ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 05/11/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

لا مجال لشراء الزمن

رأي الراية

الراية القطرية

التاريخ: 04 نوفمبر 2011

يبدو أن النظام السوري قد أراد بإقراره الموافقة على الخطة العربية لإنهاء الأزمة التى صنعها عمدا بتصرفاته الطائشة تجاه شعبه، شراء الزمن فقط من أجل ترتيب أوضاعه الداخلية لتنفيذ المزيد من المجازر والسحل والتعسف اليومي بحق الشعب السوري وإلا فلماذا الاستمرار في نفس النهج الخطأ بقتل أكثر من 20 من المواطنين العزل خلال يوم واحد كما حدث أمس رغم أن مداد الموافقة لم يجف بعد، الأمر الذى يضع مصداقية ونوايا النظام محل شكوك واختبار حقيقي ليس من قبل العرب الضامنين للمبادرة وانما من قبل الشعب السوري الذى تأكد له أن النظام لايريد حل الأزمة بل يريد تفجيرها.

كان المطلوب من النظام السوري أن يدرك أن المبادرة العربية والتي أجمع عليها كل العرب هي بمثابة طوق نجاة له وأن إعلانه موافقته غير المشروطة يتطلب منه أن يوقف فورا عمليات القتل و الدّهم والاعتقالات وحصار المدن والعمل من أجل إنجاح المبادرة وأن ذلك لن يتم إلا من خلال الالتزام بالتنفيذ الفوري الصارم والقاطع لكل البنود التى وردت فيها ومن بينها الوقف الفوري لعمليات القتل والتنكيل بالمعارضين والإفراج الفوري عن جميع المعتقلين مع إخلاء المدن من الوجود العسكري والأمني لأن من شأن تنفيذ هذه الإجراءات تثبيت مصداقية النظام أمام شعبه وأمام العرب والعالم وقطع الطريق أمام التدويل.

من المؤسف حقا ألا يلتزم النظام السوري بالعهد الذي قطعه للعرب الذين سعوا بكل السبل لإنقاذه من نفسه، فقد وضح أن النظام لم يتخل عن نهجه الخطأ وأنه اتخذ من المبادرة العربية وسيلة لربح المزيد من الوقت من أجل تنفيذ المزيد من المجازر وربما إفراغ سوريا من شعبها وأنه بإصراره غير المبرر بالاستمرار في نفس النهج المفروض محليا وعربيا ودوليا قد وضع نفسه تحت المجهر العالمي وضيّع الفرصة الأخيرة وطوق النجاة التي قدمها العرب لإنقاذ سوريا من التدويل.

لقد وضح جليا أن النظام السوري يستخدم سياسة المناورة التى حذر منها المجلس الوطني الانتقالي السوري لتفويت الضغوط الداخلية والخارجية التى يتعرض لها، فقد كان يعوّل على شق الصف العربي ولكنه فشل لأن جميع العرب قد أحسوا بالخطر المحدق بسوريا بسبب تصرفات النظام وأن تصرفاته تؤكد أنه لن يكون مستعدا لتنفيذ المطالب التي التزم بها وأنه يناور فقط ولذلك فليس أمام العرب إلا ممارسة المزيد من الضغوط عليه من أجل الالتزام بالمبادرة بكل بنودها لأن في ذلك موقف أدبي وأخلاقي وإنّ ترك النظام يمارس المزيد من الاختراقات على تعهداته للعرب يعني الطعن في مصداقية العرب قبل الطعن في مصداقية النظام السوري الذي أصبح محلا للشكوك.

=================

محل إعراب الطائفة العلوية في جملة الأحداث السورية

مها بدر الدين

الرأي العام

4-11-2011

ثمانية أشهر مرت على انفجار الثورة السورية، أثبت خلالها المتظاهرون الثائرون بما لا يدع مجالاً للشك سلمية ثورتهم وبعدها تماماً عن أي نهج طائفي يحاول النظام السوري إلصاقه بالثورة، فخلال الأشهر المنصرمة لم نسمع عن أي استهداف أو استخفاف أو تهديد لأي طائفة من الطوائف المتعددة التي تعيش على الأرض السورية منذ قرون مضت بتآلف غريب وتناغم مثير وانسجام إنساني واجتماعي قل نظيره في المجتمعات التي تتشكل فسيفسائها من طيوف كثيرة مختلفة ألوانها ومشاربها، وكان شعار «الشعب السوري واحد» أول ما نادى به جموع المتظاهرين وقد تأكد تطبيقه على أرض الواقع قولاً وفعلاً.

وقد كانت الطائفة العلوية التي ينتمي إليها رأس النظام السوري من أكثر الطوائف التي جُيشت ضد الثورة وبُثت لدى أبنائها مشاعر الخوف والقلق على مصيرهم باعتبارها المرجع العقيدي والعقائدي والانتماء الديني والطائفي لعائلة الأسد التي تحكم سورية بقبضة من حديد طوال أربعين سنة ماضية، فقد حاول النظام منذ اليوم الأول للثورة ضرب أسفين قوي بين الطائفة العلوية التي تعتبر خيطاً مهماً واضح المعالم والتاريخ في النسيج السوري، وبين بقية الطوائف التي تشاركها في رسم هذا النسيج العريق، خصوصاً منهم الطائفة السنية حيث أنها تشكل السواد الأعظم من الشعب السوري والمتضرر الأكبر من النظام الأسدي، وقد نجح النظام نوعاً ما في إثارة بعض القلق لدى الطائفة العلوية على مستقبلها ما بعد الأسد، وعدم اطمئنانها لما ستؤول إليه الأمور بعد سقوط النظام.

لكن الأخوة العلويون في خضم مخاوفهم التي بثها النظام في نفوسهم من حركات انتقامية قد ينفذها الثوار ضدهم بعد سقوطه، قد تناسوا موقع إعرابهم في جملة الأحداث السورية، فربطوا مكانتهم التاريخية والدينية والعقيدية في تاريخ سورية القديم والحديث بعائلة الأسد الحديثة العهد في الوجود الإنساني على الأراضي السورية حيث لا يعرف لها تاريخ طويل في المنطقة، وقد قادتها الظروف والملابسات وربما المخططات السرية لوصولها لسدة الحكم بانقلابات عسكرية متكررة بدأها حافظ الأسد ورفاقه العلويين وانتهت بانقلابه هو على هؤلاء الرفاق وتصفيتهم واحداً تلو الآخر تكريساً لهيمنة العائلة على الشعب السوري وتحويله إلى مجموعة من العبيد يعملون بمزرعته الخاصة التي تشمل جميع الأراضي السورية، وهو في هذا لم يستثن الطائفة العلوية من هذه العبودية بل كان لأبنائها الألولوية في الاستعباد كونهم ينتمون للطائفة نفسها التي لعبت عائلة الأسد على خيطها ابتداء من الأب وانتهاء بالأبن.

و ثبت خلال سنوات حكم آل الأسد للبلاد، بأن ما أصاب أبناء الطائفة العلوية من هذه العائلة يوازي ويساوي ما أصاب بقية أبناء سورية من كبت للحريات العامة، وقمع لأصحاب الرأي والرؤى، وملاحقة المثقفين والمستنيرين، وتصفية الشخصيات ذات الثقل في الطائفة، وإرغام الشبان العلويين على ترك التعليم والتطوع بالجيش والقوات الخاصة وسرايا الدفاع مستغلين الحالة المادية البسيطة لمعظم أهالي الجبل ما أثر في فترة من الفترات على المستوى التعليمي لأبناء الطائفة وهو ما يعتقد أنه كان مدروساً ومقصوداً للسيطرة عليهم مادياً وضمان ولائهم وطاعتهم العمياء لها، ولعل في اعتقال صلاح جديد حتى وفاته وتصفية محمود عمران وغازي كنعان وغيرهم ممن تسلق الأسد الأب على أكتفاهم للوصول للكرسي، واضطهاد الدكتور عارف دليلة ونزار نيوف وغيرهم من المثقفين والمفكرين العلويين لهو أكبر دليل على أن أبناء الطائفة العلوية كغيرهم من أبناء الطوائف الأخرى في سورية معرضون لكل أنواع الاستبداد والقمع في حال تعارضت مصالحهم وميولهم مع مصالح النظام التي تتمثل بحكم عائلة الأسد سورية للأبد.

واليوم إذ يستفيق الشعب السوري من غفوته الإجبارية ليرفض هذا التوارث الذي يتنافى مع أبسط مبادئ حقوق الإنسان في المشاركة السياسية والاجتماعية لبناء مستقبل البلاد، وتولد الثورة من رحم الواقع المزري للمواطن السوري لتعلن انتهاء العصر الأسدي الذي قام على الاستبداد والعنف والقمع وسلب الحريات وتقديس الحاكم واستعباد المحكوم، لتثبت على مدار الشهور الماضية رفضها التام لإقصاء الأقليات أو الطوائف أو الأعراق من جدول أعمالها، وتؤكد عملياً أن الشعب السوري واحد لا يتجزأ، وأنه كما عانى من ضيق العيش وذل الحياة وقمع الحريات فإنه يجب أن يتضامن لنفض غبار الزمن الرديء ورسم بداية جديدة لمجتمع سوري متقدم ديدنه ديموقراطي ومنهجه حر.

وأنه آن الأوان للطائفة العلوية أن تثبت لنفسها وللشعب السوري أنها جزء أصيل من هذا الكيان لا يمكن الاستغناء عنه في مراحل بناء سوريا الحديثة لأنها عمود أساسي في الهيكل السوري القديم ولابد أن يكون أساسياً في الهيكل السوري الجديد، وعليها أن تتبرأ من أعمال هذا النظام الاستبدادي الآثم الذي يحاول أن يضللها ويضلها عن طريق الحق بتبرير دوافعه الإجرامية التي تدفعه للتنكيل بالشعب السوري حفاظاً على كرسيه بالحفاظ على وجودها، متناسياً أن هذه الطائفة العريقة هي أصل سوري متجذر في التاريخ السوري وأن العائلة دخيل طفيلي تسلق عليها لتنفيذ مخطط غامض التاريخ والهدف، علماً أن نتيجة التصادم والمواجهة بين النظام البائد والشعب الخالد نتيجة محسومة لصالح الشعب ومستقبله الحر، ووقوف أبناء الطائفة مع الثورة لن يغير من هذه النتيجة لأنها حتمية لكن بالتأكيد يساعد على حقن دماء السوريين وإيقاف آلة الإبادة مبكراً، وينقذ أرواحاً تزهق كل يوم بيد آثمة.

ولعل الحكمة اليوم تقول ان السفينة الغارقة لن تنجي من عليها حتى مهما كانت قوتها، لأن المياه التي تتسرب إليها لن تتوقف عن الهدير والرياح التي تهزها لن تهدأ عن العصف، ومن الأجدر للعاقل أن يقفز منها قبل أن تسحبه معها للقاع، فسفينة الأسد غارقة ومياه الثورة هي المغرقة ورياح التغيير ستبقى عاصفة حتى تنتهي الزوبعة إلى سلام الشعب السوري وحريته، فهل تقفز الطائفة منها وتتحمل مسؤوليتها التاريخية تجاه الشعب والوطن وتشارك السوريين بناء دولتهم الحديثة وتثبت أنها جديرة بانتمائها للنسيج السوري العريق؟ أم أنها سترضى أن تبقى ظلاً للنظام ومظلة لأعماله الإجرامية وأداة طيعة في يد الظلم والاستبداد، وأنها مستعدة أن تحمل أبناءها على مدى التاريخ أوزار النظام الفاشي الساقط في مزابل التاريخ لا محالة.

=================

أنقرة وطهران.. سوريا هي القضية والمشكلة

حبيب فياض

السفير

4-11-2011

يخضع الموقفان التركي والإيراني من الأزمة السورية لمبدأ التضاد الذي يعني منطقياً، التساوي في القوة والتعارض في الاتجاه، من دون أن ينفي ذلك رغبة ضمنية لدى الجانبين في إبقاء هذا المبدأ حصرياً في الحالة السورية، ومنع مطاولته العلاقات الثنائية والقضايا الأخرى التي تجمع بينهما.

في العلاقات الثنائية، ينطلق الجانبان من مقاربة عقلانية ثابتة، تقوم على تجاوز التوترات والمضي في مسار «طبيعي» يحفظ المصالح «القدرية» المشتركة، في ظل موانع مزمنة تحول دون الارتقاء بهذا المسار من حالته الطبيعية نحو ما هو أكثر ايجابية، لكن من دون السماح لهذه الموانع بالتأثير على ثبات هذه العلاقات المحكومة بمحددات التاريخ والجغرافيا والاقتصاد والدين والقومية.

وكما هما في العلاقات الثنائية، هما كذلك في الكثير من القضايا المشتركة الأخرى، إذ لا اعتراضات تركية على مشاريع إيران النووية، لأن أنقرة تدرك أن هذه المشاريع تقف عند حدود البرنامج السلمي، وأن عليها أن تحذو يوماً حذو الإيرانيين في هذا المجال، أولاَ باعتبار ذلك من موجبات التحول الى قوة عظمى في الإقليم، وثانياَ تحت وطأة الحاجة الداخلية إلى الطاقة.

في المسالة الكردية الانفصالية، ورغم التفاوت الكبير بين نسختيها التركية (حزب العمال الكردستاني) والإيرانية (حزب الحياة الحرة)، يحاول الجانبان تحييد هذه المسألة عن دائرة التجاذب بينهما، ويفسح كل منهما المجال للآخر في التعامل مع خصمه الكردي كيفما يشاء، انطلاقاً من وعي الخطورة المشتركة للنزعة الكردية الانفصالية عليهما. أما في القضية الفلسطينية فلا يسع طهران سوى التعامل بإيجابية مع تحول أنقره تجاه هذه القضية، رغم كل ما يقال من ان هدف هذا التحول هو إزاحة إيران عن قضية العرب والمسلمين الأولى. طريقة التعامل هذه تسحب نفسها على قضايا أخرى تهم الجانبين، من قبيل آسيا الوسطى، أفغانستان، العراق، لبنان، مشكلة أرمينيا وأذربيجان...

وحدها الأزمة السورية أخرجت العلاقات الإيرانية - التركية عن طورها الرتيب وأوجدت حلبة صراع بينهما، مستترة ومكشوفة في آن، على زعامة الإقليم، في ظل سعي الطرفين إلى الفوز بالضربة القاضية وليس بالنقاط، وفي ظل التزامهما بأصول اللعبة وعدم تضاربهما من خارج الحلبة على قاعدة الشاطر بشطارته.

تركيا، التي تريد التعملق إقليميا على أنقاض النظام السوري، تدرك اليوم أن مفاعيل بقاء هذا النظام تتجاوز الحد من تمددها الاقليمي الى مجاورة خصم يمتلك كل مبررات، وربما إمكانات، الانتقام. فيما إيران على يقين بأن إمساكها بناصية معظم الإقليم، خاصة بعد الانسحاب الأميركي من العراق، مرهون بقدرة نظام الأسد على الصمود. كل ذلك في ظل تكافؤ الفرص والأدوار أمام الجانبين في تحديد مسار الأزمة السورية، فعلى قدر ما تستطيع أنقرة إلحاق الضرر بسوريا تستطيع طهران دعمها والوقوف إلى جانبها. وعلى قدر ما تريد الأولى ذهاب الرئيس الأسد، ولو عن طريق التدخل العسكري الأطلسي، تتمسك الثانية بالدفاع عنه ولو كلفها ذلك حرباً إقليمية شاملة.

على ذلك، لا تعود الجبهة السورية المشرعة بين الأتراك والإيرانيين على مواجهة مفتوحة مجرد صراع بينهما على خلفية إسقاط هؤلاء لخصم ودعم أولئك لحليف، بل يتعدى ذلك إلى حرب نفوذ، على صعيد الإقليم برمته. هذا النفوذ الذي تريده طهران لمواصلة العمل على إخراج الأميركي من المنطقة، استكمالاَ لما كانت قد بدأته في العراق، وأيضاَ لمواصلة مشوار دعمها للقضية الفلسطينية من دون أن يكون في حساباتها استفزاز أنقرة أو إيجاد عداوات معها، فيما تريد أنقرة من هذا النفوذ دوراً إقليمياً يتناسب مع حجمها وتاريخها من دون أن تذهب بالضرورة إلى حد العداء لطهران.

=================

مبادرة رفع عتب لأسبوعين؟! .. هل تنهي"المبادرة العربية" الأزمة الدموية المتفاقمة في سوريا ؟

راجح الخوري

النهار

4-11-2011

اذا كان من الصعب جداً الحديث عن نجاح هذه المبادرة المبتسرة او العائمة، المؤلفة من اربعة بنود عمومية ولم تدخل في التفاصيل التي تسكنها الشياطين عادة، فمن السهل جداً التكهن منذ الآن بفشل المبادرة وليس بعد الأسبوعين اللذين حددتهما موعداً لبدء الحوار بين النظام والمعارضين .

ثمة رابحان مرحليان من المبادرة، الاول هو النظام السوري، الذي وإن بدا وكأنه تراجع عن رفضه المطلق لأي تدخل عربي في شؤونه الداخلية، إلا انه تمكن من تعديل نص المبادرة لتبدو في مضمونها استجابة لشروطه ، اي وقف الاحتجاجات اولاً والعنف الذي يتهم المعارضة به، قبل المباشرة في اي حوار، ثم انه حقق ربحاً يتمثل في اظهار الايجابية مراهناً على حتمية حصول انشقاقات في صفوف المعارضين .

 اما الرابح الثاني، ولو شكلياً، فهو الجامعة العربية التي تستطيع بعد الآن نفض قميص عثمان من اي تطورات دراماتيكية قد تسفرعن فشل المبادرة، التي تبدو محكومة بالفشل لأنها لم تتطرق الى اي تفصيل يلي وقف العنف وسحب المظاهر المسلحة، مثل من الذي سيفاوض، معارضة الداخل ام الخارج؟ وما هو جدول اعمال المفاوضات وأين ستجري وما هو الوقت المحدد لها؟ ويبقى السؤال: اذا فشلت المفاوضات ماذا ستفعل الجامعة، هل ستفتح الباب على التدويل ام انها ستدير ظهرها كما سبق لها ان فعلت في لبنان، وخصوصاً الآن بعد التجربة الليبية ؟

يدعو البند الاول في المبادرة الى وقف العنف من اي مصدر كان، فمن الذي سيحدد هذه المصادر، وخصوصاً مع حصول انشقاقات مسلحة في الجيش السوري ومع حديث دمشق عن"عصابات مسلحة"، هل يحددها اعضاء اللجنة العربية أم الصحافيون الذين يفترض ان يدخلوا الى سوريا؟

ويدعو البند الثاني الى الافراج عن المعتقلين، فكيف ستقرراللجنة ما اذا كان الافراج قد حصل كاملاً وسط اعتراضات سيعلنها المعارضون حتماً؟ ويدعو البند الثالث الى اخلاء المدن والاحياء من جميع المظاهرالمسلحة، فمن الذي سيحدد هذه المظاهر وقد باتت النوافذ والشرفات متاريس في مواجهة الآليات؟ وعندما يقول البيان"اذا لم يلتزموا فإن الجامعة ستتخذ القرارات المناسبة"، فمن الذي سيحدد الذين لم يلتزموا ؟

عندما ترفض معارضة الخارج المبادرة وتعلق واشنطن عليها بدعوة الاسد الى التنحي ويبتلع اردوغان ريقه امتعاضاً، يصبح ممكناً القول انها مبادرة رفع عتب قد لا تعمر أسبوعين!

