ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 19/11/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

المسيرات الموالية في سوريا نقيض الديموقراطية

شمس الدين الكيلاني

المستقبل - الجمعة 18 تشرين الثاني 2011 - العدد 4177 - رأي و فكر - صفحة 19

دأبت السلطات السورية على تنظيم مسيرات عارمة مُكلفة لخزينة الدولة ولحياة الناس النفسية والجسدية ولكراماتهم . تتوقف فيها الأعمال في الجامعات والمدارس والمستشفيات والمصانع، لتصب كلها في هدف واحد تسيير الناس إلى وسط المدينة، مترافقة برقابة لصيقة متلازمة بالتهديد والعقاب.من (الواجب) أيضاً، أن تحشد شركات القطاع الخاص عامليها، وأن يصطحب جميع العاملين معهم الأعلام واللافتات والعناوين الكبرى.وأن يتعمدوا إظهار ولائهم ،بصرف النظر عن مشاعرهم الحقيقية،فالنفاق هو السمة الأولى للمجتمعات المقهورة.

المسيرات مثل الاستفتاءات على مرشَّح واحد هي أيام إذلال اعتاد عليها السوريون،ليس بمعنى الاستسهال للذل،بل بمعنى الخبرة المُزمنة لها .هي أيام صعبة يتعرض فيها الناس للفحص عن شدة ولائهم، ولمقدرته على إخفاء مشاعرهم الحقيقية لمصلحة مشاعر زائفة احتفالية تُجنب المرء المخاطر(يوم ويمضي!). وربما تقتضي مشاركة المرء بالمسيرة أن يقوم بأعمال لا يقوم بها عادة:الرقص في الشوارع العامة والدبكة، والتقصير هنا لا يُغتفر مع الموظف الصغير أو الوزير. فالأفراد متساوون في الخوف.المسيرة تشبه إلى حد كبير (يوم العمل الطوعي)، الذي تُخصِّصه نقابة العمال السلطوية،في أحد أيام عطلة الجمعة، ليقوم به العمال بالشغل، وذلك لإثبات ولائهم ووطنيتهم.والمفارقة هنا أن اليوم(الطوعي) هو أشد أيام العمل إجباراً بالنسبة للعامل.فعلى من يغيب تحمُّل الوزر والحساب! هذا الإجبار والقسر والإذلال هو ما يجمع بين العمل الطوعي ويوم المسيرة.

غير أن المسيرات ،في هذه الأيام ، ترتدي معاني إضافية غريبة عن منطقها ومقاصدها المعتادة.إذ يُراد بها- بالإضافة إلى إثبات شعبية وشرعية النظام- أن تُثبت أن الشعب المُسيَّر يساند (الإصلاح) الذي تقوم به السلطة!مع أن كل ما تتضمنه المسيرة من معاني ،منطقية وتجريبية، يتعارض ومعاني الإصلاح .فإذا كانت من معاني الإصلاح الانفتاح على التنوع والحرية والاعتراف بالآخر واحتمال الإفضاء إلى الديمقراطية،فإن المسيرة ما هي إلَّا استمرار لمنطق القسر والتسلط والهيمنة والتعامل مع الشعب كرعية مسلوبة الإرادة ،تُسيِّره السلطة كما تشاء وتتصرف بأمواله بما ترغب.

تقوم المسيرات في المحافظات المختلفة على التوالي. تهيئ لها السلطة بأجهزتها الكثيرة لأيام طوال. تُسخِّر لذلك مؤسسات الدولة المالية والاقتصادية والفنية. تقوم كل وزارة ومؤسسة بما يتوجب عليها: وزارة الكهرباء تتولى تركيب الأبراج الكهربائية العظيمة لإضائة الساحة ،وتُصنِّع وزارة الصناعة اللوحات العملاقات للصور وللإعلانات، ولوحات بنحبك،وعلى مؤسسات أخرى تحضير الصور العظيمة التي تليق بالمقام دون اكتراث بالتكلفة،وتحضير الشعارات الكبير التي تؤكد على استمرار تمسك (المسيرة) بالقيادة إلى الأبد ،وعلى رفع مستوى هذه القيادة إلى مصاف القداسة. تهيئ السلطة مسرح كبير للخطابة لرجالها وضيوفها ونجومها، وتقوم بتوفيروسائل النقل لاستقدام موظفي الدولة وعمالها ،و شغيلة المؤسسات الخاصة، وطلاب المدارس ومعلميهم.وموظفي المستشفيات والممرضين والممرضات والأطباء تحت طائلة الجزاء اللازم! كما أن من (واجب) التجار الكبار ورجال الأعمال الكبار والصغار أن يُبرهنوا عن ولائهم وعن حبهم (للإصلاح) بتوفير أسباب النجاح لهذه المسيةر، وإلَّا !وهذه ال (إلّا) تكبر طرداً مع توسع الثروة والثراء، وهو ما يدل على أن جوهر العلاقة بين السلطة ورجال الأعمال تقوم على (القهر) والتبعية، فلا شراكة بينهم على السلطة والقوة بل على المال. ثم تأتي النجدة والدعم من المحافظات الأخرى بباصات وقطارات تحمل الأعوان والشبيحة وقوى الأمن. وتقوم الأجهزة الأمنية ،خلال ذلك،بدور محوري، في تنظيم الناس وتسييرهم بالترهيب والترغيب.

إذا أخذنا المسيرة من زاوية منطقية ،نجدها تقف على النقيض من فكرة الإصلاح: فاسم المسيرة نفسه ينضح بمعناها القسري. هي على النقيض من المظاهرة التي يشارك فيها أناس أحرار بمحض اختيارهم بقصد الضغط على السلطة من خلال تجمُّعهم لتستجيب لمطالبهم ،وهم مستعدون للتضحية التي قد تصل، في ما يخص بالمتظاهر السوري، إلى الموت أو الاعتقال المفتوح. بينما تحيط بالمسيرة قوى الضبط والقمع والرقابة السلطوية ،يصاحبها الوعد والوعيد.فكل موظف وعامل عليه أن يتهيأ لتبعات تخلفه عن تقديم واجب الولاء ،والتصدي للمؤامرة الكونية التي تستهدف سوريا الصمود والممانعة!

كما أن الشعارات التي تعلنها المسيرة، لاسيما تلك الشعارات التي ترفع القيادة إلى مصاف القداسة ،والدعوة لبقائها إلى الأبد، تنافي الإصلاح الذي يفترض التجديد والتنوع والتعددية وتداول السلطة. عالم (المسيرة) عالم مغلق لا يقبل الصوت الآخر ولا الرأي الآخر، ولا المشاركة ، ولا مبدأ التداول والمشاورة. الآخر بالنسبة لمن يقود المُسيَّرين عدو متآمر يجب الإجهاز علية لا يمكن التعايش معه أو محاورته. فإذا كانت (المظاهرة) مع حق التعبير الحر هي عنوان الديمقراطي، فإن المسيرة ،والاستفتاء على مرشح واحد ،ويوم العمل الطوعي هي العناوين البارزة للاستبداد. ولا تستقيم مع الإصلاح.

أما إذا أخذنا المسيرة في واقعها التجريبي ،فإننا نجد رجال السلطة،يبيحون لأنفسهم تسخير الدولة ومقدراتها لمصلحتهم وللتبجيل بقادتهم، وكأن الدولة بما بمؤسساتها كافة هي ملكية خاصة لرجال الحكم! يسخِّرون كل مقدرات الدولة الاقتصادية والسياسية والقضائية والمالية وقوى الضبط والقسر الاجتماعيين، لتحشيد الموظفين ،بما يصاحب ذلك من توقف العمل الإنتاجي في كافة المجالات. كما يتعرض الرجال والنساء أثناءها إلى شتى أشكال الترهيب من الأجهزة الأمنية والإدارة ،وإلى تغذية مخاوفهم من تبعات التخلُّف عن المشاركة. وهذه الأمور تناقض الإصلاح والديمقراطية التي لا تستقيم إلاَّ بأن يتم الفصل بين السلطة ومؤسسات الدولة،وأن يتصرّف رجال الحكم باعتبار الدولة ومؤسساتها ليستا ملكية خاصة لهم، علاقتهم بها ينظمها القانون فقط.وأن يختفي القسر من منطق تعامل السلطة مع الناس.

فهل يمكننا أن نتخيل أن تقوم ميركل أو ساركوزي أو أوباما بتسخير مؤسسة الشرطة والجيش ،وبتعطيل المعامل والمصانع لحشد عمالها وموظفيها ،واستخدام المواصلات البرية والبحرية للقيام بمسيرة من أجل إظهار التأييد لهم؟ هذا طبعاً أمر مستحيل، لأن (المسيرة) لا تستقيم مع الديمقراطية ،وبالتالي مع الإصلاح الديمقراطي. المسيرة هي عمل قسري منظم تقوم به السلطة والدولة بكل جبروتهما، وبطريقة سافرة، لإهدار كرامة الفرد والجماعة ولحريتهما. بل أن إحدى العلائم الابتدائية للإصلاح، هي إلغاء يوم العمل الطوعي،والاستفتاء على مرشح واحد، والمسيرة

================

لماذا لن تقيم تركيا «منطقة عازلة» داخل سوريا؟

محمد نور الدين

السفير

18-11-2011

ظهر موقفان في الساعات القليلة الماضية يعكسان تشويشا وارتباكا وربما إحباطا في الموقف من «المسألة السورية»، ولا سيما لجهة احتمالات التدخل العسكري التركي وإقامة منطقة عازلة تكرر الكلام حولها كثيرا في الآونة الأخيرة.

الموقف الأول من رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان الذي انتقد الغرب لعدم تعامله مع الأزمة في سوريا كما تعامل مع ليبيا، أي بحزم وصولا إلى تدخل عسكري أممي أو «أطلسي». وقد عزا اردوغان عدم اهتمام الغرب بسوريا لأنه لا يوجد فيها نفط وثروات.

أما الموقف الثاني فكان من جانب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا محمد رياض الشقفة، خلال مؤتمر في اسطنبول، دعا فيه تركيا إلى التدخل العسكري ولو بمفردها.

ويحمل الموقفان التباسات متعددة منها أن الغرب، بعكس ما قال اردوغان، مهتم جدا بالوضع السوري شأنه شأن تركيا بل اهتم بها أكثر بكثير من ليبيا. لكن المشكلة أن الغرب، كما تركيا، قد اصطدم رهانهما على تدخل عسكري دولي في سوريا بالفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن، ولولا ذلك لكانت طائرات حلف شمال الأطلسي ومعها الطائرات التركية تصول في سماء سوريا وبوارجهما تقف قبالة اللاذقية والقرداحة.

اما الدعوة للتدخل العسكري التركي في سوريا انطلاقا من اقامة منطقة عازلة فدونها شروط غير قابلة للتحقق في هذه المرحلة. ونسجل هنا الملاحظات الاتية:

1 إن أية منطقة عازلة ستكون بالطبع داخل الاراضي السورية، وليس داخل الأراضي التركية.

2 إنها ستكون مخصصة للنازحين السوريين الهاربين من ملاحقة الجيش السوري. وتركيا كررت أكثر من مرة أن إقامة هذه المنطقة تستوجب حصول موجات هجرة كبيرة بمئات الآلاف، وهذه غير متحققة حتى الآن ولا يتوقع أن تتحقق في المدى المنظور.

3 إن إقامة هذه المنطقة تعني أنها تحتاج للحماية من هجمات الجيش السوري برا وجوا وربما بحرا. وهذا يفيد اضطلاع قوات عسكرية أجنبية بحماية هذه المنطقة.

4 إن ذلك يتطلب بالنسبة لتركيا خيارا من اثنين: صدور قرار عن مجلس الأمن على غرار القرار بشأن ليبيا وهذا يبدو غير متوقع في المدى المنظور في ظل الفيتو الروسي والصيني واحتمال استمراره. أما الخيار الثاني فهو صدور قرار من حلف شمال الأطلسي تشارك فيه تركيا كونها عضوا في الحلف ومثل هذا القرار أيضا غير متوقع قريبا.

5 وحدها فوضى شاملة في سوريا وخروج المناطق عن سيطرة السلطة المركزية توفر لأنقرة ذريعة لتدخل عسكري منفرد من جانبها في سوريا بمعزل عن منطقة عازلة أو غير عازلة، وذلك تخوفا وتطويقا لظهور أية «حالة كردية» انفصالية في شمال سوريا تشكل تهديدا للأمن القومي التركي ووحدة التراب التركي عبر اتصالها الجغرافي بالمنطقة الكردية في تركيا، وصولا إلى إقامة ممر كردي يصل جبال قنديل في العراق إلى ضفاف المتوسط وفي ذلك قطع للجغرافيا التركية عن الجغرافيا العربية بالكامل.

6 في ظل استحالة أو استبعاد كل الاحتمالات السابقة حتى الآن، من غير المتوقع أن يغامر، أو يقامر، اردوغان وحكومته وجيشه، باتخاذ قرار التدخل العسكري المنفرد لإقامة منطقة عازلة داخل سوريا. وما يؤكد استحالة ذلك هو الخطاب المحبط الذي خرج به اردوغان بالأمس ويأس المعارضة السورية في الخارج من تدخل عسكري دولي وتحريضها أنقرة على التدخل المنفرد... المستحيل.

================

ماذا لو قرّرت سوريا المواجهة في لبنان وعبره؟

مازن حايك

النهار

18-11-2011

 حقاً، ماذا لو قرّرت سوريا فعلاً مواجهة المجتمع الدولي والعربي في لبنان، وعبره؟! سؤال يُطرح في ظل التداعيات المتّصلة بعزلة سوريا المُتزايدة، والحِراك الشعبي المتواصل فيها، وشُغور مقعدها في اجتماع الدول العربية في الرباط، وتَجاهُل دعوتها الى عقد قمّة عربية... والاحتقان اللبناني الناتج عن تصويت وزير الخارجية "ضد" قرار وزراء الخارجية العرب في القاهرة القاضي بتعليق عضوية سوريا وسحب السفراء منها، عوضاً عن "الامتناع"، التزاماً بموقف تحييد لبنان عن انعكاسات الأزمة السورية، واحتراماً ل "الإجماع العربي"، وإيماناً ب "الربيع العربي" والتجربة الديموقراطية في بلد الأرز.

 قيل الكثير، همساً وغمزاً، عما يُمكن أن يكون عليه الأمر لو "امتنع" لبنان أو تجرّأ على التصويت "مع" القرار العربي الأخير... بمعنى، أن تكلفة "وقفة عزّ" لبنانية كهذه، يُمكن أن تكون أغلى ثمناً على البلد والمجتمع الدولي والعربي الموجود فيه، مما هي عليه اليوم. فالجميع يعلم، وبمَن فيهم أشدّ المعارضين للنظام السوري، أنه إذا قرّرت سوريا يوماً المواجهة مع العالم والعرب، فهي لن تَجد سوى لبنان مسرحاً وحيداً ومُفضَّلاً لها، سبق أن اختبرته في المواجهة بالوساطة! وعندها، سيدفع لبنان الثمن، مرّة أخرى، من مصلحته الوطنية، وأمنه، واستقراره، وسلامة مواطنيه، واقتصاده، ومعه المَصالِح الغربية والعربية المُقيمة فيه، والسريعة الانتقال منه. هكذا سيناريو يُذكِّر بالماضي الأليم، ويُنبّه إلى واقع كون لبنان "الحلقة الأضعف" الأكثر تأثُّراً بتداعيات الوضع في سوريا، من حيث امتداداته اللبنانية، المسلّحة منها وغير المسلّحة، وارتداداته على الدولة اللبنانية ومؤسساتها وأجهزتها... وخصوصاً، على ما تبقّى لها من هيبة!

 في المُحصّلة، إذا قرّرت سوريا المواجهة، في لبنان وعبره، يُمكنها لعب أوراق "اللحظة الأخيرة"، وإلحاق الضرر الفادح بالجميع، حلفاء وخصوما، من دون استثناء. لكن، حتى مع هكذا خيار، لن يكون من السهل على سوريا هذه المرّة تغيير وضعها الداخلي، أو رسملة سياسة خارجية باتت فاقدة الصلاحيّة ومكشوفة لدى الدول الغربية والعربية. ومن غير المحسوم أيضاً أنها ستتمكّن من استغلال الفوضى المُستتبَعة في لبنان لمصلحتها، سعياً لاستعادة دور "الشرطي – الإطفائي"، الذي أُوكِل إليها – أو أَوكَلَته الى نفسها ذات مرّة، والذي صار المجتمع الدولي في غنىً عن خدماته، وغير مُستعِدّ لمكافأته، كما في السابق.

