ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 10/10/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

السوريون والتدخل الدولي

فايز سارة

الشرق الاوسط

9-10-2011

يمثل موقف السوريين من قضية التدخل الدولي أحد أهم الإشكالات المطروحة على السياسيين والمجتمع أيا ما كان موقفهم في السلطة كما في المعارضة وفي الداخل والخارج على السواء. والأساس في إشكالية الموقف السوري، بالنسبة للسوريين، هو الالتباس القائم في فهمهم للتدخل الدولي، وهو فهم يحاول كل طرف أن يضع له ملامح معينة تخدمه من الناحية السياسية. لكنه، في الوقت نفسه، يصر على تجاوز ملامح ذلك التعريف طالما اقتضت مصلحته ذلك، كما في مثال موقف النظام الذي يعارض التدخل الدولي في الشأن السوري الداخلي، لكنه يقبل بدور تقوم به الحكومة الروسية وغيرها، طالما كان هذا الدور قريبا من تصورات النظام، أو أنه يخدم تلك التصورات في مرحلة من المراحل، وهو يرفض تدخلات الجار التركي الذي كان على مدى السنوات الماضية أكثر حلفاء النظام قربا، وكان التعاون السياسي والاقتصادي والأمني بينهما الأهم في علاقات سوريا الخارجية بما فيها علاقاتها العربية، التي طالما أكدت الحرص عليها، وتباهت بمسارها في العلاقات القومية، بينما يظهر تناقض فهم بعض جماعات المعارضة في رفضها التدخل الدولي في وقت تدرك فيه أهمية العوامل الخارجية في تأثيراتها على الوضع في سوريا.

وحسب فكرة التدخل الدولي، يمكن القول: إن التدخلات الدولية اليوم في الشؤون الداخلية لأي دولة في العالم هي أمر واقع، نتيجة شبكة معقدة من الوقائع والمعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تضاف إليها شبكة مماثلة من التطورات التقنية والمعرفية. وبفعل ما تقدم، مضافا إليه تداخل المصالح، فإنه لم يعد بإمكان أي دولة العيش داخل ستار عازل والهروب من تأثيرات الدول الأخرى في شؤونها الداخلية بدرجة أو بأخرى وفي مجالات مختلفة وفي مستويات من هذه المجالات، إن لم يكن في أغلب المجالات والمستويات، وبالنتيجة فقد أدت هذه التبدلات إلى تغيير جوهري في فكرة ومفهوم السيادة الوطنية على نحو ما كان معروفا وشائعا في القرن الماضي. وإذا كانت التدخلات الدولية على نحو ما تقدم تحدث في عموم الدول، بما فيها دول كبرى وعظمى، فمن البديهي القول: إن هذه التدخلات تكون أشد وأوضح في حالة الدول الصغرى والدول محدودة القوة، وتزداد هذه التدخلات في الحالات التي تعاني فيها الدول اضطرابات أو أزمات داخلية، ولعل الواقع السوري في لحظته الراهنة يمثل حالة هي الأكثر استعدادا للتدخلات الدولية؛ ذلك أن سوريا بلد صغير ومحدود القوة، وله موقع خاص في الإطار الإقليمي، وهو إلى ذلك يواجه أزمة داخلية عميقة، تشمل جوانب سياسة واقتصادية واجتماعية وثقافية، تعبر عن نفسها في الصراع القائم بين النظام والحراك الشعبي العام.

إن التعبير الأبرز عن التدخلات الخارجية في الموضوع السوري، يمكن ملاحظته في مستويين اثنين، أولهما: تدخل إقليمي كما في تدخلات دول الإقليم من جوار سوريا، وأهمه موقف تركيا وإيران، والثاني: تدخل دولي، يظهر في بعدين، أحدهما: تدخلات الدول الكبرى التي لها مصالح في سوريا والمنطقة، والثاني يجسده تدخل الهيئات والمنظمات الدولية، وبخاصة الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة.

وعلى الرغم من الفارق في عدد ومحتوى المواقف من الوضع السوري، فقد تبلور اتجاه مؤيد وقريب من مواقف السلطات السورية، اتخذته قلة من الدول بينها إيران ولبنان في منطقة الإقليم وكل من روسيا والصين في المستوى الدولي، بينما ظهر الاتجاه المعارض إقليميا للموقف الرسمي بصورته الأوضح في موقف تركيا، وفي المستوى الدولي برزت أوروبا والولايات المتحدة، وكانت العلاقات الإقليمية والدولية والمواقف في الهيئات الدولية محكومة بهذا التجاذب في أشهر الأزمة الماضية، ولا تزال بانتظار تبدلات حاسمة، يتغلب على أساسها أحد التجاذبين على الآخر ويضع أفقا معينا لحسم الموقف من السياسات السورية في التعامل مع الأزمة الداخلية.

وإذا كانت أشكال التدخل الدولي، سواء في الموضوع السوري أو غيره، أشكالا مختلفة ومتعددة وذات مستويات متنوعة في السياسة والاقتصاد والأمن، فإن الأهم فيها هي تدخلات القوة المسلحة، التي يمكن أن تكون في إطار الشرعية الدولية إذا حازت موافقة مجلس الأمن الدولي على نحو ما كان التدخل الدولي في ليبيا إبان أزمتها الأخيرة، أو أن التدخل يتم خارج ذلك الإطار بتوافق دول وتشاركها على نحو ما كانت الحرب على العراق عام 2003، التي لم يوافق عليها مجلس الأمن الدولي في حينها. لقد أظهر السوريون معارضة واضحة لفكرة التدخلات العسكرية في بلدهم، غير أن هذه المعارضة قد تتعرض للتبدل في حال استمر تطور الأزمة على نحو ما هو مسارها الحالي؛ إذ لا يمكن رؤية الأفق الذي تتوالى فيه سياسات السلطات السورية الأمنية - العسكرية، واستمرار عمليات القتل والاعتقال إلا باعتبارها استدعاء للتدخلات الخارجية العسكرية سواء تحت غطاء الشرعية الدولية أو من خارجها؛ لأن المجتمع الدولي لن يستطيع الصبر إلى ما لا نهاية على تلك السياسات، كما أن مواقف المعارضة والشارع السوري، بما فيه قوى الحراك، ستذهب في اتجاه تأييد تدخل دولي عسكري، إذا تواصلت السياسات الأمنية - العسكرية في سياقها الحالي، والأمر في الحالتين يعكس موافقة ضمنية على الحد الأقصى من التدخلات الدولية في الشأن السوري، وإن كانت مشروطة ومستقبلية.

إن مكمن الخطورة في الأزمة السورية الراهنة هو أن النظام لم يفتح أي أفق لمعالجة الأزمة في مستواها الداخلي عندما بدأت في مارس (آذار) الماضي، مما جعلها تمتد خارجا، ومرة ثانية، أدت مواقف السلطات في امتناعها عن معالجة الأزمة، ورفض التعامل مع مبادرات معالجتها، إلى مفاقمة الوضع، فتصاعدت التدخلات من الاصطفافات في الموقف من الأزمة إلى فرض عقوبات سياسية واقتصادية على مسؤولين ومؤسسات، تهيئ الوضع للتدخلات الأعنف.

وعلى الرغم من أنه من الصعب القول: إن ثمة مخرجا ظاهرا يأخذ سوريا بعيدا عن التدخلات الدولية والحد من تصاعدها، فقد تكون هناك فرصة ضعيفة، بينما إذا قرر النظام تغيير استراتيجيته الحالية، واعتماد أخرى، تقوم وقف المعالجات الأمنية - العسكرية وإطلاق المعتقلين وتقديم المسؤولين عن عمليات القتل للقضاء والسماح بالتظاهر وإطلاق حزمة إصلاحات قانونية وإجرائية، تضع البلاد في مرحلة انتقالية، وما لم تحصل هذه المعجزة، فإن السوريين يسيرون نحو خيار التدخل الدولي بحده الأقصى في شؤون بلدهم ولو بتوافقات غير معلنة.

=============

الثورة السورية والمجلس الوطني.. مشاهد للتاريخ

الأحد 09/10/2011

د. وائل مرزا

المدينة

المشهد الأول

أطرافٌ من المعارضة السورية تجتمع في استانبول، وتحقق وحدةً طالب الشعب السوري وثورته بتحقيقها. قد يقول قائلٌ أنها لاتمثل (جميع) أطراف المعارضة قاطبة، لكن ثمة إجابة على المسألة. فقد تمّت دعوة جميع القوى الأساسية للحوار ولبتها، وحين يرفض أحد الأطراف التوقيع على الاتفاق (هيئة التنسيق تحديداً) وينسحب لأي سبب فإن هذا لايُلزم الأطراف الأخرى بأن تنتظر عملية التوحيد حتى يتفق الجميع لأن هذا قد لايحصل إلى يوم الدين.. خاصةً في ظلّ المقولات التي يطرحها البعض تلميحاً وتصريحاً بأنهم ضد موقف الثورة والمعارضة الأساسي المتمثل في مركزية هدف إسقاط النظام.