=================

سوريا والجامعة.. فرصة للحل السياسي

عريب الرنتاوي

الدستور

4-11-2011

توفر مبادرة الجامعة العربية لحل الأزمة السورية، خشبة خلاص للجميع، نظاما ومعارضة، على حد سواء، مع أنها تملي على الجميع «تنازلات مؤلمة»، ونعتذر عن استخدام هذا التعبير الذي طالما استعملته إسرائيل في وصف تنازلاتها أمام الفلسطينيين (؟!)، النظام يجب أن يعلم أنه ما عاد بمقدوره أن يواصل الحكم بوسائلها القديمة، والمعارضة عليها أن تخفض سقف توقعاتها، خصوصا حين يتصل الأمر بالحسم وسحب الاعتراف بالنظام ومنحه للمعارضة، وطلب التدخل والحماية الدوليين، جميع هذه المطالب، لم تعد قائمة طالما ظلت المبادرة العربية، قائمة على ساقيها.

لسنا على بيّنة بكافة الدقائق والتفاصيل، لكن ما نشر وتسرب من معلومات، يشي بأن ثمة «خريطة طريق»، تبدأ بوقف العنف وتبديد الاحتقان وبناء الثقة والشروع في الحوار، وصولاً لإتخاذ سلسلة من الخطوات التي من شأنها إنهاء احتكار البعث وفتح صفحة جديدة في تاريخ سوريا.

لكن ثمة أسئلة كبيرة ما زالت تواجهنا، نحن الذين نتابع بقلق مجريات الأزمة السورية، هل جنح النظام أخيراً للحل السياسي والتفاوضي مع شعبه، هل غادر «مربع الإنكار والمكابرة»، هل قرر فعلاً أن لحظة الحقيقة والاستحقاق قد أزفت، وأنه لا بد مما ليس منه بدّ، أم أننا أمام مناورة جديدة من مناوراته، أمام محاولة جديدة لشراء الوقت وتقطيعه، هل نحن أمام توجه صادق للإصلاح أم أمام خديعة كبرى، هدفها استدراج المعارضة وتفريغ شحنة الثورة وقطع الطريق عليها؟ في المقابل، ما الذي ستفعله المعارضة المشتتة والمنقسمة على نفسها، هل ستجنح بدورها للحوار والمصالحة توطئة للإصلاح، هل يمكنها أن تفعل ذلك في الوقت الي ما زال ينتظرها حكم الإعدام في موطنها، لا لشيء إلا لأنها «معارضة»؟، ألم تتحول المعارضة إلى «حرفة» تمارسها فئات لا وظيفة لها ولا تمثيل، ولا حياة لها خارج إطار الأزمة، فإي اقتراب من الحل، سوف يكشف الحدود الضيقة لشعبية هذه المعارضة وقدرتها التمثيلية.

وماذا عن الأجندات الإقليمية والدولية الخاصة بسوريا، هل يمكن أن تكتفي بعض الأطراف بقبول النظام السوري بورقة الجامعة العربية، وماذا عن مطالبات هذه الأطراف بتغييرات جوهرية في سياستها الخارجية وتحالفاتها الإقليمية والدولية، ماذا عن الذين شنّوا أعنف حملات العداء لسوريا، لا لنقص في نواياها الإصلاحية، بل رغبة في فك عرى تحالفها مع إيران وحماس وحزب الله، ودفعها للتكيف مع مندرجات الاستراتيجيات والسياسات الأمريكية في المنطقة، هل سترتضي بحل للأزمة السورية، لا يأخذ هذه «الرغبات والنوايا والأجندات» بنظر الاعتبار.

ثمة عراقيل كبرى، في النصوص والنفوس، على الأرض وفي الأجواء، في داخل سوريا وخارجها، لا تدفعنا لإبداء كثير من التفاؤل في اقتراب لحظة الخلاص، ولكنها المرة الأولى منذ اندلاع الأزمة السورية التي تلوح في أفقها إرهاصات الأمل وبوارقه، لأول مرة يعترف النظام بأن ثمة أزمة تعصف بالبلاد، تتخطى «حكاية العصابات والمؤامرات»، لأول مرة يجنح النظام لخيار الحل السياسي، بعد أن عوّل كثير على خياراته الأمنية والعسكرية.

من جهتنا، نرى أن المبادرة المعارضة توفر المخرج، شريطة ألا يشعر النظام بحالة استرخاء أبداً، فهو لم يقبل ب»تعريب» الأزمة السورية إلا بعد أن اقتربت لحظة «تدويلها»، لم يقبل بمد يده للمعارضة إلا بعد أن وجد يديه مغلولتين، غير قادرتين على البطش والتنكيل زيادة عمّا فعلتا.

ثمة عوائق كثيرة، أهمها بحر الدماء الزكية التي أريقت، تفصل بين سوريا وشاطئ الأمان، بين النظام والشعب، بين النظام والمعارضة، لكن الحوار والدبلوماسية والسياسة، كفيلة بمعالجة كل هذه الإشكاليات وتجسير الفجوات، وإنجاز المصالحة والعدالة، وملاحقة كل من قارف جرائم بحق المتظاهرين والجماهير العزلاء.

سوريا ما زالت بعيدة عن لحظة الانعتاق من أسوأ كوابيسها، بيد أنها لأول مرة تمتلك فرصة للحل السياسي، فهل نفوّتها؟.

=================

قبول الأسد للمبادرة العربية.. كيف يمكن أن نجعله لصالحنا؟

خولة دنيا

2011-11-03

القدس العربي

 قبول الأسد مبادرة الجامعة العربية بدون تحفظات، هل يعتبر مؤشراً إيجابياً للقادم من الأيام؟ أم مزيداً من ممارسة الحرتقة السياسية، وألاعيب كسب الوقت؟.

كان البعض يراهن على عدم قبوله للمبادرة، وكأن عدم القبول سيكون مدخلاً لمزيد من الضغوط على نظامه. ولكن لنكن صرحاء: هل أربكنا قبوله هذا؟.

وكيف يمكن أن نتعامل مع قبوله هذا بما يماثله من حرتقة، ولكن حقيقية هذه المرة ، وليس من باب الاحتيال وكسب الوقت؟.

- على الرغم من أننا لم نعد بحاجة لمزيد من البراهين على ألاعيب كسب الوقت، هذه الألاعيب التي دفعت بوزير خارجية قطر للقول أنه لا حاجة لممارسة الاحتيال، يعني بالمشرمحي 'الطبخة طلعت ريحتها لدرجة لم يعد هناك من يجامل ولو دبلوماسياً'.

- القبول بحد ذاته ميزة علينا استغلالها، ليس مع النظام، فأمره في نهاياته كما يبدو، ولكن على صعيد الاعتراف الدولي بالمعارضة كذلك، معارضتنا (التي لم تصل لحالة توحيد وبلورة بعد أشهر من النضال الدبلوماسي فيما بينها، وفيما بينها وبين السفارات) الآن لديها فرصة ذهبية عليها أن تستغلها، فهي طرف متساو مع النظام لأي حوار مفترض. فالقبول غير المشروط للمبادرة يعني أن المعارضة طرف على طاولة الحوار، ولا يمكن أن يفرض النظام نوع المعارضة التي يريد، فالمعارضة موجودة ومعترف بها إن بالداخل أو الخارج. وذلك على الرغم من عدم حاجتنا هذه، إلا أن كسب الوقت يفترض أن يكون ليس للنظام فحسب ولكن للمعارضة كذلك، فهل ستستغل معارضتنا الكريمة الفرصة والوقت لمزيد من العمل الدبلوماسي فيما بينها أولاً علّها توحد الصفوف التي لم تتوحد لحد الآن من جهة، ولمزيد من العمل الدبلوماسي على صعيد الخارج ، باعتبارها طرفاً مهماً اساسيا في الحوار المزمع (إن جرى حوار).

- يحاول البعض الربط بين الثورة وردود أفعالها في هذه الحالة (حالة المبادرة وقبولها من جهة الأسد) وبين المعارضة ممثلة بالمجلس في الخارج أساساً (فالأطراف الأخرى لم تصل لحالة التمثيل الشعبي كما توهمت، ولكنها تبقى طرفاً في المعارضة رغم كل شيء.

- يبدو من المفضل فك الارتباط بينهما الآن، فما يمكن العمل عليه سياسياً ودبلوماسياً، مختلف عما يمكن أن يطرحه الشارع، الثورة مستمرة، والناس تتخذ قراراتها التي ترى أنها تمثلها، وتعلن موقفها من المبادرة والنظام رغم كل شيء، وهي فرصة لأخذ استراحة محارب، قد يكون من نتائجها (إن صدق النظام) الافراج عن معتقلينا، وسحب الجيش والأمن والشبيحة، وهو ماقد يكون فرصة لتجميع القوى وترميم المناطق التي تعاني من أشهر طويلة (قمعاً وتنكيلاً واستبسالاً للاستمرار).

- فك الارتباط المباشر له فائدة بالنسبة للمعارضة لتمارس دورها الدبلوماسي وتثبت نفسها كطرف سياسي مهم، ولاعب سياسي مهم، فليس النظام وحده من يقدر على اللعب على الألفاظ، وكسب الوقت، كذلك المعارضة السياسية يمكن أن تلعب دوراً مقبولاً وغير متعنت (وهذا الفرق يجب أن نراه في التمييز بين الحراك الثوري - والحراك السياسي).

- علينا أن نجهز أنفسنا لمزيد من القمع المبطن في الأيام القادمة ، في حال استمر النظام في قبوله للمبادرة فليس من عاقل سيصدق أن النظام سيقوم بسحب القوات من المدن، قد يسحب الظاهر منها ولكن الباطن أعظم شأنها.

- علينا أن نجهز أنفسنا لمرحلة نضال من نوع مختلف، ستنزل الشبيحة إلى الشوارع على شكل عصابات غير معروفة الاسم، وستقوم بدورها التنكيلي تجاه الجميع لتأجيج الوضع، وتصعيب الحل، وإثبات مالم يثبته النظام لحد اليوم، (أي وجود عصابات مسلحة).

- هل ستكون الحرب الأهلية أحد نتائج قبول الأسد للمبادرة العربية؟ هو السؤال الأهم الآن، والأكثر إخافة للجميع على ما أظن، علينا أن نكون حذرين وواعين لأي محاولة قد تجر البلد لهذا الاحتمال السيء.

- هل ستمضي المعارضة في الداخل بطريق الحوار رغم موقف الناس الرافض للحوار لحد الآن؟ أيضاً سؤال ليس من السهل الإجابة عليه، فهو يضع المعارضة في موقف حرج، إما خيار الناس وخيار الثورة، أو الموت. ما يمكن العمل عليه آنياً على الأقل، توحيد موقف المعارضة (ولا أقول صف المعارضة) باتجاه موقف واحد من الحوار وإلى أي مدى يمكن الوصول فيه. وما هي الشروط التي يمكن قبولها أو رفضها من الوسيط العربي لقبول الجلوس على الطاولة مع الأسد.

- دعونا لا نتخذ موقفاً من أحد في هذه الآونة القصيرة حتى تتوضح الصورة والمواقف، و(أقصد موقفاً من أطراف معارضة بعينها، فوجهات النظر المختلفة يجب أن لا تورطنا بخسارة أنفسنا وبعضنا البعض) لندع خلافاتنا للقادم من الأيام، ولنكن اليوم على قدر مسؤولية الثورة والناس وأنفسنا في علاقتنا مع الثورة ومع المعارضة.

=================

متطلبات 'الواقعية الثورية' في سورية

د. عبدالوهاب الأفندي

2011-11-03

القدس العربي

 (1) في عام 2005، صادقت قمة عقدتها الأمة المتحدة في نيويورك على تبني مبدأ 'مسؤولية الحماية'، أي مسؤولية المجتمع الدولي عن حماية المدنيين ضد الفظائع الجماعية. وقد حضر هذه القمة غالبية الزعماء العرب، بمن فيهم قادة سورية واليمن وليبيا ومصر والسودان وصوتوا لهذا القرار.

(2)

يقوم مبدأ 'مسؤولية الحماية' على فكرة كان من أول من عبر عنها الدبلوماسي والأكاديمي السوداني د. فرانسيس دينق في كتاب أعده مع مجموعة من المنظرين الأمريكيين عام 1996 بعنوان: 'السيادة كمسؤولية'. وتتلخص الفكرة في أن سيادة الدول تستتبع مسؤوليات، أهمها الحفاظ على أمن وسلامة مواطنيها. فإذا قصرت في المهمة، أو أصبحت هي مصدر الخطر على مواطنيها، فإن سيادتها تفقد المشروعية، ويصبح من حق، بل ومن واجب، بقية الدول التدخل لإنقاذ المواطنين.

3)

يكرس هذا المبدأ ممارسات وقعت بالفعل في فترة ما بعد الحرب الباردة، مثل فرض حظر جوي على شمال العراق لحماية الأكراد، والتدخلات في سيراليون وليبيريا والبوسنة وكوسوفو وتيمور الشرقية وغيرها.

(4)

بعض الخبراء ممن انتقدوا تبني هذا المبدأ حذروا من مغبة أن يشجع الثورات في دول كثيرة، طمعاً بتدخل أجنبي. ولكن الشكوى الأكبر كانت ولا تزال من التقاعس عن التقيد بهذا المبدأ. وفي هذا الصدد فإن ليبيا كانت الاستثناء لا القاعدة. ولعل العجب هو أن القيادة الفلسطينية لم تطلب بعد تفعيل هذا المبدأ لحماية المدنيين في فلسطين.

(5)

تعتبر سورية التجسيد الحي للمحذور الثاني. فالسوريون لم يكونوا يأملون بتدخل خارجي حين فجروا ثورتهم، إذ لم يكن التدخل الأممي في ليبيا قد وقع بعد، بل كان مثالهم هو تونس أو مصر، حيث نجح الشعب بقوته الذاتية في إسقاط النظام. ولكن العالم لم يتقيد بمبدأ 'مسؤولية الحماية' تجاه المدنيين هناك رغم أن معاناتهم تتلفز يومياً.

(6)

علقنا في السابق على الشجاعة التي أبداها السوريون وقبلهم الليبيون- وهم يعلمون حق العلم أن حكوماتهم لا ترقب في مؤمن إلاً ولا ذمة وأنها مستعدة، كما أسر للمعارضين أحد المقربين من الأسد، لقتل نصف السوريين لتبقى في الحكم. ولكن هذا التهديد لم يرهب الثوار الذين أعلنوا بوضوح أنهم لن يعيشوا أذلاء بعد اليوم.

(7)

مع ذلك فإن من الملاحظ هو أن هناك تضارباً في تصريحات وتوقعات- ثوار سورية، كما يظهر من رفض أي مبادرة تشمل آليات للحوار مع النظام، في حين ترتفع الأصوات مطالبة بتدخل أجنبي، يشمل حظر الطيران وحماية المدنيين. ولكن أي جهة خارجية تتدخل لا بد أن تشترط الحوار.

(8)

هناك فهم ملتبس لدروس وعبر النموذج الليبي عند بعض ثوار سورية، لأن التدخل هناك لم يقع إلا بعد أن حققت الثورة هناك معظم إنجازاتها الحقيقية، حيث تمكن الثوار منذ أيام الثورة الأولى من تحرير مدن بنغازي والبيضا وطبرق. وخلال أقل من شهر أكملوا تحرير معظم مدن الشرق، إضافة إلى الزاوية ومصراتة وعديد من مدن الجبل الأخضر. وهذه إنجازات لم تتحقق مثلها في سورية بعد.

(9)

ثوار ليبيا لم يجزموا برفض الحوار أو المبادرات الخارجية من افريقية وأممية، بل بالعكس، استخدموا هذه المبادرات لدعم قضيتهم، خاصة لجهة عزل النظام وفضح ممارساته. وبهذه الطريقة نجحت الثورة في تحقيق إجماع دولي حول مطلب وقف العنف وسحب كتائب القذافي من المدن التي احتلتها أو هاجمتها. وكان رفض القذافي لهذه المطالب هو الذي عزله وأغلق باب الحوار معه.

 

(10)

من هنا فإنه من الحكمة أن تقبل المعارضة السورية بالمبادرة العربية وأي مبادرات أخرى كخطوة لتعميق عزلة النظام وفرض تراجعات تكتيكية عليه. فإذا قبل النظام سحب الدبابات وإطلاق سراح المعتقلين، فإن هذه خطوة متقدمة تتيح المجال لتعبئة الاحتجاجات الشعبية بصورة أوسع، وتمهد المجال لانشقاقات عناصر الجيش وتمركزها في مدن محررة. أما إذا لم يقبل أو لم ينفذ، فإن هذا يفاقم من عزلته ويمهد الطريق لمزيد من الضغوط الخارجية عليه.

(11)

مهما يكن فإن التدخل الخارجي المباشر بفرض حظر للطيران أو قصف أو قوات أجنبية في سورية مستبعد في الظرف الحالي. وعلى الثوار في سورية أن ينتهجوا نهج الواقعية الثورية، وأن يبنوا حساباتهم على استبعاد التدخل حتى تحقق الثورة نجاحات كافية تقنع الخارج. من الحكمة كذلك أن تستخدم الثورة الخطاب المعتدل، فلا تنادي بإعدام الرئيس ونحو ذلك من الشعارات، أو تصرح برفض الحوار، بل لا بد من أن تترك التشدد للنظام، وهو كفيل بذلك. في المرحلة الحالية، يجب أن تركز المعارضة على حرية التظاهر والتعبير، ومطالبها العادلة في وقف العنف وإطلاق المعتقلين تمهيداً للتغيير الشامل.

