ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 21/11/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

الحروب الإعلاميّة!

زينب حفني

تاريخ النشر: الأحد 20 نوفمبر 2011

الاتحاد

من المؤكد أن الإعلام العربي والعالمي لعب دوراً كبيراً في تأييد ثورات الربيع العربي، من خلال التأثير على توجهات الناس فيما يبثه من مشاهد تُظهر الحقائق، وتفضح كل ما يجري في تلك البلدان من انتهاكات وفضائح متعلقة بأنظمة هشّة تساقطت مثل أوراق أشجار الخريف!

منذ أن بدأت مظاهرات الاحتجاجات في سوريا، وصلتني عدة إيميلات من كتّاب سوريين يطلبون مني عدم الانجراف خلف الهجمة التي تطال بلادهم، وألا ألتفت لما تبثه عدد من القنوات الإخباريّة العربية والعالمية عن وحشية النظام السوري في قمع المظاهرات المناهضة له، وتورطه في قتل المتظاهرين المناوئين لحكمه بدم بارد، مؤكدين بأن ما يعرضه الإعلام المرئي ما هو إلا نوع من التضليل والافتراء والسعي إلى التلاعب بعقلية المواطن العربي المعروف بعاطفته، وأنهم يملكون أدلة وبراهين تُثبت بأنه بين المتظاهرين من يقوموا بالاعتداء على رجال الجيش.

مع تقديري الشخصي للأقلام الوطنية التي تخشى على بلادها من التقسيم والنزاعات الداخلية والحروب الأهلية وشبح التقسيم، كما جرى في بلدان عربية أخرى، إلا أن هذا لا ينفِ أن الشعب السوري يتعرّض يوميّا للقتل والتعذيب على يد الجيش السوري. ومهما كانت كاميرات المصورين بارعة في التقاط الصور التي تثير حفيظة المشاهد العربي إلا أنها مشاهد حيّة من الصعب التلاعب بها وتزويرها!

الأغلبية تعلم بأن إعلامنا العربي بصفة عامة يخضع لسياسات بلدانه، ونادرا ما تفلت قناة فضائيّة عربية وإن كانت مستقلة الموارد، في أن تكون لها آراؤها المستقلة البعيدة عن توجهات بلادها، وإلا تمَّت محاربتها بشراسة من خلف الأستار حتّى ترفع راية الولاء والطاعة وتكف عن ممارسة دور المشاكس الذي يقف بجانب الحقائق المجردة مهما كانت قاسية!

يُقال إن النظام السوري أراد توجيه رسالة للجامعة العربية بعد قرار تجميد عضويته إذا لم يلتزم بشروط الجامعة العربية، في القيام بإخراج مظاهرات إلى الشوارع والميادين الرئيسيّة لتأييد نظامه وذر الرماد في العيون الغاضبة عليه وإثبات أن أغلبية الشعب السوري تسير خلف رئيسها بشار.

بلا شك أن الحروب الإعلامية تلعب دوراً رئيسيّاً في الثورات والحروب، وهو ما جعل الكثير من المثقفين السوريين يسخرون من هذه الحشود المتجمعة التي تهتف باسم بشار، وتُندد بقرار الجامعة العربية، مؤكدين بأن هذه المظاهرات في باطنها لا تحمل طابع العفوية، وأن أصحابها لم يخرجوا طوعاً، بل تم تهديد الطلاب بالفصل أو الاعتقال من جامعاتهم والموظفين من أعمالهم إذا لم يُشاركوا في المسيرة ويستجيبوا لطلب السلطات السورية!

الإمبراطور الروماني نيرون، أسوأ عمل قام به هو إحراقه لروما الذي استمر ستة أيام، وأخذ يتأمل حينها بإعجاب منظر الحريق وهو جالس في شرفة قصره وينشد.. أنا نيرون الجبار.. أقتل من أشاء وأملك ما أريد.. وأقطع الأعناق وأسفك الدماء.. ولا يجرؤ أحد على إشهار سيفه في وجهي.. وانتهت حياة هذا الرجل بالموت منتحرا على يد أحد خدّامه بعد أن تخلّى عنه أنصاره.

لا أعرف حقيقة لماذا يُحب الديكتاتوريون سماع هتافات شعوبهم وإن كانت حناجرهم مجروحة لا تنبض بالصدق والولاء؟! ليت الطغاة العرب يقرؤون التاريخ، ولو اهتموا بقراءته لأخذوا العبر ممن سبقوهم، لكنهم اعتادوا على أن يعيشوا في أبراجهم العاجيّة بعيداً عن أوجاع شعوبهم! ولو كانوا حريصين على راحة شعوبهم، لأقاموا علاقات حب قوية معها كون هذه الصلة هي التي ستجعلها درعاً واقياً لحكمهم، وليست في إجبارها طوال الوقت على الغناء المنمّق والتسبيح بحمدهم نهاراً وليلاً!

=================

سوريا.. والجامعة العربية

المصدر: الشرق القطرية

التاريخ: 20 نوفمبر 2011

انتهت امس مهلة الايام الثلاثة التي حددها اجتماع مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري برئاسة معالي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني في الرباط، بالنسبة للنظام السوري لوقف اعمال العنف والقبول بالبروتوكول الذي يحدد الاطار القانوني والتنظيمي لبعثة المراقبين العرب المزمع ارسالها الى سوريا.

غير ان محصلة المهلة العربية، تبدو بائسة استنادا الى الاوضاع على الارض في سوريا مما يثير المزيد من الشكوك بشأن مصداقية النظام الحاكم هناك والذي يبدو انه لا يزال يناور ويلعب على عامل الوقت.

ففي خلال يومي الجمعة والسبت فقط سقط اكثر من 30 قتيلا وفقا للمصادر الحقوقية التي تتابع الوضع هناك، بجانب 140 شخصا اعتقلتهم القوات الأمنية السورية امس السبت في محافظة إدلب بشمال غرب البلاد وحدها وذلك استنادا الى احصائية رسمية نقلتها وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا". هذا فضلا عن الاوضاع الانسانية الصعبة التي اصبحت تعيشها مدينة حمص واستمرار العمل العسكري وتزايد عمليات الاقتحام والمداهمات في المدن والبلدات السورية خصوصا مناطق حماة وادلب وحمص.

وحتى الان تواصل دمشق عمليات المناورة وكسب الوقت على الصعيد السياسي، حيث طلبت تعديلات على مشروع البروتوكول المتعلق بمركز ومهام المراقبين الذين تنوي الجامعة العربية ارسالهم الى سوريا. وهي تعديلات لم تعرف طبيعتها ولم تكشف الجامعة عن فحواها، غير ان عدم الاعلان حتى الان عن حدوث توافق بشأنها يشي بأن التعديلات التي تطلبها دمشق ربما تضع قيودا على تحركات وعمل المراقبين.

لقد بات واضحا ان المهل التي ظلت تمنحها الجامعة العربية المرة تلو الاخرى للنظام السوري لم تجد نفعا، بل ان وتيرة العنف كانت تزداد كلما جرى الاعلان عن مهلة جديدة. ومن المؤكد ان الجامعة، من باب الحرص على انجاح الحل العربي للأزمة وانقاذ سوريا، فعلت حسنا باطلاق مبادرتها هذه ومد حبال الصبر والمهل للنظام السوري. لكن الوقت قد حان، فيما يبدو، للانتقال الى خطوة جديدة ربما تكون اكثر نجاعة فيما يتعلق بحماية المدنيين وفي حقن دماء السوريين.

=================

الشعوبية اللبنانية تصادم مصلحة الشعب السوري وحرّيته

دلال البزري

المستقبل

20-11-2011

كان بدء الثورة السورية إكليل من العار على جبين لبنان: صحافيون و"خبراء" وسياسيون لبنانيون من الصف الثاني، والأول أحياناً، يدلون عبر الأثير بالمواقف المعروفة تلو الأخرى، من إن النظام السوري إنما يواجه مؤامرة صهيونية امبريالية، وان النظام خطى خطواته الأولى نحو الإصلاح، وان ما يحول دون تحقيق الإصلاحات "المنشودة" هم هؤلاء المتظاهرين المطالبين بها، (ما زلنا في البداية) والذين يخبئون في صفوفهم "مسلحين سلفيين طائفيين" يعتدون على الأمن... إلى ما هنالك من آراء أُشبعت ترويجا وتكراراً اينما وليت وجهك داخل هذا العالم الذهني الافتراضي الذي إسمه "ممانعة".

عار فكري، التحق به العار العملي، إذ لا مجال، هنا بالتحديد، إلا لإقتران القول بالفعل: فكان هجوم "مدني" لبناني على متظاهرين، سوريين ولبنانيين، مؤيدين للثورة السورية، ثم ضغوط على الفنادق الكبرى، أو المتوسطة، لردعها عن استقبال فعاليات اللبنانيين المتضامين معها؛ أو ضغوط أقل شفافية، أو قلْ رقابة ذاتية أحيانا، قوامها حسابات الربح والخسارة، على كتّاب آخرين لكي لا يذهبوا أبعد مما يحفظ مكانهم ومكانتهم... يتوّج كل هذه المواقف المشرّفة خطف وتضييق وتوقيف معارضين ولاجئين السوريين في لبنان، يُردّ على إدانتها بالتسخيف والاستخفاف. فلا ننسى ان "مقاومينا" متعجرفين، أي قليلي البصيرة، لا يرون غير أولوية شجاعتهم بوجه اميركا واسرائيل، فيما العالم الباقي ملغى، وبجرّة كلمة فصيحة واحدة: مثلما أُلغيت أوروبا كلها عن خريطة الكوكب، بلسان وزير الخارجية السورية وليد المعلم، بعد ان أصدرت موقفاً لم يعجب النظام.

ثم عار حكومي أشدّ إيلاما، تلك الشيزوفرينيا التي لا تكفّ عن التأكيد على "حيادية" و"وسطية" تجاه الثورة السورية، بداعي "عدم تعريض لبنان لخضّات"؛ بعدما حمّل أقطابها "المقاومين" لبنان أكثر ما تحتمله الجبال من حروب، أين منها "الخضّات"... وليته كان حياديا، ذلك الموقف؛ بل انحياز واضح للنظام السوري، وجهر بتأييد ل"سوريا الأسد... الى الأبد"، وتصويت، في الجامعة العربية، ضد قرار مؤيد للشعب السوري، وبالحجة نفسها من ان كل هذا إنما هو من أعمال الامبريالية والصهيونية...

وبهذا الخروج عن إجماع عربي، هو لأول مرة في صالح إحدى شعوبه، يكون لبنان قد تجاوز العار بذاته، وسجل لنفسه نقطة سوداء في تاريخه: الحكومات التي صوتت لتجميد عضوية سوريا الأسبوع الماضي ليست كلها محبة لشعوبها، بل منها من ارتكب مثل السودان مجازر ضد شعبه ورئيسه مطلوب من محكمة الجنايات الدولية. ومنها من هو، مثل العراق، الممتنع، متحالف مع النظام السوري، ويقف ضد الشعب السوري. فيما لم يصوت مع مندوب لبنان إلا مندوب اليمن، المرشح نظامه للسقوط بين لحظة وأخرى. ودعم الجامعة العربية هذا تتفوق حيثياته الأخلاقية الإنسانية على حيثياته السياسية؛ أو بالأحرى حيثياته الأخلاقية الإنسانية كان لها الدور الأعظم في صياغة حيثياته السياسية. والاثنتان هما من صنع وحشية النظام المنفلت من عقاله.