المشهد الثاني

أصواتٌ من المعارضة ترفض الاتفاق واتهاماتٌ ودعاوى. مثالاً عليها ما سبق أن قلته: «لم يعد هناك مجال للدبلوماسية وستُعلن الأمور للشعب السوري البطل.لماذا يشنّ الأستاذ هيثم المناع هذا الهجوم على المجلس الوطني ويتهمه بتلقي الدعم الأمريكي؟ هل المستقلون وتنسيقيات الثورة وإعلان دمشق وبرهان غليون وغيرهم كلهم عملاء للأمريكان؟ دُعيت هيئة التنسيق الوطني لاجتماعات توحيد المعارضة رسمياً.. وعلى أساس المشاركة الكاملة وليس (الالتحاق) كما قال. وحضر الدكتور حازم نهار من قبلهم يومين ثم اختفى عندما طُلب من الهيئة أخذ موقف رسمي ونهائي من شعار إسقاط النظام.. المجلس مفتوح للهيئة وغيرها، ولكن يجب عليها أن تحسم رأيها تجاه الموقف من النظام،خاصة في ظل تصريحات السيدين حسن عبد العظيم ولؤي حسين الإعلامية المعلنة التي تُخفض سقف مطالب الثورة كثيراً.. الشفافية والجدية مطلوبة الآن.. يكفي خلطاً للأوراق.. ويدعو الجميع الشعب السوري إلى حسم موقفه باتجاه هذه القضايا وبشكل معلن.

للأمانة والتوضيح، أوضح الدكتور حازم نهار في رسالة تفيد بأن اعتراضه كان على اللقاء في استانبول وأنه لم يعد هناك معنى لوجوده في ظل ذلك الاعتراض ولهذا غادر ولم يختفِ.. مؤكداً أن الهيئة طيف واسع وأن هناك تباينات واختلافات بين القوى وبين الشخصيات داخل الهيئة وأن هذا أمر طبيعي، مع تمنياته للجميع بالتوفيق.

المشهدالثالث

رجل من مؤيدي النظام. السيد أنس الشامي عضو مايُسمى (مجلس الشعب) السوري يقوم بتخوين مباشر للمجلس الوطني ويتهمه بالتآمر وتلقي التمويل من الأمريكان.يعرف الجميع ان عمليات التخوين صارت مُبتذلةً في نظر الثوار ولم يعد أحدٌ يُصدقها.. ولكن بشيءٍ من التبسيط قد يجوز هنا سؤال السيد المذكور: لو كان للمجلس تمويل من تركيا أو أمريكا أو غيرها.. لما انتقل أعضاؤه أثناء العمل على مدى أسابيع وأثناء المفاوضات من فندق لفندق في جنح الليل لعدم وجود حماية أمنية وتحسّباً من أفاعيل شبيحة النظام.. لو كان لديهم تمويل لما حُشر كثيرٌ منهم في غرف ثنائية وأحياناً ثلاثية في الفنادق.. لو كان لديهم تمويل وأرصدة لرأى حضرتهُ ومعه العالم بأسره الإعلان عن توحيد المعارضة يجري في أفخم قاعة داخل أفخم فندق من فنادق استانبول، وليس في قاعة صغيرة كما رأى القاصي والداني.. كان الجميع في المجلس يتجنبون الردّ بكلمة واحدة على الأشخاص.. ويكفي أعضاء المجلس فخراً أنهم لم يتعرضوا لأحدٍ رغم كل الاتهامات والتجريح والإساءات. لكن حداً أدنى من التوضيح بات مطلوباً في هذه المرحلة ليعرف الشعب الحقائق ويحكم بنفسه عليها.

المشهد الرابع

الشعب السوري يسمي الجمعة الماضية باسم (المجلس الوطني يمثلني)، ويخرج تأييداً لمجلس يريد منه حصراً خدمة ثورته والالتزام بثوابتها وتحقيق أهدافها. وتلك مسؤوليةٌ كبرى يدركها جميع أعضاء المجلس فيما نعتقد ولابد من الارتقاء إلى مستواها على جميع المستويات. انتهى اليوم زمن المفاوضات إلى درجةٍ كبيرة بين أطراف المعارضة، وإذا كان ثمة أطرافٌ تريد أن تساهم في خدمة الثورة فيمكنها ذلك من خلال المجلس كشريك أصيل، أو بالتنسيق معه ، خاصةً مع إعلانه المتواصل عن انفتاحه على الجميع. وعضويةُ المجلس مقامُ تكليفٍ وليست مقام تشريف وشهرةٍ وظهور. ورغم الحاجة السياسية لظهور المجلس إلا أن الثورة بدأت قبله وستستمر وتنتصر معه أو بدونه. بمعنى أن هناك ألف طريقةٍ وطريقة للعمل والعطاء لاتنحصر في عضوية المجلس. الأمثلة كثيرةٌ على وجود شرفاء من أبناء هذا الشعب العظيم يعتبرون أنفسهم جنوداً في هذه الثورة أياً كان موقعهم ومكانهم، وبغض النظر عن عضوية المجلس من عدمها. يكفي في هذا الإطار مثالاً الكلمةُ التي بثّها على موقع اليوتيوب من قلب الثورة المناضل العفيف الأستاذ رياض الترك مؤيداً المجلس وداعياً المعارضة إلى مزيدٍ من الوحدة، ومؤكداً بأن هذا الأمر هو أحد السبل التي تؤكد حتمية انتصار الثورة.

المشهد الخامس

إن إنشاء المجلس الوطني لايشكل عصاً سحرية تُحقق جميع أهداف الثورة السورية في أيام وأسابيع.. مسؤوليات المجلس كبيرة.. لكنها بدايةُ مرحلةٍ مؤسسيةٍ جديةٍ من عمر الثورة السورية المباركة.. يخطط المجلس للقيام بأدواره وسط ظروف دولية وإقليمية في غاية الصعوبة، ويواجه حرباً شرسة من النظام وعملائه وشبيحته الداخليين والخارجيين من الأشخاص والجهات السياسية وبعض الدول.. فأعضاء المجلس لايعملون في ظروف مثالية، وإنما على العكس من ذلك في ظروف بالغة التعقيد. وبدون دعم الشعب بكل قواه ومنظماته ونشطائه ومبدعيه، خاصة من الشباب، فسيكون تحقيق أهداف المجلس صعباً بكل صراحة.. أما إذا شارك الجميع بإخلاص وتجرد وإبداع، فسيحقق المجلس الهدف حتماً.. وسيسقط النظام، وستظهر سورية الديمقراطية المدنية التعددية، وسيرى العالم من هو الشعب السوري وما يملكه من طاقات.

=============

مرة أخرى.. حول «مبادرة دول جوار سوريا.. زائد»

عريب الرنتاوي

الدستور

9-10-2011

ثمة «فراغ سياسي» قاتل، يحيط بالأزمة السورية من جهاتها الأربع، لا مبادرات ولا تحركات، لا أحد يأخذ على عاتقه مهمة شق «طريق التفافي» حول خيار القوة والحسم العسكريين، حتى لغة «الإنذارات» و»المهل الأخيرة» تدخل في سياق «رفع العتب واليد» و»تبرئة الذمة» من دم السوريين، وأحياناً تندرج في سياق التصعيد والضغط، مع أن البلاد السورية تنزلق بتسارع مذهل، نحو أسوأ السيناريوهات وأكثرها دموية.

لن نلومنّ أحداً على هذه النتيجة/ الاستعصاء، وحده النظام القائم في دمشق، من أضاع الفرصة تلو الأخرى، والمبادرة تلو المبادرة، والصديق تلو الحليف، ظناً منه، أن ما لم يتحقق بالقوة حتى الآن، سيتحقق باستخدام المزيد منها في الغد، وأن كل ما يحتاجه للإفلات بجلده، او الخروج بالبلاد من «النفق المظلم» الذي آلت إليه، ليس سوى المزيد من المهل و»فترات السماح» الإضافية، ولكم أظهر سذاجة وسطحية وهو يعلن المرة تلو الأخرى، أن المواجهة وضعت اوزارها أو تكاد، وأن «الأصعب بات وراء ظهورنا»، ليعود صبيحة الجمعة التالية، فيكتشف أن الأسوأ ما زال أمامنا وبانتظارنا.

