ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 22/11/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

النظام السوري واستقرار إسرائيل

د.خالد الحروب

تاريخ النشر: الإثنين 21 نوفمبر 2011

الاتحاد

"إن سقوط نظام بشار ستترتب عليه كارثة تقضي على إسرائيل" لأن ذلك "سيسمح بقيام تكتل إسلامي كبير في مصر والأردن وسوريا وهذا سيشكل خطراً وجوديّاً على إسرائيل". هذه تصريحات إضافية، لمن يريد الاستزادة، تعبر عن القلق الإسرائيلي الشديد على نظام الأسد، وهذه المرة تأتي من جلعاد رئيس الهيئة الأمنية والسياسية في وزارة الدفاع الإسرائيلية. تلتقي التخوفات الإسرائيلية هذه مع الرسائل المتواصلة المباشرة، وغير المباشرة، التي يرسلها النظام من أنه "حجر أساس الاستقرار" في المنطقة، وأن سقوطه لن يقود إلا إلى الانفجار. وهذه كلها ترميزات لا تعني سوى شيء واحد هو أن استمرار النظام يعني "استقرار إسرائيل"، وهو الأمر الحيوي والعصب الحساس الذي يدرك النظام أن الغرب يستجيب وينتفض له، وذاك ما أدركه سادة النظام على مدار عقود طويلة. ونتذكر جميعاً أن رامي مخلوف أحد أركان النظام كان قد ضاق ذرعاً بالتلميحات غير المباشرة المتوالي صدورها من دمشق، والتي "على الغرب أن يفهمها"، في ما يتعلق بمستقبل إسرائيل وعلاقته بالوضع في سوريا، ففضل القول المباشر والواضح وأطلق تصريحه الشهير في صحيفة "نيويورك تايمز" في شهر مايو الماضي بأنه لن يكون هناك استقرار في إسرائيل ما لم يكن هناك استقرار في سوريا. والقلق الإسرائيلي على نظام بشار الأسد والخوف عليه يضع إسرائيل، وللمفارقة الكبيرة، في نفس مربع "محور الممانعة" الذي يساند النظام ولا يريد سقوطه. كيف إذن تلتقي مصلحة إسرائيل مع مصلحة دول ومنظمات "محور الممانعة" القلقة هي الأخرى من سقوط النظام والتي تدافع عنه ومعها عديد من منسوبي الإيديولوجيات المتنوعة؟ هذا السؤال اللغز نتركه لأنصار النظام والمدافعين عنه ليل نهار ليتأملوه ويقدموا إجاباتهم عليه.

ولكن السؤال الأكثر تعقيداً، والجالب للتخوف الحقيقي، يدور حول الحجم الذي يمكن أن يلعبه عامل "الخشية على استقرار إسرائيل" في معادلة الموقف الدولي المرتبك إزاء سوريا، وفي ما إن كان هذا العامل سيلعب دوراً متزايداً في حسم مسألة التدخل الخارجي ويفاقم من تلكؤ الموقف الغربي في اتخاذ خطوات ضغط حقيقية ضد النظام. تخوف الغرب من أنظمة ما بعد الثورات واحتمالات سيطرة الإسلاميين عليها لا يحتاج إلى نقاش، فهو واضح ومُعبر عنه بشكل يكاد يكون يوميّاً. ومن غير المُستبعد أن يتزاوج هذا التخوف المتصاعد مع تخوف آخر يتصاعد موازيّاً له وخاص بمستقبل إسرائيل واستقرارها وأمنها. على خلفية حاصل جمع هذين التخوفين يمكن أن نقرأ كثيراً من التردد الغربي والكثير من التصريحات التي تقول إن سوريا ليست ليبيا. وربما يرد في هذا السياق انتقاد أردوغان للدول الغربية بسبب مواقفها المتراخية إزاء سوريا، ومقارنة هذا التراخي مع التشدد والحماس اللذين أبدتهما تلك الدول في الحالة الليبية، متهكماً بأن هذا التراخي مرده عدم وجود نفط يثير شهية الغربيين كما هو الأمر في ليبيا. صحيح أن هناك رغبة غربية وعالمية في تغيير النظام السوري وهي رغبة واضحة، ولكن التخوف الحقيقي هو من أن يتفاقم أثر العامل الإسرائيلي بحيث يُصار إلى ترتيب حل وسط يحافظ فيه النظام القائم على وجوده، وبالتالي استقرار إسرائيل، على حساب الشعب الثائر ومطالبه. وسيقدم النظام كل تنازل ممكن أن يخطر على البال من أجل بقائه، والبوابة الإسرائيلية هي أقرب وأسهل البوابات لذلك وأكثرها نفعاً.

وليست في هذا التقدير أية مبالغة مجافية للسلوك السياسي المعهود عن نظام البعث في سوريا، بل تدعمه شواهد عديدة على مدار العقود الأربعة الماضية تؤكد على أن حجر الزاوية في سياسة النظام هي اللعب على مسألة "الصمود والتصدي" لفظيّاً وخطابيّاً، بينما واقع الأمر لا يتعدى التسليم لإسرائيل بما تريد. ومن دون مسألة "الصمود والتصدي" يفقد النظام كل أنواع الشرعية. ولذلك كان حريصاً على بقاء حالة "اللاحرب واللا سلم" مع إسرائيل منذ حرب أكتوبر 1973. وفي الوقت الذي لم يكن فيه هناك أي جهد حقيقي لتحرير الجولان المحتل، فإن تصريف ذلك الصمود اللفظي كان يتم من خلال تخريب لبنان جملة وتفصيلاً. فهناك ادعى النظام أنه يساند منظمات المقاومة الفلسطينية، وهي التي حاصرها في تل الزعتر وحاربها، ثم تركها لقمة سائغة أمام الاجتياح الإسرائيلي عام 1982. وفي تلك السنوات وعلى رغم الاحتلال الفعلي للبنان من قبل الجيش السوري إلا أن ذلك الجيش اختفى تماماً من لبنان عندما دخل الإسرائيليون وتركه ومن فيه يواجهون مصيرهم، بل وقف جيش الصمود البعثي يراقب احتلال أول عاصمة عربية، بيروت، من دون أن يطلق رصاصة على المحتلين.

وخلال عقود الاحتلال السوري للبنان والاحتلال الإسرائيلي لجنوبه كانت هناك معادلة "الخط الأحمر" التي رسمها الإسرائيليون للوجود السوري هناك واحترمها النظام ولم يمسها على الإطلاق. بل إن نوعية سلاح الجيش السوري وكمياته كانت خاضعة لتوافقات ضمنية. وعندما انسحب الإسرائيليون من بيروت عاد الجيش المظفر للظهور، محاصراً الفلسطينيين مرة أخرى، ومشجعاً على الانقسامات فيما بينهم، ثم ليخوص حرباً بشعة ضد المخيمات ما زالت جروحها طازجة في الذاكرة الفلسطينية.

وإكسير الحياة لبقاء النظام كان ولا يزال الاعتياش على شعارات الصمود أمام إسرائيل التي كانت راضية عن الأمر الواقع واحترام النظام وخضوعه للخطوط الحمراء التي ترسمها له. وفي هذا الإطار كان بقاء احتلال الجولان ضرورة حياتية للنظام بسبب ما يوفره من مسوغات دائمة لقمع الداخل بدعوى أنه "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، ولأن النظام مشغول في إحداث "التوازن الاستراتيجي" مع إسرائيل. ولنتخيل للحظة لو أن الجولان لم يعد محتلًا، وأنه عاد إلى سوريا حرباً أو سلماً، فماذا يتبقى من شرعية أو مسوغ للنظام؟ ولهذا فإن كثيراً من القراءات التي عملت على تحليل السلوك السوري، حتى في المفاوضات السلمية بين سوريا وإسرائيل، كانت تصل إلى نفس النتيجة وهي أن التصلب السوري قصد دوماً عدم التوصل إلى اتفاق، لأن عودة الجولان وتحريرها سيكشف ظهر النظام ويفقده القضية الأساسية التي من دونها يفقد مبرر وجوده. استقرت إسرائيل وأمنها على تلك المعادلة، ومن المفهوم أن تقلق الآن وبعمق إن تفككت معادلة الاستقرار تلك وسقط النظام الذي يحميها.

=================

قرارات حاسمة لوقف إراقة الدماء

الراية القطرية

التاريخ: 21 نوفمبر 2011

دخلت خطة الجامعة العربية لحل الأزمة في سوريا مرحلة يمكن وصفها بالجمود بعد أن أعلنت الأمانة العامة للجامعة أن التعديلات والإضافات التي طلبت سوريا إدخالها على مشروع البروتوكول المتعلق بمركز ومهام المراقبين الذين تنوي الجامعة إرسالهم إلى سوريا "تمس جوهر الوثيقة" وتغير جذريا طبيعة مهمة البعثة بالتحقق من تنفيذ الخطة العربية لحل الأزمة السورية وتوفير الحماية للمدنيين.

لقد أكدت الجامعة العربية في بيان أصدرته "ضرورة اتخاذ الإجراءات الفورية لحقن دماء الشعب السوري وضمان أمن سوريا ووحدتها وسيادتها وتجنيبها التدخلات الخارجية".

مشددة على تمسكها بمعالجة الأزمة السورية في الإطار العربي من خلال وضع حد لاستمرار العنف والقتل والاستجابة لتطلعات الشعب السوري في التغييرات والإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المنشودة .

من غير المعروف بعد فيما إذا كان وزراء الخارجية العرب الذين سيجتمعون في القاهرة الخميس المقبل سينفذون تعهداتهم التي اتفقوا عليها خلال اجتماع في الرباط بفرض عقوبات اقتصادية على النظام السوري ما لم يوقع خلال ثلاثة أيام البروتوكول المسمى "الإطار القانوني والتنظيمي" لبعثة المراقبين العرب التي سيتم إرسالها إلى سوريا لحماية المدنيين ويضعونها موضع التطبيق لكن الشعب السوري ينتظر من الجامعة العربية التي اتخذت قرارات تاريخية أن توفر آلية تحقق المطلب الأساس للشعب السوري والمتمثل بحماية المدنيين ووقف إراقة الدماء المتواصل في سوريا منذ أكثر من ثمانية شهور هي عمر الانتفاضة السورية المطالبة بالحرية والتغيير.

المؤسف أن وزير الخارجية السوري وليد المعلم الذي وافقت حكومته على مبادرة الجامعة العربية -وإن لم تضعها موضع التطبيق- يتهم أطرافا عربية باستخدام الجامعة العربية أداة لنقل الأزمة السورية إلى مجلس الأمن الدولي،معتبرا أن البرتوكول الذي طلب من دمشق توقيعه لإرسال لجنة من المراقبين العرب يطلب صلاحيات تعجيزية ويخرق السيادة السورية.!

كما اتهم المعلم الجامعة العربية واللجنة الوزارية العربية لحل الأزمة في سوريا بالتخلي الكامل عن خطة العمل العربية التي تم الاتفاق عليها في الدوحة، والتوجه بدلا من ذلك نحو اتخاذ قرار يؤمن الأرضية لاستجرار التدخل الأجنبي في الشأن السوري.

تصريحات المعلم تعكس غياب مناخ الثقة بين النظام السوري مع الجامعة العربية التي سعت لحل الأزمة السورية ضمن إطار البيت العربي وهو ما تضع دمشق أمامه العراقيل وستدفع بالضرورة اللجنة الوزارية العربية ومن ثم وزراء الخارجية العرب إلى اتخاذ قرارات حاسمة تجاه النظام في دمشق سعيا لتحقيق الهدف الذي من أجله جرى إنشاء اللجنة الوزارية العربية والمتمثل بوقف إراقة الدماء وتوفير الحماية للمدنيين السوريين من بطش النظام السوري وجيشه وأجهزة أمنه.

=================

المقاومة الحقيقية.. مقاومة الشعب السوري للنظام!

خيرالله خيرالله

المستقبل

21-11-2011

ما الدليل على ان النظام السوري في طريقه الى الهاوية؟ الاكيد ان العنصر الاهمّ في المعادلة السورية يتمثل في وجود ثورة شعبية عارمة هي امّ الثورات العربية العربية من المحيط الى الخليج. ستغيّر هذه الثورة الشرق الاوسط والعالم العربي لسبب في غاية البساطة مردّه الى انه للمرة الاولى يثبت احد الشعوب العربية انه مستعد للذهاب في ثورته الى النهاية بغض النظر عن موقف الجيش والمؤسسات الامنية. في النهاية من فرض على العرب تغيير موقفهم من الثورة في سوريا هو الشعب السوري ولا احد آخر غير هذا الشعب الذي واجه آلة القمع وقاومها بصدور عارية.

تكمن ازمة النظام السوري، في جانب منها، في انه لم يستوعب مدى عمق جذور الثورة التي يشهدها البلد ومدى اتساعها. استخف النظام بشعبه. اعتقد ان في استطاعته استعباد المواطن السوري "الى الابد" ووضعه في خدمة عائلة قادرة على التحكم بمصير البلد وكل تفصيل فيه. رفض اهل النظام الاعتراف بانّ السوريين ليسوا بالغباء الذي يتصوّرنه وانهم مطلعون على ما يدور في العالم وفي لبنان القريب منهم وفي الاردن. ما لم يستوعبه النظام السوري ايضا ان المواطن في كل مدينة او قرية سورية يعرف ان مستوى المعيشة في بلدين فقيرين مثل لبنان والاردن افضل بكثير من مستوى معيشة المواطن السوري في بلد يمتلك امكانات كبيرة غير مستغلّة. كانت النتيجة ان هذا المواطن السوري ابدع في كلّ مكان... باستثناء سوريا.