إذن، هناك استثناء لبناني ساطع. استثناء بالمعنى النقيض الذي كان عليه في سنواته السابقة من "عصره الذهبي". كان لبنان، في المحيط العربي الواسع، واحة حرية وتعدد وتناوب على السلطة؛ طبعا ودائماً بالمقاييس النسبية، أي الإقليمية، لا العالمية. وبقية الوصف الايجابي جميعنا يعرفه. ولكن هذا الاستثناء أصبح الآن سلبياً، بقدرة التاريخ، الفاضح دائما. صار لبنان بموجبه موطىء قدم لسياسات قمعية لم تعد تخجل من اصطدامها بالشعب السوري، وبوكالة حصرية.

هذا الاستثناء السلبي للبنان يضعه في آخر لائحة الدول العربية التي سينال منها التغيير شيئا، وقد لا ينال... والعطب الأساسي فيه، ليست فقط طبقته السياسية، الموزعة زعماء طائفيين أبديين على أبناء طوائفهم، والتي يقوم كل نشاطها على البقاء في السلطة، أو العودة إليها في "الانتخابات" المقبلة. لا ليست الطبقة السياسية هي وحدها العطب، مع انها تتعرض يومياً لسخط المواطنين ولعناتهم. إنما قواعد تلك الطبقة، جماهيرها الموالية لها على طول الخط. طبعاً، يدرك المرء طبيعة "التركيبة اللبنانية"، الطائفية، المعقدة التي تملي على هذه الجماهير التصفيق والتصويت لقيادات لم تقدها إلا نحو المزيد من إضعاف دولته وتطييف مجتمعه. جماهير تذهب أبعد من مغالاة قادتها، وتزايد عليها في نكايتها للطوائف الأخرى.

وهي الآن، في الحدث السوري الأعظم لم تغير نهجها: تقف مع الشعب السوري، أو تناهضه، بناء على ما تراه من خسارة، أو ربح للطائفة الأخرى: انتصر الشعب السوري، فكان بنظرها انتصار لعزوتها الطائفية على بقية لبنان، وثأرها من هيمنة ميدانية. انهزم الشعب السوري فكان نصرة لطائفة أخرى.... وهكذا، لا معايير مواطنة أو ديموقراطية، ولا من يحزنون؛ بل طوائف تكره الأخرى أكثر مما تحب الحرية. كأن هذه الجماهير هي على درجة غرور قياداتها نفسها، من انها مهما بلغت من إستلحاق، لن ينال منها عار الاستبداد.... لبنان بلد ديموقراطي.... ماذا تريدون أكثر من ذلك؟ جماهيره هي التي صنعت طبقته السياسية....

هل من يتذكر تجربة التظاهرات المعادية للنظام الطائفي؟ هل من يرغب بتحليل إخفاقها في المهد؟ يمكن طبعا نقد ارتجاليتها، (من لم يكن مرتجلا في هذه الثورات؟) وقلة خبرتها التنظيمية الخ. ثم صعوبة إسقاط "نظام طائفي" المتعدد الرؤوس والأقنية، أو عبر شعارات تلح على عدم تسمية قادة هذا النظام، أو مع تسمية البعض دون الآخرين، المصابين بالقدسية السياسية. وهذه شوائب ليست بشيء يذكر أمام الاختراق الطائفي- المذهبي الذي صبّ جام عبقريته التقسيمية على شباب غير مطيف وبواسطة شباب آخرين يعملون بتوجيهات من قياداتهم الطائفية. الاجتماع الذي ختمت به تحركات إسقاط النظام الطائفي والذي جرى في مسرح بيروت هو الشاهد، وما ساده من توتر فائق، ومن تشابك بالأيدي، فضلا عن العبارات النابية التي خرجت من أفواه هؤلاء الشباب "المحزّبين"، كله يشهد على انعدام الحصانة الشعبية من العبث الطائفي؛ وهذه ليست مسؤولية المسؤولين. انها مسؤولية الشعب اللبناني بأسره.

لكن الأدهى من كل ذلك، هو كيفية تحول الشعوبية التي تشحن بها النفوس المقاومة، وبالعين المجردة، ضد مصلحة الشعب الأقرب الى اللبنانيين، شركاؤهم في النظام الاستبدادي الواحد، بل وضحاياه الأولين. كيف ان قطاعات سياسية بأكملها تنادي بالحرية الوطنية وتنبذ أصحاب الثراء المرتزقة، القابضين على اموال الشعب، العاملين ضد مصلحته، الرأسماليين والفاسدين... كيف ان هذه القطاعات نفسها، خصوصا شرائحها المتعلمة، او الصانعة للمعنى، ترى بأم عينها وتتنكر، لا تريد ان ترى... باسم مقاومة الامبريالية والصهيونية، ومشاريع تقسيم، وسايكس- بيكو جديد، تنبىء عنه، برأيها، تلك الثورة السورية العاتية. كيف حصل ذلك؟ كيف تحول أنصار الشعب الى أعداء له؟ أو على اقل تقدير، كيف انزلق القومي أو اليساري أو التقدمي من موقع المتفاخر بدعم حرية الشعب اللبناني ضد العدو الإسرائيلي الى موقع الرافض لحرية الشعب السوري؟ الجواب الجاهز، الذي لا يصاغ الا مبطّنا، ان القاتل الإسرائيلي ليس مثل القاتل السوري. هذه الذهنية عمّمتها أولوية عدائها للصهيونية والامبريالية، فحجبت عن نظرها نقاط التشابه الصريحة بين القتلة جميعهم.

لبنان، بهذه الشروط، سوف يتأخر عن الركب العربي المحيط به، وسوف يكون التلميذ الكسول أو المعاق في مدرسة الديموقراطية العربية الجديدة.

=================

ما علاقة الثورة في سوريا بالموقف من الإسلام السياسي؟

نجيب جورج عوض

المستقبل

20-11-2011

حدثان مهمان جداً وذات دلالة قوية وقعا في الأسبوعين الأخيرين، يتعلقان بالثورة في سوريا وبالحراك السياسي الذي أعقب الثورة في مصر وتونس. الحدث الأول، هو خبر اعتداء أنصار المعارضة السورية (الممثلة بالمجلس الوطني) على أنصار المعارضة السورية (الممثلة بهيئة التنسيق الوطنية)، ودلالات الانشقاق والاختلاف العميق بين المعارضين السوريين حول طبيعة الثورة وأهدافها ومسيرتها، التي على الجميع التمعن فيها بعمق وتأنٍ بعد هذه الحادثة. أما الحدث الثاني، فهو تصريح وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، ولأول مرة بشكل علني ومباشر ولا لبس فيه، بأنّ أميركا لا تمانع بناء علاقات مصالح مشتركة مع الإسلاميين الذين سيكونون بدلاء الأنظمة القمعية في كل من مصر وتونس.

سبق لي ونشرت مقالاً في ملحق "نوافذ" منذ أكثر من أربعة أشهر أكدت فيه أنَّ الغرب بات اليوم، وخلافاً لموقفه التقليدي، متقبلاً لفكرة وجود بدائل إسلامية سياسية في العالم العربي والدول المجاورة لإسرائيل في العالم العربي، لا بل وهو سيكون الداعم الأول وصاحب المصلحة الأساس في مساعدة الإسلام السياسي على تحقيق طموحه للسلطة انطلاقاً من أسباب يعتبرها الغرب موضوعية، وذات تأثير مباشر على لجم ودرء أخطار الحراك السوسيولوجي والثقافي والمدني الذي خلقه الإسلام السياسي في المجتمعات الغربية، وتوجيه حراب ذاك الأخير نحو بلدانه الأم، بدل تركيزها على الساحة العامة في الغرب. اليوم ومع تصريح كلينتون المباشر عن استعداد أميركا للتحالف مع أي بديل إسلامي في العالم العربي، تعلن الدولة الغربية العظمى بأنها تقف وراء مثل هذا الخيار وأنها على استعداد لا للتعامل مع واقع وجوده المحتوم فقط، بل وللتحالف استراتيجياً وصراحةً معه؛ مع كل ما يتطلبه التحالف من الالتزام بقواعد الأخذ والعطاء، الكسب والاستعداد للخسارة، ربح نصيب ما، من جهة، والقبول بربح الآخر لحصة مقابلة وربما معادلة، من جهة أخرى.

في منطق الربح والخسارة وذهنية الصفقة السياسية، لن يكون غريباً أبداً إن وجدنا الغرب يعقد علاقات صداقة وتحالفات مباشرة ومعلنة مع الإسلام السياسي الجديد في العالم العربي. أما مفردات الصفقة فهي ستكون على الشكل التالي: سيتوقع الغرب من الإسلاميين أن يؤسسوا أنظمة سياسية تعددية وتداولية تمارس اللعبة الديموقراطية، وبالتزامهم بهذا الشرط سيساعد الإسلاميون مراكز صنع القرار الغربية على تلميع صورة الإسلام السياسي وتبرير الوقوف معه أمام هيئات المجتمع المدني والرأي العام، العلمانية والليبرالية والمدنية في البلدان الغربية. سيعد الغرب، بالتزام الإسلام السياسي بلعبة السلطة الديموقراطية، بأن يطبق أفواه مؤسسات المجتمعات المدنية وحقوق الإنسان والهيئات الداعية للديموقراطية والتعددية وقيم المجتمع المدني الغربية والعالمية، بما لديه من نفوذ على الرأي العالمي، وبأنه سيغض الطرف عن محاولات الإسلاميين الجادة (والأهم والألح بنظر الإسلام السياسي برأيي) لإسلمة العالم العربي سوسيولوجياً وثقافياً، والأخطر تشريعياً. في المقابل، على تلك الأنظمة الإسلاموية الناشئة أن تتعهد للغرب بثلاثة أشياء: أولاً، أنها لن تهدد أمن إسرائيل القومي ووجودها ككيان، وأنها ستعمل على إيجاد حل للصراع الإسرائيلي العربي بالموافقة على اختزاله أولاً إلى صراع فلسطيني إسرائيلي فقط، وبدفع الفلسطينيين إلى طاولة التفاوض والعمل على تحقيق سلام يرضى عنه الغرب وتقبل به إسرائيل. وثانياً، أنَّ تلك الأنظمة الجديدة ستقف مع المعسكر الغربي بشكل قوي وواضح في صراع هذا الأخير مع التهديد الإيراني وذلك تحت اسم رفض العالم العربي السني رسالة التشييع والمشروع العقائدي والإيديولوجي الشيعي الذي يحمله نظام الملالي. أما ثالثاً، فعلى الأنظمة الإسلاموية الجديدة أن تضمن للغرب استمرار تدفق كل مصادر الطاقة النفطية والغازية إلى الغرب، ما يضمن استقرار موازين القوى الاقتصادية والمالية في قلب الأزمات الهائلة التي تعاني منها أوروبا وأميركا، وكذلك استمرار عمليات شراء السلاح الغربي من العالم العربي، الذي يعد المشتري الأول للأسلحة في العالم؛ الأمر الذي بات يؤثر أكثر من ذي قبل على محاربة معدلات البطالة العمالية المتزايدة، وتخفيف حدة حالات إفلاس الشركات الغربية العملاقة، وما لهذا من تأثير فادح أيضاً على مسيرة الأزمة الاقتصادية الهائلة في الغرب. ما سنشهده بكلام آخر، هو محاولة لعقد صفقات جيو استراتيجية مع الأنظمة الإسلاموية الجديدة، تشبه كثيراً في تفاصيلها الصفقات التي يقوم عليها التحالف الأميركي مع دول الخليج ومع تركيا. بنية هذه التحالفات هي: مارسوا الأسلمة السوسيولوجية والثقافية والتشريعية داخل بلدانكم كما تشاؤون، ولكن ابتعدوا عن الأسلمة في الحراك السياسي الداخلي، المتعلق بالسلطة، وفي الطرح الجيوسياسي الاقليمي المتعلق بتوازنات المنطقة.