 عسى ألاّ يدفع لبنان، كما في كل مرّة، ثمن حروب الآخرين وصراعاتهم والرهانات، وأن نتذكَّر: "عند تغيير الدول، احفظ راسك"... عالياً، لكن حافظ على بلدك... أولاً!

================

قميص عثمان السوري؟!

راجح الخوري

النهار

18-11-2011

لا معنى لمهلة الأيام الثلاثة التي اعطتها جامعة الدول العربية لسوريا كي توقع بروتوكول بعثة المراقبين لمعاينة تنفيذ "المبادرة العربية" ووقف الأزمة الدموية المتصاعدة ، لأن وزير الخارجية السوري وليد المعلم كان قد اعلن قبل يومين "ترحيب دمشق بقدوم اللجنة الوزارية العربية وبمن تراه ملائماً من مراقبين وخبراء مدنيين وعسكريين ووسائل اعلام، للاطلاع على ما يجري والإشراف على تنفيذ المبادرة بالتعاون مع السلطات السورية المعنية". هذا الكلام يبدو وكأنه موافقة مسبقة على قرار الجامعة!

الموافقة على استقبال المراقبين، لا تعني انهم سينزلون في دمشق بعد ثلاثة ايام كما قد يخال المستعجلون. اولاً لأن تشكيلهم يتطلب وقتاً طويلاً ومعاناة اطول من نبيل العربي، الذي سيحار من أي بلدان سيشكلهم وهل تقبل دمشق بما يحملونه من هويات و"سياسات"، وثانياً وهو الاهم لأنهم لن يركبوا بساط الريح الى سوريا إلا " بعد توقيع الحكومة السورية البروتوكول وبعد وقف كل اعمال القتل والعنف".

 واذا كان التوقيع لا يتطلب اكثر من "شحطة قلم"، فان وقف العنف والقتل مسألة عويصة ومعقدة جداً، وخصوصاً في ظل الوضع الميداني الملتهب وقياساً بطوفان الآلام التي تغرق المناطق السورية وتطبق على كثير من بيوت السوريين وقلوبهم. هذا يعني ان تشكيل بعثة المراقبين وإرسالهم الى سوريا يتطلبان وقتاً لا يقاس بالايام بل بالأسابيع وربما بالاشهر، لأن سحب الدبابات من المدن والمناطق وإزالة المظاهر المسلحة واطلاق المعتقلين لا يمكن ان يتم بين ليلة وضحاها.

ان مهمة المراقبين هي الاشراف على تنفيذ "المبادرة العربية"، وهذا يعني ان لا معنى لوصولهم الى سوريا قبل البدء بتنفيذ بنودها التي تنص على: "وقف كل اعمال العنف من أي مصدر كان (ليس سهلاً تحديد هذه المصادر بعد ثمانية اشهر من النار والدمار والانشقاقات العسكرية) وإخلاء المدن والاحياء السكنية من كل المظاهر المسلحة والافراج عن المعتقلين وفتح المجال امام المراقبين ووسائل الاعلام العربية والدولية للتنقل بحرية في جميع انحاء البلاد، للاطلاع على حقيقة الاوضاع هناك". فهل هناك من يظن ان هؤلاء المراقبين سيتمكنون من الذهاب الى سوريا قبل ثلاثة اشهر على الاقل؟

 السؤال الأكثر دقة وحساسية: هل هناك من يشك في انه حتى لو تم كل شيء كما يتمنى المخلصون، أي تنفيذ "المبادرة العربية"، فهل من السهل الدخول في مسار اصلاحي من شأنه تغيير النظام في نهاية الامر، وهو ما لا تقبل المعارضة بأقل منه بعد كل ما سال من الدماء؟

كل هذا ليس خافياً على احد، لكن عندما يقال في الرباط ان العرب "قاربوا نهاية الطريق" بالنسبة الى سوريا، فهذا يعني انهم نفضوا او سينفضون قميص عثمان من النظام، تبرئة للذمة وتحسباً للآتي الذي لن يتحملوه كما فعلوا في ليبيا!

================

المثقفون والسلطة في سوريا.. شهادة شخصية

عريب الرنتاوي

الدستور

18-11-2011

تأخذنا الأزمة السورية إلى بعض التجارب والذكريات “الطازجة”، ننتقي منها ما يكفي فقط، للإضاءة على الكيفية التي يتعامل فيها النظام، مع مثقفي سوريا ومفكريها، قبل وبعد “المؤامرة” التي تعرض “القطر” لثنيه عن موقفه “المقاوم والممانع”، وفقاً للرواية الرسمية، وبالأخص، طبعاتها المحلية الأكثر تهافتاً في الأردن ولبنان.

في العام 2005، كان السيد كمال اللبواني، الذي أفرج عنه مؤخراً، بعد أن أمضى سنوات ست في السجن، من بين خمسين شخصية سياسية عربية دولية، دعاها مركز القدس للدراسات السياسية للمشاركة في مؤتمر في عمان، عُقد تحت عنوان “نحو خطاب إسلامي ديمقراطي مدني”، اللبواني رحب بالدعوة وأكد على المشاركة، لكن اتصالنا به انقطع فجأة، قبل أن يخبرنا أهل بيته، بأن زوّار الفجر، اقتادوه إلى حيث سيمكث ست سنوات خلف القبضان وفي الأقبية المعتمة، اللبواني ضبط متلبساً بالقلم والورقة، وقيل أيضاً أنه ضبط بحوزته لاب توب وتلفون خلوي وخط انترنت، وجميعها كما هو معروف “أدوات للمؤامرة والتآمر”، أربعة مؤتمرات عقدت من ضمن السلسلة ذاتها، وتحت العنوان ذاته، ولم يتمكن اللبواني من أن يشارك في أي منها، نبارك له حريته، ونحمد الله على سلامته.

بعدها بفترة وجيزة، كان أكرم البني يشارك في عمان، في مؤتمر تأسيسي ل”شبكة الإصلاح والتغيير الديمقراطية في العالم العربي”، نظمه مركز مركز القدس للدراسات السياسية، ولقد كان حضوره مثيراً للانطباع حقاً، حتى أنه أختير ليكون ممثلا عن سوريا في لجنة المتابعة المنبثقة عن المؤتمر، البني لم يتمكن من حضور أي من اجتماعات اللجنة أو مؤتمرات الشبكة اللاحقة، والسبب أنه اقتيد هو الآخر، إلى حيث كان يقبع كمال اللبواني، وظل هناك حتى أفرج عنه، مؤخرا، ليكمل بذلك عقدين كاملين من الاعتقالات المتعاقبة.

في أواخر آذار الفائت، وقبل أن تتفاقم “الثورة/ المؤامرة” في سوريا وعليها، كان الأستاذ عمر كوش، يشارك في “أيام دراسية”، نظمها مركز القدس للدراسات السياسية إلى أنقرة، لإطلاع عشرات المشاركين من 16 دولة عربية، من نواب وأكاديميين وقادة أحزاب سياسية، على بعض فصول وأوجه التجربة التركية، ولقد كان حضور الأستاذ كوش هادئاً ونبيلاً، لكأن الرجل في “عقله الباطن” كان يدرك ما ينتظره في رحلة العودة، اتصلنا به للاطمئنان عليه، فإذا بزوجته الفاضلة تخبرنا، بأن زوجها التحق بركب الألوف الذي أغلقت خلفهم أبواب السجون والزنازين، لطف الله بالأستاذ كوش، ولم يمض سوى أسابيع ثلاثة عجافا في السجن، أي أنه قضى في “بيت خالته” ثلاثة أيام مقابل كل يوم دراسي قضاه معنا في تركيا، والجرم أنه كان في تركيا حيث تحاك” المؤامرات” وتنسج “الشباك” ل”القطر” و”القطرية”.

قبل أسابيع، وجّه المركز ذاته، رقاع الدعوة لعدد وافر من نشطاء المعارضة السورية في الداخل للمشاركة في مؤتمر نظمه في عمان حول “ربيع العرب”، تحمس الأخوة والأصدقاء والزملاء للمشاركة، وحزموا حقائبهم، لكن أياً منهم لم يتمكن من مغادرة الأراضي السورية، إذ جاءت التعليمات بمنع السفر، خصوصا إلى الأردن، الذي يصنف في عداد الدول المعادية على ما يبدو، شأنه في ذلك شأن تركيا، هؤلاء المعارضون/ المتآمرون، ظلوا هدفاً للاعتقال والملاحقة والتهديد، قبل أن تنبثق معارضة أشد تطرفاً، فيطلق على أصدقائنا اسم “المعارضة الوطنية”، هؤلاء لم يكتسبوا صفة الوطنية، إلا بعد أن امتشقت “معارضات” أخرى السلاح وشعار “إرحل، إرحل يا بشار”.

هذا ما يحضرني، من الذاكرة “الطازجة” و”التجربة الشخصية”خلال سنوات “الانفتاح” الخمس الأخيرة فقط، والمؤكد أنه غيضٌ من فيضِ ما كان مثقفو سوريا ومفكروها يواجهونه من قبل نظامهم، وكلي ثقة بأن مئات القصص والحكايا الأشد قسوة، يمكن أن يرويها آخرون عن تجارب أشد هولاً وفظاعة مما ذكرت، وأنا أعرف الكثير من هذه القصص التي لم أكن طرفاً فيها، لكني في هذه العجالة آثرت أن أقدم “شهادة شخصية” لا أكثر ولا أقل.

إن كانت “المؤامرة” التي تتعرض لها سوريا، هي من طراز ما يفكر به اللبواني والبني وكوش وعشرات من أقرانهم وزملائهم، فأهلا ب”المؤامرة” ومرحى ب”المتآمرين”، هؤلاء وأقرانهم كعارف دليلة وميشيل كيلو وحسين العدوات وفايز سارة وعشرات من المفكرين الذين أعتذر عن ذكر أسمائهم لضيق المساحة والمكان، هم ضمير وصوتها وشرفها، هؤلاء ومئات المناضلين الذين أكلت السجون زهرة شبابهم وقصفت أعمار الكثيرين منهم، هم وجه سوريا المشرق، أما المؤامرة فهي في تغييبهم، والمتآمرون على سوريا هم من قرروا إقصاءهم إلى أقبية الزنازين ودنيا المنافي وتراب القبور، هكذا هي المعادلة، بكل بساطة، لا أكثر ولا أقل.

================

هل التدخل الدولي الذي يستدعيه النظام .. مطلب الشارع السوري؟

محمود الزيبق

2011-11-17

القدس العربي

إن أي مدقق في حقيقة مطلب الشارع السوري سيجد أنه رفع آلة القتل عنه وإيقاف نهر الدماء النازف يوميا في شوارعه وجرائم الاختطاف والتعذيب التي تمارسها اجهزة النظام بهمجية ممنهجة، ومن ثم سقوط نظام الأسد.

ولكن الملاحظ أن بعض المصطلحات تسرق المطلب السوري إلى زاويتها مؤخرا .. إذ كثيرا ما تتردد عبارات 'الحظر الجوي' أو 'التدخل الأجنبي' كمرادف أو حتى مطابق لحماية المدنيين وانتقلت من ساحات القنوات الإعلامية وبرامج الحوار إلى لافتات الثوار على الأرض وهتافاتهم ..

لا شك ان اهم العوامل لانتشار هذين المصطلحين توصيفا لمطلب حماية المدنيين هو نجاحهما نوعا ما في النموذج الليبي الذي ظهر كنصر ناصع للثوار تكلل بمقتل ديكتاتور ليبيا.. يضاف إلى ذلك أن الذين يطرحون الحلول لإنقاذ الشارع السوري وحتى الذين يعارضون التدخل الأجنبي لا يطرحون بدائل مناسبة له تحمي المدنيين من جرائم النظام ... وبالتالي فإن انعدام البدائل 'إعلاميا على الأقل' هو السبب الثاني لانتقال مصطلح حماية المدنيين إلى ما هو عليه الآن.

لا يخطر ببال أحد مثلا اقتراح تدخل عربي عسكري يكون بديلا عن التدخلات الأجنبية.. لأن الجامعة العربية كانت مثالا لخيبة الامل على مدار عقودها.. لكن هذا لا يمنع البحث بجدية عن بدائل أخرى تحل محل التدخل الأجنبي أو الحظر الجوي الذي يبدو اسما منمقا لشر كبير..

يدرك نظام الأسد جيدا أن استمراره في سياسة القتل والتنكيل بشعبه ستستدعي في النهاية تدخلا من نوع ما لحماية المدنيين ولكنه مع ذلك يواصل القتل بكل أريحية ومماطلة دون ان يعبأ بمهلة تركية او عربية أو عقوبات اقتصادية غربية أو سياسية تتمثل في عزلته او سحب السفراء.. ويبدو من عجز وسائله عن ردع الشعب السوري خلال أشهر ثمانية ان الأسد يدرك أيضا أنه إلى زوال .. ما يجعل جرائمه المتواصلة وعدم بحثه عن البدائل نوعا من انتقام من شعب ضعضع عرشه الذي ورثه وأظهره في صورة الولد العاجز عن تقمص ثوب أبيه.. وبالتالي فلا مشكلة عنده من ان يصل الأمر إلى التدخل الأجنبي.. لا سيما أن هذا التدخل سيظهره بصورة بطل تشبه تلك الصورة التي ارتداها صدام حسين يوما بعد ان غزت بلاده قوات الاحتلال الأمريكي .. إذ تناسى الكل جرائمه أمام جرائم الاحتلال .. وبالتالي فمن الطبيعي ان يطمح الأسد لنوع من الخروج الذي يهيأ له أن التاريخ قد يسجله له مشرفا إذا جاء على دبابة غربية سيما ان نتيجة التدخل الغربي مجهولة وقد يتبعها اتهام معارضي الأسد بالخيانة إذا ما ادت نتائجها إلى شيء شبيه بالحالة العراقية ..

في زاوية أخرى علينا ألا ننسى أن التدخل الغربي الأجنبي لم يرتد يوما ثوب حماية الأبرياء او المدنيين حتى في الحالة الليبية الأخيرة وإنما ثوب المصالح الغربية الطامعة في النفط الليبي وعقود إعادة إعمار ليبيا على أيدي من هدمها بقصف البنى التحتية الليبية عن طريق الخطأ!! ...

أنصح الشارع السوري والمعارضة وعلى رأسها المجلس الوطني بالتفريق بين التصريحات الغربية التي تدين الأسد وتستنكر قتل المدنيين وبين حقيقة تدخلاتهم وأفعالهم على الأرض.. إني لا أثق أبدا في طرق حماية الغرب للمدنيين لا سيما عندما يكون هؤلاء الأبرياء من أصحاب الدم الرخيص لديهم ولكم ان تتذكروا امثلة كثيرة لذلك في البوسنة أو العراق أو الصومال .. وبالتالي لا غرو أن يثق بشار الأسد في أن الدول التي حالفت نظامه ونظام أبيه من تحت الطاولة لعقود لن يتأخر تدخلها عن حماية الكثير ممن ارتكبوا الجرائم من نظامه من ردة الفعل الشعبية عقب انهيار النظام أو تأمين هروبهم مع اموالهم إلى اوروبا التي احتضنت فيما مضى الكثير من أموال السرقات العربية عموما والسورية خصوصا ونعمت باستثماراتها.

وأطلب من المحللين والإعلاميين الذين يصورون التدخل او الحظر الجوي حلا وحيدا لحماية المدنيين أن يبحثوا جديا في حلول بديلة تبدأ من الداخل السوري .. لا سيما مع تداعي نظام الأسد داخليا وقابليته للانهيار في أي وقت بسبب ما يعيشه من انقسام داخلي يشمل الجيش ومؤسسات الدولة وحتى العصابات الأمنية التي انهكت على مدار أشهر وبات شعورها بالخطر أكثر بكثيرمن ذي قبل .. ناهيك عن الحالة الاقتصادية البائسة التي يعيشها النظام السوري والتي تهدده بالانهيار الداخلي في وقت قريب.. إن مجرد الدعم السياسي للانشقاقات سيزيد في نوعيتها وإن العقوبات الاقتصادية على النظام ستساهم بشكل كبير خاصة إذا كانت عقوبات عربية وتركية نوعية وإن وجود منطقة آمنة او عازلة في الشمال السوري سيساعد كثيرا في توفير عملية تحرير داخلية يبدؤها الجيش السوري نفسه.

بالتأكيد قد يقول البعض ان هذه الحلول قد تبدو نظرية مع نظام عنيد يكرر القتل يوميا وأن الباخرة الكورية الشمالية التي اوقفتها اليونان مؤخرا وكانت تقل لنظام الأسد ثيابا مضادة للأسلحة الكيماوية تدفعنا للتفكير بجدية بحقيقة ماينويه نظام الأسد لشعبه في العاجل القريب .. ولكن هذا لا يغير من حاجتنا للافادة من الدروس السابقة بحيث تكون أطر إنهاء مأساة الشعب السوري سورية او عربية أو إسلامية في أبعد احتمالاتها.