في تركيا، وعندما تستمع إلى المسؤولين في مطبخ القرار وهم يستعرضون مراحل تطور الأزمة، تكتشف كم من الوقت قد تم إهداره في مناورات وألاعيب، تنتمي إلى عصور غابرة، تكتشف كم أن هذا النظام، منفصل عن الواقع الذي يغلي من حوله، وبصورة تذكرك، بالخطاب الرسمي العراقي عشية حربي الخليج الثانية والثالثة، تكتشف أن القوم في «غيبوبة» سياسية، ستنتهي بهم وبسوريا إلى ما لا تحمد عقباه، وهذا ما يزيدك اندهاشا فوق دهشتك.

حتى روسيا، التي أشهرت حق «الفيتو» في مجلس الأمن، والذي وصفته السيدة شعبان ب»التاريخي»، تعود على ما يبدو، لمراجعة موقفها، فالتصريح الذي أدلى به ميدفيدف، يشبه التهيئة للتراجع عن الموقف، والالتحاق بغالبية الأطراف ذات الصلة، والتي تطالب بفرض مزيد من العقوبات، توطئة لاتخاذ مزيد من الإجراءات، ومن بينها الخيار العسكري، صحيح أن المعارضة السورية حملت على موقف ميدفيدف، لكن الصحيح كذلك، أن قراءة متأنية، بعقل بارد، للموقف الروسي، تنبئ -ربما- بقرب حدوث هذه التحوّلات، التي إن حصلت، ستبقي النظام، بلا غطاء ولا سند ولا حليف، والأرجح أن التحوّل في الموقف الروسي، سيحصل، وأن المسألة برمتها ليست سوى مسألة وقت.

لكننا في التجربة السورية لا نمتلك «ترف الوقت» لنضيعه في مناورات ومبادرات لا طائل من ورائها، ف»الوقت السوري من دم»، وفي هذه النقطة بالذات، تبدو المعارضة السورية محقّة تماماً، كل يوم يسقط عشرات الشهداء والمصابين والمعتقلين، كل يوم يمضي على المأساة السورية، تزداد عذابات الناس تفاقما، وتزداد الأحقاد والضغائن، وترتفع كلفة التغيير والإصلاح في سوريا، بل وتصبح سوريا الدولة والكيانة والهوية والوحدة الوطنية، جغرافياً وديمغرافياً في خطر داهم.

المطلوب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، الذهاب إلى مبادرة سياسية إنقاذية، تُفرض على طرفي الصراع المحتدم والعنيف، مبادرة تضع في صدارة أهدافها إنقاذ سوريا، ومنع انزلاقها في أتون حرب أهلية طاحنة، مبادرة تمنع عن سوريا، كأس الخيار الليبي، مبادرة تحول دون «عرقنة» سوريا و»بلقنة» المنطقة.

مثل هذه المبادرة، لا يمكن «إنتاجها» أو حتى مجرد التفكير فيها، في أروقة مجلس الأمن أو دهاليز الأطلسي، هناك ستبدو الأولويات مختلفة كثيراً، الأطلسي، ومن خلفه مجلس الأمن المختطف بالهيمنة الأمريكية، سيكونان معنيين أكثر بحسابات «نظرية الأمن الإسرائيلية» ومندرجاتها، في حين أن أمن سوريا الوطني، والأمن القومي العربي من بعده وورائه، هو الذي يتعين أخذه بنظر الاعتبار، هناك «رائحة اللوبي والمال اليهوديين» الممسكين بزمام القرار في باريس وواشنطن، ستكون عامل الجذب المقرر للمواقف والسياسات والاستراتيجيات، تماماً مثلما كانت رائحة النفط النفّاذة، هي عامل الجذب الأكبر للتدخل الدولي في ليبيا، لا نفط مسيل للعاب في سوريا، ولكن من قال أن مصالح الغرب تتمثل في النفط وطرق إمدادها، وحدها دون سواها، ألم تكن إسرائيل، وجوداً وأمناً وتفوقاً، هي المصلحة العليا الثانية للغرب في هذه البقعة من العالم، وحتى قبل أن تفوح في الأفق، رائحة الذهب الأسود؟!.

شهادة ميلاد هذه المبادرة الإنقاذية يجب أن تصدر من الإقليم، ومن الإقليم وحده، مبادرة تطلقها تركيا، لدول جوار سوريا، مضافاً إليها مصر وإيران والسعودية، مبادرة لا تساوم مع النظام، بل توفر مخرجاً آمناً لسوريا، .مبادرة تضع في صدارة أولوياتها ضرورات الانتقال السلمي للديمقراطية، وبصورة تحافظ على سوريا وتمنع تفتيتها واحترابها وانقسامها على نفسها، مبادرة تحتوي تداعيات الحدث السوري، وتستبق مفاعليه، لأن المنطقة لا تحتمل «عراقاً ثانياً».

مثل هذه المبادرة، وبالأطراف المكوّنة لها، يتعين أن تكون بالمرصاد لمحاولات إسرائيل، إعادة تفكيك وتركيب المنطقة، على صورتها وشاكلتها، دولة لجميع أبنائها اليهود، أو بالأحرى «جيتو» لجميع مستوطنيه واللائذين به، فتنشأ كيانات على أنقاض دولنا، على حدود الطوائف وخرائط المذاهب، دويلات لجميع أبناء المذهب والطوائف، كيانات مقتتلة ومتصارعة، لن يجد أي منها غضاضة في مد اليد لإسرائيل وطلب العون منها.

المبادرة التي نتحدث عنها، ليست مهلة إضافية للنظام لمواصلة هواية القتل اليومي الدامية، بل هي إنذار أخير له، تحت طائلة مواجهة إقليم متحد، يريد لسوريا وشعبها أن يلحق بربيع العرب، وأن تتفادى أسوأ سيناريوهاتها وكوابيسنا، مبادرة تضع جدولاً زمنيا لأعمق الإصلاحات السياسية والتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تحتاجها البلاد والعباد.

قد يقول قائل، وهل الأطراف المتعاقدة حول هذه المبادرة، مؤهلة للدفع في هذا الاتجاه، الجواب نعم، وخصوصا تركيا ومصر، اللتين تسيران نحو المستقبل بعزم وثبات، أما الأطراف الأخرى، فلها مواقف وحسابات، ستجعلها مدفوعة للقبول بهذه المبادرة والأخذ بعناوينها، فالشرر المتطاير من القنبلة السورية الموقوتة إن انفجرت لا سمح الله، سوف يحرق كثير من الأثواب والعمامات والأطراف، بل وقد يصيب بعض دول الإقليم في مقتل.

إنها الفرصة الأخيرة، للسياسة والدبلوماسية، قبل أن تحين ساعة الحقيقة والاستحقاق، ونندم حيث لا ينفع الندم، إنها الفرصة الأخيرة التي تسبق الكارثة المحدقة قبل وقوعها، فهل من مستجيب؟.

=============

سوريا: ثورة الفقراء والمثقفين للحرية

المستقبل - الاحد 9 تشرين الأول 2011

واشنطن - جهاد صالح

تدخل ثورة الحرية في سوريا شهرها الثامن، مع أزدياد وسائل القمع العسكرية والأمنية بشكل منهجي ومُنظّم،يُخطط له من القصر الجمهوري ،وتنفّذه وحدات الجيش وفروع المخابرات،أضافة إلى منظومة القتلة والشبّيحة ومرتزقة السلطة . لكن رغم الكمّ الهائل من الدّم والقصف العشوائي للمدن والقصبات، وتصفية قيادات الثورة الشبابية، تزداد وتيرة الغضب الشعبي أكثر، بحيث تحوّل التظاهر إلى حالة يومية حياتية، تعكس نزق الروح الثورية التي تبلورت لواقع بات يفرض ذاته على المجتمع السوري. فأما الموت، أو الحرية، هذان الخياران المقدسان اللذان يمثلان نزعة الخيارالدقيقة في الذات السورية، ووضوحها في رفض الذل وثقافة التدجين والصمت أمام الوحشي الحاكم، فيخرج الشعب للشارع غير خائف من الموت وآلة القتل، بل يحمل في داخله جنوحا يرتقي لدرجة أسطورية لا جدل فيها، يصنع من المتظاهر إنسانا يرمي بنفسه للحرية مهما كان الثمن، يسقط من حوله أخوته، رفاقه، أطفاله، والدته، زوجته، كل عزيز وقريب، لكن يتحوّل شركاء الحياة إلى أيقونات وقناديل تُشعل من روحه شجاعة مدهشة، وثورية ملحمية تكتب تاريخا جديدا لسوريا بعد عقود طويلة من الإستبداد والمهانة والقهر.

