ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 08/10/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

"ثالوث" سوريا - السعودية - مصر... قابل للإحياء؟

سركيس نعوم 

النهار

7-10-2011

للمرة الاولى منذ اندلاع الانتفاضة في سوريا ظهر نائب ووزير لبناني سابق وسياسي دائم وحليف ل"سوريا الاسد" باسماً ومرتاحاً ومُنَكِّتاً واحياناً ضاحكاً على احدى شاشات التلفزة اللبنانية. فاجأ ذلك اخصامه واصدقاءه في آن واحد لأنه مرّ بمرحلة من "التعصيب" والتوتر بدأت عام 2005 وتصاعدت مع "استهداف" اميركا له وبلغت الذروة في 25 آذار الماضي. وفي المرحلة المذكورة كان دائماً عابساً ويغضب في سرعة بل ينفعل، الامر الذي اثّر احياناً كثيرة على صدقية "معلوماته"، وعلى الحلقات الحوارية التي كان يشارك فيها، فضلاً عن مقدميها الذين كان يحرجهم احياناً "انفلات" اعصابه. دفع الاسترخاء المذكور اعلاه الاخصام والاصدقاء الى محاولة استجلاء دوافعه، ذلك انهم يعرفون تماماً ان استرخاءه لم يكن مصطنعاً لأنه لا يعرف ان يتصنّعه مثلما لا يعرف ان يتصنّع الغضب. وبعد شيء من الاستقصاء توصلوا الى اقتناع بأن ما يمتلك من معطيات ربما يشير الى ان الازمة الخطيرة الاولى التي يواجهها النظام السوري، "حليفه"، والتي تهدّد استمراره قد تصبح من الماضي بعد نجاح قواته الامنية والعسكرية في ضرب المنتفضين الذين سماهم جماعات تخريبية مسلّحة، وبعد نجاحه في إقناع غالبية الشعب السوري بعدم الانضمام الى هؤلاء، الأمر الذي ابقى تظاهراتهم محدودة وإن متنوعة الجغرافيا.

وللمرة الاولى منذ شهور عدة يقول الذين يقابلون الرئيس السوري بشار الاسد شخصياً او مساعديه الكبار انهم وجدوه مرتاحاً. ف"القطوع" الكبير قد تم اجتيازه في رأيه امنياً وعسكرياً في الداخل، وسياسياً من خلال الاستمرار في الخطوات الاصلاحية وإن تدريجاً. فضلاً عن أن الوضع الخارجي للنظام الذي يقود حافَظَ على قوته أو ازداد قوة. وقد تجلّى ذلك بداية في استمرار دعم ايران الاسلامية له، وفي تحوّل العراق داعماً له ايضاً ومعه لبنان "الحاكم". كما تجلّى في استمرار تأييد دول كبرى له مثل روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب افريقيا، او بالأحرى في تفهمها له. ولعل اكبر تجلٍّ لاستمرار النظام السوري قوياً او ربما لازدياد قوته كان قبل يومين، عندما مارست روسيا والصين حق النقض اي "الفيتو" في مجلس الامن ضد قرار يتعرض له رغم إقدام مقدِّميه على تخفيف لهجته ومطالبه. وهو موقف فاجأهم كثيراً لأنهم كانوا وحتى قبل ساعات من التصويت يظنون ان الدولتين المذكورتين ستنضمان الى "الركب".

هل هناك دوافع اخرى لارتياح النظام السوري ومعه "الحلفاء" اللبنانيين؟

يجيب قريبون من دمشق ومتّصلون بدوائر السلطة المُقرِّرة فيها بالاشارة الى دافع مهم بدأت ملامحه تتكوّن منذ مدة وقد يكون صار قريباً من التبلور وربما من التجسُّد. الدافع هو بروز مؤشرات تفيد ان الموقف العربي المتضامن بغالبيته ضد نظام الاسد ومع المنتفضين عليه ربما بدأ يشهد نوعاً من التصدُّع. او بالأحرى بدأ اصحابه يعيدون حساباتهم، ويعيدون تقويم الاوضاع الراهنة في المنطقة، ونتائج تطورها السلبي الماثل للعيان عليهم وعلى بلدانهم بل على المنطقة كلها. وكي لا يبقى الكلام عمومياً، يقول هؤلاء ان المملكة العربية السعودية التي اعلنت رسمياً موقفها السلبي من الاسد ونظامه بعد خمسة اشهر من بدء الانتفاضة عليه، اعتبرتها فرصة له للامساك بالوضع بالامن والاصلاح، يقولون انها في مرحلة قراءة جديدة، وقد تكون على اهبة موقف سياسي جديد. ويقولون ايضاً ان مصر، ورغم انشغالها بثورتها التي لم تنته فصولاً بعد، قد تكون دخلت مرحلة مماثلة. ويقولون ثالثاً ان فكرة إحياء الثالوث "السوري - السعودي – المصري" الذي كان "مفيدا" للعرب وقضاياهم وانظمتهم في العقود الماضية قد تترجم عملياً في وقت ما. ويقولون رابعاً ان ما شهدته السعودية قبل ايام قليلة، وهو كان يقلقها من زمان، من شأنه دفعها اكثر في طريق إعادة القراءة والنظر في الموقف المعلن سابقاً. لكن القريبين انفسهم يقولون في الوقت نفسه ان نجاح هذه الافكار يحتاج الى التزام جدي من الاسد بإصلاح جدي بل الى مباشرة تنفيذه، إذ من دون ذلك لا أمل في احياء "الثالوث" المذكور.

هل كل ذلك جدي او احلام او تمنيات او أوهام؟

القريبون من سوريا انفسهم يؤكدون المراجعة المشار اليها ويتمنون نجاحها، ذلك ان فشلها لن يسقط النظام، القادر على الصمود بجيشه وقواته الامنية والعسكرية و"بعصبيته" وإن توسعت الانتفاضة وتحولت ثورة، لكنه قد يُسقِط سوريا كلها في الفوضى والحرب الاهلية. ويسألون: ايهما افضل؟

==============

الربيع العربي في مجلس الأمن

د. محمد حسين المومني

الغد الاردنية

7-10-2011

قيل في تفسير روسيا لموقفها الرافض لقرار من مجلس الامن يدين سورية ويهيئ لعقوبات تحت الفصل السابع الذي قد يسمح بتدخل عسكري فيما بعد، أن روسيا لا تريد تكرار ما حدث في ليبيا عندما صدر قرار مجلس أمن محدد ومقنن، ليتم بعد ذلك انتهاكه من قبل منفذيه وتحويله إلى حرب على ليبيا. وقيل أيضا في معرض الفيتو الروسي-الصيني إن سورية ليست ليبيا ولا يمكن أن تعامل بنفس الطريقة. وهذا كلام صحيح الى حدود معينة رغم حرفيته وإغفاله لأحقية ما حدث في ليبيا، حتى لو كان تجاوزا على حدود قرار مجلس الأمن بشأنها. لكن المقلق والناقص في موقف روسيا-الصين هو عدم تقديم أي اقتراح أو بديل أو رؤية للقرار الأممي المرفوض للخروج من الأزمة السورية الحالية المرشحة للتفاقم والتمدد إلى خارج حدود سورية. ما كان يجب أن تضيفه الدبلوماسية الروسية-الصينية هو إدانتها لقتل المدنيين السوريين، وإخبارنا كيف تعتقد أن ذلك سينتهي، وما الذي ستفعله في سبيل تحقيقه.

قليلون من يعتقدون أن تكرارا لما حدث في ليبيا سيحدث مع سورية، لأن سورية ليست ليبيا وهذا صحيح، ولكن وسيلة دولية وإقليمية من نوع آخر يجب أن تتأتى، لأن ما يحدث في سورية لا يمكن السكوت عنه وهو مرشح للتزايد. الدول التي استخدمت حق النقض "الفيتو" معنية بأن تقدم اقتراحات، وأن تتدخل لدى سورية لكي تنقذ الموقف، لا أن تتصرف وكأنها الحارس والراعي الرسمي لإبادة شعب بأكمله. كما أن الصين وروسيا تعتقدان وتجزمان أن ما حدث في ليبيا خطأ، وأن الدور الدولي هناك كان تجاوزا وهذا غير صحيح، فالثابت أن العرب والعالم كانوا شبه مجمعين على ضرورة وأحقية وإنسانية التدخل الدولي في ليبيا، والغالبية لم تعتقد للحظة أن ما حدث هناك احتلال أو انتداب من أي نوع. ما حدث هو تدخل عربي ودولي لإنقاذ شعب من الإبادة التي لولا حدوثها لما أجمع أحد على التدخل ولما أرادوه.

القرار الأممي الذي تم إيقافه ما كان ليصبح ذا دلالات تطبيقية في تقديري لأن سورية ليست ليبيا، بل أقرب لحالة العراق التي ترتبط بذهنيتنا بسواد داكن. ولا أعتقد أن العالم والإقليم قادران أو راغبان في تكرار مأساة العراق الكارثية، ولكنّ قرارا أمميا كان ليسهم بدرجة أو أخرى في تخفيف قتل الأبرياء العزل من الشعب السوري عن طريق الضغط على آلة القتل التي تستبيحهم.

سورية نجت من قرار أممي وشيك بسبب تصفية حسابات أممية يظهر أن الشعب السوري سيكون أول من يدفع ثمنها. وتتحمل روسيا والصين الآن مسؤولية سياسية وأخلاقية كبيرة تجاه هذا الشعب الذي يخضع لأبشع أنواع التنكيل. وبتقديري أن موقف البلدين لا يعكس فهما دقيقا لما يجري في سورية والإقليم، والأرجح أنهما سيتكبدان تكلفته السياسية في المستقبل، لأن المجتمع الدولي ودول الإقليم ستستمر في البحث عن أساليب تواجه بها الأزمة السورية وتداعياتها، حتى لو كان ذلك خارج إطار منظومة الأمن الجماعي الدولي المتجسدة بمجلس الأمن.