أما عن علاقة هذه المعادلة الجديدة بالثورة في سوريا والشرخ الحاد بين أطياف المعارضة فهو أنَّ علينا أن نقرأ الثورة في سوريا أيضاً من خلال هذا التغيير العام الجديد في حسابات الغرب وخياراته الجيوسياسية. أعتقد أنه من الضروري بمكان أن نقرأ استمرار ارتكاب المعارضة السورية، بأطيافها الداخلية والخارجية، للعديد من الأخطاء التكتيكية، والهفوات الفادحة المتعلقة بالأداء والتوقيت، والتخطيط والتفاعل السياسي، بصفتها مؤشراً قوياً على أن المعارضة السورية، بكافة أطيافها، خرجت من إطار اللاعب المباشر والأساسي في الحراك السوري، وفي تقرير خواتيم الثورة في سوريا. ما عاد أمر إسقاط النظام في سوريا لا بيد المجلس الوطني ولا بيد هيئة التنسيق الوطنية، وربما لم يعد ولا حتى بيد الشارع بعد الآن. لا أريد بهذا القول انَّ النظام في سوريا باقٍ وأنه انتصر. العكس تماماً هو الصحيح.

من جهة النظام السوري، أثبت للجميع خلال الشهور الماضية أنه بات بحكم المنهار، بنية وسيطرة وحضوراً داخل المجتمع السوري، بالرغم من استمرار آلة القمع والقتل التي يملكها للسيطرة على الشارع. لقد فشل رأس النظام فشلاً ذريعاً بإقناع العالم بقدرته على التعامل مع هذه الأزمة بالحنكة السياسية المطلوبة، وبالحكمة وبعد النظر ومنطق رجل الدولة، لا منطق صاحب السلطان. فشل منطق الإصلاح، الذي قدم نفسه على أنه عرابه في سوريا، وحل مكانه منطق القوة والإكراه. بهذا، فقد النظام زمام أمر بقائه ونجاته من يده وبات مصيره اليوم مرهوناً بالسياق الاستراتيجي العام الذي تحدثت عنه في الأعلى: الصفقة العتيدة بين الغرب والإسلام السياسي في العالم العربي، بما فيه سوريا. لقد اختبر الغرب عبر السنوات العشر الأخيرة عدم قدرة النظام السوري على تلبية المطالب الثلاثة التي ذكرتها في الأعلى، والتي لو قبلها النظام لضمن موقعاً له في التركيبة الجديدة. في المقابل، يبدو أنَّ البديل الإسلاموي على استعداد لدفع فاتورة اختزال الصراع مع إسرائيل إلى خلافات مع الفلسطينيين فقط، ومعاداة المشروع الإيراني، والوقوف كخط دفاع أول في وجهه، وضمان مصالح الغرب الاقتصادية في المنطقة (تلك المصالح لن يؤمنها البديل الإسلاموي في سوريا، بل من يتمنى وصوله للسلطة ويبدي استعداداً لتمويله والوقوف ورائه من دول الخليج وتركيا). لهذا، فقد النظام البعثي، الذي نعرفه باللغة الاستراتيجية والجيوسياسية، مبرر وجوده على خارطة المنطقة المستقبلية.

أما من جهة المعارضة، فهي أيضاً برأيي لم تعد، هذا إن كانت أصلاً، الفاعل الرئيس في الثورة السورية. وهي لن تكون أبداً العنصر الأساسي الذي يملك في يده مسألة إسقاط النظام. فشل كل من المجلس الوطني (وفق قناعتي) بأن يطرح نفسه القوة الحقيقية، ناهيك عن القوة الوحيدة، التي ستسقط النظام وتزيح رموزه، بفعل قوتها الشعبية الصرفة، ومشروعها السياسي الذاتي، ورؤيتها الاستراتيجية المستقبلية الواضحة، والمعول عليها لسوريا البديلة عن سوريا-البعث. أما هيئة التنسيق فهي منذ البداية لم تحظ بتأييد شعبي واسع ومؤثر داخل سوريا ولم تنل فرصة الاهتمام الجدي والحقيقي من الغرب، بالرغم من أنَّ أعضاءها، ومن يدور في فلكها، هم المعارضون الوطنيون التاريخيون في سوريا. ناهيك عن الخلافات الفكرية والرؤيوية العميقة التي تشرذم الرؤى والطروحات والمواقف، وتربك الأداء داخل كل من المجلس والهيئة على حد سواء، الأمر الذي لاحظناه مراراً وتكراراً خلال الشهور المنصرمة والذي بلغ، برأيي، ذروته مؤخراً في الاعتداء المخجل والمعيب من قبل أنصار المجلس على أعضاء الهيئة في القاهرة.

من باب الواقعية السياسية، من السهل التوقع بأنَّ المعارضة، وعلى الأرجح المجلس الانتقالي، ستأتي بعد سقوط النظام السوري الوشيك والمحتم، كبديل عن النظام وسيقوم خالقو المجلس وداعميه (لأتراك والأميركيون) بشكل خاص) بالضغط، كي يتم تقديم المجلس المذكور على أنه البديل السياسي العتيد، وربما وللأسف "الوحيد"، في سوريا الجديدة. ولكن، هذا لا يجب أن يجعلنا نتعامى عن حقيقة أنَّ أمر إسقاط النظام ونجاح الحراك الشعبي ما عاد لا بيد المعارضة ولا بيد الشارع في سوريا. إن كان علينا يوماً أن نتعامل مع المجلس الوطني على أنه البديل السياسي للنظام المتداعي، لا يجب أن يجعلنا هذا نعتبره صاحب النصر في الثورة وأن نعامله على أنه هو من أسقط النظام. من يحل بديلاً في السلطة لن يكون هو من يجب أن نسميه بالمنتصر، فقد أثبتت تعقيدات المشهد السوري أنَّ هذا "المنتصر" يمكن أن يكون أي طرف، عدا المعارضات السورية.

ما أريد الخلوص إليه، هو أن علينا أن نقرأ فضيحة الخلاف العميق بين أطياف المعارضة في سوريا، ودلالات هذا الخلاف الجدية، في ضياع فاعلية الثورة وفضل إسقاط النظام من يد المعارضة السورية بكل أطيافها، علينا أن نقرأ هذا في إطار جيو-سياسي أوسع يتعلق بموقف الغرب الأخير من صعود الإسلام السياسي في المنطقة واستعداد الغرب لعقد صفقة جديدة مع هذا البديل لإعادة ترتيب المنطقة وتشكيلها من جديد. إن سقط النظام في سوريا، فسيكون سقوطه بسبب هذه الصفقة الجديدة، لا بسبب المعارضة ولا بسبب الشارع (وإن كان للشارع السوري البطل طبعاً الفضل الأول والأهم في بداية نهاية النظام). من جهة أخرى، إن حدثت معجزة ما، تتجاوز حدود المنطق التحليلي، والمعطيات المتوفرة، وبقي رأس النظام شخصياً، من دون أن تبقى البنية السلطوية التي أعطته السلطة، فهذا أيضاً لن يكون مؤشراً على انتصار النظام على الشارع وعلى المعارضة. كل من النظام ومصيره، من جهة، والمعارضات ومصير حراك الشارع، من جهة أخرى، باتا جزءاً من لعبة أكبر، ومجرد محطة في خارطة أوسع. وما تزايد علامات انشقاق المعارضة السورية وخلافاتها العميقة إلا دليل على أن وجودها أصلاً كمجلس أو كهيئة وبروزها على السطح، سواء داخل أو خارج سوريا، ما كان إلا نتاج تغيير بنيوي غربي ومحلي، إقليمي وعالمي في النظرة إلى الإسلام السياسي، ومحاولة القوى الفاعلة في المنطقة إعادة ترتيب بيادق رقعة الشطرنج الشرق أوسطية.

=================

عاموس جلعاد والنظام في سوريا!

علي حماده

النهار

20-11-2011

أكثر ما يستحق التوقف عنده هو آخر ما صدر من قلب اسرائيل، اعتبار رئيس الطاقم الامني السياسي في وزارة الدفاع عاموس جلعاد قبل ايام في حديث الى الاذاعة الاسرائيلية "أن سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد سيترتب عليه حدوث كارثة تقضي على إسرائيل، نتيجة لظهور إمبراطورية إسلامية في منطقة الشرق الأوسط، بقيادة الإخوان المسلمين في مصر والأردن وسوريا".

هذا ليس كلاما عاديا بل انه رأي لمسؤول اسرائيلي يعمل حاليا في عصب الحكومة، أي وزارة الدفاع. ويأتي موقف جلعاد ليؤكد الكلام الذي نقل قبل فترة عن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو و حذر فيه من سقوط الاسد، وليصبّ في سياق معلومات متقاطعة تفيد ان اسرائيل رمت بكل ثقلها في المعركة لمنع سقوط النظام، تحت عنوان حماية وجودها من خطر وصول الاسلام السياسي "المتطرف" الى السلطة في سوريا. وتدور في واشنطن معركة سياسية دعائية يقودها الاسرائيليون من المقعد الخلفي لتخفيف انخراط الادارة الاميركية في معركة اسقاط بشار الاسد. ولذلك تبدو الادارة الاميركية الحالية اكثر حذرا من الاوروبيين في الموضوع السوري. وفي الخلاصة تبدو الصورة محيرة بعض الشيء وان تكن المصالح الدولية عاملا يبرر كل المواقف الغريبة نوعا ما: فالنظام السوري برئاسة الاسد يرتبط بحلف استراتيجي مع ايران الاسلامية صاحبة المشروع النووي الذي يشكوه الاسرائيليون ويلوحون بسببه بالحرب مع طهران، ويجد حليفا موضوعيا، بل أكثر من موضوعي في اسرائيل بزعامة بنيامين نتنياهو، الذي يتلقف حذر بشار الاسد من ان سقوطه معناه نشوء عشرات الافغانستانات، وسبق لرامي مخلوف ان قال في نيسان الماضي أن أمن اسرائيل من أمن النظام في سوريا. في حين لا يتوقف "عواينية "النظام في لبنان عن التهديد بانفجار على صعيد المنطقة اذا سقط النظام، ويذهب عتاة مؤيدي "حزب الله" الى التحدث عن آلاف الصواريخ التي ستسقط فوق المدن الاسرائيلية اذا ما شارف نظام بشار على السقوط!

وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فإن القرار 1559 الذي نعتبره صكّ الاستقلال الحقيقي، واجهه الاسرائيليين الذين اعتبروا ان خروج القوات السورية من لبنان يعرض امن اسرائيل. ودارت معركة مقنعة في اروقة القرار في واشنطن بين اللوبيات الاسرائيلية واللوبيات الحقوقية واللبنانيين وشخصيات من الادارة في سبيل القرار 1559. في مناسبة أخرى، وفي حرب 2006 سأل موريس غوردو مونتاني و كان المستشار الديبلوماسي للرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك المستشار الديبلوماسي لرئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود اولمرت: "انتم تعرفون مصدر سلاح "حزب الله" وذخيرته، فلماذا تدمّرون لبنان؟ اقصفوا المصدر"؟ اجاب الاخير: "و هل تريدوننا ان نسقط النظام السوري؟ لن نفعل ذلك. ان هذا النظام اقلي ضعيف ومكروه، فلماذا نستبدل ما يناسبنا بما يمكن ان يهدد دولة اسرائيل؟ هذا غيض من فيض، والتاريخ سيذكر الكثير من الحقائق عن "ممانعة" النظام في سوريا.

=================

«البريسترويكا» التركية والاختبار السوري

عريب الرنتاوي

الدستور

20-11-2011

تنتصب الأزمة السورية في وجه القيادة التركية بوصفها اختباراً كبيراً لكل ما جاء به حزب العدالة والتنمية...لكل ما قامت عليه “الأردوغانية” في البعدين الداخلي والخارجي للسياسة التركية المعاصرة...ولهذا يقف صناع القرار في أنقرة على وتر مشدود حين يتصل الأمر بالموقف من سوريا...لهذا تحضر سوريا بقوة في كل “قرنة” و”زاوية” من “قرن” و”زوايا” صنع القرار التركي.