(12)

لا يمنع هذا أن النظام الأسدي قد سقط حكماً، لأنه فقد مقومات السلطة والدولة منذ وقت طويل. ولن يستعيد أبداً صفة الدولة حتى ولو اعترفت به المعارضة وتخلت عن مطالبتها بإسقاطه. ولعل في قبوله المتعجل والمضطرب بالمبادرة العربية اعترافاً بعمق أزمته، خاصة وأن تسارع وتيرة انهيار الجيش أنذرته بقرب النهاية. ولكن لأن النظام يعرف ذلك، ولأن تجربة القذافي ماثلة أمام قياداته، فإنه سيحارب بشراسة حتى النهاية. ومن هنا ينبغي على الثوار التفكير في تكتيكات جديدة تعجل من انهيار النظام من الداخل، وبالاعتماد في ذلك على موارد الداخل أو مساعدات غير مباشرة هي دون التدخل.

=================

مراقبون عرب إلى سورية

الخميس, 03 نوفمبر 2011

حسان حيدر

الحياة

قد لا يتأخر أعضاء لجنة الجامعة حول سورية، ومعهم سائر أعضاء المجلس الوزاري العربي، في التأكد مما يعرفونه سلفاً، وهو أن أي جواب يقدمه نظام دمشق على اقتراحاتهم سيكون هدفه كسب الوقت وإظهار انه لا يتخذ موقفاً سلبياً من المسعى العربي، ثم إغراق الوزراء العرب عندما يأتي دور التنفيذ في تفاصيل الجُمَل والكلمات والاماكن والتواريخ، في انتظار أن ييأسوا ويديروا ظهورهم ويتركوا له حرية إكمال ما بدأه.

لكن في المقابل، صار لزاماً على الجامعة ان تتغلب على خجلها في معالجة الملف السوري المفتوح على احتمالات خطرة، وأن تستند الى كلام الأسد نفسه، الذي حذَّر من زلزال وحريق في المنطقة ومن ظهور اكثر من افغانستان. وبما انه قصر تحذيره على مخاطر التدخل الغربي في بلاده، فهذا يعني ان امام العرب فرصة يجب اقتناصها لمجاراة مخاوفه، ومنعاً لاحتمال تقسيم المنطقة بأسرها. أي أن الدول العربية التي توافق بالتأكيد على تقويم الرئيس السوري لخطورة الوضع في بلاده، إنما تكون تدافع عن نفسها واستقرارها ومستقبلها اذا هي تدخلت في سورية.

وهناك سوابق عربية كثيرة في بذل المساعي الحميدة لوقف الاقتتال الداخلي في دول عربية ومنع تفتيتها او تقسيمها دويلات على حساب وحدة أراضيها، وهناك سوابق ايضاً في ارسال قوات أمن عربية ومراقبين عسكريين لهذا الغرض، مثلما حصل في لبنان في عام 1976. وإذا عدنا الى مقررات مجلس الجامعة العربية في القاهرة في 9 حزيران (يونيو) من ذلك العام، ثم قرارات قمة الرياض السداسية والقمة العربية الموسعة في 16 و 25 تشرين الاول (اكتوبر) من العام نفسه، نجد ان التوصيف الوارد في تلك القرارات للوضع في لبنان ينطبق تماماً اليوم، وبعد 35 عاماً، على الوضع القائم في سورية، التي وافقت في القمة اياها على دخول «قوات ردع عربية» الى لبنان، بعدما كان جيشها سبقها اليه ل «وقف الحرب الاهلية» فصار طرفاً في مواجهاتها الدامية.

وها هو الجيش السوري يصل الى المأزق نفسه بعد اكثر من ثلاثة عقود، فإذا قبلنا بلا جدال ما يَرِدُ على لسان المسؤولين السوريين من ان جيشهم يواجه منذ ثمانية اشهر «عصابات مسلحة تسعى لنشر الفتنة الطائفية والتمهيد للتدخل الاجنبي» من دون ان يستطيع كف شرّها المتصاعد والقضاء عليها، مثلما يتبين من استمرار العمليات الحربية وسقوط القتلى والجرحى، وبعضهم على الهوية الطائفية، وتواصل الاعتقالات في شكل يومي، فهذا يعني ان الجيش السوري الذي يعاني من الانشقاقات المتزايدة، في حاجة الى اسناد في مهمته، وهو ما تستطيع الدول العربية توفيره بكل طيب خاطر، كي تقطع الطريق على تدخلات من خارج المنطقة.

وبصرف النظر عن نتائج اجتماع المجلس الوزاري العربي في القاهرة امس، والمحادثات التي اجراها وفد الجامعة في العاصمة السورية ثم في الدوحة قبل ايام حول «خريطة طريق» عربية لمعالجة الأزمة، لا بد من ان تبادر الجامعة الى خطوة متقدمة تكمل مسعاها، وأن ينتقل طرحها الى مستوى اعلى يدعو الى إرسال قوات مراقبة عربية الى سورية، تأكيداً للتضامن العربي وذوداً عن سيادة وسلامة اراضي بلد لم يتأخر يوماً في إثبات «عروبته»، وخصوصاً في لبنان.

وعملاً بالمثل العربي القائل «اقبل لجارك ما تقبله لنفسك»، فإن سورية التي دخلت لبنان ل «وقف نزف الدماء» فيه، لا بد من ان توافق على دخول مراقبين عرب الى اراضيها، بعدما تأكد نظامها وأكد للجميع، ان «العصابات المسلحة» هي التي تقصف البيوت والمساجد وتهاجم المدنيين في حمص ودرعا واللاذقية وتنكِّل بهم.

=================

النظام السوري بين المخرج العربي والتدويل

رضوان السيد

الشرق الاوسط

4-11-2011

كان دأب النظام السوري منذ الثمانينات من القرن الماضي الاعتماد في استقراره واستمراره على الرضا الأميركي والدعم الإيراني. وبالرضا الأميركي كان يستغني عن الحذر تجاه إسرائيل وينال تكليفات في مناطق مختلفة، وبالدعم الإيراني كان يظهر بمظهر الدولة المُمانعة، والحامية للأقليات الشيعية ومصالحها بالعراق ولبنان، وأحيانا في الخليج أيضا. وفي أواخر الثمانينات ومطالع التسعينات، ومع انكفاء مصر، وتضاؤل التأثير العراقي، اضطرت المملكة العربية السعودية إلى الاعتراف بالنظام السوري وكيلا في منطقة غرب الفرات، ونِدَّا في المبادرات العربية للتصدي للأزمات، واجتراح الحلول.

واستنادا إلى هذه المعادلة بذل الرئيس حافظ الأسد - ورغم اشتداد مرضه - في سنواته الأخيرة، جهودا هائلةً لتوريث ابنه بشار فوائد هذه المعادلة: الأميركان للرضا واستمرار التكليفات، والسعودية ومصر للشرعية العربية المهمة من جانبهما، وإيران للتمكين من الجهة المادية واستمرار دعم الاحتجاجات الشيعية في لبنان والعراق. بيد أنّ بشارا الذي ورث الحكم ما ورث التقدير السليم للإمكانيات والقدرات. وللإنصاف فإنّ متغيراتٍ عاصفةَ حصلت عشية وفاة الأسد الأب وبعدها، فما أمكن للابن أيضا أن يتخذ من نموذج والده مثالا للسلوك في الأزمات. وهكذا ونحو عام 2005 ما كان قد بقي من سياسات الأب غير: تجنُّب الأزمات مع إسرائيل، والدخول في تحالُف استراتيجي عَلَني مع إيران. وفي ذلك الوقت كان السعوديون قد سحبوا سفيرهم من سوريا، كما كان الأميركيون قد وجَّهوا إنذارات للأسد الابن تلاها سحبُ السفير الأميركي أيضا، وما عاد إلى دمشق سفير أميركي لنحو السنوات الست، ثم ها هو قد انسحب الآن من جديد! وإذا كان السفير الأميركي السابق قد انسحب عام 2004 للشكوى من التدخل السوري في العراق المحتلّ، وفي لبنان المضطرب؛ فإنه انسحب هذه المرة لتدخُّله هو - أي السفير - في أحداث الربيع العربي الجاري في سوريا.

ومن الطريف وذي الدلالة أنّ مشكلات سوريا السابقة مع النظامين الدولي والعربي كانت ناجمةً عن التدخُّل السوري هنا وهناك، في حين تبدو مشكلاته الحالية ناجمةً عن اتهامه للجوار العربي وللنظام الدولي بالتدخل في سوريا! وهذه هي الفائدةُ الأُولى من أحداث الربيع. ذلك أنّ نظام الأب والابن كان عامل اضطرابٍ بالمنطقة، ودائما من أجل المطامح والمطامع، واقتناص أدوار يبيعها بعد ذلك أو خلاله للأميركيين أو الإيرانيين أو حتّى الإسرائيليين، ويبتزّ بها العرب من سعوديين وفلسطينيين ولبنانيين. فهو ما كان يتلقّى أُعطياتٍ عربية سياسية أو مادية، لأنه أنجز للعرب هذا الأمر أو ذاك، بل لأنه هدَّد بتفّرقة كلمة الفلسطينيين أو قتْل اللبنانيين أو تعميق جراح العراقيين.. إلخ.

ما حسب النظام السوري بعد ثورة الشعب عليه حسابا للعرب. وهو قال ولا يزال يقول إنّ الاضطراب الشعبي عليه يقوم به مندسّون وإرهابيون عرب مُرسَلون من دولٍ عدة، داخلة في «المؤامرة» الدولية عليه. وهكذا فإنه لا يزال يخاطب الدوليين، أو الأميركيين، وعند الضرورة يخاطب إسرائيل. فقد أخبر الإسرائيليين عبر قريبه رامي مخلوف في بدايات الربيع السوري، أنّ أمنَهم مرتبطٌ بأمنه، وأنه إذا سقط نظامه، فلن يأمنَ الإسرائيليون من بعد. وعاد قبل أيام - مباشرةً هذه المرة - لتهديد العالم كُلّه؛ بأنّ سوريا هي صَدْعٌ زلزالي، وتقسيمها سوف يقسّم المنطقة كلّها. ولا حاجة للردّ على هذه الرؤى النشورية، رؤى أمارات القيامة. فالشعب السوري الثائر لا يريد تقسيم وطنه، والأميركيون أيضا لا يريدون تقسيم سوريا أو حتى التدخل فيها كما يقولون. ونحن العرب نعرف النظام السوري من جهة، وهو الذي قسّم سوريا طائفيا وإثنيا وأمنيا، كما نعرف الولايات المتحدة وحلولها الديمقراطية بالعراق! ما أردْناه من وراء إيراد هُواسات الرئيس الأسد الجديدة، أنه لا يزال يخاطب الولايات المتحدة ولا يخاطب العرب! فقد اجتمع العرب قبل شهرين ونيّف ووجَّهوا تحذيرا للنظام السوري، ودعَوهُ لمحاورة المحتجيّن وممثليهم. وأجابهم الرئيس عبر وسائل إعلامه التي ينطق فيها بنُصرته بعض اللبنانيين بأنهم لا يقدرون على شيء، وأنهم لا يرقون إلى رتبة المتآمرين، بل هم أدواتٌ تستعمل ضدَّ نظام الممانعة العَصي على الإسقاط! بيد أنّ هؤلاء العَجَزة والأدوات عادوا فاحتجوا بالجامعة العربية، وعادوا فوجَّهوا إنذارا إلى نظام الممانعة بإيقاف العنف والقتل والعبور إلى الحوار. وبدأ الأسد يشتم العرب من جديد، ثم توقف فجأةً، وقرر الاستماع إليهم، وذلك لسببين: مقتل القذافي بهذه الطريقة الشنيعة، وإلحاح أنصاره من الروس والصينيين عليه أن يقبل المبادرة العربية. وبعد جولتين من المحادثات بدمشق والدوحة، اجتمعت الجامعة العربية (الأربعاء 3/11/2011) على مشارف انقضاء مُهْلة الأسبوعين للنظر في إمكان التوصل إلى اتفاق مع النظام السوري على أساس وقْف العنف وبدء الحوار، أو الذهاب إلى اتخاذ إجراءاتٍ ضدَّه.

ما أراه هو أنّ الذي حصل ويحصل لن يُنهي العنف، كما لن يؤدّي إلى اتخاذ إجراءات. فبعد ثمانية أشهُرٍ من العنف العنيف ومن القتل الذريع، لن يدخل العقل إلى رأس النظام أو أطرافه فضلا عن قيم حقوق الإنسان وحرياته. وإنما يريد النظام التظاهُر باحترام إرادة الروس والصينيين من طريق الدخول في لعبة مع العرب ومع المعارضين السوريين، بحيث تشيع الخلافات بين المعارضين في مَنْ يقبل التفاوُض مع النظام وَمَنْ لا يقبلُه، وبحيث تظهر خلافات بين أعضاء اللجنة الوزارية العربية، في مَنْ يرى أنّ النظام السوري معقول بينما المعارضون غير معقولين، فضلا عن تفرّقهم وتشرْذمهم. وهذا يُكسبهُ وقتا من وجهة نظره، وقد يدبُّ اليأسُ في نفوس المتظاهرين تحت وطأة القتل والاعتقال والتهجير والتجويع، وفقد الأمل بتدخُّلٍ دولي لحمايتهم من طريق قرارٍ في مجلس الأمن.

هذه المقاصد من وراء المهادنة المفاجئة والظاهرة للعرب ومبادراتهم، واضحةٌ للمعارضين بالداخل والخارج. وهي تستلزم تكتيكاتٍ تُفِشلُ تلك الغايات والمقاصد. فالنظام السوري ما احترم أبدا شعبه وإرادته، ولا احترم العرب ونواياهم الحَسَنة. وحتّى أصدقاؤه الأتراك استنصر عليهم بالإيرانيين حتى كادت العلاقات تتوتر بين القطبين الإسلاميَّين الكبيرين. فهو شأن أبيه عاد لدعم حزب العمال الكردستاني في إغاراته داخل تركيا، وتسبّب بقطع العلاقات بين البلدين عمليا. وقد برئ الإيرانيون لدى الأتراك من ذلك وصرَّحوا بالأمر عَلَنا. فالمشكلة في هذا النظام أنه ما انتبه منذ أكثر من سنتين إلى التغيير الاستراتيجي الجديد بالمنطقة، سواء على مستوى تغيُّر سياسات الولايات المتحدة، أو على مستوى أحداث الربيع العربي.

لا يستطيع المعارضون، وليس من الحكمة الإعراض عن الحوار على برنامجٍ للإصلاح مع النظام بالجامعة العربية. وبالطبع لن يتفقوا مع النظام على تزمين البرنامج، وعلى مَنْ ينفذه. لكنهم يملكون أن يضعوا شرطا لكلّ شيء: وقف العنف، وسحب الجيش وقوى الأمن من شوارع المدن والبلدات. واستطرادا لن ينفّذ النظام السوري ذلك أيضا. لكنْ من المفيد الإصرار على عدم الدخول في الحوار إلاّ بعد وقْف العنف بتاتا، وترك الناس يتظاهرون. ولن تستمر المماحكات لأكثر من أسبوع ثم يعود النظام السوري إلى سابق عهده في إنكار العرب، والإنكار عليهم، وشكواهم إلى الصينيين والروس، وإلى الأميركيين والأوروبيين أيضا، إنما أولا وقبل كل أحد إلى الإيرانيين الذين سوف يستدعيهم هم وزعيم حزب الله وآخرون من العراق وربما من الجزيرة العربية، لوضع استراتيجية مُضادّة تعتمد التهديد بالحرب.

هناك مستجدّان يجعلان النظام السوري من مخلَّفات الماضي: ثورة الشعب العربي والشعب السوري من أجل التغيير في الجمهوريات الوراثية الخالدة، وفقد النظام في سوريا للسماحات والتكليفات. والخيارات أمام النظام متعددة إنما لها نهاية واحدة:

=================

سوريا وقصر نظر بشار الخطير

امير طاهري

الشرق الاوسط

4-11-2011

ماذا يفعل طغاة الشرق الأوسط عندما تنفد الحجج التي يمكنهم أن يبرروا بها حكمهم؟

على مدار عقود، كانت إجابة ذلك السؤال بسيطة للغاية: عندما تعوز الطاغية الحيل، يطلب من الغرب أن يساعدوه على الاحتفاظ بمكانه حتى يتمكن من منع «الإسلاميين» من الوصول إلى الحكم.

وقد قام سياد بري في الصومال بذلك على مدار عقود، حيث كان يتنقل بين السوفياتيين والأميركيين. وفي السودان، قدم جعفر النميري، الذي لم يقرر قط ما إذا كان اشتراكيا أم إسلاميا، ادعاءات مشابهة. كما كان صدام حسين، على مدار ربع قرن، يذكر أنه يمنع وصول طوفان إسلامي مزعوم من ناحية إيران. وفي سوريا، وظف حافظ الأسد ادعاءات مماثلة لتأمين اجتماعات مع رؤساء أميركيين. وتفاخر الأسد بأن خط وقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل هو أكثر الحدود مع إسرائيل هدوءا. كما ادعى الأسد أنه حال دون سقوط سوريا في أيدي الإسلاميين من خلال المذابح التي قام بها في حماه.

وفي تونس، استخدم زين العابدين بن علي نفس المبرر على مدار ربع قرن تقريبا. كما استخدمه حسني مبارك في مصر لمدة ثلاثين عاما. كذلك ادعى معمر القذافي أنه، لولا وجوده، لأصبحت ليبيا قاعدة للإسلاميين. وفي اليمن، يتصرف علي عبد الله صالح كما لو أنه قائد محلي قامت واشنطن بتعيينه ليخوض حربا ضد تنظيم القاعدة.

وفي نهاية الأسبوع الماضي، حان دور الطاغية بشار الأسد ليعزف على تلك النغمة القديمة. ففي حوار مع صحيفة تصدر أسبوعيا في لندن، كجزء من برنامج قامت به شركة علاقات عامة بريطانية، ادعى أنه وحده من منع ظهور «أفغانستان أخرى». وكان محور حديث الأسد بسيطا وهو أنه إذا رحل، فسيأتي الإسلاميون؛ وبمجرد وصولهم إلى الحكم، فسوف يقومون بتدريب أشخاص على القيام بتفجيرات انتحارية ضد الغرب. كما ذكر أن الغرب بحاجة إليه ليبقي على الأوضاع هادئة مع إسرائيل، تماما كما فعل والده من قبل. لهذا، فإنه من مصلحة الغرب أن يتركه يحافظ على بقائه في السلطة عن طريق قيامه بقتل شعبه.

وفي الواقع، يبدو أن الأسد قام بتقديم طلب وظيفة ليصبح «علي عبد الله صالح» آخر، أو بطل الغرب في مجال الحرب ضد «التشدد الإسلامي».

