ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 01/11/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

جوانب من سيرة المجتمع المفخخ

ياسين الحاج صالح

الحياة 31/10/2011

منذ أيامه الباكرة حكم نظام الأسد سورية ب «المسيرات الشعبية العفوية»، وبالمهرجانات الخطابية والهتافات، وبالصور واللافتات، وبالتماثيل، بقدر ما حكمها بالمخابرات والتعذيب والسجون.

تندرج المسيرات وأخواتها في جهاز رمزي ضخم، عابر لأجهزة الدولة جميعاً، أو هو أحد وجوه عملها، بما فيها المدارس والجامعات والإدارات الحكومية والجيش. وليس الجهاز الإعلامي غير أحد العناصر الظاهرة في هذا الجهاز أو المركب الجهازي الرمزي. التلفزيون والإذاعة والصحف السورية متمركزة بصورة كلية حول «النظام»، أي الرئيس والمخابرات. الحكومة تنتقد، والإدارات كلها، لكن ليس «النظام». وكان من الشائع حتى وقت قريب أن يقال لصحافيين شباب يعملون في مواقع انترنت مقربة من النظام إنه يمكنهم أن ينتقدوا الجميع بحرية، من العطري (رئيس الوزراء السابق) فما دون.

والوظيفة العامة لهذا المركب الجهازي الرمزي هي الحب، أو استعراض حب الشعب للرئيس. وبلغة اقل عاطفية هي صنع الإجماع، أو مظهره على الأقل. قد لا يطمح النظام جدياً إلى الفوز بقلوب السوريين، لكنه لا يتسامح بأي تعبير علني عما في القلوب. عليهم أن يتصرفوا كما لو أنهم يحبونه على نحو ما حللت الأمر ليزا ودين في كتابها «السيطرة الغامضة». أما وظيفة المخابرات فهي منع الانشقاق أو حراسة مظهر الإجماع الذي لا يكف عن بثه المركب الجهازي الرمزي الجسيم. وهي المتعهد العام للخوف في المجتمع السوري، أو ببساطة القاتل الشرعي. صدقية القمع تقتضي قتل بعض المنشقين، وتعذيب أكثرهم، وتخويف الجميع.

والمخابرات أيضاً اسم عام لمركب جهازي لا يقتصر على أجهزة الأمن المعروفة وغير المعروفة. فهناك بعد أمني أيضاً لحزب البعث و «المنظمات الشعبية» والنقابات والمدارس والجامعات والجيش، فضلاً عن المخبرين و «كتبة التقارير» المبثوثين في كل مكان. إذا هتف تلاميذ الصف الثامن في إحدى المدارس الشعب يريد إسقاط النظام فإن مدير المدرسة هو من يسارع إلى حبسهم في الصف، والاتصال بالمخابرات لتولي أمرهم. وإذا أدخلنا في حساب عديد المخابرات كل من لهم وظيفة أمنية في الحزب والدولة والمجتمع، فربما نخرج برقم مليوني.

ويشكل هذا المركب الجهازي شبكة عصبية هائلة، لا تترك موضعاً في سورية خارج رقابتها وتدخلاتها. ومثله أيضاً المركب الجهازي الرمزي. فليس هناك مكان يتجه إليه المرء في سورية لا تصادفه فيه صور الرئيس الحالي وتماثيل أبيه، وإيحاء الرقابة والحصار المرتبط بهما. وما يميز المقرات الأمنية هو وفرة صور الرئيس وتماثيله في مكاتبها الفخمة من جهة، ووفرة المعتقلين والتعذيب في أقبيتها المرعبة من جهة ثانية.

وبمحصلة هذا الاختراق الجهازي المزدوج آل المجتمع السوري إلى وضع المجتمع المفخخ، الذي قد يحطم نفسه إذا عمل على تغيير وضعه، لكنه يموت ببطء إذا لم يغير وضعه.

وفي هذه البنية المحكمة يتمثل الفارق الأهم بين النظام السوري والنظم العربية الأخرى. فإذا أضفنا أيضاً التكوين الاجتماعي الثقافي للمجتمع السوري، وتلاعب النظام المزمن بالفوارق الدينية والمذهبية بين السكان، ظهر لنا أن النظام السوري يكاد يكون نسيج وحده بين النظم العربية. وهو ما يبدو أن المسار المتمادي والدامي للثورة السورية يؤكده على نحو مشؤوم.

منذ بداية الثورة اعتمد النظام على هذين المركبين الجهازيين. تجندت وسائل الإعلام السوري لبث روايات تجمع بين التقليل من شأن الاحتجاجات الشعبية ومن نسبة المشاركين فيها، والقول إن الأوضاع طبيعية في البلد، وفي الوقت نفسه الكلام على عصابات مسلحة ومجموعات إرهابية. الغرض هو صون مظهر الإجماع من جهة، وتسويغ القمع الواسع النطاق من جهة ثانية. وبموازاة ذلك حرص النظام على تحريك مسيراته «العفوية» بغرض تأكيد الإجماع ذاته. العفوية صناعة عريقة في سورية الأسد. ويعرف السوريون جميعاً أن طلاب المدارس والجامعات وموظفو الإدارات، وكثير من العاملين في مؤسسات خاصة، لا يستطيعون ألا يشاركوا في المسيرات «تحت طائلة المسؤولية». وقد أتيحت في الشهور الأخيرة غير وثيقة نشرت على صفحات «فايسبوك»، تتضمن تعليمات موجهة إلى دوائر حكومية بوجوب مشاركة موظفيها في مسيرات الولاء للرئيس. هذا لا يلغي أن للنظام نواة من الموالين، لكن هذه بالذات فاقدة للمبادرة الذاتية وللتماسك الذاتي، ولا تفعل شيئاً من تلقاء نفسها.

ولم يعن تسيير النظام للموالين له في شهور الثورة توقفاً عن قتل المعارضين الذي يتولاه المركب القمعي، أو استعداداً لخوض مباراة عادلة في التظاهر بين الموالين للنظام ومعارضيه. بالعكس، كانت «المسيرات الشعبية العفوية» بمثابة إضفاء شرعية شعبية على القتل، وقد سارت معه يداً بيد منذ بداية الثورة. تخرج المسيرات إلى الساحات الكبرى للمدن، حاملة صور الرئيس، والموالون يرقصون ويغنون، بينما يجري استهداف المحتجين في الشوارع الجانبية للأحياء والضواحي. وعليه، ليس من التجاوز القول إن المسيرات «العفوية» هذه استمرار للقتل المتعمد بوسائل أخرى. الفاعل السياسي وراءهما واحد، هو النظام. والغرض منهما واحد، تثبيت احتكاره القتل و «التسيير» العام.

وفي وحدة الحال بين مسيرات الموالين وقتل المعارضين ما يفسر أن «العصابات المسلحة» و «الجماعات الإرهابية» التي يفترض أن النظام يواجهها لا تستهدف أبداً التجمعات الموالية له، بل تهاجم بصورة مفارقة مظاهرات الثائرين ضده حصراً. المفارقة تتبخر حين نرى أن المسيرات والقتل وجهان لسياسة واحدة، ووراءهما فاعل واحد.

وعلى كل حال تظهر الثورة السورية وعياً قوياً بوحدة هذين المركبين الجهازيين. استهدف المتظاهرون صور النظام. وتماثيله وأيقوناته، ويدخر جمهور الثورة (وأكثرية كبيرة من السوريين) أعنف مشاعرهم ضد أجهزة المخابرات. لأسباب ظاهرة، لم يتعرض أي مقر أمني لهجوم المتظاهرين، لكن من المحتم أن تكون الهدف الأول للجماهير حين تلوح علائم انهيار النظام.

وستقاس فاعلية الثورة على كل حال بالتخلص الكامل من مركبي النظام الرمزي والقمعي. هذا ما يقتضيه تحرر سورية من شرط المجتمع المفخخ، المعرض للانفجار إذا تحرك، وللموت البطيء إذا ظل ساكناً. الثورة العامة هي المخرج من هذا الشرط المميت.