==============

هذا قدر الكبار

عناية جابر

2011-10-06

القدس العربي

بقيت أماطل، أتدلل وأُؤّجل زيارتي المشتهاة الى دمشق، حتى برعم الربيع عندهم أزهارا.. وأشواكا أيضاً، لكنه الربيع وقد دارت دورته وآن أوانه. من سنوات طويلة لم أزر الشام. بقيت أؤجّل وأتدلل حتى حصل ما حصل، والآن يغمرني السعي إليها، الى حقيقة وجودها الداخلي وأشكال حركة روحها. حسبة بسيطة بيّنت لي استحالة أن أذهب وألا أذهب، وبقيت موّزعة في إنهاك الرغبة ولؤمها، وقد قسّمت حسبتي الى مجموعات أفكار لبنانية متدرّبة جيداً ضد بعضها، وأضفت عليها إذا توّخيت الدّقة - أفكاراً غير حقيقية تتهكّم منيّ بشكل أساس، وتتضمن كل شيء عن كل شيء، وعن سلامي الداخلي

والخارجي وعن الخوف، عن الشجاعة، عن المغامرة، عن السلامة وتوخي الحيطة والحذر.

صور أصحابي تتدّفق في رأسي مثل موجات عاتيات، ويباغتني شوق الى حضن حقيقي، وأشعر برغبة أن يتدفّق مصيري الشخصي جارياً، في نفس الاتجاه الذي تتدّفق إليه مصائرهم.

أشتاق الى دمشق. هذا التحوّل من شيخوخة العالم الى اكتشاف جماله مشابه تماماً لتلك النظرة التي يقيم فيها الحب، والتي تظل درساً باعثاً على البكاء الى أن ننتبه الى خطورتها، فنكّف. شوقٌ ينمو في الأعماق ويروح يضغط على قلبي بكل تلك المقاومة البدئية التي يمتلكها المرء ضد هذا العالم المتحجّر، المتحوّل أصلاً الى ملايين أطنان الأشلاء، والأحجار، ضد هذا المنظر القمري الجامد للعاطفة، الذي يجد المرء نفسه مقذوفاً فيه بلا إرادة.

صمت منذر المصري يصّم أذنيّ. يسعني تفلية نهاراته ولياليه وملاحظة ظلال إجهاش داخلي ووحدة مدّوخة. ربما كان صحيحاً أن معظم الناس يجدون القناعة والراحة في أن يلقوا العالم، باستثناء بعض الصغائر، جاهز الصنع، كما انه لا ينبغي أن يُثار الشك بايّ شكل، حول أن ما يصمد في النهاية ليس بطولياً فحسب، وإنما هو أيضاً أساس الجمال والخير، رغم أنه ينبغي أن أتحدّث عن عميق حزني الذي يمتلك بعض الظلال، ويشعر به الناس الذين يعيشون وفق ما يقررّونه هم أنفسهم.

أفتح وعييّ بحيوية مفاجئة، كامل الروعة الطبيعية للشام المقدسة، وفكرّت كيف يمكن للبطش أن يفترس البشر في تلك البلاد، وقبة السماء فوقها وانسجام الخطوط والمساحات الغوطية التي تعصى على الوصف، وهو يمسك بالنظرة السوداء ويقودها بين الناس، منهم من يمّر تحتها ويسقط مضرّجاً لا محالة، ومنهم من يمّر فوقها هم وكتبهم وعاداتهم واخلاقهم وأشجارهم ومقاهيهم وكاسات نبيذهم واشعارهم ورسوماتهم وأصواتهم الرخيمة.

قاس هذا الوقت على الشام مثل ختم الطباعة، لكنها هي كاملة، كاملة وجاهزة الى الحدّ الذي يكون فيه العالم حيالها، مجرد ضبابة فائضة، نفثة صغيرة مطرودة تركها الله ولم يُعن بها.

العنيف الرقيق جولان حاجي، يحلم بين حين وآخر، واعتقد أني اكتشفت الصدع في صدفته المتحّجرة، ومنه تسلل إليها كثير من رقتيّ. ملاك مُدمّر حين رأيت جولان حاجي في بيروت، وهو يحاول الابتسام، فانفجر في ضحكة صامتة، وتعّقد حاجباه وانبثق من هذا الجنيّ الصغير، تعبير رقيق، حازم ومرعب على استعداد لفعل أيّ شيء في سبيل حريته.

تدهمني أيضاً صورة رشا عمران، تلك الغجرية الأسطورية التي تطيعها الأفكار، بل يمكن القول انها تفهمها. رشا الملتاعة على سورية تعرف جيداً طبيعة الصلب، بحيث

أنها بقيت طيعة له، محبة وشجاعة وحقيقية وممسكة بقميص الشام في فمها الرقيق، وكلماتها القوية.

ليس ثمة خاتمة سعيدة قريبة، هذا قدر الكبار، مع ذلك هو الربيع في النسغ، جريانه هادر وعال. ليس من خاتمة سعيدة قريبة، وبالطبع هذا يمسني شخصياً أيضاً ويضعني على لائحة الانتظار. ليس ثمة خاتمة سعيدة قريبة، هذا يحوّل الإدمان على الحب الى حركة تتراوح بين التعاسة، وانفراجات مشمسة في الذات المضببة. ليس ثمة خاتمة سعيدة قريبة، لكنها تأتي أخيراً، متمهلة وأكثر سعادة من الخواتيم المستعجلة.

أفكرّ في أصدقائي السوريين. إنهم جميعاً أصدقائي سواء كنت أعرفهم شخصياً أم من خلال كتاباتهم وأسمائهم فقط. أصدقائي سواء أكانوا في مثل عمري أو أكبر أو أصغر،

وها هي بيوت الشام تنتصب في خيالي في ضوء ما بعد ظهيرة لئيمة، لكن الناس الذين تركوا وراءهم هذه البيوت، لم يعد لهم أيّ مطلب في الحياة سوى تلك البيوت التي تركوها.

لقد قطعوا الطريق الذي يقصر أو يطول قليلا ولذلك فإن التاريخ، وهو يقدّم وصفه وتأريخه لسورية، قد يبلغ عنهم ذات يوم .'كان موجود ذلك الاستعداد الى الموت في سبيل سورية، بحيث يمكن القول حقاً، ان هذا كان شكل التسلسل الصحيح لولادتها. توّجب أولاً التعذيب، القهر، الأم، وبعد ذلك تعلمت البشرية شيئاً من ولادة سورية حرّة،

هكذا يوضح لنا التاريخ في ما بعد.

==============

'فيتو' موسكو والرهان على شرعية رامي مخلوف

صبحي حديدي

2011-10-06

القدس العربي

قبل أن تستخدم روسيا والصين حقّ النقض في مجلس الأمن الدولي، لتعطيل قرار يدين ممارسات النظام السوري في قمع الانتفاضة الشعبية، كان البلدان قد استخدما في واقع الأمر الحقّ ذاته الذي سبق للولايات المتحدة أن استخدمته، مراراً وتكراراً، لتعطيل أيّ قرار يمسّ إسرائيل، لكي نبقى في قضايا المنطقة.

كذلك كانت روسيا والصين تتساويان، في استخدام ال'فيتو'، مع جميع القوى العظمى التي تحتكر هذا 'الحقّ' وتلجأ إليه دفاعاً عن مصالحها القومية، في المقام الأوّل، ومصالح الحلفاء والشركاء والأصدقاء في المقام الثاني، وكلما اقتضت الضرورة. مَنْ كان منهم بلا خطيئة، في هذا المضمار، فليرجم موسكو وبيجينغ بحجر!

غير أنّ هذه الحقيقة البسيطة، التي لا ينكرها أحد حتى في صفوف أشدّ السذّج طوباوية، لا تُبطل مقدار قلّة الأخلاق في استخدام القوى العظمى لل'فيتو'، هذا إذا توجّب الاكتراث بأي 'خلق قويم' في السياسة أصلاً، من جهة أولى؛ كما لا تقي الشعوب أو القضايا محلّ اختلاف تلك القوى، ومبرّر ذهابها إلى النقض، مخاطر ما تنطوي عليه سيرورة تعطيل مشروع القرار، من جهة أخرى. وإذا توفّرت قلّة تعلّق الكثير من الآمال على تمرير أي مشروع في مجلس الأمن الدولي ضدّ النظام السوري، فإنّ غالبية المراقبين يمكن أن تقتفي منطق الأمور الأبسط، فترى في إصدار القرار نافذة ضغط نوعي، معنوي وملموس في آن، لا يجوز إغلاقها أمام الشعب السوري.

من وجهة النظر الصينية، تبدو خيارات مساندة النظام السوري أوضح، وأسهل في الواقع، لأنّ بيجينغ تنفر نفوراً تاماً، وغريزياً على نحو ما، من أيّ 'فيروس' ديمقراطي يمكن أن يبلغ الشارع الصيني، حتى إذا ابتدأت حضانته على مبعدة مئات الآلاف من الأميال، أو كان من طينة ثقافية وسياسية مختلفة تماماً. كذلك ليس في وسع الصين أن تهدر، من نيويورك وفي قاعة مجلس الأمن الدولي، استثمارات بمليارات الدولارات في سورية، سواء في القطاع العام أم تلك التي يشهدها القطاع الخاصّ، ويديرها (ليس من دون مفارقة صارخة) رجل الأعمال السوري محمد حمشو، أحد كبار تماسيح الفساد في البلد، صاحب قناة 'الدنيا' الأشدّ تطبيلاً للنظام وتزويراً لإرادة الشعب وتشبيحاً ضدّ الانتفاضة، الذي يحدث ايضاً أنه... رئيس 'مجلس الأعمال الصيني السوري'!

فإذا انتقل المرء من تفويت فرصة الضغط على النظام إلى النقيض، أي إسداء خدمة لمخططاته ومزاعمه ودعاوته، وإلحاق الضرر بالانتفاضة والشعب السوري؛ فإنّ من اليسير ترقّب طبيعة التوجهات التي يمكن أن تتخذها ردود الأفعال المعاكسة في الشارع الشعبي السوري: ابتداء من ارتفاع مقادير البغض للبلدين، إسوة بالحكومتين كما يتوجب القول، مروراً بحرق أعلامهما أثناء التظاهرات، وليس انتهاء بتقديم ذريعة جديدة للذين ضاقوا ذرعاً بسلمية الانتفاضة وأخذوا يطالبون بتسلّحها ويدعون إلى انتهاج عنف دفاعي مضادّ في وجه آلة النظام الوحشية.