في سوريا، أكثر من غيرها، سقطت نظرية “صفر مشاكل” التي شكلت واحدة من أعمدة السياسة الخارجية التركية التي هندسها ونظّر لها أحمد داود أوغلو، ولن يكون بمقدور الرجل بعد اليوم، أن يبشر بهذه النظرية إلا من باب إظهار “النوايا الحسنة” وإدارة العلاقات العامة.... وفي سوريا، ستختبر أيضاً “نظرية القوة الناعمة”، وهي بدأت تخضع للاختبار على أي حال، فأدوات هذه النظرية في حقل التبادل الاقتصادي والتجاري والانفتاح و”الحريات الأربع”، إلى غير ما هنالك، تضررت على نحو كبير خلال الأشهر الفائتة...فالتجارة إلى تراجع، وحركة الأفراد والسلع والرساميل والخدمات على ضفتي الحدود في أدنى معدلاتها خلال السنوات العشر السمان التي شهدتها العلاقات بين أنقرة ودمشق.

والاختبار الأهم لنظرية “القوة الناعمة” التركية، سيكون قريباً، عندما تدخل الأزمة السورية مرحلة “الملاذات الآمنة” و”حماية المدنيين” و”مناطق حظر الطيران”...حيث تشير أغلب التقديرات إلى أن أنقرة ستكون اللاعب الرئيس على هذه الجبهة، وربما عسكرياً، عندها ستحل “نظرية القوة الخشنة” محل “نظرية القوة الناعمة” كأحد أعمدة السياسة الخارجية التركية، وسيكون لذلك أثرٌ كبيرٌ على صورة تركيا ودورها في العالم العربي، لا نعرف من الآن، كيف سيكون هذا الأثر، وأي حدود سيبلغ.

“استقلالية” القرار التركي عن مراكز صنع القرار الدولي، في واشنطن وبروكسيل (الناتو)، كانت على الدوام واحدة من روافع الدور الإقليمي الصاعد لتركيا...العرب أحبوا الاتراك كثيراً، عندما حال برلمانهم المنتخب ديمقراطياً، دون استخدام أراضي بلادهم كمنصة للزحف الأمريكي على العراق في العام 2003، في الوقت الذي أظهرت معظم دولهم وحكوماتهم غير المنتخبة، خنوعاً منقطع النظير أمام ضغوط “العم السام” وجبروته...هذه الصورة تبدو عرضة للتبديل والتغيير في ظل التقارب غير المسبوق في السنوات العشر الأخيرة، بين واشنطن وأنقرة، إلى الحد الذي يقال فيه، أن تنسيقاً ذا صبغة استراتيجية يدور بين العاصمتين فيما خص ملفات المنطقة، وبالأخص الملف السوري.

يبقى الملف الفلسطيني، أو بالأحرى ملف الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، والذي كان لتركيا مواقف قاطعة في وضوحها حياله، وبصورة رفعت من أسهم “الأردوغانية” في أوساط الرأي العام العربي، منذ دافوس وأسطول الحرية وما سبقهما وأعقبهما...الملف الفلسطيني يتواضع حجماً ونفوذا في أداء السياسة الخارجية التركية المنهكمة من الرأس حتى اخمص القدمين بالرمال السورية المتحركة، مع أن ما تشهده المسألة الفلسطينية من تطورات، تملي على أنقرة رفع منسوب اهتمامها وتدخلها، من “استحقاق سبتمبر” إلى العدوانات المتواصلة على غزة والضفة (الاستيطان).

طوال سنوات خمس مضت، عاشت المنطقة العربية “لحظتها التركية” بامتياز...وتحوّلت أنقرة وبالأخص اسطنبول، إلى محج للعرب كل العرب...عرب الاعتدال أرادوا دوراً تركيا معادلاً لدور إيران المتزايد بقوة بعد غزو العراق...وعرب المقاومة استمرؤوا المواقف التركية من إسرائيل ونزعتها الاستقلالية عن الولايات المتحدة...والإصلاحيون العرب، بمن فيهم الإسلاميون، ولّوا وجوههم صوب “النموذج” التركي، للتعلم والقراءة والدراسة والاستفادة، ووجدوا هناك معيناً لا ينضب من الدروس والخبرات التي تعينهم في الإجابة عن ما يواجههم من أسئلة وتحديات (وليس لنسخ النموذج التركي كما يحلو للبعض تصوير المسألة)...وأصبحت تركيا بنتيجة ذلك، لاعباً إقيمياً متزايدَ الثقل والحضور، وقوة مستقبلية لا يمكن لعاقل أن يتجاهل تأثيرها.

وجاء ربيع العرب ليعطي صدقية إضافية للدور والموقف التركيين، على الرغم من بعض الارتباكات التي أصابت السياسة التركية في البدء (ليبيا) شأن مختلف اللاعبين الإقليميين والدولين الذين أخذتهم الثورات العربية على حين غرة...وفي ظني أن تركيا نجحت في إرساء قواعد علاقات وطيدة مع دول الربيع العربي من مصر إلى تونس مروراً بليبيا.

إلى أن وصل قطار الإصلاح والتغيير عند محطته السورية، وتوقف فيها ازيد من ثمانية أشهر...هنا تبدو المسألة مختلفة...هنا لا توجد أجوبة سهلة للأسئلة السهلة...هنا الاختبار والمحك...هنا ينتصر النموذج التركي أو يهزم...هنا ستخضع “البريسترويكا” التركية لامتحانها الحقيقي...وللبحث صلة.

التاريخ : 20-11-2011

=================

«اتجاهات الحالة السورية»

د. أمين مشاقبة

الدستور

20-11-2011

يرتبط الأردن وسوريا بعلاقات جوار طيبة وأخوية، وعلاقات اجتماعية واقتصادية وسياسية على الرغم من اختلاف نوعي النظام السياسي في كلا البلدين، وتشكيل سوريا عمقاً سياسياً وترابطاً اجتماعياً لكثير من المكونات الاجتماعية العشائرية والقبلية والعائلية والعكس صحيح وان استقرار سوريا كدولة جوار ومصالح متبادلة أمر مهم جداً للأردن ولا عاقل يرغب بعدم الاستقرار في دولة جوار ذات تأثير في عوامل عدة ولا تهون لنا إراقة نقطة دم سورية واحدة، ولكن الخريف العربي وتداعياته التي شملت الحالة السورية كما هو الوضع في العديد من بلدان الوطن العربي تتطلب الاعتراف بأهمية الإصلاح وضرورته، وأن أشكال النظم الاستبدادية والبوليسية أصبحت مرفوضة في العقل العربي أياً كان، ولا بد من حوار وطني يستوعب المطالب الجديدة ويلغي الإقصاء والتهميش لمكونات اجتماعية وسياسية ووقف سياسات استخدامات القوة المفرطة والقتل والدور الموسع للمؤسسات الأمنية فالمؤسسات الأمنية لن يكون دورها العلاج بقدر ما هو تعميق الحالة وإلى الأسوأ، فالنظام القائم في سوريا عليه الاعتراف أولاً بأهمية التعددية السياسية وتوسيع قاعدة المشاركة أكثر من التقوقع وراء سياسات وأحكام الحزب الحاكم الواحد، فالعالم قد تغير والتأييد الدولي في تزايد للقوى المطالبة بالديمقراطية ومعهم ما يسمى "الشرعية الدولية"، فسياسة العقوبات التي من الممكن أن تتفاقم كقوة ضغط على الدولة السورية أمور في طريقها للتطبيق وعزلة النظام قاب قوسين أو أدنى، وعليه، فلا يمكن إنكار العامل الخارجي ومدى تأثيراته، فالقوى الدولية مؤيدة للحراك ولا رجعة عن هذا الأمر، وبالتالي فإن النظام مطالب بمرونة أكبر ووقف كل الممارسات في استخدامات العنف ضد الشعب الأعزل.

إن ما يجري في الدولة الجارة والشقيقة يأخذ عدة اتجاهات، إذا بقي النظام يفكر بالقوة وممارسة استخدامها، فإن الحالة لن تعود إلى الوراء بالمطلق وما دام الدم قد سال من أجل الحرية والتحرر والكرامة، فلا عودة إلى ما كان الأمر عليه، وهذه هي حقيقة ثابتة، والاتجاه الآخر من الممكن أن تتحول الأمور إلى حرب أهلية تأخذ مدى بعيدا وتستمد قوتها من تزايد الخسائر البشرية داخليا، وتلقى الدعم من القوى الدولية وبعض دول الجوار غير العربية، إذ تقود إلى عزل النظام وانكشافه على الملأ وتأكل الاخضر واليابس، أما الاتجاه الآخر فيكمن بالتدويل وتدخل قوى أجنبية بموافقة ضمنية عربية كما حصل في الحالة الليبية وهذا أمر يشكل خطورة على مقدرات الدولة من أكثر من اتجاه مادياً وبشرياً، ويؤدي في النهاية إلى تدمير كافة البنى التحتية والانجازات التنموية ويضع الدولة في دوامة التأخر لمدة تزيد عن العقدين من الزمن، والأمثلة واضحة للعيان في الحالتين العراقية والليبية، ناهيك عن خضوع الدولة برمتها للقرار الخارجي وفقدانها مبدأ السيادة، والاتجاه الآخر المحتمل الحدوث هو انحياز المؤسسة العسكرية لمطالب الشعب والحراك الجماهيري وتقود المؤسسة العسكرية العملية الانتقالية للتحول إلى الديمقراطية كما يحصل في مصر، وتونس وهذا الأسلم في حالة استعصاء النظام القائم على القبول بالمبادرات والمرونة مع حركة التغيير، والاتجاه المحتمل القائم أيضاً هو انتصار الطائفة العلوية شعبياً لصالح الحراك القائم والانقلاب على أقطاب الطائفة الحاكمة وهذا احتمال يكاد يكون ضعيفا، لأن الزمن قد فاته، هذه احتمالات واتجاهات قائمة في الحالة السورية التي ربما تتطور أكثر وأسرع مما هي عليه الآن، وباعتقادنا أن لا مصلحة لنا في الأردن في تدهور الأوضاع إلى الأسوأ في سوريا الشقيقة.

وما يهمنا هو حالة الاستقرار والهدوء على الساحة السورية لأن الأردن والأردنيين سيكونون الأكثر تأثيراً في حالة تفاقم الأوضاع اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، وعبر التاريخ السياسي للدولة الأردنية فإن استقرار الأردن يرتكز دوماً إلى دول الجوار العربي سوريا، العراق، والمملكة العربية السعودية وأي اختلال بالمعادلة له تأثيراته السلبية على الحالة الأردنية.

=================

الوساطة العربية هل تنجح في سوريا؟

نصوح المجالي

الرأي الاردنية

20-11-2011

قلما نجحت الوساطة العربية في حل أي من الازمات العربية الساخنة, وقلما اجمع العرب على حل أي من الازمات في ساحتهم.

ففي القضية الفلسطينة انقسهم العرب واختلفوا حول سبل حلها جيلاً بعد جيل, وتفرقوا بشأنها الى محاور متصارعة, وحمّلوها خلافاتهم وتناقضاتهم على مدى ستين عاماً ونيّف, وتكرر الامر في اكثر من ازمة فقد انقسم العرب على مدى اربعة عشر عاماً حول ازمة الحرب الاهلية في لبنان التي حصدت عشرات الالاف من الضحايا, ولم يزدها تدخل العرب الا تعقيداً نتيجة التحيز لطرف دون آخر او اغراق لبنان بالاسلحة والاموال التي ادامت الحرب وأججتها.