وستكون علامة رشد طيبة للثورة السورية والشعب السوري لو يستحدث متحف للتاريخ السياسي السوري المعاصر، يضم جناحاً للتماثيل والصور واللافتات والشعارات، وأغاني الحب للقائد، والأشرطة المصورة لمسيرات الولاء… التاريخ السياسي لسورية، وفي الزمن الأسدي بخاصة، لا يفهم دون النظر في هذا الجانب. ولعل «قصر الشعب» المنعزل عن مدينة دمشق، والمتعالي عليها بالمعنى الحرفي للتعبير، صالح لأن يكون متحفاً. من شأن ذلك أن يكون فرصة لأن يطلع السوريون على ما وراء أسوار ذلك المكان المنعزل المهيب. الشعب يريد أن يرى ما في قصر… الشعب!

=================

ممّ يخاف المسيحيون العرب؟

محمد السمّاك

المستقبل

31-10-2011

هناك ادعاء بأن ما بات يُعرف ب"الربيع العربي" سوف ينعكس سلباً على أوضاع مسيحيي الشرق. وهناك ادعاء معاكس يقول إن المسيحيين الذين كانوا أساساً في الحضارة العربية الاسلامية، وفي النهضة العربية الحديثة، وفي مقاومة الاستعمار الأجنبي والاحتلال الصهيوني، لا يمكن الا أن يكونوا أساساً أيضاً في الربيع العربي، وتالياً، لا بد أن ينعكس ذلك خيراً عليهم. فأي الادعاءين هو الصحيح ؟.

لا تنطلق المخاوف المسيحية من فراغ. هناك أسباب مبررة لها. بعض هذه الأسباب واقعي. وهو يتمثل في المأساة البشعة التي حلت بالمسيحيين العراقيين على نطاق واسع. كما يتمثل في المأساة الأقل بشاعة التي حلت بالمسيحيين المصريين على نطاق أضيق.

في الحالة العراقية جاء التغيير من الخارج. وفي الحالة المصرية جاء التغيير من الداخل. وفي الحالتين لم ينجُ المسيحيون من بعض تداعياتهما السلبية. لقد هُدمت كنائس ودمرت بيوت، وقتل رهبان وشردت عائلات أشورية وكلدانية، سريانية وكاثوليكية، على نحو لم يعرفه العراق منذ استقلاله عن بريطانيا. لم تساعد الاضطرابات الطائفية في مصر على محو صورة المأساة العراقية، ولا حتى على التخفيف من وقعها. حمل المهاجرون المسيحيون العراقيون وقائع مؤلمة عن معاناتهم الى أخوانهم في سوريا ولبنان والأردن. كان طبيعياً أن يتسلل الخوف الى قلوب هؤلاء أيضاً. وبدلاً من أن يتساءلوا: ماذا نستطيع أن نفعل لمساعدتهم، غلب عليهم التساؤل: متى يحين دورنا ؟ ولمّا انفجرت الأحداث في سوريا كان طبيعياً أن يتساءلوا: هل حان دورنا؟.

مع تضخم الاحداث في سوريا، تضخمت علامة الاستفهام. وزاد في تضخمها غياب أي تحرك اسلامي على المستوى العربي لتبديد هذه المخاوف. كل ما حدث هو صدور بيان من هنا، وتصريح من هناك يستخف بهذه المخاوف، ويطعن بمبرراتها. غير ان الخائف من الظلام لا يطمئنه سوى النور. حاول الأزهر الشريف أن يضيء شمعة عندما أصدر وثيقته التي قال فيها بالدولة الوطنية لا الدينية. وبالمساواة بين المواطنين، وباحترام حقوق الانسان والحريات العامة. ولكن ظلام البيانات والتصريحات الأخرى التي تحاول استخراج رفات الذميّة وهي رميم، أرخى بكلكله فوق مناطق "الربيع العربي"، فلم تعد الأولوية لدى المسيحيين تنشق أزهار هذا الربيع التي تعبق بنسائم الحرية، ولم يعد همّهم أن تتفتح هذه الأزهار ليعمّ أريجها المنطقة كلها، ولكن همّهم انصبّ على كيفية إعادة طمر هذه الرفات في غياهب الماضي بكل ما تحمله من ذكريات أليمة، وبكل ما تثيره من مخاوف على الكرامة الانسانية. ومن هنا كان يفترض أن ينطلق موقف المسلمين ليس من أجل طمأنة مواطنيهم المسيحيين فقط، ولكن من أجل تأكيد فك الارتباط بين الاسلام كعقيدة، وبين الذميّة كنظام سياسي - اجتماعي اعتمده حكام مسلمون في مرحلة زمنية غابرة. لم تكن صيغة المواطنة معتمدة أو معروفة في ذلك الوقت في دول متعددة الأديان والأجناس. ثم أسيء استخدام هذا النظام في مرحلة التقهقر والإنحطاط، خاصة في أواخر العهد العثماني. وبلغت قمة الإساءة عندما انفجرت حرب التحرير اليونانية ضد الاحتلال التركي، فتحول الصراع التركي اليوناني الى صراع تركي أرثوذكسي، ومن ثم الى صراع ضد مسيحيي الشرق، حيث فرض عليهم اللباس الأسود والعمائم السوداء، وسواها من الاجراءات لتمييزهم عن بقية المواطنين. لم يفرض العرب تلك الاجراءات. ولم يكن لفرضها أساس في الاسلام. فرضها الأتراك ولأسباب سياسية انتقامية، فحمل وزرها الاسلام ظلماً وافتئاتاً. ولا يزال حتى اليوم.

فالقاعدة النبوية لعلاقة المسلمين بالمسيحيين في الدولة الواحدة هي:" لهم ما لنا وعليهم ما علينا". وهذه القاعدة تترجم بالمساواة في المواطنة. وهي ليست مشروطة بالمساواة في العدد، لأن الحق قيمة انسانية مطلقة، وهو غير مرتبط بنسبية الأعداد.

ولكن اذا كان هناك تقصير من المسلمين في التوافق على الجهر بهذه المبادئ الكلية، فإن هناك تقصيراً من المسيحيين في التوافق على الجهر بالموقف الديني والأخلاقي والوطني من "الربيع العربي". ولعل بعض السبب في ذلك يعود الى الواقع غير السليم وغير الصحي الذي يمر به مجلس كنائس الشرق الأوسط الذي يفترض أن يمثل كل كنائس الشرق، وأن ينطق باسم مسيحيي الشرق جميعاً.

أدى هذا الواقع الى تعدد مواقف كنائس الشرق، وحتى الى تعدد المواقف داخل الكنيسة الواحدة، الأمر الذي أثار حالة من الإرباك الشديد. فالمجلس إن لم يكن موجوداً، فإن الظروف الراهنة وما يرافقها من تداعيات ومخاوف تتطلب إيجاده. ومما يؤكد على ضرورة ذلك، إدراك الكنائس نفسها، كذلك الدول الغربية الراغبة في مد يد العون الى مسيحيي الشرق، بالحاجة الى آلية صالحة وجامعة للعمل من خلالها. ولكن هناك ما يثير مخاوف مبررة من احتمالات سوء تفسير مبادرة من هذا النوع وتصويرها وكأنها تربط مسيحيي الشرق بالغرب.. وتالياً بسياسة الغرب وطموحاته وأطماعه التاريخية. وإذا حدث ذلك نتيجة خطأ ما، فإنه قد يؤدي الى عكس النتائج التي ينشدها مسيحيو الشرق ويتعاطف معها مسلموه. وذلك بتكريس خطأ الاعتقاد بأن مسيحيي الشرق هم امتداد للغرب. وهو خطأ ألحق في الماضي أفدح الأضرار بالعلاقات الاسلامية المسيحية، وبمبدأ حقوق المواطنة وبالتطلعات المشروعة نحو الدولة المدنية. إن أي تصرف يوفر صدقية مجانية لهذا الاعتقاد الخاطئ ولو بصورة غيرة مقصودة من شأنه أن يعمّق من هوّة التباينات القائمة حالياً، وذلك بإضافة مخاوف اسلامية الى المخاوف المسيحية.

من هنا الحاجة، في اطار "الربيع العربي" العام الى ربيع مسيحي خاص، يعيد الصدقية المسيحية المشرقية والعربية القومية، الى مجلس كنائس الشرق الأوسط ليتمكن المجلس من ملء فراغ التحدث باسم المسيحيين جميعاً، وليستأنف تالياً دوره البناء في الحوار المسيحي الاسلامي.