================

فعلاً سورية ليست ليبيا

الجمعة, 18 نوفمبر 2011

وليد شقير

الحياة

يسلّم خصوم النظام السوري معه في مقولته بأن سورية ليست ليبيا، وليست تونس ولا العراق ولا مصر ولا اليمن. ولهذا السبب يخوض هؤلاء الخصوم، المحليون والوطنيون والخارجيون، مواجهتهم مع النظام بأسلوب مختلف عن ذاك الذي استخدموه في ليبيا وتونس واليمن والعراق وغيرها. إلا ان النظام ما زال مصراً على «اتهام» هؤلاء الخصوم بأنهم يسعون الى التعامل مع سورية مثل تعاطيهم مع التجارب الأخرى.

يكشف هذا الإصرار السوري عن استغراق النظام في وسائل التفكير وأدوات التحليل القديمة وعدم التنبه الى ما هو جديد في المواجهة وأبرزه أن الأزمة السورية هذه المرة داخلية أساساً. وما هو خارجي منها لم يكن ليظهر، بعد التطبيع الغربي والعربي مع نظام دمشق خلال عامي 2009 و2010، لولا انتفاضة السوريين.

لم يستوعب أركان النظام السوري أن ما يعيبونه على الآخرين لم يعد صالحاً للاستخدام. الغرب والجامعة العربية يتعاطيان مع الأزمة السورية بشكل مختلف عن تعاطيهما مع ليبيا واليمن وتونس ومصر والعراق، لكن النظام هو الذي يتعاطى مع أزمته مثلما تعاطت الأنظمة في ليبيا وغيرها مع ثورات شعوبها فحصدت الانهيار. وهذا يعني أن ما يعيبه النظام السوري على الخصوم مجافاةً للواقع، يقع فيه هو، فيخطئ الحساب ويسيء التقدير وتسقطه المكابرة في الخيبة تلو الأخرى، مثلما حصل ازاء قرار الجامعة العربية الأخير في القاهرة، ثم أول من أمس في الرباط وقبلهما سلسلة من التراجعات في موقع سورية في علاقاتها مع 3 دول شكّل تحالفها معها منصة الانفتاح الدولي عليها هي فرنسا وتركيا وقطر. وعدم ادراك لا جدوى السياسات السابقة يقلب المعادلة التي يحذر منها النظام. فهو يكرر التجربة الليبية في حين يجترح الغرب والعرب أساليب أخرى لا تستنسخها.

ذلك ان «الربيع العربي» الذي ستبقى تداعياته تتوالد لسنوات، جعل المنظومة العربية تتغير، بل وضع العالم على سكة التغيير في تعاطيه مع هذه التداعيات ليبدأ التفكير بتكييف سياساته تجاه المنطقة، فضلاً عن تأثيرات عدوى الثورات الشعبية على مجتمعاته وأزماتها الاقتصادية... وعلى الموقف من القضية الفلسطينية. ولهذا حديث آخر. لكن أنظمة الاستبداد لا تعترف بالتغييرات الحاصلة.

وما ينطبق على النظام السوري ينطبق على حلفائه في لبنان. فالتشبث بالسلطة يقود الى التوهم بالقدرة على استخدام «الأوراق» التي يردد النظام ومعه هؤلاء الحلفاء أنهم يمتلكونها ويمكنهم استخدامها كما في السابق، فيما التحولات الاقليمية الناجمة عن الربيع العربي تضيّق هامش هذا الاستخدام، هذا إذا لم تكن تعدمه، الى درجة بات كثيرون يعتقدون أنه بدلاً من أن تستخدم سورية «الساحات» الأخرى، باتت هي «الساحة».

فمقابل مناشدة الحلفاء اللبنانيين للنظام، خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أن يتدخل من أجل الحل في سورية، (رئيسا الجمهورية ميشال سليمان، والمجلس النيابي نبيه بري والعماد ميشال عون) هل يُعقل أن يُطلب من الرياض ذلك بعد سلسلة الخدع التي تعرضت لها في مساعيها الفلسطينية واللبنانية خلال مفاوضات س.س، وفي ما يخص العلاقة السورية - الإيرانية والإخلال بالاتفاق معها في العراق؟ وهل من المنطقي بعد كل هذه السياسات السورية التي هدفت الى إخراج المملكة العربية السعودية من عدد من الساحات؟

ومقابل العتب السوري على دولة الإمارات العربية لأنها لم تنسجم مع عبارات الصداقة ومع المراهنة على وقوفها الى جانب النظام، فصوتت مع قرار تعليق العضوية، هل يعقل توقع موقف مغاير منها، وهي العضو في مجلس التعاون الخليجي الذي اقترح بنود المبادرة العربية في 2-11-2011، التي جاء القرار الأخير رداً على عدم تنفيذها؟

تنطبق الخيبة نفسها الناجمة عن سوء التقدير وقصور القراءة على تجاهل القيادة السورية للتحوّل في مواقف السودان والجزائر وموريتانيا والعراق. فهل يعقل أن يعتز النظام بامتلاكه الأوراق في العراق ومنها احتضانه عزة الدوري، ولا يؤثر ذلك على موقف الحكومة العراقية فتلجأ الى الامتناع حيال قرار تعليق العضوية بدل الاعتراض، هي التي للنفوذ الإيراني في بغداد تأثير كبير عليها لمصلحة دمشق؟

ومقابل التلويح بورقة الأكراد في تركيا، هل يعقل تجاهل نص الاتفاقية مع أنقرة على حق القوات التركية بالتوغل في سورية بعمق 15 كلم؟

في لبنان لا يفضي استخدام «الأوراق» سوى الى تعميق الانقسام في البلاد، والى تكريس سيطرة سورية و «حزب الله» على الحكومة بحيث يعطل وظيفتها بتغطية هذه السيطرة. ومع ان بعض حلفاء القيادة السورية اللبنانيين يقولون «لن ننتحر من أجل النظام السوري»، فإنهم يزدادون انغماساً في تعميق الشرخ الداخلي، فهم أيضاً لا يرون ان قول شيء وفعل عكسه لم يعد مجدياً.

================

عسكرة الانتفاضة السورية

رأي القدس

2011-11-17

القدس العربي

الملف السوري يزداد سخونة يوما بعد يوم، والتطورات على الارض توحي بان النظام مستمر في حلوله الامنية الدموية، والمعارضة الشعبية مستمرة في الوقت نفسه بالمطالبة باسقاطه، مما يوحي بان لا مكان للحلول الوسط، فاما ان ينتصر النظام او تنتصر الانتفاضة، وحتى تحسم الامور لهذا الطرف او ذاك علينا ان نتوقع المزيد من القتلى من المدنيين والعسكريين في آن.

الجيش السوري الحر الذي تتزايد اعداد افراده، بازدياد عمليات الانشقاق والانضمام اليه، اعلن بالامس عن قصفه مركزا للمخابرات السورية في مدينة حرستا قرب العاصمة بالصواريخ ومدافع 'آر بي جيه' مما اسفر عن مقتل ستة جنود واصابة العشرات. وجاء هذا القصف بعد ساعات من اشتباك بين مسلحين وقوات تابعة للجيش والامن السوريين قرب حماة ادى بدوره الى مقتل ثمانية جنود.

هذه الاشتباكات والهجمات تؤكد ان الانتفاضة السورية، او شقا رئيسيا منها، بدأ يتحول الى مرحلة 'العسكرة'، تحت عنوان التصدي لقوات الجيش والامن التي تهاجم الاحتجاجات المدنية وقتلت اكثر من 3500 شخص حسب احصاءات منظمة الامم المتحدة، وان هناك من يقدر ارقام القتلى باكثر من ذلك بكثير.

سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي اعتبر هذه التطور الخطير حسب رأيه بانه سيقود البلاد الى حرب اهلية طاحنة، واتهم جهات عديدة بتسليح وتدريب الجيش السوري الحر. بينما يرى السيد هيثم المالح احد ابرز اقطاب المعارضة السورية ان قصف مركز المخابرات المذكور هو لحماية الشعب السوري، ولا يعني انطلاق هذه الحرب مثلما يقول المسؤول الروسي.

التركيز على هذه الاشتباكات المسلحة من الجانبين الرسمي او المعارضة في سورية يضفي نوعا من تحويل الانظار عن الاحتجاجات السلمية والضحايا المدنيين الذين يسقطون برصاص الجيش وقوات الامن في اكثر من مدينة وبلدة سورية.

الازمة السورية تتجه الى التدويل المباشر او غير المباشر، والتدخل العسكري الاجنبي على وجه الخصوص، خاصة بعد قرار وزراء الخارجية العرب باتهام النظام الحاكم بافشال مبادرتهم السلمية التي طالبته بوقف اعمال القتل فورا والافراج عن جميع المعتقلين والانخراط في حوار مع المعارضة.

السيد رياض شقفة زعيم حزب الاخوان المسلمين في سورية طالب صراحة بالامس بتدخل عسكري تركي لحماية المدنيين، بينما طالب السيد عبد الحليم خدام نائب الرئيس السوري السابق باقامة مناطق حظر جوي، وتدخل عسكري غربي على غرار مثيله في ليبيا لتغيير النظام الحاكم في دمشق.

وتأتي جميع هذه المطالبات بالتدخل الاجنبي، بشقيه التركي او الاوروبي، بعد مناشدة العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني للرئيس السوري بشار الاسد بالتنحي عن الحكم فورا، وادلائه بتصريحات الى صحف بريطانية يحث فيها دولا اوروبية بأخذ زمام المبادرة وادارة الازمة في سورية وعدم التعويل على الدول العربية المنقسمة فيما بينها.

الامر المؤكد ان النظام السوري الذي يشن حملة اعلامية شرسة ضد الجامعة العربية ووزراء الخارجية العرب الذين يفرضون عزلة عربية عليه، لن يستجيب لمهلة الايام الثلاثة التي اعطاها اياه الوزراء انفسهم لاستقبال مراقبين وصحافيين عرب واجانب قبل فرض عقوبات اقتصادية ضد النظام.

ما يمكن قوله، وباختصار شديد، اننا امام حرب اهلية فعلا، فاذا كانت قوات الجيش السوري الحر استهدفت اليوم مركزا للمخابرات السورية المكروهة في البلاد بسبب جرائمها في حق الشعب السوري، فانها ستستهدف مراكز اخرى او حواجز للجيش والأمن في الغد وبعد الغد. فتعداد هذا الجيش المنشق الذي يمثل الجناح العسكري للمعارضة السورية بلغ حتى الآن ثلاثين الفاً، وهو رقم متواضع بالنسبة الى قوات الجيش السوري الرسمي التي تزيد عن ربع مليون مجهزة باسلحة ثقيلة ومتطورة. ولكنه قد يكون نواة لحرب استنزاف دموية في حال اقامة مناطق عازلة في شمال سورية او جنوبها.

الايام المقبلة ستكون حاسمة على صعيد المشهد السوري، حيث ستتضح المواقف والأدوار لكل اللاعبين المتدخلين في الازمة، من عرب ومسلمين وغربيين، والشيء الوحيد الثابت والمعروف والذي لا يحتاج الى تأكيد ان النظام السوري سيستمر في اللجوء الى الحلول الامنية والعسكرية الدموية.

================

في سوريا.. أولياء الدم في انتظار المعارضة

امل عبدالعزيز الهزني

الشرق الاوسط

18-11-2011

الجامعة العربية التي تقدمت مشكورة بمبادرتها لحل الأزمة في سوريا، تتعامل مع النظام السوري بلغة دبلوماسية عالية، تمنحه مشروع الحل وتعطيه الوقت الكافي لتنفيذه، وتعده بأن الأمور ستتحسن إن التزم ببنود المبادرة. الجامعة كانت تتفاوض مع طرف واحد من معادلة الأزمة وهو النظام، أما الطرف الثاني، أي المعارضة، فكانوا متفرجين على مسلسل المبادرة وهم منقسمون على أنفسهم؛ المجلس الوطني يائس ويريد تصدير ملف الأزمة لمجلس الأمن، وهيئة التنسيق الوطني تبحث عن معجزة إصلاح النظام لنفسه، فلعبت دور العطار الذي يريد أن يصلح ما أفسده الجبروت والدهر. بعد دعوة جامعة الدول العربية المعارضة للاجتماع في القاهرة جاء دورها، دورها التاريخي الوطني والإنساني في تغليب المصلحة العامة على مستحقات النضال الفردي التاريخي.

لنتذكر أن الثورة السورية قامت في بداياتها على مطالب بسيطة بعضها يدخل ضمن الإصلاحات الموعودة التي كانت تقال بصوت عال في أروقة إدارة النظام، ولكنها انحرفت عن طريقها حينما قوبلت بعنف غير مبرر من قوات الأمن، فسرت بأنها ضربة استباقية خشية أن يتجرأ الشارع على التشبه بالثوار التوانسة أو المصريين أو اليمنيين أو الليبيين. كبر حجم المطالب بعد القتل المتعمد وإطلاق الرصاص الحي المباشر والتعذيب في المعتقلات والإهانات التي تعرض لها المحتجون، وبلغت عنفوانها حينما طالبت بإسقاط النظام فانكسر عندها حاجز الرهبة الذي كرسه النظام طوال عقود من الزمن، ما بين المواطن العادي الذي كان رفضه تعليق صورة حافظ الأسد على حائط منزله يودي به إلى السجن، وأجهزة الأمن التي أمسك قادتها بشؤون الدولة ومواقع الحكم فيها واستثماراتها الداخلية والخارجية.

كل بيت سوري في مطلق المحافظات السورية، لديه أب أو ابن أو زوج أو قريب قتل أو اعتقل وعذب من قبل قوات الأمن، لم تعد القضية مطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية فقط، على الرغم من أهمية هذه القيم التي كانت تنادي بها رموز المعارضة التقليدية ممن لهم تاريخ مع الاعتقال والتهجير. هؤلاء الذين يخرجون في المظاهرات كل يوم مستصرخين هم أولياء الدم الذين فقدوا أهلهم وأحباءهم منذ مارس (آذار) الماضي وحتى اليوم بلا ذنب اقترفوه، ولن يرضيهم سوى خروج الأسد حيا أو ميتا، من عرينه أو من حفرته، هذا هو الباعث الأقوى الذي جعل من الشباب الصغار عتاة جبارين على أنفسهم، يقبلون على الموت بصدر عار ورحب، يخرج أحدهم وهو يعلم أنه قد لا يعود، ثم لا يعود، ويستمر إخوانه وجيرانه في الخروج، ولا يعودون، وهكذا.. عناوين من البسالة فاقت كل تصور أو خيال، لذلك لم يقبل النظام السوري بتنفيذ بنود المبادرة العربية، لأن قبوله بها يعني أن يبتلعه المحتجون. اللافتات التي رفعها هؤلاء الشجعان كان فيها الكثير من العتب واللوم على الجامعة العربية، وهم يعتبون منذ جمعة «الله معنا» في الخامس من أغسطس (آب) الماضي التي أعقبت نداءاتهم المتكررة للعرب بالتدخل، ولكن الحقيقة هي أن المائتي قتيل الذين ذهبوا منذ إطلاق المبادرة العربية هم للأسف ثمن لحالة التمرحل التي يتطلبها العمل السياسي، ولا ننسى أننا كدنا نخسر الكويت في أول تسعينات القرن الماضي والعرب منقسمون على طاولة الجامعة العربية. الجامعة، على الرغم من افتقارها لآلية تنفيذ أي من مواقفها فإن تدخلها في الأزمة السورية بهذه المبادرة التي تعتبر جزءا من سيناريو طويل، سيقتل كل أمل لدى حلفاء النظام بالإبقاء عليه أو التحامي عنه، وعلى الجامعة ألا تبطئ حركتها ولا تتأخر في مشاركة العالم معالجة الأزمة وحماية المدنيين من خلال إحالة ملفها إلى مجلس الأمن، كما ولا تحاول أن تدعي ما لا تستطيع.

المبادرة العربية ليست فرصة لحماية الثوار السوريين من عربدة النظام فحسب، بل فيها محاولة من الجامعة لإنعاش حالتها المتدهورة، التي جعلت منها مؤسسة بلا روح، مترددة وضعيفة، ومنبوذة من الشارع العربي. ولا بد من ذكر أن على رأس الأسباب التي تسببت في تدهور حال الجامعة العربية هي عضوية سوريا الأسد، وليبيا القذافي، ويمن صالح، وسودان البشير، فالجامعة العربية مثل الدول؛ حين يتولاها الطغاة تتلبس شخصية المواطن المهادن.