وللفلسطينيين تجربتهم في افشال الوساطات العربية, اذ لم يجد لقاءهم في الكعبة, حيث اقسموا على الصلح الا انهم نقضوا الاتفاق فور مغادرتهم مكة, كما أن الوساطة المصرية راوحت مكانها طويلاً ولم تحقق أي نتيجة.

وفي النزاع المغاربي حول الصحراء فشلت الوساطة العربية وتفاقمت الازمة بفعل تدخلات الجوار العربي.

وفي ازمة احتلال العراق للكويت ادار العرب ظهرهم لمبادرة الوساطة العربية وانحاز اكثرهم للتدخل الاميركي العسكري الذي قصم ظهر الجيش العراقي المنسحب من الكويت عام 1990.

وفي اليمن ما زالت الوساطة العربية الخليجية تراوح مكانها ورغم اعلان الرئيس اليمني قبولها إلا أنه اثقلها بالمناورات والشروط المعطلة.

والامر يتكرر حالياً في الوساطة العربية في الازمة السورية فالنظام السوري يبدي استعداده لقبولها نظرياً ولكنه يماطل في تطبيق أي من بنودها لأن قبول شروط المبادرة قد يكشف المزاعم التي بني عليها الموقف السوري, ويفتح الباب لادانة دولية اوسع لممارسات النظام السوري في قمع المظاهرات السلمية والمدنيين بصورة مخالفة للقانون الدولي.

ما زال العرب غير قادرين على ايجاد حلول لمشاكلهم الداخلية ضمن البيت العربي, وبالطريقة التي يتصرفون بها فهم يستدرجون التدخل الاجنبي في قضاياهم.

فالنظام السوري يقبل التدخل الايراني وتدخل عناصر من حزب الله كما يرد في الانباء, لكنه يستنكر طلب المعارضة السورية التدخل العربي والاسلامي, ويحذر من التدخل الاجنبي ويصم اذنيه للنصيحة والوساطة العربية, غير آبه لحقيقة أن افشال الوساطة العربية او تجاهلها او التلاعب بها بالمماطلة كما حدث في ليبيا من قبل, وفي سوريا حالياً قد يحولها الى نشاط سياسي يحرك الامم المتحدة والدول الكبرى للتدخل المباشر وقلب الاوضاع في الساحة السورية, حيث ينتهي الامر الى المحكمة الدولية والفصل السابع والتدخل العسكري.

ترى ما السبب في فشل الوساطة العربية مراراً, ربما لأن الجامعة العربية تمثل حصيلة تناقضات النظام العربي التي أدت الى عدم فاعليته, بدليل أن أهم القرارات التي اتخذت على مستوى القمم العربية اهملت وتم تجاهلها.

فالتدخل الخارجي ساهم مراراً في تغيير المعادلات في الازمات العربية بسبب افشال العرب جهود الوساطة العربية بأيديهم.

وأي تدخل دولي حتماً سيغير المعادلات لغير صالح العرب, فالتدخل الايراني في لبنان حوّل جنوب لبنان الى قاعدة عسكرية ايرانية, وأزمة ليبيا ما كانت تحل لولا تدخل حلف الاطلسي ودوله ستكون الرابح الاكبر من حيث ضمان مصالحها في ليبيا.

وأزمة احتلال الكويت ما كانت لتجد الحل لولا التدخل العسكري الاميركي الذي فتح الباب لوضع المنطقة بكاملها تحت النفوذ الاميركي.

واستمرار الحال على ما هو عليه والتوغل في القمع العسكري في سوريا سيؤدي حتماً الى نتيجة مشابهة, ليس فقط في سوريا ولكن في المنطقة, فأي تدخل دولي سيخدم مصالحه قبل مصالح العرب.

هناك مسؤولية كبرى تقع على عاتق النظام السوري بأن يستثمر الوساطة العربية لايجاد حل يؤدي الى تغيير النهج الذي تبناه في التعامل مع المطالب الشعبية السورية, أي التراجع عن الحلول العسكرية والأمنية وتبني اصلاحات تلبي المطالب الشعبية بنظام سياسي تعددي ديمقراطي.

والخطر ان فشل الوساطة العربية قد يصبح مرتكز ومبرر لحملة عسكرية على سوريا لا تخدم سوى المصالح الغربية والاسرائيلية, خاصة وأن الوضع في سوريا شائك ومتداخل مع العديد من الملفات الساخنة في المنطقة, وقلب الاوضاع في سوريا كما حدث في العراق ليس مضموناً لصالح العرب.

فتردد النظام السوري في قبول الوساطة العربية تماماً كالحل الامني لن يحل الازمة, ولكنه قد يدخلها في نفق أخطر, ويضعها تحت سيطرة قوى دولية تفرض ارادتها على سوريا والمنطقة.

فنجاح الوساطة العربية قد يكون حبل النجاة لتجنيب سوريا مخاطر وتداعيات التدخل الاجنبي.

نأمل أن لا تفشل الوساطة العربية في الازمة السورية لأن فشلها قد يعني الانتقال الى حال لا يمكن للنظام السوري أو العرب التحكم بنتائجه وتطور الازمة مرهون بالخيارات التي يتخذها النظام السوري, فمفاتيح حل الازمة ما زالت بيده وحل الازمة أو تفاقمها رهن بخياراته.

=================

النظام السوري يستدعي التدخل الخارجي!

الأحد, 20 نوفمبر 2011

خالد الحروب *

الحياة

يقفل النظام السوري عن غباء أو توتر كل أفق لحل عربي عبر استهتاره بالمبادرة العربية واحتقاره للعرب والجامعة العربية برمتها وسياسات «اللف والدوران» وكسب الوقت وتقطيعه. ويدفع النظام الأزمة كلها إلى مرحلة التدويل الكامل عبر صلفه واستمراره في القتل والقمع مستدعياً التدخل الدولي كخيار وحيد. «الاندهاش» والنقمة الخطابية والتخوينية التي يشتم بها الناطقون باسم النظام كل من لا يتفق معهم تثير الرثاثة وتنبئ عن أشياء كثيرة. منها أن هناك «مفاجأة» ما بسبب مواقف العرب والآخرين، إذ كيف يمكن أن يقف أحد في وجه النظام وهو لا يقوم «سوى» بقمع الشعب كما تعود على قمعه سنوات طويلة ومن دون أن يعترض أحد؟

إذا انتهى الانسداد السوري إلى سيناريو التدخل الخارجي والتدويل فإن النظام هو المسؤول الأول والأخير، كما كان حال النظام الذي سقط في ليبيا. عندما توجهت كتائب القذافي إلى بنغازي بهدف إخماد الثورة الليبية وهي في أسابيعها الأولى كانت لديها تعليمات صارمة من «القائد» بالقضاء على الثورة والثوار بأي طريقة كانت حتى لو أدى ذلك إلى إزالة بنغازي وأهلها عن الوجود. هذا ما كشفه ضباط ووثائق بعد مقتل القذافي وسقوط نظامه. كانت كتائب «القائد» آنذاك تسابق اجتماعات مجلس الأمن الذي اتخذ في اللحظة الأخيرة قراره الشهير في 17 آذار (مارس) بتفويض حلف الناتو بحماية المدنيين. كانت عيون الليبيين في ذلك اليوم الحاسم مشتتة بين شاشات التلفزة تنتظر القرار ومداخل المدينة التي تقترب منها الكتائب المجرمة متوعدة الجميع بالولوغ في دمهم. وعندما تم التصويت لصالح القرار هتف أهل بنغازي بالتكبير وبعضهم سجد شاكراً في ساحة التحرير. لم يبق أمامهم من أمل سوى التدخل الخارجي. البديل الوحيد لذلك التدخل كان ماثلاً أمام عيونهم وهو أن تُراق دماء عشرات وربما مئات الألوف من الليبيين على أيدي مُستبد أعلن استعداده لحرق ليبيا وشعبها في سبيل أن تبقى مزرعة خاصة له ولأولاده. الذين يتأسفون على القذافي ونظامه الذي دمر ليبيا، وأهدر ثرواتها، وحوّلها إلى بلد مهزلة، يتمتعون بضمائر من خشب لا يهمها أن يُباد شعب بأكمله مقابل أن تبقى شعارات فارغة عن المقاومة والممانعة والصمود ضد الإمبريالية.

الآن يتكرر الوضع في سورية «الممانعة». يريد النظام الذي يلغ في دماء السوريين يومياً أن يرضخ العرب، بجامعتهم وشعوبهم ورأيهم العام الكاسح، لمنطق الإجرام الذي يتبناه. تشتغل آلة قمعه الأمنية وجيشه على طحن الشعب الأعزل، وهو الجيش الذي لم يرَ أحد بطولاته على أي جبهة حقيقية من جبهات المقاومة والممانعة والصمود ضد الإمبريالية. يُقتل العشرات من السوريين يومياً، ويريد منا أنصار المقاومة والممانعة أن نقف مع الحكم ضد الشعب الأعزل المطحون، للإبقاء على النظام القامع لشعبه والحافظ لاستقرار إسرائيل.

صلف الدكتاتوريين العرب والدمار الذي يتسببون فيه بات يتعدى الوصف. يتسابقون في زج بلدانهم ومجتمعاتهم والوجدان العربي بأكمله في انسداد تلو الآخر، مدمرين إجماعات وتوافقات وبداهات لم تكن تحتاج إلى نقاش. من كان يتخيل أن التدخل الخارجي الغربي وبقيادة حلف الأطلسي يصبح هو الحل الوحيد لإنقاذ شعب عربي من براثن حاكمه الدموي؟ أية عبقرية، أو بالأحرى إجرام حقيقي وأخلاقي ومبدئي، يتحلى به هؤلاء المستبدون يؤدي بالناس العاديين إلى الترحيب بالتدخل الخارجي لأنه المنقذ الوحيد؟ بشار الأسد حشر الشعب السوري، وكما فعل القذافي قبله في ليبيا، في زاوية ضيقة بالغة الصعوبة والمرارة، وأمام خيار وحيد يقول: ليس أمامكم سوى التدخل الخارجي أو أن تقبلوا القمع والطحن والموت اليومي الذي أفرضه عليكم برضى وتأييد أيضاً، خاضعين لي ولحكمي وبحسب شروطي، وبحسب دستور حزبي الذي أحكمكم باسمه والذي يقرر أن البلد إقطاعية لي ولبطانتي. وعليكم أن تلغوا عقولكم وافهامكم انتم وملايين العرب وغير العرب من ورائكم وتقتنعوا بالخيار الوحيد الذي أفرضه عليكم. واعلموا أن عدم قبولكم بخياراتي، وعدم قبولكم بي جاثماً فوق صدوركم للأبد، معناه أنكم عملاء للإمبريالية وأميركا والغرب وتؤيدون التدخل الخارجي.

باختصار هناك معادلة مستحيلة تفرضها الأنظمة المستبدة وواجهتها وتواجهها الشعوب العربية في ثوراتها ضد دكتاتوريها: الموت وتأبيد الاستبداد أو التدخل الخارجي. في كل الحالات، خاصة ليبيا والآن سورية، هناك تخوفات عميقة ومشروعة من التدخل الخارجي ورفض واسع أسبابه التاريخية لا تحتاج إلى شرح وتفصيل. هذه المنطقة خسرت أكثر من قرن من الزمن بسبب التدخل الخارجي والسيطرة الاستعمارية. ثم خسرت ما يقارب قرناً آخر بسبب دكتاتورييها. دكتاتوريوها الذين جاؤوا بعد انقضاء السيطرة الاستعمارية حطموا بوصلات شعوبها وأربكوا أبجدياتها لدرجة أن هذه الشعوب صارت تستنجد بمستعمرها السابق كي يحميها من أنظمتها «الوطنية».