ثمة سلبيتان اسلامية ومسيحية لا بد من تفكيكهما.

تتمثل السلبية الاسلامية في تضخم أو في تضخيم- الحضور السياسي الاسلامي في أساس حركات "الربيع العربي". أما السلبية المسيحية فإنها تتمثل في غياب أو في تغييب- مجلس كنائس الشرق الأوسط بصفته الناطق الشرعي باسم مسيحيي الشرق. تؤجج حالة اللاتوازن هذه بين الحضور أو الاستحضار- الاسلامي المبالغ فيه، وبين الإنكفاء أو الاستغناء- المسيحي المبالغ فيه أيضاً، من مشاعر الخوف المسيحي، ومن مشاعر الخوف الاسلامي من هذا الخوف.

فالخوف يؤسس للاثقة. ومن المستحيل أن يقوم عيش واحد أو حتى عيش مشترك على قاعدة الخوف واللاثقة.

=================

«الإخوان السوريون»: حكم مدني مع تكريس أقلوية الأقليات

حمود حمود

السفير

31-10-2011

إذا كان من غير المقبول على الإطلاق حالة «الرهاب الطائفي» التي تطلقها بعض الأقليات الدينية في المشرق حيال ما يجري حالياً من تحركات شعبية، إلا أنه في الوقت نفسه من المهم تفهّم هاجس الخوف الذي ينتابها لما سيأتي لاحقاً، في ظل غياب حقيقي ومخيف للمواطنة، فضلاً عن تأزم خطاب الهوية، سواء بما يخصهم أو بما يخص الأغلبية؛ بدلاً من الانجرار وراء دوغما «جمعيّة» متخشّبة بدأت تتكون الآن، واتهام الأقليات بالقيام ب«تحالفات» مع الأنظمة المستبدة وما إليه.

في سوريا، خوف الأقليات، سواء أكان غير مبرر أم مبرراً، ليس من أن تحكم الأغلبية «السنية» وما سيستتبعها من استحقاقات تحالفية محتملة مع سُنّة المنطقة، بل ممّن «يمثّلها» سياسياً، أي «الإخوان المسلمون»، الذين نجحوا في تثبيت صورة اختصار مشهد الإسلام السياسي السني السوري بهم وحدهم، في ظل تغيّب أو تغييب المرجعيات الدينية الحقيقية، لسدّ الفراغ على مستوى المؤسسة الدينية.

الخوف من الإخوان المسلمين، والذي تحوّل عند قطاع واسع من الشعب السوري إلى ظاهرة أشبه ب«إخوانوفوبيا»، هو أحد أسباب إحجام الأقليات عن المشاركة بثقلهم في حراك الشارع، والذي يعود لعاملين رئيسيين:

الأول: هو السلوك السياسي للإخوان، والذي ما زال يُنظر إليه بعيون الريبة والشك منذ القضاء على عملياتهم «الجهادية» في أوائل الثمانينيات وحتى الوقت الحاضر. والإخوان من جهتهم ما زالوا إلى الآن مصرّين على عدم الاعتراف بأخطائهم، وتقديم تفسيرات واضحة لما قاموا به سابقاً وما يقومون به حالياً أثناء الانتفاضة (من ضبابية موقعهم الحقيقي ضمن حضن القادة الأتراك، إلى اجتماعهم «غير المفاجئ» في باريس مع من يُعتبرون «صهاينة»، إلى الاتصالات مع الأميركيين، والاتصالات التي كثرت الشائعات حولها مع طهران...الخ)؛ أي أداء التيار الإخواني السياسي.

السبب الثاني: هو ما يتعلق في صلب البناء الايديولوجي العقائدي للإخوان، وبخاصة ما يتعلق بخطابهم تجاه الأقليات، مع عدم ظهور أية بوادر حقيقية لإمكانية انفكاك محمولات هذا الخطاب التاريخية الثقيلة عن سياقه الماضوي الذي نشأ فيه، بحيث يصبح فعلاً خطاباً متوازناً يلائم استحقاقات الحاضر.

الإشكال الرئيسي عند الإخوان قبل أن يكون بتبني خطاب «وطني» يطمئن الأقليات، هو في البنية الايديولوجية العقائدية التي تحتكم إليها ذهنية الإخوان. إن الإخوان إلى الآن، برفعهم شعارات المواطنة والمدنية، لطالما أثبت سلوكهم أن الهدف من رفعها سياسي، أكثر من كونها مصطلحات تهيكل ذاتهم الداخلية.

شعارات «المواطنة» و«المدنية» وما إليها، التي غزت قاموس الخطاب الديني في بدايات القرن العشرين أثناء الصدمة الأولى مع خطاب «الحداثة» بقيت على هامش ذلك القاموس، يُلجأ لاستخدامها أمام أي أزمة تصيب الخطاب، لكنها للأسف لم تتحول في يوم من الأيام لتغيّر من هيكلية بنية الخطاب من الداخل.

فيما لو حاولنا تلمس مفاهيم الحداثة التي تشكل العتلة السياسية للتيار الإخواني في محاولته لكسب موطئ قدم ومكان في الفضاء السياسي، لوجدنا بلبلة واضحة وطرحاً غير واضح الملامح بل متلون في بعض الأحيان. بينما لو حاولنا تلمس وجهة نظر التيار الإخواني في الأقليات لوجدنا محاولة واعية أو غير واعية لتكريس «أقليّة» هذه الأقليات عبر تهميش حضورها وعدم نقاش خطابها الديني، وبالتالي ظهور الهوية السياسية لهذا التيار طاغية على حساب هويته الدينية، والتي تحولت إلى ضرب من الايديولوجية السياسية من غير حلّ المسألة الدينية بخصوص الذات والآخر وما إليها.

التعامل مع الأقليات ضمن هذا السياق، وإعطاؤها طمأنات سياسية (أو بالأحرى ترضيات سياسية) دون أن يفض الإشكال العقائدي التاريخي، وهو خوف الأقليات من التكفير الإقصائي فيما لو نجح التيار الإخواني في كسب معركته السياسية (التكفير ليس على الطريقة الأرثوذوكسية السلفية، بل من خلال إلغاء نديتهم الدينية عبر هيمنة دكتاتورية المجموع السني السياسي كما سيمرّ).

إنه بالرغم من إعلان الإخوان في بيانهم الشهير سنة 2004 («المشروع السياسي لسورية المستقبل». وهو آخر نسخة «معدلة» لهم تظهر مواقفهم) عن حرية الإنسان في اختيار عقيدته، لكنه في الوقت نفسه يظهر إقصاء فاقعاً من خلال تأكيده: أن الإسلام يشترك مع المسيحية في الكثير من القيم، لذا فإنه «يثبت المرجعية القيمية للإسلام ويبسط سلطانها على مجموع أبناء الشعب» وهذا ما يلغي أي مساواة مزعومة؛ هذا فضلاً عن النظر لناحيتين:

الأولى: عدم تأكيد أحقية المسلم بالخروج عن دينه. والثانية: هو النظر بعيون مضطربة للأقليات الدينية المنضوية تحت مسمى «أقليات مسلمة» وأخرى خرجت من الإسلام واعتبرت «غير مسلمة». نقول هذا، لأن في بنية الإخوان العقائدية يختلف النظر للأقليات من واحدة لأخرى: في الوقت الذي ينظرون فيه مثلاً للدروز أو العلويين كطائفتين دينيتين خرجتا من نطاق الخطاب الأكثري (السني)، فهما مقصيتان دينياً (إن لم تكونا كافرتين، فبماذا توصفان؟)، إلا أن هذه النظرة نفسها تختلف تجاه «الشيعة»، وأيضاً هذه النظرة الإقصائية تختلف جذرياً تجاه «المسيحيين».

المسيحيون في التقليد الديني السني الأرثوذكسي، ليسوا بأقلية، إنهم يعتبرون، وما زالوا من «أهل الكتاب». هذه الإشكالية ما زالت إلى الآن مسيطرة على خطاب الإخوان. بالطبع لا يمكن للإخوان الآن وخاصة في الظروف الحالية تسميتهم ب«أهل ذمة»، لأن ذلك سيضر بصورتهم أكثر (دعك من الحوارات والشعارت التي تقول إنه تقاربية المفرغة من مضمونها). لكن بدلاً من ذلك يُلجأ لاستخدام هذه النبرة: «الإسلام يكفل حقوق الأقليات». بهذه الجملة لم يتغير شيء: ما زالوا يُعتبرون مواطنين من الدرجة الثانية ضمن الفضاء السني الجمعي.