لقد كانت مبررات الأسد محبطة، على أقل تقدير، في أكثر من صعيد. لقد تحدث كما لو أنه يرأس منظمة على طراز المافيا، مستخدما التهديدات الواضحة والمستترة.

إننا لم نر قائدا يفهم أن بلده في خطر وأن عليه التصرف بحكمة ليحافظ عليها من الوصول إلى طريق مسدود خطير.

وبدت بعض جمل الأسد كما لو كانت مأخوذة من الجزء الثاني من فيلم «العراب»، حيث بدا الأسد غير قادر أو غير راغب في فهم ما يحدث في سوريا. ورأى أن المظاهرات «أمر لا يستحق الاهتمام»، حتى إنه تساءل عما إذا كان المتظاهرون سوريين بحق.

يبدو أن الأسد، طبيب العيون، يعاني من قصر سياسي في النظر. فعندما أبعدته ثورة الأرز عن لبنان، قال لأعضاء البرلمان إن جماهير بيروت عبارة عن جماعات صغيرة العدد وأنها تبدو كبيرة بفضل كاميرات التلفاز التي تستخدم تقنية «التكبير والتصغير».

ولم يعد الأسد، الذي أصبح مصدر إحراج حتى لحلفائه الإيرانيين، قادرا على أن يوفر لسوريا الحد الأدنى من الأمن والحرية اللذين لا يستطيع أي مجتمع أن يعمل من دونهما.

وفي الواقع، فإن الانتفاضة في سوريا تبدو أكثر ترسخا وأوسع في نطاقها من حيث عدد المشاركين من حركات «الربيع العربي» الأخرى.

ففي تونس ومصر وليبيا واليمن، كانت الانتفاضات مقتصرة بالأساس على مدينتين أو ثلاث مدن، متضمنة العاصمة في أغلب الأحيان. غير أن المظاهرات في سوريا لها جذور في كل قرية ومدينة تقريبا.

وبمرور الأيام، نسمع عن مظاهرات في مكان جديد، بما في ذلك أماكن لم يسمع عنها حتى المتخصصون. وقد عكفت على إعداد قائمة بتلك الأماكن. وحسب آخر الروايات، فإن سوريا شهدت مظاهرات في 87 مدينة وقرية، وهو عدد مذهل.

وقد يكون الشيء الأكثر أهمية هو أن الانتفاضة يبدو أنها تحظى بقبول جميع قطاعات المجتمع والثماني عشرة ديانة والجماعات العرقية التي تشكل النسيج السوري.

وقد ادعى الأسد أن أكبر مدينتين سوريتين، وهما دمشق وحلب، يسودهما هدوء نسبي. غير أن هذا الادعاء كاذب بشكل واضح. وعلى الرغم من حقيقة أن أجزاء من دمشق وضواحيها قد تحولت إلى معسكرات مسلحة، فقد شهدت العاصمة سلسلة من المظاهرات. كما جذبت مسيرة للطلاب، في حلب، أعدادا كبيرة من المتظاهرين، عندما كانت عشرات المصانع في ضواحيها تتعرض لهجمات.

على أي حال، حتى إذا كانت دمشق وحلب جزيرتين يسودهما الهدوء في بحر عاصف، فلا ينبغي أن يتبجح الأسد. إن لدى كل طاغية ولعا بخداع الذات. وحتى إذا كانت عاصمته على وشك السقوط، فإنه يوهم نفسه أنه آمن في مخبئه.

وبدلا من أن يظهر قدرته على القيادة ويحاول جمع الناس معا، أصبح الأسد عنصر تفريق في السياسات السورية المعقدة. إن وجوده في حد ذاته يقسم الناس إلى مؤيدين ومعارضين للنظام، وهو سبب لحدوث حرب أهلية. إن الأسد يتولى الرئاسة معتمدا على المجموعات الباقية من القوات المسلحة، مع انشقاق المزيد والمزيد من الضباط والرجال وقيامهم بتكوين جيش بديل. بل إن وجود الأسد أدى إلى انقسام مجتمع العلويين نفسه الذي ينتمي إليه الأسد.

ويبدو أن الأسد الجاهل يأمل أن تنتهي المظاهرات. غير أن الأمل لا يعد بديلا للسياسة. لقد شارك 200 شخص في أول مسيرة مناهضة للأسد في اللاذقية في مارس (آذار) الماضي. وقام أعوان الأسد بقتل ثمانية منهم. وفي الأسبوع التالي، ارتفع العدد إلى 2000، قتل رجال الأسد 19 منهم. وفي الأسبوع الثالث، ارتفع عدد المتظاهرين ليفوق ال20,000 متظاهر. وبصور مختلفة، حدث هذا في أنحاء سوريا كافة. إن الأسد لا يتسم بالواقعية على الإطلاق، وهو سجين للأوهام، تماما كما كان صدام والقذافي ومجموعة من الحكام العرب المستبدين حتى واجهوا نهاياتهم الأليمة.

======================

الحل العربي

رأي الشرق

الشرق القطرية

التاريخ: 03 نوفمبر 2011

أخيرا وبعد جولتين من المحادثات في دمشق والدوحة والاتصالات المكثفة، وافقت دمشق رسميا على ورقة العمل التى قدمتها اللجنة الوزارية العربية الخاصة بمتابعة الوضع فى سوريا برئاسة معالي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية.

وتشمل أبرز بنود هذه الورقة، الوقف الفوري لأعمال العنف وسحب المظاهر العسكرية من المدن والأحياء السكنية والإفراج عن المعتقلين، وذلك قبل الشروع في الدخول في حوار وطني بين النظام وكل اطياف المعارضة السورية برعاية عربية.

ان هذه الموافقة السورية على الورقة العربية تشكل خطوة مهمة للتقدم نحو تسوية تلك الأزمة التي أسفرت عن مقتل أكثر من ثلاثة آلاف شخص واعتقال عشرات الآلاف وادت إلى انشقاقات خطيرة في صفوف الجيش، وهو امر ينذر بانزلاق البلاد في أتون حرب أهلية، بعد ان لجأ البعض الى السلاح لمواجهة القمع الدموي للاحتجاجات والتظاهرات السلمية ونزول الجيش بآلياته ومدرعاته الى المدن والاحياء في محاولة من النظام لإسكات صوت المعارضين المطالبين بالتغيير.

ومع أهمية موافقة دمشق على المبادرة العربية، إلا ان الامر الأهم يبقى في الالتزام بتنفيذ بنود المبادرة نصا وروحا وبشكل فوري كما نصت عليه الورقة التي ربما تشكل الفرصة الاخيرة امام نظام الرئيس السوري بشار الأسد للخروج من هذا المأزق، ذلك ان التجارب الاخيرة التي مرت بالمنطقة كشفت انه لا أحد بمنأى عن رياح "الربيع العربي" التي لم تستثن ممانعا او معتدلا، لأنها تنشد الحرية والعدالة والكرامة وحقوق الانسان والديمقراطية للشعوب.

ان الأمر الاكثر إيجابية فيما حدث امس في اجتماع مجلس الجامعة العربية، هو ان حل الازمة في سوريا، مهما يكن، اصبح داخل بيتنا العربي، وهو أمر له دلالته الكبيرة وقد يكون مقدمة لدور جديد تضطلع به الجامعة في المنطقة دون حاجة الى اللجوء الى المجتمع الدولي والخارج الذي لا يخفى على احد ان له مصالحه واجنداته في المنطقة التي قد لا تتوافق مع مصالحنا العربية.

=================

لحظة الحقيقة في سوريا

جيمس زغبي

السفير

3-11-2011

عندما علّقت الجامعة العربية عضوية ليبيا ومررت قراراً يدعم فرض منطقة حظر جوي عليها قبل أشهر، بدا أن الأمر يتعلق بحالة خاصة وفريدة من نوعها لن تتكرر. ذلك أن القذافي كان قد سعى على مدى عقود إلى تحويل نفسه إلى شخص منبوذ.

فهل يمكن أن يحدث ذلك مرة أخرى؟ هل من الممكن أن يتصرف زعيم عربي آخر على نحو سيئ إلى درجة يصبح معها عبئاً إقليميّاً وتهديداً للاستقرار في المنطقة؟ في ذلك الوقت، بدا الأمر مستبعداً، إذ لم يكن يبدو أن ثمة مرشحاً منطقيّاً من بين الزعماء العرب الحاليين.

بيد أن نتائج استطلاع حديث للرأي أفرج عنها المعهد العربي الأميركي هذا الأسبوع تشير إلى أن حكومة الأسد قد تكون في طريقها إلى تقلد هذا الدور باعتبارها النظام المعزول الجديد في المنطقة. قام استطلاع الرأي الذي أجري أواخر أيلول/سبتمبر وأوائل تشرين الأول/ أكتوبر باستطلاع آراء أكثر من 4 آلاف عربي في ستة بلدان هي المغرب ومصر ولبنان والأردن والسعودية والإمارات. وما يستخلص من نتائج هذا الاستطلاع هو إلى أي مدى أصبحت حكومة الأسد السورية معزولة ويُنظر إليها باستياء عبر العالم العربي. إنه تحول لافت! فقبل ثلاثة أعوام فقط، طلب استطلاع مماثل للرأي في البلدان الستة، أجري لحساب جامعة مريلاند، من المستجوَبين الإشارة إلى اسم زعيم، ليس من بلدهم، يكنون له أكبر قدر من التقدير والاحترام، فحصل الأسد حينها على أعلى عدد من النقاط مقارنة مع أي زعيم عربي آخر. وقد أتى هذا التحول على نحو دراماتيكي في استطلاعنا لهذا العام.

وفي ما يلي بعض مما استخلصناه. أولا وقبل كل شيء، وجدنا أن الأغلبية الساحقة من العرب، في الدول الست التي شملها استطلاع الرأي، يقفون إلى جانب السوريين الذين يتظاهرون ضد الحكومة (إذ يتراوح الدعم لهم ما بين 83 في المئة في المغرب و100 في المئة في الأردن). وعندما سئلوا حول ما إن كان الأسد يستطيع الاستمرار في الحكم، فإن أعلى المعدلات التي ردت بالإيجاب في البلدان الستة التي شملها الاستطلاع لم تتعد 15 في المئة في المغرب و14 في المئة في مصر، في حين أن المعدلات الأخرى متدنية ولا تتجاوز الرقمين.

ولعل الأكثر دلالة وتعبيراً هو الدعم الضئيل الذي يحظى به الزعيم السوري في لبنان.

وهناك ملاحظات مهمة أخرى تُستخلص من هذه النتائج، وفي مقدمتها حقيقة أن تدخلات تركيا في الموضوع السوري تحظى بدعم الأغلبية في كل بلد عربي حتى الآن. كما يُنظر إلى دور السعودية إيجابا في كل بلد ما عدا لبنان. أما البلد الذي حصل على أدنى معدل عبر المنطقة بخصوص دوره في سوريا، فهو الولايات المتحدة (تليها إيران مباشرة).

ان سوريا ليست ليبيا، وذلك على رغم السلوك العنيف للنظام وعزلته الإقليمية المتزايدة. إنها ليست ساحة حيث يمكن ل«الناتو» أن يتدخل، لأن مثل هذا التدخل لن يؤدي إلا إلى خلق مزيد من التوترات، وربما الحروب خارج حدود سوريا.

ان أكثر ما يبعث على القلق اليوم هو الخوف من تصاعد النزاع وتحوله، في ظل لجوء منشقين عن الجيش السوري ومعارضين محتجين آخرين إلى العنف، إلى حرب أهلية شاملة يمكن أن تؤدي إلى تضاعف حصيلة القتلى الحالية بعشرات المرات أو أكثر. فالعواقب قد تكون وخيمة، ليس بالنسبة لسوريا فحسب، بل بالنسبة للمنطقة برمّتها.

ومما لا شك فيه أن مبادرة الجامعة العربية، والجهود الإقليمية الرامية إلى إنهاء إراقة الدماء والقمع، وبدء مفاوضات جدية تفضي إلى عملية انتقالية تفتح الطريق أمام سوريا حرة وديموقراطية تحترم حقوق كل شعبها وتحميها، ينبغي أن تحظى بدعم دولي واسع.

=================

بشار: التنفيذ بلا لفّ ولا دوران !

علي حماده

النهار

3-11-2011

بدا رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم بصفته رئيس اللجنة العربية الخاصة بالازمة السورية شديد التحفّظ في حديثه عن التزام النظام في سوريا المبادرة العربية، بقوله انه سعيد بقبول النظام بالورقة العربية، ولكنه سيكون اكثر سعادة بأن يطبق الاتفاق فوراً. وزاد الشيخ حمد ان مجلس الجامعة سيعود للانعقاد في حال عدم التنفيذ. وكان في كلامه يشير ضمناً الى مسؤولية النظام الاولى في ما يحصل، وقد اصر على انتقاء عبارة "القتل" والتلفّظ بها مراراً وتكراراً كمن يشير بأصابع الاتهام الى النظام مباشرة.

في الاصل، ما مرّ يوم والتبست فيه صورة الوضع في سوريا في اذهان قادة المجتمع الدولي، فالقتل المنظّم معروف مصدره، والاعتقالات معروف من يقوم بها، وقصف المدن والقرى والاحياء معروفة الجهة المسؤولة عنها، وبالتالي فإن ما تضمنته الورقة العربية من اشارة مبهمة بعض الشيء عن "العنف" انما كان يراد منه امرار المبادرة بسحب ذرائع من بين يدي بشار الاسد. هناك جلاد وهناك ضحية في سوريا، والصورة واضحة وضوح الشمس.

هكذا قبل النظام في سوريا بالمبادرة العربية، وهو يعرف انه اضعف من ان يرفض مبادرة عربية مع تجمع السحب فوق رأسه. ذلك ان ارض سوريا التي يحرقها يومياً تزحل من تحت قدميه، وهو غير قادر على حسم المعركة مع الشارع المنتفض في كل مكان على عكس ما حصل في الثمانينات من القرن الماضي. وبالتالي فإن استمرار القتل تحت مظلة روسيا والصين في الامم المتحدة دونه امكان مواصلة موسكو وبيجينغ التغطية على احدى اكبر المجازر السياسية الانسانية في السنوات الاخيرة.

والآن، ما هي عناصر الاتفاق الذي قبل به النظام في سوريا؟ يمكن تلخيص البنود في السياسة كما لخصتها زميلة لنا على موقعها على شبكة "تويتر"، كتبت ديما الخطيب: الخطة العربية لسوريا: اسحبي الجيش، اوقفي القتل، اطلقي سراح المعتقلين، تفاوضي مع المعارضة، اسمحي للمنظمات الانسانية والاعلام بالدخول والا سنجتمع من جديد"... هكذا يمكن تلخيص المبادرة العربية التي تتوجه شطر النظام".

أساس المشكلة "جمهورية حافظ الأسد". وما دام بشار الاسد لم يقتنع بأن جمهورية والده ماتت، وان عليه المسارعة الى اجراء مراسم الدفن في اسرع ما يمكن باعلانه التنحي واسقاط النظام، فإن الشعب السوري سيظل ثائراً، ومع الوقت سينتقل اكثر فأكثر الى حمل السلاح بشكل منظّم في مواجهة آلة القتل.

من هنا الى أين؟ اشترى النظام فسحة زمنية، وفي المقابل حققت الثورة السورية نقلة نوعية ومكسباً سياسياً جوهرياً تمثل باجبار النظام على الاعتراف بها كجهة مفاوضة، والشارع سيكون اكثر تصميماً على مواصلة الثورة بعدما بدأ النظام يترنح. انما لا سبيل امام بشار الاسد سوى التنفيذ بلا لفّ ولا دوران، كما قال الشيخ حمد بن جاسم.

=================

النظام السوري لن يلتزم بالورقة العربية .. فماذا سيفعل العرب؟

مجيد عصفور

الرأي الاردنية

3-11-2011

بغض النظر عما اذا كان وفد الجامعة العربية برئاسة دولة قطر، قد سلم القيادة السورية ورقة تتضمن بنوداً للاتفاق حولها بهدف ايجاد حل لازمة النظام السوري مع شعبه أم لا، وسواء وافقت القيادة السورية على ما جاء في هذه الورقة العربية التي تأتي ضمن مبادرة تبنتها الدول العربية من خلال الجامعة العربية أم لا، فإن شيئاً مما ورد في الورقة لن يحدث، فلن يسحب النظام دباباته وعناصر الارهاب التابعين له من الشوارع، ولن يُخرج سجيناً واحداً من معتقله ولن يدخل وسائل الاعلام او يبدأ حواراً مع المعارضة الحقيقية.

ان سياسة النظام السوري قديماً وحديثاً تقوم على المراوغة وكسب الوقت وعدم الالتزام بأي اتفاق.

منذ اندلاع المظاهرات في سورية قبل حوالي عشرة أشهر لم يتزحزح سلوك النظام السوري عن هذه الثوابت قيد أنملة، فتارة يعلن عن انتهاء الأزمة، وتارة ينكر وجود لاجئين سوريين هاربين من ارهاب الشبيحة، وعندما تظهر الخيم البيضاء يلجأ الى التقليل من اعدادهم وكأن المسألة مسألة عدد المظلومين وليست مسألة الظلم ذاته، وبدلاً من البحث في اسباب الازمة يدفع النظام بآلاف الطلبة والمواطنين للخروج الى الساحات والميادين محملين باعلام تغطي الشوارع لتأييده، ظناً منه ان هذا المشهد المكشوف يقنع العالم بانه ما زال يتمتع بشعبية وشرعية تسمح له بالبقاء في حكم البلاد والعباد.

ان ما يحتاجه النظام السوري بعد هذا الذبح والتنكيل الذي اوغل فيه تجاه شعبه هو ان يعترف بأن الوقت قد فات، ولم يعد هناك أي مجال للعودة الى الوراء، فالشعب الذي سقط منه ثلاثة آلاف شهيد وفقد اكثر من مئة الف بين معتقل ومجهول المصير، لن يقبل باستمرار هذا الحكم فما حدث لن يكون بلا ثمن.

اما التهديد بحدوث زلزال يضرب المنطقة كلها اذا ما ازيح النظام عن الحكم فليس اكثر من فزاعة لا تخيف احدا ولا يصدقها احد، غير الحلفاء في ايران واتباعها في العراق ولبنان، اصحاب المصلحة في الهيمنة على المحيط السوري.

لقد ورط السوريون العرب في حرب عام 1967 بحجة الحشود الاسرائيلية على الجولان للتغطية على خلافات شخصية بين اعضاء قيادة حزب البعث آنذاك، وورطوا لبنان في اصطفافات طائفية وعقائدية ادت الى وقوع حرب اهلية خسر فيها لبنان وربح النظام السوري عندما احتل هذا البلد العربي ونهب خيراته وسيطر على قراره وما يزال، والآن يسعى نفس النظام الى توريط العرب باستدراج الاجنبي للتدخل باسم حماية المدنيين ومن ثم تقسيم سورية وادخالها في دوامة جديدة مع اطراف خارجيين سيكون لهم شروطهم التي لن تكون في مصلحة سورية أو العرب بكل تأكيد.