كانت الثورة في مصر ثورة شعبية، كذلك الامر في تونس. ولكن في الحالين المصرية والتونسية تدخّل الجيش في الوقت المناسب وانحاز الى التغيير. لم يصمد كلّ من الرئيسين حسني مبارك وزين العابدين بن علي اكثر من شهر بسبب الجيش اوّلا. لم يستطع اي منهما اعطاء اوامر بالقمع. شعرا بثقل الدم الذي كان ممكنا ان يهرق. شعرا خصوصا انّ هناك شيئا ما انتهى وان لا مفرّ من الاستسلام امام الارادة الشعبية. اختارا السلامة الشخصية على المجازفة بالذهاب بعيدا في المواجهة مع شعبيهما.

لعبت الضغوط التي مارسها الجيش في كل من مصر وتونس دورا حاسما في "اقناع" حسني مبارك وزين العابدين بن علي بأنّ اللعبة انتهت وانه آن اوان ذهاب الاول الى السجن والثاني الى المنفى السعودي. لكن الامر في سوريا يبدو مختلفا. هناك قناعة لدى الرئيس بشّار الاسد ان ليس في استطاعة الجيش الانحياز الى الشعب نظرا الى ان مصير كبار القادة العسكريين مرتبط بمصير النظام. قد يكون الرئيس السوري على حقّ لو لم يسء تقدير حجم الثورة الشعبية ومدى اتساعها ومدى استعداد السوريين باكثريتهم الساحقة للتضحية والمقاومة من اجل استعادة كرامتهم المفقودة وحقهم في العيش في بلد طبيعي. يعرف السوريون ان الشعارات الطنانة من نوع "المقاومة" و"الممانعة" ليست سوى وسيلة لنهب ثروات البلد واستعباد اهله الى ما لا نهاية.

يعرف السوريون، الذين فرضوا على العرب اخيرا اتخاذ موقف من النظام، انهم وحيدون في خندق المواجهة والمقاومة وان بلدهم تحول الى مستعمرة ايرانية لا اكثر. حصل ذلك منذ اضطرار النظام الى الانسحاب عسكريا من لبنان نتيجة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. يعرف السوريون ايضا ان عليهم استعادة استعادة القرار السوري المستقل. وهذا يعني في طبيعة الحال ان تعود سوريا دولة عربية وليس دولة تدور في الفلك الايراني.

لعلّ اكثر ما يعرفه السوريون انّ سياسة الهروب الى امام ليست سياسة وان من وقف مع النظام من بين الدول العربية، انما يفعل ذلك بسبب النفوذ الايراني، كما حال لبنان والعراق، وامّا لاسباب خاصة جدا، تحتاج الى مقال طويل، كما حال اليمن المهدد بالتفتيت وبحروب داخلية معروف كيف تبدأ وليس معروفا كيف يمكن ان تنتهي.

يعرف السوريون اخيرا ان النظام افلس. كيف يمكن لنظام ان يعيش "الى الابد" عندما يعتمد على دعم نوعين من اللبنانيين. يعتمد على التابعين لايران من جهة وعلى اسوأ انواع اللبنانيين من جهة اخرى. بين من يتكل عليهم في لبنان شخص مثل النائب ميشال عون الذي صرح علنا قبل بضعة ايام ب"ان كلّ شيء في سوريا سيكون انتهى في غضون اسبوعين". مرّت ثلاثة اسابيع ولم تتوقف الثورة. على العكس من ذلك تصاعدت وتيرتها في كلّ انحاء سوريا. يعتقد عون ان النظام السوري باق. هل من دليل افضل من هذا الدليل على انه راحل وانه بات من الماضي؟

مع مثل هذا النوع من الاصدقاء الذين يراهنون على خراب سوريا ولبنان والمستعدين للانتقال من حضن صدّام حسين الى حضن النظام الايراني مرورا باستراحة في واشنطن طبعا، لا حاجة للنظام السوري الى اعداء. النظام عدو نفسه لانّه عدو شعبه. كان الملك عبدالله الثاني الذي يعرف الرئيس السوري جيّدا وقد حاول تقديم النصائح اليه باكرا صادقا مع بشّار الاسد عندما دعاه الى التنحي. في النهاية "انت مهزوم حتى لو انتصرت على شعبك بالقمع". تلك هي المعادلة التي عجز النظام السوري عن فهمها مثلما عجز عن تقدير ردود الفعل الشعبية على القمع وقدرة الشعب السوري على الصمود والتصدي. اذا كان من مقاومة حقيقية في المنطقة، فهي مقاومة الشعب السوري للنظام التي لا تشبهها سوى مقاومة الشعب اللبناني لثقافة الموت!

=================

سيناريوهات تركية رسمية للحرب على سوريا

محمد نور الدين

السفير

21-11-2011

لا يزال المسؤولون الأتراك يعيشون سيناريوهات كيفية إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وفي ظل استحالة القيام بتدخل عسكري خارجي دولي تكون تركيا جزءا منه، يبدو أن أنقرة لا تزال تبحث عن كيفية التدخل بمفردها، برغم كل المحاذير المحتملة والتحذيرات الداخلية من ذلك.

إلى ذلك، جدد رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان انتقاده للحكومة السورية، أول أمس. وقال، أمام مؤتمر مجلس علاقات الاقتصاديات الخارجية، «لم تف سوريا بوعودها التي قطعتها على نفسها، سواء بالنسبة لتركيا أو للجامعة العربية أو العالم». وأضاف «إنهم مترددون ومخادعون في ما يتعلق بتنفيذ الإصلاح. لقد استخدموا إجراءات غير إنسانية ضد المعارضة. لقد سحقوها بإراقة الدماء».

وبعد تأكيدات أنقرة المتكررة أنها تعارض تدخلا خارجيا عسكريا في الأزمة السورية، فإنها بدأت تضيف عبارة «إلا إذا». مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية التركية لم يكشف عن اسمه التقى الجمعة الماضي بعدد محدود من الصحافيين الأتراك وشرح لهم الموقف التركي من التطورات في سوريا، راسما سيناريوهات جديدة للحرب على دمشق.

رأى المسؤول أولا أن النظام في سوريا سينهار وحده من الداخل، مشبها إياه بعمارة قديمة آيلة للسقوط، و«النظام لا يستطيع إصلاح نفسه بنفسه، وبقدر ما يكون سقوط البناء سريعا يكون أفضل لتركيا. لكن ذلك لن يكون سهلا، وتنتظر تركيا مصاعب جدية للغاية».

وقال المسؤول إن الأسد يتبع سياسات مذهبية أكثر بكثير من أبيه حافظ الأسد. وأشار إلى أن من دعائم الأسد المسيحيين الذين يقدّرون ب 12 في المئة، والذين لم يقفوا ضد الرئيس. وأشار إلى أن الأكراد كانوا في البداية محايدين، غير أنهم بدأوا يتحركون تدريجيا تجاه المعارضة ضد النظام.

وأكد المسؤول أن من مصلحة تركيا إنهاء الدكتاتوريات في المنطقة، لأنها لا تجلب الاستقرار الذي يتحقق فقط بالديموقراطية. لكن تركيا في المبدأ ضد التدخل العسكري بمفردها او الشراكة مع الخارج. لكن المسؤول قال ان الخيار العسكري أو إقامة منطقة عازلة على الحدود بحماية تركيا ليست خارج الاحتمالات بشكل نهائي. وقال «مهما كانت الاحتمالات ضئيلة، فإنه في حال توفر بعض الشروط يمكن اللجوء إلى الخيار العسكري».

وقال المسؤول انه في حال حصول موجات نزوح جماعية للسكان إلى الحدود التركية فإن الجيش التركي سيدخل إلى سوريا ويقيم منطقة عازلة، حيث ستؤمن تركيا احتياجات هؤلاء داخل الأراضي السورية وليس داخل الأراضي التركية كما حصل عام 1991 مع موجات النزوح هربا من الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. وفي ظل هذا السيناريو ليست تركيا بحاجة إلى قرارات من مجلس الأمن الدولي.

أما الشرط الثاني، فيتمحور حول حدوث تدخل عسكري اكبر حجما، وهذا مرتبط بحدوث مجازر في محافظة واحدة مثل دمشق أو حلب. تماما كما حصل في ليبيا بعد تهديد العقيد معمر القذافي بدخول بنغازي. لكن هذا يتطلب قرارا من مجلس الأمن وحينها يمكن لتركيا أن تشارك فيه.

وقال المسؤول إن خطط كلا السيناريوهين جاهزة. وأضاف إن أنقرة في هذه المرحلة تلجأ إلى عقوبات اقتصادية تؤثر على الطبقات الوسطى والعليا التي تقع تحت سيطرة النظام. وانتقد إيران التي تقارب الوضع في سوريا من زاوية مذهبية، قائلا إن تركيا لا تنظر إلى سوريا من موقع مذهبي سنّي.

وحول العلاقات التركية - الإسرائيلية نقل بعض من حضر اللقاء أن المسؤول التركي قال انه ليس من جديد فيها، ولكن أنقرة لن تقوم بخطوات إضافية تفتح أمام توترات جديدة بين الدولتين.

من جهته، تساءل الكاتب في صحيفة «ميللييت» فكرت بيلا عن الأسباب التي تستدعي تركيا للتنطح لدور في سوريا ليس من مسؤوليتها. وقال إن الوقائع على الأرض تعكس تورطا تركيا مباشرا، من خلال إيواء وحماية العقيد المنشق رياض الأسعد الذي يقوم بعمليات من داخل الأراضي التركية، وهذا تطور غير مسبوق من جانب أنقرة.

واعتبر بيلا أن هناك فرقا بين التهديد التركي بالتدخل العسكري عام 1998 حيث كان زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان مقيما في سوريا وبين تهديداتها اليوم. إذ إن الدعوة للتدخل تأتي من جانب منظمة الإخوان المسلمين ومن بعض الدول الغربية. لكن الكاتب يضيف إن مسؤولية إحلال الاستقرار في سوريا ليست مسؤولية تركيا فقط، وأي تدخل عسكري تركي بمفرده سوف يفتح الطريق أمام مشكلات كبيرة جدا ليس فقط مع سوريا بل أيضا مع إيران وحينها ستكون إسرائيل وحدها الرابحة. وقال «إن على تركيا ألا تفكر بالتدخل في سوريا خارج أهداف إنسانية، وبقرار من مجلس الأمن. وما عدا ذلك فلا احد يتكهن بما ستكون عليه النتائج. حيث إن جهودا كثيرة تبذل من اجل الإضرار بمصالح تركيا. وما يمكن أن يكون مخططا اليوم لسوريا ولإيران يمكن أن يتكرر بالنسبة لتركيا في يوم من الأيام».

=================

حرب الإعلام بين عمان ودمشق

ماهر ابو طير

الدستور

21-11-2011

بدأ النظام السوري شن حملة اعلامية ضد الاردن، عبر وسائل الاعلام السورية، المتلفزة والمقروءة، في سوريا، بالاضافة الى وسائل الاعلام اللبنانية الموالية لدمشق، وعبر وسائل اعلام في لندن، وعواصم اخرى.

ملف الرمثا ورد الفعل الشعبي الغاضب على وفاة شاب من الرمثا، تم استثماره اعلامياً، بكل الوسائل، والمتتبع للتفاصيل يكتشف ان القصة تم التركيز عليها، بوسائل عديدة، في الاعلام السوري، وذاك العربي.

بعد تصريحات الملك التي قدّم فيها النصيحة للاسد بالتنحي، والحديث ايضاً، عن استعداد الاردن للتعامل مع اي موجات لاجئين سوريين، بدأ الاعلام السوري حملته الكبيرة، وتضامن مع السوريين، من يعملون معهم في الاعلام العربي.

يروي صحافي في النهار اللبنانية، عبر الهاتف، ان كل وسائل الاعلام اللبنانية المحسوبة على دمشق، تشن حملة ضد الاردن، وتتهمه بالتجهيز لتدخل عسكري في سوريا، بالاضافة الى اتهامات اخرى تتعلق بوجود دعم لوجستي اردني للمتمردين السوريين.

من هذه الاتهامات التي بدأ الترويج لها في بيروت، وجود اجهزة تنصت عند الحدود الاردنية السورية، واجهزة مراقبة، وعمليات تصوير فوقية وتحتية، وتهريب اسلحة وهواتف خلوية تعمل على الشبكة الاردنية من الجيل الثالث.

يشير ذاته الى ان الحملة الاعلامية ضد الاردن تتم عبر تسريب معلومات حول ملفات اردنية داخلية، دون ان يظهر في حالات ان هذه فواتير للسوريين، منتقداً سكوت الاردن، وعدم اتصاله بالاعلام العربي، مكتفياً بالتفرج.

ذات الحملة الاعلامية تمتد عبر اصدقاء لدمشق وطهران وحزب الله، من جنسيات عربية، الى كل الاعلام العربي، ويتم تلطيخ صورة البلد، عبر التركيز على مشاكله وملفاته المفتوحة والمغلقة، وهو اسلوب ذكي، لا يقول لك من يخدم حصرياً ومباشرة للوهلة الاولى.