إذاً لاتراجع حتى النصر والحريات، هذا هو المشهد السوري بحيثياته ولحظاته، وبات إسقاط الديكتاتور ومجموعته هدفا وغاية سامية يتفق ويشترك كل السوريون عليها، بما فيه الصامتون خوفا، أو مصلحة، أو زئبقية بين السلطة كقيمة نفعية ، والمعارضة والثورة كطريق لمستقبل جديد وحياة ديمقراطية وفضاء ثقافي بلا حدود.

نتسائل لماذا لم يسقط هذا النظام رغم فساد دوائر القرار فيه، وانهيار مفاصل المؤسسات الأمنية والبوليسية والإقتصادية، وتصاعد وتيرة المظاهرات والثورة في الإتجاهات الأربعة لخارطة سوريا السكّانية، ومدى هشاشة بنية النظام الشمولية التي تترنح يمينا ويسارا، وتتماسك بالأعتماد على العنف وبثّ الفوضى والإشاعات، ومحاولته اشعال حرب سنيّة- شيعية (علوية) عبر قصف المساجد، وقتل رجال الدين وإهانة المقدسات السنّية، وذلك لكي يثبّت من كذبته ومراوغاته، أنّ الثورة في سوريا ليست ثورة بهدف الحرية وحقوق الإنسان،وأنما هي ثورة سلفية ،أصولية ، تنطلق من المساجد وتشكل خطرا على المصالح الأميركية والأوربية، وحتى العربية، وأنّ هذا البديل الإصولي الراديكالي كخلف له، سيكون بداية لسلطة تهدد الدولة العبرية وسلامتها، وخطرا اسلاميا على مسيحيي الشرق.

لكن تنّوع الثورة، وتلويناتها الاجتماعية كسرت ظهر النظام، وعرّته من كل أقنعته المزيفة، وبات مكشوفا أمام العالم أجمع، حين سقط شهداء مسيحيون وكُرد ودروز، لتكون الثورة السورية لا هوية لها سوى الوطن السوري وكينونته الشاملة لكل المكونات الاجتماعية لسوريا.

رغم استمرار الثورة وشجاعة السوريين، ومحاصرة الأسد ونظامه من قبل المجتمع الدولي والعربي، عبر ضغوطات دبلوماسية ومجموعة من العقوبات الاقتصادية والسياسية ،إلا أنّ النظام ومؤسسته القمعية بقيت واقفة على قدميها، ولو بأدق تفاصيل الضعف واللاتوازن فيها. السبب الأساسي لاستمرارية النظام هو هذه التغريبة السياسية والجغرافية بين الثورة ذات الروح الشبابية والعنفوانية وغير المُنظّمة، وبين فصائل وشخصيات الحراك السياسي المعارض في سوريا. الثورة حية وتمارس عجلاتها دورها في ردم الهوة بين النظام والنهاية ، وهو السقوط، في حين نجد المعارضة تزيد الهوة بينها وبين الثورة، فُتلازم الفوضى، والتمسك بالأنا الأيديولوجية الكلاسيكة، وتقدم للنظام وجسده تنفسا غير مباشرا تطيل من عمره شهورا أكثر. بل دفعت العنجهية والحُمق ببعض شخوص المعارضة ألى أن يرفضوا إسقاط النظام، والعزف على نشيد الحوار وفتح صفحة جديدة عبر محاسبة أصابع النظام، مع بقاء الديكتاتور وتقسيم الكعكة السورية مناصفة. وهذه أرتقت الى درجة أنّ النظام قَبلَ بها ومنحها مساحة من الحرية والتحرك، كخيار مكروه وأفضل من الأصوات التي تصرّ على إنهائه ومسحه من الذاكرة السورية. فيما نجد القوى الأخرى من اعلان دمشق تدفن رأسها في اللافعل، وتدير ظهرها لتاريخية المرحلة، وتكتفي بمناظرات وبيانات مؤيدة لا ملح فيها ولا خبز، وتكتفي بمواقف متناقضة، رغم إيجابيتها الوطنية، إلا أنها لاتتلائم مع مطالب الشعب السوري وحريته، والتي تقتضي من اعلان دمشق أن تكون في موقع قيادي للثورة والشارع. أما الحركة الوطنية الكردية والتي تتمزق في شتات بسبب سياسات السلطة بحق الشعب الكردي، وقدرة الأجهزة الأمنية على أحداث تصدّعات وشروخ داخل البنية الكردية، فصنعت من بعض شخوصها انفصاماً عن الذات الكردية الواحدة، بحيث باتت تعمل عكس عقارب التاريخ والواقع السياسي والإجتماعي في سوريا. لكن الجماهير الكردية كانت تملك من الوعي بما يجعلها تكون جزءا حيويا من جسد ثورة الحرية، ومنحها طابعا منظما وحيويا هو مشاركة بعض الزعامات والقيادات الكردية في المظاهرات بشكل أسبوعي، وقيادتها أحيانا خوفا من التلاشي والضياع أمام صهيل الثورة وعدم انضباطها سياسيا وأجندة. ورغم ذلك نجح الكرد في خلق كتلة كردية واحدة تسعى لأن تكون كتلة وطنية سورية توفّق بين قوى المعارضة وتقاطعاتها في اسقاط النظام وبناء دولة مدنية ديمقراطية تعددية.

لكن أكثر ما قد يكسر ظهر الثورة ويغذّي النظام نحو الإستمرارية وخلط موازين القوى والأوراق، هم شخوص الخارج من السوريين المعارضين، والدخلاء على الثورة. بحيث ظهرت شخصيات سورية مجهولة وغامضة، بعضها كان في حضن النظام بالأمس، وآخرون يرسمون مسارات لهم تيمّنا أن سوريا كعكة ومناصب سيادية وحكومية، ولابد أن يكون لهم حصة الأسد منها، بحيث خلقت هذه الحالة المؤلمة جماعات توزّعت في كتل صغيرة منقسمة، لا تعترف بالآخر ، وتتكلم باسم الثورة وتعمل من تحت لوائها، فكانت القاهرة وانطاليا واستنبول وبروكسيل وباريس وواشنطن شواهد على هذا التشرذم السوري، بحيث باتت الثورة في الداخل مع شهدائها وشجاعة ثوارها منعزلة عن هذه الفوضوية السياسية في بنية المعارضة السورية في الخارج، بل عكست أزمتها حتى على قوى الداخل، حتى وصل الأمر أن يرفع الشعب الثائر صوتها عاليا طالبا وحدة المعارضة السورية.

كان النظام سينهار سريعا لو انتفضت الطبقة البرجوازية والرأسمالية السورية، وقدّمت منتوجها الاقتصادي وقوّتها للثورة، وسحبت أرصدتها ودعمها من تحت قدمي النظام، لكن تظل هذه الطبقة حتى اللحظات الأخيرة متمسّكة بمن يملك السلطة والقوة، وتقاطع مصالحها الجشعة مع الحاكم ومنظومته. رغم ذلك نجدهم قد حوّلوا ملايين الدولارات ألى البنوك الخارجية في اشارة للطلاق التنازلي مع النظام ومؤسساته، ولكن بوتيرة بطيئة جدا، قد تتسارع في ظل العقوبات الاقتصادية الدولية القاسية والتي تحتاج ستة شهور لتحطيم بنية النظام الاقتصادية نهائيا، مما يساهم في سقوطه.

ثورة الفقراء ومثقفيها طالبوا بحماية دولية وتدخل انساني لحمايتهم كمدنيين مسالمين وعُزّل من الجيش والدبابات والطائرات وفرق الموت من الشبيحة، لكن أصوات بعض المعارضة ممن اكتسبوا عقلية شعاراتية من النظام القمعي في حُقب استبداده الطويلة، ورفضهم لكل أشكال التدخل الأجنبي والعربي في سوريا، وقراءتهم الخاطئة لمعاناة وألم الشعب السوري، قدّم خدمة مجانية للنظام في أن يخلق لنفسه فضاء جديدا مستفيدا من تشرذم المعارضة بشخوصها المريضة، وغير الناضجة مع واقع الثورة وظروفها، ومن تردد المجتمع الدولي في اتخاذ قرار قطعي بحق الأسد ونظامه، وروسيا والصين اللتان تشكلان حجر عثرة أمام وضع نهاية لنظام البعث الذي أنتهى في خرائط الدول الكبرى ومصالحها معه.

نعم هي ثورة الفقراء والمثقفين، وهي ثورة مدنية سلمية للحرية والإنسان والخلاص، لكن يحتاجون دعما عربيا ودوليا وانسانيا، ومعارضة تلتقي لزمن قصير وتتفق على إسقاط هذا النظام وتكون صوتا سياسيا للثورة، وتضع خارطة طريق نحو سوريا الديمقراطية.