ان على الدول العربية ان تستبق تدويل الأزمة السورية باستبدال سياسة المقترحات والأوراق، بسياسة الضغط على النظام السوري بكل الوسائل من أجل انقاذ سورية وشعبها من شبح التدخل والتقسيم نتيجة الاستمرار بممارسة القمع والبطش الذي يقوم به النظام ضد شعبه، فمصلحة سورية البلد والشعب أهم بكثير من مصلحة نظام يتمسك بالحكم، ويكفينا نقداً للدول نتيجة التباطؤ في حل الأزمات العربية بالوسائل العربية.

=================

زينب التي قُتلت مرتين

سمر يزبك

2011-11-02

القدس العربي

 ليس يوما عاديا، كان يردد كعادته، بصوت مسموع. ليس يوما عادياً. يتجاوز الشارع، ويقف أمام الحاجز الرملي. صار يحفظ شكل الجنود، يقول لهم: صباح الخير، وهو خارج. عندما يعود، يحييهم بابتسامة وايماءة خفرة: مساء الخير. رغم أنهم كانوا يتبدلون، لكنه كان قادراً على حفظ وجوههم التي يراقبها من نافذته.

الزحام خانق، ومفترق الطرق الذي يؤدي إلى دوما والدويلعة وباب شرقي يعج بالناس والحافلات. يقطع الشارع. يشعر بخفقان نابض، لقد رأي بعينيه برك المياه والبحرات التي تتوسط العاصمة، كيف تحولت إلى اللون الأحمر، كان منظراً يبعث على الاستغراب، ولكنه مخيف. تخيل فجأة أنه يشرب الدماء، عدة ساحات عبرها ليتأكد، نعم المياه حمراء! لابد أن أحداً ما قام بتلوينها، لم يقرأ على النت شيئاً بهذه الخصوص، كيف لا، وهو المتابع بدقة لما يحدث، تفوته أشياء؟ ثم أنه غير موجود! يفتح باب غرفته، مخفيا رأسه في الأرض، نعم إنه غير موجود، لا أحد يعرف عنه شيئاً، ولا أحد يهتم بما يفكر وبما يقوله، وجوده افتراضي مثل كل حياته المجهولة

الأصل. أقفل باب الغرفة، طق المفتاح طقتين كالعادة، ثم رمى نفسه على فراشه الإسفنجي، وقبل أن يفعل أي شي فتح جهاز الكمبيوتر، سيبحث عن هذا الخبر في صفحات الفيسبوك.

يستخدم اسماً مستعاراً، هو صديق لكثيرين، يدخل صفحاتهم، يقرأ ويحول ما يقرأه إلى قصاصات، يقارن بين هذه القصاصات وبين معلومات من 'غوغل'. يدخل إلى عدة صفحات متضاربة، صفحات النظام وصفحات الثوار، يسمع نشرات الأخبار على التلفزيون وفي الإذاعات، شغله الشاغل.

اليوم يفكر أن اللون الأحمر في ساحات العاصمة يجعله يشعر أن دماءً تغرغر في حلقه، يقرأ ما كُتب عن الموضوع، يقول لنفسه: هذا ما خمنته. شباب الثورة يلونون مياه البحرات بالأحمر لأنهم لا يستطيعون التجمع في الساحات، يتظاهرون كالأسماك، يا للشباب الشياطين! ثم أضاف: والأبطال. عندما يسمع كلمة أبطال، يتلفت حوله، لقد قالها بصوت عال ومرح. المريح في الأمر أن أحداً لم يسمعه.

يدقق في صور حكايته الثانية، في العينين، الوجه، شكل الحجاب، ثم يطيل النظر في المقابلة التي بثها التلفزيون الرسمي عن الفتاة، وينظر في الصور التي ظهرت على النت، الفتاة وأخاها الذي قتل أيضا في السجن. يقول: مثل كل الصور التي قد نجدها لدى كل عوائل الأطفال، كانت ستمر دون ذكر لولا المأساة.

يدقق في صور لها ولأخوتها، صورتها في العاشرة، ملامح عادية، وجه كأي وجه، حوّله الموت إلى أيقونة. ينظر حوله، يبحث عن شيء ما، هو لا يحتفط بصورة له، أو لأي فرد من عائلته، ولكن أي عائلة؟ يدقق في وجه الأم التي ستدور عنها الحكاية، أيضا لا صور لأمه. يتوقف طويلاً عند عيني بطلة الحكاية المغمضتين في أحد مقاطع ال'يوتيوب'. ينظر في الجدار المقابل له، حيث رفوف طويلة من الكتب. هو لا يعرف وجه أمه كيف كان، ولا يستطيع مقارنته بأم الفتاة. يهز رأسه كمن ينفض البلل. يقوم لينزع صورة الرئيس. كان ثمة ظل يتراقص بين الصورة والضوء الأصفر الشاحب. يتذكر أنه بحاجة لفنجان قهوة وسيجارة، هكذا يفعل الأدباء العظماء، يدخنون السجائر أثناء الكتابة، ويشربون القهوة بلا سكر. ركوة كبيرة من

القهوة أعدها ووضعها جانبه مع منفضة وعلبة سجائر. الآن كل شيء جاهز ليبدأ، لكن بقي أمر واحد. قام من مكانه للمرة العاشرة، وأزاح الستارة فاختفي الظل بين الصورة والضوء. نظر إلى الشارع، كل شيء طبيعي.

أعاد الستارة، وبقي لدقائق يسوي أطرافها حتى تغطي كامل النافذة. ربما استرق النظر إليه أحد المارة، فقرأ ما يكتبه على شاشة الكمبيوتر. لا بأس سيبدأ.

'أي موت يمكن إبداعه في صلصال مقطع، لا فرق الآن بين لحم بشري وصلصال خارج من فرن أعد خصيصا لمشهد ضوئي لامع. ليست الفكرة هنا، الفكرة كيف يمكن ليدي الأم احتواء هذه الكتل اللحمية الملفوفة أمامها، والتي كانت فيما مضى تسمى زينب ستعرف لاحقاً أن تلك الأجزاء التي مرت بأصابعها الواهية عليها ربما لم تكن لابنتها لكنها الآن وفي هذه اللحظة، تجلس مغمضة العينين، تطبقهما بشدة'. يتوقف عن الكتابة، أصابعه ترتجف، كان يحاول معرفة لون عيني الأم، وهو يغبط نفسه لأنه استطاع الحصول على صورتها. الحكاية الأولى عن مدينة حماة كانت بلا صور، ولم يستطع أن يشعر بسعادة الإنجاز، استعاد فرحه عندما قام بطباعة صورة أم زينب، وعلقها فوق جهاز الكمبيوتر، صورة عادية لامرأة مغمضة العينين لن تلفت انتباه أحد، لن يعلق صور الأبناء، صور الأمهات فقط ستمنحه ما يريد، ينقل ما كتبه من القصاصة الصغيرة إلى الملف: (بتاريخ 27-7 -2011 قامت مجموعة من

عناصر الأمن والشبيحة في حمص باختطاف الشابة زينب الحصني من مواليد 1992 من حي كرم الزيتون لكي يقوم أخوها بتسليم نفسه. وعن طريق المصادفة وعندما كان أهل الشهيد محمد الحصني يقومون بمعاملة تخريجة من المشفى العسكري بحمص ذكر لهم أحد العاملين في المشفى أنه توجد شابة في ثلاجة المشفى

من آل الحصني وعندما شاع الخبر في العائلة سارع أهل الفتاة المفقودة إلى المشفى العسكري بتاريخ 15-9-2011 للتأكد والتعرف على جثة ابنتهم فوجدوا الفاجعة الكبرى.. زينب ملقاة في الثلاجة مشوهة الوجه ومقطوعة اليدين، قد أحضرت إلى

المشفى العسكري بهذه الحالة من قبل عناصر تابعة لأحد فروع الأمن بحمص. لم تقبل إدارة المشفى تسليم الجثة للأهل حتى اليوم السبت بتاريخ 17-9-2011، حيث تم تشييعها من جامع عبد الرحمن بن عوف في حي باب السباع إلى مثواها الأخير، مقبرة الشهداء في باب السباع).

يتوقف عند هذا الخبر من مدينة حمص، المدينة التي تُقصف الآن، الآن في هذه اللحظة. يفكر أن الحديث عن موت هذه الفتاة ليس سهلاً، فقد قامت من قبرها من جديد! وظهرت على التلفزيون الحكومي لتقول بأنها ليست القتيلة. فكر أن حكاية زينب تصلح لرواية، وليس فقط أن تكون جزءاً من رواية؛ إن كانت زينب لم تقتل، وهي في أحد فروع المخابرات، فمن التي قتلت؟ رواية بوليسية تصلح لأسئلة فلسفية، نعم هذا سيكون رائعاً، أن يكتب رواية بوليسية. سيكون له فضل السبق، الروايات البوليسية تحتاج المنطق والعقل والتحليل، لذلك لا توجد رواية عربية بوليسية! يقول لنفسه، وهو يفكر بالحالة التي كتب عنها أمبرتو إيكو روايته الشهيرة 'اسم الوردة'، عندما جعل من أسئلة أرسطو عن المنطق مدخلا لرواية بوليسية شديدة التعقيد والحساسية. ولكن رواية زينب وقتلها أقل بساطة من ذلك. زينب لم تُقتل، والجثة المشوهة المقطعة الأوصال المحروقة، التي لامستها أصابع الأم، هي لفتاة أخرى!

'طيب!' قال كلمة طيب وهو يقوم عن كرسيه، ثم أضاف بصوت عال: لم لا أبحث عن أسماء فتيات مفقودات، ربما تكون واحدة منهن؟ ولكن لم هذا التشتت أيها الغبي؟ موضوعك هو الأم، وليس الفتاة.

الأم.. الأم.. الأم، نعم، أنت في رواية ولست في مسرحية؟ أنت تكتب عن قصة حقيقية وقعت في مدينة قريبة منك، لست بحاجة للإنشاء، بل أنت بحاجة فقط لتكتب عن أم زينب التي وصلت ابنتها إليها مقطعة الأوصال، ومن ثم ظهرت بعد ذلك على التلفزيون حية ترزق. هل تستطيع توثيق ذلك الألم؟ هل أنت قادر على التقاط اللحظة؟ ولكن أم زينب ليست بطلة هذه الحكاية!

الأم الأخرى، الأم الثانية، الأم التي ماتت ابنتها وقطعت أوصالها، ماذا عنها؟ هي

البطلة المفترضة للمأساة، ولكن كيف تكتب عن أم غير موجودة، وعن جثة مشوهة مقطعة الأوصال محروقة؟ هذا يشبه السرد البطل والسرد الكومبارس في ليالي ألف ليلة وليلة، بين دنيا زاد الصامتة وشهرزاد الراوية. ولكن ما بالك لا تعرف كيف تكتب هذا اليوم؟ هل هو منظر الساحات؟ هل يكون اللون الأحمر الذي صبغ بحرات دمشق أثر على سعة خيالك؟

اجلسْ واكتبْ. يأمر نفسه وما يزال يتحدث بصوت عال، ويعود إلى كرسيه، وينظر

في وجه أم زينب. 'الأصابع المرتجفة لا تقترب من بقايا الجسد المطحون بالنار، تنظر ببلاهة، شبه ذاهلة عن تفاصيل ابنتها، شبه منومة.

رأت منذ أيام جثة ابنها، كان جسده كاملاً كما نزل من بطنها، الابن الذي اختطفت

أخته بديلاً عنه. كانت الأم تحرك رأسها مثل رقاص ساعة، صوتها بالكاد يخرج. كلمات خافتة صغيرة سمعت من شفاهها، يا الله! يا الله! يا الله! تنظر في تلك الإنحناءات التي احتفظ بها جسد الصبية، وتفكر كيف يمكن أن يكون هناك رجال لا تعرف عنهم شيئاً قد عروا ابنتها وعرفوا تفاصيلها وعبثوا بجسدها، فتغشى عيونها وتغيب عن الوعي.

تستيقظ وتفكر بمن استباح زمنها وهناء أيامها، ترفع يديها للسماء، وتطلب الرحمة

للبنت ولأخيها الذي قُتل. يقول لها ابنها الشاب في لحظة ما، وهي في نقطة عائمة عن الواقع تهز رأسها يميناً ويساراً: يا أمي بدنا نطلّع زينب. تنظر مذهولة حولها، لا

تفهم شيئاً. تتدفق نسوة ملتفعات بالسواد، يرفعنها، فلا تقف. قدماها لا تلتصقان بالأرض. تنظر في الغطاء الذي لف جسد الصبية ليسترها، ولكن عن أي ستر يمكن

الحديث الآن؟ الرأس في مكان بعيد عن الجسد، الرأس غير واضح الملامح، إلى جانب الرقبة، اليدان أيضاً! عيناها ذاهلتان تحدقان في حركة من حولها، ولكن لم لا ترى وجه ابنتها للمرة الأخيرة؟ هو ليس شيئا الآن، مجرد كتلة لحمية متداخلة مع العظام والحروق، لكنها تصرخ بالنساء أنها تريد أن تضم رأس زينب وتقبّله.

تسحبها النساء، تضمها امرأة وتمسك يديها، وتجرها أخرى من كتفيها. صمت ونواح خافت تخرقة تنهدات بكاء جماعي. خارج الغرفة، كانت تقف أمام الرجال محمولة من كتفيها، وعندما خرجوا يحملون زينب في تابوت خشبي، عليه غطاء منزلي من النوع الرخيص، خرت على الأرض وانبطحت معها عدة نساء.

الأم نفسها التي ستظهر بعد أيام على إحدى شاشات التلفزة، شبه مذهولة. لم يكن

ذهولها طارئاً، فقد تحولت إلى امرأة مندهشة حتى بفكرة الحياة. كانت تشعر بالغرابة لأنها ما تزال على قيد الحياة، وأجزاء من لحمها ودمها تحت التراب. هذا تماماً ما يمكن أن تشعر به أمّ فقدت من خرج من بطنها يوما ماً. لكن رغم الدهشة كان هناك فرح غريب يلوح من عينيها، وهي تقول للكاميرا: 'ما بعرف إذا اللي طلعت عالتلفزيون هي بنتي، ما بعرف يمكن هي بنتي، ما بعرف، ياريت تكون بنتي، يمكن هي بنتي'.

ما تزال تحتفظ بذهولها شبه المريض، وهي تخبر الكاميرا عن ابنتها التي ظهرت على التلفزيون الحكومي وقالت أنها حية، أما كيف؟ عرف الجميع أن هناك من قتل فتاة مجهولة الهوية، وقطع جسدها وأحرقه وشوهه، وقام بالتلاعب بمصائر البشر، وقال لأمّ أن هذه ابنتها.

ماتت زينب للمرة الأولى، وهي مقعطة الأوصال. وماتت مرة ثانية عندما اختفت في أحد فروع الأمن، وأُجبرت على أن تقول أنها هاربة من أهلها. وماتت زينب عندما

عادت للاختفاء ثانية، ولم تسمع الأم عنها شيئاً. والأم عاجزة عن فهم ما يحدث، وكيف تم التلاعب بها، وكيف سُلمت جثة قالوا لها أنها ابنتها، ثم قالوا لها مرة ثانية

أنها ليست ابنتها. الآن عليها انتظار المزيد من الخوف، فكيف يمكن أن تفكر أن يحدث لزينب ما حدث للمرة الثانية؟ أنا، المؤلف، أستطيع القول لكم أيها القراء إن الواقع أكثر وحشية من الخيال، ولا أحتاج لكثير من الحكايات، الحكاية تخبركم، وأنا

هنا جالس في غرفتي، أستطيع إخباركم عن أم ماتت ابنتها مرتين، ومات ابنها مرة، وعن المجاز في اللغة. الميت لا يعود للحياة، زينب الميتة عادت، وهذا يعني أن الخيال ممكن التحقق بنسبة أعلى من الواقع، أما كيف ستموت زينب للمرة الثانية، وماذ يحصل معها في غرفة معتمة في أحد الأقبية المعتمة في السجن، فهو ما تنتظره الأم التي كانت تصلي أن تموت زينب للمرة الثانية دون عذاب.

هذا جل ما تتمناه. لم تعد تحلم بالكثير، بل لم تعد تتجنب الفضائح. ليس مهما ما يحدث، بل المهم أن تشعر بالرضا والطمأنينة أن آلام شديدة لن تمر على روح

فتاتها.

الأم التي بقي قلبها معلقاً مثل ذبيحة تنتظر تصفية دمها، ولا من جواب يشفي قلبها. كانت تجلس ساعات طويلة وحدها تنظر في الفراغ وتتخيل وتستعيد شكل الجثة المشوهة، إن كانت لابنتها أم لا. هل هي زينب؟ اليوم تحديداً وبعد أن خرج الجميع من غرفتها، جلست مع صور زينب. كانت صوراً عادية، واحدة في العاشرة لزينب، قبل أن تضع الحجاب، وصور لها بعد أن كبرت قليلاً، الصورة التي تتجنب النظر فيها هي لزينب تجلس إلى جانب أخيها القتيل. لا تنظر في الصورة، تمرر أصابعها عليها، تدفعها بعيداً عنها، وتعود لإطباق عينيها وتزم شفتيها، وتفكر بزينب التي كانت تكبر كل يوم في قلبها.

تتذكرها وهي تتعلم النطق وتلثغ، ثم تعود إلى طفولة بعيدة. في العادة، الأمهات اللواتي ينجبن عدة أبناء قد ينسين صور أبنائهن، لكن أم زينب، تتذكر وجه زينب

قبل أن تبلغ السابعة، تتذكر الآن صوتها، وتحاول أن تستعيدها بعد أن كبرت، لكن صورة الجثة المقطعة تحتل فضاء عينيها. شعرت بالرعب، وعادت لتمسك بصور زينب بعد أن كبرت.