لسوريا امتداد في الاعلام العربي في دول عربية وفي المهاجر، وشبكات سياسية وامنية، تم بناؤها على مدى سنوات طويلة، واذ كان بعض هؤلاء لا يستطيع ان يدافع عن النظام السوري، مباشرة، فهو يكتفي بفتح ملفات الاردن، على اساس.. «ذوقوا معنا كأسنا المر».

احدى ابرز ثغرات الاعلام الرسمي لدينا، انه يتحدث الى نفسه، ويحاول ان يقنع جمهوره بكل شيء، والاصل ان يكون هناك خطة عمل وبرنامج من اجل الاردن، في الاعلام العربي والاجنبي، بدلا من الاكتفاء بحديثنا عن انفسنا الى انفسنا.

لا يوجد في الاردن اي توجيه رسمي سري او علني، لشن حملات ضد سوريا، وقد لا يصدق الرفاق هذا الامر، لانهم اعتادوا على توزيع الاوامر، واي نقد للسوريين في الاعلام الاردني، يأتي توجهاً من صاحبه، وليس اجندة عامة.

ليس من مصلحة الاردن ان يدخل في حملة مهاترات اعلامية رسمية مع السوريين، غير ان الرواية الاردنية حول اغلب شؤون الداخل، تكاد تغيب، لاننا ادمنا الغياب، وعدم الاجتهاد، وعدم القدرة على حفظ مساحتنا في الاعلام العربي والاجنبي.

تسأل اصدقاء اخرين معروفين، في لندن وعواصم اخرى، فيؤكدون لك ذات الرواية، لانهم يعرفون كيف ان كل اسم عربي في الاعلام، على من هو محسوب، ومع من يعمل، ويشيرون الى ان الحملة الاعلامية بشأن الاردن سوف تشتد قريباً.

مشاكل الاردن الداخلية اكبر من تغطيتها بالاعلام، او عبر تزييف الحقائق، لكنك تتحدث هنا عن ظرف استثنائي، يوجب تصرفاً استثنائياً، بدلا من حالة التفرج هذه على كل شيء.

مقابلة الملك الثانية مع التايمز البريطانية، لم تتحدث عن تنحية الاسد، بل طرحت ايضاً، فكرة اهم تتعلق ببديل النظام، وان المشكلة في سوريا، ليست مشكلة شخص الرئيس، بل النظام.

الكلام اذ ُيخفّف الكلفة عن الاسد، ويرطب الاجواء نسبياً مع دمشق، لكنه تم تفسيره سورياً بأنه دعوة للاطاحة بكل النظام ومؤسساته، لان المشكلة اكبر من بشار الاسد.

اسوأ ما نواجهه في الاعلام الرسمي، اعتقاده ان مهمته نقل الخبر الرسمي، والتصريح الرسمي، وهي مهمة يقدر عليها كثيرون من الهواة والمحترفين، في هذه المهنة، فيما المهمة الاكثر حساسية، تتعلق فعلياً بحماية صورتك، وصياغة سمعتك.

سر هذه المهمة يعود الى انه بدونها، يمكن تحريض الداخل الاردني، وتفتيت البنى التحتية، وبث الشكوك والكراهية، واسقاط الثقة بين المؤسسة والناس، وتحطيم الروح المعنوية، وتنفير الاستثمار، وتصل الى حد تهيئة الداخل لاي فوضى.

على عكس ما يظن كثيرون، فان للسوريين وجودهم في الاعلام العربي، لاعتبارات كثيرة، مغطاه سياسياً واعلامياً وامنياً ومالياً ومذهبياً وتنظيمياً، وهم اذ لا يقدرون على الدفاع عن نظام الاسد، يكتفون بمهمة حرق خصومه المفترضين.

بيئة صعبة وحساسة ومعقدة كما الداخل الاردني، هذه الايام، بيئة معرضة للتلاعب الاعلامي والسياسي، فالى متى يواصل بعضنا التفرج على المشهد، دون ان يقدر خطورته وتأثيراته؟!.

التاريخ : 21-11-2011

=================

انتهت المهل وبدأ العمل لترحيل نظام الأسد

مجيد عصفور

الرأي الاردنية

21-11-2011

ظل النظام السوري يردد مقولة ان الازمة في سورية في نهايتها، مكابرا ومتجاهلا اصوات ملايين السوريين الذين يطالبونه بالرحيل، الى ان اصبحت الازمة فعلا في نهايتها لكن ليس كما يريد النظام، بل كما يريد الشعب حيث ازفت ساعة الرحيل.

الشواهد والمؤشرات تدل على ان المجتمع العربي والدولي قررا اتخاذ خطوات فعلية لنصرة الشعب السوري، بعد استنفاد كل المهل التي منحت لنظام بشار الاسد الذي لم يقرأ الرسائل بشكل صحيح، مصراً على ان مسألة ذبح المواطنين شأن داخلي يستطيع التصرف به كما يشاء.

لقد وضع بشار الاسد نفسه في قفص نظام ابيه منذ اليوم الاول لوراثته غير الشرعية لحكم سورية، واذا كان مفهوما عدم قدرته على التخلص من القوى التي مكنت والده من المكوث في الحكم ثلاثة عقود خلال سنة او سنتين من جلوسه على مقعد والده، فليس مفهوما ولا مقبولا ان لا يستطيع شق اسلوبه الخاص بالحكم. بعد ذلك والبقاء في حالة استرخاء كاذبة طوال الاحد عشر عاماً الماضية.

الآن جاء وقت الحساب من اول صفحة في الدفتر المليء بالمآسي التي اقترفت في حق هذا الشعب على يد والده وعمه رفعت وسرايا الدفاع واجهزة المخابرات والأمن التي نكلت بالشعب وعليه ان يدفع ثمن الاربعين عاماً السوداء وليس الاحد عشر عاماً الاخيرة.

الآن بدأ العد العكسي لرحيل بشار الاسد ونظامه من قصر الشعب الذي سيعود الى الشعب وسترحل معه طغمته الفاسدة من الاشقاء والاخوال والاصهار، ولن تنفع بعد الآن محاولاته اليائسة في اخماد ثورة الشعب الذي قرر استعادة حريته وكرامته ودفع من اجل هذه المبادئ دماً زكياً سال على ارض سورية بسخاء غير محدود.

وعندما تتحرر سورية سيتحرر لبنان ايضاً، وستنتهي الى الابد المصادرة السورية الرسمية للبنان، ارضاً وشعباً وحكماً.

أما المقاومة اللبنانية ضد العدو الاسرائيلي فلن تذهب كما يدعي النظام السوري واعوانه في لبنان اذا ذهب حكم بشار، لأنها خيار الشعب اللبناني الملتف حول المقاومة والجيش والمتمسك بوحدته الوطنية، وسيثبت هذا الشعب انه عروبي لأنه مؤمن بالعروبة لا مكرهاً عليها، كما يحاول نظام بشار الاسد اقناع العرب لبقاء هيمنته والاساءة لشعب لبنان الوطني، الذي انتزع رجاله الاولون من كل الطوائف الاستقلال من الاستعمار الفرنسي عبر نضال يحاول نظام سورية ان يمحوه من التاريخ.

وفي المقابل، فستخسر اسرائيل الحارس الثاني لأمنها وبقائها بعد ان خسرت الحارس الاول حسني مبارك.

=================

الأبواب الموصدة

الإثنين, 21 نوفمبر 2011

غسان شربل

الحياة

لم تعتد السلطات السورية على استقبال مراقبين في مدنها وشوراعها حتى ولو كانوا عرباً. تدرك معنى الخطوة. يرسَل المراقبون اصلاً الى الدول المريضة. الدول الغارقة في نزاعات لا تستطيع حسمها والتي تَعتمد اساليب غير مقبولة في معالجتها. فكرة ارسال المراقبين تقوم عادة على التشكيك بالرواية الرسمية. او امتحانها على الاقل. وهي ترمي الى نوع من التقييد لحركة مَن يمتلك القوة ويحاول استخدامها بصورة مفرطة.

ثم ان سورية التي دعيت الى استقبال المراقبين، هي سورية التي رأت مقعدها شاغراً في اللقاء الوزاري العربي الأخير. هذه ليست مسألة بسيطة. كانت سورية سابقاً لاعباً بارزاً حول طاولة الجامعة العربية. كانت تناقش الملفات الاخرى الممددة على الطاولة. لم تتوقع ان تصبح ملفاً على الطاولة وأن يُطلب منها عدم الدخول الى القاعة. أغلب الظن ان صورة المقعد الشاغر تركت جرحاً في نفس دمشق.

للمرة الاولى تُخاطب الدول العربية السلطة السورية بهذه اللهجة وبهذه المفردات. لم تفعل ذلك يوم وقفت سورية ضد العراق في حربه مع إيران. ولا حين اصطدمت القوات السورية بالمقاومة الفلسطينية في لبنان. ولا حين كان لبنان يحاول الشكوى من اصرار سورية على إدارة شؤونه الداخلية. الصورة مختلفة الآن. ربما لأن المرحلة مختلفة، ومثلها المشكلة. لم تسمع السلطات السورية من قبل كلاماً عربياً يدين سلوكها تجاه شعبها، ويطالبها بوقف آلة القتل، ويُعلن سحب السفراء، وينقض روايتها الرسمية، ويتوجه مباشرة مخاطباً جيشها، ويرسم لها مهلاً للاستجابة، ويطالبها باستقبال مراقبين.

حدث في الاجتماعات العربية ما هو اخطر من ذلك من وجهة نظر دمشق. تحلق العرب حول مبادرة واقترعوا لها. بدت سورية شبه معزولة لولا موقف لبنان «المهيض الجناح» وموقف اليمن الذي ينتظر «التوقيع والمغادرة» على حد قول احد المشاركين. اما العراق، فقد امتنع عن التصويت، مستشهداً بتجربة لبنان في اسلوب «ينأى بنفسه». أخطر ما في ذلك المشهد هو ظهور سورية بلا حلفاء اساسيين في العالم العربي، وتسليط الاضواء على ان إيران هي حليفتها الوحيدة في الاقليم. ضاعف المشكلة ان الانقلاب في المزاج العربي تواكب مع انقلاب في المزاج التركي.

لم تعتد السلطات السورية على رؤية متظاهرين يجوبون الشوارع خلافاً لإرادتها. التظاهرات في سورية تتم تلبية لدعوة رسمية. تتحرك أحياناً بالايحاءات. يتم صرف النظر عن بعضها اذا كان الغرض ايفاد رسالة الى دولة اجنبية. لم تعتد ايضاً على رؤية شعارات تدين تقصير الدولة. او تشكك في الحزب. او تتذمر من وطأة الامن.

امضت سورية عقوداً في ظل استقرار صارم. استقرار كامل يكاد يتصف بالقداسة. كل تعكير له يُعتبر مصدراً لشر كبير ومستطير. تكون الهيبة مطلقة او لا تكون. ثقب صغير في جدار الهيبة يمكن ان يستدرج العاصفة. لهذا لا تساهُلَ ولا تهاون. هزُّ الاستقرار مرادف للخيانة. وعقوبة الخيانة معروفة.

لم تعتد السلطات السورية على رؤية خصم او منافس او شريك في الشارع. الشارع يتسع للاعب وحيد. لاعب اسمه الحزب ضَمِنَ الأمن حضوراً قوياً في مفاصله. كل محاولة لاقتطاع جزء من الشارع تُعتبر مؤامرة. تُعتبر إضعافاً للجبهة الداخلية المتراصة. تُعتبر ثغرةً تتيح لمن تعتبرهم متآمري الخارج إمساكَ اوراقٍ داخل الملعب السوري. وعلى مدى عقود، نجحت السلطات السورية في منع القوى الخارجية من امتلاك أوراق داخل اراضيها ووظفت الاستقرار الصارم لامتلاك أوراق على أراضي الآخرين.

ادركت السلطات السورية ان مجرد التوقيع على مشروع بروتوكول استقبال المراقبين بالصيغة المطروحة، وبعد خسارتها مقعدَها وقبله معركةَ الشاشات، يعني انها خسرت الجولة الاولى او على الاقل لم تربحها. لم تعتد السلطات السورية قبول خسارات في الداخل. اعتبرت ان الجامعة طالبتها بما لا تستطيع قبوله. ردت بطلب تعديلات لا تستطيع الجامعة قبولها، تماماً كما هو الحال بين السلطات السورية والمعارضة. كل طرف يطلب من الآخر ما لا يستطيع قبوله. اننا امام مشاهد غير مسبوقة في ازمة مفتوحة. صار من الصعب على السلطات ان تتراجع بعد الأضرار التي لحقت بعلاقاتها وصورتها. صار من الصعب على المعارضة ان تتراجع بعد مشهد المقعد الشاغر والاحاديث عن «فوات الاوان». السلطة لا تقبل بأقل من انتصار على رغم تكاليفه. والمعارضة لا تقبل بأقل من اسقاط النظام على رغم تكاليفه. الابواب موصدة فعلاً، وهي كذلك منذ البدايات على رغم وجود من يعتقد ان الاسابيع الاولى كانت تسمح بخسارة محدودة تجنِّب سورية استقبال الزلزال او إطلاقه.

