ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 31/10/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

الأزمة السورية... على الموقد الأمامي؟!

نيكولاس بلانفورد - بيروت

ينشر بترتيب خاص مع خدمة

«كريستيان ساينس مونيتور»

تاريخ النشر: السبت 29 أكتوبر 2011

الاتحاد

بعد أن أنهى مقتل الرئيس الليبي السابق معمر القذافي تسعة أشهر مما بدأ ثورة ثم تحول إلى حرب أهلية، من المرجح أن يتركز الاهتمام الإقليمي والدولي اليوم بشكل أكبر على سوريا، البلد العربي الآخر الذي يرزح هو أيضاً منذ عدة أشهر في دوامة اضطرابات وأعمال عنف مناوئة للنظام. وفي هذا السياق، يقول آندرو تابلر، الخبير في الشؤون السورية بمعهد واشنطن ومؤلف كتاب نشر حديثاً حول ذلك البلد: "أجل إن الاهتمام سينتقل إلى سوريا، ولاسيما في وقت يزداد فيه العنف ويكبر فيه حجم انتهاكات حقوق الإنسان. وسيصبح الأمر كذلك بالخصوص في حال بدأ لاعبون إقليميون يدعمون فصائل مختلفة في البلاد".

والاحتجاجات، التي ازدادت وتقوَّت بعد انهيار نظام القذافي، اندلعت عبر أرجاء سوريا وفي كل أسبوع تبلغ الذروة في مختلف المدن السورية بعد صلاة الجمعة، وهذا ما وقع بالفعل يوم الجمعة الماضي الذي عرف حركة احتجاج عاصفة. وكانت قوات الأمن قد قتلت 16 مدنيّاً على الأقل قبل الظهيرة، 10 منهم سقطوا في مدينة حمص المشتعلة التي تحولت خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى البؤرة الرئيسية للنشاط المناوئ للنظام. وفي التينة، جنوب منطقة حوران، ظهر المتظاهرون على شريط فيديو وهم يهتفون "القذافي مات".

وقال ناشط معارض للأسد في حي باب عمرو المحاصر بمدينة حمص: "إن الأخبار حول (مقتل) القذافي لم تزدنا إلا عزماً وتصميماً على مواصلة ثورتنا"، وأضاف هذا الناشط الذي تم الاتصال به عبر موقع "سكايب" وطلب أن يشار إليه باسم "شادي" فقط خوفاً من عمل انتقامي: "لقد أعطانا ذلك شحنة معنوية كبيرة".

والحال أن إشارة المحتجين السوريين إلى التجربة الليبية كانت ربما هي المثال الأكثر دراماتيكية للكيفية التي امتدت بها تداعيات موت القذافي عبر المنطقة التي تم فيها بث مقاطع الفيديو للحظات الأخيرة للزعيم الليبي المخلوع، إلى جانب صور جثته وهو ميت، وقد ظلت تلك المشاهد تترى بشكل متكرر ومتواصل على شاشات القنوات التلفزيونية العربية.

وفي يوم الجمعة، قتلت قوات الأمن السورية 24 شخصاً على الأقل، من بينهم 19 شخصاً في حمص، حسب "لجان التنسيق المحلية" في سوريا، وهو ائتلاف معارض للأسد. وقد أصدرت اللجان بياناً يشيد بكفاح الليبيين ويعقد مقارنات مع سوريا. ومما جاء فيه: "إننا كمشاركين في معركة مماثلة من أجل الحرية نحيي الانتصار العظيم الذي حققه الشعب الليبي ونهنئه عليه... و(نؤكد أنه) لا تراجع عن مطلب الحرية".

غير أن وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" نفت التقارير التي تحدثت عن مقتل مدنيين على أيدي القوات الحكومية وقالت إن "مجموعات إرهابية مسلحة" قتلت جنديّاً ومدنيين في حمص وحماة.

هذا وقد أصبحت احتجاجات الجمعة حدثاً أسبوعيّاً عاديّاً في سوريا منذ بدء المظاهرات الكبيرة في مارس الماضي. ولكن بعض النشطاء يقولون إن القمع الحكومي الوحشي أصبح روتينيّاً أيضاً. يذكر هنا أنه إلى جانب الاحتجاجات السلمية، فإن بعض المعارضين للأسد حملوا السلاح أيضاً ضد الحكومة؛ ولكن حجم المعارضة المسلحة ما زال غير معروف. وتقول الحكومة إن المجموعات المسلحة التي تشتغل تحت "أجندة خارجية" -في إشارة مشفرة ربما إلى واشنطن وحلفائها الإقليميين- تعمل على تأجيج الاضطرابات.

وقد استقبلت مواقع التواصل الاجتماعي المرتبطة بحركة الاحتجاج السورية الأخبار القادمة من سرت بتلهف، وقامت بالإشارة على نحو متكرر إلى مقتل القذافي الذي قتل في تلك المدينة الليبية.

وفي هذا السياق يقول منصور، وهو فنان سوري مقيم في بيروت، إنه فر من بلده مخافة الاعتقال: "إن القبض على القذافي ومقتله وقعا في لحظة مهمة بالنسبة للسوريين". وأضاف منصور الذي طلب عدم نشر اسمه الكامل لأسباب أمنية: "لقد كانت المعنويات في الحضيض... ولكن هذا يرفع معنويات المحتجين".

وحسب بعض الروايات، فقد واجه المحتجون يوم الجمعة الماضي تعزيزات أمنية في ما قد يمثل مؤشراً على أن الحكومة السورية كانت تتوقع أن يقوي مقتل القذافي خصومها ويزيدهم ثقة. كما تحدث شهود في منطقة باب عمرو في حمص عن إطلاق نيران من مدافع رشاشة وأسلحة مضادة للطائرات ومركبات مدرعة، ومن ذلك الدبابات، وغيرها من مظاهر التسلح الثقيلة.

ومع ذلك، يقول بعض النشطاء، فقد خرج المحتجون في أماكن كثيرة، من ضمنها ضواحي العاصمة دمشق نفسها، وعمت الاحتجاجات العارمة معظم مناطق البلاد.

وحسب الأمم المتحدة، فقد قتل 3 آلاف على الأقل منذ بدء الانتفاضة في منتصف شهر مارس الماضي. وكانت الحرب الأهلية في ليبيا، حيث قاتل الثوار المدعومون من قبل قوات "الناتو" باستماتة إلى أن وصلوا إلى العاصمة طرابلس حيث حملوا قوات القذافي بشكل بطيء على التراجع والتلاشي حتى وصلت انتصاراتهم المتلاحقة إلى مقاومة الزعيم الليبي السابق النهائية في مسقط رأسه مدينة سرت حيث قتل في النهاية، وقد شكلت كل تلك المواجهات التي جرت في ليبيا قصة خبرية دراماتيكية قوية تلقاها السوريون بكثير من المتابعة والاهتمام. ولكن التأثير الأكبر للثورة في ليبيا يبدو صغيراً نسبيّاً مقارنة مع التداعيات الممكنة للانتفاضة في سوريا.

فتحت قيادة عائلة الأسد على مدى الأربعين عاماً الماضية، أمَّنت سوريا تحالفات قوية وثابتة. كما أنها تمارس أنواعاً مختلفة من التأثير عبر المنطقة، تتقاطع مع خطوط التصدع الرئيسية في الشرق الأوسط من النزاع العربي الإسرائيلي والتنافس بين الدول السنية العربية والشيعية غير العربية.

وفي حال انهار نظام الأسد وصعدت إدارة جديدة تعكس بشكل أفضل الأغلبية السنية في سوريا، فإن ذلك سيمثل خسارة لإيران التي تعد أقرب حلفاء الأسد في المنطقة، وسيُضعف ما يسمى "محور الممانعة" الذي يوحد بلداناً ومنظمات معارضة لإسرائيل والمصالح الغربية في الشرق الأوسط. ومع ذلك، وعلى رغم ارتفاع حصيلة القتلى في سوريا، إلا أنه لا توجد رغبة دولية قوية حتى الآن لنقل مهمة الدعم التي يقوم بها "الناتو" في ليبيا إلى سوريا.

وأكثر من هذا، فإن جامعة الدول العربية، التي أعطت إشارة الضوء الأخضر في البداية ل"الناتو" بخصوص الحملة الليبية، من غير المرجح أن توافق على تدخل غربي في سوريا؛ كما أن روسيا والصين، وهما عضوان دائمان في مجلس الأمن الدولي، ما زالتا تعارضان بشدة التدخل الأجنبي في سوريا على نحو ما جرى في الحالة الليبية.

غير أن المواجهة في سوريا أخذت تتحول تدريجيّاً إلى نزاع مسلح، إذ يعتقد أن "الجيش السوري الحر"، المؤلف من منشقين عن القوات السورية النظامية، مسؤول عن عدد متزايد من الهجمات على قوات الأمن حيث يقوم بنصب كمائن على جنبات الطرق، ويحاول عزل جيوب في شمال البلاد في محيط إدلب وبالقرب من حمص.

غير أنه إذا كان الانزلاق إلى نزاع مسلح أمراً متوقعاً على نطاق واسع من قبل المحللين، فإن ميزان القوة العسكرية في الوقت الراهن يرجح كفة النظام، بشكل واضح. وهذا يمكن أن يؤدي إلى تكثيف للنزاع ومزيد من أعمال العنف وسقوط عدد أكبر من الأرواح في وقت يقدم فيه اللاعبون الإقليميون المنافسون دعماً أكبر لفصائل مختلفة في سوريا.

وفي هذه الأثناء، وبينما يشارف دور "الناتو" في ليبيا على نهايته، يمكن القول إن نظام الأسد المحاصَر قد يشرع قريباً في تحمل وطأة ضغوط دبلوماسية دولية متزايدة خلال المقبل من الأسابيع.

=================

لحظة الحقيقة في سوريا

جيمس زغبي

تاريخ النشر: الأحد 30 أكتوبر 2011

الاتحاد

عندما علقت الجامعة العربية عضوية ليبيا ومررت قراراً يدعم فرض منطقة حظر جوي عليها قبل أشهر، بدا أن الأمر يتعلق بحالة خاصة وفريدة من نوعها لن تتكرر. ذلك أن القذافي كان قد سعى على مدى عقود إلى تحويل نفسه إلى شخص منبوذ. فتصرفاته الغريبة، وحكمه الإرهابي، وتصريحاته السياسية غير المعقولة لطالما أغضبت كثيرين عبر العالم العربي وأحرجتهم. وبالتالي، فإنه لم يكن أمراً مفاجئاً عندما قام الزعماء العرب، أمام تهديدات القذافي بارتكاب مذابح ضد المتظاهرين في بلاده، برفع أيديهم واتخاذ الخطوة غير المسبوقة المتمثلة في استدعاء تدخل خارجي لكبح جماح الرجل المجنون في المنطقة.