لا تُنسى أيضاً، رغم أنها هامشية وغير جوهرية، درجة الإحباط التي قد تصيب الشارع الشعبي إزاء المبتهجين بقرارَي ال'فيتو'، الروسي والصيني، ليس في صفوف السلطة وأبواقها وأتباعها، فهذا أمر منتظَر بالطبع، بل في الأوساط التي تحتسب ذاتها على المعارضة. فإذا تجاهل المرء موقف شخصية هلامية وسلطوية مثل قدري جميل، ممثّل ما يُسمّى 'الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير في سورية'، الذي اعتبر أنّ ال'فيتو' الروسي يشبه ما جرى في العام 1956 عندما استخدم الاتحاد السوفييتي حقّ النقض أثناء العدوان الثلاثي على مصر؛ فماذا يُقال في موقف حسن عبد العظيم، حامل هذه المسؤوليات الجسام مجتمعة: الأمين العام ل'حزب الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي العربي'، والناطق باسم 'التجمع الوطني الديمقراطي'، والمنسق العام ل'هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي'، الذي دعا موسكو إلى أن تكون 'متوازنة' في علاقتها بكلّ من النظام والشعب في سورية؟

مصالح روسيا، التجارية والعسكرية والسياسية، التي تقف وراء مساندة النظام السوري، ليست سرّاً على أحد، ولا ينبغي لها أن تكون مفاجئة إلا لبسطاء العقول ودعاة الخلق القويم في السياسة، والطوبى في الاقتصاد. يقرأ المرء تقريراً حديث العهد في الطبعة الإنكليزية من صحيفة 'أخبار موسكو'، فيقع على استثمارات روسية في سورية تبلغ 19.4 مليار دولار، تتركز أساساً في التسلّح والبنى التحتية والطاقة والسياحة. تُضاف إلى هذا حقيقة أنّ الاتحاد السوفييتي المنحلّ كان المزوّد الأكبر لأسلحة الجيش السوري، وأنّ الديون المترتبة على دمشق وصلت إلى 13.4 مليار دولار، محت موسكو القسم الأعظم منها في ما بعد، واستبدلتها بعقد تسليح يبلغ أربعة مليارات، جرى التوقيع عليه سنة 2006.

من المعروف، أيضاً، أنّ إيران هي التي تتعهد سداد غالبية هذه الفواتير، ليس إكراماً للنظام السوري في الاعتبار الأوّل، بل لأنّ بعض هذه الأسلحة يُعاد شحنه إلى طهران، ضمن سياسة موسكو في التحايل على قرار حظر تصدير السلاح إلى إيران، وهذا بُعد أقليمي، ودولي، للموقف الروسي في تأييد النظام. بُعد آخر، ذو طبيعة مشابهة، يتمثّل في التسهيلات التي تحصل عليها موسكو من منشأة الخدمات البحرية الواقعة على الساحل السوري، في طرطوس، التي ترقى عملياً إلى مستوى القاعدة البحرية.

أهمية هذه المنشأة انها تُعتبر نافذة موسكو الثانية على المياه الدافئة بعد ميناء سيباستوبول على البحر الأسود، إذ أنّ جميع الشحنات البحرية الروسية ينبغي أن تمرّ من مضيق البوسفور، الواقع في المياه التركية.

وفي مطلع أيار (مايو)، سنة 2005، حين قام بزيارته الرسمية الأولى إلى دمشق (وكانت أيضاً أوّل زيارة يقوم بها رئيس روسي إلى سورية، في عهد الاتحاد الروسي) اختار ديمتري ميدفيديف صحيفة 'الوطن' السورية الخاصة، وليس أية صحيفة أخرى حكومية مثل 'البعث' أو 'الثورة' أو 'تشرين'، لتوجيه رسالة إلى الشعب السوري. أغلب الظنّ، اعتماداً على المنطق البسيط، أنّ المستشار الذي نصح مدفيديف باختيار 'الوطن' لم يكن جاهلاً بشؤون سورية المعاصرة، وكان يعرف أنّ الصحيفة أطلقها ويملكها رامي مخلوف، ابن خال الرئاسة وأشدّ رجال الأعمال السوريين نفوذاً وسطوة، وأعلاهم سيطرة على ميادين المال والاستثمار والتجارة والتصنيع المحلي. وبذلك فإنّ استقراره على اختيار هذه المطبوعة بالذات لم يكن عشوائياً ولا بريئاً، وكان إرسال إشارات ذات مضامين سياسية واقتصادية واستثمارية هو القصد؛ لم يغب عنها المغزى الإيديولوجي ربما، في تفضيل القطاع الخاصّ على الحكومي.

مدفيديف ونقتبسه، هنا، في نصّ صحيفة 'الوطن' السورية استذكر علاقات التعاون التاريخية بين البلدين، وعدّ عشرات المشاريع الصناعية ومشاريع البنية التحتية؛ ثمّ انتقل مباشرة إلى ما يهمّ موسكو بصفة أولى في ميزان العلاقات الدولية، أي نظام تعدد الأقطاب، وقال: 'قبل كل شيء يجب تفعيل الحوار السياسي المتعدد الأبعاد، وتجمعنا فكرة إقامة نظام عالمي عادل يقوم على سيادة القانون الدولي، ومساواة كل الدول أكانت كبرى أم صغرى والتعامل بينها من أجل حلّ القضايا العالمية، بما فيها التحديات والمخاطر الجديدة التي نواجهها في القرن الواحد والعشرين'.

وللوهلة الأولى تبدو هذه النقطة أقرب إلى تحصيل حاصل متفق عليه ويحظى بإجماع طبيعي، لولا أنّ ما وراء الأكمة فيها يُظهر منطقاً آخر مختلفاً، لعلّه يطيح بقسط كبير من روحية الاتفاق. ذلك لأنّ النظام السوري يمدّ يد الصداقة إلى موسكو، ولكنّ القلب يخفق لهفة على تحسين العلاقات مع واشنطن، قبلئذ وبعدئذ وفي الغضون، فهذه لا تكتسب الأولوية على المستوى العملي التكتيكي فحسب، وإنما قد تكون الغاية القصوى والعليا على المستوى الاستراتيجي كذلك. وموسكو لا تجهل هذا، بل كانت تقيم التوازن مع نظام الأسد الابن على هذا المعيار طيلة عهد الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين، وحتى سنة 2005 عندما قرّر الأسد اتخاذ خطوة نوعية تجاه موسكو حين ضاقت به سبل ترطيب الأجواء مع واشنطن.

والمرء، بالطبع يتمنى أن تلعب موسكو أي دور حيوي يكسر نظام القطب الأمريكي الواحد، لولا أنّ التعويل على روسيا الراهنة هو ضرب من الاتكاء على قوّة عالقة في شباك مآزقها المحلية والوطنية ذاتها، قبل مآزق الكون.

وليس جديداً التذكير بأنّ روسيا تعاني من انحدار متواصل في مستوى المعيشة، وتآكل ثابت في القدرة الشرائية، وفشل متواصل في الخطط الاقتصادية، وتضخّم وعجز وبطالة وعصابات مافيا. وروسيا العقد الأوّل من القرن الواحد والعشرين ترتدّ إلى ما يذكّر بروسيا أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وكأنّ مشاهد البلاد اليومية قفزت مباشرة من أفلام سيرغي ميخائيلوفيتش أيزنشتاين.

وإذ ترتدّ هذه الأيام إلى ما يشبه المربّع الأول في حسابات القوّة الدولية، فذلك لأنها تعود من بوّابة واحدة وحيدة هي كاريكاتور التحديث الليبرالي، الذي يتجلّى في صورته الأكثر بشاعة وإثارة للرعب: مخلوق ديناصوري نووي اغترب عن هويته وعن أطرافه الجغرافية والسكانية (25 مليون مواطن روسي يقيمون في بلدان الجوار غير الروسية)، لا يستطيع التقدم خطوة إلى الأمام إلا إذا توقّف في المكان بمعدل زمني يساوي خطوتين إلى الوراء. فكيف يمكن لروسيا، وهي على هذه الحال، أن تتنافس مع سواها من القوى الكونية في إقامة نظام متعدد الأقطاب، تكون فيه مالكة أي قول وفصل، ما خلا 'حقّ' النقض' إياه؟ وهل ميادين تنافسها مع واشنطن أو باريس أو لندن أو برلين... انتقلت إلى درعا وحمص وحماة ودير الزور واللاذقية، حيث يختلط دم الشهيد السوري برماد العلم الروسي؟

خطأ موسكو القاتل أنها هذه المرّة، على نقيض سوابق العلاقة مع النظام السوري، تراهن على عصبة تحتضر، آيلة إلى سقوط وشيك، ولا يدلّ سلوكها الانتحاري إلا على سكرات الموت، وقد فقدت كلّ شرعية ما عدا تلك التي ما يزال ال'فيتو' الروسي يتمسّح بها، ويبحث عنها عند أمثال بشار وماهر الأسد، رامي وحافظ مخلوف، آصف شوكت وعلي مملوك ومحمد حمشو وطريف الأخرس... فأيّ غرابة، إذاً، في أن لا يتورّع الديناصور الروسي عن مساندة وحوش القمع وذئاب النهب في سورية، على مستوى الأفراد إسوة بالنظام والمؤسسات؟ ولماذا لا تدافع موسكو عن نظام ديناصوري بدوره، وتوريثي أيضاً (حتى إذا اختلفت قواعده عن لعبة الكراسي الرئاسية بين مدفيديف وبوتين)، لا يتقدّم خطوة إلا لكي يرتدّ عشر خطوات؟

==============

على هامش المسألة السورية: الثورة وفوبيا الأقليات

الجمعة, 07 أكتوبر 2011

ماهر مسعود *

الحياة

لنعد إلى الماضي قليلاً: صنعت أميركا في حربها الباردة مع الاتحاد السوفياتي إسلاماً سياسياً مسلحاً وجهادياً ضد الخطر الشيوعي، وبعد نهاية الحرب وانهيار الاتحاد بعقد ونيّف، عاد ذلك الإسلام إلى الحضن الذي رعاه وقام بأكبر عملية نوعية في تاريخ الولايات المتحدة في 11 أيلول (سبتمبر) 2001، ثم بدأت الحرب على الإرهاب التي قوبلت أيضاً بتفجيرات مدريد ولندن، فنشأت ظاهرة معممة في الغرب، أصبحت عالمية، هي الإسلاموفوبيا.