=================

أضعف الإيمان - سورية بين العرب والأتراك

الإثنين, 21 نوفمبر 2011

داود الشريان

الحياة

فشل سورية في التعامل مع مبادرة جامعة الدول العربية، سيفرض على الجامعة اتخاذ إجراءات لا تملك قدرة على تنفيذها. هي هددت بفرض عقوبات اقتصادية على النظام السوري، لكنّ أحداً لا يستطيع ترجمة هذا التهديد، فضلاً عن أن الأمم المتحدة فشلت في تطبيق قرار العقوبات الاقتصادية على نظام صدام، وكان بعض الدول الغربية على رأس المتاجرين بهذا القرار. وفرض عقوبات اقتصادية عربية على سورية يعني عملياً سوقاً سوداء سيدفع ثمنها المواطن السوري الذي بدأ يعاني من شح الوقود والمواد الغذائية، بسبب الوضع الأمني.

ثمة حال من التكاذب بين المعارضة السورية والجامعة العربية، الكل ينفي نفياً قاطعاً الدعوة إلى تدخل أجنبي، على رغم أن الجميع يعلم أن الوضع الحالي في سورية يمكن أن يستمر سنوات، إذا لم يُحسم بتدخل دولي، فضلاً عن أن مبادرة الجامعة لمّحت إلى الاستعانة بمنظمات دولية. لا يوجد حل للأزمة السورية من دون تدخل، لكن الوقوف في منتصف الطريق حماقة، والجامعة ينبغي ألا تتحدث بمثالية لا تستطيع تنفيذها، وهي مدعوة إلى التمسك بمبادرتها القوية، والانتقال إلى حل يتجنب الغموض، والبدء بمشاورات مع المجتمع الدولي حول حل يضمن للعرب دوراً فاعلاً في تسوية الأزمة السورية، ومن دون تحرك بهذا المنحى سيجد اتهام الجامعة بأنها مدفوعة من الخارج، مَن يصدقه.

بعض العواصم الغربية، وأنقرة، وطهران وحتى موسكو، بدأ يتحدث عن انزلاق الوضع في سورية إلى «حرب أهلية»، وجاء الهجوم على مقر للإستخبارات السورية من قبل عناصر منشقة عن الجيش، وإقرار تركيا بأنها لا تستبعد اتخاذ إجراءات لإقامة منطقة عازلة أو فرض منطقة حظر جوي على حدودها مع سورية، لتأكيد التحذيرات. الجميع أصبح يتحرك بانتظار وصول المبادرة العربية إلى طريق مسدود، وتحوّلها إلى باب يسمح بالنفاذ إلى الساحة السورية، وعلى رأس هؤلاء تركيا.

ربما اختلف شكل التدخل في سورية، لكنه آتٍ لا محالة، وتركيا ستكون بديلاً من «الناتو»، لكنها تنتظر الضوء الأخضر، لذلك، على العرب عدم تمكين أنقرة من التفرد بالساحة السورية، مثلما تركوا العراق للهيمنة الإيرانية. لا أحد يطالب العرب بحشد الجيوش على الحدود السورية، والمطلوب أن يلعبوا الدور الذي تُهيَأ تركيا لتنفيذه.

=================

الاصطفاف بلغ الذروة وسورية تحدد وجهته

الإثنين, 21 نوفمبر 2011

جورج سمعان

الحياة

لا تحتاج خريطة الصراع في المنطقة إلى وضوح، لا تحتاج إلى مزيد من الخطوط لبيان الحدود والمواقع، فالاصطفاف على أشده، بلغ حد السيف أو شفير الهاوية، كأن لا مكان لتسويات وصفقات، والربيع العربي ساحة من ساحات المواجهة المفتوحة كلَّ يوم على مفاجآت وتداعيات سيكون لها موقعها في رسم خطوط النظام الإقليمي والدولي الذي يتشكل.

الصراع على أشده في مواجهة «حلف الممانعة»، من بيروت إلى دمشق وبغداد وحتى طهران وكابول، وهو جزء مما يدور بين الكبار في الساحات الأبعد، من أقصى الشرق إلى أفريقيا مروراً بآسيا الوسطى، ولا مبالغة في أن يقول مناصرو النظامين الإيراني والسوري وحلفاؤهما في لبنان والعراق إن ثمة «مؤامرة» أو مشاريع أجنبية لإسقاط هذا الحلف بمعارك داخلية وخارجية، وبشتى الأسلحة المتاحة، ولكن ثمة مبالغة أو تبسيط في نعت الحراك الشعبي في سورية وغيرها من البلدان العربية بأنه «أداة» من أدوات هذه المشاريع. لا جدال في المنطلقات الداخلية لهذا الحراك، المتطلع إلى استعادة الكرامة والحرية والعدالة وحكم القانون وإنهاء التسلط والفساد، ولا جدال تالياً في أن يتوسل المتصارعون الكبار، الدوليون والإقليميون، الحراكَ إياه سلاحاً ضاغطاً في المواجهة المتصاعدة بينهم.

حدة الاصطفاف شارفت نقطة الانفجار: حلفاء دمشق وخصومها، من روسيا والصين إلى الولايات المتحدة وأوروبا، مروراً بتركيا، يحذِّرون من انزلاق الأزمة السورية إلى حرب أهلية، وتوجِّه جامعة الدول العربية الإنذار تلو الآخر إلى دمشق وتمهلها ولا تهملها بمواقيت تضيق كل يوم، وتلوح بعقوبات وبحصار وعزلة... والخصوم أنفسهم، خصوم إيران، من إسرائيل إلى الولايات المتحدة ومعظم العرب، يحذِّرون: «خيار الحرب على الطاولة» إذا لم ترضخ الجمهورية الإسلامية لموجبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومتطلباتها وقواعدها، ويحاصر طهران التحرك في الأمم المتحدة على خلفية كشف واشنطن مخططاً لاغتيال سفير المملكة العربية السعودية لدى العاصمة الأميركية، ويحاصرها كشف قطر والبحرين خلية تدعمها تخطط لتفجيرات واغتيالات في المنامة وغيرها.

ولا حاجة إلى شرح ما يجري في كل من بيروت وبغداد، كونه صدى لهذا الصراع المحتدم وساحتين رديفتين للمواجهة، وربما لتنفيس الاحتقان، وإذا اقتضت الضرورة جسِّ النبض وكشفِ مدى الاستعداد للذهاب بعيداً في لعبة حافة الهاوية، فلا يستهان بما قد يواجه لبنان على خلفية الجدل الدائر في موضوع تمويل المحكمة... وبدء أعمالها وما قد تشكله من ضغوط على «حزب الله» والحكومة التي يرعى أو يقود. كما لا يُستهان بتداعيات وقوف هذه الحكومة بلا تبصر إلى جانب النظام في دمشق.

ولا يَخفى مدى القلق الذي ينتاب العراقيين من قرب الانسحاب الكامل للقوات الأميركية من بلادهم، فيما تستعجل محافظات الغرب والوسط السنية تحولها أقاليم هي أقرب إلى كيانات جاهزة للانفصال إذا استدعت الظروف والتطورات، فيما الحكومة، التي لا تجد مناصاً ومفراً من دعم دمشق، تواصل حملة ملاحقة من تسميهم فلول البعث خوفاً من انبعاث شبح «الحرب الأهلية» التي تلت سقوط نظام صدام حسين قبل سنوات، وخوفاً من تواصُل المحافظات إياها مع نظام جديد متعاطف معها مذهبياً قد يخلف نظام الأسد.

هذا القلق حيال محافظات الغرب والوسط ينتاب الولايات المتحدة بعد سحب قواتها، وهي تخشى تمدد نفوذ طهران من بغداد إلى عمق هذه المحافظات، من هنا ضغوطها على دمشق وتصعيد مواقفها من نظام الرئيس الأسد، فهي تريد ضمان محاصرة النفوذ الإيراني كي لا يتعدى حدوده العراقية، بل تريد من رحيل النظام إقامة طوق حول أرض الرافدين يُكمل فكي الكماشة على الجمهورية مع جيران العراق جنوباً وغرباً، من الأردن إلى الكويت والسعودية.

ويرى معارضو نظام الرئيس الأسد أن الغرب والعرب أيضاً تأخروا كثيراً عن «المشاركة في المواجهة»، بحيث مر وقت طويل على الأزمة السورية، وأعطي النظام أكثر من فرصة ومهلة، وقُدمت إليه مبادرات وإغراءات، قدمتها قطر والإمارات والسعودية وتركيا وفرنسا وغيرها، وهو ما أكد بعضه وزير الخارجية السوري وليد المعلم أخيراً، وأجريت عبثاً أكثر من محاولة مع دمشق لإبعادها عن طهران، ولوقف الخيار الأمني والتوجه نحو التفاوض والحوار مع أطياف المعارضة، وقيل الكثير في تبرير عدم طواعية أركان النظام، أو عدم قابليته للإصلاح.

لذلك، وبعيداً من الأسباب الداخلية للحراك في سورية -وهي الأساس-، توكأ اللاعبون في المنطقة على هذا الحراك، فتحول سلاحاً من أسلحة المواجهة الأوسع في هذا الصراع على رسم معالم النظامين الإقليمي والدولي. لذلك، يسهل على حلفاء سورية اليوم التشبث برواية «المؤامرة» التي تستهدفها، ويمكنهم إسناد ذلك إلى ما طُلب من دمشق باكراً -قبل الربيع العربي- ولكن بلا جدوى، أن تعود خطوات إلى الوراء في علاقاتها مع إيران، وتوازن مواقفها وتعيد تموضعها في الإقليم.

لا يعني هذا توكيداً لصحة الرواية عن «المؤامرة»، فما تشهده سورية لا يختلف عما جرى في تونس ومصر ثم في اليمن وليبيا وأماكن أخرى من العالم العربي، ومحاولة اختصار الربيع العربي وردِّه إلى أيدٍ تريد إعادة تقسيم المنطقة، أو رده إلى مشاريع ورغبات استعمارية دفينة... إلى آخر هذه المعزوفة، فيهما تجنٍّ على هؤلاء الناس العاديين والبسطاء الذين خرجوا ويخرجون كل يوم إلى الشوراع مطالبين بالكرامة والحرية والعدالة، وفيهما نأي لن يجدي عن الاعتراف بالمشكلة الحقيقية.

من الطبيعي أن يفتح الحراك العربي شهية الجميع، قريبين من التدخل أو بعيدين، وليس مستغرباً أن تهب الولايات المتحدة وأوروبا، وكذلك روسيا والصين وإيران وتركيا ودول الجامعة، لحماية مصالحها أو تعزيز هذه المصالح، وليس مستغرباً أن تقدم هذه الدول وغيرها من دول إقليمية كبيرة، شتى أنواع المساعدة إلى نظام الرئيس الأسد، وأن تمد أطراف أخرى المعارضة بالعون والدعم. إنه رهان على مستقبل الوضع في المنطقة برمتها، وسباق على تثبيت المصالح وجني المزيد من المكاسب، فهل يصح الحديث عن «مؤامرة» طرف واحد دون آخر؟!

المواجهة المفتوحة مع إيران وسورية وحلفائهما جبهة في جبهات عدة، ففي الشرق الأقصى البعيد يستعر الصراع بين الصين والولايات المتحدة، ويأتي لقاء الرئيس باراك أوباما مع رئيس الوزراء وين جياباو (في بالي الأندونسية) في إطار المساعي للتفاهم على كثير من ملفات الخلاف بين الطرفين: بكين ترفض أي تدخل أميركي في خلافاتها الحدودية مع الدول المطلة على بحر الصين الجنوبي، وأثار ويثير غضبها تعزيز الولايات المتحدة وجودها العسكري شمال استراليا، فضلاً عن دعمها تايوان، وسعيها إلى معاهدة تجارية تجمع بلدان منطقة المحيط الهادئ وتستبعد الصين، المتهمة بفرض هيمنتها على الإقليم.

وأسلحة المواجهة بين بكين وواشنطن تطول وتطول: خبراء اللجنة الاقتصادية والامنية لمجلس الشيوخ الأميركي أكدوا في تقرير سنوي للكونغرس قبل أيام أن الصين تنسف جهود المجتمع الدولي الرامية إلى منع إيران وكوريا الشمالية من مواصلة برامجهما النووية، وأنها من مزودي الجمهورية الإسلامية «الرئيسيين» بالمواد النفطية المكررة، وكذلك بالأسلحة، ومن بينها الصواريخ العابرة، ويتهمها المسؤولون الاميركيون بعدم إعادة تقويم عملتها تقويماً صحيحاً والسماح بسرقة الملكية الفكرية الاميركية، وكانت هيلاري كلينتون حذرت قبل أشهر من لوساكا، القارةَ الأفريقية من «الاستعمار الجديد»، مع توسيع الصين ساحة تجارتها وصناعاتها، في المحصلة تدرك واشنطن أن تحالفاتها مع دول المنطقة قد لا تحد من قدرة التنين الصيني على بسط نفوذه في فضائه وفنائه الإقليميين، من منطقة بحر الصين إلى منطقة المحيط الهندي، وإذا كان لا بد من تسوية وتفاهم بين هذين الكبيرين، فإن الشرق الأوسط الذي يحتل موقعاً مهماً في الإستراتيجية الأميركية يظل في حسابات بكين أقل أهمية وحيوية من شرق آسيا اقتصادياً وعسكرياً.