================

ميقاتي والأسد والأزمة السورية في لبنان

رضوان السيد

الشرق الاوسط

18-11-2011

بالتأكيد، ليس موقف الحكومة اللبنانية من الثورة السورية، أمرا له الأولوية في المعالجة عشية اجتماع الجامعة العربية بالرباط، لكنني رأيت التعرض له، لأن استيلاء حزب الله على الحكومة في لبنان حول بلادنا إلى عائق كبير في وجه ثورة الشعب السوري، وزاد الطين بلة أن رئيس الحكومة القائمة نجيب ميقاتي ما يزال يحاول الضحك على العرب وعلى المجتمع الدولي بشأن هوية الحكومة وقرارها ووجهتها وأهدافها.

لقد كانت آخر إنجازات الحكومة العتيدة التي يترأسها ميقاتي، ذهاب وزير خارجيتها إلى اجتماع الجامعة العربية بالقاهرة ليكون إلى جانب يمن علي عبد الله صالح، ثاني المعترضين على قرار الجامعة بشأن التعامل مع النظام السوري القامع لشعبه، والخارج على إجماع العرب. وقد تفلسف الوزير اللبناني بعد الاعتراض، وتبعه كل شعوبيي لبنان وأقلياته بثلاثة أشكال: أن العزل السياسي غير جائز لأنه مقدمة للتدويل والتدخل الخارجي، أو أن سوريا قلب العرب والعروبة، وإذا حوصرت من العرب فينبغي الوقوف مع القلب وإهمال الأطراف، أو لقد كنا ساكتين على العرب والعروبة بسبب سوريا الأسد، وما دام العرب يريدون إخراج النظام في سوريا من العروبة فنحن نعلن خروجنا مع نظام الأسد من العروبة وعليها! وهذه كلها إجابات طريفة وظريفة ومفزعة في كشف الهويات والمصالح التي تختبئ أو كانت تختبئ تحت عباءة النظام الأسدي، المختبئ بدوره تحت عباءة البعث العربي - إنما الأطرف ولا شك مواقف الرئيس نجيب ميقاتي المتناقضة مما قام به وزير الخارجية اللبناني في الجامعة العربية. فبعد ساعات صرح ميقاتي بأن للبنان خصوصية سوف يتفهمها العرب، بل إنهم تفهموها، وفي اليوم التالي دافع أمام مجلس الوزراء عن موقف وزير الخارجية، وقال إنه تشاور معه ومع رئيس الجمهورية في ذلك، ثم في اليوم نفسه واليوم الثالث تحدث إلى نائب وزير الخارجية السعودي، وجميع سفراء مجلس التعاون الخليجي وقال لهم جميعا إن وزير الخارجية اللبناني ما أخبره شيئا، وما استشاره في الموقف الذي ينبغي اتخاذه!

إن هذا «النموذج» من تصرفات ميقاتي ما عاد استثناء، ولا اقتصر على حالة الجامعة، بل إنه صار - بل كان وظل - عملا دائما ومقصودا وميز شخصيته وسلوكه السياسي خلال ما يزيد على العقد ونصف العقد من السنين. فلا ثابت في سلوك الرئيس ميقاتي السياسي غير الولاء للنظام السوري وللرئيس بشار الأسد بسبب علاقته الخاصة به منذ أواسط التسعينات من القرن الماضي. وما كان ذلك عيبا، بل مدعاة للفخر لدى ميقاتي وأنصاره وآخرين في لبنان إلى أن حدث أمران: المشاركة في الانقلاب على حكومة سعد الحريري، والاستمرار في الوقوف مع النظام السوري على مدى ثمانية أشهر وهو يقتل شعبه، ويعلن بكل اللغات والأصوات ومن لبنان بالذات خروجه على العروبة والإسلام. وفي المسألة الأولى، مسألة المشاركة في الانقلاب، كان المطلوب عزل المسلمين من السلطة في لبنان من خلال عزل تيارهم السياسي الرئيسي لتزداد السيطرة الحزبية السورية والإيرانية والعونية، ويصبح لبنان عضوا في التحالف الذي تحدث عنه الإيرانيون وتحدث عنه الأمين العام لحزب الله: إيران والعراق وسوريا ولبنان! وما كان ميقاتي غافلا عن ذلك، ولا عن «دفتر الشروط» الذي أملي عليه، وتقبله برحابة باعتبار أن صديقه الرئيس الأسد طلب منه ومن شقيقه ذلك. وها هو يتستر الآن بدعوى ضرورة ألا يخضع النظام السوري للعزل السياسي، فإذا كان العزل السياسي شريرا إلى هذا الحد، فلماذا قمت به تجاه بني قومك وتجاه الدولة في لبنان؟ لماذا مكنت أهل الشعوبيات المعاصرة، والأقليات المتحالفة على اغتصاب السلطة والقرار في سوريا ولبنان، من الاستتار بستارتك الشفافة على أي حال للقيام بكل هذه الأعمال ضد اللبنانيين والسوريين وسائر العرب؟!

منذ أن شكل الرئيس ميقاتي حكومته، دأب حزب الله ودأب الجنرال عون، ودأب الرئيس نبيه بري، على الاعتداء على الدولة اللبنانية وسياساتها الخارجية، كما دأبوا على الاعتداء على صلاحيات رئيس الحكومة في الأمور العامة وفي التفاصيل، ودأبوا على دعم النظام السوري باضطهاد اللاجئين والمعارضين السوريين بلبنان، وملاحقتهم وخطفهم وتسليمهم لسوريا، وما تزال تلفزيونات لبنان وصحفه في الأغلب الأعم مشغولة بهناء النظام السوري، وكيفية قضائه على المعارضين الإرهابيين والمتآمرين. وفي وجه ذلك كله، يحاول ميقاتي أن يصمت عندما يكون الصمت ممكنا، أو التبرير عندما لا يكون الصمت ممكنا، أو الدفاع عما ارتكبه أحد الأشاوس إذا طلب السوريون النظاميون أو حزب الله ذلك. فقد خرج قبل أيام على التلفزيون ببدعة مفادها أن الأمين العام لحزب الله ما سد كل الأبواب في وجه تمويل المحكمة الدولية، بينما كان نصر الله يقول قبل يومين على حديثه إنه لا يقبل على الإطلاق الدفع للمحكمة لأنها مسيسة وإسرائيلية وأميركية، وإذا شاء ميقاتي أن يدفع فمن جيبه، أو من التبرعات الخارجية! وعندما تدخلت الأجهزة الأمنية اللبنانية لمساعدة المخابرات السورية في القبض على معارضين وتسليمهم - ومن دون استشارة ميقاتي طبعا! – ما قال الرجل كلمة واحدة على الرغم من لجوء النواب إلى اللجان النيابية وتصاعد الصرخات والاحتجاجات، والاعتداء من جانب الأمن السوري والجيش على المناطق الشمالية والشرقية من لبنان التي يقطنها السنة؛ إنما دأب على القول علنا وفي المجالس الخاصة، نحن لا نستطيع أن نفعل شيئا، والأفضل للبنان البقاء على الحياد! لكنك يا رجل ما بذلت أي جهد للبقاء على الحياة، بل بذلت جهودا للتلاؤم مع رغبات النظام في سوريا ومع رغبات المسيطرين في حكومتك. وحتى في التواصل مع الأوروبيين والأميركيين والعرب، وأنت تعلم مدى التأثيرات السلبية على النظام المالي في لبنان نتيجة مداخلات البعض بالجوار والداخل، لكنه الارتباط الوثيق بالرئيس الأسد ونظامه، والخضوع الكامل لرغبات حزب الله وحلفائه!

ولا بد من كلمة عن الوضع في لبنان في ظل الثورة السورية، وبما يتجاوز ميقاتي ودعواه في الحفاظ على هيبة رئاسة الحكومة! ما بقي أحد في لبنان خارج قوى 14 آذار إلا وتجند لخدمة الرئيس الأسد ونظامه في وجه الشعب السوري. ويقال إن هناك من ساعد بالرجال والسلاح والتجهيزات. بيد أن ما نعرفه علنا أكثر دلالة. فالبطرك الراعي والبطرك لحام وبطرك الأرثوذكس وبطرك السريان وبطرك الأرمن، كلهم ربطوا مصير المسيحية في لبنان وسوريا والعراق وفلسطين ببقاء الأسد، وأنذروا بتهدد مصير المسيحيين إذا زال! وتجاوز بعضهم ذلك (مثل لحام والراعي) إلى اتهام الإسلام السني بالتطرف والعداء للمسيحيين بعامة، أو اتهام كل المعارضين للرئيس الأسد بالخروج على العروبة. إذ بحسب لحام فإن الأسد ونظامه هما شرط العروبة وليس العكس. وهؤلاء قلة من كثرة من قادة الأقليات اللبنانية والسورية، صرحوا علنا بأنهم يعتبرون وجود الأسد ووجود حزب الله سندا لهم وحماية من الإسلام السني الأصولي الهاجم، ولا يعجبهم منه غير الرئيس ميقاتي وأمثاله من أهل «الإسلام الحضاري»! أما كيف عرفوا أن المسلمين السوريين أصوليون ومتوحشون وضد المسيحيين، فهذا علمه عند ربك!

لقد تبين أن النظام السوري يستند من ضمن ما يستند إليه على تحالف أقليات يمتد بين سوريا ولبنان والعراق. وقد دخل الرئيس ميقاتي باختياره على هذا التحالف وبشروط التحالف وليس بشروطه هو، ولذلك فإن الأمل الباقي والقريب أن يتحرر لبنان من ميقاتي وحكومته عندما تحرر سوريا من تحالف الأقليات والشعوبيات الكارهة للعرب والإسلام، ومن المؤسف ألا يحدث ذلك إلا بثمن باهظ دفعه اللبنانيون ويدفعه السوريون من دمائهم:

وللحرية الحمراء باب

================

الأسد "إنسان" أليف!

نادر رنتيسي

الغد الاردنية

18-11-2011

..فهل شاهدَهُ أحدُكم يغسلُ كفيْهِ من دمٍ انتَشَر بكثافةٍ في مظاهرة عبثيَّةٍ بجمعة "الله معنا"، أو يُصلي ضعيفاً في محرابٍ مُعْتِمٍ يطلبُ العفوَ الإلهيَّ عن "خطيَّةٍ" حَمَويٍّ غادَرَ القبوَ الأمنيَّ بعِرْض مُتهتِّكٍ. لم يلحظه أحدٌ إلاَّ ضاحكاً (بدون سببٍ واضحٍ؛ لكنَّ تربيتَهُ "الحافظيَّةِ" تنفي أنْ يكونَ ضَحِكا من نوع قلة أدب!)، ودوداً كالطبيبِ مع المرضى التعِسين؛ إنَّه "أسدٌ" بالاسم الغابيِّ فقط..، فلو أمعنتَ النظَرَ في روحه لوجدْتَها بيضاءَ تشفُّ عن طيفِ "عمر أبو ريشة"!!

الأسَدُ إنسانٌ أليفٌ جداً يُلغي قانونَ الطوارئ بلا تردُّدٍ بعد 11 عاماً فقط من الحكم، ويمنَحُ الناسَ حقَّ التظاهر طالما هم يتجنَّبونَ المشيَ في الشوارع، ويكتشفُ أنَّ محكمة أمن الدولة العليا تقتصرُ رتبَة موظفيها بمختلف مسمياتهم على درجة شهود الزور (الذين يصدر فيهم مرسوم غير متداول يتحولون بموجبِهِ إلى مخبرينَ سريِّين)!

أسدٌ وديعٌ (لولا بعض المهابَةِ المفتعلَةِ لدى استقبال "نبيل العربي")، وسيمٌ (لولا عنقه الطويلة بلا معنى)، إيجابيٌّ (لولا كلمة واحدَةٌ يحفظها كما يُسمِّي الأطفالُ الصغارُ الأشياءَ باسم واحد، فيجيبُ عن كلِّ سؤال مباشر:المؤامرة!)!

لا تصدِّق ما يُقالُ عنه من بلادة الإحساس لديه؛ إنَّهُ ككلِّ الكائنات الحية (في الغابَةِ أو خارجَها)، يحسُّ وله حواس خمس فاعلة، وأخرى سادسة (يقتصرُ عملها على التحذير الاستباقي لمواعيد تحليق الطيران الحربيِّ الإسرائيليِّ فوق قصره) ونوبات حنين كالعشاق المُتْرَبين..؛ إنَّه الآن في لحظة وحدة طويلة يكادُ يبكي شعراً في قصره على الجبل الحصين، ينشدُ كأنَّه القائلُ: "قادمٌ من مدائنِ الريح وحدي، فاحتضني، كالطفل، يا قاسيونُ"!

رقيقٌ جداً هو الأسدُ، من فرط إحساسِهِ لم يَدْخُلْ يوماً إلى موقع "يوتيوب"، ولم يكتب في شريطِهِ العلويِّ المخصَّص للبحث:" شهداءُ الثورةِ السوريَّةِ"، فتتحرَّكُ أمامَهُ صورٌ نابِضَةٌ لرجالٍ يُقتلونَ بحرصٍ شديدٍ على الموت، فيَذْهَبونَ إليه باسمينَ أو عابسينَ، لا يتردَّدونَ خطوةً واحدةً نحوَ السماء، والتحول إلى مادَّةٍ فيلميَّةٍ عن افتراس البشَر للبشَر؛ لم يدفعه حتى الفضولُ حتى لقراءة التقرير اليوميِّ عن منسوب الموت، فالأسدُ الإنسانُ كما هي الأسودُ تماماً؛ لا تفضِّلُ لحْمَ الآدميين!

تجري الحياة من حوله يُتابِعها باسترخاءٍ كلَّ صباح على التلفزيون الرسميِّ، تطمئنه المذيعةُ المتصابيَةُ أنَّ الدمَ على وشَكِ النفاد، وعندها لنْ يكونَ لأحد رغبةٌ بالموتِ. تبتسمُ (إلى الزاوية التي تعتقِدُ أنَّهُ ينظرُ إليْها منها) ابتسامَةَ امرأةٍ تستجدي رجلاً بلا ظل، تجزمُ له أنَّ الأمورَ في طريق العودَةِ إلى نصابِها: "شعبٌ يحبُّ الله وسورية، ومؤمن أنَّ الأسد هديِّتُِهما" و..(تضحكُ بفجور خارجَ الكادر وتقولُ إلى كلِّ الزوايا: أو سيبقى الشعبُ على قسمته العادلة: موتى و"شبِّيحة"!)

الأسدُ إذاً إنسانٌ بريءٌ يُحِبُّ الناسَ (فلا هديَّةَ تضلُّ الطريقَ إلى المُهْدى إليه) لكنَّه لا يتذكَّرُ الأسماء، لم يسمع عن "غياث مطر": شاب راوَغَ الموتَ ثلاثَةَ أشهرٍ، ولما أدْرَكَ أنْ لا محالة سيَقعُ في كمين "الشبيحة" كتَبَ نداءه إليهم بخط شديد الارتباك:"أرجوكم دعونا نتظاهر فالوطن يتسعُ للجميع". ووقَعَ في الكمين مجرَّداً، شقَّ شبيحٌ بطنَهُ، وأرسلَ جثته إلى أهله ف (الوطنُ يتسع للجميع؛ ثمة قَصْر وقَبْر!) وطلب من أهله أن يصنعوا من لحمه الطريِّ "شاورما"!

=======================

أي سيناريو لسوريا؟     

آخر تحديث:الخميس ,17/11/2011

حسام كنفاني

الخليج

من الواضح أن الملف السوري بات ذاهباً في مسار تصعيدي ينذر بالأسوأ في الأيام المقبلة، ولا سيما بعد فشل مساعي احتواء قرار وزراء الخارجية العرب بتعليق مشاركة سوريا في اجتماعات الجامعة العربية، ما يضع الملف على أول طريق محاكاة السيناريو الليبي، من دون أن يؤدي بالضرورة إلى تكرار التدخل العسكري الخارجي .

لكن استبعاد التدخل العسكري الخارجي عبر حلف شمال الأطلسي أو أي تحالف دولي غيره، لا يعني أن السيناريو الليبي مستبعد في الأراضي السورية، وخصوصاً أن لمثل هذا السيناريو تفاصيل قد تكون متشابهة إلى حد كبير إزاء ما يجري في بلاد الشام . التشابه الأول قد يكون في ما يحكى عن انشقاقات في صفوف القوات السورية، والهجمات التي بدأ هؤلاء الجنود بشنها على القوات الحكومية، وهو ما يذكّر بمرحلة الانشقاقات التي بدأها الجنود الليبيون في الشرق، والذي تحوّل إلى “مقرّ للثورة” قبل أن تتمدد إلى سائر الأراضي الليبية .