فهل يمكن أن يحدث ذلك مرة أخرى؟ هل من الممكن أن يتصرف زعيم عربي آخر على نحو جد سيئ إلى درجة يصبح معها عبئاً إقليميّاً وتهديداً للاستقرار في المنطقة؟ في ذلك الوقت، بدا الأمر مستبعداً إذ لم يكن يبدو أن ثمة مرشحاً منطقيّاً من بين الزعماء العرب الحاليين. وحتى أولئك الذين كانوا قد ارتكبوا فظاعات في بلدانهم لم يكونوا يمتلكون، على ما يبدو ما يلزم ليصبحوا معزولين مثل القذافي.

بيد أن نتائج استطلاع حديث للرأي أفرج عنها المعهد العربي الأميركي هذا الأسبوع تشير إلى أن حكومة الأسد قد تكون في طريقها إلى تقلد هذا الدور باعتبارها النظام المعزول الجديد في المنطقة. وقد قام استطلاع الرأي الذي أجري أواخر سبتمبر وأوائل أكتوبر باستطلاع آراء أكثر من 4 آلاف عربي في ستة بلدان هي المغرب ومصر ولبنان والأردن والسعودية والإمارات. وما يستخلص من نتائج هذا الاستطلاع هو إلى أي مدى أصبحت حكومة الأسد السورية معزولة ويُنظر إليها باستياء عبر العالم العربي برمته. إنه تحول لافت! فقبل ثلاثة أعوام فقط، طلب استطلاع مماثل للرأي في البلدان الستة، أجري لحساب جامعة مريلاند، من المستجوَبين الإشارة إلى اسم زعيم، ليس من بلدهم، يكنون له أكبر قدر من التقدير والاحترام، فحصل الأسد حينها على أعلى عدد من النقاط مقارنة مع أي زعيم عربي آخر. وقد أتى هذا التحول على نحو دراماتيكي في استطلاعنا لهذا العام.

وفي ما يلي بعض مما استخلصناه. أولا وقبل كل شيء، وجدنا أن الأغلبية الساحقة من العرب، في الدول الست التي شملها استطلاع الرأي، يقفون إلى جانب أولئك السوريين الذين يتظاهرون ضد الحكومة (إذ يتراوح الدعم لهم ما بين 83 في المئة في المغرب و100 في المئة في الأردن). وعندما سئلوا حول ما إن كان الأسد يستطيع الاستمرار في الحكم، فإن أعلى المعدلات التي ردت بالإيجاب في البلدان الستة التي شملها الاستطلاع لم تتعد 15 في المئة في المغرب و14 في المئة في مصر، في حين أن المعدلات الأخرى متدنية ولا تتجاوز الرقمين.

ولعل الأكثر دلالة وتعبيراً هو الدعم الضئيل الذي يحظى به الزعيم السوري في لبنان. فانطلاقاً من نتائج أخرى وردت في الاستطلاع نفسه، نستطيع أن نرى أن اللبنانيين لم يكفوا عن منح "حزب الله" معدلاً إيجابيّاً، وأن أكثر من نصف الشيعة اللبنانيين لديهم نظرة إيجابية تجاه الدور الذي تلعبه إيران في سوريا. غير أنه في ما يتعلق بالأسئلة التي تتعلق بالزعيم السوري، فمن الواضح أن أي دعم كان يتمتع به الأسد بين اللبنانيين في الماضي قد اختفى.

وهناك ملاحظات مهمة أخرى تُستخلص من هذه النتائج، وفي مقدمتها حقيقة أن تدخلات تركيا في الموضوع السوري تحظى بدعم الأغلبية في كل بلد عربي حتى الآن. كما يُنظر إلى دور السعودية بشكل إيجابي في كل بلد ما عدا لبنان. أما البلد الذي حصل على أدنى معدل عبر المنطقة بخصوص دوره في سوريا، فهو الولايات المتحدة (تليها إيران مباشرة)، وهذا ينبغي أن يكون بمثابة ملاحظة تحذيرية لصناع السياسات الأميركية. ذلك أنه على رغم دعوات البعض في المعارضة السورية وانتقادات بعض "الصقور" المحافظين في الولايات المتحدة الذين يرون أن على أوباما "أن يقوم بالمزيد"، إلا أن سوريا لا تبدو بلداً حيث سيكون التدخل الأميركي محل ترحيب -وبخاصة في مصر ولبنان والأردن والسعودية. ذلك أن سوريا ليست ليبيا، وذلك على رغم السلوك العنيف للنظام وعزلته الإقليمية المتزايدة. إنها ليست ساحة حيث يمكن ل"الناتو" أن يتدخل، لأن مثل هذا التدخل لن يؤدي إلا إلى خلق مزيد من التوترات، وربما الحروب خارج حدود سوريا.

والواقع أنه بعد إرسال الجامعة العربية بعثة إلى سوريا مؤخراً لإعطاء النظام فرصة أخيرة من أجل إنهاء العنف وبدء حوار وطني يفضي إلى الإصلاح وانتقال السلطة، فإنه سيكون من الأفضل تقديم الدعم لمثل هذه الجهود الإقليمية التي تروم حل هذه الأزمة. غير أن ما يبعث على القلق هو أنه لا الحكومة ولا المعارضة تبدوان مهتمتين في الوقت الحالي بالمفاوضات؛ حيث ما زال النظام يعتقد على ما يبدو أنه يستطيع الفوز، وذلك لأنه يدرك أنه ما زال يحظى بدعم تلك المجموعات المتخوفة من التغيرات التي قد تحدث في حال فازت المعارضة. ومن جهة أخرى، فإن المعارضة، الساخطة بسبب استمرار العنف والقمع، لم تُظهر أي مؤشر على أن العنف قد نال من عزمها وتصميمها. بل على العكس، فهي تقوت وازدادت جرأة جراء الدعم الدولي الذي تتلقاه، وباتت تقابل الحكومة بتصليب لمواقفها.

غير أنه يتعين على كل الأطراف أن تتوخى الحذر وألا تسمح باستمرار هذا الوضع. فعلى رغم بشاعة ما نشاهده من صور لمحتجين عزل وهم يُقتلون في الشوارع، إلا أن الوضع في سوريا يمكن أن يزداد سوءاً. على أن أكثر ما يبعث على القلق اليوم هو الخوف من تصاعد النزاع وتحوله، في ظل لجوء منشقين عن الجيش السوري ومعارضين محتجين آخرين إلى العنف، إلى حرب أهلية شاملة يمكن أن تؤدي إلى تضاعف حصيلة القتلى الحالية بعشرات المرات أو أكثر. فالعواقب قد تكون وخيمة، ليس بالنسبة لسوريا فحسب، وإنما بالنسبة للمنطقة برمتها.

وعليه، ينبغي أن تدق أجراس الخطر في كل مكان لأنه لا يمكن أن يكون من مصلحة أحد السماح للوضع الحالي بالاستمرار في الخروج عن السيطرة، والذي لاشك أنه سيخرج عن السيطرة إذا لم يفعل أحد شيئاً لوقفه. ومما لاشك فيه أن مبادرة الجامعة العربية، والجهود الإقليمية الرامية إلى إنهاء إراقة الدماء والقمع، وبدء مفاوضات جدية تفضي إلى عملية انتقالية تفتح الطريق أمام سوريا حرة وديمقراطية تحترم حقوق كل شعبها وتحميها، ينبغي أن تحظى بدعم دولي واسع.

=================

كيف أمكن لبشار الأسد البقاء في سلطة أبيه؟

المستقبل

30-10-2011

يصدر خلال أيام، عن دار رياض الريس، كتاب ستيفن هايدمان "التسلطية في سوريا  صراع المجتمع والدولة"، ترجمة عباس عباس ومراجعة رضوان زيادة.

ننشر هنا مقتطفات من مقدمة المؤلف التي وضعها خصيصاً للطبعة العربية قبل اندلاع الثورة الشعبية في سوريا:

في العاشر من حزيران من سنة 2000 مات الرئيس السوري حافظ الأسد، محدداً نهاية السيطرة الاستثنائية لمدة ثلاثين عاماً في قمة السياسة السورية. حتى اللحظة الأخيرة من حياته بقي حافظ الأسد غامضاً بشكل جدي حول من سيخلفه، وقد توقع الكثيرون ان ابنه بشار الأسد سيسير على خطى والده، لكن هذا الاحتمال لم يقدم سوى القليل حيال تبديد المخاوف حول ما اذا كان انتقال السلطة سوف يثير نزاعا يمكن ان يتداعى الى صراع مفتوح.

عمد حافظ الأسد الى شخصنة القيادة الى حد بعيد جداً في سوريا بحيث ان موته طرح، على نطاق واسع، اسئلة أساسية حول الاستقرار السياسي والصراع الاجتماعي واستمرارية حزب البعث في السلطة. فعبادة الشخصية التي بنيت حول حافظ اأسد على مدى عقود كانت، بحلول أجله، قد كسفت تماما الشخصيات الأخرى في السياسة السورية بحيث تمت ترجمة موته على انها مؤشر احتمالي الى انحلال نظام الحكم بأكمله في سوريا. مع ذلك لم تحدث تلك الاحتمالات المتنبأ بها، اذ لم يمض سوى أيام قليلة على وفاة حافظ الأسد حتى تحركت النواة الداخلية للنظام لاصطناع مشهد مهيب للخلافة، بغرض تكريس بشار رئيساً على طراز يتماشى مع النظام الملكي اكثر منه مع النظام الجمهوري. ان التشديد على الادارة السلسة لانتقال القيادة السورية يعكس النية الواضحة لدى النظام في ابراز الالتزام الراسخ بالاستقرار والاستمرارية والسلم الاجتماعي.