أما على جبهة روسيا، فيعني بقاء الثنائي بوتين-ميدفيديف في الكرملين، مواصلةَ الحوار المتوتر بين موسكو وواشنطن بخصوص جملة من السياسات: توسيع عضوية حلف الناتو واقترابه من أبواب روسيا، والدرع الصاروخية في أوروبا وتركيا، ومشكلة جورجيا، التي لا يزال نارها تحت رماد أبخازيا وأوسيتيا، وإذا كانت روسيا تشعر بحاجة واشنطن إليها في مواجهة الملف النووي الإيراني وفي قضية أفغانستان، وأنها تفيد من متاعب غريمتها في كل من العراق وأفغانستان، فضلاً عن الأزمة الاقتصادية العميقة التي تعانيها... فإن روسيا نفسها ليست بمنأى عن الأزمة الاقتصادية وتحتاج إلى شركائها الأوروبيين، وتدرك أن ضعف المارد الأميركي في النهاية لا يصب في مصلحتها، فالصين الصاعدة تحدٍّ كبيرٌ لها في الشرق الأقصى وآسيا الوسطى، فضلاً عن أفريقيا.

في هذه الجبهة المفتوحة في العالم العربي، عبرت إدارة أوباما بوضوح أنها مع الربيع العربي، بخلاف روسيا والصين، اللتين عبّرتا عن مخاوف من تحول النظم في المنطقة نحو النموذج الغربي في الديموقراطية، وهما بلدان يتلقيان كل يوم اتهامات بانتهاكات حقوق الانسان ويخشيان «عدوى الربيع»، فضلاً عن مخاوفهما من صعود التيارات الاسلامية في الشرق الأوسط، في حين تواجهان معضلات مع الأقلية الإسلامية في ساحاتهما وعلى حدودهما.

وإذا كان المعنيون بالحراك السوري أبدوا رغبة في التريث في البدايات، لعل المبادرات والمناشدات وربما المفاوضات تثمر صفقة أو تسوية، يجدون أنفسهم اليوم أمام أبواب مقفلة، من هنا التقدم العربي والتركي والغربي نحو إسقاط النظام في دمشق، مصحوباً بحملة واسعة على إيران، وإذا نجح هذا التقدم في كسر الحلقة السورية «الممانعة» بلا زلازل جانبية، ستميل كفة الميزان لمصلحة الربيع العربي و «جيش» الداعمين والمؤيدين، وعندها قد تنتفي الحاجة إلى مواجهة عسكرية واسعة... إلا إذا أدى الزلزال السوري إلى حرب لا يريدها المتصارعون.

=================

نظام القمع السوري تحت رقابة عربية مدنية؟

مطاع صفدي

2011-11-20

القدس العربي

السؤال الصادق مع نفسه في هذا المنعطف من تطور الحدث السوري الأهم في مصير الربيع العربي هو في عبارة واحدة: من يصنع التغيير فعلاً في أرض الحدث. من هم أبطاله حقاً الثوار أم المعارضون. ذلك أن تطورات الأيام بل الساعات الأخيرة من (الحدث) تفرض التمييز بين الفئتين كأنما أصبح لدينا ساحتان للحدث، قد تتفقان في رفع بعض الشعارات وتفترقان كثيراً في تحقيق الحدث، شكلاً ومضموناً معاً.

ليس التمييز بينهما جغرافياً، ثورة داخلية ومعارضة خارجية، بل الاختلاف هو في المنتوج الواقعي للحدث. ما ينتجه الثوار هي وقائع يومية وليلية معاً. هي أفعال المجابهة المستمرة بين الجلادين والضحايا. إنه الشارع المديني والريفي الذي يختصر ويجسّد الفعل الثوري، فهو مسرح الضحية الطارد للجلاد، كما لو أن الضحية أصبحت وحدها هي مبرر وجود الجلاد، وهي المحتمة لنهايته، هل أمسى مآل الطغاة متوقفاً أخيراً على ما يقرره وينفذه أعداؤه. هكذا ينقلب الاستبداد على أصحابه، إنهم ضحاياه الأخيرون.

ولكن أين كان المحل الطبيعي أو المتبقي لفصيلة أو فصائل 'المعارضين'، هل كانوا جنساً طارئاً أو طفيلياً، يظلون طويلاً باحثين عن أدوار، لا يدرون كيف يعترفون بها لأنفسهم قبل سواهم. ليسوا هم أشباحاً هائمين في هوامش الثنائية، المغلقة للحدث الثوري، في تلك المسافة الغامضة الرمادية ما بين الجلاد والضحية. مشكلة المعارض أنه يعزو لنفسه وظيفة التمثيل السياسي للفاعل الثوري، الذي ربما لا يعرفه، وبالتالي لا يختاره، ولا يرفضه، وإن كان محتاجاً لدوره غير المتكون بعد. ولكن مع انطلاق الثورة كأنما يصير المعارضون مجرد طبقة سياسوية بديلة عن ساسة الجلاد وأدواته، ولكن في الصف المقابل لموقعه المتعالي الشمولي. هكذا يصير للثوار قادة سياسيون من غير طينتهم. وباسم هذا الأمر الواقع يصاب الشارع الثوري بازدواجية سكانه الأصليين و(طوائف) من المدعين لأسمائهم ومصالحهم.

ليس بين الثوار والمعارضين مهمات متكاملة كما تردد بعض كليشهات الأدلجة السائدة. كما أنه ليس بينهما تعارض جدي. يتوقف الأمر على طبيعة اللحظات الفاصلة من نمو وتطور الحدث الثوري نفسه. وهنا في هذا المستوى وحده يتم تقرير النجاح أو الفشل. ويتحمل شباب الحدث، لا سواهم، مسؤولية أفعالهم. أما المعارضون فليس لهم إلا أن يقطفوا ثمرات النجاح، ويتنصلوا من تبعات الخيبات والنكسات. تلك الجدلية العقيمة والعتيقة من عمر أقدم ثورات التاريخ، ليست بعيدة عن مجريات تجارب الربيع العربي الحالي، وتعاني من أعراضها المتأرجحة الثورات الثلاث الموصوفة بالنجاحات الملتبسة بأضدادها، في كل من مصر وتونس وليبيا. فهذه الأقطار تدخل مرحلة النقلة الأصعب نحو اليوم التالي على الثورة، إذ يصبح السؤال من هو الحاكم اليوم. إذ يصبح المجتمع بكل أطيافه وقواه منوطاً بأشكال ودرجات متفاوتة، في الحراك الجديد المصطلح عليه باسم العملية السياسية، يغدو الثوار والمعارضون مجرد تيارات في الخضم الأوسع من جماهير الشعب. هما الفئتان المرشحتان عملياً وافتراضياً لقيادة العملية السياسية، فكيف لهما الحفاظ أولاً على مكتسبات النجاح السابق، ووضعها رهن الاستثمار، ذخيرةً معنويةً ثمينة لمصداقية التحول المجتمعي البنيوي، من دون أن تبددها أو تمتصّها آلياتُ المجتمع التقليدي حولها، والمتغلغلة في خلاياها هي عينها.

في سورية اليوم ليس هناك من انتصار أو انهزام حاسم لأحد القطبين المتصارعين إزاء الآخر، سوى أن نظام الطغيان لم يعد وحده سيّد الساحة، كما كان منذ نصف قرن. أصبح للساحة سيّد آخر هو الشعب الغاضب. ثمانية أشهر كانت كافية لاثبات حقيقة الانتفاضة في مواجهة محتكري الهيمنة والاستغلال، ذلك هو انقلاب استراتيجي غيّر معالم الواقع السياسي لسورية لأول مرة، من فردانية السلطة إلى ثنائية السلطة والانتفاضة ضدها وعليها. إنه انكسار ميزانِ قُوىً كان متماثلاً مع ذاته، إلى ميزان آخر مضطرب، صار حاملاً لذاته القديمة وما يضادها في الوقت عينه. وفي ظل هذا الاضطراب تعود ثنائية الثوار والمعارضين لتلعب أدوار التدخل في تعديل مسيرة هذا الانقلاب الاستراتيجي، سواء في إعاقة مقدماته أو التعجيل بتحصيل بعض نتائجه الفاصلة، ذلك أن المعارضين، على اختلاف مشاربهم ولونيات مواقفهم المتغيرة، ليس من صالحهم إجمالاً الانتهاء من (النظام) كلياً، فهم شركاء ورفاق طريق لرحلته السلطانية المتجبرة، تحت أطراف عباءته، خارجها وداخلها معاً.

التباس المواقف لدى أهل المعارضة كان يشكل نوعاً من خطوط دفاعية، عندما كان النظام هو السيّد الأوحد. وكانت أقصى مطامح المعارضة في تلك الحقبة، هو في تسويغ كل مطلب إصلاحي كتنازل إرادوي يستجيب النظام له لصالح بقائه وتجديد بعض وسائله، دون النيل من جوهر سلطانه الأحادي، وذلك قبل أن تضعالانتفاضة حداً قاطعاً لمسلسل الأقنعة المستعارة للوجوه الغامضة. مما أتاح لنظام دمشق التمتع بشعور الإطمئنان لديمومة هيمنته، ما دامت كل معارضة لن تتعدّى الحصص المقررة لنشاطها في أطراف هوامشه عينها. ومع ذلك فالنظام الشمولي يرفض مبدأ المعارضة منكراً لوجود أية أسباب له. وقد تابع هذا الإنكار حتى عندما انفجرت الاحتجاجات الجماهيرية في وجهه. فلم يحاول تفهمها ولا اهتم بمداراة بعض مطالبها الأولية. فانقلبت الاحتجاجات إلى حركات تمرد غاضبة، ولكن مسالمة. وهنا كشر النظام عن أنيابه، وشرع في استخدام أقصى أدوات البطش الفردي والجماعي ضد التظاهرات الشبابية شبه العفوية. فقد انتاب أهل السلطة سُعار الذعر غير المبرر، وضعوا أنفسهم موضع قيادةٍ لجيش احتلالٍ لوطنٍ آخر غير وطنهم، وضد شعب آخر غير شعبهم. استنفزوا قواهم فيما هو إعلان حرب حقيقية، لضرب الأحياء والمدن، واجتياح كل مساحة ممكنة ل 'العدو'، لقد فعل عقلُ النظام المتجبر كلَّ ما من شأنه أن يطوّر ظاهرةَ احتجاجٍ عابرة ضده، إلى ثورة شعبية عارمة، لا ترضى بأقل من الانتقام لآلاف القتلى والجرحى والمعتقلين والمهجرين. فالثورة في سورية ومعها رأي عام عربي ودولي، شعبي ورسمي، لم تعد مكتفية بحقيقة أن النظام زائل كأمرٍ محتوم فحسب، بل تتطلع إلى تسويغ السقوط كرمز لإدانة أخلاقية وقانونية لطغمة الحكّام، كمجرمي حرب عن سابق تصور وتصميم.

لكن دون تحقيق هذه النهاية لا تزال هناك عقباتٌ كأداء، تبدأ من إشكالية الحالة الميدانية لكل من أوضاع الثوار مع أندادهم من المعارضين، وما بين الداخل والخارج بالنسبة للقطر السوري، وأحوال هؤلاء مع الجهات الدولية الرسمية إقليمياً وعالمياً، كأنما لم تعد المسألة متوقفةً فقط على حدثيات ثنائية القمع والمقاومة وحدها. كما يقال أن كثرة الأيادي تحرق الطبخة. لا أحد من قوى الميدان وخلفياته يمكنه الجزم بنجاح برنامجه دون الآخرين. لكن عوامل التهويل بالمصائر الكارثية من كل صنف، سياسي وتآمري، لا يمكنها أن تطمس معالم الميدان الثوري، وذلك بالعمل على تحييد منجزاته. بل لعل ما يوصف بتيارات التدخل الخارجي ما كانت لتوجد أو تتقوَّى إلا بهدف حرمان مكتسبات الثورة من استغلال مفاعيلها فقط لصالح غاياتها الأصلية. هنالك صراع محموم على الإمساك بقيادة المبادرة الفعلية، أحادياً، من قبل جهة فاعلة ضد بقية الجهات، سواء بين نشطاء الميدان، ومن معهم أو من يعارضهم من نشطاء السياسة والدبلوماسيات، بالأخص في الدوائر الغربية، وليس الإقليمية وحدها. ما يعني أن أكثرية هؤلاء الفُعلاء أو الأفرقاء، صار ازدحامهم حول الثورة، معها أو ضدها، بالغاً حدود المشاغبة العفوية أو المنظمة، على مركزية الثورة بالنسبة لذاتها أولاً. وأنها قد تغدو فاقدةً لبوصلتها، تحت غمار إسقاطات التأويلات والتوجيهات الملقاة على عاتق مسيرتها، والمتدخلة في تلقائية حراكها الذاتي. كأنما نجاح هذه الثورة وصمودها بقواها الشبابية الخاصة، لم يعودا كافيين لتأكيد استقلاليتها، وحمايتها من أقرب المدعين لصداقتها قبل أعدائها.