بمعنى ثانٍ، ما قُدّم للأقليات كان خطاباً حقوقياً، وليس اعترافاً بوجود حقيقي ندّي. «لا تبرئة دينية». هكذا يبتدئ الإخوان السوريون بيانهم: «وجماعتنا تؤمن بأن الإسلام في جوهره التوحيدي وقيمه العليا، وشريعته السمحة، ورصيده في نفوس أبناء الشعب السوري، هو أصلح المنطلقات لبناء سورية المستقبل». وبعيداً عن الغموض في تعبير «الرصيد الإسلامي» (ولا يُعلم بالضبط حجم هذا الرصيد داخل نفوس من يعتبرون ليسوا بمسلمين!)، فإن مسألة الإسلام أصلح المنطلقات لبناء سوريا، يدل على أن ثمة خللاً في ذهنية الإخوان السياسية والعقائدية لم يجد له حلاً إلى الآن: نؤمن بدولة «مدنية» لكن الإسلام بكونه هو الحل، فهو أصلح المنطلقات لهذه الدولة!

ثمة في الواقع إشكال تاريخي يقف أيضاً خلف هذا، وهو سيطرة ديكتاتورية الذهنية الجمعية التي يحكمها «براديغم المجموع» (وتحديداً السني) الإسلامي في المنطقة. فحينما يُعتبر مثلاً المسيحيون، «مسيحيين عقيدياً»، إلا أنهم «مسلمون ثقافياً» لأنهم يندرجون ضمن هذا الفضاء الإسلامي الثقافي الواسع، فهذا ليس اعترافاً بوجودهم بقدر ما هو تهميش وإلغاء لكيانهم الديني، فضلاً عن ربط مصير هذه الذات الدينية بثقافة الشمول الإسلامية الجمعية. وللأسف كثير من التيارات السياسية، والتي تعتبر ليبرالية، تدافع عن «إسلامية كل الأقليات الدينية» «ثقافياً»، فقط لأنهم يعيشون ضمن هذا «الجمع الإسلامي السني».

عدم حل إشكالية البناء العقائدي هذا، هو السبب الرئيسي في تردد الإخوان المسلمين في مصر بين الصقور الكبار المحافظين وبين الجيل الجديد منهم، حيال قضايا كثيرة، لا تبدأ بتساوي الحقوق والعدالة، ولا تنتهي بجواز أن يحكم قبطي مسلماً.

لهذا، لم يكن من المستغرب استهجان الإخوان، تصريحات أردوغان حول حثهم على تبني دستور علماني تقف فيه الدولة على مسافة واحدة محايدة حيال كل الأقليات والأديان الأخرى. ليست المسألة كما اعتبروها تدخلاً في شؤون مصر، بقدر ما هي إجراء امتحان خفيف حول مصداقية مفردات المدنية والمواطنة التي ينادون بها صباح مساء، فضلاً عن موقعها المعرفي داخل ذواتهم.

=================

تفاهم خليجي - أميركي على خطوات سورية!

سركيس نعوم

النهار

31-10-2011

عدم نجاح اللجنة العربية في تنفيذ "المهمة السورية" التي اوكلها اليها مجلس وزراء الخارجية العرب قد يكون عفوياً وطبيعياً في نظر عدد من متابعي تطورات "الانتفاضة" في سوريا وخلفياتها الداخلية المتنوعة، والاقليمية والدولية المتعارضة الى درجة التناقض. ذلك ان ما تطلبه جامعة الدول العربية من الرئيس بشار الاسد ليس جديداً. فقد سبق ان طلبت منه حليفته تركيا "حزب العدالة والتنمية" ومجلس التعاون الخليجي بكل دوله والجامعة نفسها، وكذلك دول اوروبية عدة، واميركا وغالبية المجتمع الدولي. لكنه لم يتجاوب مع طلبات كل هؤلاء الا شكلياً ولفظياً ربما لاقتناعه ومنذ بداية الانتفاضة او الثورة على نظامه ان تلبية مطالبها الاساسية ستُسقِط وسلمياً وخلال سنتين على ابعد تقدير نظامه ورئاسته وسلطته وستقضي على المكاسب التي حققها لنفسه ولعصبيته الضيقة ولمجموعات المستفيدين منه في كل المجالات. ومن الصعب ان يتجاوب معها حالياً لأن الدم الذي سال ولأن المذهبية التي ظهرت على السطح ومعها الطائفية، ولأن الارتباطات الاقليمية للنظام السوري، لأن كل ذلك لا يسمح للأسد بالتراجع، الا طبعاً اذا كان هدف الجهات العربية والاقليمية والدولية الساعية معه للتوصل الى "تسوية" تنهي العنف وتضع سوريا على طريق الاستقرار الامني والاصلاح السياسي، هو المحافظة عليه من خلال تقديم اقتراحات له او مخارج او حلول تحفظ ماء وجهه وماء وجه الثوار وغالبية الشعب السوري باصلاحات تجميلية تُمكِّنه من الاستمرار ربما الى ابد الآبدين. وهذا امر ممكن نظرياً لأنه لا يزال يمتلك القوة العسكرية الاكبر والاكثر تعقيداً ولأنه يستعملها من دون شفقة أو رحمة ولأن الثوار لم يصلوا بعد الى مرحلة فرض انفسهم على اعدائهم والحلفاء وخصوصاً في الخارج الأمر الذي يجعلهم فريسة سهلة للنظام اذا "ركبت" التسوية العالمية المشار اليها اعلاه.

لذلك فإن السؤال الذي يطرح هنا هو هل ان اللجنة العربية ومن ورائها مجلس وزراء الخارجية العرب في وارد تسوية كالمذكورة؟ والجواب الذي توفره المعلومات والمعطيات الواردة على عدد من المتابعين الاميركيين والعرب، يستبعد هذا النوع من التسوية،ذلك ان كيْل غالبية الدول العربية قد طفح من الرئيس الاسد كما كيْل اميركا واوروبا. وقد يأتي يوم غير بعيد يطفح فيه ايضاً كيْل روسيا والصين، وخصوصاً اذا نال كل منهما ما يريد في مقابل انضمامه الى "كبار العالم" في موقفهم السلبي من نظام الاسد، واذا نجح الاسد في اقناعهم بغياب اي نية اصلاحية جدية عنده واي نية لوقف عنفه على مواطنين له الذي دفعهم الى ممارسة العنف ضد عسكره وامنييه. اما بالنسبة الى المعلومات نفسها فإنها تشير الى ان مجلس وزراء الخارجية العرب سيعود الى الاجتماع باللجنة التي كلفها المهمة السورية لمعرفة ما حققته، وتالياً لتحديد الخطوات التي عليه اتخاذها سواء كانت المهمة ناجحة أو فاشلة. وفي هذا المجال فإن المعلومات المشار اليها تفيد ان تأليف اللجنة وتكليفها مهمتها السورية كان الهدف الاساسي منه الحصول على ذريعة تبرر لجوء "مجلس الوزراء العربي" نفسه الى اتخاذ قرارات قاسية في شأن النظام السوري ودعوة المجتمع الدولي الى المساعدة في تنفيذها. وتفيد تحديداً بوجود اتفاق عام بين الدول العربية الخليجية، او ربما غالبيتها الساحقة، وبين اميركا على اقتراح سلسلة الخطوات المطلوبة للضغط على الرئيس الاسد داخل جامعة الدول العربية لكي تطلب من المجتمع الدولي او بعضه تنفيذها.

 والخطوات التي يفكر فيها ديبلوماسية ومالية واخرى تقضي بإرسال عسكريين مختصين لتدريب الذين ينشقون عن الجيش. ومن شأن ذلك جعل الحياة في سوريا لا تطاق ومعها وضع النظام. الى ذلك تفيد المعلومات نفسها ان اصحابها مقتنعون بأن السنة المقبلة 2012 ستكون سنة "الحركة" (Action) سوريّاً. وابطالها سيكونون اميركا وحلفاءها العرب والاوروبيين.