في الأسابيع القليلة الماضية شهدت العمليات العسكرية للقوات المنشقة تصعيداً لافتاً، ولا سيما في درعا وحمص، قبل أن تصل إلى ريف دمشق، ما يؤشر إلى تطور في عملها وتوسع رقعة نشاطها . الكلام الكثير في الأوساط السياسية، التركية تحديداً، يعول على مزيد من الانشقاقات في الأيام المقبلة، غير أنه بانتظار إقامة منطقة عازلة على الحدود تسمح لألوية كاملة بالتحرك باتجاه “المناطق الآمنة”، التي من الممكن أن تتحول إلى “مقر للثورة المسلحة”، كما كان عليه في ليبيا .

المختلف عن السيناريو الليبي يتركز في جزئية التدخل العسكري المباشر، سواء عبر حظر جوي أو إنزالات برية . فالأكيد أن لا أحد في وارد التفكير بمثل هذا الأمر، وأقصى ما يجري السعي إليه هو “تأمين شرعية” للمنطقة العازلة، وهو ما ألمح إليها الأتراك بشكل مباشر، حين أشاروا إلى أن مثل هذا الأمر ينتظر قراراً دولياً .

وفق هذا السيناريو فإن سياق ما تجري فيه الأمور بدأ بالتجلي شيئاً فشيئاً، فإذا كان التدخل الخارجي العسكري مستبعداً، يبدو أن الخيار البديل الذي يجري العمل عليه إقليمياً ودولياً هو التدخل العسكري الداخلي . تدخل يبدأ من تصعيد الضغوط الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية على النظام لتأمين أرضية واسعة لتقبل التغيير . أرضية تكون في الأساس مؤلفة من العسكريين ورجال الأعمال، وبالتالي الدفع نحو مزيد من الانشقاقات السياسية والعسكرية عن النظام تمهيداً لما يمكن أن يشكل انقلاباً داخلياً، لا سيما أن القناعة العامة، التي عبر عنها الصحافي البريطاني روبرت فيسك، هي أن “الأسد لن يرحل إلا إذا انقلبت عليه الدبابات” .

مثل هذه القناعة قد تكون أساسية في ما يخطط له في سوريا . لذا فالأمر يستدعي تبصر الأمور ومتابعة التحركات التي تجري في الداخل السوري وخارجه، بانتظار اكتمال الصورة التي لابد أن تتجلى في الأيام القليلة المقبلة، لأن المخططات وضعت على نار قوية جداً

=================

سوريا و«العدوان الإعلامي»

معن البياري

التاريخ: 17 نوفمبر 2011

البيان

لا تزال غيرَ منسيَّةٍ نكتةُ غوار الطوشة في مسرحيةِ ضيعة تشرين، قبل 37 عاماً، لمّا طلب من "أَبو نارة" أَن يفتحَ الراديو في دكّانِه على إِذاعة لندن، ليعرف أَخبار ضيعته. والبادي أنَّه مستحيلٌ أَنْ نعرفَ، نحن العرب، من الفضائيةِ السوريةِ الجاري في بلادِها، ليس فقط لانشغالِها بالتعبئةِ الدعائية والتحشيد الكلاميِّ، لإِقناعنا بمنظورِ السلطة هناك بشأن المشهدِ الحادثِ، والقتل المتواصل، في حماة وحمص والرستن وإدلب ودرعا وغيرها، بل أَيضاً لأَنَّ الإِصلاح الذي قيل عنه كثيراً في دمشق، وشاعَ أَنَّه سيصيبُ الإِعلامَ الحكوميَّ هناك بموجبِ تشريعٍ صدرَ في خصوصِه، شديدُ الاستعصاءِ، فلا يغشى عيونَنا شيءٌ من رذاذِه، وهذا وئام عكاشة يُقدِّم واحداً من دلائلَ لا عدَّ لها على زعمنا هذا.

هو أَسيرٌ سوريٌّ تحرَّر من سجون الاحتلال الإِسرائيلي، في صفقة تبادل شاليط قبل أَيام، بعد عشر سنواتٍ من الاحتجاز فيها، غادرها إِلى منزلِه في الجولان، ولم يحظَ بخبرٍ موجز في الفضائية المذكورة، ولم تُصادَف له صورةُ أَو مقابلةٌ معه في أَيٍّ من الجرائد الرسمية، لا لشيءٍ سوى لأَنَّ عكاشة ناصرَ في الشهور الماضية، من محبسه عند العدو، الثورةَ في بلادِه، وأَضربَ عن الطعام تضامناً مع الضحايا والقتلى والجرحى فيها.

لا توردُ الفضائيةُ السوريةُ شيئا عن أَعداد هؤلاءِ اليومية، تنقلُ عن المصادر المسؤولةِ بياناتِها عمَّن يسقطون من الجنودِ والعسكريين من الجيش وقوى الأَمن، فيضطرُّنا عدم اكتراثِها هذا بأُولئك الموتى من السوريين إِلى الجهر بزعمٍ آخر، وهو أَنَّ أَرطالاً من البلاهةِ يحتاجُها من يريدُ تصديقَ الحديث الرسمي في دمشق عن إِصلاحاتٍ وحوار مع المعارضة. وفي البال أَنَّ السيدةَ البعثية سميرة مسالمة أُقيلت من رئاستِها تحرير "تشرين"، بعد ساعاتٍ من انتقادِها السلوكَ الأَمنيَّ المروع وشديدَ الفظاظةِ في التعاملِ مع المتظاهرين في درعا.

تصرُّ السلطةُ في دمشق على أَنَّها تتعرَّضُ لما تسميه عدواناً إِعلامياً تحريضياً من فضائياتٍ وقنواتٍ تلفزيونية، وأَنَّ هذه هي المسأَلةُ الحادثةُ في سوريا وليس غيرُها، لكنَّنا، نحن محبي سوريا وشعبِها، لسنا وحدَنا من تُضلِّلنا تلك الفضائياتُ المعتدية، فهذه حكوماتُ 18 دولة عربية لا تُصدِّق الروايةَ الرسميّة السورية، كما تَبيَّنَ في تصويتِ المجلس الوزاري العربي السبتَ الماضي. وفي البال أَنَّ دمشق لم تأْذَنْ للتلفزاتِ ووسائل الإِِعلام العربية والأَجنبيةِ بالتجول في سوريا، فيما هذا الأَمرُ من بنودِ الخطة العربية التي قالت إِنها وافقت عليها وستنفذُّها.

وفي البال، أَيضاً، أَنَّ الأَمين العام لجامعة الدول العربية، نبيل العربي، نقل عن الرئيس بشار الأَسد، في لقائِهما قبل أَسابيع، موافقتَه على مزاولةِ "الفضائيات غير المغرضة" شغلها في سوريا، ونظنُّها أُحجيةً صعبةَ الحلِّ معرفةُ المغرضةِ من سواها بين الفضائيات، سيِّما إِذا احتكمنا إِلى المعيار الذي تأْخذُ به التلفزة السورية. وليس أحبَّ على قلوبِنا من أَنْ يكون القتل اليوميُّ في حمص وحماة وسواهما كذباً، واعتداءً إِعلامياً تقترفُه القنواتُ، التي ربطَ التلفزيون السوريُّ بثَّه مع بثِّ إِحداها عند تنحّي حسني مبارك وبهجةِ الشوارعِ المصرية والعربيةِ عقب ذلك الحدث، وكان الإِعلام الرسميُّ في دمشق ينقلُ عنها، أَحياناً كثيرةً، أَخبار الثورة المصرية في أَيامها ال18، فأَنْ يكون ذلك كذباً سيعني نجاةَ من توردُ لجانُ التنسيق المحليّة والهيئة العامة للثورةِ السورية والمركز السوري لحقوق الإِنسان، أَخبار مقتلهم من التمويت.

لا تتجول كاميراتُ الفضائيات العربية، المغرضة، في مواقع التظاهر والاعتداءات المسلحة وإطلاق الرصاص والقذائف في غير مدينةٍ وبلدةٍ سورية، لكنها تتمكن من ارتكابِ عدوانِها وتحريضِها، فكيف لو أَنها هناك؟ سؤالٌ تستحيلُ الإِجابة عليه من دون إِذنِ السلطةِ الأَمنية الحاكمة لتلك الكاميرات بمزاولةِ عملها الإِعلامي، ما يجعل نكتةَ دريد لحام في (ضيعة تشرين) في مطرحِها السوريِّ تماماً.

=================

هل تتبدّل قراءة النظام السوري بعد الضغط؟ .. فرصة التسوية الانتقالية لا تزال مفتوحة

روزانا بومنصف

النهار

17-11-2011

على رغم المطالبات الدولية بتنحي الرئيس السوري بشار الاسد وبدء الانضمام العربي الى هذه المواقف، فان مصادر ديبلوماسية غير لبنانية تعتقد ان الباب لا يزال مفتوحا امام تسوية يشارك فيها الرئيس السوري من خلال الاتفاق على نقل السلطة الى مجلس انتقالي تعددي. فالرئيس السوري شهد خلال الاشهر الماضية نماذج عدة مختلفة لخروج رؤساء عرب من السلطة تحت ضغط الثورات التي شكلت انتفاضات شعبية مماثلة لتلك التي تحصل في سوريا وعليه الاختيار جيدا اي نموذج يمكن ان يختاره ما دام الامر متاحا في رأي هذه المصادر. اذ ان المرحلة التي يمكن ان يعتبر فيها النظام الحالي قادرا على الامساك بزمام الامور واستعادة سلطته لم تعد واردة وفق تقويم المصادر الديبلوماسية المعنية المعبرة عن اقتناع المجتمع الدولي وحتى العربي ايضا. وكذلك الحال بالنسبة الى اعتبار النظام جزءا من المرحلة المستقبلية. فهذا الامر لم يعد يبدو واردا او محتملا اذ ان هذه المرحلة الاخيرة قد تخطاها ما يجري على الارض من صدامات يومية بحسب هذه المصادر التي لا ترى احتمالا من هذا النوع بعدما تخطى النظام خطوطا غير مقبولة في مواجهة الاحتجاجات الشعبية بحيث لا يمكن القبول بحصيلة معلنة تزيد على 3500 قتيل باي شكل من الاشكال. وتحض هذه المصادر على توجيه اسئلة من هذا النوع الى كل من الصين وروسيا وقدرة كل منهما على التعامل مع نظام بات في رصيده المعلن والموثق هذا القدر من الضحايا. والدعوة التي وجهتها اللجنة الوزارية العربية للجيش بوقف القتل انما تكتسب خطورة من كونها تدفع القادة العسكريين الكبار الى التفكير في اي جانب سيكونون، هل مع نظام رفع العرب عنه الغطاء ولم يعودوا قابلين باستمراره او مع انقاذ الوضع وامكان لعب دور بناء في المرحلة المقبلة.

تقول هذه المصادر ان الدول الغربية لا تزال تفسح في المجال امام الرئيس السوري عقد مثل هذا الاتفاق اي تأمين انتقال الحكم الى مجلس انتقالي يدعو الى انتخابات تشريعية ثم رئاسية، على رغم اعتقاد بعض آخر من الديبلوماسيين ان هذا الهامش قد يضيق مع توالي الاسابيع المقبلة. فهذا السيناريو يحاول تجنب ما حصل مع الرئيس الليبي الذي وضع امام خيارين مرين: احدهما تسليم نفسه الى المحكمة الجنائية الدولية بعد تكليفها قضية القذافي، او خوض المعركة في الداخل قاتلا او مقتولا، الامر الذي اثار مآخذ من ضمن الدول الغربية تجنبت اثارتها في الاعلام في حين ان القذافي لم يجد من يدافع عنه او عن وضعه امام الخيارات الصعبة. ولا يزال الرئيس السوري يتمتع بامرين لهما اثرهما حتى الآن حتى في تقويم المصادر الديبلوماسية الغربية: الاول هو وجود شعبية لديه على رغم مرور ثمانية اشهر من الازمة السورية وهي شعبية لا يمكن تجاهلها او انكارها. والامر الاخر هو تمتعه بحصانة الى حد ما في ظل وجود اصدقاء داعمين له كروسيا والصين بحيث يمكنه الاستفادة من كل منهما من اجل العمل على تسوية او مخرج لائق علما ان الدول العربية لا تزال الاقدر على لعب دور مماثل. وتعرب هذه المصادر عن خشيتها بانه في ضوء استمرار الوضع على ترديه المتصاعد، فان الرئيس السوري يخاطر بتعريض الطائفة التي ينتمي اليها الى مخاطر مستقبلية بناء على أفعال نظامه حتى الآن. في حين ان خروجه في الوقت الملائم وفق مساهمته في التأسيس للمرحلة الانتقالية سيسمح بضمان موقع طائفته ولا يحشرها الى درجة اخراجها من السلطة نهائيا وربما حصول اكثر من ذلك في المستقبل.

والحسابات بسيطة، وفق ما تقول المصادر الديبلوماسية المعنية باعتبار ان ما كان يصلح قبل اشهر قليلة على صعيد اجراء اصلاحات سريعة تتلازم ووقف عمليات القتل والافراج عن المعتقلين وسحب الجيش من الشوارع لم يعد صالحا وكافيا في المرحلة الراهنة على رغم انه لا يزال بندا اوليا. بل بات يحتاج الى بند آخر هو على جدول عمل المعارضة السورية ومطالبتها بان يكون التفاوض مع النظام هو حول المرحلة الانتقالية ليس الا، علما ان هناك مطالبات بمحاسبة النظام ومحاكمته كما ان هناك تلويحا اقليميا بدفع النظام ثمن ما قام به، على غرار ما قال وزير الخارجية التركي محمد داوود اوغلو.

وتشكل المواقف التي اتخذتها الجامعة العربية في حق النظام السوري ابرز المؤشرات الجدية التي يتعين على النظام اخذها في الاعتبار من حيث عدم الاستهانة بأبعادها وما تعنيه وفق هذه المصادر والتي كان لا بد منها تجنبا لمواقف دولية لا يمكن مسامحة الدول العربية في شأنها لو انها تركت للمجموعة الدولية ان تتولى هذا الامر او انها لم تتدخل من اجل حماية الشعب السوري. وعدم قراءة ذلك لا ينبغي ان تكون مماثلة لعدم قراءة كل المؤشرات السابقة على رغم اعتبار هذه المصادر ان الرئيس السوري يستشعر حقيقة ما بات يحوط بوضعه بدليل المواقف التي اطلقها حلفاء له في بيروت استنجادا بالعاهل السعودي عبدالله بن عبد العزيز اضافة الى تأثير المقاطعة الاقتصادية الغربية للنظام. وتاليا فان جملة مواقف تلتقي على اعتبار ان هذا المخرج لا يزال ممكنا ما دام النظام لا يزال يمسك باوراق داخلية معينة وفاعلة يمكنه ان يساوم عليها.

=================

لنحم النظام السوري من «الهجمة الإمبريالية»!!

ياسر الزعاترة

الدستور

17-11-2011

دشن ناشطون موالون لنظام بشار الأسد حملة تواقيع نصرة للنظام السوري. ويستند بيان الحملة إلى رؤية "قومية وتقدمية" بحسب أصحابها، وخلاصتها ما يلي، ونعتذر ابتداءً لطول الاقتباس.

"تتعرض سوريا والمنطقة لهجمة استعمارية بشعة، تستهدف إعادة إنتاج الهيمنة والتبعية عليها، من أجل الحفاظ على ديمومة نهب ثرواتها الطبيعية ومقدراتها الوطنية، وسرقة رؤوس أموالها السائبة في الأسواق العالمية، من قبل المركز الرأسمالي العالمي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية".

"ففي خضم الصراع داخل المركز، صراع البقاء، ومحاولته الخروج من أزمته، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، الشاملة والخانقة، وقد تكون النهائية، تتحول قوى المركز هذا إلى وحوش همجية تلتهم الشعوب وثرواتها ومقدراتها وخيراتها".

كما تعمل قوى المركز الرأسمالي على محو هوية أمتنا وتاريخها وثقافتها وحضارتها، ولهذا تحديدا تشن حروب تدميرية على الشعوب وثقافاتها وعلى البنى التحتية: طرق ومطارات ومنشآت عامة، ومصانع ومعامل ومستشفيات.. الخ. لماذا؟ من أجل إعادة تشغيل شركاتها الاحتكارية المأزومة في مشاريع إعادة البناء، ومحاولة حمايتها من الانهيار. وهذا تماما ما حصل في العراق وليبيا، وما تعمل على إنفاذه في سوريا، بعيدا عن هراء "الحرية والديمقراطية، وحقوق الإنسان، والتبادل السلمي للسلطة" التي تدعي بها هذه القوى الأكثر همجية ووحشية في تاريخ البشرية. انتهى الاقتباس من البيان".