تحدق في الصورة. الصورة التي تشبه زينب فعلاً، لكنها لا تلمح شيئاً، لا تستطيع أن

ترى سوى كتل من قطع الجسد المكومة أمامها. تحاول استعادة صورة زينب بعد أن ظهرت على شاشة التلفزيون، تكتشف أنها فقدت صورة زينب في عقلها، تفتح عينيها من جديد، ثم تعاود إطباقهما لترى زينب. لكن بعد أن ظهرت على التلفزيون الرسمي، اختفت زينب، لم تعد الأم تراها. شهقت، ووقفت على رجليها، فتحت عينيها

على اتساعهما، وكأنها أصيبت بالعمى، ثم صرخت بصوت عال جعل ابنها الشاب، الذي بقي على قيد الحياة، يركض إليها. كان ينظر إلى أمه برعب، لم يدرك ما ترى الأم أمامها حتى تتحرك بتلك الطريقة الهستيرية وهي تهش الهواء. كانت تزيل من الفضاء صورة زينب الجديدة في قلبها، صورة الكتل اللحمية المحروقة والمقطعة.

اختفت زينب، اختفت مرة واحدة وإلى الأبد.

كيف هو وجه زينب؟ تصرخ وتحرك أصابعها وهي تدور حول نفسها. يضمها الابن بقوة إلى حضنه، فتقول له وهي شبه ذاهلة، عيناها جاحظتان:

كيف كان وجه زينب؟

كاتبة سورية

=================

رسالة الأسد الى العالم: يبقى النظام أو لا يبقى أحد

الخميس, 03 نوفمبر 2011

عبدالوهاب بدرخان *

الحياة

زلزال... حرق... تقسيم... افغانستان أو افغانستانات أخرى... في المنطقة. بهذه التحذيرات توجّه الرئيس بشار الأسد الى الدول الغربية التي يعتقد أنها تريد التدخل عسكرياً في سورية، وهو يحاسبها مسبقاً على ما يعرف جيداً أنه لم يحدث ولن يحدث. فالجهات الخارجية كافة، عربية وأجنبية، لا تطالبه منذ ثمانية شهور بأكثر من وقف القتل وإراقة الدماء. واذا كانت قوات حلف الأطلسي امتنعت عن أي تدخل برّي في ليبيا، والقوات الاميركية تستعد للانسحاب من العراق، وقوات «ايساف» تستحثّ الأيام والساعات لمغادرة افغانستان، فليس لدى أي طرف دولي - بعد هذه التجارب - رغبة معلنة في ارسال جنود الى سورية أو أي بلد عربي أو مسلم. فممَ يحذر الأسد، اذاً؟ من تأييد الشعب السوري في انتفاضته على النظام، ومن التضامن مع ضحايا آلة القتل، وبالتالي من السعي الى أي تدخل حتى لو كان لأغراض انسانية بحتة، حتى بالتعاون والتنسيق مع النظام نفسه.

خلاصة الموقف على رأس قمة النظام هي أن على العالم أن يتركه يتصرف ليخمد الانتفاضة، ويحاور من يشاء أو من يتيسّر له، ويطرح ما يسميه اصلاحات ويمضي في دوره الاقليمي كالمعتاد. أي ان السقوط والرحيل والتنحي ليست على أجندته مهما بلغت الضغوط، أما الضحايا والدماء فلم تكن لها قيمة في أي يوم إلا في ارواء شجرة النظام واستمراره. واذ تحدّث عن افغانستان فإن الترجمة العملية لموقفه هي بكل وضوح: إما أن يبقى النظام أو لا يبقى أحد.

كان الرئيس السوري أسمع تحذيراته وتهديداته لجميع زائريه من الخارج، ولا سيما الوفد البرلماني الروسي ووزير الخارجية التركي والوزراء العرب والسياسيين الذين استدعوا من لبنان، ولعله شعر بأنه لم يجر تلقي الرسالة كما أراد، لذا اختار «الصنداي تلغراف» لضمان وصولها. بل انه مدرك أن الأزمة بلغت منعطفاً خطيراً فرأى أن يحدد نياته مسبقاً. ذاك أن استشعار اقتراب الموقف العربي الى تغيير محتمل قد يفتح ثغرة لتدخل خارجي، انما ليس التدخل الذي يعنيه. فالعقوبات الاوروبية والاميركية، والمبارزة الدولية الدائرة منذ شهور، وجهود الأشقاء والأصدقاء والأعداء، لم يكن لها هدف سوى اقناع هذا النظام - وسواه - أو اجباره على عدم اهدار دم الشعب بهذه السهولة الاستبدادية. فهذه هي «القيمة» الاخلاقية الرئيسة التي يحاول «الربيع العربي» حفرها في جينات الحكام كما في الأرض وفي القلوب والعقول.

حرصت اللجنة الوزارية العربية عندما التقت الرئيس السوري على أن تكرر على مسمعه أمرين يناقضان نظرية «المؤامرة» التي ينطلق منها المضيف، وهما أولاً ان مهمتها لا تتعلق ب «اسقاط النظام» وثانياً ان لا بحث في اي تدخل عسكري في سورية. أما العنوان الذي أعطي لمهمة اللجنة فهو «المساعدة العربية» لسورية شعباً وحكومة لأن المشكلة الداخلية تفاقمت على نحو خطير ووصلت الى طريق مسدود، ولم يعد مقبولاً عربياً ولا دولياً أن تستمر على هذا النحو. وكان واضحاً أن المطلوب أولاً أن يبادر النظام الى وقف فوري للعنف، وثانياً أن ينهي الغموض والتسويف في شأن الاصلاحات بإعلان جدول زمني للشروع في حلّ سياسي للأزمة. أما بالنسبة الى الحوار الذي اقترحت الجامعة العربية إجراءه في مقرها وبرعايتها فأكدت اللجنة اهتمامها بضمان أمن المعارضين جميعاً ما يعني أنه غير متوافر في الداخل، فضلاً عن ضرورة خلق جو مناسب من خلال وقف القتل وإطلاق المعتقلين وسحب الوحدات العسكرية من المدن والبلدات. أما الأكثر وضوحاً فهو ان الجانب العربي أراد عملية محددة متفقاً عليها والتزاماً بتنفيذها في مهلة زمنية معروفة من دون تأخير، واذا لم ينجح المسعى العربي فإن سورية ستواجه عندئذ ضغوط التدويل التي سيكون العرب من المساهمين فيها، مع التأكيد دائماً ان الأمر لا يتعلق بتدخل عسكري. لكن وقف القتل والعنف يحتاج الى ضمانات وإجراءات (قرار والتزام علنيّان، سحب الآليات العسكرية، مراقبة محايدة، وتعاون أكبر مع المنظمات الانسانية الدولية التي سمح لها النظام بالدخول لكنه قيّد حركتها...).

بمعنى آخر ارتبط نجاح المسعى العربي بتنازلات لم يبدُ النظام مستعداً لها. فالقبول بالمطالب الثلاثة الأساسية لا بد من أن يدشّن سلسلة من التنازلات، في حين أن النظام عزا ويعزو مصدر قوته الى معاندته ورفضه الرضوخ الى أي ضغط أو نصيحة من الخارج. استطراداً كان على اللجنة العربية، بصفتها حكومية وتمثل أنظمة عربية، أن توافق على «الخطة» التي يقول النظام أنه يعتزم البدء بتنفيذها لحلّ الأزمة. لكنها خطة تفضح نفسها كل يوم مع سقوط أي قتيل. وفي أي حال، أبدى النظام اهتماماً بإظهار الايجابية حيال التحرك العربي، بل لعله تطلع الى احراز تفهم لروايته للأحداث أو الى اختراق المواقف داخل الجامعة العربية، ضماناً لتعطيل أي قرار يراه في سياق «المؤامرة» عليه وجزءاً منها.

في أحسن الأحوال، كان يمكن أي اتفاق بين الجامعة ونظام دمشق ان يكون فاعلاً ومجدياً لو أنه أبرم قبل خمسة شهور على الأقل. وبسبب التعقيدات الكثيرة التي طرأت فإن أي اتفاق يعقد الآن سيستخدمه النظام لتمرير مرحلة ولإضعاف زخم الانتفاضة. وبعد تصريحات الأسد الى الصحيفة البريطانية لم يعد هناك أي شك في المنطق الذي يفكر النظام ويتصرف في ضوئه. فهو يبدي استقواءً مبنياً على ثلاثة عناصر على الأقل: 1- تعطيل أي قرار دولي ضدّه. 2- التهديد بإشعال المنطقة. 3- ارتياحه الى كون المعارضة لا تزال مفككة ولم تستطع أن تطرح مشروع بديل من النظام.

لذلك يجدر العمل لجعل مطلب حماية المدنيين قائماً وممكناً. فمع اصرار النظام على البقاء وعلى الاستمرار في القتل، ومع استبعاد أي تدخل عسكري خارجي وازدياد الصدامات المسلحة بين العسكريين النظاميين والمنشقّين، تبدو فكرة الملاذات الآمنة التي سبق أن طبقت في العراق (1991) والبوسنة (1993) ورواندا (1994) صيغة ملائمة للتعامل مع المعضلة السورية الراهنة. وعلى رغم صعوبة تطبيق هذا الخيار إلا أن ثمة تفكيراً جدياً في طرحه ليشمل جغرافياً معظم المدن الكبرى والبلدات التي يتركز القمع الدموي عليها، على أن يُدرس بعناية لأن أي خلل قد يؤدي الى كوارث انسانية، كما حصل في مجازر رواندا والبوسنة (سريبرينتسا). فمن بين التجارب الثلاث وحده ملاذ شمال العراق حقق المتوقع منه لأنه كان بحماية اميركية مباشرة، فيما فشلت الأمم المتحدة في تجنيب اللاجئين مخاطر الهجمات المعادية. وبديهي أن اعلان أي ملاذ آمن يترافق بحظر جوي فوقه، ما يعني تلقائياً وجود تدخل خارجي لا يزال صعب المنال. لكن استمرار الأزمة من دون أفق حل سياسي لا بد أن تأتي اللحظة التي تفرض على المجتمع الدولي بلورة أي خيار لئلا يشكل الاحجام عن التدخل تزكية للقتل ومشاركة فيه.

* كاتب وصحافي لبناني

=================

الثورة السورية ومسألة الحماية الدولية

الخميس, 03 نوفمبر 2011

فراس قصاص *

القدس العربي

غالباً ما تتميز المجتمعات السياسية، خصوصاً تلك التي يتحدد إنسانها بنظام معرفي عقلاني وحديث، وتحكمها نظم ديموقراطية، بثقافة سياسية حية ودينامية، قادرة على إعادة إنتاج أسباب حيويتها وعوامل تاريخيتها.

وللأسف لا تتوافر معظم السمات السابقة مجتمعة، إلا في الدول والمجتمعات السياسية الغربية. وفي سورية تشكلت الثقافة السياسة السائدة بدءاً من مرحلة النضال ضد المستعمر الفرنسي واحتلال فلسطين مروراً بمرحلة تبلور الوعي القومي العربي وتقدمه الشعبي والسياسي، المتلازم مع نزوع يساري فكري وأيديولوجي، ذي تصور اقتصادي اجتماعي للديموقراطية، وصولاً إلى المرحلة التي انقلب فيها حزب البعث على قواعد الحياة السياسية (الديموقراطية نسبياً) التي سادت منذ رحيل المستعمر الفرنسي. بالطبع خلال كل المراحل السابقة كان للإسلام السياسي وجوده الدائم في المجتمع، لكن المتواضع أيضاً. في المرحلة الأخيرة التي وصل فيها حزب البعث إلى السلطة ولدت أزمة جمود الثقافة السياسية السورية بسبب فقدانها لأكثر العوامل تأثيراً على حيويتها، عامل ديموقراطية النظام السياسي، فقد بدأت نخبته العسكرية عملية اجتثاث منظمة للمواقف الفكرية والسياسية المؤمنة باللعبة البرلمانية الديموقراطية التي خبرتها سورية ولو بنجاح جزئي منذ استقلالها، وحظيت الأفكار الشمولية برعاية رسمية من قبل طبقة السلطة الجديدة، التي فاقمت حدّة الفرز بين حدين سياسيين في الثقافة السياسية السورية، أحدهما «تقدمي» يساري وقومي والآخر «رجعي» يسم بقية القوى السياسية. ولم يمض الوقت طويلاً حتى تفرد الأول بالساحة السياسية، فباتت خالية لهذا اللون دون سواه، وهو ما تفاقم مع تمركز السلطة وتحولها إلى سلطة مجسدة في شخص الرئيس الراحل حافظ الأسد.

هكذا سادت المسلمات التي وضعت فوق التساؤل والنقد، وأخذت تتجذر أكثر فأكثر في الثقافة السياسية السورية ليس بوصفها فرضيات ذات أصل أيديولوجي ويمكن التشكيك في نجاح مقاربتها للواقع، بل باعتبارها نظريات سياسية متكاملة لا تقبل الطعن. لقد أصبحت أقرب إلى التابو منه إلى أي شيء آخر. وعلى رغم أن سقوط المنظومة الاشتراكية وزيادة الاستبداد وقهره للإنسان السوري قد دفعا بالعديد من القوى السورية ذات الأصل اليساري والقومي إلى تبني الديموقراطية، إلا أن هذه القوى لم تختبر خطاباتها السياسية وتتجاوز عقدها الأيديولوجية، وظلت بمنأى عن إدراك الأهمية التي انطوى عليها انهيار المعسكر الاشتراكي، وظهور نظام عالمي جديد تداعت فيه الحدود وبدأت تسوده قيم الديموقراطية. كذلك لم يُلحظ تغير مفاهيم السيادة الوطنية، وتحول العالم قرية صغيرة.

هكذا غابت عن غالبية القوى التي تشكل معظم المتن الأساسي للمعارضة السورية الحالية، إسلامية يسارية وقومية، تلك التغييرات الجذرية، ولم تتمكن من سحب مراكز ثقلها العقائدية بعيداً من الوطنية المتشددة بالمعنى القديم للكلمة التي لم تعد قيمة مثلى بقدر ما أمست مفهوماً منعزلاً عن الحقائق وجالباً للتطرف. فهي لم تع، مثلاً، صوابية استبدال مفهوم الغرب المستعمر والامبريالي بمفهوم الغرب الذي توجد له مصالح في سورية قد تتفق مع مصالح الشعب السوري وقد تنفصل، وأن الحالتين تتطلبان تعاطياً مختلفاً، وأن الولايات المتحدة وانحيازها لإسرائيل، وإن كانا يؤسسان لشرعية الاختلاف العميق معها بخصوص هذا الموضوع المهم والاستراتيجي، لكن ذلك لا يعني أبداً تحويلها إلى عدو دائم وتاريخي، ولا ينفي تقاطع مصالحها أحياناً مع مصالح الشعب السوري.

إلا أن الثورة السورية، التي تخللها إجرام وتوحش وقمع منقطع النظير ارتكبه النظام بحقها وبحق الشعب الثائر لحريته، استطاعت أن تشكل مناسبة حقيقية للبدء في إعادة هيكلة الثقافة السياسية السائدة. فقد كسر الثوار والمتظاهرون صنمية المواقف الأيديولوجية المشكّلة لمفاصل هذه الثقافة وأبرزوا فواتها، وطالبوا بالحماية الدولية للمدنيين التي كانت تعد خطاً احمر من الصعب تجاوزه من قبل قوى المعارضة السورية. لقد أثبت الثوار السوريون أنهم يتقنون لغة الحياة والواقع بكافة أبعادها، بما لا يقاس مع بعض قوى المعارضة ممن تصلبت مفاصلها ووهنت قدرتها وشاخت أفكارها ومقولاتها وضلّت طريقها محبوسة في متاهات أيديولوجية، سيما أن تلك القوى لم تثبت طوال تجربتها السياسية التي امتدت لعقود، سوى عقمها.

نعم، استطاعت الثورة السورية بحسها والتصاقها بحاجات السوري ورغبته في تحقيق حريته، أن تنتهك التابو في الثقافة السياسية السورية السائدة ونجحت أولياً في ذلك. وهو ما يعني أنها لن تكون ثورة على الفساد والاستبداد فقط، بل ستكون، على رغم المخاض العسير، مدخلاً وأداة لسيادة العقلانية وإرهاصاً لتحرير عميق للسوريين من كل أشكال الاستلاب والقروسطية السائدين.

* كاتب وناشط سوري

=================

اللغة العربية لغة الثورات

الخميس, 03 نوفمبر 2011

محمد الأشهب

الحياة

ارتبطت اللغة العربية بالشعر. فكان الشعراء في العصر الجاهلي يستطيعون أن يثأروا لقبيلة، فيرفعون من شأنها، أو يحطون من مزاياها ويهجون المنتسبين إليها. فاللغة كانت سلاحهم في معارك أديرت في زمن انقضى. لكنها لا تزال إلى اليوم من أخطر الأسلحة التي تستخدم في صراعات العصر، من خلالها يتم الغزو، وتهديد الهويات، ومن تبخيس مكانتها تنهار دول وأمم.

وتشاء معطيات لا علاقة لها بالتأويل اللساني في اللغة أن تنهض العربية من كبوتها، وتصبح رديفا للاحتجاج السلمي، عندما ردد المتظاهرون في وول ستريت شعاراتهم باللغة العربية التي فاجأت العالم بفصاحتها السياسية الرافضة للظلم والاستبداد، عبر شعار»الشعب يريد إسقاط النظام».

لم يكن الحدث ليمر من دون اكتشاف التفاعل القائم بين اللغة العربية ومقومات العصر الحديث. ولو كان في إمكان المتظاهرين الشباب في وول ستريت أن يحتفوا بشعراء المعلقات لفعلوا ذلك، إيماناً بأن اللغة الغربية باتت لغة الثورات والتحولات، وليس فنون القول التي تفوقت في إبداعاتها.

عندما أقرت الأمم المتحدة العربية لغة رسمية ضمن حزمة اللغات الحية التي تتقدمها الإنكليزية، اعتبر ذلك إنصافاً كبيراً لمكانة العربية، باعتبارها لغة التخاطب والعلم والقانون وكل أشكال المعرفة الإنسانية. لكن تكريس اللغة لم يوازه حضور مماثل للدول العربية التي أهدرت المزيد من الوقت والجهد في الدفاع عن قضاياها المصيرية، من دون أن يتحقق لها ذلك.

وكان نصيب اللغة في التأويلات القانونية والسياسية لقرارات الأمم المتحدة جزءاً من الصراع الذي لا يخفي تباين المواقف والمصالح.

لم تكن العلة في اللغة التي يتحدث بها ملايين العرب على امتداد قارات وعوالم، بل في الإخفاقات المتوالية التي عجزت عن رفع العالم العربي إلى المكانة التي تليق به، كمصدر للفكر والثورة والحضارة، على رغم توالي الانكسارات والأزمات. ولا يبدو أن النقاش الذي ساد على صعد أكاديمية وعلمية وميدانية حول مواطن القوة والضعف في اللغة العربية قد انتهى إلى التسليم بالنواقص. فثمة معاهد ورجالات ما زالوا يكافحون من أجل أن تتبوأ اللغة العربية الصدارة. رائدهم في ذلك أن اللغة عنوان الهوية. ولا هوية من دون موروث، ولا موروث من دون حضارة.