في ظل توافق سوري سياسي وشعبي على آلية إسقاط النظام عبر انتفاضة سورية واحدة وشاملة،وحماية دولية انسانية للشعب الثائر من عمليات الإبادة والقتل والجرائم ضد الإنسانية، وتحويل نظام الأسد للمحكمة الجنائية الدولية، وسحب الدول لسفرائها وطاقمها الدبلوماسي، سينتهي نظام البعث خلال شهور قصيرة، وسيُكتب تاريخ جديد لسوريا والمنطقة، يمكّن السوريين من تأسيس نظام مدني وديمقراطي عبر صناديق الإقتراع، يكون الجميع شركاء في الوطن والحياة بعدالة ومساواة، في ظل دولة القانون والمؤسسات، وبروح مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

=============

الثورات العربية وتفكيك الشرعية الاستبدادية

الأحد, 09 أكتوبر 2011

شفيق ناظم الغبرا *

الحياة

انبثقت الثورات العربية من تراكمات سياسية واقتصادية واجتماعية، وتطورت بنيتها، التي لا تزال في حيز النمو، في بيئة وطنية حاضنة للتغيير، من أهمها مشاركة شعبية واسعة النطاق في حركات الاحتجاج السلمية. لم يكن توقيت وقوع الثورات سوى صدفة، فحادثة حرق البوعزيزي نفسه كان يمكن أن تقع قبل أسابيع أو شهور من لحظة وقوعها فتؤدي الى النتائج نفسها. كان الوضع العربي عشية الثورات بركانيَّ المزاج، ينتظر حادثة بسيطة ليعبِّر عن مكوناته في عدد من الدول العربية. ما حدث ارتبط برغبة الشعوب العربية في التخلص من الأنظمة الديكتاتورية العربية وبناء شرعية سياسية جديدة جوهرها إنساني وديموقراطي.

مثلت أزمة الشرعية عنصراً أساسياً في الثورات الراهنة، إذ أدى حرمان المواطن العربي خلال عقود، من التعبير والتصويت الحر والحضور السياسي والاحتجاج والشراكة الحقيقية، الى إثارة الأسئلة حول نظام الحكم في بلاده. وقد ساهم فشل الأنظمة في التعامل مع الاحتياجات العادية للناس، ومنها البطالة والتراجعات الوطنية، في تعميق التساؤلات. ومع الوقت، كبر التساؤل العربي حول شرعية الحكام، خصوصاً مع انطلاق مشاريع التوريث في الجمهوريات، والتي فهمها المواطن على أنها احتقار مكثف للشعب.

من خلال سلوكيات الأنظمة العربية وتكرار الفشل في إداراتها وأجهزتها، بدأ المواطن يرفض سلطة الحاكم، بينما تلجأ الأنظمة الى التعامل مع هذا الرفض عبر مزيد من القمع الداخلي، بهدف حماية سلطتها المتآكلة.

وانكشفت الشرعية العربية الاستبدادية بصفتها شرعية هشة وضعيفة، بعد فشل الرؤساء العرب في تحقيق أي من الوعود الإصلاحية التي أعلنوا عنها منذ عقود. اكتشفت الشعوب العربية أن معظم قادتها لديهم تركيبة نفسية تقوم على إحساس مضخم بامتلاك البلاد والسكان، فهم يعِدون ولا ينفذون، يقولون ولا يفعلون، ثم يتصرفون كما يحلو لهم بلا مساءلة أو مراجعة. ما حل في العراق مع صدّام حسين تحول بصورة أو بأخرى الى نموذج واضح للاستئثار والتسلط المصحوبين بالمغامرة والتوريث، وأرادت الشعوب في لاوعيها ان تبحث عما يساعدها في تفادي مصير مشابه لما وقع في العراق.

ويتضح من السياق التاريخي أن أبناء الشعوب، خصوصاً النشطاء من أبنائها وبناتها من الجيل الجديد، فهموا أن معركة التخلص من الديكتاتورية لن تحتمل التأجيل والانتظار. فهموا جيداً مصدر قوتهم، ففي الجوهر، لا يوجد نظام سياسي في التاريخ قادر على الاستمرار إذا قررت الغالبية إسقاطه عبر سحب الشرعية منه. هذا أساس اكتشاف الشعب لمعنى قوته عند مقارنتها مع شرعية تقليدية مستمدة من أقلية مستبدة تعتمد على أجهزة الأمن والقمع.

شكل نمو الوعي بحقوق الإنسان ودور المواطن بداية لتطوير رؤية جديدة مهيأة لتفكيك الشرعية العربية التسلطية، فأبناء المدن والقرى في البلاد العربية تعرضوا لمعرفة جديدة من خلال التكنولوجيا الحديثة. لقد اكتنزت البلاد العربية بمعارف حية تنافس تلك الكتب الرتيبة التي تدرَّس في المدارس الحكومية العربية، لكن هذه المرة، جاءت المعرفة الينا عبر الفضاء المفتوح والإنترنت ووسائل الاتصال الاجتماعي، وفي هذا انتقال وتغير كبيران.

ومن القضايا المساهمة في الانفجار العربي، سقوط شرعية الخطاب الرسمي العربي ووسائل إعلامه الركيكة التي خيَّرت المجتمعات العربية بين القبول بالديكتاتورية ومزاجيتها وفسادها من جهة، وبين الوقوع تحت براثن التطرف الإسلامي من جهة أخرى. وأكد النموذج التركي، الأقرب الى العالم العربي من حيث المواءمة بين قيم الديموقراطية الحديثة وبين قيم التنمية والإدارة العصرية والإسلام، إمكانيةَ توافر طريق ثالث مدني ديموقراطي وتنموي ومتصالح مع الدين.

وبمجرد وضوح هذه الحقيقة، تغير مناخ المجتمعات العربية الباحثة عن التحرر، ويؤكد الوضع كما رأيناه في كل من تونس ومصر والثورات الأخرى، أن الإسلاميين جزء من الحراك من دون ان يحتكروه أو يصادروه.

وشكَّل هروب الكثير من المواطنين العرب نحو الدين، الوجهَ الآخر لمأزق الشرعية العربية. احتاج الناس الى ملاذ آمن في ظل تحريم العمل السياسي المفتوح في معظم الدول العربية. وبما أن من المستحيل تحريم العمل السياسي، لأن الانسان بطبعه كائن سياسي، اتجه الناس الى المساجد كملاذ آمن، وأصبح التديُّن تعبيراً عن طموح المجتمع الى حياة أفضل ونظام سياسي أكثر صدقاً وعدلاً وأقل فساداً. لقد زحف الناس أفواجاً وجماعات نحو الجوامع بصورة مضاعفة، حيث وجدوا المكان الذي يعطيهم بعض الطمأنينة في ظل الخوف والقلق ونقص الحياة الكريمة. في العودة الى الله، اكتشف الكثير من العرب قدرةً على التقرب مما هو أقوى من حكامهم الأبديين.

لكن التديُّن تحول الى قوة للمجتمع وحصانة، فهو نفسه المسؤول عن تلك الشجاعة التي تتحلى بها الشعوب العربية في مواجهة القمع والرصاص، وهو نفسه المسؤول عن دفع القوى الدينية والحركات الإسلامية الى الانتقال في لحظة تاريخية مفصلية من التركيز على الحلال والحرام، والشرعي وغير الشرعي، الى العادل وغير العادل، والمنصف وغير المنصف. التديُّن في البلاد العربية كان تعبيراً عن المشكلة وحلاًّ لها في الوقت نفسه، لهذا ليس غريباً ان تكون الجوامع مراكز لانطلاق المحتجين في كل جمعة ومناسبة.

وما أن اندلعت الثورات، حتى أصبحت الأنظمة نفسُها أحدَ مسببات انتشار الثورة، وبهذا دمرت الأنظمة ما تبقى لها من الشرعية، فالأنظمة لم تكن قادرة، بحكم ضعف شرعيتها وتفككها الداخلي وفسادها، على القبول بمطالب الثوريين في حدها الأدنى، بل نجدها اتجهت فوراً الى استخدام القوة والعنف ضد المحتجين، في ظل محاولة خداعهم وإيهامهم بأنها بدأت الإصلاح الموعود. بهذا السلوك الضيق نجدها قد ساهمت في نشر التعاطف مع الثورات والخوف من إيقافها. أليس غريباً ان مطالب الشعب بالحرية والكرامة تحولت بسرعة الى «الشعب يريد إسقاط النظام»؟

وتمثل كرة الثلج المستمرة من دون توقف، وسيلةً من وسائل اهتزاز الشرعية العربية، فإن ثورة ناجحة واحدة وإسقاط ديكتاتور واحد، كما حصل في مع بن علي في تونس، تحولت إلى نموذج يسهل انتشاره. كرة الثلج ليست جديدة في أدبيات الانتقال الديموقراطي.