ننقل هذا الاقتباس الطويل، لكي نشير إلى طبيعة التفكير الذي ينهل منه ويستند إليه هذا الفريق الذي يقف إلى جانب النظام السوري في معركته ضد شعبه. إنه طرح يتجاهل حقيقة أن ما يجري في سوريا هو جزء لا يتجزأ من ثورات الشعوب العربية ضد الظلم والفساد. إنها ثورة شعب يريد الحرية والكرامة، ويرفض الفساد والقمع، وهو انطلق في ثورته من دون إيحاء من أحد، ولم يتلق أوامر لا من أوباما ولا من مراكز الهيمنة الإمبريالية التي فوجئت بثورته وذهلت من حجم بطولته وعطائه.

لماذا تكون ثورة المصريين ثورة حرية وكرامة، وكذلك ثورة التونسيين، وحتى ثورة البحرينيين، فضلا عن اليمنيين، بينما تكون الثورة السورية خدمة للأجندة الإمبريالية التي تريد تدمير سوريا وإلغاء هويتها وهوية الأمة؟! قليل من العقل والمنطق أيها السادة. ثم لنفترض أن هناك أجندة إمبريالية ضد سوريا، فلماذا لا ينقذها بشار الأسد القومي التقدمي، ويبادر إلى نقل السلطة إلى فريق يقبله الشعب ويحافظ على سوريا ودورها وحضورها، أم أن الدور التقدمي والطليعي لسوريا لا يصلح إلا بوجوده وعائلته ومن ضمنها راعي المال رامي مخلوف في السلطة؟! أليس بوسع بشار الأسد القومي التقدمي أن يقلب الطاولة في وجه المخطط الإمبريالي الذي يستهدف سوريا والأمة عبر إعلان إصلاح شامل للنظام وتسليمه لشخصيات وطنية مشهود لها بالنزاهة. أليس بوسعكم أيها السادة أن تنصحوه بفعل ذلك من أجل تجنيب سوريا ذلك المخطط الجهنمي؟!.

من وجهة نظرنا، فإن ما يجري في المنطقة ليس مؤامرة، بل ثورة شعوب ضد أنظمة تابعة للغرب، وفاسدة في الآن نفسه، وإذا كانت للنظام السوري الحالي بعض المواقف الجيدة في الإطار الخارجي، فإنه في الإطار الداخلي يُعد من أسوأ الأنظمة على الإطلاق، وكان طبيعيا أن ينتفض الناس ضده. أما إذا كانت الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والتبادل السلمي للسلطة هي محض هراء بحسب البيان، فإن سبيل التفاهم مغلق مع هذا الفكر.

الآن يحاول الغرب استغلال الموقف والانقلاب على ثورات الشعوب وحرفها عن مسارها، وأقله الحيلولة دون تهديدها لمصالحه، لكن الأمة التي أفشلت مشروع الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان وأفشلت مشاريع التسوية والتطبيع ستتمكن من إفشال محاولات الانقلاب على ربيعها وعكس مساره في غير مصلحتها.

أسوأ ما يفعله هؤلاء هو الزعم بأنهم يتحدثون باسم الشعب الأردني أو الشعوب العربية، فيما يعرفون أكثر من غيرهم أن غالبية الناس لا تلقي لهم بالا، ربما لأنها لا تفقه في السياسة ومتابعة المخططات الإمبريالية كما يفقهون، ونحن نتحدى أن يكون هناك استفتاء في الأردن بخصوص ما يجري في سوريا، وستنازل عن رأينا لصالحهم إذا حصلوا على 20 في المئة فقط من الأصوات وليس 50.

=================

سورية.. حين يكون الوطن على حد السكين!

سلطان الحطاب

الرأي الاردنية

17-11-2011

أستغرب أن يسمح القادة ان تكون اوطانهم على حد السكين حين يقدمون مصالحهم الشخصية واستمرار تشبثهم بامتيازاتهم على المصلحة الوطنية للوطن وسلامته..

وما زلت أذكر ونحن نبكي لما حدث من فجيعة اصابتنا بهزيمة حزيران عام 1967 حين كان تعليق راديو سوريا المستمر «المهم بقاء النظام الوطني في سوريا.. كان ضياع جزء من الوطن في الجولان هو الأسهل.. وكان المهم بقاء النظام».. »لأن النظام هو الوطن والوطن هو النظام» هكذا عشنا ورأينا ذلك في أكثر من نموذج عربي وما زلنا نعيشه لليوم..

هناك قادة يضحون من أجل اوطانهم.. وهناك اوطان يُضحى بها من أجل أنظمة واشخاص وهذا النوع الأخير كثير منه في عالمنا العربي.. أما النوع الأول فقليل ونادر.. وليس موجوداً الان..

أذكر حين وقع قتل الفتيات الاسرائيليات في حادث الباقورة على يد الجندي الدقامسة.. قدرة الملك الراحل على التحرك السريع.. فقد قطع زيارته من الخارج وعاد بسرعة ليركب طائرة هليوكبتر نزلت به في طبريا ومن هناك توجه الى موقع اسمه «بيت شيمش» قريب من بيت لحم حيث دخل على الامهات الاسرائيليات اللواتي قتلت بناتهن اثناء الرحلة المدرسية في منطقة الباقورة.. وحين خرج علق قائلاً «مسدسي خذلني»..

في نفس اليوم كان مجلس الوزراء الاسرائيلي المصغر الذي كان فيه ايهود باراك الحالي رئيساً للأركان في الجيش الاسرائيلي قد اتخذ قراراً للرد بتوجيه الجيش الاسرائيلي الى اربد والدخول اليها.. كان الملك يدرك ذلك وكان عليه أن يقطع الطريق على العدوان الطارىء على بلده..

كان امام خيارين صعبين.. إما ان يذهب بنفسه ليسجل موقفاً انسانياً قل نظيره.. ويفتدي به عدواناُ جرى التخطيط له على عجل على بلده.. وإما ان يتمسك بكبريائه الشخصي ويتوقف عن الذهاب او حتى عن اداء العزاء حيث ذهب الملك ليجالس نساء يهوديات متوشحات بملابس العزاء!

قليلون من يعملون هكذا ويدركون معنى ان تحمى اوطانهم بقطع العدوان المدبر عنهم.. وكثيرون بالمقابل من القادة من تأخذهم العزة بالاثم وبالكراسي فيضحون بالأوطان وقد رأينا ذلك في احتلال العراق.. وفي سقوط النظام الليبي حين أراد العقيد المقتول من الشعب الليبي ان يُعرف على نفسه بقوله «من أنتم» ؟! وغير ذلك من صفات نعرفها وكانت النتيجة ما عرفناها..

اليوم الأسد.. بشار يضع سوريا على حد السكين كما قال اوردغان ويعرض مصالحها الوطنية واستقرارها وأمنها ووحدتها الوطنية والترابية على حد السكين لدرجة اضطر معها الملك عبد الله الثاني للقول في مقابلته لاذاعة ال «بي بي سي» والتي اجتزأت وقرأت بصورة مختلفة (لو كنت مكانه لتنحيت) بعد أن دافع عن الاسد وطالبه بالاهتمام بمن سيكون قادراً على انقاذ سوريا بدل الامعان في ترك من يريدون اغراقها في الدم من مواصلة عملهم..

نفس الحالة يرتكبها الرئيس اليمني الان.. وفي تاريخنا المعاصر لم يتنح عن القيادة الا سوار الذهب السوداني الذي ربما اتهمه القادة العرب والسودانيون من بعده بالهبل!!

عدم وضع الاوطان على حد السكين يستلزم الشجاعة والتضحية وليس الدكتاتورية وتقديم المصالح الشخصية.. أترك الصورة للمقارنة وأترحم على الحسين الذي أودع كبرياءه للتاريخ ليحفظها الله حتى يبقى بلده سليماً!!

=================

سلوك النظام السوري يدفع به إلى الهاوية

د. بشير موسى نافع

2011-11-16

القدس العربي

بصدور قرار المجلس الوزاري للجامعة العربية، 12 تشرين ثاني/يونيو، بتعليق مشاركة الوفد السوري في مجلس الجامعة والمنظمات التابعة لها، ودعوة الدول العربية لسحب سفرائها من دمشق، ضمن عدد من الخطوات الأخرى الخاصة بسورية، تكون الجامعة قد خطت خطوة هامة للارتقاء إلى مستوى طموحات الشعوب العربية في حقبة ثورات الحرية والكرامة التي تعصف بالنظام العربي التقليدي. وبصدور القرار، يحقق الشعب السوري الباسل انتصاراً سياسياً كبيراً في نضاله المستمر منذ ثمانية شهور ضد حكم الاستبداد والقمع المظلم الذي يخيم على سورية. ولكن ثمة مسافة أخرى لا بد من قطعها لتحقيق الانتصار النهائي، تتطلب قدراً أعلى من الحكمة والتصميم والمثابرة.

خسر النظام السوري معركة الجامعة العربية لأنه لم يتصرف كممثل لدولة في تعامله مع أشقائه العرب ولا مع الرأي العام العربي، تماماً كما أنه لم يتصرف كممثل لدولة منذ اندلعت الحركة الشعبية السورية في منتصف آذار/مارس الماضي. كذب النظام السوري على حلفائه في تركيا، ليس مرة أو اثنتين، بل مرات، وليس على لسان وزير أو مسؤول أمني، بل على لسان الرئيس الأسد نفسه. وكذب على حلفائه العرب، الذين بذلوا كل جهد ممكن لمساعدته على إصلاح الشأن السوري ومقابلة شعبه في منتصف الطريق. وكذب على الأمين العام للأمم المتحدة، عندما قدم وعداً معلناً له بإيقاف العنف. وقبل ذلك وبعده، كذب على شعبه نفسه، عندما أكد في أكثر من مناسبة على أنه يعمل من أجل التغيير والإصلاح وأنه أمر قواته بوقف إطلاق النار على المتظاهرين.

طوال ثمانية شهور، خاض النظام حرباً فعلية ضد الشعب، رجاله ونسائه وأطفاله، مثقفيه وفنانيه ونشطيه السياسيين، وباستهتار لا يوازيه إلا استهتار أنظمة إجرامية مشابهة في ليبيا واليمن. يتسع نطاق الحركة الشعبية وتزداد حجماً، بينما النظام يدعي أنه تجاوز الأزمة؛ تقوم قوات النظام وأجهزته بارتكاب المجازر ضد المتظاهرين العزل، بينما يدعي النظام أنه يخوض مواجهة ضد عصابات مسلحة، لا يعرف أحد لها صورة أو اسماً؛ يخرج السوريون بكافة فئاتهم وخلفياتهم السياسية والطائفية محتجين في شوارع مدنهم وبلداتهم، بينما النظام يتهم معارضيه بالسلفية والتطرف الديني. خلف كل الكذب الصريح والادعاءات، خلف السخرية من عقول السوريين والعرب، لم يكن هناك سوى سياسة صلبة واحدة: مغالبة النظام للشعب، سعيه الدموي لقهر إرادة السوريين وإعادتهم إلى حظيرة الطاعة والانصياع، نشر الخوف والرعب والدمار في أنحاء سورية من أجل الحفاظ على الفئة الحاكمة واستمرار سيطرتها على مقدرات البلاد.

هذه لم تعد دولة بالمفهوم المعروف للدولة الحديثة. عندما يورط نظام حكم جيشه في حرب بهذا الحجم وهذا الاتساع وطوال هذا الزمن ضد شعبه، ويظهر هذا القدر من الاستهانة باحتمالات انهيار الجيش وتشظيه؛ وعندما يضع نظام حكم أجهزته الأمنية في مركز الدولة ويحول الجزء الأكبر من مقدرات الدولة لنشاطات هذه الأجهزة؛ وعندما يلجأ نظام حكم إلى عصابات وميليشيات لا يعرف لها من وضع نظامي لقمع حراك شعبه السلمي ومطالب الشعب في الإصلاح والتغيير؛ وعندما يعمل نظام حكم على تقسيم الشعب، صراحة وضمناً، إلى طوائف وأعراق ومذاهب، ويمهد الطريق لنشوب حرب أهلية، ينهار معنى الدولة التي يقودها النظام ومبرر وجودها. وعندها لا يجب بأي حال من الأحوال التعامل مع هذا النظام بصفته ممثلاً لسورية ودولتها. وهذا ما يجب أن يجعل قرار الجامعة العربية خطوة أولى على الطريق، وليس نهاية الأمر.

السبب الثاني وراء قرار مجلس الجامعة العربية كانت بلا شك مجموعة السوريين الشجعان، رجالاً ونساء، مسلمين ومسيحيين، عرباً وكرداً، إسلاميين وقوميين وليبراليين ويساريين ديمقراطيين، الذين عقدوا العزم في منتصف ايلول/سبتمبر على الالتقاء تحت مظلة المجلس الوطني، ومن ثم الإعلان عن المجلس الموسع في الثاني من تشرين أول/اكتوبر. عبر المجلس عن طموحات وآمال السوريين، وسرعان ما أعطاه الشعب السوري ولاءه وثقته، ليصبح بذلك الصوت والممثل الأكثر مصداقية للشعب وللثورة السورية. وقد كان وجود المجلس وتحرك قياداته على الساحتين العربية والدولية ضرورياً لإدراك الرأي العام العربي ومجلس الجامعة العربية بأن الشعب السوري قادر على لم صفوفه، وعلى تقديم بديل يليق بسورية ومستقبلها لنظام طال راهن على أن العالم لن يجد له بديلاً، كما كان ضرورياً لنقل حقيقة ما يجري في سورية وما الذي يطلبه شعبها من العرب والعالم.

أما السبب الثالث فيتعلق بما جعل النظام العربي يبدأ تحركه السوري أصلاً: أهمية سورية، خشية العرب من عواقب انفجار الوضع السوري، وحرصهم على أن تتجنب سورية وجوارها العربي كله مخاطر اندلاع صراع أهلي أو تدخل عسكري خارجي.

تعرف الدول العربية أن انفجار حرب أهلية واسعة النطاق، أو تطور الوضع السوري باتجاه وقوع تدخل أجنبي عسكري، قد يعرض الجوار العربي المشرقي كله للخطر. سورية، كما تكرر القول، ليست ليبيا، لا من جهة الموقع ولا من جهة البنية الديمغرافية. ولا تقتصر الخشية العربية على التدخل الخارجي الغربي، ولكن أيضاً من احتمالات تدخل إيراني وتركي، يعزز من نفوذ إحدى الدولتين أو كلاهما في المشرق العربي، بما يهدد المصالح العربية، في حالة إيران، أو يشجع على نشر المناخ الديمقراطي وصعود القوى الإسلامية، في حالة تركيا. ولكن ذلك لا يعني بالتأكيد أن الدول العربية التي أخذت القرار بما يشبه الإجماع لا ترى الدلالات الكبرى لتيار الثورة العربية وضرورة أن يرتفع النظام العربي الرسمي إلى مستوى طموحات الشعوب، أو على الأقل أن يبدو كذلك، قبل أن تعصف رياح الثورة بما تبقى من الدول العربية.

بيد أن القوة الأكبر خلف هذا القرار كان تضحيات الشعب السوري، بسالة هذا الشعب التي تفوق حتى متطلبات البطولة والتضحية، وتصميمه الذي لم يلن على أن يجعل هذه الثورة فاصلة نهائية وقاطعة في تاريخ سورية الحديث. على العرب، والعالم بأجمعه، أن يقفوا باحترام وتواضع وفخر أمام بسالة السوريين واليمنيين، الذين جعلوا هذا العام عاماً للثورة العربية بلا منازع، والذين أظهروا من صلابة الارادة ما لم يظهره شعب في نضاله من أجل الحرية والكرامة. ولكن المؤكد أن ما يتعرض له السوريون هو مستوى آخر مختلفاً من القمع، بعد أن قذف نظام الحكم بكل مساوئه وبشاعته في مواجهة الشعب. طوال ثمانية شهور، اعتقل عشرات الآلاف من السوريين، تعرض الآلاف منهم للتعذيب الوحشي، وقتل العشرات منهم تحت التعذيب، رجالاً ونساء، قتل الآلاف، وانتهكت حرمات وأعراض. ولكن السوريين لم يلينوا. وعندما بدا وكأن أحداً من العرب أو دول الجوار أو المؤسسات الدولية سيتحرك لمد يد العون للشعب الأعزل، وكبح جماح نظام القمع والاستبداد، لم تضعف المدن السورية ولا لانت ارادة الناس، بل أصبحت الحركة الشعبية أكثر عنفواناً وتصميماً. يوم الجمعة السابق على قرار الجماعة العربية، شهدت سورية 292 مظاهرة احتجاجية في كافة أنحاء البلاد، من المدن الكبرى إلى البلدات الصغيرة. إرادة هذا الشعب ووعيه بلحظته التاريخية هي القوة الأهم خلف إجبار الجامعة العربية على اتخاذ مثل هذه الخطوة.