من المفارقات أن اللغة العربية التي عبدت الطريق أمام نشر الأدب والعلم وكل أنماط المعرفة التي صنعت الحضارة العربية، خلال عصور الازدهار والانفتاح الذي امتد إشعاعه عبر العالم المترامي الأطراف في أوروبا وإفريقيا وآسيا، هي نفسها التي قفزت اليوم على كل الحواجز والتصنيفات، ولم تعد خاضعة لقوانين المجتمعات التي انبثقت منها.

مشهد لافت، حدث في غفلة من الزمن الذي يريد أن يبقي على العربية تحت أسر الانغلاق. فقد ردد المتظاهرون الأميركيون في وول ستريت شعاراتهم المناهضة لهيمنة المال باللغة العربية، وهم يقتفون أثر الحراك الاجتماعي الذي نشأ في دول عربية تحت شعار «الشعب يريد». والأهم في ذلك الإيحاء الذي فجرته الظاهرة العربية الجديدة، بعد أن كاد الجميع يستسلم إلى أن المجتمعات العربية مثل لغتها ساكنة وخاملة.

تحررت اللغة من قيود الأنظمة، وتفوقت على الإنكليزية في عقر دارها، بل بدا الأميركيون مزهوين بالعربية أكثر من لغتهم الأصلية. كان ذلك نتاج حمولة ثورية في مثل العدوى الإيجابية التي لا تصيب من هم حولها فقط، بل تنتشر على نطاق واسع، كما الأفكار والمبادرات الإنسانية الخلاقة التي لا جنسية لها ولا لون. فقط تلتقي عند أهداف التحرر وإشعال القناديل المضيئة في ظلمة العتمة.

كان في وسع المتظاهرين الأميركيين الغاضبين ترديد المقولة الدالة على كل أنواع الإحباطات ومظاهر التذمر باللغة الأصلية، أي الإنكليزية، لكنهم فضلوا اقتباس روحها ومعانيها وألفاظها كما في تنزيلها الذي عصف بالعديد من القلاع التي لم يكن أحد يجرؤ على الاقتراب منها. ومن دلالات هذا الاقتباس أنه يعيد العالم العربي إلى الواجهة، مؤثراً في الأحداث، بل صانعها بامتياز، بعد أن كان مجرد متلقٍّ مهذب ينضبط لما كان يفرض عليه من قوانين وعلاقات وتصنيفات.

الأكيد أن اللغة العربية التي واجهت المزيد من التضييق ومحاولات التهميش، على طريق تفضيل اللغات الأجنبية التي ارتبط وجودها بمراحل الاستعمار الفرنسي أو الإيطالي أو البريطاني، هي التي تحولت إلى أداة طيعة تنبعث من حناجر المتظاهرين الغاضبين. ما أضفى على الثورات هوية عربية بامتياز. وكما أن الثورات لا تنمو وتكتمل خارج معطيات التربة الملائمة التي تصنف في خانة الشروط الموضوعية والذاتية، فإن التعبير عنها وتجسيد ملامحها وخصوصياتها لا يكون إلا بلغة الهوية.

وها هي العربية فرضت سطوتها على العالم المتحضر، بعد أن كان البعض ينعتها بغير مقوماتها. إنها فعلاً لغة شعر وإبداع وعلم. والأهم أنها لغة الثورة التي يصغي إليها الجميع، من ميدان التحرير في القاهرة إلى قلعة وول ستريت في نيويورك.

=================

مراقبون عرب إلى سورية

الخميس, 03 نوفمبر 2011

حسان حيدر

الحياة

قد لا يتأخر أعضاء لجنة الجامعة حول سورية، ومعهم سائر أعضاء المجلس الوزاري العربي، في التأكد مما يعرفونه سلفاً، وهو أن أي جواب يقدمه نظام دمشق على اقتراحاتهم سيكون هدفه كسب الوقت وإظهار انه لا يتخذ موقفاً سلبياً من المسعى العربي، ثم إغراق الوزراء العرب عندما يأتي دور التنفيذ في تفاصيل الجُمَل والكلمات والاماكن والتواريخ، في انتظار أن ييأسوا ويديروا ظهورهم ويتركوا له حرية إكمال ما بدأه.

لكن في المقابل، صار لزاماً على الجامعة ان تتغلب على خجلها في معالجة الملف السوري المفتوح على احتمالات خطرة، وأن تستند الى كلام الأسد نفسه، الذي حذَّر من زلزال وحريق في المنطقة ومن ظهور اكثر من افغانستان. وبما انه قصر تحذيره على مخاطر التدخل الغربي في بلاده، فهذا يعني ان امام العرب فرصة يجب اقتناصها لمجاراة مخاوفه، ومنعاً لاحتمال تقسيم المنطقة بأسرها. أي أن الدول العربية التي توافق بالتأكيد على تقويم الرئيس السوري لخطورة الوضع في بلاده، إنما تكون تدافع عن نفسها واستقرارها ومستقبلها اذا هي تدخلت في سورية.

وهناك سوابق عربية كثيرة في بذل المساعي الحميدة لوقف الاقتتال الداخلي في دول عربية ومنع تفتيتها او تقسيمها دويلات على حساب وحدة أراضيها، وهناك سوابق ايضاً في ارسال قوات أمن عربية ومراقبين عسكريين لهذا الغرض، مثلما حصل في لبنان في عام 1976. وإذا عدنا الى مقررات مجلس الجامعة العربية في القاهرة في 9 حزيران (يونيو) من ذلك العام، ثم قرارات قمة الرياض السداسية والقمة العربية الموسعة في 16 و 25 تشرين الاول (اكتوبر) من العام نفسه، نجد ان التوصيف الوارد في تلك القرارات للوضع في لبنان ينطبق تماماً اليوم، وبعد 35 عاماً، على الوضع القائم في سورية، التي وافقت في القمة اياها على دخول «قوات ردع عربية» الى لبنان، بعدما كان جيشها سبقها اليه ل «وقف الحرب الاهلية» فصار طرفاً في مواجهاتها الدامية.

وها هو الجيش السوري يصل الى المأزق نفسه بعد اكثر من ثلاثة عقود، فإذا قبلنا بلا جدال ما يَرِدُ على لسان المسؤولين السوريين من ان جيشهم يواجه منذ ثمانية اشهر «عصابات مسلحة تسعى لنشر الفتنة الطائفية والتمهيد للتدخل الاجنبي» من دون ان يستطيع كف شرّها المتصاعد والقضاء عليها، مثلما يتبين من استمرار العمليات الحربية وسقوط القتلى والجرحى، وبعضهم على الهوية الطائفية، وتواصل الاعتقالات في شكل يومي، فهذا يعني ان الجيش السوري الذي يعاني من الانشقاقات المتزايدة، في حاجة الى اسناد في مهمته، وهو ما تستطيع الدول العربية توفيره بكل طيب خاطر، كي تقطع الطريق على تدخلات من خارج المنطقة.

وبصرف النظر عن نتائج اجتماع المجلس الوزاري العربي في القاهرة امس، والمحادثات التي اجراها وفد الجامعة في العاصمة السورية ثم في الدوحة قبل ايام حول «خريطة طريق» عربية لمعالجة الأزمة، لا بد من ان تبادر الجامعة الى خطوة متقدمة تكمل مسعاها، وأن ينتقل طرحها الى مستوى اعلى يدعو الى إرسال قوات مراقبة عربية الى سورية، تأكيداً للتضامن العربي وذوداً عن سيادة وسلامة اراضي بلد لم يتأخر يوماً في إثبات «عروبته»، وخصوصاً في لبنان.

وعملاً بالمثل العربي القائل «اقبل لجارك ما تقبله لنفسك»، فإن سورية التي دخلت لبنان ل «وقف نزف الدماء» فيه، لا بد من ان توافق على دخول مراقبين عرب الى اراضيها، بعدما تأكد نظامها وأكد للجميع، ان «العصابات المسلحة» هي التي تقصف البيوت والمساجد وتهاجم المدنيين في حمص ودرعا واللاذقية وتنكِّل بهم.

=================

سوريا: الحصار الفاشل

الشرق الاوسط

ديانا مقلد

3-11-2011

في نهاية الفيلم الوثائقي الجريء حول الثورة السورية الذي أنتجته قناة «ARTE» الألمانية الفرنسية، وعرض على أكثر من قناة غربية وعربية، يظهر في آخر مشهد مجموعة من الأطفال، لم يتجاوز عمر كبيرهم التاسعة، وهم يضحكون ويغنون الهتاف الأشهر في سوريا اليوم، وهو «يلا إرحل يا بشار..».

لقطات الأولاد بدت عفوية وسجلت على عجل، ولاحقا جرى تمويه وجوههم حتى لا تظهر جلية ليس لأعين المشاهدين بل لأعين النظام وشبيحته. بات هذا الأمر لدى تقديم تسجيلات من هذا النوع ملحا إلى حد كبير، فبعض من ظهروا في الفيلم أو ساعدوا في إعداده هم اليوم بين مفقود ومسجون لدى النظام، بحسب ما أورد معدو الفيلم في نهايته. ارتكزت مادة التحقيق إلى شهادات لضباط منشقين وأهالي قتل النظام أبناءهم وناشطين في حركة الاحتجاج..

صحيح أن مادة الفيلم على أهميتها وندرتها لم تتجاوز ما قدمه ويقدمه لنا ناشطو الثورة السورية كل يوم، فما زال هؤلاء متفقين كثيرا من ناحية توثيقهم ليوميات ثورتهم، بما فيها من جرأة من قبل المشاركين والمشاركات فيها، وقسوة النظام حيالهم ودمويته التي لم يعد هناك أي شك فيها..

لكن مادة إعلامية من نوع ما عرض في فيلم «ARTE»، قد تكون من أهم ما أمكن للصحافة التقليدية أن تعده عن الثورة السورية، بعد أشهر طويلة من المنع والقمع والسجن والطرد الذي مارسه النظام السوري حيال الكثير من وسائل الإعلام العربية والعالمية. فمن الملاحظ في الفترة الأخيرة تكرار قيام صحافيين بمغامرات خطرة، من خلال التسلل إلى سوريا والعودة بمادة غنية توثق مرة جديدة لارتكابات النظام بحق المحتجين والمحتجات في سوريا.

لقد طور المحتجون السوريون آليات توثيقهم لحراكهم وموتهم وثورتهم، وتمكن الصحافيون التقليديون من الالتحاق، ولو بشكل غير واسع بعد، بركب يوميات الثورة من الداخل..

إنها الثورة التي تتصدر الاهتمام في العالم اليوم، والتي تمكن ثوارها من تحويلها إلى خبر أول في معظم الإعلام العالمي..

ما يستحق الإعجاب بالإضافة إلى الاختراقات التي أحدثتها الصحافة التقليدية، هو كيف يطور المحتجون السوريون تقنيات التصوير والبث والدعاية لثورتهم، لا.. بل تحول قسم منهم إلى مخرجين ميدانيين للكثير من مشاهدهم.. في حمص مثلا حين يصطف المتظاهرون صفوفا، فهم يفعلون ذلك كي تتمكن الكاميرات من رصد تقدمهم، وإظهار حجم عددهم الفعلي، ردا على ما يحاول النظام ترويجه من أن أعداد المحتجين محدودة، وأن الشعب بمعظمه غارق في «حب» النظام ورئيسه الذي يهدد بزلازل وبراكين إن سقط حكمه.

فيلم من نوع ما أنتجته قناة «ARTE» هو مؤشر جديد على فشل خطة منع الصورة التي اعتمدها النظام لخنق الثورة، فمرة أخرى لم يعد في الإمكان حصار صورة الثورة التي باتت هي من يحاصر النظام ويهز ركائزه الآيلة للسقوط لا محالة.

=================

هل الهدف إنقاذ الأسد؟

طارق الحميد

الشرق الاوسط

3-11-2011

لا يملك المتابع للشأن السوري إلا أن يتساءل حول الهدف من المبادرة العربية المطروحة تجاه سوريا، فهل هي مبادرة من أجل إنقاذ نظام بشار الأسد، أم أنها للحفاظ على سوريا، وبالتالي حماية الشعب من آلة القتل الوحشية للنظام الأسدي؟

رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم أعلن عن موافقة النظام الأسدي على المبادرة العربية، لكن حديث الشيخ حمد نفسه مثير للقلق؛ فرئيس الوزراء القطري أعلن أن «الحكومة السورية وافقت» على الخطة العربية لوقف العنف، وإجراء مؤتمر حوار وطني مع كافة أطياف المعارضة، لكن دون أن يقول أين سينعقد هذا الحوار، خصوصا أن المبادرة كانت تنص على أن مقر الحوار هو القاهرة، فهل وافق النظام الأسدي على ذلك أم لا؟ وإذا لم يوافق فهذا يعني أنه قد تم تعديل المبادرة العربية، وهذه قصة أخرى، ومهمة، ويترتب عليها الكثير!

كما أن من اللافت أيضا بحديث الشيخ حمد بن جاسم بالمؤتمر الصحافي قوله إن «الاتفاق واضح ونحن سعداء بالوصول إليه، وسنكون أسعد بأن يطبق هذا الاتفاق فورا»، ثم استدرك مبررا بأن كلمة «فورا» ليست أمرا، بل من باب الأخوة!

وهذا ليس كل شيء، فالشيخ حمد يقول أيضا إن «المهم التزام الجانب السوري بتنفيذ هذا الاتفاق.. نتأمل ونتمنى أن يكون هناك التنفيذ الجدي سواء بالنسبة ل(وقف) العنف والقتل أو (الإفراج عن) المعتقلين أو إخلاء المدن من أي مظاهر مسلحة فيها». والشيخ حمد بن جاسم نفسه خير من يعلم أن لا معنى في السياسة للغة «سنكون أسعد»، و«نتأمل ونتمنى» و«فورا ليست أمرا بل من باب الأخوة»، خصوصا مع نظام قتل قرابة 4 آلاف من أفراد شعبه، هذا عدا عشرات الآلاف من المعتقلين، وآلاف المفقودين، كما أن لغة الأماني هذه لا يمكن أن تكون ضمانة أمام نظام وصفه الشيخ حمد نفسه قبل أيام بأنه نظام لف ودوران، ويكفي التذكير هنا أنه بنفس اليوم الذي أعلن فيه الشيخ حمد بن جاسم موافقة نظام بشار الأسد على المبادرة العربية كان هناك 24 قتيلا من الشعب السوري على يد قوات النظام!

والإشكالية الأخرى بالمبادرة العربية أنها تمنح مهلة جديدة للنظام الأسدي، لكن دون أن تقول لنا ما الذي ستفعله الجامعة، مثلا، بحال لم يلتزم النظام، وهذا المتوقع. وبالطبع هناك أسئلة كثيرة حول المبادرة لم تجد من يجيب عنها، وربما لاحظ الجميع أن الشيخ حمد بن جاسم، والأمين العام للجامعة العربية، تجنبا الإجابة عن أسئلة الصحافيين، مما يوحي بأنهم غير قادرين أيضا على الإجابة عن تلك الأسئلة المستحقة، كما أن لغة «الأماني» التي تحدث بها الشيخ حمد تظهر بوضوح أن الجامعة غير واثقة من مصداقية النظام بسوريا، وبالتالي مصداقية التزامه بالمبادرة، وعليه فإن أحد الأسئلة المهمة التي على الجامعة العربية الإجابة عنها هو: هل الهدف من المبادرة العربية إنقاذ بشار الأسد، أم حماية الشعب السوري من آلة القتل؟

==========================

قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار! .. سوريا ومرحلة تحطيم الذات

ياسين عبد اللطيف

الجزيرةنت 1/11/2011

- سأل علي بن أبي طالب بعض أصحابه المعترضين على حرب معاوية بن أبي سفيان في صفين، قال: هل تخرجون من بيعتي؟! قالوا: لا والله، ولكنا نكره معك قتال أهل القبلة.

لم تقع في نفسي عبارة ذات دلالة سياسية عميقة كما وقعت هذه العبارة! وهي تمثل موقفا دينيا وسياسيا انهزم أمام من تأول تشددا وشرع للحرب متذرعا بالحق المستمد من المشروعية؛ فضاعت الأمة بحرب الحزبين!

وعليه، سأكمل استتباعا حديث أهل صفين، فقد سأل عمار بن أبي سلامة الدالاني عليا عن أمر أهل الشام وهم في الرقة في موقع القتال، قال: "... فما حالنا وحالهم إن ابتلينا بقتال غدا؟" قال علي: "إني أرجو ألا يُقتل أحدٌ نقي قلبه منا ومنهم إلا أدخله الله الجنة".

ثم قال علي وهو يصف عقيدة المتقاتلين: "لقد التقينا وربنا واحد، ونبينا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله، والتصديق برسوله، ولا يستزيدوننا، والأمر واحد؛ إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان...".

إذن هي حرب بين أهل القبلة الواحدة؟!

نعم! حرب رمت بالأمة في مهاوي البلاء. وبانتهائها أصبح الملك عضوضا إلى يومنا هذا، حتى أن أبا جعفر المنصور في أول أيام خلافته، وقبل أن ينازعه أحد ملكه المطلق، قال: والله لو نازعوني زر هذا القميص لقاتلتهم عليه. قال "زر قميص" ولم يقل كرسي الحكم!

وما زالت الأمة تعيش ثقافة "والله لو نازعوني... لقاتلتهم عليه" حتى لو قامت الساعة "وأخرجت الأرض أثقالها، وقال الإنسان مالها"!

هذا الاسترجاع الإحيائي للتاريخ مشروع في التناول والقياس، تدعمه عندي فلسفة علمية مساندة، وظفت مضمونها في فصل من روايتي الجديدة "السجين الصغير"، تقول: "فينا، لا في المقابر يسكن الأموات".

من المنظور التاريخي للفتنة الكبرى في عصر الخلافة الراشدة، ومن نظرية خبرة الأجداد الحديثة هذه، أنظر إلى قتلى السوريين بعين تلك الأهوال التي جرت وتجري بوحشية سافرة، ثم أمضي مستنبطا بدلالة الاهتداء: بأن الشهداء الذين يسقطون اليوم والآن على التراب الوطني السوري -على يد جنودنا- يدفنون في النفوس لا في المقابر، ونحملهم معنا كشفرة وراثية نورثها للأجيال، إذ لا شيء يموت، لأننا ورثة أمة تعيد إنتاج تاريخها في كل حين، وتختلف عليه، وتشن حربا عقدية على الذات التي تعيش على نبش الدفائن كالطيور على القمامة.