اليوم يتأسس أمام أعيننا منطق جديد لشرعية عربية جديدة صاعدة. حققت هذه الشرعية الجديدة نجاحات سريعة في مصر وتونس وليبيا (وللإصلاح في البحرين)، لكنها في طريقها للانتصار في اليمن وسورية، عبر استمرار النضال لإزاحة الديكتاتورية. وتتميز الشرعية الجديدة للثورات العربية بمقدرتها الفذة على احتلال الساحات العامة والميادين بطرق سلمية، وبمقدرتها على اتباع وسائل سلمية للنضال تؤدي إلى شل إرادة النظام السياسي وتشتيت قواه. الثورات العربية بدايةٌ لتأسيس كيانات عربية ديموقراطية تسعى الى أخذ شرعيتها السياسية من شعوبها. هذا لن يعني بروز مدن فاضلة بين يوم وليلة، لكن ما يقع يمثل بداية جريئة وغير مسبوقة للتعامل مع مشكلات العالم العربي من خلال بناء شرعية سياسية جديدة مصدرها الشعب وحرياته.

* أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت

=============

سورية: حماية المتظاهرين

الأحد, 09 أكتوبر 2011

عبدالله إسكندر

الحياة

ثمة سؤال يُلعثم كل من يطرح عليه في المعارضة السورية. ما هو المطلوب من الخارج من أجل حماية المتظاهرين السلميين المطالبين بتغيير النظام في دمشق؟

باستثناء قلة قليلة، يشتبه في نيات بعض منها عندما تطالب بتدخل عسكري خارجي مباشر ضد القوات السورية لإجبارها على وقف استهداف المدنيين، لم تبلور المعارضة، بهيئاتها المختلفة، موقفاً من هذه المسألة يتيح ترجمة حماية المدنيين على الأرض، ويردع آلة القتل عنهم.

المناشدات الخارجية، والعربية منها، للسلطات السورية بوقف استخدام القوة ضد المدنيين، والإجراءات الاقتصادية الغربية التي أرادت الضغط على النظام لمنعه من الاستمرار في اعتماد العنف، لم تؤثر في خيار الحل الأمني. أي أن الضغوط السياسية والاقتصادية الخارجية لم تحم بعد المدنيين السوريين من بطش السلطة.

وهنا معضلة المعارضة التي لم تتمكن بعد من وضع التصور الذي من شأنه أن يوقف آلة القتل. وربما أن هذه المسألة بالذات لا تزال تضغط على هذه المعارضة وهيئاتها المختلفة، في الداخل السوري وخارجه. إذ يختلط معنى أي تدخل خارجي مادي، عسكري أو غيره من نوع إقامة مناطق عازلة، بمعنى الوطنية والسيادة والذي ينزع كل صدقية عن المعارضة في حال التفريط به.

كما أن مثل هذا التدخل سيكون، بعد الفيتو المزدوج الروسي - الصيني في مجلس الأمن ضد مشروع قرار وقف العنف في سورية، خارج إطار أي شرعية دولية. وتالياً عملاً انفرادياً من المستبعد جداً أن يقدم عليه أحد بعد التجربتين العراقية والليبية.

وهذا ما يصعّب على المعارضة اتخاذ قرار، وهي الواقعة بين مطرقة العنف المستمر والمتمادي ضد جمهورها، وبين سندان هاجس حماية هذا الجمهور، وصولاً الى تلبية المطالب في التغيير.

اليوم، من المفترض أن يكمل المجلس الوطني المعارض هيكليته في اجتماع القاهرة. لكنه، على رغم ما حصل عليه من تأييد في الداخل ومن المتظاهرين والمحتجين، لم يتحول الى الوعاء لعمل المعارضة. إذ ثمة أصوات وهيئات نافذة في معارضة الداخل لا تزال تتوجس، أساساً، من مسألة العلاقة مع الخارج واحتمال أن تفسح المجال أمام تدخل من نوع ما.

وإذا كان مفهوماً أن تشدد الشخصيات المعارضة في الداخل على رفض كل شكل من أشكال هذا التدخل، بفعل وطأة النظرية الأمنية للنظام عن «المؤامرة الخارجية»، ففي المقابل لم تقدم هي الأخرى، ما يمكن ان يكون بديلا من اجل حماية المتظاهرين. لا بل ابدى بعضها تحفظات عن المؤتمرات والاجتماعات في الخارج، ليس فقط لإعلان رفض التدخل وإنما أيضاً لتحفظات عن النهج السياسي لكيفية تغيير النظام.

وتكمن هنا مفارقة أخرى تتعلق بتغيير النظام عبر الحوار أو بتغييره عبر الحركة الاحتجاجية وتصعيدها. ما يضعف في الوقت نفسه النهجين. خصوصاً أن لا أحد يعتبر أن ما أعلن رسمياً من إصلاحات يمكن أن يؤسس لحوار يفضي الى التغيير المطلوب، كما إن الرهان على تحرك شعبي لا حماية له سينهك الجمهور المعارض.

واضح أن المطالبة بتطبيق شرعة الأمم المتحدة والمواثيق عن حقوق الإنسان والمواطن في سورية لن تؤثر في المعادلة اليومية للشعب السوري، والتي تواجه خطر أن تصبح معادلة روتينية لا معنى لأرقام القتلى المدنيين فيها. وواضح أيضاً أن النظام لن يتراجع عن خيار الأمن. لذلك لن تكون هناك حماية مضمونة للمتظاهرين إلا بجهد مشترك للمعارضة، سواء في الشعار السياسي أو في النهج العام للتعامل مع السلطات أو في توسيع التحرك الاحتجاجي. وشرط ذلك التخلي عن بعض التحفظات، من هذا الجانب وذاك، واعتبار أن المعركة الواحدة تفرض عملاً واحداً، لإلقاء أكبر ثقل ممكن على النظام لإتعاب آلة القتل لديه وإنهاكها.

============

المجلس الوطني السوري: هل ينجح في مهمته؟

الأحد, 09 أكتوبر 2011

خالد الدخيل *

الحياة

ربما أن إعلان المجلس الوطني السوري الاسبوع الماضي، وبعد أكثر من ستة أشهر على انطلاق الثورة، جاء متأخراً. لكن ربما ينطوي هذا التأخير على شيء إيجابي، فخلال الستة أشهر الماضية كانت الثورة من دون تمثيل سياسي لها في الخارج. كانت أصوات المعارضة متعددة، وأحياناً متناقضة في مواقفها، بين مُطالب بإسقاط النظام وآخَر بإصلاح النظام، بين الاستعانة بالخارج ورافض لهذه الاستعانة. وخلال الشهرين الأولين من بدايتها، لم يكن للثورة صوت سياسي واحد يعبر عنها، وكان الجميع في حالة ارتباك. بعبارة أخرى، كانت الساحة السياسية خالية أمام النظام الحاكم: وحده كان يملك السلطة، والمال، وأدوات العنف، والمؤسسة الإعلامية، والعلاقات الخارجية. كان شعبه الثائر من دون تدخل أو غطاء من أحد. المعارضة مرتبكة، والدول العربية صامتة، والمجتمع الدولي يعتبر النظام قابلاً لأن يكون إصلاحياً. كان بإمكان النظام استعادة المبادرة، وأن يكون الإطارَ الشرعيَّ الأوسع، الذي يستوعب ويستجيب لمطالب الشعب، لكنه لم يفكر في شيء من هذا القبيل، وليس في هذا من جديد، فما كان متاحاً للنظام مع بداية الثورة كان أكبر من ذلك بكثير على مدى أربعين سنة. هل كان النظام في حالة ارتباك؟ كانت الثورة السورية من حيث الترتيب الزمني هي الخامسة من بين ثورات الربيع العربي التي انطلقت في أواسط كانون الاول (ديسمبر) من العام الماضي، أي أنه كانت أمام النظام السوري ثلاثة أشهر للاستعداد، لكنه لم يتصرف إلا بما يشبه تاريخه تماماً. لم يستعدّ إلا للقمع، ونشر الرعب في مفاصل المجتمع السوري، تمشِّياً مع مبدأ «إما أن أحكمكم أو أقتلكم».