واليوم، بعد عقد كامل من احتلال مناصب والده كرئيس للجمهورية والقائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة والأمين العام لحزب البعث، هناك نقطتان حول الأحداث التي وقعت في صيف 2000 تستحقان التذكر: الأولى، داخل سوريا، فقشرة الوحدة الوطنية لدعم بشار، لم تخف، في الواقع، تلكؤ بعض الأقسام داخل النخبة الحاكمة، فيما قسم قليل منها رأى لولائه ودعمه والثانية، متعلقة بالأولى، فوصول بشار اثار شكوكاً معتبرة، داخل سوريا وخارجها على السواء؛ حول سلطة الرئيس الشاب ودوام حكمه. هل سيعيش، وان عاش فإلى متى؟ هل كان يتحكم فعلا بروافع السلطة في سوريا أم كان مجرد دمية يشد خيوطها الحرس القديم لنظام والده؟ وكانت الاجابات عن هذه الأسئلة، في معظمها، غير مطمئنة؛ فبعد أسبوع واحد فقط من وفاة حافظ كان أحد الخبراء الأميركيين البارزين يتنبأ بموت بشار. كتب هذا المحلل في 18 حزيران: "ان صعود بشار الأسد السريع والسلمي والمنظم خادع. فسوريا خلال الاشهر القادمة على الأرجح ستكون اي شيء ما عدا ان تكون مسالمة ومنظمة؛ فالأسد الصغير سيكون عليه مواجهة تحديات طاغية بسرعة كبيرة، وفي الحقيقة سيكون محظوظاً اذا اتم عامه الأول في منصبه".

بالفعل، خلال فترة الانتقال وما تلاها بعدة سنوات، كان الرأي السائد ان بشار ظل لوالده؛ وقائد ضعيف وغير مجرب، وهش أمام المناورات، أو موكَّل يمكن ازاحته بسهولة عندما تشتد المعركة ويتفاوض الحرس القديم على تقاسم جديد للسلطة..

كانت هذه المحاكمة غير دقيقة بوضوح. بدا بشار اكثر أماناً في منصبه مما كان قبلاً، فقد تغلب على تحديات هامة لمنافسين داخليين، ووضع مريديه المخلصين في مراكز أساسية. وهكذا فقد خاض غمار الأمواه الغادرة لسياسات المنطقة خلال مرحلة من الضغط الاستثنائي إثر الغزو الأميركي للعراق. لقد تغلب على، أو على الأقل صمد أمام، سلسلة من العقبات التي كان لها كبير الاثر عليه، كتلك التي تلت اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في شباط 2005، مثل الانسحاب القسري المهين للقوات السورية من لبنان، والخطر الجاسم للمحكمة الدولية. ان المحافظة على استقرار نظام حكم البعث واستمراره لا تقل أهمية؛ فبالرغم من التغيرات الحاصلة في عدد من المجالات لا سيما تلك المتعلقة بادارة الاقتصاد، بقيت الأدوات الأساسية لسيطرة النظام سليمة. فبشار يواصل دعمه لدور حزب البعث ونقابات العمال ووسائل الاعلام والاتحادات الحرفية بوصفها امتداداً لسلطة النظام، كما يبحث عن طريقة للتكيف مع، وليس التعديل الجذري في أطر العمل الدستورية التي تسمح للنظام بتوجيه سياق العلاقات بين الدولة والمجتمع في سوريا.

ان هذا السجل من الأداء يطرح أسئلة هامة، بما يتضمنه من مغاز تساعد في كيفية فهم السياسة السورية وتحليلها. ببساطة تامة: لماذا حاد الكثير من المحللين للسياسة السورية عن الصواب؟ ما الذي اغفلوه وسبب لهم اساءة تقدير كفاءة بشارة الاسد في احكام قبضته على السلطة.

ان ما سبب الكثير من (اساءة الحكم) في التحليل المتعلق بانتقال القيادة السورية كان، باختصار، التركيز أحادي التفكير على الشخصيات. وكما كانوا على مدى عقود، شدد محللو النظام الجديد على المدى الذي كان فيه نظام الحكم متمركزاً حول شبكة صغيرة من الصفوة المهيمنة، التي يعد الكثير من أفرادها امتداداً لعائلة الأسد وملازمين لحافظ الأسد لفترة طويلة. أخيراً، في الفترة التي تلت اغتيال رفيق الحريري، بات من الدارج في الولايات المتحدة تشبيه النظام السوري بأنه مجرد مافيا. وصارت الصفوة الحاكمة تقارن بعائلة كورليوني في فيلم "العراب". قليل جداً من هؤلاء المراقبين نظروا الى ما وراء الشخصيات وابدوا اهتماماً بما اسمِّيه "نظام حكم"؛ بمعنى الترتيبات المؤسساتية والاجتماعية الأساسية التي تشيد هيكلية آليات الحكم وتحدد نماذج العلاقات بين الدولة والمجتمع.

هؤلاء المحللون مصيبون بالتأكيد في ملاحظتهم لأهمية "سياسة الأعيان" المتفككة والمثيرة للشقاق، التي كانت ملمحاً ثابتاً في السياسة السورية. مع ذلك اهملوا على طول الخط المدى الذي وصله بشار بميراثه الذي كان اكثر بكثير من مجرد شبكة من الصفوة المتسمة بالشخصنة والمحسوبيات والطائفية. وكادوا يغفلون تماماً حجم الدعم الذي تعتمد عليه السياسة السورية وقوة سلطة بشار شخصياًَ، وهو أكثر بكثير ما يوفره بضعة أفراد بارزين.

شأنه شأن أبيه، أفاد بشار الأسد من عملية بناء المؤسسات وتوسع الدولة التي امتدت لزمن طويل يمكن تتبعه بالعودة الى تاريخ سوريا في السنوات الأولى بعد الاستقلال. ان احداث الخمسينات والستينات من القرن العشرين هي التي وضعت الأسس لنظام الحكم الذي انشأه البعث خلال السنوات الأولى من حكمه على وجه التحديد. في هذا السياق لعب البعث دوراً حاسماً في صياغة اطار مؤسساتي لنظام تسلطي متين في سوريا خلال الأعوام 1963  1970. لكن هذا النظام لم يبدأ من لا شيء؛ فقد كانت لديه مواد كثيرة ليعمل عليها؛ وقد استفاد قادة الأحزاب انفسهم من ميراث البناء المؤسساتي الذي حصل قبل ان يقبض حزب البعث على زمام السلطة في انقلاب آذار 1963. والحقيقة ان البعث صعد الى السلطة بعد عقود عدة من التنامي الملموس لدورالدولة وتضخم بيروقراطيتها، حيث انتقلت مسائل أساسية في عملية ادارة الاقتصاد، بما فيها من قضايا العدالة في التوزيع والتفاوت الاقتصادي، الى قلب الميدان السياسي.

لا يمكن بأي حال من الأحوال التقليل من شأن هذه التغيرات الأعمق، التي شكلت حجر الأساس في تمكين البعث، وهوالوحيد من بين الأنظمة التسلطية الشعبية من الشاكلة نفسها، من بناء نظام تسلطي متجذر وإعادة توزيع الحكم بعد انقلاب آذار 1963، وانشاء أطر عمل مؤسساتية كان من شأنها توفير الاستقرار لذلك النظام. فمن خلال هذه المؤسسات  الحزب الحاكم ونقابات العمال والاتحادات الحرفية ووسائل الاعلام والبيروقراطية والجيش وجهاز الاستخبارات  كان قادة البعث قادرين على فرض سيطرتهم على المجتمع السوري العنيد جداً، ولكن على الأقل الشفاف والديموقراطي جزئياً ايضا. هذه الأدوات هي التي جعلت من الممكن للبعث في السنوات التالية لعام 1963 أن يتحرك، ولكن أيضاً ليحتوي ويدير القوى الاجتماعية الحضرية منها والريفية، التي عكّرت صفو السياسة السورية منذ الاستقلال، وأن يحكم السيطرة على القطاعات الاقتصادية القائدة وعلى البيروقراطية والجيش، وأن يزيد أنظمة المجتمع المدني والحياة المؤسساتية، ويمدّ الوجود الحزبي الى حقول التعليم ووسائل الإعلام، ويقمع المعارضين منهم بفاعلية أعلى بكثير مما كانت لدى أي حكومة سورية سابقة.

إن السمات الجوهرية لسوريا المعاصرة كانت حاضرة سلفاً عندما أزاح حافظ الأسد نورالدين الأتاسي وصلاح جديد جانباً في 16 تشرين الثاني 1970 واستأثر بالسلطة لنفسه. ولكي يؤمّن قبضته على السلطة ويقوّي نظامه، استخدم حافظ الأسد المؤسسات القائمة، ووسّع آمادها وأعطاها (ولنظامه أيضاً) أسساً اجتماعية أقوى خلال المرحلة الأولى من الانفتاح، وحوّلها الى نظام حاكم متماسك ولو قمعياً جلب لسوريا أطول فترة استقرار سياسي في تاريخها المعاصر. وهذه ليست إنجازات عادية، على الرغم من وجوب عدم التقليل من الثمن الذي دفعه السوريون لنجاح حافظ الأسد.

تبقى تلك الأجهزة المؤسساتية مهمة اليوم كما كانت البارحة، حتى لو ميّزنا التغيرات التي اعترتها في العقود التالية لصعد حافظ الأسد الى السلطة. تبقى لهذه الأدوات أهميتها في فهم السبب وراء قدرة بشار على تعزيز قبضته على السلطة منذ 2000، وتعليل استمرارية النظام الذي يقوده الآن. فهي مهمة، على الأقل، الى المدى الذي تُثقل فيه الضغوط الإقليمية والدولية كاهل بشار، أو السياسة الفئوية التي هددت قبضته عل السلطة في بعض الأوقات.

إن الافتراض بأن هذه المؤسسات تهم بشار كما كانت تهم والده لا يعني أن نقول أن هذه المؤسسات قد بقيت من دون تغيير على مدى العقود الأربعة الماضية. فإذا كان الإطار المؤسساتي العريض الذي يحدد الحكم التسلطي في سوريا قد أظهر استمرارية ملحوظة مستمرة في وجه الموجة العالمية للانتقال الى الديموقراطية خلال العقود من السبعينات الى التسعينات فإنه ليس جامداً أو راكداً في الزمن كما يتراءى لبعض محللي السياسة السورية. وبالفعل فإن إحدى أهم سمات التسلطية السورية هي المرونة والمقدرة على التكيّف، تلك التي أظهرها النظام عندما تغيّرت البيئة المحلية والإقليمية والدولية عبر الزمن. فالنظام السوري تحديداً، مثله كمثل أنظمة عربية أخرى، كان قد شارك في عملية كنت دعوتُها في أماكن أخرى: "تحديث التسلطية" الذي يعيد تشكيل استراتيجيات الحكم من خلال عمليات التكيّف من الأعلى الى الأدنى، والمصمّمة لتأمين حياة النظام على المدى الطويل.