من هنا أرى أن فقه السلطة السورية "القديم" قد تغير، إذ أخذت تخوض حربا نهائية لتحطيم ذاتها، وهي مغتبطة بالانتصار على نفسها! والفقه الجديد هذا يعتمد على ثقافة غنوصية حديثة، يختلط فيها الديني بالسياسي، شعارها على الأرض في كل يوم: "قتلانا في الجنة، وقتلاكم في النار"! وبهذا التعامي، وهذه القطبية الحادة، تقود معركتها الأخيرة مع الشعب.

"قتلانا.. وقتلاكم"! إنها مفارقة محزنة حين لا ترى السلطة أن الأمر بينها وبين الجمهور الثائر واحد؛ إلا ما يختلفان عليه بشأن احتكار السلطة منذ عقود من قبل فئة ساحقة تغولت على الدولة، لأنها في أصل نشأتها أكبر من الحكومة وأعلى من الدولة التي يقودها -بالاسم- حزب عقائدي أصبح نافلة وفضولا، ليضفي مشروعية باهتة على الأوليغارشية وقائدها الأوحد، ويمكن تسمية حزب البعث بنسخته الحالية ب"عشيرة السلطة"، ورأس السلطة هو شيخها وفتاها!

وهذا الخطاب الهوسي الجديد نسمعه كل يوم مع صياح الديكة على لسان مريدي السلطة والناطقين باسمها على المنابر، كأنه استعادة لهوية مفقودة! كما نسمع بعضا منه على لسان بعض دعاة السلفية السنية المعارضة المنفية منذ عقود؛ كرد فعل على استعلاء السلفية الشيعية المتدخلة في الشأن السوري، المتمددة في المحيط السني الواسع.

ويتمثل هذا الاستعلاء في الجهرية والاستعراض المهرجاني والخطب التي تحمل في لغتها ومؤداها خيالات سياسية ذات شكل ديني مذهبي غير متسامح، لأنها عقيدة موقوفة على ولاية الفقيه لا الولاء للدولة التي لا تراها إلا حالة شفوية، ورحما مستعارا لمشروعها الشيعي السلفي الجهادي، في ظل الدعم الإيراني السوري.

ويمثل هذه الإمارة السلفية الشيعية حزب الله في لبنان، وهي إمارة استلائية وفق مصطلحات التاريخ الإسلامي لولاية الحزب الكاملة على الإقليم مع وجود الدولة، وهي أول إمارة تقوم في جزيرة العرب في العصر الحديث، وهي تستحضر -استنساخا دون بريق- تجربة قلعتي ألموت، ومصياف، أعني حسن الصباح، وشيخ الجبل سنان راشد الدين.

"قتلانا وقتلاكم".. منطق قسمة، وانقسام على الذات العامة. منطق حرب ومصاولة! وقد اختلط الأمر على السلطة التي ردت على الحراك السياسي الشعبي بحرب ميدانية مثل التي تدور رحاها بين الدول وجيوشها المتطاحنة في الحروب المشهودة، ومرد ذلك:

عجز سلطة البعث والأوليغارشية المتنازعة بلا انقطاع -من الأب وصولا إلى الوريث- عن خلق مدنية اجتماعية لها مظاهر ومعايير حقيقية، يمكن تلمسها في حياة الجمهور المحروم الذي يعيش بلا مال ولا آمال. ولا حكومة سياسية لها فلسفة وهوية، بل نشأ بدلا منها -بعد حركة عام 1970- كيان "بطركية"عسكرية محافظة من لون واحد، تحكم أمة من العبيد تحولت بالتدريج إلى أوليغارشية عائلية احتكرت السلطة والجاه والثروة، يقابلها مجتمع أمة ضاع جهدها هباء في التاريخ المعاصر، وهي نائمة تستكين!

كما لم تسمح السلطة العائلية -لطبيعتها المحافظة المغلقة- بتشكيل نخب تصون مشروعها السياسي طوال عقود، لأنها تزدري النخب وتراها فضل قيمة أوجهدا ضائعا لا نافعا. وهكذا مرت عقود وهي تمسك بالبلاد بنظام طوارئ تحرسه مؤسسات أمنية وعسكرية نوعية متغولة مهمتها الأساسية ردع الداخل، وقد حدث هذا بين (1979-1982) ويحدث الآن (في عام 2011).

وقد أوضح أرسطو في كتاب السياسة وجود صلة وثيقة بين شكل السلطة وحال المجتمع الاقتصادية والذهنية والخُلقية.

لذا، لم تنتج سلطة العائلة تنمية، بل أوجدت -انسجاما مع حالة الطوارئ- نشاطا اقتصاديا بسيطا لخدمة قضية الممانعة المفترضة والصمود والتصدي. ويمكن أن نسميه اقتصاد التعبئة، وتعليم التعبئة، وثقافة التعبئة، وصحافة التعبئة. ما زلنا نرى مظهرها الشعبوي في تعبئة جماهير السلطة في وجه جماهير الشارع الغاضب.

لقد منيت سوريا خلال أربعة عقود بالفشل الذريع، نتيجة الفوضى والفساد المنظم الذي أصبح اقتصاد البلاد الرسمي! ابتليت سوريا بالجوع والإفقار والبؤس والحرمان وإسقاط الطبقات إلى تحت. أما كبار رجال السلطة والحزب، والحكومة التي تأخذ دور وكيل السلطة -وفي أحسن وصف لها "بلدية السلطة"- راحوا جميعا يسرقون المجتمع والدولة بافتضاح! يغتنون ويحتكرون ويراكمون المال الملوث ويرتكبون الفواحش ويهدمون قيم المجتمع المديني، الذي تريف عنوة وضاعت هويته كما حدث لروما التي اختفت فجأة من الوجود 476 م.

لم يتركوا شيئا للناس يكسبون به رزقهم سوى قطاع النقل الداخلي الفردي، إذ أصبح أغلب السوريين "شوفيرية تكسي عمومي". وأحسن وصف للسادة الجدد أقول: إنهم إنكشارية جديدة، مارست النهب المنظم للدولة والمجتمع. وهي مؤلفة من مجموعات من اللصوص والسماسرة والأشرار الجدد، يمكن أن نطلق عليهم لقب الإنكشارية القديم "حاجي بكتاش أوغلي"، أي: أولاد الحاج بكتاش. وهم خليط من "اليرليه" التي بلا أحساب ولا أنساب.

وجملة القول: إن المجتمع السوري -خارج سلطة الأسرة القوية- صار مفككا اجتماعيا وسياسيا ونفسيا، لأن السلطة أكلت الدولة فلم تزرع ولم تحصد ولم تصنع، ولم ترق إلى مستوى المجتمعات المتقدمة في المعنى والمبنى.

و قد عبر اللورد أكتون عن هذه السلطة بعبارته المشهودة: السلطة المطلقة مفسدة مطلقة.

وعليه نؤسس القول بأن ما يجري على الأرض في سوريا هو حرب السلطة وحدها ضد شعب أعزل لا يملك إلا صوته الذي يرفعه في وجه القوة العمياء، من أجل الحرية والمساواة!

قلت "السلطة" ولم أقل "الدولة"، لأن السلطة المتغولة اختطفت الدولة وحبستها حبسا مديدا دخلت فيه سجل المفقودين. فهل سيأتي علينا يوم نرى فيه الدولة وقد عادت من غيبتها القسرية في ظلمة السرداب التي امتدت عقودا؟!

على السلطة أن تعترف أن الأمر بينها وبين الشعب واحد، تأسيسا على ما ذكرناه، وأن ما تختلف عليه مع الجمهور هو حق ضائع ودور مسروق.

حق تكفله الشرائع السماوية والدساتير الوضعية، ولا يمكن للسلطة المطلقة أن تحتفظ بمشروعية مسروقة من جمهور مغيب ترعى مصالحه بالوكالة لأنه فاقد الأهلية. كما لا يمكن للسلطة المطلقة أن تختطف الدولة.

وعلى السلطة أن تدرك أن حربها الجارية هي بين الأهل والإخوان، وأن دم السوري على السوري حرام، وأن الدم يورِّث الدم، والأمة العظيمة لا تورِّث الأجيال ثارات وذاكرة من فنون القتل والسحل والتمثيل وقطع الأوصال وحرق الزرع والضرع والمستقبل.

الشام ليست رواندا، وشعبها ليس "التوتسي والهوتو".

تبجحنا عقودا ونحن نتشدق نثرا ونغني شعرا بأن سوريا أهدت البشرية حروف الأبجدية وأهدتها حضارة، وهي مهد الديانات. وأن دمشق -عاصمة الديار السورية- هي أول مدينة مأهولة في التاريخ، و.. و.. و.. إلخ. وأخشى عليها في حاضرها أن تكون أول دولة في الألفية الثالثة تمارس الإبادة لتلحق بالدول الفاشلة.

عندها لن نغني أبدا مع الذي قال حينذاك وأحسن:

أمويون فإن ضقت بهم ... ألحقوا الدنيا ببستان هشام

أي هشام هذا، وأي بستان ونحن نهيل التراب على الشام ونحولها إلى مدافن؟!

إن سفك دم مظلوم يساوي الخريطة بحدودها ومداها وحضارتها المجازية.

إن الانقسام على الذات جعل السلطة الراعية تتحول إلى طرف منفعل معاند في الصراع الدامي، وقد حسمت موقفها من الشارع الثائر بيقين حاسم: "قتلاكم في النار".

إن قتلى السلطة وقتلى المعارضة في الجنة؛ لأنها حرب بين الأهل والإخوان، وإن لم تنته سنكون من الأمم التي تقتل نفسها بيدها، وتطوّحُ بزغاريد النصر لأنها قتلت نفسها وراحت تنثر الغار والرياحين فوق مواكب الإخوة المقتولين.

أقول هذا لأننا لا نريد أن نترك أولادنا في مستودع الأمانات، بل في أوطان ذاكرتها خالية من الدم والثارات التي ستنتقل بالعدوى الذاتية الكريهة من جيل إلى جيل، وستطرق هذه الثارات باب السوريين في كل عام وليلة كالدائن الوقح يريد استيفاء الدم الذي سلفناهُ للتاريخ، وحان سداده! وفي كل حين ومكان ستنوح البواكي الثكالى على أطلال وطن تحت الرماد!

====================

العالم أنقذ الأسد من السقوط

العرب القطرية 4/11/2011

سيد أحمد الخضر

sidhadee@hotmail.com

بالعودة إلى حديث الرئيس السوري بشار الأسد للتلفزيون الروسي.. نجد أن روحاً جديدة دبت في نظام البعث بعد أن تلقى ضربات موجعة بفعل صلابة المعارضة في الداخل وتحركاتها الدبلوماسية في الخارج.

لقد بدا الرئيس السوري حريصا على تعويض غيابه الطويل عن الإعلام رغم اهتزاز أركان نظامه، فتحدث بتفصيل عن يوميات الأحداث وفق رواية أمنه وشبيحته.

تحدث الأسد بثقة لا تجد سنداً من الحاضر ولا من التاريخ، خصوصا عندما هدد بإحراق العالم في حال تعرضت سوريا لأي تدخل من الخارج.. كان تبجحا مكشوفا، لأن إسرائيل التي تحدّ سوريا كثيرا ما أغارت على العاصمة دمشق ولم يحدث أن أصابها أذى من نظام البعث.. في كل مرة تتمسك سوريا بحق الرد في التوقيت المناسب ثم لا ترد.

لكن ظهور الرئيس بعد انزوائه عن الأضواء كان يحمل بعدا آخر، وهو أن نظامه نجا من الورطة بفعل تضافر جهود عربية ودولية سعت إلى تخليصه من شبح السقوط الذي ظل يطارده لأكثر من ثمانية شهور.

كان يريد القول إنه أدار الأزمة بنجاح وأصبح بإمكانه التحدث بأريحية عن مستقبل الحراك وخطط الإصلاح.

لقد فشلت المعارضة السورية رغم الاختراقات الدبلوماسية التي حققتها غربيا وعربيا في إقناع القوى العظمى بالتخلي عن حماية الأسد لأنها (المعارضة) لا تستطيع ضمان أمن إسرائيل في منطقة تموج بالثورات والاضطرابات.

وما دام أمن إسرائيل أهم عناوين السياسة الغربية في الشرق الأوسط، فإن بقاء الأسد الذي جُربت كفاءته على هذا الصعيد أولى من البحث عن بديل من الصعب العثور عليه، في ظل ثورة ترفع شعارات الكرامة واسترداد الحقوق.

الغرب إذن لا يريد رحيل الأسد. وكذلك بدا العرب عندما وفروا له طوق نجاة بمبادرة تركز في الأساس على حقن الدماء، وتغفل إلحاح الشارع على حدوث التغيير.

وتعني هذه التطورات أن الجميع خذلوا السوريين. فبعد أن قدموا أكثر من ثلاثة آلاف شهيد وعشرات الآلاف من المعتقلين والجرحى في سبيل إسقاط النظام، تأتي الجامعة العربية للتحدث ببرودة عن الحوار حول إيقاف العنف والشروع في الإصلاح.

لقد برهنت عودة وليد المعلم للعواصم العربية إلى أن دمشق وصلت لتسوية مع الأشقاء تضمن بقاء الأسد في منصبه على أن يتوقف عن الإمعان في التنكيل بالمدنيين وسحب آلياته العسكرية من المدن.. في غفلة شبه تامة عن مطلب التغيير الذي يصر عليه السوريون.

ولسوء الحظ تزامن تراجع حدة اللهجة العربية والغربية تجاه دمشق مع حصول زلزال مدمر في تركيا شغل قادتها عن متابعة ضغوطهم على الأسد.

قرر الجميع إذن التمديد لبشار الأسد، ويبقى على السوريين أن يقرروا المضي قدما في ثورتهم أو التجاوب مع الحلول الجزئية التي قد تعيدهم إلى الوراء، أو تقف بهم في منتصف الطريق على أحسن تقدير.

لا يمكن استشراف مستقبل الشارع في سوريا، لأن الثورة دائما تتوارى عن الرصد وتستعصي على التحليل، لكن الخشية قائمة من عدم تمكن المتظاهرين السلميين من هزيمة نظام متمرس في القمع ويحظى بتأييد دول الشرق والغرب.

ومع أن الأذى سيصيب السوريين في المقام الأول عندما أصبح العالم كله عقبة أمام طموحهم للتغيير، فإن المد الثوري العربي كله سيتضرر كثيرا من هذا الوضع وربما يتوقف أصلا، لأن صمود الأسد أمام هذه الثورة القوية سيثبط همم الشعوب التي لا تزال تتأهب للزحف نحو قلاع الاستبداد.

========================

30×14=420

حازم الأمين

لبنان الآن 4/11/2011

يستغيث السوريون في تظاهراتهم، يقولون: "يا الله ما النا غيرك يا ألله"، وفي فيديوات أخرى يخرج هتافهم أقرب الى الحداء. حتى النكات التي تتضمنها الشعارات المرفوعة، هم فيها ضحايا أكثر من كونهم طالبي نصر وفوز. والحال ان لاستعانة المحتجين والمتظاهرين بقاموس مخاطبة دفاعي وتضرعي تفسره الوقائع التي تجري في أروقة التفاوض العربية مع النظام في سورية. فهذا التفاوض قد يكون ضرورياً، لكنه ينطوي على مأساة فعلية. المُهل التي تعطى للنظام هي بالنسبة للمحتجين أرقام قتلى.

 

حسابات رياضية يجريها النشطاء. مهلة الأسبوعين تعني، إذا كان رقم القتلى 30 سورياً في النهار الواحد، فإن المعادلة تصبح على هذا النحو: 30×14=420.

 

ربما لم يشهد العالم تجربة لصرف السياسة بالأرقام على هذا القدر من الوضوح. إنها المأساة حقاً، لكنها المأساة مضافاً اليها دقة في النتائج غير مسبوقة.

 

نعم السياسة قد تستبطن مآسي وقد تترافق مع حروب، لكن جهداً يبذل لاخفاء الأرقام، لا لجلائها. فالمسؤول العربي الذي يفاوض النظام في سورية على تسوية للأزمة هناك، عرف أم لم يعرف، يمنح النظام فرصاً للقتل. الأرجح أن لا مجال لتفادي المفاوضة، لكن ذلك لا ينفي أن مهلة الأسبوعين تعني 420 قتيلاً، وعندما قال المحتجون إن هذا الرقم من القتلى قدمته الجامعة العربية هدية للنظام في سورية، وأرفقوا ذلك بعبارة "يا الله ما النا غيرك يا الله" فهم أصابوا بذلك الإنسانية جمعاء. أصابونا كلنا نحن العاجزين عن أن نكون إلى جانبهم.

 

لقد صنع السوريون مشهدهم بأنفسهم، فنحن في لبنان ساعدتنا شركات عملاقة لتظهير صورة تظاهرة 14 آذار في عام 2005. وفي تونس تولت الدياسبورا التونسية في أوروبا مهمة نشر الصورة القادمة من القصرين ومن سيدي بوزيد، وفي مصر شاركت الفضائيات العربية والعالمية كلها في تأليف مشهد 25 يناير.

 

السوريون ومن دون مساعدة أحد صنعوا صورتهم بأنفسهم. ألفوا مشهد ثورتهم من ألفه الى يائه. رسموا حدود التظاهرة بما ينسجم مع قدرات كاميرات هواتفهم على التقاط صورها، وشكلوا لجاناً لضبطها وتحديد وجهة سيرها. كتبوا شعاراتها على نحو بدا واضحاً عدم ارتباطها بطموحات الأحزاب أو بمعارضات الخارج. هم مستقلون تماماً.

 

المسلمون الممارسون منهم لا يشبهون إلا أنفسهم، والعلمانيون شديدو الاتصال بالبيئة التقليدية للمدن والضواحي والأرياف. لا شيء في سورية يمت بصلة لنوع الانقسامات والاصطفافات التي يشهدها خارج سورية. في حماه، المدينة التقليدية يلومون المفتي على مواقفه قائلين: "قولوا للبوطي ما يخاف يتعلم من مي سكاف" وفي ريف دمشق يحمي مشايخ صوفيون غير مسيسين ولا منظمين ناشطات غير محجبات لجأن من المدينة الى الريف بعد ملاحقات الأمن لهن.

 

المتظاهرون هم المتظاهرون ولا أحد خلفهم أو أمامهم. هم من يخطط ومن يصور ومن يُقتل ومن يهرب ومن يستقبل الهاربين. وهم أيضاً من يعالج الجرحى ومن يدفن القتلى ليعود ويُقتل في تشييعهم. هم وحدهم ولا أحد معهم، ولهذا عندما يقولون: "يا الله مالنا غيرك يا الله" فهم يعنون ما يقولون.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