من أخطر أوهام اللحظة الحرجة تصاعدُ ذلك الوهم الخبيث، أن الثورة محتاجة للعون من أي فاعل خير أو شر حتى. هنا تعود أسطورة (شريك الضرورة) لتلعب دور المنقذ من ضياع رهان النصر، وإن لم يكن هو المنقذ من ضلاله. فليس أسوأ من تعذّر النصر على الفئة الباغية بالسهولة المتصورة، سوى الارتماء في أحضان مسلسل من الهزائم الأدهى، قد يبدأ من التدويل السياسي، متابعاً تطوره المحتوم إلى التدخل العسكري، ذلك هو خيار العاجزين. بينما لم تزل انتفاضة الشعب السوري في أوج قدرتها على الصمود، وعلى البذل والتضحية في الآن عينه.

كذلك فإن إخراج الانتفاضة من طبيعتها السلمية المحققة لإنجازاتها الثورية، والمعترف بها من حيث زعزعة أُسس الطغيان وتمزيق أقنعته السياسوية و(النضالية) المستعارة، وإحكام أبواب العزلة الإقليمية والدولية حوله، هذا التحوير الخبيث في جوهر الانتفاضة، لن يحولها إلي مقاومة مسلحة. لا تمتلك مقوماتها الوطنية واللوجستية أصلاً، بل سوف يُسقطها في المحذور الأكثر دموية والأبعد عن أية أهداف مشروعة ، إنه الاقتتال الشعبوي الذي سوف يرفع عن مختلف أفرقائه أيةَ مشروعية نضالية أو حقانية، سوف يسوّي بين صالحها وطالحها، يحوّلهم جميعاً إلى مجرد ميليشيات محترفة للقتل والنهب والتدمير العشوائي المتبادل، لكل ما هو مدني وإنساني. شواهد لبنان والعراق والصومال ناطقة بفواجعها خلال وقائعها، والباقية الحاكمة بتراثها لكل سلم مريض بعدها.

على شفير هذه الهاوية الرهيبة الأخيرة، قد يلوح شبحُ حلٍ هزيل، ولكنه يؤجل الكارثة ولا يمنعها، قد يسمح للاهثين وراء الأفعال الكبيرة المستحيلة أو الطائشة، بالتقاط أنفاسهم قليلاً، من بين جميع أفرقاء الحدث، من معه ومن ضده.

إنه مصطلح التعريب الغالب على سجالات التداول. وقد يكون له نجوعه النسبي، فيما لو استطاعت الجامعة العربية، ومعها الوجه الصحيح للمجتمع الدولي، أن يفرضوا وضع سلوك النظام الحاكم في دمشق تحت رقابة الهيئات الإنسانية للمجتمع المدني العربي، ذلك حل سياسي اجتماعي معاً، وقد يصير استراتيجياً، فيما لو تمكن من ردع العنف الحاكم، من كسح إرهاب الدولة. حينئذ قد تبرر قوى الأفرقاء جميعاً، في الشعب وفي السلطة، على حقيقتها، تكشف عن حجومها السياسية والأهلية.. وقد تعيد الصراع كله إلى ساحاته المدنية. يبرز الرابح والخاسر بما امتلك سلوكه من منجزات الحقيقة والعدالة، لا بما امتلكت أيديه من أسلحة القتل وحدها.

من يكون ذئب الغابة بعد قلع أنيابه ومخالبه..

=================

انهيار مفاجئ للنظام في سورية

د. محمد احمد جميعان

2011-11-20

القدس العربي

هذا ما يمكن توقعه في الايام القادمة، ومرتكزات هذا التوقع تعود لما آل اليه النظام الان من اعتماد كلي على القوة العسكرية فقط وما يترتب عليها من بطش ودماء بريئة في دعم بقائه وديمومة حكمه العضود، بعد ان فقد كل مقومات حكمه وشرعيته التاريخية والنضالية والمحلية والاقليمية والدولية. واستعراض مبسط لتلك المقومات يظهر لنا مدى فقدانه لكل المقومات:

1- التاريخية التي اعتمدت على القومية وافكار البعث والحزب الواحد التي تفككت اصلا منذ الانشقاق مرورا بوقوف النظام عسكريا في حفر الباطن الى جانب الغرب ضد العراق الذي كان يتقاسم معه الفكر والفكرة والقومية والحزب رغم انه منشق اصلا، واصبحت الحزبية البعثية ديكورا لا اكثر في حين ان الحكم لشخض الاسد وعائلته الصغيرة.

2- النضالية التي اعتمدت على فكرة الممانعة ودعم المقاومة وهذه سقطت بمجرد ان قال الشعب السوري والعربي وهم اهل الممانعة ورافعة المقاومة كلمته بان الحرية ورفع الظلم والاستبداد لها اولوية وان هذا المقوم النضالي اساسا سوف يعظم ويقوى مع زوال النظام لان النظام اصلا كان حارسا لحدوده مع اسرائيل.

3- المحلية الشعبية من خلال احتجاج كل مكونات شعبه ومحافظاته ونحن نرى حجما وتنوعا وتوسعا وامتدادا جغرافيا وسكانيا للاحجتجات فاق كل الساحات الاخرى.

4- العربية والتي اتخذت مبادرة اصلاحية للخروج من الازمة، تظاهر النظام في قبولها ولكنه مارس خلاف عنها، مما دفع الجامعة العربية الى الدعوة الى اجتماع طارئ يوم السبت القادم، من المتوقع اعلان مقاطعة سياسية وربما اقتصادية، مع الاشارة الى ان هذا الاجتماع وهذا الاجراء غير المسبوق نابع من حجم الدماء المسالة.

5- واقليمية متمثلة في تركيا وموقفها الحازم في هذا الاتجاه والتهديد الذي وجهه اوردغان واضحا وسوف يكون له ترجمة سيما مع تواجد اعداد كبيرة من النازحين السوريين، ومع حجم تضييق الخناق العربي والاقليمي والدولي مما يدعم اتخاذ تركيا اجراءات قوية ومؤثرة في دعم الشعب السوري ضد نظامه القمعي.

6- والدولية التي لن تستطع ان تقف وهي ترى الدماء تسيل دون رادع ووازع من رحمة خصوصا بعد الاجماع الدولي تقريبا وما سيصدر لاحقا بعد الاجتماع الطارئ للجامعة العربية السبت القادم.

7- واخيرا القوة العسكرية للنظام تعاني من انشقاقات كبيرة ويومية ناهيك عن الانهاك والاستنزاف وحجم الدماء والضحايا مما يفقدها أي دافع للادامة القتالية مع ضياع العقيدة القتالية ومقومات الاستمرار سيما مع المزيد من الضغوط العربية والاقليمية والدولية..

ان التهديد باستخدام القوة الدولية بتوافق عربي وطلب شعبي لردع النظام من هدر مزيد من الدماء، واستخدام القوة فعلا ان لم يرتدع من خلال ضربة جوية لشل مراكز القيادة والسيطرة سوف يؤدي الى حدوث انهيار مفاجئ لن يستطع معها النظام ان يصمد اكثر من بضعة ايام او ربما ساعات ولن يكون هناك من يدافع عن النظام كما حدث في ليبيا لان الطبيعة القبلية والاعتماد على المرتزقة للنظام الليبي هو من ابقى النظام مدة اطول.

بقي السؤال الاخير هنا للبعض الذين ما زالوا يقفون مع النظام هناك: ما موقفكم حين يسقط هذا النظام ويذهب الى زوال؟! وما موقف الشعب منكم حين يرى انكم تقفون مع الجزارين والطغاة وعبدة الكراسي؟!

=================

أخطاء النظام السوري القاتلة

د. محمد كمال اللبواني

2011-11-20

القدس العربي

عندما انتقل الإنسان إلى حياة الحضر وسكن الحاضرات، لم تعد سلطة العرف كافية لتنظيم حياة المجتمعات الكبيرة واستقرارها، بمكوناتها المختلفة المتنوعة والمزدادة في التعقيد، وكان لا بد من الارتقاء، لإيجاد سلطة سياسية قانونية أمنية (أي دولة)، بالمعنى الأساسي لمفهوم الدولة، يقوم المجتمع بتفويض هذه الدولة بمهمة الحفاظ على الحقوق الأساسية لكل فرد - مواطن كي يستمر في العيش بين الآخرين ومعهم بسلام وتعاون، ولا يخرج عليهم وعلى مدينتهم، فالمهمة الأساس لهذه الدولة هي حفظ الأمن الداخلي بواسطة مؤسسات خاصة، والأمن الخارجي بجيش، والحق والعدل برقابة وتحكيم قضائي عادل. وهي المؤسسات الثلاث المكونة لأي دولة والتي تديرها (سلطة - نظام - تشكيلة حكومية إدارة...) لا فرق.

أول واجب من واجبات الدولة بمعناها المؤسسي هو حفظ حق الحياة لكل أفراد مجتمعها، الذي هو أيضا حق مشروع لكل فرد في الدفاع عن نفسه بنفسه، في حال فشلت هذه الدولة بذلك.. أما عندما تنقلب الدولة المؤسسة على دورها ومهمتها،وتتحول إلى آلة قمع مضادة للحقوق الأساسية لأفرادها. فإنها حين ذلك تفقد شرعيتها.. وعندما تطلق الرصاص الحي وتقتل مواطنيها المطالبين بحقوقهم، فتتحول حينها إلى وحش مضاد للمجتمع والإنسانية والحضارة وعدو داخلي. وتفقد الدولة شرعية وجودها، ويعود حينها للأفراد والجماعات تنظيم وسائل دفاعهم عن أنفسهم بطرقهم الخاصة، دون الرجوع إلى أحد. وهذا حقهم الطبيعي الذي سيمارسونه مجبرين غير مخيرين، بانتظار إعادة بناء الدولة وإنتاج السلطة من جديد.

وإذا ساند الجيش أو شارك في هذا الانقلاب والعدوان، فلا يعود جيشا وطنيا، بل يصبح جيش احتلال تخلى عن دوره وعقيدته في حفظ الوطن والمدنيين، وتحول لخدمة سلطة فاسدة منقلبة على دورها وعلى مهمتها وعلى تفويضها وشعبها، انقطعت عن مصدر شرعيتها، وأسقطت حالة الدولة القانونية الشرعية، وأسقطت المجتمع إلى حالة من الفوضى، التي ليس لها سبب، سوى فقدان آلية تجديد السلطة وتداولها وإصلاحها وتغييرها سلميا ومحاسبتها وعزلها، ودخولها بالتالي في نفق الاستبداد ومن ثم الفساد حتما وبعده الخراب من كل بد.

لم أقدم هذا التحليل المبسط والبديهي، إلا من أجل الانتقال من هذه البديهية إلى نتيجة سريعة وواضحة.. فقد تعهدت أمام نفسي وغيري عند خروجي من السجن، أن أبحث مخلصا عن حل وطني سلمي ما، رغم كل ما عانيت من تعسف وظلم من قبل هذه السلطة، لأنه من حيث المبدأ: أي حل سياسي هو أفضل من أي حل يعتمد على القوة.. ولذلك أقول مخلصا لكل مواطن بغض النظر عن موقعه في هذا النزاع الداخلي الحاصل، أنه لا يوجد حل (بعد أن وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه) سوى رحيل هذه السلطة، التي أمرت المؤسسات بمخالفة دورها، واعتبرت نفسها أنها هي الوطن وهي مصدر كل شرعية، وهي سقف لهذا الوطن، وأنها هي من يعطي الشرعية للشعب، الذي سيصبح بنظرها عبارة عن مندسين وإرهابيين وعصابات و... إذا لم يطع رغباتها ونزواتها ويقدسها وينبطح أمام حذائها .. والذي عندما حاول مواجهتها ونجح في تهديد وجودها رغم قمعها الوحشي، حاولت هي تدعيم نفسها عبر تقسيم المجتمع، واللعب على تبايناته، وحرف هذا الصراع ليظهر وكأنه حرب داخلية وأهلية، وليس ثورة حقوق وحرية، وهذا السلوك هو فعلا ما يهدد وجود الوطن، ويفتح الباب على حرب أهلية ومجازر، مما سوف يدفع بالتالي دول الجوار والمجتمع الدولي للتدخل، كونها دول وأمم متحدة ومتضامنة، معنية بمهمة حفظ السلم وتنظيم قيام الدول والدفاع عن المدنيين، وهذا ما يشكل جوهر المجتمع الإنساني العالمي.

وهنا أقول أنه لا يجوز لأحد أن يفكر في أنه يمكن الحفاظ على هذا النظام، الذي ارتكب أخطاء قاتلة: (واحدة منها) أكثر من عشرة آلاف شهيد ومفقود،(مع أنه يكفي شرعيا قتل نفس واحدة من دون حق، لتعادل هذه الجريمة قتل الإنسانية جمعاء)، كما لا يجوز الاعتقاد أن أي قوة في العالم سوف تستطيع حماية نظام من شعب ثار عليه، وشارك في هذه الثورة كل مكونات وشرائح المجتمع... والتاريخ يقول أن كل ثورة شارك فيها الطفل والمرأة سوف تنجح .. خاصة أن هذا الشعب استطاع بكل ذكاء ومهارة تطوير نضاله وثورته طيلة ثمانية أشهر، وفرض احترامه على العالم كله.. وقبل كل ذلك وبعده.. قد أعلى كلمة الله الذي هو الحق والحقيقة، وكبر باسمه جل وعلى، وهو السميع المجيب.