هذه الظاهرة هي ببساطة الخوف المرضي من الإسلام بعد أن أُلصقت به صفة الإرهاب، ومع أن الإرهاب ليس ظاهرة جديدة في التاريخ الحديث إلا أنه استدعى هذه المرة حروباً استباقية ضد التطرف الإسلامي المزعوم، وبذلك تم استبدال الخطر الشيوعي القديم بالخطر الإسلامي الجديد - هذا الخطر الذي ساهم الترويج الإعلامي له في «مجتمع الفرجة» بتعزيز ظاهرة الإسلاموفوبيا على مستوى العالم. أما في ما يخص الدول العربية فيتناسب حجم الفوبيا من الحضور الإسلامي السلفي والمتزمت مع حجم الوهم الذي خلقته السلطات لدى شعوبها بأنها حامية الأقليات وحامية المدنية ضد التعصب الديني. وما قاله ياسين الحافظ في «الهزيمة والأيديولوجيا المهزومة» ما زال حاضراً في جميع الدول العربية بشكل متفاوت القوة تبعاً لشروط كل بلد وظروفه. فالسُلطات المستبدة ضيقت الخناق السياسي على الإسلام والحركات والأحزاب الإسلامية لتفتح الباب على مصراعيه أمام تفتحها الاجتماعي، كما فعل الأسد الأب، مثلاً، عندما ضرب حركة الإخوان في بداية الثمانينات ليفتتح بالمقابل معاهد الأسد لتحفيظ القرآن.

أمام هذا المشهد المعمم نجد أنه وفي ثورات الربيع العربي قاطبة كان الخطاب الأساسي الذي قدمته الأنظمة للداخل والخارج على السواء هو أنها تواجه إرهاباً إسلامياً على هيئة تمرُّد، وأن غيابها يعني استلام الإسلام السياسي «الأصولي» سدَّة الحكم، وهو ما يبرر من وجهة نظرها بقائها الأبدي في السلطة وإقصاء الشعوب الثائرة.

خطاب الأنظمة التحذيري ذاك، كان يحاكي، من حيث الشكل، ذلك الرُهاب العالمي من الإسلام الأصولي المُشار إليه سابقاً، أما من حيث المضمون، فهو يهدد المصالح المستقرة للدول الغربية، ومعها روسيا والصين، في بلاد العرب، ويهدد من جهة أخرى الاستقرار الاجتماعي الآسن الذي اعتادت عليه المجتمعات العربية لعقود مضت مع أن ثمنه كان حريتهم وكرامتهم ولقمة عيشهم المنهوبة من الأنظمة قبل أن ينهبها الغرب. وفي غياب الحياة السياسية الصحيحة، التي تعني وجود أحزاب معارضة تشكل بدائل السلطات القائمة وتضمن التداول السلمي للسلطة كحد أدنى للحياة الديمقراطية، وبما أن الثورات القائمة هي بالمجمل ثورات غير تقليدية ولا تعتمد الأيديولوجيات المغلقة أو الانقلابات العسكرية، فإنها إذاً، مغامرة في المجهول ليس فيها أي ضامن للمستقبل السياسي خارج إرادة الشعوب للحرية والتغيير. وهذا المجهول عينه هو ما يترك صدىً لخطاب السلطة المُشار إليه آنفاً لدى الأقليات المذهبية والدينية والعرقية المنتشرة في البلاد العربية، لا سيما في دولة كسورية تعجُّ بالأقليات.

هناك ثلاثة أوهام رئيسية تجلوها الثورات العربية بما يتناسب مع عناوينها وأهدافها في الحرية والكرامة والديموقراطية. الوهم الأول هو وهم الأقليات بأنها المتضرر الأكبر من الثورة، وهو ما روجت له السلطة وشارك فيه العديد من الشخصيات الدينية والسياسية في الداخل والخارج، إلا أن هذا الوهم لا يحتاج إلى تطمينات كبرى. فلم يمض عهد عاشت فيه الأقليات مقصيَّة عن الفعل الوطني ومعزولة ضمن قواقعها مثل عهد الديكتاتوريات العربية، كما أن الثورة هي ثورة مواطنة بالدرجة الأولى وبالتالي فهي لا تَعدُ بالكثير من يريد أن يجعل من طائفته «دولة ضمن دولة» كما هي الحال في بعض البلدان المجاورة.

الوهم الثاني هو وهم الأكثرية بأنها المستفيد الأكبر من الثورة وهو وهم يعود لزمن الديكتاتورية ذاتها التي حرَّضت حضوره في خيال الأكثرية، وهو ما تُلمَح مظاهر تغييره في أفق الحدث ومجراه، فالأكثرية التي تفرضها الديموقراطية هي أكثرية سياسية تعددية وليست بالضرورة أكثرية دينية أو إثنية أو مذهبية، وعناوين الثورة تؤكد سلطة الدولة مقابل «دولة السلطة» التي سوَّدتها الأنظمة «الساقطة»، كما أن دولة المواطنة المأمولة هي دولة لجميع مواطنيها من دون تمييز على أساس الدين أو الولاء أو الحزب أو العقيدة كما هي الحال في دولة الحزب القائد للدولة والمجتمع.

الوهم الثالث هو الوهم الذي صنعته أميركا ومعها الدول الكبرى لنفسها وللعالم، أي «الإسلاموفوبيا»، فإرادة الحرية التي صنع منها الشباب ثورات الربيع العربي بدأت تكنس تلك النظرة العالمية التي استُبطنت عربياً وإسلامياً، وتستبدلها بأخرى مغايرة تماماً بدأت ملامحها تظهر في المعاملة المختلفة التي يشهدها المهاجرون العرب حول العالم وهو ما حصل عكسه تماماً بعد أحداث 11 ايلول، فلا الإسلام هو دين الإرهاب ولا العرب هم شعوب استثنائية لا تعنيهم الحياة بقدر ما يعنيهم الموت والحياة الآخرة.

عبر خلخلة أركان البناء الإيديولوجي الذي فرضته الأنظمة لعقود مضت، تبرز إجابات اللامتوقع لتخلق فضاءً جديداً لنمط سياسي مرجو، تلك الإجابات بدت واضحة في الشعارات واللافتات التي رفعها الشارع في مسيرته المطلبية نحو التغيير، قد لا تكون إجابات مكتملة ولكن ما هو أكيد أنها تسعى لتقويض جملة الأوهام السياسية التي فرضتها السُلط المستبدة في سبيل بقائها في سدُّة الحكم. وما هو ملحّ في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخنا هو لحاق النخب الثقافية والسياسية بتلك الإجابات ومحاولة خلق إطار سياسي يليق بطروحاتها الفذَّة والجديدة.

* كاتب سوري

==============

خلفيات الفيتو الروسي في مجلس الأمن ضد القرار السوري

الجمعة, 07 أكتوبر 2011

راغدة درغام – نيويورك

الحياة

حان الوقت لكل من الولايات المتحدة وأوروبا ولدول مجلس التعاون الخليجي أن تستخدم نوعاً أو مزيجاً من «القوة الناعمة» مع كل من روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا ولبنان لإبراز الجدية والعزم في تناول الملف السوري من مختلف نواحيه. تركيا بادرت إلى ذلك عملياً بعقوبات ومناورات وبدعم للمعارضة السورية، والأرجح بتنسيق مع قطر وبدعم من المملكة العربية السعودية. جامعة الدول العربية، التي تستخدمها روسيا اليوم ذريعة لإبعاد الأمم المتحدة عن سورية، مطالبة بإيضاح مواقفها ومفاعيل مبادرتها السورية. إنها مطالبة بالتحديد أن تبلّغ ذلك إلى كل من روسيا والصين اللتين استخدمتا الفيتو المزدوج هذا الأسبوع لمنع مجلس الأمن من تبني قرار يطالب الحكومة السورية بوقف القمع والقتل واللجوء إلى الحوار والانفتاح والإصلاح ويعطي دمشق 30 يوماً قبل العودة إلى مجلس الأمن للنظر في ما يمكن اتخاذه من إجراءات أو عقوبات محددة. حلف «الممانعة» الذي يتخذ لنفسه لقب الجدار الصلب Brics «بركس» أحيا وحدته ليصفع الشعب السوري ويقلّص المعارضة إلى مجرد «متطرفين» و «إرهابيين» في شرح التصويت إما ضد القرار (روسيا والصين) أو عبر الامتناع عن التصويت (البرازيل والهند وجنوب أفريقيا). هذه الدول الخمس تتصرّف وكأنها على ثقة بأنها فوق المحاسبة أو المعاتبة، بعضها بدوافع فوقية مصطنعة كالهند والصين، وبعضها بذريعة مخجلة كالبرازيل، وبعضها بدافع عقدة النقص المزمنة كروسيا. وحان الوقت لكل من يعنيه الأمر السوري، استراتيجياً أو سياسياً أو أخلاقياً، أن يدقق في ما يريده حلف «البركس» وكيف يمكن تضييق الخناق على النظام في دمشق عملياً وفعلياً من خلال جيرته برئتيها الأساسيتين، تركيا ولبنان، إضافة إلى جيرته المهمة مع العراق بأبعاده الإيرانية.

هناك تفاصيل مهمة في عملية التفاوض على مشروع القرار الأوروبي الذي عقدت روسيا العزم باكراً على ألّا يرى النور مهما تم تجريده من «الأسنان» وحذف كل إجراء ضد دمشق منه مثل التوعد بالعقوبات في إطار زمني محدد ومثل الإشارة إلى خروقات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي وإمكانية إحالة ذلك إلى المحكمة الجنائية الدولية.

إنما الصورة الأكبر ربما هي الأهم في هذا المنعطف. والسؤال الأول ربما يكون: لماذا وقفت دول «بركس» في جدار صلب عازل يحمي النظام في سورية من المحاسبة فيما يسقط المدنيون ضحايا القمع والقتل وبلغ عددهم حوالى 3 آلاف شخص.