الذين رفضوا التدخل الخارجي في حالة ليبيا ولم يقدموا بديلاً عنه للشعب الليبي آنذاك تُتاح لهم الآن فرصة ثانية لاجتراح بديل للشعب السوري وتقديم سيناريو يبعد خيار التدخل الخارجي والحماية الدولية. كان هناك بقية أمل في تفادي ذلك الخيار خلال الأسابيع الماضية، وقد ظل ذلك الأمل المتمثل في «الحل العربي» يقاوم كل محاولات الغرور والاستكبار التي يظهرها النظام. قدم الحل العربي وفي إطار الجامعة العربية فرصاً عدة للنظام، ومنحه وقتاً ثميناً وأسابيع طويلة، بأمل خضوعه لمنطق غير منطق القمع الدموي، لكن من دون فائدة. الرد الذي تواصل خلال أسابيع المهلة العربية كان المزيد من الدم والمزيد من القتل، بل ورفع معدلات القتل اليومي إلى أعلى مستوى على الإطلاق. كأن النظام أراد أن يوجه رسالة واضحة جوهرها الاستهزاء بالحل العربي ومن وراءه. اتهم الجامعة العربية وكل من فيها بأنهم عملاء للغرب، ثم لهث وراءهم كي يعقدوا قمة عربية بعد قرارات الجامعة بتجميد عضوية سورية. كيف يطلب النظام من جامعة كلها عملاء أن تعقد قمة يشارك فيها ويطلب منها الحل؟ القمع الدموي الذي يمارسه النظام مجموعاً إلى سياساته الصبيانية تقود إلى حشر الجميع في الزاوية الكريهة، زاوية التدخل الخارجي واستدعاء الحماية الدولية. كوارث الاستبداد والدكتاتورية لا يمكن حصرها وتعدادها، وقاسمها المشترك إنتاج الانسدادات والمآزق واغتيال التطور الطبيعي للحياة والشعوب والآن استدعاء التدخلات الخارجية.

أنصار «نظام الممانعة والمقاومة» في دمشق يكررون اكتشاف درس ساذج يقول إن للتدخل الخارجي والغربي أجندات خاصة به. هذا الاكتشاف اليومي يثير الشفقة على مكتشفيه أكثر من أي شيء آخر، لأنه كمن يكتشف النهار في وضح الشمس. الدول الكبرى تتدخل بحسابات دقيقة، وتريد تحقيق مصالح من وراء كل خطوة تقوم بها. والتسييس الحقيقي، لا الطوباوي، يكمن في كيفية مواجهة تلك المصالح والأجندات وقطع الطريق على أن تكون في تحالف مع أنظمة دكتاتورية وباطشة على حساب مصالح الشعوب. في عقود طويلة ماضية كان أحد الملفات الساخنة التي تدين التدخل والسياسة الغربية بعامة ليس في المنطقة العربية وحسب بل وفي العالم أسره يتمثل في أن تلك السياسة متحالفة مع الحكام ولا تحفل بالشعوب. الآن لم يعد العالم بإعلامه وجمعيات حقوق الإنسان فيه يحتمل أن ينفرد حاكم بقمع شعبه. ولم يعد أولئك جميعاً يحتملون دعم السياسة الغربية الوقحة لأي حاكم مستبد.

ولنا هنا أن نسجل أن أحد أهم إنجازات الثورات العربية يكمن في قلب المعادلة التي كان الغرب يتحالف فيها مع الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة، من دون أي اعتبار للرأي العام. هذه الثورات أجبرت الغرب وأجبرت كل تدخل خارجي على أن يكون في صالح الشعوب وليس في صالح الأنظمة. من المفيد ومن المهم أن يُعاد تركيب المصالح الغربية في المنطقة لتتوافق مع شعوب المنطقة ووفق ما تريده هذه الأخيرة، وليس على حسابها، لأن ذلك يُرسي علاقة مستقبلية صحية وندية بين الطرفين، لا تؤبد العداء. تُرى ماذا كان سيكون موقف كثيرين من أصحاب العُصابية المعادية للغرب من منطلق أيديولوجي بحت لو أن الموقف الغربي أصر على مساندة زين العابدين بن علي، أو حسني مبارك إلى آخر لحظة، وضد الثورات التي قامت ضدهما؟ هل كان ذلك أفضل؟ ماذا سيكون موقفهم لو أن الغرب الآن أعاد حساباته وقرر مساندة نظام الأسد لأنه حفظ استقرار إسرائيل على سبيل المثال؟

* أكاديمي، ومحاضر - جامعة كامبردج، بريطانيا

=================

ثمن التوريث: عودة الصراع على سورية

الأحد, 20 نوفمبر 2011

خالد الدخيل *

الحياة

في 18 آذار (مارس) 2009 كتبت في صحيفة «الاتحاد» الإماراتية عن عودة الصراع على سورية. بعد أكثر من سنتين يفرض السؤال نفسه: لماذا وصلت سورية إلى ما وصلت إليه الآن؟ وإلى ماذا ستنتهي الثورة فيها؟ كل المؤشرات منذ آذار الماضي تشير إلى أن النظام السوري خسر المعركة، لكنه لم يخسر الحرب بعد. كيف؟ في كتابه عن الرئيس الراحل حافظ الأسد «الصراع على الشرق الأوسط/ النسخة الإنكليزية»، ينقل المقرب من عائلة الأسد، باتريك سيل، بعضاً مما قاله له الرئيس الراحل عن رؤيته لما حصل قبل انقلاب البعث في سورية عام 1963. من ذلك قوله عن ميشيل عفلق وصلاح البيطار «من أننا (أعضاء اللجنة العسكرية التي نفذت انقلاب البعث) بدأنا نفقد الثقة في التزامهما بقيم البعث التي تربينا عليها. شعرنا بأنهما يتاجران بالشعارات». (ص60-61). ثم ينقل قول الأسد الأب عن الرئيس جمال عبدالناصر بأنه كان لديه خوف مرضي (paranoia) من الأحزاب. وفق الأسد قال عبدالناصر للبعثيين السوريين «إنني إنسان صادق ونبيل، فما هي حاجتنا للأحزاب؟» (ص61). قال الأسد الأب هذا للمؤلف في اللحظة التي أنجز فيها تهميش حزب البعث تماماً، وتحوله، بخاصة في عهد إبنه بشار، إلى مجرد هياكل فارغة، وشعارات لتغطية المصالح السياسية لعائلة الأسد وحلفائها في الداخل. وهذه المصالح والتحالفات هي التي اقتضت في الأخير، كما يبدو، توريث الحكم إلى الأبناء: باسل أولاً، وعندما توفي في 1994 صار التوريث من حظ بشار.

بتهميش حزل البعث، أساس شرعية الحكم بعد 1963، والشروع في تأسيس سلالة حاكمة (عصبة) تنتمي إلى أقلية دينية صغيرة في المجتمع (العلويين)، وما تطلبه ذلك من إلغاء مبالغ فيه للحريات، ومن تشديد قاس للقبضة الأمنية الشرسة للنظام، كان من الطبيعي أن اتسعت الفجوة مع الوقت بين هذا النظام والمجتمع السوري. تميز الأسد الأب بذكاء سياسي حاد، كما يقول الذين عرفوه عن قرب، ولذلك أدرك أنه لا يمكنه المضي في مشروعه من دون شيء من القاعدة الاجتماعية، وليس القاعدة كلها. من هنا أشرك تجار الشام وحلب، أو «الطبقة الوسطى» في الكعكة الاقتصادية لمشروعه، لكن ليس الكعكة السياسية. أي أن الفجوة بقيت كما هي، لكن تمت تغطيتها بالمصالح الاقتصادية لمن تشكل معارضتهم خطراً مباشراً على النظام. لكن الاحترازات السياسية للأسد الأب لم تتوقف عند حدود الداخل السوري. كانت قناعته بأن تشديد القبضة الأمنية، وإعطاءها وجهاً متجهماً سيعوضان كثيراً، وإن لم يكن تعويضاً كاملاً، عن الثغرة السياسية في الداخل. لكن لا بد من استكمال التعويض بآلية السياسة الخارجية: الإمساك بالورقة اللبنانية تحت كل الظروف، والاستفادة قدر الإمكان من البؤر الأمنية في المنطقة، وهي بطبيعتها بؤر متنقلة بحكم البيئة السياسية للنظام الإقليمي العربي. والأهم من كل ذلك الإبقاء على سورية في قلب التوازنات الإقليمية، واللعب في المساحة التي توفرها هذه التوازنات، من دون الاصطدام مع أي من أطرافها المهيمنة، بخاصة السعودية، ومصر، وإيران. كانت قناعة الأسد الأب بأن التحالف مع إيران يمثل مخزوناً إستراتيجياً لنظامه، وبالتالي فهو ضرورة سياسية. لكنه بحد ذاته ليس كافياً، لا بد من موازنته بالإبقاء على التحالف مع السعودية ومصر، مهما كانت الظروف، بخاصة مع بقاء صدام حسين على رأس النظام العراقي، وبقاء العداء مستحكماً بين البعث العراقي والبعث السوري. وهذا ما يفسر عدم اهتزاز العلاقات السعودية - السورية طوال العقود الثلاثة ما بين 1970 و 2000، على رغم ما شهدته هذه الفترة من أحداث جسام مثل اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، والحرب العراقية - الإيرانية، والاجتياح الإسرائيلي للبنان، والاجتياح العراقي للكويت... إلخ. في هذا السياق كان من اللافت أنه أثناء الحرب العراقية - الإيرانية، كانت سورية (البعثية القومية) تقف إلى جانب إيران، وكانت السعودية (العربية الوهابية المحافظة) تقف إلى جانب العراق البعثي القومي. ومع ذلك لم تتأثر العلاقات بين الطرفين على الإطلاق. بفضل ضبط التوازن على هذا النحو بين الداخل والخارج، تمكن الأسد الأب من الحصول على غطاء إقليمي ودولي للنظام. وفي الداخل تمكن من تحييد خصومه إما بالتهميش، أو بالسجن، وإن تطلب الأمر بالتصفية الجسدية.

الإشكالية أن الاستقرار الذي تمتع به النظام السوري موقت. أساس استقرار الدولة هو شرعية الداخل، وليس غطاء الخارج. ما الذي حدث مع مجيء بشار إلى الحكم؟ أول ما حدث هو المجيء ذاته، أو عملية التوريث التي تسببت بانقسام طاقم الحكم بين حرس قديم وآخر جديد. يقال إن بشار لم يُحكم سيطرته على الحكم إلا عام 2005، وهي السنة التي ارتبكت فيها العلاقة بين سورية ولبنان، وانفجرت الاغتيالات في شكل غير مسبوق. أفرغ التوريث النظام الجمهوري من مضمونه، وقوّض ما بقي له من شرعية، وصار الحديث عن التوريث من المحرمات السياسية في سورية. يقال هذه الأيام أن السوريين معجبون بشباب بشار وحيويته. لكن لا شيء عن النظام السياسي الذي يتربع على سدته. مضت أكثر من عشر سنوات على حكمه، ولم يفِ الرئيس بما وعد به من إصلاحات. تبين أن شباب الرئيس لم يؤدِّ إلى إعطاء شيء من الشباب لنظام تعود على الانغلاق والآلة الأمنية والقمع. ثم جاءت ثورة الداخل التي وضعت الرئيس الشاب وحرسه الجديد على محك قاس لم تعهده سورية من قبل في تاريخها. المتظاهرون لا يطالبون بإصلاحات: يطالبون بإسقاط النظام، ومحاكمة الرئيس، والبعض يطالب بإعدامه. وهم في سبيل ذلك يتظاهرون يومياً، يواجهون قوات الأمن، والجيش، والشبيحة بصدور عارية. يسقط قتلى وجرحى ومعتقلون بالعشرات أو بالمئات يومياً. ما يعني أن الإستراتيجية الأمنية للنظام في الداخل أخذت تتصدع في شكل بطيء، لكن متواصل ومخيف.