الآن، ما الذي ينبغي القيام به بعد هذا القرار العربي بالغ الأهمية؟ الجامعة العربية لا تمتلك آليات لفرض قراراتها؛ وربما كان التدخل العربي بقيادة مصر الناصرية لحماية الكويت من تهديدات عراق عبد الكريم قاسم في مطلع الستينات، الحالة الأولى والأخيرة التي شهدت تدخلاً عربياً مادياً في دولة عربية أخرى بمعزل عن الآليات الدولية. اليوم، ليس ثمة دولة بحجم مصر عبد الناصر تقود النظام العربي في خطوة مماثلة. وهذا أحد أهم الأسباب التي تجعل من الضروري أن يمارس السوريون، شعباً وقوى معارضة، وأن يقف الرأي العام العربي إلى جانب السوريين، من أجل أن تتطور الجامعة آلية عربية للتدخل، تبدأ ربما بنشر مراقبين عرب على نطاق واسع في المدن والبلدات السورية، وإن تطلبت الأمور نشر قوات عسكرية عربية. الخيار الآخر، خيار التدخل الخارجي، بما في ذلك ما يسمى بالحماية الجوية، سيكون كارثة على سورية وعلى مجمل توازنات القوة في المشرق العربي.

أي تدخل غربي، سواء بقوة عسكرية على الأرض أو بما يسمى الحماية الجوية، يعني أن تتعرض المقدرات العسكرية السورية في البداية لحملة عسكرية تطال الدفاعات الجوية، مدارج الطائرات في القواعد العسكرية الجوية، مراكز القيادة والتحكم، وأية منظومات صاروخية. بمعنى إيقاع شلل كامل بالقدرة على الرد والتدخل. إذ ليس ثمة دولة غربية يمكن أن تدفع بطائراتها إلى الأجواء السورية وهي تدرك أن باستطاعة القوات السورية إيقاع ضرر ما بالطائرات والطيارين. نظام الحكم في دمشق سينهار، آجلاً أو عاجلاً، ولكن من الضروري أن لا تجد سورية نفسها عارية أمام التهديدات المختلفة بعد سقوط النظام. ومن السذاجة تصور إمكانية إعادة بناء مقدرات سورية العسكرية بسهولة بعد سقوط النظام.

الحل الأسلم بالطبع أن يلعب القرار العربي دور الرافعة المعنوية الضرورية دفع المزيد من عناصر الدولة ووحدات الجيش للانشقاق عن النظام والانحياز للشعب والثورة. وكلما ازدادت معدلات الانشقاق كلما تراجعت قدرات مؤسسات الحكم الأمنية والعسكرية على مواجهة الشعب وثورته، والاستمرار في عمليات القمع والإرهاب الدموي التي تتعهدها. ولكن الأسلم ليس ربما ما قد يتحقق دائماً؛ فالأزمات، ما ان تطول وتصبح أكثر تعقيداً، حتى تطور منطقها ودينامياتها الخاصة بها.

=================

اقتحام السفارات العربية في دمشق

رأي القدس

2011-11-16

القدس العربي

ان تغضب السلطات السورية من الجامعة العربية وبعض الدول التي وقفت خلف قرار تجميد عضوية دمشق فيها، فهذا امر مفهوم، ولكن ان تتم ترجمة هذا الغضب بطرق غير حضارية، مثل مهاجمة سفارات هذه الدول، والخليجية منها على وجه التحديد، فهذا امر غير مبرر علاوة على كونه غير مقبول.

السيد وليد المعلم وزير خارجية سورية اعتذر في المؤتمر الصحافي الذي عقده قبل ثلاثة ايام من الدول التي تعرضت سفاراتها للهجوم في دمشق، وأعرب عن رفضه لمثل هذه الاساليب، وهذا سلوك حضاري في حد ذاته، لان الاعتراف بالخطأ فضيلة، ولكن من الواضح ان السيد المعلم في واد والسلطات الامنية في بلاده في واد آخر، فبعد يومين من هذا الاعتذار استمرت الهجمات على السفارات العربية والأجنبية، وبالأمس هاجم محتجون سفارات ست دول، من بينها سفارات المغرب ودولة الامارات العربية المتحدة والأردن.

حماية السفارات والدبلوماسيين العاملين فيها مسؤولية السلطات في الدول التي تتواجد فيها، تنفيذا لبنود المعاهدة الدولية التي تنظم هذه المسألة وتضع المعايير القانونية المتعلقة بالتعاطي مع هذه المسألة.

لا يمكن ان نصدق ان عمليات الهجوم هذه تتم بطريقة عفوية من قبل المؤيدين للنظام السوري والغاضبين من تصرفات حكومات عربية تعمل على عزل بلادهم، وتخطط لاطاحة النظام الحاكم فيها، فلا يمكن ان يجرؤ أحد على التعدي على أي سفارة عربية او اجنبية دون الحصول على ضوء أخضر من قبل الجهات المعنية والأمنية منها على وجه الخصوص.

تستطيع السلطات السورية ان تتصرف بطريقة مختلفة تعكس من خلالها غضبها من الدول التي تحرض ضدها، وتشن حملات لعزلها عربيا ودوليا، مثلما شاهدنا قبل ايام عندما وقفت دول خليجية خلف قرار تجميد عضوية سورية في الجامعة العربية، قبل ان تقطع العلاقات مع هذه الدول وتطالب العاملين في سفاراتها بالمغادرة، وهذا حق مشروع في العرف الدبلوماسي، لكن مهاجمة السفارات، وحرق الاعلام المرفوعة على مبانيها فهذا امر يتنافى مع الاعراف الدبلوماسية، ويزيد من عزلة سورية اكثر فاكثر.

نعم هناك مرارة في حلق المسؤولين السوريين بسبب الخذلان الذي يتعرضون له، ويواجهونه من قبل حكومات عربية كانوا يعتبرونها صديقة صوتت الى صالح تجميد عضوية بلادهم في الجامعة، مثلما ندرك في الوقت نفسه ان هؤلاء المسؤولين يرون في مثل هذا الموقف من جامعة عربية كانت بلادهم من المؤسسين لها اهانة لا يستطيعون بلعها، ولكن ما لا نقره هو كيفية التعبير عن هذه المرارة، بحيث تأتي النتائج عزلة اكبر لسورية، وتقديم الاعذار والمبررات لهؤلاء الذين يقفون خلف عمليات العزل هذه.

المسؤولون السوريون يجب ان لا يلوموا الدول العربية، المتآمرة او الصديقة حسب تعريفهم، بل عليهم ان يلوموا انفسهم لانهم اخطأوا في قراءة ما يجري حولهم وفي بلادهم قراءة صحيحة، وتمسكوا بالعناد والحلول الامنية التي ثبت عدم نجاحها، علاوة على كونها وظفت في غير صالحهم، ولانهم ايضا اداروا الازمة بطريقة فيها الكثير من الاستهتار بالمنتفضين من ابناء الشعب المطالبين بالعدالة والديمقراطية والكرامة.

مهاجمة السفارات لن تردع دولها وحكوماتها وتدفعها للتراجع عن مواقفها المعارضة للنظام السوري والمطالبة باسقاطه، بل قد تدفعها للمزيد من التعنت وتصعيد العداء للنظام السوري، ونعتقد ان السيد المعلم كان مدركا لهذه المسألة جيدا وعبر عن ذلك بالاعتذار عن مثل هذه التصرفات غير الدبلوماسية، وهو الرجل الخبير، بل الاكثر خبرة في هذا المضمار.

مشكلة النظام السوري ليست مع السفارات العربية والاجنبية وانما مع الشعب السوري، او قطاع عريض منه يطالب بحقوق مشروعة في التغيير الديمقراطي، واسترداد كرامته الشخصية والوطنية المفقودة على مدى اربعة عقود على الاقل من الديكتاتورية والقمع وانتهاك حقوق الانسان. وربما يفيد التذكير بان السفارات التي تتعرض للهجوم كانت حتى اقل من عام تمثل دولا كانت تعتبر حليفة وصديقة، تفرش دمشق لحكامها السجاد الاحمر تأكيدا على هذه الصداقة وهذا التحالف، وهذا يعني ان تقييم النظام لهذه الدول ومواقفها لم يكن دقيقا، وهذا ما يفسر صدمته من مواقفها الرامية الى عزلته الدولية قبل العربية، وربما المشاركة في اي تدخل عسكري لتغييره.

=================

«انتفاضة» النظام العربي على نهج «اللفّ والدوران»

الخميس, 17 نوفمبر 2011

عبدالوهاب بدرخان *

الحياة

جلست أشاهد يوم الأحد النقل المباشر لتظاهرة دمشق الحاشدة ضد قرار الجامعة العربية. سوريون وسوريات مرّوا أمام الكاميرا ليُبدوا -محقّين- استنكارَهم واستياءهم، فهم لم يتوقعوا أن يروا يوماً تصبح فيه سورية العروبة غيرَ مرغوب فيها في بيت العرب الذي شاركت في تأسيسه. كان من حق هؤلاء أن يعبروا عن مشاعرهم، ولو بعبارات متطابقة لا داعي للقول، احتراماً لهم، أنها ملقّّنة، فهذا شأنهم. المشكلة أننا لن نسمعهم أبداً يدلون بأي رأي في الأسباب التي دعت الجامعة الى مثل هذه الخطوة. ألا يريدون، مثلهم مثل كل البشر خارج سورية، من عرب وغير عرب، أن يتوقف القتل المستمر منذ ثمانية شهور؟ وهل تأييدهم للنظام، وهم أحرار في ذلك، يشمل أيضاً ما يبديه من عنف مفرط؟ ألا يهزّهم سقوط ضحايا هم مواطنون لهم؟ ألا تعنيهم هذه الانتفاضة بشيء؟ وهل يصدّقون إعلامهم الرسمي في ما يغدقه عليهم من أخبار «العصابات» و «الارهابيين» وسواهم؟ لن نعرف اجاباتهم، وسيواصلون التظاهر كلما دُعُوا اليه. طبعاً، بينهم من خرج برغبته، وبينهم من لم يرد المجازفة بأن يُسجَّل غائباً، وبالتالي مشتبَهاً بتعاطفه مع «العصابات» أو بالإدمان على مشاهدة الفضائيات العربية.

أخرج النظام هذه التظاهرات ليقول للعرب إن الشعب السوري وحده يصدّق روايته للأحداث ويؤيده في ما فعل ويفعل منذ منتصف آذار (مارس) حتى الآن. لكنه مع التأييد العارم، لم يستطع أن يوقف القتل يوماً واحداً منذ موافقته «بلا تحفظ» على اتفاق الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر). كان مندوب سورية في الجامعة قال في غمرة غضبه إن الآخرين «لم يتوقعوا أن نوافق، واستاؤوا لمّا وافقنا»، لذا اخترعوا ذريعة عدم تنفيذ الاتفاق «مع أني شرحت لهم أننا نفذنا كل ما في الاتفاق»! والواقع أنه لم يكن هناك تنفيذ «فوري» -وفقاً للاتفاق-، لا في اليوم الأول ولا الثاني ولا العاشر. وإذ استهلكت المهلة الأولى بكلفتها الدموية (حتى نهاية ت1/ اكتوبر) للتوصل الى الاتفاق، فإن الثانية (بعد الاتفاق) أوشكت على الانتهاء تاركة للعرب اتفاقاً «ميتاً» وخيارات شبه معدومة ومأزقاً صعباً من شأنه أن يودي بما تبقى من مصداقية للجامعة ولأعضائها.

كانت هذه المهل المميتة اعتُمدت أصلاً لأن دولاً عديدة متعاطفة مع سورية النظام أو مترددة في اتخاذ قرارات ضدّها. لكن النقاش طوال الشهور الأربعة الماضية والضغوط الدولية، فضلاً عن ضغوط الواقع على الأرض، قلّصت الفوارق بين المواقف. لذلك لم يكن عسيراً أن يتخذ قرار 13 تشرين الثاني، بما فيه من مفاجآت تفوقت بها الجامعة على نفسها. وكان الموقف واضحاً: استخدم النظام العنف لمحاربة الانتفاضة دافعاً اياها الى «التعسكر»، واستخدم العنف ليفرض منطقه على جميع أطراف النظام العربي الرسمي، ولم يكن مستعداً لتنازلات لا في الداخل ولا في الخارج. وهكذا ارتسم المأزق العربي ازاء خيارين حددهما النظام السوري نفسه: فإما تشاركه الجامعة ادارة الأزمة على طريقته، وإما تسحب مبادرتها وتستقيل نهائياً من هذه الأزمة. واقعياً كان التحرك العربي انطلق بمبدأين: وقف العنف وعقد حوار وطني، والحؤول دون أي تدخل عسكري خارجي. عملياً، لم يمانع بعض الدول اغراء «الاستقالة» طالما ان النظام لم يوقف القتل، ثم إنها تعفيهم من الإحراجات، لكن الرأي الآخر خشي أن تكون هذه نكسةً مروعة للجامعة في مناخ التغيير الذي بات يشكل ارهاصاً لنظام عربي جديد لا بد أن ينبثق تحديداً من الجامعة. لذلك انتصر الرأي القائل بأن ما يُطرح عربياً هو لمصلحة سورية الدولة والشعب، واذا كان «تعريب» الأزمة مقبولاً، كمحاولة أخيرة لمنع التدويل، فلا بدّ من أن يدار بشروط الجامعة.

أدركت الدول العربية الأساسية ما كانت تعيه سابقاً لكنها لم تشأ التعجّل في الحكم على تصرفات النظام. فهو سايس المسعى العربي لوضعه تحت جناحه واعتباره قيمة مضافة في مواجهته مع «المؤامرة» الخارجية، متطلعاً الى إسكات الفضائيات العربية ك «جائزة» له على انجاز اتفاق مع الجامعة، لكن هيهات أن يغيّر سلوكه الدموي في الداخل حتى بوجود مراقبين عرب. غير أن العرب لم يدخلوا على خط الأزمة السورية لإبقائها في مراوحتها، بل لأخذها الى منعطف قد يبدأ معه الحل السياسي، وإلا لكانوا تركوها في كنف النظام وحلّه الأمني. وفي كل الأحوال، اذا كان النظام يريد حلاًّ فقد أصبح مفهوماً لديه أنه مطالبٌ بالتنازل عن حقوق للشعب كان استولى عليها أصلاً لمصلحة تسلطه وتسليطه الحزب الواحد.

كان من الطبيعي أن يردّ النظام بانفعال على القرار العربي غير المسبوق، وأن يمحو الصفعة المهينة بتظاهرات مليونية، وأن يواصل القتل بإصرار هذه المرة، إلا أن براغماتيته كفيلة بالتقاط الفرص التي انطوى عليها هذا القرار، بشرط أن يحسم أمره اذا كان يريد الحل العربي أم لا، فأحد المراجع العربية القريبة من بلورة القرار يقول إن الجامعة لم تكن ولن تكون في «حرب» مع سورية، فإذا شاء النظام ان يتجاوز مشاعره يمكنه أن يوقف العنف ويدخل فوراً في التفاوض على «نقل السلطة» رغم أن الاحداث تجاوزته. وإذا أبدى جدية ملموسة يستطيع العرب أن يساعدوه بضمانات يقدمونها الى المعارضة للمشاركة في حكومة وحدة وطنية انتقالية، أما اذا تبين أنه يناور لكسب الوقت، فإنه قد يفتقد الدور العربي حين يضطر للتفاوض على «مخرج آمن» من الأزمة. وأخيراً اذا استهدف الدور العربي لتعطيله، فقد ينجح في ذلك لكن يبقى لديه خيار واحد: «السقوط».

