربية، تتجول في شوارع المحافظات السورية، وبرفقتها وسائل إعلام عربية وأجنبية لا سمح الله؟

عذرا يا شهداء اليوم والغد وبعد غد وبعد بعد غد .. فنظامكم يطالب بمهلة أخرى، ويقول إنها الأخيرة

========================

ضرورات الإصلاح والفكر الجديد: فرصة تاريخية يقدمها الربيع العربي

محمد زاهد جول *

الحياة - السبت, 03 ديسيمبر 2011

منذ أكثر من قرن والحديث متواصل عن ضرورات التجديد في شؤون الدين، وعرفت نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن الماضي عدداً من المفكرين الإصلاحيين من أمثال جمال الدين الأفغاني وعبدالرحمن الكواكبي ومحمد عبده ورشيد رضا وغيرهم، وكلهم كانوا من دعاة الإصلاح والتجديد معاً، وكان في تقديرهم أن قطار النهضة لن ينطلق إلا على سكة متينة قوامها التجديد الفكري والإصلاح السياسي، وأنه لن يتم إصلاح من غير تجديد، ولن ينجح تجديد فكري من غير مواكبته بمشروع إصلاح ناجح، أي ما لم يتم ترجمته على أرض الواقع، ويلمس المواطنون صوابه وصحته، ونظراً إلى ظروف تلك المرحلة من الناحية السياسية والعسكرية لم يتم الاستفادة من مشاريع التجديد الفكري التي تقدم بها أولئك العلماء بدرجة كبيرة، وتمت إقامة كيانات سياسية ذات قيادات عسكرية لا تملك رؤية تجديدية ولا إصلاحية، ما أدى إلى أن تكون هذه الكيانات والدول ضعيفة وعاجزة عن إحداث تقدم أو نهضة، وبعد مرور قرن من الزمان ثبت فشل تلك الأنظمة وخرج المواطنون العرب إلى الشوارع رافضين الاستبداد والفساد معاً، ومطالبين بالتغيير الجذري والإصلاحي الكامل، وبذلك عاد سؤال التجديد والإصلاح يفرض نفسه على أرض الواقع، وبالأخص في الدول التي نجح الشعب فيها بتغيير الأنظمة السياسية في ما عرف بثورات الربيع العربي. فما إن نجح بعض هذه الثورات العربية حتى فتح باب الجدل على مصراعيه عن نوع التغيير الذي يريده الشعب بقواه الدينية والعلمانية كافة، وعن نوع الدولة التي يسعى الشعب إلى إقامتها، هل هي دولة دينية أم دولة علمانية، ويكاد يتفق الطرفان على أن الدولة المنشودة هي الدولة المدنية، التي عرفتها المجتمعات المتحضرة، وهي الدولة التي تعامل سكانها كافة على أساس أنهم مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينية أو القومية أو الطائفية أو اللغوية أو غيرها، وعلى رغم تغنّي كلا الطرفين بهذه القيم العصرية لمفهوم الدولة المدنية، إلا أن أحداً منهما لم يعمل على تقديم رؤية تأصيلية اجتهادية من ثقافته الدينية أو الفلسفية، بما يتناسب والواقع العربي المعاصر.

فالحركات التي تدعي العلمانية وترفض الدولة الدينية، مطالبة أن تقدم دراسات جديدة لمفهوم الدولة المدنية التي تؤمن بها وتدعو لها، فلا يكفي أن يقف تفكيرها عند حدود الدعوة إلى الدولة المدنية والعلمانية ورفض الدولة الدينية فقط، فالأنظمة التي أسقطت في ثورات الربيع العربي حتى الآن كانت تدعي المدنية والعلمانية، ولكنها لم تحقق للمواطنين مساواة ولا عدالة ولا حقوقاً، بل كانت دولاً فاسدة ومستبدة بكل المقاييس، وقد تشارك الناس جميعاً في رفضها والخروج عليها بتظاهرات عارمة واحتجاجات قاصمة، ما يوجب على القوى الفكرية والسياسية غير الإسلامية أن تضع خططها السياسية وتبين مشاريعها الدستورية وطبيعة الدولة التي تنشدها وتعمل على إيجادها، وأن توضح مكانة الدين والمرجعية الإسلامية فيها، ما هي مكانتها، وما هو دورها، آخذة بالاعتبار أن غالبية الناس في هذه الدول هي شعوب مسلمة، وتمسكها بالإسلام ليس تمسكاً كهنوتياً روحياً، وإنما هو تمسك عقدي أولاً، وتمسك تشريعي ثانياً، وهذا يفرض على القوى التي تقف مقابل الأحزاب الإسلامية أن يكون موقفها من الدين واضحاً، ومحترماً لأفكار الغالبية ومشاعرها.