من مزايا التحديث أن يتخذ أشكالاً متنوعة، متأثرة بالتوترات الخاصة التي تواجه كل نظام على حدة، وسيكون من الخطأ أن نضخم ترابطها؛ فليس هناك طراز أو نمط وحيد اتبعته الأنظمة العربية، كما لا ينبغي أن نبالغ في مقدرة الأنظمة العربية على امتصاص وتطبيق الإبداعات في السياسة. مع ذلك، فالتحديث قد صيغ بوضوح بما يمكن تسميته: "التعلم التسلطي"، حيث الدروس والاستراتيجيات التي نشأت داخل الشرق الأوسط وخارجه على حد سواء، انتشرت عبر المنطقة منتقلة من نظام الى نظام، وقد خضعت للتعديل خلال العملية. الأنظمة تتعلم بعضها من بعض وغالباً من خلال المشاركة الصريحة في التجارب لكنها تتعلم أيضاً من مراقبة التجارب في مناطق أخرى. وأخيراً انبثقت الصين بوصفها نموذجاً للاهتمام الخاص لدى الحكومات العربية التي تستكشف طرقاً لتحسين الأداء الاقتصادي من دون الإذعان للسيطرة السياسية، أكثر من ذلك فإن التعلم يتجاوز الافتتان بالطراز الصيني.

في سوريا كما في باقي بلدان المنطقة، نجح التحديث عبر التجربة والخطأ أكثر من التصميم المتعمّد من جانب نظام الأسد. إضافة الى ذلك، وبالتعارض مع مصر والأردن والمغرب، كان النظام السوري كارهاً بشدة للمغامرة في مقاربته للتغيير، مفضّلاً اتخاذ خطوات متواضعة جداً وشديدة البطء ومعطياً لنفسه الوقت لقياس الآثار الناجمة عن كل زيادة في التغيير قبل المباشرة بأي تغيير إضافي. مع ذلك، فإن آثار التحديث مرئية في أماكن عدة؛ فالنظام لطّف من معارضته للتيارات الإسلامية ضمن المجتمع السوري من دون المساومة على التزامه بالطائفية، واستكشف استراتيجيات جديدة لإدارة النزاع الطويل بين الدولة السورية والحركات الإسلامية. فقد استجاب، بانتقائية، لمطالب اللبرلة الاقتصادية واندماج الاقتصاد السوري في الأسواق العالمية، كما وسّع الفرص للنخب الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن رؤية العروض الطنّانة لثرواتها المتزايدة في شوارع أحياء دمشق مثل أبو رمّانة والمالكي والمزّة.

يضاف الى ذلك أن النظام السوري، كباقي نظرائه في دول المنطقة كلها، قد طوّر تقنيات لإدارة وتسهيل الوصول الشعبي الى الإنترنت وتقنيات الاتصال الجديدة التي كانت تعدّ، حتى وقت قريب، حوامل محتملة للأفكار الديموقراطية وبالتالي قوى يجب مقاومتها. كما ميّزوا أيضاً أن الحكم التسلّطي غير متضارب مع، بل إن بقاءه يمكن حقيقة أن يعتمد على تقوية طاقة الدولة والخدمات العامة من خلال برامج مثل: الإصلاح المدني الخدمي وإصلاح التعليم وإصلاح سوق العمل، وكل من هذه الإصلاحات قبلت بها حكومة بشار الأسد بطرق محدودة.

=================

لبنان وسوريا: وحدة المصير والمسار في مواجهة الربيع العربي

فؤاد سلامة

باريس

المستقبل

30-10-2011

لطالما تغنى الساسة اللبنانيون بوحدة المصير والمسار بين البلدين الشقيقين اللدودين. أكثر ما تصدق هذه المقولة في هذه المرحلة الحرجة لكلا البلدين وبالأخص لكلا النظامين. إنها مرحلة دقيقة وغير مناسبة البتة للمدافعين التقليديين عن هذه المقولة، وخاصة مع استشراف النظام السوري لتغييرات عميقة من المؤكد أنها ستطال بنيته الهيكلية وتركيبته السياسية في العمق. هذا يعني أن حصول هذه التغييرات اليوم أو غدا قد يصيب باليتم طبقة سياسية لبنانية واسعة صعدت وأمسكت بمفاصل بلدها لبنان بفعل الدعم غير المحدود للنظام السوري الممانع والمستبد. كما أن ثقافة سياسية مهيمنة اتسمت بطابع هجومي وانتصاري سوف تصاب بنكسة كبيرة جراء افتقادها للزخم التعبوي الذي أمنته لها انتصارات أكيدة لنهج الممانعة الإستبدادية الذي كانت تقوده سوريا في العالم العربي.

بغض النظر عن الشماتة التي قد يعبر عنها الكثيرون من خصوم نهج الممانعة، لا ينبغي للقائلين القدامى بوحدة المصير والمسار أن يتراجعوا عن مقولتهم تلك، لأن تراجعهم ذلك سيجعل منهم أضحوكة في نظر الخصوم. وهم بعدم تراجعهم عن تلك المقولة سيكون عليهم أن يلاقوا أولئك الخصوم من أبناء وطنهم في منتصف الطريق، لأن هؤلاء الخصوم الذين كانوا رافضين لهذه المقولة حتى الأمس القريب، بدأوا مراجعة حقيقية لموقفهم وأصبحوا الآن من محبذي وحدة المصير والمسار بين لبنان وسوريا، بعد أن اكتشف الجميع فوائدها على البلدين مع وصول رياح التغيير الديمقراطي إلى سوريا. إذا حصل هذاالتلاقي بين "المعسكرين" المتنازعين، فسيكون ذلك من أهم "بركات" الربيع العربي على الشعبين اللبناني والسوري، اللذين ذاقا مرارات وحدة المصير والمسار في طبعتها الديكتاتورية وحان لهم أن يذوقوا الآن حلاواتها.

لا بد أن نذكرأولا الدور السلبي الذي لعبه النظام السوري في تأجيج النزاعات الطائفية في لبنان، هذا البلد الذي تنخره سوسة العصبيات الطائفية منذ أمد طويل. لم يخلق النظام السوري تلك السوسة ولكنه رعاها بعنايته الفائقة عندما اكتشف أهميتها لاستمرار تحكمه بوطن الأرز، فغذاها بما يلزم من مقويات. وقد بلغت الطائفية أعلى ذراها مع اغتيال الحريري الأب وما أعقب ذلك من انفلات للمذهبية التي هي أعلى درجات الطائفية. ورغم خروج الجيش السوري من لبنان، فإن الرعاية السورية للأحقاد الطائفية والمذهبية تتابعت فصولا وإن بشكل غير مباشر عبر الأطراف المتحالفة معها في لبنان. وهذه الأطراف وجدت أخيرا في الموقف من الحراك الشعبي السوري الدرامي ما يعمق الشرخ الذي أحدثه اغتيال الحريري الأب. فها هم حلفاء النظام السوري وخصومه يتبادلون الإتهامات بشأن الموقف من النظام ومن الحراك الشعبي المستمر في مطالبته بالحرية، كما تبادلوا سابقا السهام بشأن المسؤولية عن الإغتيال. وبدلا من التوحد هذه المرة في دعم الشعب السوري، الذي يدعي الطرفان محبته، يزداد الإفتراق : طرف مع الشعب ضد الجلادين والمستبدين، وطرف مع النظام ضد "المخربين والمتآمرين".

في احتضاره الذي يبدو أنه سيكون طويلا ومكلفا، كما في صعوده البطيء والمتعرج والمكلف أيضا، شكل النظام السوري مادة خلافية رئيسية بين اللبنانيين تضاف إلى سلة الخلافات التي ما فتئت تمتلىء بفواكه الخلاف المرة وبالرواسب التي تمد جذورها في التاريخ القديم. وكلما خيل للبنانيين أن بالإمكان إعادة تشكيل الإجماع اللبناني حول أمور أساسية كالمواطنة والديمقراطية والعروبة العلمانية، كان جهابذة الطائفية المتخفون خلف شعارات الوطنية والإصلاح، يعيدون شحن جمهورهم بما يلزم من منشطات خطابية وتهم وتخوينات متبادلة تخفي احتكارهم للسلطة وخيراتها.

في الوقت الذي تتعمق فيه الهوة بين الشعب السوري ونظامه، يزداد الشرخ ظاهريا بين اللبنانيين، وفي الخلفية خوف المرتبطين بالنظام السوري من فقدان حليفهم القوي في سوريا وانكشاف ظهرهم بين عدو معلن في الجنوب و نظام غير ودود يمكن أن يتشكل في الشمال. مخاوف تبدو مفهومة عند جمهور عانى من إسرائيل الويلات على امتداد أكثر من أربعين سنة. ولكنها، تلك المخاوف، لا ينبغي، منطقيا، أن تكون سببا لابتعاد جماعة المقاومة وأهلها عن شعب سوري منتفض ضد الظلم ومطالب بالحرية والكرامة، على غرار بيئة المقاومة التي طالما تغنت بالإنتفاض على الظلم عبر تاريخ ما انفك الشيعة يستحضرونه في ندبياتهم الشهيرة "ليتنا كنا معكم". ها هو الشعب السوري مظلوما وشهيدا أمام أنظار العالم: أليس من الجدير أن نكون إلى جانبه؟ نتساءل هنا عن مصلحة المقاومة وجمهورها في العودة الى المربع الطائفي دفاعا عن نظام مستبد يوغل في دماء شعبه وفي لحظة تاريخية تعيد الشعوب العربية فيها اكتشاف ذواتها وهوياتها الوطنية الجامعة والموحدة في نضالها من أجل الحرية والديمقراطية وحقوق المواطنة.

اللحظة الراهنة تؤكد أكثر من أي وقت مضى صحة مقولة وحدة المصير والمسار بين نظامين وبلدين هما لبنان وسوريا. وأكثر من يكتشف صحة هذه المقولة الآن هم الرافضون،حتى أمس قريب، متوجباتها ونتائجها. يبدو جليا وساطعا كسطوع الشمس الترابط الوثيق بين النظام الديكتاتوري المكشوف في سوريا والنظام الديكتاتوري المقنع في لبنان حيث أن الواحد يتغذى من الآخر ويستقوي به. بالتالي سيكون العكس صحيحا، أي أن انهيار الواحد أو إضعافه سينعكس بنفس الوجهة على الآخر،عاجلا أو آجلا.