في اختصار يقول الجانب الاميركي من المتابعين المذكورين اعلاه ان الادارة الاميركية تنظر الى ايران في الوقت الذي تسعى الى معالجة وضع سوريا جراء "التحالف الاستراتيجي" بينهما. ذلك انها تريد ان تقوّم أو بالأحرى تحدد قوة هذا التحالف ونقاط ضعفه وكذلك الطرف الاضعف فيه. وهي تعرف ان سوريا هي الاضعف، ولذلك فإن قائدها لن يبتعد عن ايران او لا يستطيع الابتعاد عنها. ولا بد ان يدفع ذلك اميركا الى تفخيخ التحالف المذكور أو تفجيره بالاجراءات التي قد تتخِذ خلال الاشهر المقبلة.

=================

الأسد في توصيفاته القاصرة ورسائله المبطة للغرب!!

ياسر الزعاترة

الدستور

31-10-2011

أطلَّ علينا بشار الأسد في مقابلة هي الأولى من نوعها مع وسيلة إعلام غربية منذ بدء الثورة، وكانت لصحيفة بريطانية هي "ديلي تلغراف"، وللمفارقة فقد جاءت عشية قتل ما يزيد عن 40 "مندسا" يوم الجمعة، فيما ينتظر العرب ردود السيد الرئيس على مبادرتهم لحل "الأزمة".

ثمة توصيف للأزمة في حديث الأسد، وجانب عن كيفية مواجهتها، كما أن هناك تبريرات للقتل، وثمة تهديدات للغرب أيضا، وفي كل الحالات كان الرجل يزوِّر الحقائق ويعاند رياح التاريخ.

في توصيف الأزمة، ليس ثمة تفسير لما يجري سوى أن هناك في سوريا "صراعا بين الإسلاميين والقوميين العرب (العلمانيين)"، مضيفا "نحن نقاتل الإخوان المسلمين منذ خمسينيات القرن الماضي وما زلنا نقاتلهم".

هل الصراع الدائر في سوريا هو حقا كذلك. ألم يفاجأ الإخوان بالاحتجاجات مثل سائر أركان المعارضة مع أنهم توقعوها بعد وقت لن يطول إثر ما جرى في تونس ومصر؟!

هل يتحرك الشارع بناء على مطالب أيديولوجية، أم أنه شارع يريد الحرية والعدالة؟ صحيح أن الحضور الإسلامي هو الذي يلهم الاحتجاجات بهذا القدر أو ذاك، لكن ذلك ليس سوى تعبير عن الهوية التي تطبع المجتمع، تماما كما هو الحال في سائر الدول العربية التي تعيش صحوة إسلامية. والخلاصة أن الناس في الشوارع يهتفون من أجل إقامة دولة الحرية والعدالة والكرامة.

الحقيقة أن الأسد لا يقاتل الإخوان المسلمين، بل يقاتل أغلبية الشارع السوري، وحتى لو قيل إن بعض القطاعات لا تزال مترددة حيال الانخراط في الثورة، فإن ذلك لا يعبر عن انحيازها للنظام ولا ثقتها به، ولا حتى خوفها من المستقبل كما ذهب محمد حسنين هيكل في تفسيره لضآلة حضور حلب ودمشق في الاحتجاجات، لأن التفسير الحقيقي يتعلق أساسا بثقل القبضة الأمنية واستمرار القتل والاعتقال ونشر الجيش والقوى الأمنية في الشوارع، ونحن نتحدى أن يُسمح بمسيرات من دون قتل لمدة أسبوع واحد بضمانات عربية ودولية، ليرى العالم أجمع ملايين السوريين ينزلون إلى الشوارع والميادين في قلب المدينتين، ومن أبنائهما وليس من القرى والأرياف.

بحسب الأسد، سوريا ليست اليمن ولا تونس ولا مصر "التاريخ مختلف والواقع السياسي مختلف". يا الله، أي اختلاف أيها "الطبيب البارع"؟! أليس الفساد هنا هو الفساد هناك؟! أليس القمع هنا أسوأ من القمع هناك؟! ألم يحدث التوريث هنا، بينما كان مجرد مشروع هناك؟! وهل إن حكاية المقاومة والممانعة تكفي لركون الناس لدولة القمع والدكتاتورية والفساد؟!

في سياق الحديث عن المواجهة، يتحدث الأسد عن الإصلاحات التي قام بها، والتي لم يشعر بها الشارع، مع العلم أن كل الأنظمة التي طاحت قبله وعدت بالإصلاح، بما في ذلك النظام الليبي، لكن ذلك لم ينفعها حين أزفت الآزفة. أما تبرير القتل بنظرية أن ذلك يحدث في كل مكان عندما يواجه الجيش احتجاجات شعبية، فهو تبرير سخيف، لأن قصد القتل والاعتقال والتعذيب لإخافة الناس واضح كل الوضوح.

الأكثر إثارة في مقابلة الأسد هي الرسالة التي أراد توصيلها للغرب، والتي سمعنا جزءا واضحا منها في حديث ابن خاله رامي مخلوف (عنوان الفساد في سوريا) لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية قبل شهور، وهي رسالة تعني الكيان الصهيوني أكثر من أي شيء آخر.

يقول الأسد: "سوريا اليوم هي مركز المنطقة. إنها الفالق الذي إذا لعبتم به تتسببون بزلزال. هل تريدون رؤية أفغانستان أخرى أو العشرات من أفغانستان؟". وأضاف إن "أي مشكلة في سوريا ستحرق المنطقة بأسرها. إذا كان المشروع هو تقسيم سوريا فهذا يعني تقسيم المنطقة برمتها".

الكلام واضح كل الوضوح. النتيجة إذن لن تكون نهاية المقاومة والممانعة، بل فوضى ستصيب الدولة العبرية ومصالح الغرب. وإلا فهل فيما يجري في أفغانستان مصلحة للغرب، أو مستنقع يتخبطون فيه ولا يدرون كيف يخرجون منه؟!

ماذا يقول سادة المقاومة والممانعة المدافعين عن نظام الأسد؟ هل يرون حقا أنه خط الدفاع عن الأمة في مواجهة الصهيونية والغرب، أم أنه يخوفهم من القادم بديلا عنه، مع أن ما يقوله ليس صحيحا بحال، ولن يكون هناك تقسيم ولا فوضى، بل أمة تستعيد قرارها، وما إن ترتب أوراقها حتى تعرف كيف تتعامل مع أعدائها وأصدقائها على نحو يخدم مصالحها هي وليس مصالح الأعداء.

عبثا يحاول الأسد البحث عن مخرج، لكن مصيره سيكون مثل الآخرين، أكان بعد شهر أم بعد سنة. لقد فقد شرعيته وانتهى الأمر.

=================

هواجس وتهديدات !

صالح القلاب

الرأي الاردنية

31-10-2011

تهديدات الرئيس السوري بشار الأسد ,التي ضمنها تصريحات لصحيفة «ذي صنداي تلغراف» البريطانية وقال فيها أن أي عمل غربي ضد بلاده سيؤدي إلى زلزال من شأنه أن يحرق المنطقة بأسرها, تعني أنه أصبح في مأزق حقيقي وأنه لم يعد قادراً إلاّ على التفكير في الانتحار والحرائق والتقسيم «إذا كان المشروع هو تقسيم سورية فهذا يعني تقسيم المنطقة برمتها».

إن هذه ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها بشار الأسد إلى التهديد والوعيد فهو كان قد قال مثل هذا الكلام سابقاً لكن ما يؤكد أن مأزقه قد تفاقم أنه عاد ليغرف مما في عقله الباطني فهو تحدث في هذه المقابلة مع ال»صنداي تلغراف» عن تقسيم سورية وعن حرق المنطقة كلها وعن عشرات من أفغانستان وعن زلازل وبراكين مما يدل على أن كوابيسه قد تضاعفت وأنه لم يعد يشعر بأي أمل لإنقاذ نظام حكمه الذي بات مصيره واضحاً وباتت نهايته قريبة.