في موازاة ذلك، فوجئ النظام أنه أمام عاصفة الداخل من دون غطاء إقليمي. وأكثر ما فاجأه تخلي قطر وتركيا عنه. لم يتبقَّ له إلا إيران. تونس وليبيا في يد ثوار يشبهون ثوار سورية. مصر مشغولة بتداعيات ثورتها، واليمن ينتظر سقوط الرئيس بين لحظة وأخرى، والسعودية فقدت ثقتها بقيادة بشار الأسد منذ اغتيال رفيق الحريري وتداعياته. موريتانيا منكفئة كعادتها على نفسها. والجزائر مرتبكة بين ثورتي تونس وليبيا. اكتشف الاسد متأخراً خطأه الإستراتيجي بالإخلال بمعادلة الداخل والخارج التي أرساها والده. أعطى بشار الأولوية لعلاقة سورية مع إيران على حساب علاقاته العربية، بخاصة بعد خروج العراق، نتيجة للاحتلال الأميركي والنفوذ الإيراني، من التوازنات العربية. تخلى عن الأهمية الإستراتيجية للعلاقة مع كل من السعودية ومصر، وعن التفاهم القديم مع السعوديين حول لبنان. أصبحت سورية مرتهنة للإستراتيجية الإيرانية، كما يتضح من تنامي دور «حزب الله» في لبنان، ومن تسليم سورية بأن العراق ضمن حدود النفوذ الإيراني.

الخطأ القاتل أن النظام أصر على التعامل مع الداخل باعتباره مصدر تهديد له، جاعلاً منه موضوعاً لقبضة أمنية شرسة، وليس إطاراً لعملية سياسية مفتوحة تؤسس لمشروعية النظام. لكن كيف يمكن أن يكون الداخل إطاراً لعملية سياسية مفتوحة مع الإصرار على التوريث؟ هل التوريث خيار موقت مرتبط بظروف موقتة؟ أم أنه أساس لما يسمى في الشام ب «تحالف الأقليات»؟ وبالتالي مشروع لتأسيس «سلالة حاكمة» في إطار جمهوري؟ هنا يتبدى مأزق النظام، الذي كان ينتظر لحظة انفجاره، لأن تجاور القبضة الأمنية مع التوريث لا يمكن أن يكون إلا موقتاً، وينطوي على متناقضات قاتلة تنتظر التسوية أو التفجير: إما أن يقبل المجتمع بمشروعية التوريث، أو أن ينفجر في وجه النظام. والأخير هو ما حصل. في المحصلة النهائية يدفع النظام السوري حالياً ثمن تراكم أخطاء السياستين الداخلية والخارجية للمؤسس حافظ الأسد، وإبنه ووريثه بشار. أخطأ الأسد الأب باعتماد التوريث كمخرج لاختلاف أو تناقضات الأقليات في سورية. وأخطأ الابن بافتراض أن ضبط الداخل يحتاج إلى حليف (إيران) يعتبر بقاء النظام مكسباً إستراتيجياً له. لم ينتبه الى أن فرض التوريث بقوة السلاح من جانب أقلية صغيرة، وفي إطار جمهوري، وفي هذا العصر يجعل النظام في صدام مع الجميع، ويعيد سورية إلى ما كانت عليه: موضوعاً للصراع، وليس طرفاً فيه.

من هذه الزاوية، يبدو الحديث عن المؤامرة نوعاً من التذاكي الساذج، يكشفه طول قائمة المتآمرين: الجامعة العربية، ومجلس التعاون الخليجي، والاتحاد الأوروبي، وتركيا، والولايات المتحدة، وقبل هذا وذاك، الشعب السوري. إذا كان كل هؤلاء، وبخاصة الشعب السوري، متآمرين ضد النظام السوري، فمعنى ذلك أن هذا النظام قد ارتكب من الخطايا الجسيمة ما يبرر التآمر عليه، والتخلص منه. ومثله حديث النظام عن المقاومة والممانعة. هذا حديث له صفة اللغو، ويشبه شعارات البعث وخيباته. وإلا كيف يمكن التوفيق بين هذا الشعار وحقيقة أن النظام تخلى عن المقاومة منذ حوالي اربعين سنة، حتى للدفاع عن نفسه أمام اعتداءات إسرائيل، وانتهاكاتها للأجواء السورية؟ هذا هو الآخر غلالة شفافة لتغطية التوريث، وتحالف الأقليات كأساس اجتماعي له. وعندما يخسر نظام مثل هذا الحرب، فإنه لا يملك أكثر من إطالة قدرته على المقاومة، وبالتالي إطالة أمد المعركة، ورفع تكاليفها.

* اكاديمي وكاتب سعودي

=================

وقف القتل: مهمة عاجلة في سوريا

فايز سارة

الشرق الاوسط

20-11-2011

الأمر الجوهري في مبادرة جامعة الدول العربية وجهودها الحالية، يتجسد في السعي من أجل وقف القتل في سوريا والذي يصيب جمهورا جله من المدنيين العزل، وإن كان يصيب أيضا سوريين من العسكريين ومن في حكمهم، ويستحق هدف كهذا الاهتمام والدعم والتأييد، لأنه جهد يبذل لأول مرة من جانب هذه المنظمة العربية الجامعة، وهو يعكس اهتماما نوعيا من جانب الجامعة بمواطنين صاروا أهدافا معلنة لآلة قتل غاشمة وعمياء في أحد بلدان الجامعة، وهي التي اهتمت غالبا بالشؤون الرسمية أكثر مما اهتمت بالشؤون الشعبية بخلاف ما هي عليه مبادرتها الحالية، والتي تفتح الباب باتجاه التحول من جامعة للدول العربية إلى جامعة ذات اختصاص أوسع، يشمل الدول والشعوب العربية معا، ولهذا ربما يكون من الأسلم تسميتها ب«الجامعة العربية» منذ الآن وصاعدا بدلا من جامعة الدول العربية.

وإذا كانت الأسباب السابقة، تعطي للمبادرة والجهود التي تبذلها الجامعة العربية أهميتها وزخمها، فإن الأهم مما سبق، يكمن في محتوى المبادرة ذاته أي وقف القتل تمهيدا لإزالة الأسباب التي تؤدي إليه في إطار واقع العنف الواسع السائد. ذلك أن القتل الذي يتعرض له السوريون منذ ثمانية أشهر في إطار عملية عنف منظمة، يمثل خطرا كبيرا على كل السوريين وعلى الكيان السوري في واقعه ومستقبله.

إن خطورة القتل في الواقع السوري، لا تكمن في أرقامه، التي تجاوزت في الأرقام الموثقة الخمسة آلاف ضحية، والتقديرات تذهب إلى أبعد من ذلك بكثير خاصة إن أخذت بعين الاعتبار حالات الاختفاء القسري لآلاف السوريين الذين فشلت جهود أقاربهم في معرفة معلومات عنهم، وكذلك بفعل ظروف استثنائية شديدة العنف، رافقت عمليات اعتقال آلاف الأشخاص، وكلا الأمرين يرجح أن المختفين قسرا والذين اعتقلوا في ظروف استثنائية محاطة بعنف شديد، يمكن أن يكونوا في عداد القتلى.

ومما يجعل القتل في الدائرة الأشد خطرا يبدو في التفاصيل التي تحيط بأعمال القتل، إذن هو في الصورة العامة يمارس بطريقة علنية فجة، حيث توجه الأسلحة النارية مباشرة إلى صدور المتظاهرين، أو يتم فتح النيران الكثيفة عشوائيا على المناطق السكنية وفي الشوارع الآهلة بالناس في حالات اقتحام المدن والقرى، الأمر الذي أدى إلى مقتل أشخاص لمصادفة وجودهم هناك وفي المسافات المجدية للأسلحة، التي لم تقتصر في حالات الاقتحام على الأسلحة الفردية والخفيفة، بل شملت أسلحة مدرعات الجيش والمدفعية، كما أن بين التفاصيل المحيطة بعمليات القتل، ما يصيب المعتقلين من قتل يتم تحت التعذيب، وهناك عشرات الحالات الموثقة لمعتقلين تم قتلهم تحت التعذيب، والأفظع من ذلك، أن كثيرا من هؤلاء جرى التمثيل بجثثهم قبل أن يتم تسليم الجثث إلى ذويهم، وكأن هناك رغبة رسمية في إيصال رسالة خلاصتها أنه يمكن قتل المعتقلين والتمثيل بجثثهم طالما لم يرتدع الناس عن المشاركة في التظاهر وعمليات الاحتجاج.

ولا شك أن البيئة التي تتواصل فيها عمليات القتل تزيد من خطورة تلك العمليات، خاصة أن عمليات القتل تتم وسط بيئة من التحريض المباشر وغير المباشر، والغريب هو انخراط أجهزة إعلامية وسياسية رسمية في عمليات التحريض التي توجه نحو أشخاص ومناطق وجماعات، يتم التعبئة ضدهم في سياق خطاب متواصل منذ بدء الأحداث السورية قبل ثمانية أشهر، في وقت يتواصل فيه الاحتدام السياسي بين موقف السلطة في إصرارها على المضي بالحل الأمني/ العسكري دون الذهاب إلى معالجة سياسية، مقابل إصرار الشارع على متابعة مظاهراته واحتجاجاته مكثفا ومعمقا شعاراته في إسقاط النظام.

إن نتائج عمليات القتل وما صاحبها، ساهمت بصورة أساسية في تعزيز التصلب في مواقف طرفي الصراع. حيث دفعت عمليات القتل الأولى المتظاهرين في درعا وأماكن أخرى إلى توسيع مطالبهم، وعندما تم الرد عليهم باستمرار القتل وتوسيعه، قام المتظاهرون بتصعيد خطابهم وصولا إلى شعار إسقاط النظام الذي لم يكن موجودا في بدايات التظاهر، بل إن شعار المطالبة بالحماية الدولية لم يتم طرحه قبل عمليات الاجتياح الواسعة للمدن والقرى وزيادة حدة القتل فيهما خاصة في مدينة حمص، وذلك قبل أن تؤدي تلك العمليات إلى تزايد دعوات التسلح وعسكرة الثورة وبدء توترات ذات طابع ديني/ طائفي في بعض المدن والمناطق، والتي يقال إنها شهدت أعمال عنف طائفية محدودة، والتي كان الحراك السوري في أشهره الماضية أبعد ما يكون عنها.

إن استمرار القتل في تفاصيله وبيئته ونتائجه، ستكون له تأثيرات داخلية كبيرة بدأت ملامحها في صعود أخطار حرب داخلية، كما سيكون لها تأثيرات ملموسة على المحيط الإقليمي أقلها أن المجموعات التي يستهدفها القتل لها امتدادات متعددة عبر حدود سوريا مع جوارها، وهو ما يمكن أن ينقل الصراع إلى تلك البلدان إذا استمر القتل، دافعا إلى حرب داخلية في سوريا. ولأن الوضع على هذا المستوى من الخطورة، فإن هدف إيقاف القتل، بل إيقاف سياسة القمع الشاملة للقتل والجرح والاعتقال، ينبغي أن يكون هدفا عاجلا لكل الجهود من قبل كل الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، وهذا هدف مبادرة وجهود جامعة الدول العربية في الوقت الحالي إزاء سوريا.

=================

سوريا.. حديث الملك والعم!

طارق الحميد

الشرق الاوسط

20-11-2011

لا أعتقد أن نظاما عربيا تعرض للإهانة مثلما يتعرض النظام بسوريا اليوم، عائليا، وداخليا، وإقليميا، وحتى دوليا. ناهيك عن الموقف العربي. ونحن لا نتحدث عن حملات إعلامية، بل مواقف دول ومؤسسات.