كانت الدعوة الى قمة عربية طارئة تعبيراً عن تجاهل لقرار وزراء الخارجية، وكأنهم تصرفوا من دون التشاور مع قادتهم، لكنها كانت أيضاً مناورة، بل محاولة جديدة لعرض «الرواية الرسمية» التي باتت تستند الى وقائع الحرب مع الجنود المنشقّين. غير أن النظام يجد نفسه للمرة الأولى في تاريخه مجرداً من غطاء عربي استخفّ به الرئيس الحالي وتمسّك به والده الرئيس الراحل. كان قرار الجامعة بمثابة انتفاضة للنظام العربي الرسمي لإطاحة نهج «اللف والدوران والاحتيال»، وفقاً لمصطلحات أطلقها رئيس الوزراء القطري وتبيّن لاحقاً أنها كانت توصيفاً لواقع الحال في المفاوضات مع دمشق. لا أحد ينسى أن سورية كانت تاريخياً هي التي تعطي الشرعية العربية مغزاها، لكن سورية هذا النظام فقدت الى حين كل الشرعيّات التي كانت تتمتع بها. ومن شأنها أن تقرر اذا كانت ترضى بالعزلة العربية، بعد الدولية. يبقى لها، طبعاً، غطاء روسيا وايران... لكن الى أجل قصير.

=================

الكرسي السوري الشاغر

الخميس, 17 نوفمبر 2011

محمد الأشهب

الحياة

انقذت قمة فاس العربية عام 1982 نظام الرئيس الراحل حافظ الأسد من إدانة دولية، كادت تتحقق على خلفية الإبادة التي تعرضت لها مدينة حماة. وقتذاك هيمن الانشغال بخروج الفلسطينيين من بيروت، وتبلورت قناعات بإمكان أن يحقق مشروع السلام العربي ما لم تستطعه لاءات الخرطوم.

أصعب ما واجهه الحسن الثاني، وهو يخطو في اتجاه الدعوة إلى عقد قمة عربية، على أنقاض فشل الطبعة الأولى لأقصر حدث عربي، ميّزه تعليق القمة في جلسة افتتاحها. كان تأمين حضور الرئيس حافظ الأسد من منطلق أن لا حرب من دون سورية ولا سلام إن لم تركب قاطرته قبل الإقلاع. وروى المستشار أحمد بن سودة الذي مدّد إقامته في دمشق أنه كان مصراً على النوم في قاعة الاستقبال في القصر الجمهوري في دمشق، إلا أنه أسعفه وعد الرئيس أنه سيكون في مقدم الحضور.

تغيرت الصورة كثيراً بعد حوالى ثلاثة عقود. وأي مسؤول سوري مهما كان في هرم النظام، لن يجد من يلح في حضور بلاده في العاصمة المغربية هذه المرة. فقد قطع النظام السوري مع شعبه، قبل أن يبرع في تحقيق عزلة قاسية على الصعيدين العربي والدولي، ذهب نحوها مغلق أو مفتوح العينين، لا يهم، طالما أن النتيجة مهدت لها ممارسات سارت في اتجاه معاكسة التيار.

ليست مشكلة النظام السوري قائمة في الأصل بسبب خلافات مع العالم العربي، الذي منحه كل الفرص الممكنة لإيجاد مخرج لائق، يجنبه اتساع نطاق الإدانة المتزايدة. وليس مصدرها أن الاتصال مع العالم العربي وتحديداً أوروبا والولايات المتحدة الأميركية مقطوع الحرارة، نتيجة ما يوصف بوجود مؤامرة ما. ولكن الخطأ يكمن في عدم استيعاب الحقائق الجديدة، التي تفيد بأن الحوار على الصعيد الداخلي، وفق منهجية ديموقراطية تجمع كافة القوى الحية، وفي مقدمها المعارضة، يبقى المدخل الطبيعي السلس الى الحوار المتعدد الأطراف، مع باقي العوالم عربية وإسلامية ودولية.

عندما صنف النظام في سورية احتجاجات الشارع بأنها جزء من مؤامرة مدبرة، كان يورط نفسه في الابتعاد كثيراً عن النقطة التي تسمح ببدء حوار إيجابي مع المعارضة. وعندما راق له أن يعاود استنساخ شعارات ومقولات سبقته نحوها أنظمة عربية منهارة، من دون بذل أي جهد لاستقراء مآل الأحداث والتطورات، كان يمضي بسرعة أكبر في اتجاه المصير ذاته.

لو كان التلويح بالمؤامرات القادمة من الخارج، وتصنيف الغاضبين في مواجهة أنظمة القمع والاستبداد بأنهم من فلول المتطرفين والمصابين بالهلوسة الذين يحملون السلاح، لو كان مثل هذا السلوك ينفع، لما انتهت الفرضيات الخاطئة إلى نتائج أبعد من أن يتصورها أي نظام يتمرغ في أوحال الإفلاس والسقوط.

كل السياسات تبدأ بالإشارات. وقديماً كان المتصوفة العازفون عن ملذات الدنيا يستسلمون إلى لغة الإشارات التي تكون أكثر إيحاءً في تلمس معالم الطريق. غير أن النظام السوري مثل أي مدرسة لا تكثرت للإصغاء إلى النبضات، أضاع فرصاً عدة، لم يكن آخرها أن انسحابه من لبنان بقرار دولي، كان يعني فك الارتباط بين أوهام الأدوار الإقليمية وواقع الانشغال بما يؤرق الشعب السوري من مظالم.

مثله أيضاً لم يفهم النظام الليبي أن إلغاء العقوبات الدولية لن يكون له مفعوله، إلا في حال اقترن بإقرار إصلاحات داخلية عميقة تحقق دمج ليبيا في المحيط الدولي لما بعد نهاية الحرب الباردة. وربما أن تأثير هذه النهاية يعني أن الاستقواء لا يكون إلا بالديموقراطية والتنمية وإقرار المصالحة مع الداخل.

لا يتطلب الأمر أكثر من الالتفات قليلا إلى الوراء. وفيما أن انهيار منظومة المعسكر الشرقي قاد إلى انعتاق دول أوروبية كانت محسوبة عليه من جبروت الاستبداد والإخضاع، وسيرها في اتجاه بناء دول ديموقراطية ناشئة احتضنتها أوروبا الغربية، فإن الإشارات القوية التي تلقاها العالم العربي، لم تسعف أنظمة شمولية في إدراك أن الاحتماء بوهم المؤامرات الأجنبية لا يزيد عن إتلاف معالم الطريق. إذ تكون بلا مخرج وبلا أفق.

أدت الجامعة العربية ما عليها وأكثر، بقدر كبير من الصبر والأناة وضبط النفس. ولم يكن وارداً أن تغض الطرف عن ممارسات أنظمة معاندة، لم تستوعب هواجس التغيير. فالجامعة ذاتها تغيرت، وهي تتقمص الالتزامات الجديدة التي ترتبت عن موجة الربيع العربي. والمشكل ليس في توصيف أزمة أو سوء تفاهم بين سورية والعالم العربي. ولكنه يتجسد في أزمة نظام لا يريد أن يتغير.

ليس يهم الاختلاف في الشكل بين واقع هذا النظام أو ذاك. فالرسميون في مصر كانوا يرددون أن نظام مبارك ليس نسخة عن نظام زين العابدين بن علي. والليبيون المحيطون بالعقيد الراحل معمر القذافي استهجنوا الربط بين مصر مبارك ومآل القائد الثوري الذي سقط صريع غضب الثورة. ولا يعني انفلات الفرصة الأخيرة من نظام بشار الأسد سوى أن عمى الألوان يؤدي الى اللبس وعدم التمييز.

وإذا ترك النظام السوري كرسيه شاغراً في اجتماع الرباط، فالأكيد أن هناك من يملأ ذلك الفراغ الذي يوجد في مقر اللقاء بل في قلب دمشق.

=================

هل ستلتزم تركيا بقرارات الجامعة العربية؟

سمير صالحة

الشرق الاوسط

17-11-2011

الكثيرون يعرفون حكاية الوالدة التي صفعت ابنتها وهي تسلمها جرة المياه في مهمتها الأولى على طريق عين الماء. فعندما سألت الصبية لماذا ضُربت حتى قبل أن تسقط الجرة، قالت الأم: وما نفع ضربك بعد أن تكون الجرة قد تحطمت؟!

القيادة السورية ظلت لأشهر تنتقد وتستغرب تشدد أنقرة في موقفها من الأزمة السورية ومسارها، حيث كانت ملكية أكثر من الملكيين في المسارعة إلى انتقاد وتحذير ومقاطعة دمشق، بسبب طريقة تعاملها مع مطالب الشعب والمعارضة ومزايدتها على الكثير من العواصم العربية والإسلامية والغربية، التي رجحت التأني والحذر خلال تحديد مواقفها مما يجري.

أنقرة التي كانت قبل أسبوع مترددة في تحديد موقفها من المبادرة العربية حتى لا تتهم بقطع الطريق على فرص نجاحها، لم تتأخر في الإعلان عن دعمها المطلق لقرار القيادات العربية ووضع اليد والدخول بقوة على مسار الأزمة السورية وتفاعلاتها.

مبادرة لقاء القاهرة والقرارات والتدابير الإجماعية التي أعقبتها ضد دمشق، حققت لتركيا مطلب أن تكون الدول العربية، كونها المعني الأول، هي اللاعب الرئيسي في التعامل مع المسألة السورية وأن تكون أنقرة هي من يدعم ويساند وينسق مع هذا التحرك.

مهاجمة أنصار النظام في سوريا لمقر البعثات الدبلوماسية التركية في دمشق وحلب واللاذقية، وتصنيفها ضمن مجموعة تقف على خط واحد مع السفارات والقنصليات العربية الأخرى، يعكس حقيقة قبول النظام السوري لهذه المعادلة، وأنه في حربه التي سيخوضها في المرحلة المقبلة ملزم بوضع الكثير من الدول العربية والأتراك في خندق مواجهة مشترك، لا يمكن الفصل بين المتمترسين فيه.

الدبلوماسية التركية كانت أكثر من واضحة هذه المرة مع القيادة السورية التي حركت أدواتها لرشق سفارتها في دمشق بالحجارة عندما ذكرتها بأن أنقرة ستتخذ التدابير التي تراها ضرورية في مسار الأزمة السورية، وهي عبارة مطاطة منفتحة على أكثر من تأويل وتحليل واحتمال.

الخارجية التركية لن تكتفي باستدعاء القائم بالأعمال السوري لتقديم مذكرة احتجاج على استهداف مقار بعثاتها، وبالإعلان عن خطة لجلاء عائلات الدبلوماسيين العاملين في سوريا، وتذكير دمشق بعدم إهدار المزيد من الفرص وتضييع الوقت والالتزام بمواد المبادرة العربية لتجنب تطبيق قرارات القاهرة، بل هي كشفت أنها ستلتزم بتنفيذ قرارات الجامعة وسياستها التصعيدية ضد دمشق، ويتقدمها جمع شمل المعارضة السورية تحت شمسية واحدة، وإقناع الدول والقوى المساندة للنظام السوري أو التي ترفض معاداته بتغيير مواقفها، وطرح المزيد من خطط المقاطعة والعقوبات الاقتصادية والسياسية، وأنها لن تتأخر في أخذ موقعها في صفوف أي تكتل دولي يقرر التحرك باتجاه حماية المدنيين وإيقاف هجمات القوات المسلحة السورية بأسلحتها الثقيلة ضد المدن في المدى القريب، دون أن نتحدث عن السيناريوهات الأصعب في المراحل اللاحقة.

شرخ العلاقات التركية – السورية يزداد اتساعا، والقيادات في البلدين لم تعد تراهن على قضاء وقدر يعيدها بمثل هذه السهولة إلى أجواء ما قبل عام تقريبا.

تركيا لن تتوقف مطولا عند محاولات لعب أوراق أنصار النظام السوري في الداخل والخارج لإيقافها عند حدها، وستتجاوز مسألة دعم وتحريض «العمال الكردستاني» للتصعيد ضدها. هي ستعطي الأولوية لقطع الطريق على المعادلة التي تلعبها القيادة السورية عبر رفع شعار إسقاط النظام يعني تفجير المنطقة برمتها، من خلال تحذير الداعمين للرئيس السوري بضرورة مراجعة مواقفهم والتمييز بين مطالب الحرية والديمقراطية والمشاركة السياسية، والتصدي لها بتحريك الدبابات والمصفحات والوحدات الخاصة لمحاصرة المدن وتدميرها فوق رؤوس سكانها.

القيادة السورية ما زالت تملك الوقت والفرص ليس للرد على بيانات واشنطن وبروكسل، بل للتمعن في قراءة مضمون البيان الختامي لاجتماع القاهرة العربي وتحليل بيان الخارجية التركية في أعقاب مهاجمة بعثاتها في سوريا. المؤسف أن نقول كلاما من هذا النوع ونحن الذين قبلنا قبل أسبوع من اندلاع الأزمة السورية مهمة العمادة في كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة غازي عنتاب على الحدود السورية - التركية، وكان الحلم إنشاء مركز أبحاث ودراسات استراتيجية إقليمي بشراكة وإدارة تركية - سورية - أردنية - لبنانية.

=================

عون وبري وإنقاذ الأسد

عبدالرحمن الراشد

الشرق الاوسط

17-11-2011

لا ألوم كل رفاق بشار الأسد وحلفائه وهم يبحثون عن مخرج له من أزمته الخطيرة، فقد أدركوا جميعا أن السيل الهادر في سوريا سيجرف النظام.

نبيه بري، رئيس مجلس النواب اللبناني والحليف الدائم للأسد، دعا العاهل السعودي إلى مساعدة بشار الأسد قائلا إنه الوحيد القادر على إنقاذ الوضع في سوريا!.. وردد هذه الاستغاثة الجنرال المتقاعد ميشال عون، الذي ميز نفسه عن بقية القيادات اللبنانية بهجومه الصريح والمتكرر ضد سنة لبنان من دون أن يفرق بين الخلاف السياسي مع تيار المستقبل ومخاطر الإساءة لطائفة بأكملها.

لماذا هذه الاستفاقة المتأخرة، وكيف يمكن لأي كان أن يصحح أخطاء عشر سنوات ارتكبها الأسد واستكملت بثمانية أشهر مروعة من القتل والتنكيل والاستهزاء بكل النداءات المخلصة؟

بري وعون يعرفان جيدا كيف أن زعيمهما الأسد هو الذي أدار ظهره لكل النصائح المخلصة والمحاولات الصادقة من الرياض لدفع النظام السوري خارج طريق الشر، في لبنان والعلاقة مع إيران، وحتى داخل سوريا، لكن المكابرة أعمت أعين القيادة السورية التي تبنت سياسة الميليشيات والبلطجة بالاغتيال والتخويف والمفاخرة بالعلاقة مع طهران.

لا نعرف أحدا صبر وكظم غيظه مثل الملك عبد الله، حتى منذ ما قبل اغتيال الحريري، بمحاولات التوسط والمصالحة، ثم الأحداث العنيفة التي أتت على اغتيال قيادات لبنانية باستخدام حزب الله.

كان المشروع السعودي هو نقل نظام بشار داخليا من الفقر، ومساعدته على تطوير اقتصاده ودولته، وإخراجه من حلفه مع نظام طهران. إنما قاتل الله الجهل والغرور.

لا أدري كيف لأي كان أن يساعد النظام السوري اليوم في محنته الخطيرة.

في تصوري، بشار الأسد وحده قادر على إنقاذ بشار الأسد ونظامه. أولا، عليه أن يكف عن القتل والسجن. عليه أن يستيقظ وأن يصبح - ولو للحظة - واقعيا، فيدرك أن نظامه انتهى. لم يعد هناك مجال للتنظير والتحليل والتخطيط. العمل الجيد الوحيد الذي بقي له أن يفعله هو أن يدفن نظامه حتى يشفع له مستقبلا.. أن ينقل الحكم إلى نظام جديد، يقرر فيه السوريون من يختارون بأنفسهم وبترتيب وإشراف ورقابة دولية.. وبذلك يحمي بلاده من الانهيار، ويبعد الجماعات التي تريد استغلال انهيار الأسد لزرع الفوضى والحرب الأهلية مثل إيران، ويؤمن للأقليات المتهمة كل الحماية الضرورية من تبعات السقوط الخطيرة، وأخيرا قد يحظى هو نفسه بخروج آمن.

الذي أعنيه أن الفرصة الوحيدة المتبقية للأسد أن يكون شريكا في ترتيبات جنازة نظام الأسد. يستطيع أن يجعل الخاتمة بيده لا بيد خصومه والقوى الإقليمية والدولية. ولا أقولها سخرية أو شماتة بل أعنيها، فالخناق يضيق وسيضيق حتى ينهار كما انهار نظام القذافي، بل أسوأ، لأن الدمار سيكون أوسع وأكثر دموية. فإن قبل أن يكون طرفا في تسليم السلطة، بل والترتيب لها شكليا، هنا يمكن أن يجد تعاطفا خارجيا يسمح له بالهجرة إلى موسكو أو طهران، ويفتح عيادته الطبية، المهنة التي يقول المفتي الحسون إنه طالما اشتاق إليها.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