اعتبرالنظام الثورة مؤامرة خارجية، وفي الوقت نفسه أطلق ما يسميه حزمة «إصلاحات»! كيف يمكن أن يستجيب نظام سياسي لمؤامرة خارجية ينفّذها الشعب بحزمة إصلاحات سياسية لمصلحة هذا الشعب المتآمر؟ ما يعني أن أسباب الثورة داخلية، وأن النظام السياسي غير قابل للإصلاح، وأن رصيده في الداخل والخارج يتآكل باستمرار. واللافت أنه بعد ستة أشهر من الثورة، لم يجد النظام ما يحتفل به إلا الفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن الاسبوع الماضي. لم يجد شيئاً من الداخل يحتفل به، ولو فكرت قيادة النظام مليّاً، وأظنها فعلت، لتبيَّن لها، وأظنه تبيَّن، بأن هذا التصويت يشكل في المدى القريب عبئاً سياسياً عليها، فالمطلوب من النظام حلٌّ في الداخل، وليس البحث عن أصوات مؤيدة له في الخارج. لا تستطيع روسيا ولا الصين تغطية الحل الأمني للنظام في كل جلسة لمجلس الأمن وقتاً طويلاً، من دون شيء يقدمه لها النظام: إما تراجع الحل الأمني، أو تراجع في زخم الثورة، أو إصلاحات حقيقية يمكن تسويقها في الداخل والخارج. وقد قالها الرئيس الروسي نفسه بعد أيام من الفيتو، بأن امام الرئيس السوري «إما الإصلاح أو الرحيل». وهنا يتبدى مأزق النظام، لأنه لا يملك في الواقع شيئاً من ذلك، كل ما يملكه شعار إصلاح تحت ما يسميه «سقف الوطن»، أي بقاء حكم أسرة الأسد وبقاء النظام كما هو، مع بعض الإصلاحات الشكلية التي تعيد سورية إلى تجربة حسني مبارك في مصر ما قبل الثورة. طبيعة النظام تجبره على البقاء في حلقة مفرغة: لا يملك زمام الثورة ولا يستطيع الاستجابة لمطالبها، لا يمكنه التخلي عن الحل الأمني ولا يمكنه الانخراط في إصلاح حقيقي، لأن هذا يعني ولادة نظام جديد لا يشبهه أبداً.

هنا تأتي فرصة المجلس الوطني السوري: هو أمام نظام يواجه انتفاضة شعبية، وعزلته مرشحة للازدياد في الخارج، ولا يملك ورقة في الداخل إلا قوة السلاح العارية. البديل لمثل هذا النظام واضح: الانعتاق صوب الحرية والديموقراطية، لكن صعوبة هذا البديل وما يمثله من تحدٍّ ليست أقل وضوحاً، ويتمثل أحد أوجه هذه الصعوبة في مطلب «إسقاط النظام» الذي جعله المجلس هدفه الأول، وذلك تمسكاً بشعار الثورة. لماذا تبدو مهمة إسقاط النظام أصعب مما كانت عليه في تونس ومصر؟ يقال إن السبب يكمن في استقلال المؤسسة العسكرية في كل من مصر وتونس عن النظام السياسي، ما سهل مهمة انحيازها إلى جماهير الثورة وإقناع قيادة النظام بالتنحي أو الهروب. في الحالة السورية تتداخل المؤسسة العسكرية مع النظام السياسي، بل ومع الأسرة الحاكمة وحلفائها، ويضاف إلى ذلك أن الجيش السوري عقائدي، تتمحور عقيدته حول حماية النظام قبل أي شيء آخر. هل هذا هو السبب في عدم انشقاق المؤسسة العسكرية وانقسامها بين الثورة والنظام؟ ربما يصح ذلك في حالة مواجهة عدو خارجي، لكن أن يتورط الجيش في قمع المواطنين وقتلهم على مدى أكثر من ستة أشهر متواصلة، وأن يبلغ ضحايا هذه العملية عشرات الآلاف، ما بين قتيل وجريح ومفقود ومعتقل، ولا يزال القمع مستمراً، فإنه يصعب في هذه الحالة تقبُّل ما يقال عن علاقة المؤسسة العسكرية بالنظام كمبرر لعدم انشقاق هذه المؤسسة.

يكمن السبب في تضافر عوامل عدة: شراسة السياسة الأمنية للنظام، بقاء الغطاء العربي له، المتمثل في عدم التعاون مع المعارضة وعدم السماح بتوفير ملاذات آمنة لمنشقّيها وثوارها في البلدان المجاورة. جوار سورية إما معاد للثورة (العراق وحكومة «حزب الله» في لبنان)، أو عدو (إسرائيل)، أو الأردن، دولة صغيرة ذات موقع حساس بين دول كبيرة، لا تستطيع استقبال معارضين ومنشقين سوريين من دون دعم عربي.

تبقى تركيا هي الاستثناء الوحيد هنا، وهذه مفارقة تشبه ما كانت عليه إيران في السنتين الأخيرتين من حكم صدام حسين. لكن حتى تركيا تحتاج إلى غطاء سياسي عربي إذا ما قررت أن تتخذ خطوة كبيرة في هذا الاتجاه، أضف إلى ذلك تردُّدَ المجتمع الدولي على خلفية الأزمة المالية التي تعصف بأوروبا وأميركا، والتدخل العسكري في ليبيا، وقرار أميركا الانسحاب من العراق وأفغانستان.

يتضح مما سبق، أن الموقف العربي حاسم -بعد الداخل- في تقرير مآل الحالة السورية، وتبعاً لذلك تتضح صعوبة المهمة التي تنتظر المجلس الوطني. يدرك أعضاء المجلس، وهم من أبرز وجوه سورية الفكرية والسياسية، أن مهمتهم المباشرة تتمثل في إنجاز ثلاث خطوات ملحة، أولاً: تقديم بديل سياسي قابل للتطبيق ويحظى بإجماع الداخل. ثانيا: تحييد فكرة تحالف الأقليات التي تمثل محوراً مركزياً في الثقافة السياسية لمنطقة الشام، والتي يوظفها النظام في الداخل ومع الخارج، من خلال تحالفه مع إيران و»حزب الله» في لبنان، والأهم من ذلك، وهذا ثالثا: إقناع الدول العربية بأن موقفها الملتبس من النظام والثورة لا يخدمها ولا يخدم السوريين.

اتخذت هذه الدول في ظروف مختلفة الموقف الملتبس نفسه من النظام العراقي السابق، فماذا كانت النتيجة؟ سقط العراق في براثن الاحتلال الأميركي والنفوذ الإيراني والاحتراب الأهلي من منطلقات طائفية، ما ترتب عليه اختلال التوازنات في المنطقة ضداً على المصالح العربية. النظام السوري لا يختلف عن النظام العراقي السابق، فكلاهما يستند في بقائه على قوة القبضة الأمنية، ومعادٍ لطموحات الداخل، وفي حالة صِدَام مستمرة مع الخارج. لا يبدو أن الدول العربية، أو على الأقل أغلبها، معنيٌّ كثيراً ببقاء النظام، فما يقلق هذه الدول هو التداعيات التي يمكن أن تترتب على سقوطه داخلياً وخارجياً: هل يؤدي ذلك إلى حرب أهلية في سورية؟ وهل هناك بديل قادر على الإمساك بالوضع السياسي الذي قد ينجم عن ذلك؟ والسؤال الذي يأتي قبل غيره: هل يمكن أن ينجح النظام في القضاء على الثورة والمحافظة على بقائه؟ هذا سؤال ملحٌّ في الكثير من العواصم العربية، والمجلس الوطني هو الجهة الوحيدة التي يجب أن تقدم إجابة واضحة وذات مصداقية على مثل هذ السؤال. تبقى بعد ذلك مسألة العلاقة بين وحشية الحل الأمني الذي يطبقه النظام، وبين الحاجة الملحة لحماية المدنيين من القتل، وطبيعة الدور الذي ينبغي أن يناط بالخارج لتحقيق ذلك. يستطيع المجلس أن يكشف انتهازية النظام في استخدام الخارج (إيران و «حزب الله» وروسيا)، ومحاولة منع المعارضة من ذلك للاستفراد بالمدنيين في الداخل. هنا تبدو مفارقة السياسة في أسوأ صورها: نظام لا تتعاطف معه إلا قلة من المستفيدين، يعتاش على الخوف، وليس على الإنجاز. لكن الظروف الإقليمية والدولية تجعل من البديل هدفاً صعباً وفي المتناوَل في الآن نفسه. مهمة المجلس إذاً من نوع السهل الممتنع، الذي يتطلب إيماناً راسخاً بالقضية، وفكراً سياسياً مشعاً، ومهارة في الأداء، وتقديم بديل يلتف حوله السوريون قبل غيرهم.