وحدة المصير والمسار بين الشعبين اللبناني والسوري يجعلها الربيع العربي أكثر واقعية لأن اكتمال هذا الربيع في سوريا سيؤدي الى قيام نظام تعددي ديمقراطي في سوريا، وفي لبنان لاحقا، نظام يسمح للأقليات والأكثريات بالعيش من دون خوف من استبداد أو إضطهاد ومن دون "ضمانات" أوحماية من ديكتاتورهنا أو هناك. وتلك الوحدة ستلغي الحاجة لوهم "حلف الأقليات"، الذي لا يحمي أحدا، والذي اكتسب مؤخرا نصيرا كبيرا، هو بطريرك الموارنة الجديد. وحدة المصير والمسار في حال تحققها واكتمالها في دولة فدرالية أو كونفدرالية لبنانية سورية ستلبي في نفس الوقت تطلعات القوميين والعروبيين كخطوة أولى نحو وحدة عربية أوسع على غرار الإتحاد الأوروبي، وهي لا شك سترضي الإسلاميين المتنورين كخطوة نحو سوق اقتصادية عربية إسلامية أشمل، وسوف ترضي الليبراليين دعاة التكامل الأقتصادي بين دول المنطقة في إطار حر وديمقراطي. كل سيجد ضالته في وحدة لبنانية سورية طوعية ومتدرجة شرطها الأول التسليم بقيم اليمقراطية الأساسية : التعددية والإنتخابات الحرة وتداول السلطة. وهكذا وحدة ستحقق حلما عزيزا على قلب المنادين بسوريا الطبيعية والكبرى، الذين اعتقدوا يوما أن أقصر طريق لتحقيق حلمهم هو دعم النظام السوري الإستبدادي. وحدة لبنان وسوريا ستكون ممكنة وستشكل مصلحة عليا ومطلبا واقعيا للشعبين في حال زوال الديكتاتورية في البلدين. وأول الغيث على الشعبين سيأتي من سوريا حرة وديمقراطية، كما حل البلاء من سوريا ديكتاتورية على الشعبين الشقيقين.

=================

المؤامرة على سوريا!!

حلمي الأسمر

الدستور

30-10-2011

أهدى نظام الأسد جامعة الدول العربية، ولجنة الوساطة العربية المنبثقة عنها، نحو أربعين شهيدا يوم الجمعة، عربون إيمانه بالحوار، قبل يوم واحد فقط من موعد جلسة الحوار الثانية المقررة اليوم، إنها «ورقة» عمل ملطخة بدم الشعب السوري الثائر، وصفعة على وجوه من امتدحوا الأسد وحوارهم معه، حين قالوا: إن أجواء الحوار كانت جيدة ومثمرة، بالفعل كانت كذلك، يبدو أن محاوري الأسد كانوا يعانون من زكام مزمن، كي لا يشموا رائحة القتل والدخان الشائعة في مدن وقرى سوريا!

جامعة الدول العربية تعطي المهلة تلو الأخرى لنظام الأسد كي يقتل المزيد من ابناء شعبه، شأنها في ذلك شأن إسرائيل، وما يسمى المجتمع الدولي، فالكل «ينتظر» لحظة انتصار الدم على البارود كي يتدخلوا بشكل فعلي، لنسبة النصر لهم، العرب يحاولون مد طوق النجاة للنظام، وهو يرفض، لأن قدر الله ماض في هذا النظام .

حتى الآن ثمة من يعتقد أن هناك «مؤامرة» على سوريا الأسد، سوريا المقاومة والممانعة، هؤلاء لا يقرؤون ولا يسمعون، ففي آذانهم وقر، وفي عيونهم عمى، ومن لا يصدق أن قصة المؤامرة محض افتراء وكذب وتدليس، عليه أن يطالع رؤية مركز بحوث الأمن القومي الاسرائيلي، كي يدرك حجم الكذب في قصة المؤامرة على سوريا، بل سيدرك أن وجود هذا النظام مؤامرة على الأمة العربية، لأنه يحمي إسرائيل، ويمدها بأسباب الأمن والديمومة!

اسرائيل لا يمكنها (بل لا تريد) التأثير على ما يجري داخل سورية، كما يقول التقرير، ولكن لا ريب أن اسرائيل ستتأثر بكل سيناريو.

السيناريو الاول هو ان يبقى الاسد في الحكم لسنوات عديدة اخرى. ويوجد في اسرائيل من يرون في هذا السيناريو الامر المرغوب فيه او على الاقل أهون الشرور. ارئيل شارون رفض في العام 2005 مبادرات اُقترحت عليه لاستغلال الضعف السوري المؤقت عقب اغتيال الحريري والضغط لاخراج القوات السورية من لبنان والعمل باتجاه اسقاط الاسد. قدر شارون، بان السيناريوهات البديلة ستكون أسوأ لاسرائيل. إذا ما بقي الاسد في الحكم سيضطر الى استثمار جل جهوده في تعزيز حكمه من الداخل وكذا في تعزيز شرعيته الدولية. في هذه الظروف من المعقول الافتراض بانه لن يبحث عن مواجهة عسكرية مع اسرائيل، بل ويحتمل أن يقلص المساعدات التي يقدمها لحزب الله. هذا السيناريو لن يغير الفرضيات الاسرائيلية الاساس تجاه هذه الجبهة، ولكن اذا ما تحقق فسيزداد الاحتمال في أن يستمر الهدوء السائد على طول الحدود الاسرائيلية مع سورية!

وحسب السيناريو الثاني سيسقط حكم الاسد وسورية ستدخل في فترة طويلة من انعدام الاستقرار والصراعات الداخلية. هذا الوضع سيضعف سورية، ولكن في نفس الوقت سيزيد نفوذ ايران في الدولة ويزيد امكانية استفزازات تقوم بها جماعات مختلفة ضد اسرائيل. وحسب هذا السيناريو فان التهديد العسكري السوري لن يزداد بل سيقل، ولكن الهدوء على طول الحدود سيكون اقل استقرارا وأمنا.

حسب السيناريو الثالث سيصعد في سورية حكم سوري ديني، وهذا سيتبنى مواقف أكثر كفاحية تجاه اسرائيل. نظام كهذا وإن كان من شأنه أن يفقد جزءا من دعم ايران (منوط بالموقف الذي سيبلوره النظام الجديد في موضوع التوتر الذي بين ايران والدول السنية في الخليج العربي)، ولكن من شأنه أيضا أن يتخذ خطا اكثر مغامرة تجاه اسرائيل بل ويحاول ان يعيد لنفسه بالقوة هضبة الجولان، الامر الذي يخاف بشار الاسد عمله، أو على الاقل تحرير اللجام في كل ما يتعلق بالنشاط على طول «الحدود» مع اسرائيل.

حسب السيناريو الرابع سينشأ في سورية نظام ديمقراطي بقدر ما من الميول الواضحة المؤيدة للغرب. لا ريب أن مثل هذا الامر سيكون بشرى سيئة لايران وأكثر من ذلك لحزب الله، ولكن ليس معناه بالضرورة استعدادا فوريا لاتفاق سلام مع اسرائيل. يبدو واضحا أن كل نظام عربي جديد سيضمن نفسه اذا ما اتخذ موقفا معاديا تجاه اسرائيل. ومع ذلك، فمثل هذا السيناريو لا بد سيشجع عناصر دولية للضغط سواء على اسرائيل ام على النظام الجديد لادارة مفاوضات للوصول الى اتفاق سلام (واعادة هضبة الجولان).

هذه هي رؤية الاستراتيجيين اليهود للوضع في سوريا، ويبدو جليا ان وجود الأسد ونظامه كان ولم يزل «ذخرا» استراتيجيا لإسرائيل، وتغيير هذا النظام هو فعلا مؤامرة ليس على سوريا بل على إسرائيل!

=================

سورية: مأزق السياسة وروتين القتل

الأحد, 30 أكتوبر 2011

عبدالله إسكندر

الحياة

لعل اسوأ ما تواجهه الحركة الاحتجاجية في سورية هو تحول القتل اليومي للمعارضين أمراً روتينياً. واصبحت الارواح التي تزهق على ايدي القوات الحكومية ارقاماً تتكرر في نشرات الاخبار، في انتظار غد يحمل ارقاماً مماثلة. من دون ان يثير سقوط هذا العدد الكبير من ضحايا آلة القمع أية مشاعر بضرورة وضع حد للمآسي الانسانية والاجتماعية الناجمة عن استمرار القتل، قبل أي شيء آخر. ومن دون ان يحرك قوة دفع سياسية، سواء في الداخل او من الخارج.

المناشدات الخارجية الكثيرة لوقف اللجوء الى القوة في مواجهة المعارضة السورية لم تؤثر قيد انملة في قرار السلطات اعتماد القتل كرد وحيد على المتظاهرين. اذ ان كل الاعلانات الرسمية في شأن الاصلاح لم تقنع أحداً، بمن في ذلك مطلقيها. اذ ان الف باء الاصلاح والحوار تعني وقف القتل وسحب القوات العسكرية والامنية من الشوارع. الامر الذي لم يحصل حتى الآن، وإن كان التبرير مواجهة «المجموعات المسلحة».

كما ان انشقاق افراد عسكريين عن الجيش واعلانهم البدء بعمليات ضد القوات الحكومية، يوفر تبريراً للحملات العسكرية على مناطق باكملها، وإن كان يعبّر عن تزايد الاستياء من زج الجنود في قتل المدنيين والانحياز الى مطالب المعارضة.

يعبّر دخول الازمة السورية في روتين القتل عن المأزق السياسي الذي وصل اليه الجميع. اي ان الاطراف كلها فقدت القدرة على اعادة قراءة معطيات الازمة وطبيعة المواجهة، والقدرة على التأثير في مجرياتها.

مع الجمود في مجلس الامن، بفعل الموقفين الروسي والصيني اللذين ساهما في تعزيز نظرية الحل الامني لدى الحكم السوري، وصلت الاجراءات المنفردة الى اقصى مداها، لجهة العقوبات والضغط السياسي. ويبدو ان ثمة فتوراً بدأ يعتري الموقف التركي رغم تكرار لازمة ضرورة الاصلاحات الجدية. وحتى الحل الذي اقترحته الجامعة العربية لا يُقدر له تخطي بعض اللقاءات مع المسؤولين السوريين، نظراً الى فقدانه اي عنصر ضغط جدي، ناهيك عن قناعة دمشق بعدم جدواه ورفضها لعناصره التي تدعو الى وقف القتل وتحريك الحل السياسي.