بكل صدق وإخلاص أقول لكل فرد ولكل طرف، وأنا أضع نصب عيني هموم ومخاوف وقلق كل أم وأب: أنه لا يوجد حل يحفظ حياتهم وأبناءهم سوى رحيل هذه السلطة، من اجل الحفاظ على ما تبقى من مؤسسات الدولة، والسماح بإعادة ترميمها بسرعة، لكن على أسس ديمقراطية تضمن للجميع حقوقا متساوية، وتعيد الشرعية للدولة المؤسسات، والوحدة واللحمة للوطن، وتعيد إنتاج السلطة المفوضة القادرة على إدارة هذه الدولة، وإنقاذ الوطن من أي عنف داخلي أو تدخل أجنبي.. وهنا أقول : أنه على كل فرد أن يبدأ من نفسه وينضم إلى مطلب رحيل السلطة، وأن لا يربط مصيره بمصيرها، فرحيل السلطة لأي خطأ ترتكبه، هو شيء طبيعي وعادي، وهذا هو قانون وجود وزوال السلطات.. وهو شيء مختلف عن وجود مكونات المجتمع والوطن الثابتة، التي لا يجب ولا يجوز أن يرتبط مصيرها بمصير هذه السلطة أو تلك، كما لا يجب ولا يجوز ارتباط وجود مؤسسات الدولة بالسلطة السياسية والنظام، ولا يجوز لها الدفاع عن السلطة وليس الشعب، عندما يحدث بينهما تناقض وجودي واضح وصريح، أوصلنا إليه، سلوك هذه السلطة وأنانيتها وجهلها وحماقتها وارتكابها وإمعانها وطغيانها، حتى أصبحت هي بوجودها نقيضا تاما لوجود الوطن والسلم الأهلي والاستقلال بكل أسف.

أعتقد أن هذا التوضيح هو مقدمة لأي حوار وطني، يمكن أن يجري بين مكونات المجتمع من أجل إعادة إنتاج العقد الوطني والدستور، الذي يضمن حصصا متعادلة من الحقوق في السلطة والثروة، لكل أفراد ومكونات المجتمع، ويبدد مخاوف البعض أقلية كان أم أغلبية، من حصول استبداد أو استئصال أو اضطهاد. أما السلطة المرتكبة المنقلبة، فليس لها مكان في هذا الحوار، وعليها فقط واجب الرحيل، ووضع نفسها بتصرف الشعب طالبة الشفقة والرحمة منه، هذا إذا أرادت الخروج بأقل قدر من الخسائر والبشاعة، وعلينا نحن أيضا تطمين كل من شارك في يوم من الأيام في مؤسسات هذه الدولة التي استبدت وأفسدت وأساءت، أنه لن يكون موضوع تنكيل وانتقام، لأن ما حدث هو أكبر من إرادة وقدرة أي فرد مهما كان منصبه، فنحن منذ البداية وقبل سنوات بعيدة عن انطلاق الثورة حلمنا بها وأردناها ثورة من أجل الأخلاق والقيم والحقوق، ثورة شرف ونزاهة ومحبة وفداء، ثورة من أجل الحضارة تتقي الله، وتنتصر للحق والحقيقة وتدعو للخير.

=================

سوريا والجامعة العربية

عطاء الله مهاجراني

الشرق الاوسط

21-11-2011

بعد ثمانية أشهر من المظاهرات في سوريا، علقت الجامعة العربية أخيرا عضوية سوريا بها يوم 12 نوفمبر (تشرين الثاني)، مثلما فعلت مع ليبيا في يوم 22 فبراير (شباط) من هذا العام. وفي حالة ليبيا، التي أعيدت عضويتها الكاملة بالجامعة مجددا في أغسطس (آب) الماضي، أشارت تقارير صادرة في ذلك الوقت إلى أن الدولتين العضوين، الجزائر وسوريا، كانتا قد سعتا إلى معارضة إجراءات الجامعة العربية ضد ليبيا، لكنهما كفتا عن المعارضة نتيجة ضغط الإجماع العربي الذي تكون داخل الجامعة.

ومع تكرار الخطوة التي اتخذت في فبراير نهاية الأسبوع الماضي، صوتت لبنان واليمن ضد تعليق عضوية سوريا، فيما امتنع العراق عن التصويت من خلال معارضة مبدئية وحرص على المصلحة الشخصية.

وكان رد فعل الحكومة السورية، الممثلة في شخص يوسف الأحمد، سفير سوريا لدى الجامعة العربية، والذي ترأس الوفد المفوض أثناء جلسة الطوارئ التي عقدتها الجامعة العربية حول سوريا بمقر الجامعة العربية في القاهرة، ووزير الخارجية السوري المعلم، متوقعا ومفهوما، خاصة التعبير السياسي الذي استخدماه.. مثلما يقال: «كل إناء ينضح بما فيه».

قال المعلم: «قرار الجامعة العربية بتعليق عضوية سوريا يمثل خطوة غاية في الخطورة». وأتى التعليق عقب ظهور صعوبات في تنفيذ اتفاق سلام لإنهاء العنف في الدولة المحاصرة وبدء الحوار بين الحكومة والمعارضة. واتهم وزير الخارجية السوري، الدول العربية بالتآمر ضد دمشق بعد أن صوتت الجامعة العربية على تعليق عضوية الدولة بالجامعة بعد شن هجمات ضد متظاهرين. ومن خلال حديثه في مؤتمر صحافي في دمشق يوم الاثنين 14 نوفمبر، وصف المعلم التصويت شبه الإجماعي بأنه «مشين ومخز».

وأشار المعلم إلى أن تصويت الجامعة العربية لم يكن شرعيا، قائلا إن الجامعة قد خضعت لضغط خارجي. وقال: «إنها خطوة غاية في الخطورة ستؤثر على التعاون العربي في الحاضر والمستقبل. ويحتاج القرار إلى موافقة بالإجماع من جميع الدول العربية بخلاف الدولة المعنية. وهذا لم يحدث».

وعلقت الجامعة العربية عضوية سوريا بسبب عجزها عن الالتزام باتفاق تضمن سحب قواتها العسكرية من المناطق السكنية وبدء محادثات مع المعارضة السورية في محاولة لإنهاء العنف.

في الوقت نفسه، يقول الملك عبد الله ملك الأردن، إن الرئيس بشار الأسد يجب أن يتنحى، مما يجعله أول حاكم عربي يوجه مثل هذا المطلب.

تصويت الجامعة العربية على تعليق عضوية سوريا - الذي يمثل دفعة قوية للمعارضة السورية - يضع دمشق في مواجهة مباشرة مع القوى العربية الأخرى، ومن بينها قطر والمملكة العربية السعودية، اللتان أيدتا تعليق عضوية سوريا.

ويؤكد الرئيس الأسد على أن المتطرفين الذين يروجون أجندة أجنبية لزعزعة استقرار سوريا هم الذين يقفون وراء حالة الاضطراب في الدولة، وليس المتظاهرين المناوئين للحكومة. وهذا النوع من رد الفعل تجاه تلك القضايا ليس بأمر جديد، وهو يعمل كعصا سحرية يستخدمها الحكام المستبدون في تحديد معارضيهم وكيل الاتهامات ضدهم. كان ستالين أشهر مثال على اتباع هذا النهج. وينطبق الأمر بالمثل في إيران، فإذا ما انتقدت الحكومة هناك، سيقولون إنك عميل لأميركا وإسرائيل. وحتى قبل الثورة الإسلامية ووقت حكم الشاه، وصف النظام الإيراني آية الله الخميني وأتباعه بأنهم عملاء استعمار أسود وأحمر. ويعني هذا اتهامهم بأنهم مؤيدون للمملكة المتحدة أو الاتحاد السوفياتي.. وفي ما يلي مثال قوي بثته وكالة أنباء «سانا»:

«أكدت القيادة القُطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي أن قرار جامعة الدول العربية بتعليق مشاركة سوريا في اجتماعات الجامعة وما تضمنه من بنود أخرى قرار مسبق الصنع في سابقة خطيرة هدفها تقويض العمل العربي المشترك وتهديد الأمن القومي العربي عبر استهداف سوريا باعتبارها قلعة المواجهة وتدافع عن ثوابت الأمة ومصالح الشعب العربي. وبينت القيادة في بيان لها اليوم أنه بهذا القرار تكشفت المرامي والأهداف المبيتة، ونجحت الإدارة الأميركية حامية مصالح إسرائيل والمدافعة عنها في اختراق الصف العربي والتأثير في قرارات مؤسسة عربية كان من أبرز أهداف إنشائها وحدة العمل العربي المشترك في مواجهة الأخطار التي تهدد الأمة العربية، لتتحول إلى مؤسسة تستهدف قلب العروبة النابض ودورها القومي، لافتة إلى أن قرار الجامعة بشكله المخالف للميثاق والمتناقض مع الأهداف والمشبوه شكلا ومضمونا وأدوات يشكل أفدح الأخطار على الأمن الوطني والقومي العربي وعلى العلاقات العربية، ويضع الجامعة العربية في مكان غير الذي أسست من أجله وأهداف غير التي أجمع عليها العرب ودور غير الذي أنيط بها».

لحسن الحظ، لم تقم الجامعة العربية بتعليق عضوية سوريا فحسب، وإنما دعت أيضا المجلس الوطني في سوريا لحضور الجلسة الخاصة بالشأن السوري في الجامعة العربية. بعبارة أخرى، يعني هذا أن الجامعة العربية اعتبرت المجلس الوطني الممثل الشرعي لسوريا، كأمة وكدولة. وهذه هي الخطوة الثانية، وقيمة ومصداقية الدعوة تتجلى في تعليق عضوية النظام السوري في الجامعة العربية.

في إحدى المرات، قال وزير الخارجية السوري: «إننا لا نتخيل عالما من دون أوروبا!»، وربما يكون الوقت الحالي هو الوقت المناسب بالنسبة للمعلم لتخيل عالم من دون الدول العربية، باستثناء سوريا!.. إنه عالم أوهام يعيش فيه الساسة السوريون.

وفي جميع التصريحات واللقاءات والخطب التي أدلى بها بشار الأسد، أكد على أن سوريا هي قلعة المواجهة. حسنا! هذا أمر عظيم، لكن هذه المواجهة ليست جيدة، وجانب المعارضة ليس ممثلا في إسرائيل أو أميركا، في هذه الحالة، حدثت المواجهة ضد السوريين كسكان دولة عظيمة ومقموعة. لقد واصل الجيش وقوات الأمن السورية قتل وتعذيب والقبض على واعتقال عدد هائل من الأفراد طوال الأشهر الثمانية الماضية.. وهذا هو جوهر الأزمة. قلب العروبة النابض ليس هو الحكومة السورية، وإنما الأمة العظيمة التي واصلت مقاومتها للاستبداد.

=================

عرِّف الشبيحة؟

طارق الحميد

الشرق الاوسط

21-11-2011

هذه ليست طرفة، بل هو سؤال وجهه النظام الأسدي للجامعة العربية؛ حيث تساءل النظام، ضمن مفاوضاته على توقيع بروتوكول إرسال مراقبين لسوريا؛ حيث يقول النظام الأسدي للجامعة العربية: ما المقصود بالشبيحة؟

وهذا السؤال، على علاته، من حيث الطرافة، أو التفاهة، هو أسلوب النظام الأسدي، وعلى مدى سنوات، في التفاوض؛ حيث يقبل ما يطرح عليه، سواء داخليا، أو عربيا، أو إقليميا، وحتى دوليا، ثم يفرغ ذلك الاتفاق من مضمونه. فعلها نظام الأسد في التجاوب مع مطالب ربيع دمشق، ومنذ تولي بشار الأسد مقاليد الحكم في سوريا، وريثا عن والده، وفعلها النظام الأسدي في لبنان، وكانت لحظات التجلي هناك بما يعرف بمعادلة «س + س»، ومنظرها الشهير هو نبيه بري، صاحب برقيات الاستجداء المتذاكية، وآخرها برقيته للعاهل السعودي عن الشأن السوري! وفعلها النظام السوري كذلك - أي الموافقة على ما يطرح ثم تفريغه من مضمونه - مع تركيا، وفرنسا، والغرب عموما، وتفنن فيها بما يختص بالملف العراقي، وتحديدا مع الأميركان، واليوم يفعلها مع السوريين، والعرب، والغرب.

فكل مهارات نظام بشار الأسد هي قطع الوعود، وعقد الاتفاقيات، ثم تفريغها من مضمونها، دون أن يتقيد بها، ولعبته الدائمة والمستمرة هي لعبة استنفاد الوقت. وها هو النظام يحاول تكرار ذلك اليوم، ولا تعييه الأعذار، وإن كانت غير ذي جدوى. ففي مؤتمره الصحافي، أمس، يقول وليد المعلم: إن «سوريا، وفي موضوع مهم كتطبيق بنود خطة العمل العربي، لا تعتبر أن المدة (الوقت) هي الأساس، نحن نعتبر المضمون هو الأساس، وأن نصل مع الجامعة العربية على اتفاق هو الأساس؛ لذلك ضعوا المدة على جانب إذا كانت النوايا سليمة»! بل تخيلوا أن المعلم يقول: إن «الوضع لا يحتمل التسرع، ولا يحتمل رد الفعل، بل يحتاج إلى دراسة عقلانية متأنية». أي أن ما يريده المعلم، بكل بساطة، مزيد من الوقت، ليتمكن النظام - الذي يقتل شبيحته يوميا قرابة 20 أو أكثر من السوريين - من القضاء على الثورة، وقمع المواطنين.. فالمعلم يريد أن يشتري الوقت لرئيسه قدر المستطاع على أمل النجاة من الثورة، وذلك من خلال التفاوض المفتوح مع الجامعة، وبلا مدة محددة، أي لعبة وقت.