لقد أصبح بشار الأسد في حالة من الارتباك الشديد جعلته كمن يصعد برجاً عالياً ويأخذ بتهديد المارة بالانتحار وكل هذا وكان الأحرى به أن يعالج انتفاضة شعبه بالاعتراف بها وبوجودها أولاً وتجنب العنف واللجوء للقوة الغاشمة والتصعيد المتواصل وبتقديم تنازلات حقيقية وعدم اللجوء للمناورات والألاعيب السياسية التي ورثها عن والده ,رحمه الله على أي حال, ويومها كانت الأحوال في المنطقة وفي العالم وفي سورية ذاتها غير هذه الأحوال.

لم يتكلم أيٌّ كان عن التقسيم ,تقسيم سورية, لا من المعارضة ولا حتى من الذين يُذبحون ويقتلون وتهرس جنازير الدبابات أجسادهم على الهوية الطائفية والوحيد الذي ثبت أنه يعيش هذه الحالة وأنه يفكر فيها أكثر مما يفكر في مصير بلد وضعته السياسات الحمقاء وقصيرة النظر بين ألسنة النيران هو بشار الأسد فالواضح ,من خلال هذه التصريحات التي ضمنها حديثه لصحيفة ال»صنداي تلغراف» البريطانية, أن خياره بات بعد أن وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه هو «القرداحة» وهو تحول هذه المنطقة إلى فسيفساء طائفية وفقاً للمشروع الإسرائيلي القديم الذي كان طرحه حتى قبل قيام الدولة الإسرائيلية موشي شاريت الذي كان أول وزير خارجية لهذه الدولة.

إذا كان بشار الأسد يريد فعلاً تجنب كل هذا الذي تحدث عنه لهذه الصحيفة البريطانية المشار إليها وأسوأه التقسيم وتحوّل بلده إلى أفغانستان أخرى فإن عليه أن يسحب «الشبيحة» من الشوارع وأن يعيد الوحدات العسكرية المنتشرة انتشاراً قتالياً من البوكمال في الشرق وحتى اللاذقية في الغرب ومن درعا في الجنوب وحتى إدلب في الشمال إلى معسكراتها وإن عليه أن يضع نفسه في تصرف شعبه بعد أن يحسم الأمور بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية قريبة بإشراف دولي وعربي.. إن هذا هو النهاية الصحيحة لكل هذه الهواجس التي تؤرقه أما أن يبقى مصراً على حلول العنف والقوة العسكرية فإن هواجسه سوف تتحول إلى حقائق خلال فترة قريبة.

غير صحيح إطلاقاً أن ما تشهده سوريا الآن هو صراع بين الإسلاميين والعرب العلمانيين فهذا اختراع تآمري مناوراتي لتبرير كل هذه المجازر المستمرة والمتواصلة في البلاد والصحيح هو أن هذا الذي يجري هو انتفاضة ينصهر فيها الشعب السوري بمعظمه ضد أربعين عاماً من القهر والظلم والاضطهاد وضد أربعين عاماً من تهميش غالبية السوريين ,والأسباب هنا معروفة, وترك «شبيحة» فئة تشكل الأقلية لتعيث في البلاد فساداً ولتملأها جوراً باسم حزب البعث الذي انتهى حكمه حتى قبل أن يحكم في الثامن من آذار عام 1963.

=================

«تأبين» الجامعة العربية..!

الإثنين, 31 أكتوبر 2011

جميل الذيابي

الحياة

كم هو مخجل حال الوهن العربي بشأن ما يجري في سورية! كم هو محزن بطء حركة الجامعة العربية ووهن عظمها وضعف قراراتها. جامعة تسير بخطى ثقيلة وكأنها مصابة بأمراض الأرض وتقبل على القبر والفقر السياسي. ماذا يحدث؟ ولماذا هذا التنكّر «المخجل» لشعب عربي أصيل يخرج بشعارات سلمية وصدور عارية لا يحمل في يديه إلا شعارات تطالب بالإصلاح والحرية والكرامة ثم يقابل بأعيرة البلطجية والشبّيحة؟! دول عربية جامدة وجامعة عربية هامدة. وحكومات تشاهد ما يحدث في سورية من مجازر ثم تبلع ألسنتها وتغض النظر عمّا يحدث من عمليات دموية «ممنهجة». الشعوب العربية تناشد وتطالب فيما الحكومات لا تكترث إلا بخجل ولا تتحرك إلا بخجل وكأنها تخشى «زلزال» بشار وتهديداته، وتريد له وشلة «القتلة» تمزيق الإنسان السوري وتصفيته من الوريد إلى الوريد. ولا يزال «شبيحة» بشار وأجهزة نظامه الأمنية القمعية يكملون المهمة اليومية بقتل الشعب السوري في تجاهل للمجتمع الدولي بعد أن تأكدوا أن العين تغض الطرف عنهم ولا تصم فداحة جرائمهم. يقتل الأطفال والنساء بلا استثناء. عمليات «قتل» وإهانات واعتقالات تلف خواصر المدن السورية بلا استثناء حتى الأطباء لم يسلموا من الملاحقات والحرمان من «تطبيب» الجرحى والمصابين..

حتى الآن، سقط أكثر من 3 آلاف قتيل بينهم 187 طفلاً منذ اندلاع الثورة في آذار (مارس) الماضي، بحسب تصريح مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان؟ أي جريمة يمكن أن توصف هذه التي ينظر إليها العالم ويقف مكتوف الأيدي أمام جبروت نظام الأسد وحلفائه وأعوانه وأبواقه.

يمل المواطن العربي من «صمت» الحكومات ومن البيانات التي تصدر عنها بأدب جم لتخدير «ثورة» الشارع على أمل أن يتبلد الإحساس وتحبس الأنفاس فيموت الإنسان غيظاً وقهراً. إنه لأمر مخزٍ أن تعجز الدول العربية وجامعة نبيل العربي «الهشة» عن أن تمارس ضغطاً واضحاً على النظام السوري وتفضح ممارساته وتحمِّله أمام الأسرة الدولية مسؤولية عمليات القتل والتشريد والترويع وتقطيع أوصال البلاد، وتطالب علناً بالتدخل السريع لحماية شعب مغبون. أليس مربكاً أيضاً تماهي مجلس الأمن وعجزه عن اتخاذ قرار دولي يضع حداً للقتل والتعذيب الذي يتعرض له الشعب السوري على مرأى من العالم أجمع. أليس العالمان العربي والغربي هما من انتفض لنصرة الليبيين وحرك طائراته وسفنه الحربية لحمايته وطرد القذافي وزمرته فلماذا لا يتحرك ثانية لنصرة السوريين و»مصع رقبة» النظام «الأسدي» وشبيحته.

عقب زيارة وفد الجامعة العربية الأخيرة لدمشق ومقابلة الرئيس السوري بشار الأسد، خرجت مظاهرات ليلية في درعا وحمص وريف دمشق ودير الزور وحماة وأدلب، تعارض فكرة الحوار مع النظام السوري «القاتل»، ورفعت لافتات موجهة للجامعة العربية كتبت عليها: «كيف تريدون منا الحوار مع قتلة الأطفال والنساء؟ أليس كل الأعراف تدعو لمحاكمة القتلة لا الحوار معهم، إضافة إلى لافتات أخرى تقول «روسيا تعطي بشار الحماية الدولية، وإيران تعطيه السلاح، والعرب يعطونه الوقت». يعرف السوريون اليوم أن النظام مريض ومصاب بالاكتئاب والأرق وبدأت بعض قياداته في الانهيار والتفكير في الانشقاق. كما بدأ ضعف الأمن السوري يظهر للعلن ويسعى إلى اعتقال كل من يتحدث عن قرب سقوط النظام حتى لو كان من قبيل التنجيم. ويتناقل السوريون «طرفة» عن إحدى عرافات حوران عندما سئلت عن موعد سقوط نظام بشار، فقالت العرافة في موسم الليمون، وموسم الليمون مع بدايات كانون الثاني (يناير)، وعندما وصلت رواية العرافة إلى الأمن قام باعتقال تلك العرافة العجوز.