عائليا صرح رفعت الأسد، عم بشار الأسد، وأيا كان الموقف منه، بتصريحات خطيرة، حيث كشف واقع الطائفة العلوية، والدوائر المقربة من النظام، حين قال إنها تشعر بالخوف، لكن لا أحد يجرؤ على الانتقاد، أو حتى الانشقاق، كما أنهم، أي الدوائر المقربة والطائفة، تخشى من الانتقام في المرحلة المقبلة، داعيا ابن أخيه، صراحة، لتسليم السلطة للشعب، وتصريحات العم تعد الأولى من نوعها؛ حيث تكشف عن خوف الطائفة والدوائر المقربة من النظام.

أما داخليا، بسوريا، فإن الشعارات المنددة بالنظام بلغت حدا غير مسبوق، ولم تحدث حتى لصدام حسين، أو مبارك، أو القذافي، والحكم هيبة بالطبع، بل وكما قال لي مسؤول عربي كبير عالم ببواطن الأمور في سوريا ودوائر صنع القرار فيها، فإن «المسافة بين نظام بشار الأسد ومعارضيه بالداخل باتت طويلة جدا، وغير قابلة للتقارب، حيث إنها كحجم المسافة بين اللسان والأذن بوجه الإنسان»!

عربيا، ها هي الجامعة العربية تطالب النظام الأسدي، وحكومته، بالاعتذار الرسمي، ليس عن عدم حمايته للسفارات العربية، وإنما عن «ما صدر من المندوب الدائم السوري تجاه مجلس الجامعة من عبارات نابية وغير دبلوماسية في اجتماع مجلس الجامعة بتاريخ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي»، وهذا ليس كل شيء، بل يكفي تأمل تصريحات صديق وحليف الأمس للنظام الأسدي الشيخ حمد بن جاسم، للنظام الأسدي؛ حيث حذره من اللف والدوران حول مقررات الجامعة العربية، وما يتم الاتفاق عليه معها!

وبعيدا عن الجامعة، لكن عربيا أيضا، قال العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني لتلفزيون «بي بي سي» إنه لو كان مكان الأسد لتنحى من الحكم، وهذا تصريح ليس من مسؤول عادي معروف عنه النزق أو الانفعال، بل إنه تصريح صادر من ملك عربي دائما وأبدا ما يتقي شرور النظام الأسدي، وطوال قرابة العشر سنوات الماضية؛ حيث عرف عنه أنه يحرص على الحكمة والتروي حيال كل ما يصدر من النظام الأسدي تجاه الأردن، وحتى الملك شخصيا، خصوصا أن النظام الأسدي لم يكن متعقلا أبدا تجاه الأردن ومليكه طوال تلك الفترة!

وبالطبع لا بد من تذكر أمر مهم جدا هنا وهو الخطاب التاريخي للعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز حول ضرورة وقف آلة القتل بسوريا، وهو التعبير الذي بات سائدا اليوم، هذا عدا عن سحب السفير السعودي من دمشق، وقبل أميركا وفرنسا.

وهناك بالطبع الموقف التركي المتصاعد، الذي بلغ حد مخاطبة رئيس الوزراء التركي أردوغان، الحليف السابق للنظام الأسدي، بشار الأسد بالقول «أنت يا بشار»! وبالطبع هناك المواقف الأوروبية والأميركية. وعليه، وبعد كل ما سبق، فإن المتبقي للنظام الأسدي الآن هو لحظة إسدال الستار، لا أكثر ولا أقل، سواء طال الزمان أم قصر.

=================

عن خلافات المعارضة السورية وتوافقاتها!

اكرم البني

الشرق الاوسط

20-11-2011

بعيدا عن الاتهامات والشتائم والانفعالات السياسية التي تسم كثيرا من ردود الفعل والتعليقات حول الخلاف الناشئ بين الكتلتين الرئيسيتين من المعارضة السورية، المجلس الوطني وهيئة التنسيق، من الطبيعي أن تتعرض هذه المعارضة لنقد جريء وحازم بسبب استمرار انقسامها وتأخرها عن التفاعل مع مطالب الشارع المنتفض وطموحاته، لكن ما ليس طبيعيا هو المبالغة في تحميل هذا الخلاف كل المسؤولية واعتباره أشبه بكارثة الكوارث وأم المشكلات دون احترام لحق التباين في الرأي والاجتهاد بين أطرافها ومشروعية تعدد المواقف، ودون تقدير لحقيقة يفترض أن لا تغيب عن الأذهان، بأن ليس ثمة معارضة في أي بقعة من العالم هي معارضة موحدة ومنسجمة ومتراصة الصفوف دائما!

إشهار هذه الحقيقة لا يعني أبدا أن المعارضة السورية بخير وعافية، مثلما لا يعفيها من المسؤولية فيما تعانيه من انقسامات وإرباكات، أو من مثالب وأمراض بعضها قديم قدم نشأتها وبعضها حديث حداثة التحديات المستجدة التي تعترضها.

ثمة أسباب تعود إلى الطبيعة التكوينية للمعارضة السورية التي تتشكل من خليط غير متجانس ينحدر من منابت سياسية شديدة التنوع، وتستند غالبية تنظيماتها إلى مرجعيات شمولية أو أقرب إلى الشمولية، غابت عنها عملية البناء والتربية الديمقراطية ردحا طويلا، بل ولنقل إن معظمها لا يزال عمليا عاجزا عن التحرر، إن لم نقل مترددا في نفض يده من ثوابت إيديولوجية وفكرية عفّى عليها الزمن وغدت تتناقض مع جوهر الفكر الديمقراطي وروحه، كما لا يزال دورها ضعيفا في بناء ثقافة الديمقراطية ونشرها، بصفتها مجازا ثقافة المعارضة والتي يفتقدها المجتمع السوري، مثلما لا يزال بعضها يصوغ مواقفه السياسية والتنظيمية بدلالة الحسابات الذاتية والمصالح الحزبية، ولا يزال فيها من يدعي ملكيته الحق التاريخي في الزعامة والريادة، وربما لا يتوانى عن استخدام وسائل فوقية وسلطوية إن صح التعبير، يعيبها على غيره، في السيطرة وفي تعامله مع الرأي المختلف.

وثمة أسباب تعود اليوم إلى تباين مواقف أطراف المعارضة السورية في قراءتها للمتغيرات الحاصلة ودرجة قربها أو بعدها من الشارع الجماهيري، وتاليا تفاوت استعدادها لحمل مطالب الناس والاستجابة لطموحاتها، فهتاف «الشعب يريد» هو المفتاح، ويبدو أن الأقرب إلى الناس من يمسك جيدا بهذا الشعار، فالذي يحدث في سوريا هو أشبه بانتفاضة عفوية لم يحضر لها إراديا ولم تخطط لها قيادات كاريزمية، بل بدا جليا انحسار دور الأحزاب وضعف فاعليتها في تحريك الشارع وقيادته، بينما تقدمت الصفوف مجموعات شبابية لا ماضي سياسيا لها، أمسكت زمام المبادرة ونالت ثقة الناس بسلوكها اليومي المثابر واستعدادها العالي للتضحية، وهي من يقرر دعم واعتماد هذا الطرف المعارض أو ذاك، الأمر الذي يفسر قربها من المجلس الوطني بسبب تبنيه معظم أطروحاتها وشعاراتها.

ولا يقف الخلاف عند الحدود السابقة، بل ينعكس في نقطتين هامتين؛ النقطة الأولى مدى جذرية الموقف من النظام السياسي الراهن بين من يتبنى الموقف الشعبي الداعي إلى إطاحة النظام بكافة أركانه ومكوناته وهو ما حملته قرارات المجلس الوطني السوري وبين من يسعى إلى تغيير، يعتبره جذريا، يكرس قواعد الحياة الديمقراطية التي يدعو إليها لكن ضمن رهان على مشاركة متفاوتة من قبل أهل الحكم أو بعض أركانه، كما تعلن أطراف من هيئة التنسيق الوطني، فالتباين في التواصل مع الجمهور المنتفض، أفضى إلى تباين بين لغة الناس والتنسيقيات التي تبنت شعار إسقاط النظام وبين النزعة الإصلاحية المعروفة تاريخيا لهيئة التنسيق الوطني، حتى إن شعارها عن إسقاط النظام الاستبدادي الأمني الفاسد فسر على أنه دعوة لإسقاط النهج كصيغة من صيغ الرهان على تغيير النظام وإصلاحه وليس إسقاط أركانه!

والنقطة الثانية هي تباينات تصل الى حد التناقض أحيانا حول موضوع التدخل الخارجي ودوره في حماية المدنيين العزل وتعديل توازنات القوى القائمة بما يفسح في المجال لتطور الانتفاضة الشعبية بصورة أكثر اتساعا وجدوى، وإذ تتفق رؤى جميع المعارضين على رفض التدخل الخارجي العسكري وتعترف بأن التطورات العالمية الراهنة منحت العوامل الخارجية دورا كبيرا في تقرير مصير الكثير من الأزمات الإقليمية والصراعات المحلية، لكن ثمة تباين حول طابع هذا الدور وحدوده، بين من يرغب في أن يقتصر على الضغوط السياسية أو الاقتصادية، وبين من يفضله عربيا وعبر مراقبين حقوقيين وإعلاميين، وبين من يريده تحت مظلة الأمم المتحدة ومجلس الأمن!

واستدراكا، لا يمكن لأحد أن ينكر، وعلى الرغم من الخلافات السابقة، أن أطراف المعارضة السورية تتفق جميعها على رفض الواقع القائم، وتحميل النظام السوري كامل المسؤولية فيما آلت إليه أحوال البلاد، وتتفق تاليا، على أن موضوع وهدف السوريين الآن، هو الانتقال بالبلاد من حالة الاستبداد إلى الديمقراطية، عبر بناء الدولة المدنية الحديثة، المؤسسة على عقد اجتماعي يتجسد في دستور جديد، يكفل التعددية وتداول السلطة، واحترام حقوق الإنسان والالتزام بالشرائع والمواثيق العالمية والأهم احترام خصوصية مكونات المجتمع السوري القومية والطائفية والمذهبية على قاعدة المواطنة والحقوق المتساوية، مثلما لا يمكن لأحد أن ينكر إصرار جميع أطراف المعارضة على دعم الحراك الشعبي وكل أشكال المظاهرات والاحتجاجات السلمية، وعلى نبذ العنف ورفض الحل الأمني والعسكري، وإلحاحها على سحب الجيش من المدن والأحياء وكف يد الأجهزة الأمنية، وإطلاق سراح كافة المعتقلين، وأيضا توافقها على رفض التسعير الطائفي ونبذ الفكر التصفوي والثأري، ورفض كل أشكال الإصلاحات الترقيعية أو الجزئية، التي يحاول النظام من خلالها الالتفاف على الأزمة.

نعم، ثمة عيوب ومثالب تكتنف المعارضة السورية وتشكل عائقا أمام إلحاح توحيد صفوفها، لكن يفترض في ظل الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد وأمام اتساع ساحة توافقاتها، أن ترتقي بروح المسؤولية وأن تسعى على الأقل لتوحيد إيقاع سياساتها وممارساتها خاصة لجهة تمكين الانتفاضة الشعبية ومدها بأسباب الدعم وبإجابات واضحة حول نهج استمرارها وأساليبها وأدواتها، وأيضا لجهة بلورة خطاب مشترك أمام الرأي العام يظهر صحة تنوع العمل المعارض وتباين أدواره ولطمأنة الجميع، خاصة القطاعات المترددة، على أهداف الانتفاضة وغايتها، وتحديدا على المرحلة الانتقالية والخطوات الأجدى لوضع البلاد بأقل تكلفة وآلام في مسار التغيير الديمقراطي المنشود.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