وفي هذا المعنى، وفي ظل غياب اي افق سياسي، يترادف روتين القتل مع روتين الدوران في حلقة مفرغة بشأن الحل. وربما تراهن السلطات السورية على هذا الروتين من اجل استبعاد الحل السياسي وانهاك قدرة المحتجين على التحرك، عبر انزال اقصى الخسائر في صفوفهم، واعتبار ان انهاكهم وحده يضع حلاً لتحركهم.

ففي الوقت التي بات القتلى عدداً في نشرات الاخبار، ثمة رهان على ان يتحول تزايد سقوط الضحايا الى عنصر ضغط على المحتجين، وان تفادي القتل لا يكون الا بالاذعان لقرارات السلطة. ولا يتردد كثر، في السلطة وبين حلفائها، من ترداد ملاحظة انحسار عدد المشاركين في التظاهر، لاستنتاج ان الحل الامني بدأ يعطي ثماره.

لكن هذا الرهان يصطدم يومياً بالقتل الروتيني اليومي، ما يعني ان المحتجين لم يقتنعوا بعد بالاذعان وانهم تجاوزوا هذه المرحلة الى الاصرار اليومي على النزول الى الشارع ورفع مطالبهم. ولم يؤثر تضييق السلطات الخناق عليهم، سواء عبر الاجراءات او التصدي العنيف، الا على نسبة المشاركة في بعض المناطق. لكن هبوط هذه النسبة يعبّر في الوقت نفسه عن تمسك أشد بالمطالب، وان لا عودة الى الاذعان، كما في السابق.

=================

الخوف على المسيحيين في سوريا!

فايز سارة

الشرق الاوسط

30-10-2011

بين وقت وآخر تطالعنا تصريحات أو دراسات ومقالات تحمل مخاوف على مستقبل المسيحيين في سوريا، ومنذ انطلاق حركة الاحتجاج والتظاهر في مارس (آذار) الماضي، والتي تحولت إلى ثورة شعبية واسعة، تزايد الحديث عن المخاوف، وصار الحديث عنها جزءا من الحديث عن الثورة والمستقبل، وهو حديث لا يمكن فصله عن أحداث وتطورات شهدتها بلدان المنطقة في العقود الأخيرة، والتي برزت فيها مخاوف جدية وأخرى مصطنعة حول الوجود المسيحي في بلدان المنطقة، وبصورة أقل حول الوجود المسيحي في سوريا.

إن الأبرز والأهم في أحداث المنطقة وتطوراتها، التي أثرت في مخاوف المسيحيين السوريين على وجودهم ومستقبلهم، يمكن رؤيته في أربعة تطورات أساسية، أول هذه التطورات ما أحاط بالوجود المسيحي في فلسطين، حيث أدت سياسة إسرائيل وسط صمت إقليمي ودولي إلى تهجير وطرد أغلب المسيحيين خارج وطنهم، بمن فيهم مسيحيو القدس، وقد تم تمرير تلك السياسة وسط أقل قدر من الضجيج وبأساليب استطاعت من خلالها إسرائيل تمرير سياساتها من دون أن تترك ردود فعل إقليمية ودولية معترضة ورافضة لعملية إبعاد وتهجير الفلسطينيين، وكان التطور الثاني ممثلا بما حدث في لبنان من مجريات حرب أهلية بين عامي 1975 و1990، والتي لبست في أحد التعبيرات طابع حرب بين المسيحيين والمسلمين، وقد أدت في نتائجها إلى إعادة صياغة الواقع اللبناني وتوازناته الدينية والطائفية، وكان من نتائجها إضعاف موقع المسيحية السياسية وخروجها من موقع القيادة الأولى للتوزع حول محوري المسلمين السنة والشيعة.

أما التطور الثالث فكان بروز التطرف والتحريض الديني في العديد من دول المنطقة مع بداية السبعينات، وتصاعده بدعم ظاهر وضمني من أجهزة وهيئات رسمية في العديد من الدول، وقد أدى هذا التطور إلى احتقانات وصدامات في العديد من الدول بين المسلمين والمسيحيين على نحو ما صار إليه الوضع، خاصة في مصر والسودان، حيث توجد أعداد كبيرة من المسيحيين في عداد مواطني البلدين. والتطور الرابع يمثله ما حدث في العراق بعد الحرب الأميركية عليه في عام 2003، والتي كان من نتائجها استهداف المسيحيين هناك، وهي عملية غلبت عليها الطبيعة الإجرامية، وأن لم تخل من أسباب دينية - طائفية، وكان من نتائجها تهجير وإبعاد قسم كبير من مسيحيي العراق خارج وطنهم في خطوة تكاد تماثل ما أصاب المسيحيين في فلسطين.

وسط تلك التطورات يمكن فهم الأساس في مخاوف وخوف مسيحيي سوريا على وجودهم ومستقبلهم. غير أنه لا ينبغي الذهاب بعيدا حول تأثير هذه التطورات، لأن مسيحيي سوريا لم يتأثروا بصورة مباشرة بما نتج عن تلك التجارب والوقائع، بل إنهم على العكس، استطاعوا ليس الحفاظ على استقرار أوضاعهم، بل رؤية مجموعهم السوري وهو يقدم الدعم والمساندة لإخوانه من مسيحيي فلسطين ولبنان والعراق ويحتضنهم في محنتهم، ويساعدهم على تجاوز بعض ما أحاط بهم، فقدم موئلا آمنا لكل من قصده من مسيحيي الجوار.

وإذا كانت التطورات الإقليمية محدودة التأثير على مسيحيي سوريا، فإن هذا ينقلنا إلى التطورات والعوامل الداخلية، وأغلبها تطورات وعوامل لا تخص المسيحيين وحدهم، إنما تخص مجموعهم السوري كله نتيجة عوامل متداخلة، جعلت من المسيحيين مندمجين في سياق التركيبة السكانية السورية في بعديها البشري والاقتصادي، كما جعلتهم مندمجين في البنى السياسية والاجتماعية والثقافية مع محيطهم العام، وإن كان ذلك لا يعني أنهم ليست لهم خصوصيات يمكن رؤية أبرزها في إطار غلبة صفة الفئات الوسطى على وجودهم، ولهذا الوضع أسباب منها النسب الأعلى للتعليم في أوساطهم، وهو أمر ينطبق على المهن أيضا، ومحدودية عدد أفراد الأسرة، وتوجه النساء نحو العمل، وارتفاع معدلات الدخل ومستويات المعيشة وغير ذلك.

إن أوضاع أغلبية المسيحيين السوريين العامة والمعيشية تجعلهم أميل إلى الاستقرار، مثلهم في ذلك مثل معظم الفئات الوسطى السورية، لا سيما المتمركزة في دمشق وحلب، وهي الفئات التي تظهر قلقها إزاء المستقبل خاصة في ظل ما تشهده سوريا من أحداث وتطورات لا يظهر لها حسم قريب.

ووسط هذا الوضع العام، تدخل تفصيلات يتم الاشتغال عليها من جانب النظام وأطراف داخل المجتمع بصدد المسيحيين السوريين، أولاها النظر إليهم باعتبارهم «أقلية» في إطار تقسيم سوريا إلى أكثرية وأقليات، وهي فكرة تستوجب سعي كل واحدة من الأقليات إلى تأمين «حماية»، وهذه يمكن أن يوفرها النظام الحالي طبقا لما يشاع. ورغم أن هذه الفكرة لا تتوافق مع الواقع في كثير من حيثياتها وتفاصليها، فإنها يجري تدعيمها مع فكرة التخوف من حكم الأكثرية الإسلامية السنية، واحتمال إقامة نظام يستند إلى الشريعة الإسلامية، مما يعني هضم حقوق وربما اضطهاد المسيحيين، وربما الأسوأ في هذه المنظومة نشر إشاعات تثير مخاوف المسيحيين بالتزامن مع بروز بعض تعبيرات ذات صبغة دينية في أوساط المجتمع ذي الأغلبية الإسلامية، وفي أوساط بعض المتظاهرين، وكلها تدفع نحو وقوف المسيحيين إلى جانب النظام في ضوء ما يجري في سوريا.

ومما لا شك فيه أن منظومة تخويف المسيحيين من المستقبل لا تصمد أمام حقائق موازية، لعل الأبرز فيها أن المسيحيين في سوريا جزء مندمج في محيطه، وأنهم ما زالوا يلعبون دورا في مسار ريادي أسهموا فيه بقوة من أجل التحرر القومي والمعرفي عبر القرن الماضي، والذي ثبت خلاله تعايشهم وتفاعلهم مع محيطهم الاجتماعي والسياسي بما فيه الجماعات الإسلامية، فيما تستمر نخبة منهم حاليا في المشاركة في حراك التغيير، بالتزامن مع تأكيد مجموعهم السوري وحرصه أكثر من أي وقت مضى على وجودهم وحضورهم في حاضره ومستقبله، ليس فقط من خلال الشعارات التي يرفعها المتظاهرون حول سلمية الثورة، ولا في تأكيد مسارها نحو تعزيز الوحدة الوطنية للسوريين جميعا، بل من خلال تأكيد أن الهدف النهائي لحراك التغيير الحالي يسير باتجاه دولة ديمقراطية مدنية، توفر العدل والمساواة والمشاركة تحت سيادة القانون لكل مواطنيها، وهو توجه من شأنه الإطاحة بكل مخاوف وتخوفات المسيحيين السوريين إزاء المستقبل.

=================

متى سيقتل 10 سوريين فقط!

أسامة الرنتيسي

الغد الاردنية

30-10-2011

معدل القتل في سورية أصبح حوالي 25 يومياً، وأكثر من 90 قتيلاً سقطوا واللجنة الوزارية العربية الموفدة من الجامعة العربية موجودة على أرض الشام تشرب من بردى وتشتم فلّ دمشق الأبيض ويشاهد أعضاؤها ما يحدث من مجازر هناك. وأبشّركم بأن أعضاء هذه اللجنة الموقرة قد غضبوا غضباً شديداً مما يحدث، فأرسلوا رسالة إلى النظام السوري يبدون فيها امتعاضهم، فالحمد لله أنه أصبح لديهم امتعاض ضد نظام فاشي لم يعرف العرب قديماً أو حديثاً -ولن يعرف مستقبلاً- أكثر إجراماً منه ضد شعبه، وخنوعاً وذلاً أمام عدوه، وانبطاحاً واستسلاماً مع صديقه، وأعني بصديقه إيران التي أصبحت تتحكم في الشأن السوري كما النظام السوري في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الفائت مع لبنان، والراجح أن الولي الفقيه الآن أصبحت أعباؤه مضاعفة، فبالإضافة إلى أنه يعيّن ويصادق على أعضاء مجالس الحكم لديه مثل علي أكبر لاريجاني وعلي أكبر رفسنجاني إلى علي أكبر سيستاني أصبح يعيد تعيين المسؤولين العسكريين السوريين السابقين مثل علي حبيب وعلي حيدر وعلي دوبا وعلي أصلان وعلي علي وغيرهم، وذلك لضرورة المرحلة ولوازم القتل والخبرة في التعامل مع المجازر والمقابر الجماعية وحروب الإبادة.