وتأكيدا على ذلك، ها هو الأسد نفسه يقول لصحيفة ال«صنداي تايمز» البريطانية: إن المهلة العربية تهدف إلى «الإظهار أن ثمة مشكلة بين العرب»، وإلى «توفير ذريعة للدول الغربية للقيام بتدخل عسكري ضد سوريا»!

وبالطبع، دائما ما كان النظام الأسدي ينجو من العواقب، سواء في لبنان أو العراق، أو خلافهما، لكن الوضع اليوم مختلف، ليس بسبب الإصرار العربي والدولي، إنما بسبب رفض السوريين أنفسهم لنظام الأسد، الذي طالما حاول التذاكي على الجميع. والمثل يقول: إنك تستطيع خداع بعض الناس لبعض الوقت، ولكن ليس كل الناس كل الوقت!

وعليه، وبعد التصريحات الأخيرة للنظام الأسدي، لا أعتقد أن أحدا بحاجة إلى تعريف الشبيحة، سواء أكانوا أمنيين، أم إعلاميين، أم حتى سياسيين!

====================

صراع الإسلاميين والحداثيين على الربيع العربي

الحياة - الجمعة, 18 نوفمبر 2011

راغدة درغام - نيويورك

أغلقت القيادة السورية الباب على إمكانية استمرارها في السلطة عبر الإصلاح وأتت على نفسها بالعد العكسي إلى انتهاء النظام عاجلاً أم آجلاً. الرئيس السوري بشار الأسد يكاد يمتلك فقط مفاتيح كيفية ونوعية النهاية. لربما الرمق الأخير لإنقاذ ماء الوجه متاح أمامه عبر التنحي إنما خيارات «استراتيجية الخروج» للقيادة السورية تقلّصت كثيراً ويكاد يفوت الأوان عليها. فليس هناك سوى نموذج الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الذي ما زال في السلطة وما زالت نافذة الحصانة من المحاسبة شبه متوافرة أمامه إذا نفّذ حقاً وسريعاً التزاماته بموجب «المبادرة الخليجية» التي تكافئه بالحصانة مقابل تنحيه عن السلطة. مكابرة الزعيم الليبي السابق معمر القذافي على فكرة التنحي وما عُرِض عليه من حصانة من المحاسبة لو أسرع إلى تنفيذ «استراتيجية الخروج» أثبتت عدم جدواها عندما لقي القذافي نهاية مروعة لم تخطر على باله. هروب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي يحميه موقتاً من المحاسبة على الفساد والقتل. محاكمة الرئيس المصري حسني مبارك وأولاده مستمرة ونتائجها بالتأكيد ليست التبرئة. لربما في بال الرئيس السوري الرهان على عدم توافر الخيارات العسكرية للمعارضة الداخلية وعدم استعداد دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) لتكرار تجربة ليبيا في سورية. لعله يراهن على الوهن في العزم والتصميم مع مرور الوقت بما ينفّس الضغوط الإقليمية والدولية والداخلية. وفي الحالتين هذا الرهان خاطئ ومميت. فلقد اتُخِذ قرار التضييق الاقتصادي الخانق للنظام السوري على الصعيدين الإقليمي والدولي، ولن يتمكن النظام من البقاء طويلاً حتى ولو قررت الجمهورية الإسلامية الإيرانية تكريس جزء من موازنتها لحمايته ولو أتت مفاجأة روسية بتمويله تعويضاً عما يخسره نتيجة استراتيجية الخنق الاقتصادي المتمثل في عقوبات اقتصادية. كذلك، تم اتخاذ قرار تطويق النظام السوري بعزلة إقليمية ودولية لا عودة عنها مهما تخيّل أركان الحكم في دمشق أن هذه عزلة عابرة سيتم التغلب عليها أو التراجع عنها مع مرور الوقت. فقرار جامعة الدول العربية تعليق مشاركة سورية في الجامعة وإنذار الحكومة السورية بإجراءات عقوبات اقتصادية ما لم توقع بروتوكول حماية المدنيين بمراقبة عربية عملية هو قرار بالغ الأهمية لأنه ليس عائماً بلا أفق زمني وليس توعداً بمجرد بيع الكلام. دخول جامعة الدول العربية بهذا الحزم في الملف السوري مهم إقليمياً ودولياً. فهو يأتي ليتقدم على التدخل الخارجي ويجعل من الوضع السوري مسألة عربية وليس غربية. وهو يقطع الطريق على مغالاة روسيا وإخوتها في الممانعة ومنع مجلس الأمن الدولي من التعاطي مع الملف السوري وهو يضع المسؤولية العربية في الصف الواحد مع المسؤولية التركية ويحول دون «امتلاك» تركيا وإيران وحدهما مصير سورية. فلقد طرأ تغيير جذري على جامعة الدول العربية بعدما قاومت طويلاً وكثيراً تناول المسألة السورية إلى أن وجدت نفسها مضطرة لخلع القفازات البيضاء مع الحكومة السورية. فماذا الآن؟

 

لم يبرز في صفوف السلك الديبلوماسي السوري ما برز في صفوف السلك الديبلوماسي الليبي عندما أقدم الديبلوماسيون على الانشقاق عن النظام أفراداً وجماعات. نائب المندوب الدائم في البعثة الليبية للأمم المتحدة، السفير إبراهيم دباشي، كان أول من تحدث عن فرض «حظر الطيران» ونظّم أعضاء البعثة في انشقاق جماعي أدى في نهاية المطاف إلى سابقة في مجلس الأمن عبر القرارين 1970 و1973.

 

البعثة السورية لدى الأمم المتحدة تبدو متماسكة، حتى الآن، بقيادة سفيرها بشار الجعفري الذي يلقن الدروس عن الإمبريالية وينكر ما يحدث على الساحة السورية من قمع السلطات الأمنية بما أدى إلى مقتل أكثر من 3500 شخص.

 

ربما تكون الانشقاقات التي حدثت في السلك العسكري أهم من تلك التي لم تحدث في السلك الديبلوماسي. وربما تأتي انشقاقات في الجيش من داخل الطائفة العلوية لتضع الطائفة قبل العائلة بما يضمن انتقالاً أقل دموية من نظام الأسد إلى حكم شمولي غير احتكاري. فمثل هذا السيناريو مرحب به من كثير من السوريين الذين لا يريدون للسلفيين أو للعلويين أو ل «الإخوان المسلمين» أو للعلمانيين احتكار السلطة.

 

المخاوف من «الإخوان المسلمين» في سورية ليست بلا أساس سيما وما يحدث في ميادين الثورات العربية الممتدة من تونس إلى مصر إلى ليبيا إلى اليمن ينذر بهيمنة الإسلاميين، «المعتدلين» منهم بالذات، بتشجيع ملفت من الغربيين وبعض العرب وربما الأتراك أيضاً. فصعود الإسلاميين إلى السلطة يلقى ترحيباً قريباً يمتد من واشنطن إلى لندن وباريس بذريعة أصول اللعبة الديموقراطية. واقع الأمر أن هناك ما يشغل البال وراء اندفاع الغرب لدعم «الإسلام المعتدل» الذي دخل السلطة في تونس وليبيا وكذلك في مصر بحروب على المرأة العربية التي يزعم الغرب انه يدعمها، لكنه يغض النظر عن تحييدها واستهدافها، وهذا مجرد جانب واحد واضح من إفرازات تسلق الإسلاميين السلطة بمعونة الغرب على حساب الحداثيين العرب بعامة والمرأة العربية بخاصة. والأمر في غاية الخطورة يجب النهوض ضده مهما كان التشوّق لازدهار الربيع العربي ناصعاً.

 

ومع هذا، وحتى إن كانت إدارة باراك أوباما والحكومات الأوروبية تتهيأ لتقبل حكم «الإسلام المعتدل» في سورية، لم يعد لدى نظام بشار الأسد من أرضية دعم داخل سورية تجعله قادراً على البقاء في السلطة. فلقد عبر الخطوط الحمر عندما قرر حسم الأمر أمنياً ميدانياً وقتل شعبه. ولا عودة اليوم عن قرار الاستغناء عنه لدى الأكثرية الشعبية في سورية. فهو ليس المنقذ من الأسوأ، بل انه بات «الشر» الذي يعرفونه ويريدون التخلص منه حتى وإن كان الآتي أسوأ. وهذا مدهش في إيضاح مدى السوء الذي وصل إليه النظام السوري لدى الأكثرية الشعبية. فلقد طوّق نفسه بالكراهية ليس عبر جيرته التي تدخل فيها بعنجهية فحسب، وإنما بالذات طوّق نفسه داخلياً بلا عودة.

 

مسؤولية المعارضة السورية مضاعفة قياساً بمسؤولية المعارضة الليبية أو التونسية أو المصرية أو اليمنية. وقوعها في فخ «الإسلام المعتدل» لتكون العربة التي تأتي ب «الإخوان المسلمين» إلى السلطة سيكلفها غالياً وسيكلف سورية أغلى. واجب المعارضة السورية المنقسمة ألا تعمي عيونها بذريعة التخلص من نظام الأسد بأي ثمن ومهما كان، وإنما واجبها الأساسي ألا تضلل أو تقع فريسة التضليل وتورط سورية. فالنظام في دمشق بدأ العد العكسي إلى الانتهاء، لكن مصير سورية بدأ العد العكسي إلى مصير مجهول ما لم تستدرك المعارضة حالاً وتوقف الاستقطاب والشرذمة.

 

نظام بشار الأسد سيرحل في حال وافق على إصلاح فات عليه الأوان، أو وافق على إصلاح جذري ثوري يسقط حكم «البعث» الاحتكاري، أو كابر وثابر في مسيرة «علي وعلى أعدائي»، أو تنحى وغادر إلى دولة عربية قد تستضيفه أو إلى روسيا التي يفترض أن ترحب به. أما سورية، فإنها في هشاشة. وهذا ما يجدر بكل من المعارضة السورية وجامعة الدول العربية وتركيا والدول الغربية وروسيا وأخواتها التفكير به. إيران لديها مشروعها المختلف وهي تنظر إلى سورية والعراق ولبنان كملحق لها، فلا أمل بأن تفكر بمصير سورية العربي. القاسم المشترك بينها وبين الغرب هو التفكير بسورية من المنطلق الإسلامي والنزاع الطائفي الإقليمي ليس فقط بين السنّة والشيعة وإنما بين ما يسمى الإسلام المتطرف والإسلام المعتدل.

 

جامعة الدول العربية تتصرف بمسؤولية جديدة من نوعها يمكن تقنينها إلى حد ما تحت عنوان «المسؤولية الجماعية لحماية» المدنيين من أنظمة تفتك بهم. انه دور جديد وضروري والأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي يستحق الشكر لأنه عبر من بداية سيئة في الملف السوري إلى مرتبة رائدة لمصلحة الشعوب العربية وليس على حسابها باسم مؤازرة الأنظمة العربية. وهذه نقلة نوعية، أتت في عهد نبيل العربي. العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أثبت الشجاعة لكونه أول قائد عربي يتحدث بلغة ضرورة تنحي بشار الأسد من أجل شعبه ووطنه. مصر وتونس الثورة خيّبتا الأمل لأنهما في تردد يعمّق الرأي القائل بأن ما حدث هناك هو انقلاب وليس ثورة أو يقظة أو ربيعاً. دول مجلس التعاون الخليجي تلعب دوراً قيادياً ورائداً بالذات في ليبيا واليمن وسورية، وخصوصاً عبر دور مميز لرئيس وزراء قطر ووزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم. إنما هناك تساؤلات ومآخذ واتهامات لأدوار مريبة بالذات لجهة الشراكة مع الغرب في تنمية «الإسلام المعتدل» الذي بات عنوان صعود «الإخوان المسلمين» وأمثالهم إلى السلطة.

 

واجب جامعة الدول العربية أن تكون يقظة إلى هذه الأمور المهمة سيما وأنها الجامعة للعرب وليس للإسلام، معتدلاً كان أو متطرفاً. واجب الجامعة العربية أن تعنى بما يحدث في إطار حقوق الحداثيين وحقوق المرأة وحقوق الإنسان في ميادين ما بعد التغيير كما في ميادين ما قبل التغيير.

 

سورية فائقة الأهمية في هذا الصدد، ومسؤولية الجامعة العربية مضاعفة سيما إذا كانت إدارة باراك أوباما أو حكومة نيكولا ساركوزي أو ديفيد كاميرون عاكفة على صنع «الإسلام المعتدل» ومحو الاعتدال العربي في آن. ففي الأمر ريبة. وعلى صفوف الاعتدال العربي أن تستيقظ من ارتمائها في صدمة ما أفرزه الربيع العربي حتى الآن لتأخذ على عاتقها المشاركة في صنع مصيرها. فالأنظمة راحلة، من تونس إلى مصر إلى ليبيا إلى سورية إلى اليمن. والأهم هو المشاركة المبكرة في صنع المصير العربي كي لا يسقط العرب في دوامة الفوضى المنظمة أو الخلاقة أو العشوائية أو تلك التي استهدفت أساساً ترجيح كفة الإسلاميين على كفة العسكريين لتنحية الحداثيين عن المشاركة.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