«كفى إهانة وتقزيماً لنا»، هذه الجملة ربما تختصر المزاج الروسي الذي يقود جماعة «بركس». قالها أحد المقربين من صنع القرار الروسي وزاد «لن نقبل بالإهانة والتحييد. لن نقبل أن يدير حلف شمال الأطلسي (الناتو) العالم في مناطق لنا فيها مصالح ووجود».

ما استنتجته روسيا والصين هو أن النظام السوري لن يسقط وأن الرئيس بشار الأسد سيستعيد زمام الأمور. وبالتالي انهما تراهنان على عدم سقوط النظام الصديق القديم – والحليف الجديد لروسيا بأبعاد استراتيجية أوسع من الماضي. الرهان عليه أن يكون موقع الرد الروسي على حلف شمال الأطلسي (الناتو) وطموحاته في المنطقة.

السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين أوضح ذلك عندما أصر أن «شرعية» الحكم في دمشق ليست في يد واشنطن ولندن وباريس، وأن استخدام الفيتو لم يكن بسبب نص مشروع القرار، بكلمة هنا أو هناك، وإنما كان قراراً سياسياً ولأسباب استراتيجية.

روسيا غاضبة من تركيا لأنها توظف القومية التركية لركوب موجة ما يسمى «العلمانية المؤمنة» والتي هي الرد على طموحات الجمهورية الإسلامية الإيرانية المتمثلة في «ثورة إسلامية» – شيعية وسنّية. كلاهما يتحرك تحت علم الإسلام. الفارق، بالنسبة إلى روسيا، أن تركيا عضو في شمال حلف الأطلسي الذي ساهم جذرياً في تغيير النظام في ليبيا والذي يرى اليوم أنه حان الوقت لتنحي النظام في سورية.

فدور تركيا محوري في الحلف الجديد بين دول (الناتو) ودول مجلس التعاون الخليجي التي تضم المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات وقطر وعمان والكويت والبحرين. وهذه الدول ترى في إيران مخرّباً بطموحات توسعية فيما ترى في تركيا قيادة عملية قرأت «الربيع العربي» وقررت أن تكون بجانب الشعوب فتخلت عن صداقات حميمة سابقة مع كل من معمر القذافي وبشار الأسد.

عملياً، تجلس روسيا – والصين إلى درجة أقل – في الخندق نفسه مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية و «حزب الله» في تحالفها مع دمشق. وعملياً، اختارت الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا القبوع قرب ذلك الخندق لأسباب مختلفة. إنما ما يجمع بين أسباب الدول الثلاثة هذه، وتسمى «إبسا» IBSA، طموحاتها بمقعد دائم في مجلس الأمن، الأمر الذي جعلها تعتقد أن من المفيد لها «قيادة» مجموعة الدول «المحرومة» والغاضبة من «استعمار» الغرب والتي تكن العداء للولايات المتحدة.

غضب روسيا الأساسي نابع من عدم استشارتها أو الأخذ برأيها كشريك في المستوى نفسه من المكانة الدولية، وذلك في مختلف الملفات من ليبيا إلى شاطئ العاج إلى سورية.

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أبلغ أكثر من وزير تحدث معه على هامش الجمعة العامة للأمم المتحدة أنه ثائر على اتخاذ الدول الأوروبية قرار فرض عقوبات أوروبية على سورية من دون إحاطته علماً أو استشارته أو حتى إبلاغه أو الأخذ برأيه.

تذمر من افتراض دول حلف شمال الأطلسي أن تراجعه عن الانتقاد والمعارضة اللاذعة لعمليات الأطلسي جاء بعدما تبين له ولرئيس حكومته فلاديمير بوتين أن عمليات القصف الجوي نجحت في إسقاط نظام القذافي عندئذ توقفت روسيا عن معارضتها وبدأت التقرب من المعارضة الليبية والإسراع إلى الاعتراف بها كممثل شرعي لليبيا. كذلك فعلت الصين.

أراد لافروف أن ينسى تلك الصفحة ليفتح صفحة جديدة، لكنه لمس فتوراً من المعارضة الليبية ولم يجد ترحيباً أوروبياً وأميركياً بروسيا لاقتسام «الكعكة» في ليبيا والتي تنطوي على مصالح وعقود واستثمارات ضخمة. ولذلك أراد أن يبعث رسالة إلى الدول الغربية عنوانها «كفى» ففعل ذلك في مواقف من سورية متذرعاً بما حدث في «النموذج الليبي»، متعمداً تقليص المعارضة السورية إلى «متطرفين» وإلى «عناصر إرهابية» كما قال سفيره، وهذا ما دفع السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس إلى القول إن هذه الذرائع الروسية ليست سوى «خداع رخيص وتفضيل لبيع السلاح إلى النظام السوري بدلاً من الوقوف إلى جانب الشعب». وحذرت من أن الشعب السوري والشعوب العربية قادرة على أن «تميّز بوضوح الآن بين من يدعم ومن لا يدعم تطلعها إلى الحرية وحقوق الإنسان الحقيقية».

هذا الكلام لا بد أن تتبعه إجراءات لأنه كلام نادر في الديبلوماسية بين البلدين والمقصود ليس حرباً أو مواجهة ثنائية وإنما القصد هو ضرورة التمعّن في الخيارات الثنائية والوسائل الجماعية المتاحة.

يمكن الإدارة الأميركية أن تختار إعادة النظر في ما تراه روسيا والصين أيضاً، استهتاراً بهما وإهانة لهما لتتحدث معهما بلغة المساواة والشراكة والاستشارة واقتسام النفوذ والمصالح. هذا خيار مراعاة الحساسية الروسية والصينية وربما الهندية أيضاً. الخيار الآخر هو خيار حشد أعضاء التحالف الجديد بين حلف الناتو ومجلس التعاون الخليجي للتحدث علناً وبصراحة عن الاستياء العارم من الفيتو الروسي – الصيني المزدوج في مجلس الأمن ومن حلف الممانعة «بركس». ثم إلحاق ذلك باستراتيجيات متماسكة لإفهام هذا الحلف أن مسألة سورية ليست عابرة وإنما هي ركيزة أساسية في مستقبل المنطقة. وهذا يعني التحدث الصريح بلغة المصالح من العقود إلى الاستثمارات.

هناك خيار ثالث، ربما يكون مكملاً للخيار الثاني، يتمثل في مواجهة استراتيجية الممانعة التي تقودها روسيا في مجلس الأمن على الأرض وبالذات عبر الجيرة السورية. وهنا، لدى الولايات المتحدة أدوات عدة تحدثت عنها صراحة مع الوفود اللبنانية الرفيعة المستوى التي قادها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في نيويورك وقادها الوزير محمد الصفدي في واشنطن، أي لغة الإجراءات نحو المصارف اللبنانية التي لها فروع أو وجود أو تعامل عميق مع سورية. فالمسؤولون الأميركيون يعرفون كيف يشلّون الاقتصاد السوري عبر الرئة اللبنانية، وهم واثقون بأن روسيا لن تغدق أموالها على النظام في دمشق لتنقذه وتنعشه وأن الاقتصاد الإيراني غير قادر على حمل عبء كهذا إلى زمن طويل.

أما تركيا، الرئة الأخرى للاقتصاد السوري، فإنها اتخذت قراراتها رغم أنف الفيتو المزدوج، وستكون هناك قريباً نقلة نوعية من البوابة التركية – السورية.

بعض دول مجلس التعاون الخليجي يعمل وراء الكواليس مع تركيا وهو ناشط في صنع النظام الإقليمي الجديد القائم على تحالف بين المجلس والناتو. أمام دول المجلس هذه أيضاً خيارات وعليها مسؤوليات. فقد تختار مساعدة روسيا على تجاوز عقدة النقص والإبعاد، من خلال المبادرة إلى إشراكها بالحديث وبالعمل في إطار التحالف الجديد. روسيا مستاءة من عدم إعطائها عقوداً واستثمارات خليجية. أما الصين فإنها لا تتذمر بل هي مرتاحة لأنها تختبئ، عادة، وراء صمتها الغامض أو امتناعها عن التصويت.

فإذا قررت دول الخليج أنها تريد المساعدة والمساهمة في تلبية رغبة روسيا والصين بأن تكونا شريكتين في التحالف الإقليمي الجديد وبالتالي شركيتين عالميتين في السلام والأمن الدوليين، فالخطوة الأولى هي الصراحة.

يجب أن تبادر الدول الخليجية إلى التعبير العلني عن الاستياء من الفيتو المزدوج بتزامن مع إجراء اتصالات مع روسيا والصين لإفهامهما سياسة مجلس التعاون الخليجي بصراحة وبواقعية، وهذه السياسة تنطلق من وقف القمع والقتل أولاً ثم الحوار لإصلاح جذري. ومع ذلك تأتي لغة المصالح، مع روسيا بالترغيب ومع الصين بالتنبيه إلى ترافق المصالح مع المواقف المصيرية للمنطقة.

فالمنطقة برمتها تتغير وأمام روسيا والصين، ومعهما الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، معادلة واضحة: إما الانضمام إلى الحلف الجديد الذي يضم أوروبا والولايات المتحدة وتركيا ودول مجلس التعاون الخليجي إلى إرادة الشعب بالتغيير، وبالتالي آفاق الاستفادة مفتوحة، أو الرهان على بقاء نظام في دمشق يقمع شعبه والمغامرة بعواقب دموية في سورية وبتداعيات استراتيجية لن تكون في المصلحة القومية لدول جدار الممانعة في نهاية المطاف.

==============

المجلس الوطني السوري.. المهام والخيارات

رضوان السيد

الشرق الاوسط

7-10-2011

تشكل المجلس الوطني (الانتقالي) السوري أخيرا في إسطنبول، وهذه خطوة واسعة إلى الأمام، لأن السوريين يستطيعون عن طريقه التحدث بصوت واحد إلى المجتمعين العربي والدولي وإلى تركيا.. ثم إنهم يستطيعون عن طريق ذلك مبدئيا أن يصبحوا عنوانا يمكن التوجه إليه ليس من العرب والدوليين فقط؛ بل ومن جانب كل الأطراف التي تريد تقديم دعم إنساني أو سياسي للثورة السورية.