لقد قلت سابقاً إن العالم شريك في القتل مع النظام في سورية، وهذه القناعة تترسخ لدي يوماً بعد يوم، إذ كيف لعاقل أن يفهم أن كل قوة عالمية ذات شأن تقوم بدورها في إعطاء الفرص للنظام السوري حتى يوقف أعمال القتل، مثلاً تركيا أعطت الأسد ثلاث مهل لإيقاف القتل وانتهت المهل ولم يتوقف القتل بل ازداد ضراوة وشراسة، ثم قامت روسيا بإعطاء النظام مهلتين أيضاً، وكل ذلك ذهب أدراج الرياح، والآن الجامعة العربية تعطي الأسد مهلة 15 يوماً وتنتهي بعد يومين، ولا ننسى أنها أثناء المهلة "تمتعض" من استمرار عمليات القتل وازديادها.

ربما سنصل إلى قناعة بعد أيام بأن العالم أصبح خالياً من الأحرار، وأن ما كنا نسمعه عن حركات التحرر العالمية لم يكن سوى تمثيلية تراجيدية نهايتها غير مبكية قياساً مع الدم النازف من "قلب العروبة النابض"، وعلى الرفاق الذين اعترضوا سابقا وسيعترضون اليوم على كلامي هذا أن ينظروا أين تشافيز ومواقفه من الشعوب، وأين الأخوان كاسترو ونضالهما ضد الاستعمار والاحتلال، وأين شيوعية الصين، وأين كيم جونغ إيل وغيره مما يحدث في دمشق وأخواتها؟ ألا يوجد لدى هؤلاء التحرريين قنوات إخبارية يشاهدون فيها جثث الأطفال المتشظية وأجساد الفتيات المسكوب فوقها الأسيد ورؤوس الشباب المقطوعة؟ أم أنهم يتابعون القناة الإخبارية السورية والقناة "الدنيا" وقناة الرأي فقط؟

إن الإنسانية مطالبة بأن تثبت أنها ماتزال موجودة الآن أمام ما يجري من قتل وقصف وتشريد وترهيب وتدمير في الأراضي السورية، فطالما أن مجلس الأمن عاجز ومشلول بالفيتو الروسي الصيني، وطالما أن الجامعة العربية تمتعض، وطالما أن ما يحدث في سورية شأن داخلي في نظر بقية دول العالم، إذن يكون المنتفضون المساكين هناك أصابوا عندما سموا إحدى جمعاتهم ب "الله معنا"، وبهذا لا يحق لأحد أن يحاسب هذا الشعب المقهور على أي تصرف يقوم به، سواء بالمطالبة بتدخل عسكري تركي أو غربي أو حتى شيطاني، ولا يحق لأحد أن ينظّر على المنشقين عن الجيش الأسدي بألا يستخدموا السلاح، فثمانية أشهر مدة كافية ليثبت الشعب أن ثورته بقيت سلمية أمام آلة القتل كل هذا الوقت، وهو يناشد وينادي ويصرخ ولا مجيب.

بدأنا نسمع الآن من جهات دولية وأممية رسمية عن ازدياد حالات الانشقاق عن الجيش الأسدي، وأظن أن هذه الطريقة هي السبيل الوحيد المتوافر حالياً ليحقق الشعب مطالبه ويسقط النظام ويحاكم المجرمين، اللهم إلا أن تتكرم إسرائيل وتعطف على هذا الشعب المطحون فتوحي لأصدقائها الأميركان والإنكليز والفرنسيين وغيرهم بأن ساعة الصفر دقت، وأن بشار فقد شرعيته من وجهة نظر تل أبيب، وعندها ستكون الهدية الكبرى للشعب السوري مقدمة على طبق من ألماس بيد نتنياهو وجماعته.

osama.rantisi@alghad.jo

=================

لا فرق بين سوريا وليبيا القذافي

طارق الحميد

الشرق الاوسط

30-10-2011

منذ تصريح رئيس وفد اللجنة العربية من دمشق عن ودية اللقاء الذي جمعهم مع بشار الأسد سقط ما يزيد على سبعين قتيلا سوريا على يد قوات النظام، وفي يوم الجمعة الماضي وحده كان هناك خمسون قتيلا!

الوفد العربي الخاص بمبادرة الجامعة تجاه سوريا لم تنطلِ عليه حيلة النظام الأسدي، وهي قبول المبادرة ثم تفريغها من مضمونها، حيث أصدرت الجامعة العربية بيانا مساء الجمعة تستنكر فيه استمرار القتل بسوريا من قبل النظام، الذي بدوره فقد صوابه ورد على البيان، أمس، ببيان يعلن فيه استغرابه من البيان العربي! وحرب البيانات هذه تعني بالطبع فشل المبادرة العربية، وفشل النظام الأسدي بالتقاط تلك الفرصة، وتلقين الجامعة العربية درسا، كما ذكرت بإحدى المقالات من قبل، واليوم فإن على الجامعة العربية نفسها أن تلقن النظام بدمشق الدرس المستحق، ليس لأننا في لعبة استذكاء، أو فرد عضلات، بل من أجل حقن الدم السوري من نظام يريد البقاء بالحكم ولو بقتل الشعب.

على الجامعة العربية الآن أن تعود إلى استخدام اللغة التي يفهمها النظام الأسدي جيدا، وتفعيل الخيار الوحيد المتبقي تجاه النظام بسوريا، وهو ليس أمرا جديدا؛ بل قامت الجامعة بتنفيذه من قبل بحق نظام القذافي بليبيا، وهو تجميد عضوية النظام الأسدي بالجامعة والاعتراف بالمجلس الوطني السوري، ومطالبة مجلس الأمن باتخاذ ما هو لازم لحماية المدنيين بسوريا. على الجامعة فعل ذلك اليوم ليس انتقاما من النظام الأسدي، بل من أجل عدة أمور مهمة؛ أولها هو حماية المدنيين السوريين من آلة القتل، وثانيها لكي لا تكون الجامعة العربية مزدوجة المعايير حيث تصدت للقذافي قبل أشهر، بينما تبدو اليوم وكأنها تشتري الوقت لنظام الأسد، ولكي لا تكون الجامعة أيضا شريكة لحزب الله والنظام الإيراني بالدفاع عن الأسد، خصوصا أن وزير خارجية إيران قد أعلنها صريحة على صدر صحيفتنا قبل أيام بأن طهران مع إعطاء الأسد فرصة، والأمر الآخر هنا هو أن تحرك الجامعة المطلوب، بتجميد عضوية النظام الأسدي والاعتراف بالمجلس الوطني السوري، يعد بحد ذاته خطوة ضامنة لكي لا يخرج بيننا من جديد من هم مثل صدام حسين، أو معمر القذافي، أو بشار الأسد، فهذا دور الجامعة العربية، وعليها أن تقوم به اليوم، وأكثر من أي وقت آخر.

فبفشل المبادرة العربية - الفاشلة تماما - تكون الجامعة، وتحديدا بعض الأعضاء فيها، قد أعطت النظام الأسدي الفرصة الألف، ولكن لا حياة لمن تنادي، وبالتالي فإن عليهم اليوم استغلال كل فرصة متاحة لحماية المدنيين السوريين. فالجميع اليوم بات على قناعة تامة بأن لا أمل بالنظام الأسدي، ولا أمل بأي إصلاحات يعد بها، فهذا النظام لا يجيد إلا لغة التنكيل الوحشية.

وعليه؛ فقد حاول النظام بسوريا التذاكي على الجامعة، لكنه وقع في شر أعماله، وبالتالي فإن الكرة، وهي من نار، باتت بيد الجامعة التي عليها أن تتذكر جيدا أن لا فرق اليوم بين النظام الأسدي ونظام القذافي البائد.

tariq@asharqalawsat.com

==========================

في مقابلة خاص ل infopal .. المحرر نائل البرغوثي : الاسرى لا يطلق سراحهم من خلال اعتصام او مفاوضات بل من خلال المقاومة والضغط على الاحتلال

محمد عوض- رام الله

أكد عميد الاسرى الفلسطينيين السابق لدى الاحتلال نائل البرغوثي ان الاسرى في السجون الاسرائيلية لا يتم تحريريهم لا من خلال مناشدات ولا صفقات لحسن النوايا لأنه لا يوجد للاحتلال النية الحسنة تجاه الاسرى وانما من خلال العمل الجدي والفعال والحصول على العوامل التي تجبر العدو على التنازل والخضوع.

 في الرابع من حزيران من العام 1978م اقدمت القوات الاسرائيلية في منتصف الليل على اقتحام منزل الشاب نائل البرغوثي الذي كان يبلغ من العمر 19 عاما لتكسر ذلك الصمت والهدوء الذي كان يخيم على حياة البرغوثي ببرائته وطفولته لتعتقله وتقتاده لسجون الاحتلال" في ذلك اليوم اقدم الاحتلال على مصادرة حريتي وقتل انسانيتي التي سلبها مني حين اقدم على اعتقالي مستخدما العنف الجسدي والنفسي ولابعد الحدود.. تعرضت للضرب والشبح".

  بعد فترة طويلة من التحقيق والعذاب وجهت المحكمة الاسرائيلية تهمة للبرغوثي بالمشاركة بقتل جندي اسرائيلي باستخدام السلاح الابيض بالتعاون مع مجموعة مكونة من اربعة اشخاص كان من بينهم الاسير المحرر فخري البرغوثي" لقد حكموني زورا وظلما.. نحن لم نذهب الى ديارهم خارج فلسطين لقتالهم.. لكنهم هم الذين جاءوا الى ديارنا وارضنا وصادروها واستولوا عليها.. فنحن كنا في حالة دفاع عن انفسنا وارضنا.. وهذا الحق تكفله كل الشرائع والاديان السماوية".