وكذلك القوى الإسلامية أو التي توصف بالأحزاب الدينية مطالبة بأن تقدم رؤاها الفكرية واجتهاداتها الشرعية لمفهوم الدولة المدنية وفق رؤاها الدينية ومرجعيتها الإسلامية وبلغة عصرية واضحة، لأن مجرد القول بأن الإسلام لا يعرف الدولة الدينية أمر غير مفهوم لقطاع كبير من المواطنين حتى المتدينين منهم، فالمفهوم الديني للدولة متشابك عندهم مع مفهوم الدولة عبر التاريخ الإسلامي كله، بداية في العهد النبوي والخلافة الراشدة وما بعدها، بل لم يعرف العرب مفهوم الدولة السياسية إلا بعد الإسلام، فكيف يمكن الحديث عن دولة مدنية في ظل الحكم الإسلامي؟

القوى الإسلامية مطالبة بأن توضح نظرياتها في الحكم طالما هي تنادي بأن تكون الشريعة الإسلامية مرجعية أساسية للدستور، وعليها أن تضع نصب أعينها إقناع أبناء الحركة الإسلامية وأصحاب الانتماءات الدينية بمفهوم الدولة المدنية قبل غيرهم، لأن شباب الحركات والأحزاب الإسلامية قد يكونون من أوائل من يرفض فكرة الدولة المدنية، وعليه ينبغي أن تكون هذه الرؤى مؤصلة بأدلتها الشرعية من الكتاب والسنّة، والإجابة على الاعتراضات كافة التي يمكن أن تنشأ عن ذلك، بما فيها الاعتراضات التي يوردها من لا يؤمنون بالدولة المدنية من الحركات أو التوجهات الإسلامية الأخرى، ممن يعتبرونها نوعاً من الغزو الفكري الغربي أو الغريب عن الثقافة الإسلامية السياسية.

إن التحديات الفكرية قائمة بدرجة كبيرة أمام الإسلاميين وغيرهم، وهي قائمة أكثر على مستوى الواقع، لأن خطاب الحكم والسلطة السياسية ليس هو نفسه خطاب المعارضة عندما كانت هذه القوى مضطهدة ومطاردة، وعندما كان النظام السياسي المستبد يعمل على تشويه صورتها وخطابها معاً، فخطاب المعارضة وخطاب الثورة قبل تغيير النظام لا يمكن أن يكون هو نفسه خطاب ما بعد الثورة والعمل السياسي المباشر، وأن يتم تقديم خطابها على أنه نوع من الاجتهاد الذي يحترم الاجتهادات الأخرى، وأن تنظر للاجتهاد السياسي شأنه شأن الاجتهاد الفقهي بأنه قابل للصواب والخطأ، فلا تنظر القوى أو الأحزاب الإسلامية على أنها تقدم حلولاً حاسمة وقاطعة ونهائية، فهذه النظرة لا تعبر عن طبيعة العمل السياسي القابل للتعديل من أجل تحقيق الأفضل والأحسن في شكل متواصل. بل إن التحدي لا يكمن بتقديم الرؤى الفكرية والنظريات الجديدة، وإنما بما يمكن أن يتحقق على أرض الواقع من نجاح يقنع الناس به، أي تحقيق النجاح الواقعي والعملي والملموس من قبل الناس، لأن الناس تريد حلولاً لمشاكلها، ورفعاً لمعاناتها، وكرامة لمشاعرها، وأملاً ومستقبلاً أفضل لأبنائها، وعزة لدولها ومكانتها بين دول العالم، فلا مجال بعد اليوم لقبول الكلام دون الأفعال، وكل نظرية فكرية أو سياسية لا تؤدي إلى إصلاح عملي ينبغي إعادة النظر فيها وفي صحتها، وينبغي البحث عن بديل لها، سواء من الحركة نفسها أو من الحزب الإسلامي الحاكم أو المعارض، فلا يهم من يقدم الحل الصحيح بمقدار ما هو مهم أن تتحقق مصالح الناس وسعادتهم، وتأمين مستقبل أفضل لهم.

إن تغير نظرة الغرب للأحزاب الإسلامية وإعلانه عن إمكانية التعاون معها، وعدم معارضته لاستلامها السلطة السياسية، كل ذلك يفرض عليها مسؤولية أكبر في تقديم الحلول الإسلامية التي تقرب الإسلام والتفكير العربي الجديد إلى قلوب الغربيين وعقولهم، فالفرصة التاريخية اليوم كبيرة وواسعة في إثبات قدرة الفكر الإسلامي على معالجة مشاكله الداخلية، وتحسين أوضاع البلاد العربية بعد عقود من التخريب والإفساد، وهذا لا يتحقق ما لم يشعر المفكر العربي المسلم بضخامة المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقه، آخذاً في الاعتبار أن التراث الفكري الإسلامي كان أمام تحديات كبيرة أيضاً، ولكنه لم ينجح فيها جميعاً، وإنما نجح عندما أبدع حلولاً تناسب عصره وزمنه، فالإبداع تحدٍّ حتمي وليس خياراً في طريق النجاح.

* كاتب تركي

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