أظن أن عرافة حوران العجوز أكثر شجاعة من «ساسة» الجامعة العربية «العاطلة» التي إن تحركت فإن تحركها لمصلحة النظام السوري ومنحه مزيداً من الوقت لإكمال مهمة القتل والترويع. لقد تمادى نظام البعث في القتل والتنكيل وسحل الناس وتجاهل كل النداءات الدولية، وما تحرك الجامعة الأخير إلا أشبه ب «برفع اللوم» بعد أن اضطر الرئيس الإيراني أحمدي نجاد (حليف سورية) إلى إدانة عمليات القتل والمجازر خلال المقابلة التي أجرتها معه قناة «سي إن إن» العربية الأسبوع الماضي، ما منح تلك الجامعة حركة غير مفيدة حتى الآن.

يقول البعض إن العالم لا يفضل تحولاً ديموقراطياً في سورية، لجهة أن الطبيعة الداخلية يكتنفها تعقيدات إثنية وطائفية وأيديولوجية، ربما تحول من دون حدوث الاستقرار فيها، وربما يجعلها بيئة صالحة لتكاثر الإرهاب وتجمع حركات المقاومة المنفلتة، كما حدث في العراق، وتلك حجة واهية ومنطق فيه استغفال للعقل العربي وتذاكٍ عليه. بل إنه «الاسطوانة المشروخة» التي ترددها بعض الحكومات العربية والغربية من التفهم لمطالب الشعب السوري، لم تحركهم بل فضلوا «بلع اللسان»، وهو ما يبرهن على عدم وجود نية صادقة لدعم الشعب السوري وتجنيبه القتل وحمايته من مجازر النظام. وحتى وإن صحت تلك الرؤية «العمياء»، هل يترك الشعب السوري وحيداً أعزل يواجه الموت والتشريد والتعذيب في كل يوم وليلة من نظام لا يرحم بغية أن يقبل به «قسراً» ويستسلم له لوحشيته!

أعتقد أنه يجب على السوريين تجاوز نصائح «باعة الوهم» وتأبين الجامعة العربية وطلب الحماية من الأسرة الدولية ومناشدة المنظمات الحقوقية والإنسانية للتدخل لحماية شعبهم من «بطش» شبّيحة بشار وأعوانه.

=================

طائفية بشار

حمد الماجد

الشرق الاوسط

31-10-2011

كان تصريح الرئيس بشار الأسد صاعقا فجا غليظا، وفيه كل شيء إلا الدبلوماسية والعقل، قال لصحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية بأسلوب نيروني عنيف «تدخل الغرب في سوريا سيؤدي إلى زلزال يحرق المنطقة». هذا التهديد لا يختلف كثيرا عن تهديد زعيم عصابة خطف حاصرته قوات الشرطة، فيهدد بأن أي هجوم عليه سيؤدي إلى قتل الرهائن. لاحظوا إلى أي حد وصلت الصفاقة السياسية، يعني لو أن الرئيس بشار قال إن أي تدخل من الغرب سيؤدي إلى أن يثأر النظام السوري بطريقته في العمق الغربي لكان ذلك منطقيا، فالمعتدي هو الدول الغربية وليس دول المنطقة العربية، وعليه يكون القذافي أكثر رجولة، لأن معمر على الأقل حصر تهديده في الدول الغربية التي دكته قواتها الجوية بنيرانها الحارقة.

ولا يحتاج المحلل إلى مزيد ذكاء كي يستخلص «روح الطائفية» من تصريح الرئيس بشار. خذوها بالمنطق، لو افترضنا أن التحالف الغربي فعل بنظام سوريا ما فعله بنظام القذافي، فأغلق المجال الجوي، وبدأت التشكيلات الجوية لقوات الناتو في دك قوات النظام، كيف سينفذ بشار تهديده بحرق دول المنطقة وهو بالكاد لا يقدر على إطفاء الحريق الذي علق بثوبه؟ ليس هناك ما يقصده بشار غير الهلال الشيعي، وتحريك الخلايا الشيعية النائمة في دول المنطقة، طبعا ولا ننسى إطلاق حزب الله اللبناني للتحرش بإسرائيل، لا رغبة في النكاية بها، ولكن لحلحلة الأنشوطة المضروبة على عنق النظام السوري.

إذن فحليف بشار المارد الإيراني على أهبة الاستعداد لتحريك الخلايا النائمة في دول الخليج لوضع تهديد بشار بحرقها موضع التنفيذ، وقد أجرت إيران بالفعل عينة من هذا التهديد في العوامية في المنطقة الشرقية من السعودية، فقام بعض خلاياها النائمة بشغب وقف ضده الشعب السعودي بكل أطيافه قبل حكومته بحزم، وفهم خيوط اللعبة التي تركب موجة الحقوق لتنفيذ أجندة إيران وسوريا في المنطقة.. هذا الشغب كان حريقا صغيرا أو أشبه بالتدريبات العسكرية التي تسبق العمليات الكبرى أراد به المخططون أن يعرضوا قدراتهم على إشعال حرائق طائفية أكبر إذا تعرض الحليف الاستراتيجي السوري للخطر.

وأكبر دليل على صفاقة تصريح الرئيس بشار للصحيفة البريطانية أن دول المنطقة التي هددها بشار تلومها شعوبها لأنها لم تتخذ موقفا حازما من المجازر التي يرتكبها نظام الأسد في حق شعبه، وترى أنها «دللت» النظام أكثر من اللازم، وتلومها أكثر لأنها لم تعترف بالمجلس الانتقالي السوري، ولم تقاطع النظام لا دبلوماسيا ولا اقتصاديا، ومع ذلك فسيادة الرئيس يهدد ويزبد ويتوعد ويترك الذين يهددونه بالخيار العسكري.

وكعادة الأنظمة الديكتاتورية يصر الرئيس بشار في مقابلته مع الصحيفة البريطانية على أن نظامه يختلف عن أنظمة مصر وتونس واليمن، وهي سلسلة لا تنتهي من الأوهام التي ينسجها الديكتاتوريون لأنفسهم.. قالها النظام المصري بعد أن علقت به نار الثورة فهوى، وقالها نظام ليبيا فهوى، وقالها اليمن والآن يتهاوى، وسوريا ليست استثناء من سنن ثورات الشعوب، والغريب أن الرئيس بشار لم يذكر ليبيا، فلعله توقع نهاية مماثلة، فهناك مشتركات تجمع النظامين، منها أنهما الوحيدان اللذان استخدما الجيش في قمع الشعب. ومن تشابها في الوسيلة فحتما سيتشابهان في النتيجة.

=================

إذاً هو تهديد من الأسد

طارق الحميد

الشرق الاوسط

31-10-2011

في مطلع أكتوبر (تشرين الأول) نقلت وكالة «فارس» الإيرانية خبرا منسوبا لمسؤول عربي قالت إنه أبلغها بأن بشار الأسد قد قال لوزير خارجية تركيا إنه مع أول صاروخ يسقط على دمشق فإنه، أي الأسد، سيحرق المنطقة في 6 ساعات، وعلى الرغم من نفي النظام الأسدي للخبر، فإن الأسد نفسه عاد الآن ليقوله صراحة!

ففي مقابلة مع صحيفة «صنداي تليغراف» البريطانية قال الأسد إن القوى الغربية تخاطر بالتسبب في «زلزال» يحرق الشرق الأوسط إذا تدخلت في سوريا، ومضيفا أن بلاده هي «المحور الآن بالمنطقة.. إنها خط الصدع، وإذا لعبتم بالأرض فتتسببون في زلزال. هل تريدون أن تروا أفغانستان أخرى.. عشرات من أمثال أفغانستان» إلى أن قال الأسد بأن «أي مشكلة بسوريا ستحرق المنطقة بالكامل».