 اصدرت المحكمة الاسرائيلية حكما بالسجن المؤبد على الاسير نائل البرغوثي الذي اصبح يردد كلمات واناشيد في المحكمة ويقول" قلنا مع بعضنا اغنيه .. هذي طريقنا اخترناها .. هذي تحدي وجمرة نار.. لن نحول لن نتحول.. ولو بحبة رمل.. بنعز القدس وبنعز الرملة، لتتحول المحكمة الى ساحة اشتباك بيننا وبين الجنود الاسرائيليين الامر الذي ادى الى اصابة الاسير فخري البرغوثي اصابة مباشرة وهو في قاعة المحكمة، سمع هتافنا كل الاسرى داخل المعتقل واصبحت والدتي ترقص بعصاتها الفلاحية الفلسطينية".

 

مقابر الاحياء

 

  نقل نائل البرغوثي من قاعة المحكمة الى غرف السجون ليزج به خلف القضبان الحديدية " لقد كانت السجون عبارة عن حاضنة ومختبر تجارب من العذاب الجسدي والنفسي ضد المعتقلين واهاليهم.. حاربونا محاربة ثقافية من خلال منع الكتب والصحف بشكل ممنهج من اجل ايقاف دائرة الحياة.. يمارسون التعتيم الاعلامي ضد الاسرى.. نحن في قبور لكننا احياء".

 مارس السجان اقسى الطرق من اجل التضيق على الاسير نائل ورفاقه داخل السجن" لقد عاملنا السجان معاملة سيئة منعوا عنا العلاج الطبية بشله الصحيح.. ضيقوا علينا من خلال زيارات اهلنا.. كنا نقابل الاهل من خلف القضبان ليتحول ذلك ونقابلهم من خلف الزجاج ونتكلم معهم عن طريق الهاتف".

 ويكمل البرغوثي حديثة متذكرا تلك الايام الشاقة ويقول" الاسير في العالم له مساحة محددة ضمن الحقوق العالمية للاسير، لكن وباعتراف السجان الاسرائيلي ان الاسير الفلسطيني لم يأخذ الحد الادنى من ذلك الحق".

  ويابى السجان الا ان يحول حياة الاسرى في السجون الى مقابر من خلال العزل الانفرادي داخل الزنازين" عشت الكثير من الاوقات داخل الزنازين الانفرادية ليقوم السجان بعزلي عن اخواني في المعتقل، ويعتبر السجان ذلك العزل محاولة للانفراد بالاسير وابعاده عن الاسرى الاخرين من اجل تعريضه للاعتداء والضرب وكسر ارادته".

  وبالرغم من كل الممارسات التي يمارسها المحتل الاسرائيلي على المعتقلين الا ان هناك طريق واحد وسلاح واحد يمتلكه السجين هو الاضراب عن الطعام حسب ما يقوله المحرر نائل البرغوثي" لا يملك الاسير الا سلاحا واحدا هو الاضراب عن الطعام .. وهذا الاضراب هو من المعارك الشرسة التي يخوضها الاسرى من اجل تحقيق ابسط المطالب التي تمكننا العيش داخل السجون.. نمتنع عن الاكل وزيارات الاهل.. توصل بنا الحال الى الاضراب لمدة 20 يوما عن الطعام في عام 2000م في معركة الامعاء الخاوية، وكل ذلك من اجل تحقيق مطالب يكفلها لنا القانون العالمي للاسرى"

 

رحيل الأحبة

 

تمر على السجين مراحل واوقات صعبة يتعرض خلالها للتعذيب والاهانة، يقابلها المعتقل بالصبر والثبات.. لكن هناك اوقات لا يستطيع خلالها الا احتساب امره الى الله " بعد عام 2004م وبعد ان مضى على اعتقالي 26 عام اصبحت الاخبار المؤلمة تتوالي علي.. فأمي التي تحفى اقدامها وهي تتنقل بين السجون من اجل لقائي وتنتظر خبر الافراج عني من اجل عناقي يأتيني خبر شكل لي صاعقة في حياتي الا وهو خبر فاة والدتي".

 قبل وفاة والدة الاسير المحرر نائل البرغوثي أصدر الاحتلال قرارا بمنع والدته من الزيارة بحكم انه لا يوجد صلة قرابة بين الاثنين" اصدر الاحتلال قبل وفاة والدتي قراراً يمنعني من اللقاء بوالدتي.. باستثناء ذلك اللقاء الذي اعتبرته انجازا وطنيا.. حين قام السجان بالسماح لوالدتي بزيارتي.. ولكن كيف تم ذلك.. فوالدتي اصبحت على فراش الموت.. ليتم نقلها على حمالة بواسطة سيارة الاسعاف فكانت تلك اللحظات الاليمة"

ويسترسل البرغوثي قائلا" والدتي التي فعلت لي كل ما بوسعها من اجل ان اعيش.. فاليوم انا قابض خلف القضبان لا استطيع ان افعل لها شيئا فهي على وشك ان تفارق الحياة.. لقد امتزجت المشاعر مع بعضها مشاعر الفرح والحزن والالم.. بدأت الحياة تدب في والدتي من جديد بعد ان حضنتني وهي مستلقية على فراش المرض.. ولكن بعد ان اخرجوا والدتي من امامي وصلني خبر وفاتها بعد شهرين لتفارق الحياة".

 

حرية طال انتظارها..

 

 بعد 34 عاما تلقى عميد الاسرى الفلسطينيين نائل البرغوثي خبر انفراج في صفقة تبادل الاسرى بين حركة حماس واسرائيل" في بداية الامر شكل لنا اسر المقاومة الفلسطينية للجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط بريقة امل جديدة بالحرية انتظرناها طيلة خمسة سنوات بكل صبر وثبات.. لم نرسل أي رسالة الى الةفد المفاوض على الصفقة أي رسالة باننا تعبنا او ارهقنا من الاسر .. صبرنا طيلة فترة التفاوض ليصلنا خبر الانفراج وتوقيع الصفقة.. ذلك الخبر الذي بث لنا الروح والحياة من جديد بالرغم من اننا لم نفقد الامل بالحرية.. لكننا "صبرنا ونلنا"".

  ويصف البرغوثي لحظات الافرج بقولة " كان شعورنا اننا ذاهبون من بيت حزن الى بيت فرح ونحن محزونون لاننا تركنا خلفنا اناس ما زالوا في الاسر ينتظرون ذلك اليوم الذي يخرجون فيه من بين القضبان لا يعرفون متى سيخرجون محكومون بالالف السنين مضى عليهم العديد من السنين وهم في الاسر امثال محمود عيسى وعبد الله البرغوثي وابراهيم حامد واحمد سعدات ومحمد عرمان"

  خرج نائل البرغوثي من السجن بعد قضائه 34 عاما في الاسر ليلقى ظروف غير الظروف التي اعتقل حينها لقد توفي والديه وما زال اخيه في السجون لم يلق امامه الا شقيقته في استقباله ليعبر بكلمات بدأها " آآآخ.. انت تذكرني بظروف كم احاول نسيانها.. لم يعد لي في الدائرة القريبة الا اختي التي تركتها وهي لم تتجاوز 12 عام وهاهي اليوم لديها احفاد..لم استطع الا ان امتلك ااعصابي واصبر ".

  ذهب البرغوثي في اول عمل له بعد الحرية الى قبر والديه ليقرأ لهما الفاتحه على روحهما ويلتقي بأصحابه واقاربه" لقد كان شعور جميل رأيت فيه دمعة فرح من اختي على حريتي.. ودمعة حزن على ما وصلت اليه وعلى الايام التي قضيتها في السجن.. انها مشاعر تؤدي الى التجمد واللاشعور".

ووجه االمحرر نائل البرغوثي رسالة شكر الى كل من ساعد بشكل جدي في اطلاق سراحه وانهاء معاناة المئات من الاسرى قائلا" لقد كسرت المقاومة الصدأ الذي احاط بنا على مر السنوات التي كنا فيها في الاسر.. لقد كنا في حالة عفن وجاءنا الملح من اخواننا المقاومون الصابرون في قطاع غزة المحاصرة ليخرجونا من بطش المحتل وجبروته.. لقد وعدتنا هذه الفئة المسلمة في غزة بان تطلق سراحنا وقد اوفت ما وعدتنا به".

 ورأى البرغوثي ان القضية الفلسطينية تمر بمنعطفات خطرة جدا " ان النصر قادم باذن الله بالرغم من هذه المنعطفات التي تمر بها القضية الفلسطينية.. وهذا التحرير الذي سيأتي ليس لمصلحة الشعب وحده وانما لمصلحة الامة جمعاء وذلك باعادة الشعب الفلسطيني الى دياره المسلوبة منه وباخراج الجسم الغريب من الوطن العربي وهو اليهود".

وطالب المحرر البرغوثي العالم بالوقوف اما الشعب الفلسطيني امام جبروت الاحتلال وظلمة والدفاع عن الشعب والاسرى حتى نيل الحرية والاستقلال.

 

رسالة وحدوية

 

واعتبر البرغوثي ما يجري على الساحة الفلسطينية بين ابناء الشعب الواحد ليس نزاع بين حركتي فتح وحماس وانما نزاع بين خطين.. خط المقاومة وخط يسعى لتصفية القضيه وهذان الخطان موجودان بين معظم الفصائل حسب تعبيره، ولكن النصر حليف المقاومة.

وشدد البرغوثي ان خيار الوحدة أصدق وابلغ من الاقوال والشعارات بقوله" لقد شاهدنا الوحدة في عيون الناس اثناء استقبالنا في موعد حريتنا.. هذه هي الوحدة التي يبنا عليها وهي وحدة الشعب الواحد فشعبنا موحد حتى ان اختلفت فصائله.. فدائرة الفعل هي التي تحدد الوحدة وليس دائرة المناكفات".

  وطالب البرغوثي الى ضرورة رفض الاعتقال السياسي بكل اشكاله ومها كانت الاسباب لان الانسان الفلسطيني يجب ان يبقى حر في وطنه مهما وصلت الخلافات بين الفصائل.

 

وفي نهاية التي اللقاء اكد البرغوثي لمراسلنا انه لم ولن يندم على ما قدمه من اجل فلسطين، مقدما كل ما قام به من عمل فدائي تحت اقدام ابناء وأطفال الشعب الفلسطيني في غزة والضفة والشتات.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