* كاتب وأكاديمي سعودي

=============

هل يستطيع الأسد حرق المنطقة؟

عبد الرحمن الراشد

الشرق الاوسط

9-10-2011

الصحف التركية نفسها نقلت الرواية التي تقول إن الرئيس السوري بشار الأسد قالها صريحة للمبعوث التركي، بأنه مستعد وقادر على إحراق المنطقة إن تعرض حكمه للإسقاط.. سيشعلها ضد إسرائيل بحزب الله، وسيشعلها ضد تركيا بتحريك الانفصاليين الأكراد، وسيشعلها في الخليج عبر جماعات إيرانية.

ومع أن متحدثا باسم الخارجية التركية أنكر الرواية، فإن هذه الرواية هي الرسالة، حتى لو لم يقلها الأسد ب«عظمة لسانه»، ولو لم يسمعها وزير الخارجية التركي بأذنيه. فاستعداد النظام السوري لإحراق المنطقة عمل متوقع، لأن النظام عاش دائما على التوازنات الخارجية وليس على الإيقاع الداخلي، في لبنان وإيران وفلسطين وأخيرا في العراق بالتحالف مع إيران. وهو الآن يعتقد أنه يخيف الإسرائيليين، إن لم يهبوا لنجدته في واشنطن بمنع أي قرار دولي وإبعاد الأميركيين عن دعم المعارضة، بفتح الجبهة اللبنانية وتهديد أمنهم الداخلي. يعتقد أنه قادر على إيقاد الحرائق من جديد في العراق، حيث إن كل التنظيمات العراقية المعارضة والإرهابية موجودة في سوريا. ويعتقد أيضا أنه قادر على تحريك جماعات محسوبة على إيران في الخليج، في البحرين والكويت والسعودية، وتخويف العالم نفطيا وسياسيا.

العقلية الابتزازية، طالما كانت سياسة انتهجتها واشتهرت بها ثلاثة أنظمة في المنطقة، نظام الأسد ونظام صدام وكذلك نظام القذافي، من عمليات خطف واغتيال وتفجير وتمويل جماعات معارضة وتشويه سمعة وتحريض سياسي. لكنها عندما جاءت ساعة المواجهة فشلت تماما. نظام صدام لم يقف إلى جانبه أحد عندما كانت القوات الأميركية تسير من دون مواجهة تذكر من أقصى جنوب العراق إلى بغداد، واحتلت العاصمة بسرعة، حيث انهارت قوات صدام فورا. القذافي الذي كان يهدد العالم هو الآخر اضطر إلى الاستعانة بمرتزقة من الخارج للدفاع عن نظامه، وسقط هو الآخر.

ماذا عن الأسد؟ بالتأكيد، نظامه أكثر تماسكا من نظام القذافي، وبالتأكيد أكثر شراسة، ولديه ارتباطات مع منظمات عربية وجماعات إيرانية ومع النظام الإيراني، الذي يعتبر قمة الهرم الإرهابي في العالم، ومع هذا فإنه هذه المرة لا يواجه أنظمة عربية أو مصالح أجنبية، بل يواجه شعبه الذي فشلت كل وسائل القمع والترويع في ردعه عن الخروج والمطالبة بإسقاط النظام. إذن لماذا يفعلها إن كانت المظاهرات ذاتية الحركة؟ يعتقد أن تخويف القوى الإقليمية، مثل تركيا والخليج، سيسهم في منعها من مد يد العون للمعارضة وقوى الاحتجاج السورية، والأهم يعتقد أنه يخيف هذه الدول حتى تترك له المجال ليستمر في مجازره داخليا حتى يخمد الثورة. لكن ليست تركيا ولا السعودية، ولا غيرهما من دول المنطقة، هي التي أوقدت الانتفاضة، وليست بالقادرة على إطفائها. إنها نتيجة طبيعية للثورة على واحد من أقسى الأنظمة في العالم وأشدها قمعا على مدى أربعين عاما، وبالتالي هذه حركة شعبية ذاتيه حقيقية، وربما كل ما استعارته من الخارج أنها استلهمت من حركة الاحتجاج التونسية الشعبية ثورتها. كل ما يفعله نظام الأسد الآن أنه يغلق المنافذ على نفسه بتهديده دول المنطقة وشعوبها إن ساعدت السوريين بأي صفة كانت، أو إذا لم تساعد النظام في دمشق على الوقوف والبقاء. القذافي مارس الكثير من التخويف والتهديد، فلما حانت لحظة النهاية لم يجد من يساعده على مخرج يؤمن له الملجأ أو يحفظ له شيئا من الكرامة.

لهذا القذافي اليوم تائه في الصحراء الليبية يتنقل خائفا، وما المسألة إلا وقت حتى تحين لحظة نهايته كشخص بعد أن انتهى كنظام، وهذا ما سيواجهه نظام الأسد.

==============

السوريون شركاء بالدم

طارق الحميد

الشرق الاوسط

9-10-2011

لطالما قال المتشككون في الثورة السورية إن المعارضة لم تستطع توحيد صفوفها، وكانوا يستشهدون بتأخر تشكيل المجلس الوطني، والتباين بين المعارضة السورية والأكراد، لكن استطاع النظام الأسدي توحيد صفوف السوريين بشكل مذهل.

فإلى فترة قريبة كان البعض يتشكك في نوايا ودوافع أكراد سوريا تجاه الثورة غير المسبوقة ضد نظام بشار الأسد. وكان البعض أيضا - دولا وشخصيات اعتبارية - يتشككون في دور حلب في الثورة، وأنه ما دام لم تشارك حلب ودمشق فإن النظام الأسدي لا يزال بخير. لكن النظام الأسدي كفى الجميع عناء التشكك، والتحليل، حيث ساهم بشكل كبير في توحيد صفوف المعارضة السورية، بل وجعلهم شركاء بالدم. وآخر مثال على ذلك اغتيال الزعيم الكردي المعارض مشعل تمو، الذي يعني اغتياله أن النظام الأسدي أجبر أكراد سوريا على أن يكونوا شركاء لكل الثوار السوريين، وإن لم يريدوا ذلك، ليس تواطئا، بل لحسابات أخرى معقدة.

كما أن اغتيال تمو لا يعني تحرك الأكراد فقط، بل يعني أن حلب باتت على وشك الانفجار، وهو ما ذكرناه سابقا حين قلنا إن أمرا ما يغلي هناك، فاغتيال الزعيم الكردي يمثل نقطة تحول في الثورة السورية، مثله مثل عملية الاعتداء على المعارض السوري رياض السيف، التي تذكر، مثلها مثل عملية اغتيال التمو، بأن النظام في دمشق قد تحرك الآن للخطة رقم 2، وهي خطة تصفية رموز المعارضة السورية بعد أن فشل في فرض الرؤية الأمنية.

فالواضح اليوم أن النظام الأسدي قد فقد صوابه من عملية تشكيل المجلس الوطني السوري في إسطنبول، التي باتت تجلب اعترافات دولية، وإن كانت محدودة. فتلك المجالس كانت هي نذير الشؤم على نظام صدام حسين، ومن خلالها زال حكم معمر القذافي، ويبدو أن لهذه الأسباب بتنا نرى تكثيفا في عمليات اغتيال رموز المعارضة السورية. والحقيقة أنها عمليات لم تقمع الثورة السورية، بل وحدت صفوفها، كما وحدت الشارع من خلفها. فأخطاء النظام الأسدي باتت تجمع الفرقاء السوريين بشكل يفوق طموح كل الراغبين بزوال هذا النظام القمعي. وها نحن اليوم نسمع الروس، مثلا، وهم أصحاب النفاق السياسي الواضح، يقولون للأسد بأن عليه الإصلاح أو التنحي، حتى بعد استخدام موسكو لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد قرار لإدانة نظام بشار الأسد، حيث لم يعد هناك مجال للدفاع عن النظام الأسدي الذي بات ألد أعداء نفسه، وليس الغرب، أو الخارج، أو حتى الثوار السوريين. ولذلك، فإن من يرتكب هذه الأخطاء لا يمكن أن يستمر في الحكم، ومهما فعل.

فاغتيال الزعيم الكردي جاء كورقة رابحة للمعارضة السورية، بكافة أطيافها، كما جاء ورقة رابحة أيضا للأتراك الذين يواجهون مؤامرات النظام الأسدي في تحريك بعض الجهات الكردية ضدهم. وبعد اغتيال الزعيم الكردي مشعل تمو، فلم يعد بإمكان أي من الأكراد أن يكون حليفا للنظام الأسدي، ناهيك حتى عمن يلتزم الحياد. فأخطاء النظام الأسدي تلزم المجنون اتخاذ خطوات عقلانية. لذا، فإن السوريين اليوم، وبكافة مشاربهم، شركاء بالدم الذي أساله النظام الأسدي في سوريا!

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