وتصريحات الأسد هذه هي نفس ما نسبته له الوكالة الإيرانية من قبل، حيث قالت «فارس» إن الأسد قد قال لوزير الخارجية التركي: «إن قوى عظمى كبيرة تدرك كل الإدراك أنه مع أول صاروخ يسقط فوق دمشق لأي سبب كان، فإنه بعد ست ساعات من سقوط هذا الصاروخ، سأكون قد أشعلت الشرق الأوسط، وأسقطت أنظمة، وأشعلت الفوضى والحرائق قرب حقول النفط الخليجية، وأستطيع أن أغلق المضايق المائية العالمية».. وأضافت الوكالة الإيرانية أن الأسد قال أيضا: «سنطلب من حزب الله اللبناني فتح قوة نيرانية على إسرائيل لا تتوقعها كل أجهزة الاستخبارات، كل هذا بالساعات الثلاث الأولى من الساعات الست، وبالساعات الثلاث الأخرى ستتولى إيران ضرب بوارج أميركية ضخمة راسية بمياه الخليج، فيما سيتحرك الشيعة الخليجيون لضرب أهداف غربية كبرى، وقتل أميركيين وأوروبيين حول العالم، إذ سيتحول الشيعة بالعالم العربي إلى مجموعة فدائيين انتحاريين صوب كل هدف يرونه سانحا، وسيخطفون طائرات شرق أوسطية».

وكما أسلفنا فلا فرق بين ما نسب للأسد بالوكالة الإيرانية وما قاله هو بنفسه للصحيفة البريطانية، وسبق أن كتبت في 8 أكتوبر تعليقا على خبر الوكالة الإيرانية بعنوان «رسالة من الأسد» قلت فيه إن الكلام المنسوب للأسد يجب أن ينظر إليه بجدية وعلى أنه رسالة من الأسد للمنطقة. واليوم، وبعد تصريحات الأسد للصحيفة البريطانية يتضح أن الأمر هو كذلك بالفعل، لكن الحقائق تقول، ولعلّ أحد العقلاء يعي ذلك في سوريا، إن التهديدات الفارغة من إحراق المنطقة، وخلافه، لا تغني ولا تسمن من جوع، وذلك أمر مثبت بالتجارب، فقد تردد نفس هذا الكلام قبل الغزو الأميركي للعراق، فأين صدام حسين اليوم، وكيف انتهى؟ وردد نفس الكلام معمر القذافي حين تقرر تحرك قوات الناتو ضد قواته التي كانت تعيث فسادا بالليبيين مثلما تفعل القوات الأسدية اليوم بسوريا، فيومها هدد القذافي الغرب بضرب الملاحة الجوية، والمدن الأوروبية، لكن أين هو القذافي، وكيف كانت نهايته، ويا لها من نهاية؟

وعليه، فمع التصريحات السورية المتشنجة الأخيرة، وأبرزها تهديدات الأسد، نستطيع أن نقول إن الأوضاع في سوريا دخلت منعطفا شديد الحساسية الآن، وأكبر دليل درجة انفعال النظام هناك.

==========================

مسؤوليات تركيا في العهد العربي الجديد

محمد زاهد جول

الحياة - السبت, 29 أكتوبر 2011

المتابع للموقف التركي من القضايا العربية يجد أن هناك ثلاثة محاور رئيسية للسياسة التركية، وكلها تؤشر على الرغبة التركية في التقارب مع العرب، ومنها ما يفرض مزيداً من الواجبات والمسؤولية على الشعب التركي والحكومة التركية معاً، فموقف تركيا من القضية المركزية للأمة العربية وهي قضية فلسطين أخذ مساراً جديداً في عهد حكومة حزب العدالة والتنمية، وذلك بتأييد المطالب الفلسطينية لدرجة قد لا تتساوى فيه دولة أخرى مع تركيا إطلاقاً.

أظهرت القيادة التركية تأييداً كبيراً لتحركات السلطة الفلسطينية الداعية إلى الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة، واعتبرت أن الاعتراف ليس منة من احد، وإنما هو حق الشعب الفلسطيني أن تكون له دولة معترف بها، على أرضه مثل بقية شعوب العالم.

ويظهر الموقف التركي من المبادرة الفلسطينية نحو الأمم المتحدة تناقضاً مع حركة حماس، التي كانت ترى في تركيا مؤيداً كبيراً لها، وربما كان عدم التنسيق بين تركيا و«حماس» أحد أسباب الاختلاف، وحال دون هذا التنسيق تعثر زيارة أردوغان إلى قطاع غزة، التي كان قد أعلن عنها قبل زيارته إلى القاهرة، وقد تمت الزيارة إلى القاهرة من دون ان يتبعها زيارة إلى غزة، وعلى العموم لم يصدر من الحكومة التركية معارضة علنية لموقف «حماس من المبادرة الفلسطينية في الأمم المتحدة.

المحور الثاني للسياسة التركية هو الموقف الجديد من إسرائيل الذي لم تستطع الحكومة الإسرائيلية تبينه على صورته الصحيحة في الوقت المناسب، بسبب عناد الحكومة الإسرائيلية الحالية التي يمثلها أفيغدور ليبرمان في وزارة الخارجية ونتانياهو في رئاسة الوزراء.

الحكومة التركية لم تكن تخطط لخلق صراع مع إسرائيل، ولكن قصر نظر الحكومة الإسرائيلية أفاد الحكومة التركية في كسب مواقف نبيلة وشجاعة أمام الشعب التركي والعرب وأحرار العالم، لأنها أولاً على حق في دفاعها عن حقوق مواطنيها الذين قتلوا وأصيبوا على متن أسطول الحرية، وهي على حق في أن لا تساوم على دماء شهدائها في سوق المصالح التجارية والسياسية، بل إن الحكومة التركية استثمرت العناد الإسرائيلي في عدم التصالح معها، في رفع رصيد علاقاتها الحسنة مع الدول العربية وعموم الشعوب العربية كما ظهر أثناء زيارة أردوغان إلى القاهرة وتونس وليبيا.

المحور الثالث هو محور التأييد التركي لمواقف الشعوب العربية في ثورات الحرية والديموقراطية والحقوق السياسية وبناء الدول العربية العصرية، وهذا التأييد مر في مراحل من الرغبة في أن تكون كافة التظاهرات ومطالب التغيير سلمية وغير عنفية، وقد توجهت بالنصيحة إلى الرؤساء العرب بقبول مطالب الشعوب، وإحداث التغييرات الواجبة بالطرق الديموقراطية، وعمل إصلاحات داخلية توافقية مع قوى المعارضة، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة في كافة مستوياتها، البلدية والبرلمانية والرئاسية، وعدم استعمال القوة لا من الأنظمة الحاكمة بهدف قمع التظاهرات السلمية، ولا من المتظاهرين سواء بهدف تغيير النظام بالقوة ولا باستعمال العنف في مواجهة قمع النظام، لأن ذلك يؤدي إلى إراقة المزيد من الدماء ويغير وجه الثورة السلمية، وقد يكون ذلك أحد أهداف النظام نفسه.

ولكن وبعد الاستعمال المفرط للقوة من النظام الليبي السابق، اضطرت الحكومة التركية إلى مساندة التحركات الدولية في حماية المدنيين الليبيين من بطش كتائب القذافي، وأجرت اتصالات مع المجلس الوطني الليبي الانتقالي واعترفت به وأمدته بالمساعدات المالية واللوجستية الضرورية لمواصلة قيامه بواجباته نحو الثورة الليبية، حتى سقوط النظام الليبي السابق، وقد أخطأ البعض في تفسير هذه التطورات في السياسة التركية، لأنهم لم يربطوها بالمتغيرات على أرض الواقع، وما كان كل نظام عربي يقوم به نحو شعبه، فلو تم التغيير في كافة الدول العربية بالطرق السلمية، لكان موقف الحكومة التركية واحداً منها جميعاً، ولكن اختلاف الأنظمة العربية في التعامل مع شعوبها، هو الذي فرض على السياسة التركية أن تكون متجاوبة أكثر أو بنوع مختلف من الدعم والمساندة الإنسانية أو الطبية أو المالية أو غيرها.

وقد تبدى الموقف التركي من سورية منذ انطلاق الثورة فيها، فقد أملت الحكومة التركية أن يستجيب النظام السوري لمطالب الإصلاح الداخلي، وأن يلتقي بقوى المعارضة الداخلية والخارجية، وإجراء إصلاحات حقيقية وجوهرية في بنية التركيبة السياسية وأجهزة الدولة وحرية العمل الحزبي والإعلام والانتخابات الحرة، وأبدت الحكومة التركية رغبتها بالمساعدة المباشرة في تنفيذ هذه الإصلاحات، ولكن تجاهل النظام السوري لهذه النصائح التركية، والمراهنة على الحل الأمني والعسكري هو الذي أدخل سورية في هذه الأزمة المستعصية.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