وليس من المعروف بعد هل ستكون للمجلس أو أمانته العامة قدرات وإمكانيات للحركة لتنظيم المساعدة والدعم، وللتواصل مع الأطراف المتشككة أو التي لا تزال تدعم النظام السوري مثل روسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا. وقد أثار بعض التساؤلات، ولا شك، خروج أصوات سورية معترضة من الخارج الغربي، وأخرى من دمشق والقاهرة. وكل هؤلاء سوريون أفراد أو جهات ما شاركت أو ما أشركت في المجال الجديد.

والسوريون الدمشقيون منهم يفضلون العمل من الداخل ويعتبرونه ممكنا، ويخشون من التدخل الأجنبي في الشأن السوري شأن ما حدث في ليبيا. أما سوريو القاهرة، فيخشون أن ينحرف المجلس عن أهداف الثورة، ويريدون منه عدم الاتصال أو التفاوض مع إيران وحزب الله، لمشاركتهما مع النظام في قتل الشعب السوري. والذين اعترضوا أو لاحظوا من دمشق والقاهرة معارضون معروفون، قضى العديد منهم سنوات في سجون النظام.

لذا، فإن وجهة نظرهم ينبغي أن تعالَج بتفهم واحترام. إنما الذي أراه - ورغم عدم المعرفة بالتفاصيل - أنه ما عاد مجديا ولا مقبولا الإعراض عن العمل الموحد بذريعة هذا التفصيل أو ذاك. وذلك لثلاثة أسباب: ضخامة ما يحدث بالداخل السوري، والأهوال المحيطة بالشعب سواء أكان ثائرا أم ساكنا. ووصول العمل الخارجي والدولي إلى طريق شبه مسدود، بعد أن بلغت ضغوط العقوبات أقصى مداها، دون أن يتزعزع النظام، وعدم تقدم الموقفين الروسي والصيني. وعدم تقدم العمل العربي المشترك تجاه سوريا بعد مبادرة الجامعة العربية. ففي الداخل السوري هناك نحو خمسة آلاف قتيل، وبضع مئات من الجيش وقوات الأمن، وهناك عشرون ألف معتقل، وانشقاقات بالآلاف من الجيش، ونحو المائة ألف مواطن خارج منازلهم بسبب الملاحقة أو التضييق.

وباستثناء لبنان؛ فإن علاقات النظام بجواره العربي والتركي تزعزعت أو انقطعت. أما في الجوار العراقي، فنظام المالكي الموالي لإيران - مثل النظام السوري - مع الأسد، لكن الجمهور على الحدود بين البلدين معاد منذ عشرات السنين، خاصة منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003. وهناك، كما هو معروف، لجوء ونزوح إلى تركيا ولبنان والأردن وبعض مناطق الحدود مع العراق. وقد ازداد القتل الذريع بسبب اعتماد خطة تصفية المدن والبلدات واحدة واحدة من منسقي المظاهرات، ومن الناشطين. وكذلك بسبب الإغارات المتوالية على المدن والبلدات التي لا تزال ثائرة، ويقول النظام إن المنشقين من الجيش، والإرهابيين المسلحين، يتمترسون في أحيائها الداخلية. وهكذا، فإن سوريا كلها صارت مسرح عمليات لقوى الأمن والجيش؛ دونما استثناء لحلب ودمشق، بسبب الحضور الوقائي الكثيف للعسكر وعناصر الأجهزة المختلفة. ولا شك أن بعض مظاهر التعب - وليس الانكسار - داخلت تحركات الاحتجاج، كما داخلت عناصر وقوى الأمن والجيش لاتساع مسرح العمليات واستمرار الاضطراب لأكثر من ستة أشهر.

أما بالنسبة للأفق الدولي؛ فإن الأميركيين والأوروبيين آثروا منذ الشهر الثالث تكتيك العقوبات في الضغط، الذي بلغ ذروته في الشهر السادس بفرض حظر على استيراد النفط. وكانوا قد مرروا قرارا بمجلس الأمن جاء ضعيفا بسبب الاعتراضات الروسية والصينية على الخصوص. ثم نجحوا هذا الأسبوع في طرح مشروع قرار آخر أكثر قوة، لكنه لا يصل إلى الوضع تحت الفصل السابع إن لم تنفذ الشروط الواردة فيه.

ويتحدث الأميركيون والأوروبيون منذ أكثر من شهرين عن نفاد شرعية النظام، وضرورة ذهابه. لكن الأميركيين آثروا البقاء في الصف الثاني، كما فعلوا في حالة ليبيا دون أن يعني ذلك عدم الإسهام ما دامت طائرات الأطلسي هي التي عملت وتعمل. لكن وزير الدفاع الأميركي جاء إلى إسرائيل، وذكر أمرين مهمين: عزلة إسرائيل، واقتراب النظام السوري من السقوط؛ إنما لا توقيت. وصدور هذا الكلام من عند نتنياهو هو إنذار له أيضا وليس للنظام السوري فقط. فقد راهنت إسرائيل طويلا على تأمين سوريا للحدود معها، رغم احتلال الجولان. وها هو بانيتا يقول لهم إن خط الأمان هذا قد انتهى، والأفضل لكم أيها الإسرائيليون إيقاف الاستيطان والعودة للتفاوض مع الفلسطينيين، واستعادة العلاقات الحسنة بكل من مصر وتركيا، التي زعزعها الربيع العربي.

وهكذا ما عاد موقف الولايات المتحدة مختلفا عن مواقف فرنسا وبريطانيا وألمانيا، التي بدأت تفكر بمرحلة ما بعد الأسد. ومع ذلك، فإن الأمر يستدعي تفصيلا.. ذلك أن الحديث عن الطريق الدولي المسدود ليس سببه الفيتو الروسي والصيني وحسب؛ بل تقنية السبيل الذي ينبغي سلوكه لحماية الشعب السوري من جهة، والمساعدة في إسقاط نظام الأسد، من جهة أخرى.

وفي هذا الصدد، فإن روسيا والصين لا تنفردان بالإصرار على عدم تكرار التجربة الليبية، وإن اعتبر الجميع أن النظام السوري أكثر سوءا وشراسة من أخيه الليبي الهارب! وهنا يأتي الموقف التركي الذي تطور أخيرا وقال إن هناك قطيعة مع النظام في سوريا، وإن النظام لم يعد شرعيا، وإنه يفكر بحظر التصدير إلى سوريا. لكن هل تتدخل تركيا في سوريا عسكريا ولو تحت قناع الناتو؟ لا يبدو ذلك متاحا، للأعباء العالية من النواحي السياسية والأمنية. فالإيرانيون والسوريون يستطيعون تشغيل الأكراد ضد الداخل التركي، كما أن هناك عددا من الملفات الاستراتيجية بين إيران وتركيا، تجعل من تركيا مقيدة اليدين؛ وهذا فضلا عن تكاثر مشكلاتها مع أوروبا في الفترة الأخيرة. إنما من ناحية ثانية، لا تستطيع تركيا تحمل الاضطراب والنزاع على الحدود الطويلة مع سوريا إلى ما لا نهاية. ولذلك، فقد اتجهت في البحث عن مخرج إلى العرب أولا، ثم إلى الولايات المتحدة وحتى أوروبا. وهي تقصد بهذه الحركة الدؤوب؛ أنها مستعدة لعمل مشترك مع العرب من أجل الإنقاذ.

المفهوم أن المجلس الوطني (الانتقالي) السوري هذا، له أبوان: تركيا وقطر. وقد توافق روسيا على العودة إلى الجامعة العربية لتنظيم حوار بين النظام ومعارضيه إن لم يكن ممكنا بدمشق، ففي القاهرة. وهذه العملية التعويقية إن تمت تكون عكس ما حدث في حالة ليبيا، وشبيها بما يحدث في حالة اليمن؛ ففي حالة ليبيا، طلبت الجامعة من مجلس الأمن التدخل، وفي حالة اليمن أعاد مجلس الأمن الأمر إلى مجلس التعاون الخليجي ومبادرته. وأنا أذهب إلى أن سيناريو العودة إلى الجامعة تعويقي ولصالح النظام السوري، لأن الأمر بدأ قبل أكثر من شهرين، وقد تجاوزته الأحداث المفجعة. وكل جماعات المعارضة بالداخل والخارج ما عادت تقول بالحوار مع النظام، باعتباره غير مجد ولا مفيد إن لم يتضمن وقف العنف الذي صار ضحاياه بالآلاف.

لقد استعرضت بشيء من التفصيل المشهد الذي يرتسم أمام المجلس الوطني الجديد، الذي يكون عليه من الخارج ثم من الداخل أن يقود المرحلة الانتقالية التي ينبغي أن تبدأ قريبا. ورغم الصعوبات والعقبات الظاهرة؛ فإن الاستجابة الشعبية السريعة من الداخل السوري الثائر لتشكل المجلس الوطني، تبعث على التفاؤل: «والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون» صدق الله العظيم.

========================

مضاربة روسية صينية

ساطع نور الدين

السفير

6-10-2011

لا يعبر الفيتو الروسي والصيني على مشروع قرار مجلس الامن الدولي بإدانة النظام السوري عن موقف مبدئي، أو أخلاقي. ولا هو يعكس حرصا شديدا من جانب موسكو وبكين على الرئيس بشار الاسد.. أو طبعا اهتماما خاصا بمواقف أو مشاعر الرأي العام في سوريا أو في أي من البلدان العربية التي سبق للروس والصينيين أن ناهضوا ثوراتها الشعبية.

منذ ان انتهت الحرب الباردة تحول مجلس الامن الى بورصة فعلية تقاس فيها أسعار الدول مثلما تحدد أسعار الاسهم والسلع والمنتجات الرئيسية في الأسواق العالمية. وطوال العقود الثلاثة الماضية، كانت خسائر روسيا، والصين بدرجة أقل، فادحة جدا، لان الغرب لم يقابل التنازلات والنوايا الحسنة الروسية والصينية التي أسهمت في إصدار عشرات القرارات الدولية المنسجمة والمصالح الغربية، إلا بالخداع والكذب، من دون أن يترك للروس أو الصينيين أي فرصة للمشاركة أو حتى للمنافسة المشروعة حتى في بلدان ومجالات كانت في الماضي حكرا لهم.

والامثلة على هذا السلوك الغربي المخادع لا تعد ولا تحصى، وبينها ما يمكن ان ينساه بعض اللبنانيين من قرارات دولية كانوا يتوقعون الفيتو الروسي عليها، ولم يحصلوا على أكثر من الامتناع عن التصويت، على نحو ما جرى في قرار تشكيل المحكمة الدولية، أو غيره من القرارات التي لم تعارضها روسيا بأمل ان تحصل على عقود لبنانية وعربية في مجالات التسلح أو النفط أو غيرها، لكن من دون جدوى. وهو ما حصل تماما مع الروس في العراق وفي جميع الدول الاوروبية الشرقية أو الافريقية التي خضعت في العقدين الماضيين لمؤشرات البورصة في مجلس الامن.

آخر التجارب البارزة في سياق المضاربة بأسعار الدول في مجلس الامن كانت التجربة الليبية: في البداية ارتكبت روسيا حماقة كبرى عندما التزمت الوقوف الى جانب نظام معمر القذافي، والاعتراض على تفويض حلف شمالي الاطلسي بإسقاطه، لكنها غيرت موقفها واستقبلت معارضيه واحتفت بهم، وتوقعت ان تكون شريكا ( مضاربا على الاقل) في إعادة بناء ليبيا. لكن ما جرى مع الروس والصينيين ايضا، كان مخيبا لآمالهم. وقد طار صوابهم عندما علموا ان أحد عباقرة السياسة الخارجية الاوروبية اقترح في الاجتماعات التمهيدية لأحد مؤتمرات مجموعة الاتصال الخاصة بليبيا عدم دعوة روسيا والصين الى المؤتمر لمعاقبتهما على تأييدهما الاول للقذافي، وجن جنونهم عندما أدركوا في ما بعد أن الاسواق الليبية أقفلت في وجههم تماما، وهي ستظل مقفلة حتى ولو شارك الطيران الروسي في قصف مدينة سرت.

المصالح الروسية والصينية التي ضاعت في ليبيا لا تزيد كثيرا عن تلك الموجودة حاليا في سوريا. لكن المضاربة لا تقاس فقط بالاسعار. والخديعة التي تعرض لها الروس والصينيون في الاسواق الليبية لن تتكرر.. مع ان الغربيين تعمدوا استدراج المندوبين الروسي والصيني الى استخدام حق النقض، الذي سيستخدم حسب تقديرهم مرتين أو ثلاث مرات بعد لمصلحة سوريا، قبل أن تستقر بورصة مجلس الامن على السعر النهائي.

=============

الأسد يهدد بحرق الشرق الأوسط!

حلمي الأسمر

الدستور

6-10-2011

وفق صحيفة القدس الفلسطينية فإن الرئيس السورية بشار الأسد هدد بإحراق الشرق الأوسط خلال 6 ساعات وإسقاط الأنظمة القائمة فيه إذا ما هوجمت سوريا، الأسد قال بالحرف الواحد.. «لا أحتاج لأكثر من ست ساعات حتى أشعل الشرق الأوسط وأسقط الأنظمة القائمة فيه.. بعد ست ساعات من سقوط أول صاروخ على دمشق سيحترق الشرق الأوسط وستسقط الأنظمة».. هذا التهديد الواضح أسمعه بشار الأسد لوزير خارجية تركيا داود أوغلو، أثناء زيارته لسوريا وفقاً لمصدر عربي مطلع روى القصة لوكالة الأنباء الإيرانية «فارس».. ويقال أن وزير خارجية تركيا الذي زار دمشق قبل شهرين نقل للأسد رسالة مفادها بأنه سيواجه حرباً على الطريقة الليبية إذا استمر بقمع شعبه الأمر الذي أجاب عليه الأسد بعصبية وغضب صدمت الضيف التركي!

الى ذلك ترصد وسائل الإعلام جانباً آخر شديد الدلالة من الأزمة السورية حيث تقول الأنباء أن تركيا بدأت مناورات عسكرية برية على مقربة من الحدود مع سوريا، كما تعتزم فرض رزمة عقوبات على نظام الرئيس بشار الأسد، بسبب مواصلته القمع الدامي ضد المتظاهرين المعارضين، وفي الأثناء يعلن الجيش التركي في بيان نشر على موقعه الرسمي على الانترنت، يوم الثلاثاء، أن مناورة التعبئة «يلديريم -2011»، وهي من المناورات المقررة للعام 2011، ستجري في اسكندرونة بمحافظة هاتاي، بين الخامس والثالث عشر من الشهر الجاري، وفي الأثناء، لا يبدو في الأفق أي مؤشرات على إمكانية تراجع عصابة آل الأسد عن خيارهم العدمي باستمرار قمع الثورة السورية الشعبية وسحقها، ومواجهتها بالحديد والناس، وسط تحركات دولية تبدو أنها خجولة حتى الآن، خوفا على إسرائيل وما يمكن أن تُصاب به من أي مخاطر تنجم عن تغيير النظام، واستبداله بنظام ديمقراطي شعبي، للإسلاميين نصيب منه!

وكل هذا يصب في خيار شمشون المجنون، علي وعلى أعدائي، طبعا تبرز هنا بعض الآراء الداعية لتحرك عربي من قبل دول الجوار السوري، وهو امر مستبعد جدا، فالطرفان الجاران المحتمل أن يكون لهما دور فاعل هما فقط إيران وتركيا، وبقدر أقل كثيرا مصر، أما باقي الدول فهي في مكانة لا تسمح لها بأي تحرك جدي، لمليون سبب أقلها أنها مشغولة بربيعها الداخلي وتداعياته وتفاعلاته على مكونات كياناتها، ويبقى الطرف الأكثر قدرة على التحرك ما يسمى المجتمع الدولي، وهو حتى الآن لم يستشعر ما يكفي من خطر (على إسرائيل تحديدا!) للتحرك، أما الدم السوري الذي يراق كل يوم، فلم يكف ما أريق منه كي يتحرك ضمير العالم، ويبدو أن هذا الضمير يحتاج إلى المزيد والمزيد، وحتى هذا المزيد لن يستطيع تحريك هذا الضمير دون أن يترافق هذا مع حركة فاعلة للمعارضة السورية، التي يتعين عليها أن تكون اكثر فاعلية، وأن تؤجل الصراع على جلد الدب (أو الأسد!) إلى حين اصطياده!

خيار شمشون الأسد، قد يبدو خيارا بعيدا، أو حتى مستحيلا، لكنه تفكير لا يغيب عن صناع القرار في عصابة آل الأسد الحاكمة، ولا يمكن تنحية هذا الخيار بالأماني، بل أولا وآخرا بثبات الثوار وتوحيد صفوفهم سواء كانوا في الداخل أو الخارج، فهذا هو الأمر الوحيد الذي سيدفع العرب والعجم للاعتراف بهم والتعامل معهم كواقع لا محيد عنه، للبدء في حصار النظام واعوانه وملاحقتهم والتخلص منهم، قتلا او تشريدا أو محاكمة!.

=============

«إخوان» سورية!

صالح القلاب

الرأي الاردنية

6-10-2011

تقوم الامتدادات العربية ل«شبيحة» النظام السوري بالتخويف وبالترويج ل«فوبيا» احتمال سيطرة الإخوان المسلمين على سورية وإقامة نظام شمولي يستفرد بالسلطة فيها وكأن هذا النظام القائم الذي يواصل الحكم بالحديد والنار منذ أكثر من أربعين عاماً أحد أنظمة الدول «الاسكندنافية» وكأن حتى رفاق حافظ الأسد الذين انقلب عليهم في العام 1970 لم يُودَعوا سجن المزة لعشرات السنين وكأن بعضهم لم ينه حياته في زنازين هذا السجن الذي كان أقامه المستعمرون الفرنسيون لأحرار بلد عظيم انحرفت به الانقلابات العسكرية ,التي كلها مشبوهة بلا استثناء, ووضعته على هذا الطريق الشائك الذي بقي يسير عليه كل هذه الفترة الطويلة.

إن من حق الإخوان المسلمين ,الذين قدموا تضحيات كبيرة ودفعوا الثمن غالياً في مذبحة حماه عام 1982 والذين وللأسف تخلى عنهم إخوانهم الأردنيون وتخلت عنهم حركة «حماس» في لحظة عُسره عندما اختاروا التحالف مع هذا النظام الذي لا يزال يعتبره «الشبيحة» العرب ممانعاً ومقاوماً,.. أن يشاركوا في حكم بلدهم فمن يقدم يده للدم من حقه أن يقدمها للحناء وأن من حق كل من دفع هذه التضحيات أن تكون له حصة مجزية في مستقبل بلده.

ل«الإخوان» السوريين الذين دفعوا من أجل سورية ومستقبل سورية أثماناً لم يدفعها أي فرع من فروع الإخوان المسلمين في العالم بأسره حتى بما في ذلك «إخوان» مصر ولذلك فإنهم بحكم هذه التجارب المكلفة الطويلة لا يمكن أن يفكروا بالطريقة التي كان يفكر بها سيد قطب ,رحمه الله, ولا بالطريقة التي لا يزال يفكر بها الإخوان المصريون الذين قالوا في رجب طيب أردوغان ما لم يقله مالك في الخمر لأنه دعاهم إلى الدولة العلمانية خلال زيارته الأخيرة إلى القاهرة.

ثم وإنه غير ممكن أن يقبل الشعب السوري ,وهذا يعرفه «الإخوان» السوريون معرفة أكيدة, باستبدال نظام شمولي استبدادي يرفع راية العروبة والرسالة الخالدة وهو غارق في الطائفية الخسيسة حتى أذنيه بنظام شمولي استبدادي يرفع راية الإسلام السياسي فالواقع تغير بعد كل هذه المستجدات التي اجتاحت المنطقة وبات من غير الممكن أن يستطيع العيش ولو لليلة واحدة أي نظام جديد غير ديموقراطي ولا يقبل بالآخرين ولا يحتكم إلى الحريات العامة والتعددية.

لن تكون سورية بعد رحيل هذا النظام الظالم والمستبد ,الذي بقي يحكم بأقبية الزنازين وبالحديد والنار لأربعين عاماً وأكثر, إلاّ دولة علمانية وديموقراطية وتعددية يشارك في حكمها كل الذين دفعوا ويدفعون ضريبة الدم ومن بينهم الإخوان المسلمون ولذلك فإن ما تقوله الامتدادات العربية ل«شبيحة» النظام السوري هو من قبيل الحرص على بقاء نظام يعتبرونه ممانعاً ومقاوماً وهو لم يقاوم عندما كانت هناك مقاومة ولم يمانع عندما كانت هناك ممانعة.

لا خوف إطلاقاً من أن يختطف الإخوان المسلمون الحكم في سورية وبخاصة وأن تجربة هؤلاء غنية وأنهم دفعوا الثمن غالياً وقدموا تضحيات لم يقدمها غيرهم ولم يقدمها إخوانهم في الأقطار الأخرى وأيضاً وبخاصة وأنهم تعايشوا مع حزب العدالة والتنمية التركي عن قرب وأنهم تعرفوا على أفكار رجب طيب أردوغان ومجموعته من خلال الظروف النضالية التي يعيشونها الآن أما تخويف السوريين وغير السوريين من إمكانية استبدال نظام الممانعة والمقاومة!! هذا بنظام اسلاموي استبدادي فإن مراميه وأهدافه معروفة ومكشوفة.

=============

مؤامرة تسليح المعارضة السورية

جهاد المومني

الرأي الاردنية

6-10-2011

اذا تسلحت المعارضة السورية وخاضت حربا مع الجيش النظامي السوري من اجل اسقاط النظام، فستخسر الشعبية التي حصدتها على مستوى العالم وليس فقط على مستوى الشعوب العربية, فليست الحرب الاهلية هي طريق الخلاص حتى لو كان الحاصل اسقاط النظام القائم واحلال نظام ديمقراطي بدلا عنه, فالثمن عندئذ سيكون باهظا جدا وسندفعه جميعا في سورية والاردن والعراق ولبنان وفي دول اخرى لها روابط مع سورية امنيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ثم ان تسلح المعارضة السورية سيبرهن بشكل دامغ صحة الرواية السورية الرسمية عن الاحداث ومفادها ان جماعات مسلحة وارهابية هي التي تروع المواطنين وتهدد امن واستقرار سورية مستغلة الربيع العربي لتنفيذ اجندة خارجية، وتنفي الرواية بصورة او باخرى وجود متظاهرين سلميين يطالبون بالاصلاح وبالحريات، حتى ان روسيا باتت مقتنعة بان ما يهدد النظام في دمشق عصابات متطرفة ومسلحة وليست معارضة سلمية كما هي حال المعارضات في بلدان عربية اخرى، ولذلك ربط مندوب روسيا في الامم المتحدة بين ما يمكن ان يحدث في سورية وبين ما حدث في ليبيا التي سقطت عمليا-من وجهة نظر موسكو- بأيدي القوى الاستعمارية الجديدة, فتقاسمت او تكاد الكعكة الليبية دون ان تبقي لروسيا شيئا، ويأتي الرد الروسي مستعينا بالموقف الصيني ليمنع هذه المرة اي قرار يسمح بالتدخل الاجنبي في سورية على غرار ما حدث في ليبيا حتى لا تتكرر الخسارة، ورغم غرابة الموقف الروسي المستند بالكامل على الرواية الرسمية السورية للاحداث, واصرار موسكو على عدم التنازل عن موقفها المؤيد لنظام الرئيس بشار الاسد حتى مقابل صفقات سياسية اخرى، الا ان الرهان على هذا الاصرار قد لا يطول ما دامت اهداف موسكو ليست الحفاظ على النظام بقدر حرصها على الوجود الروسي في سورية ,واذا ما استطاعت المعارضة السورية التقدم خطوة على طريق الثورة السلمية وتقديم بعض الضمانات خاصة فيما يخص ديون سورية لروسيا، فان الموقف الروسي سينقلب كليا ويصبح اقرب الى التوازن في النظرة الى الاحداث السورية وربما سيتغير جذريا في مرحلة لاحقة من الاحداث.

تسليح المعارضة السورية لحسم الصراع على السلطة في دمشق مؤامرة قد تنهي الثورة السورية خلال اسابيع لأنها عندئذ ستخسر التأييد الشعبي الداخلي لها، هذا ناهيك عن انها ستقدم للسلطة الحاكمة ولاصدقاء النظام-روسيا والصين ومعهما بعض المترددين- كل مبرر ممكن للتمسك بالحكم والدفاع عنه ولو كلف الامر مئات آلاف القتلى من السوريين، والتسليح يعني حربا طويلة المدى تعيد مشاهد الحرب الاهلية في لبنان وتفاصيلها المريرة وآثارها الاكثر مرارة ليس فقط على الساحة اللبنانية وهي آثار قائمة الى اليوم، وانما على الساحة العربية ايضا، وقد كانت سورية نفسها طرفا من بين الاطراف التي دفعت الثمن ولا زالت تدفعه الى اليوم, فاذا اضفنا الى المشهد السوري عامل الحجم والبيئة السياسية والمحيط الجيوسياسي وطبيعة النظام الحاكم واطراف الصراع,فان مجرد التفكير بنتائج تسليح المعارضة السورية وخوضها حربا مع الجيش النظامي السوري, يعد امرا مرعبا لا يمكن التكهن بنتائجه.

=============

كل حرائر سورية

الغد الاردنية

ياسر أبو هلالة

6-10-2011

لا يتوقف النظام السوري عن كشف بشاعته حتى عندما يحاول أن يواريها، فعبقرية الإعلام السوري أظهرت زينب الحصني المختطفة على الشاشة تتحدث براحة وثقة عن اضطهادها من قبل أسرتها وفرارها. ونسفت أكاذيب الإعلام المغرض التي نشرت واحدة من أبشع الفظائع التي عرفها التاريخ البشري لجثة فتاة حرقت وقطعت.

المأساة غدت مضاعفة، صحيح أن ذوي زينب سعداء بظهورها لكن في المقابل ثمة أكثر من خمسمئة مختطفة (معتقلة) لدى أجهزة الأمن سيعتقد ذووهن أنهن زينب الحصني. فالوجه المحترق لا تظهر أي تفاصيل به. ومختطفة وحيدة كان حظها "سعيدا" أن ظهرت في مقابلة على التفزيون السوري تذكر بمقابلات الشيخ أحمد الصياصنة وباقي "الإرهابيين" الذين يتحدثون وكأنهم في برامج " توك شو" مع أوبرا وينفري عن مغامراتهم مع عصابات الإخوان المسلمين والقاعدة والسي آي إيه وتيار المستقبل والموساد. الكارثة في قصة زينب أن الوحشية لم يتورط فيها فرد شاذ وهو ممكن الوقوع في أي مجتمع، ولا في مفرزة ولا في جهاز إنما في دولة- عصابة يتكامل فيها الأمن والإعلام ووزارة الصحة والأوقاف. جثة حمزة الخطيب وزينب الحصني (المجهولة حتى الآن) وغيرهما من الجثث المشوهة لم يعثر عليها نشطاء منظمات حقوق إنسان بل سلمت من الدولة، في رسالة واضحة؛ هذا مصير من يعارض.

لتذكير أنصار عصابة الأسد كتبت في الغد، وعندما كنت أزور سورية وألتقي بمسؤوليها، وأفتخر بمواقفها الداعمة للمقاومة، عن طل الملوحي وتقرير المفقودين الذين يزيد عددهم على خمسة آلاف. اليوم وبعد الفراق مع النظام الذي لم يستطع أن يفارق تاريخ وحشيته، أقول نريد أن نشاهد الطفلة المدونة طل الملوحي على ذات الشاشة وعلى طريقة ابنة بلدها حمص. ولتشتم كل من وقف معها وساندها ولتتحدث عن المؤامرة التي شاركت فيها ولتعلن مسؤوليتها عن قتل رفيق الحريري.

في بيان وزارة الخارجية القبيح، وهذا قبل المؤامرة الكبرى على سورية، اتهام للطفلة بأنها كانت على علاقة مع ضابط في قوات حفظ السلام وجندها في السي آي إيه، في كل قوانين الدنيا، على افتراض صحة الفرية، هي طفلة بلا إرادة ، وبان كي مون يأتي بالضابط مخفورا ليلاقي مصيره سواء في أميركا أو في سورية. لكن من يغتصب الأطفال والنساء ويقتلهم ويحرقهم ويقطعهم يفترض أن ذلك من أدوات العمل السياسي التي لا تستحق المؤاخذة. لتخرج طل وتفرك بصلة في عين هيلاري كلنتون التي تحدثت عنها. الأرجح أنها في ذمة الله، وهو أرحم بها من نظام لا يرحم. وإن خرجت كزينب فهذا مبعث سرورنا وتكون كمن خرج من قبره. النظام القبيح ومن يصطفون معه لن يستطيعوا أن يخرجوا بنان الطنطاوي ابنة أديب الشام الشيخ علي الطنطاوي وزوجة عصام العطار من قبرها. لقد ذهب أشاوس المخابرات إلى أخن في ألمانيا لاغتيال أسرة العطار ولما لم يجدوا غيرها اكتفوا بقتلها. حتى نعلم سمو الشعب السوري والفارق بينه وبين النظام الوحشي عفا عصام العطار وأولاده عن قتلة بنان بعد انتهاء الحق العام، فالقضية ليست شخصية بل بلد مستباح على يد عصابة.   الوحشية ليست قتلا وسلخا وذبحا وحرقا، الوحشية مع المرأة التي تجسد سورية في رقتها وضعفها، تبدأ من الإذلال الذي فجر الثورة السورية، تتساوى في ذلك الدكتورة عائشة المسالمة في درعا، أم سهير الأتاسي أم مي سكاف أم ريما فليحان. إنهن سورية المستباحة على يد العصابة التي لا تتوقف عن كشف بشاعتها.

=============

فيتو مزدوج ضد وقف النزيف السوري

سمير الحجاوي

القدس العربي

6-10-2011

لم تستطع دماء 5000 سوري فقدوا أرواحهم في سورية ان تقنع روسيا والصين على التصويت لصالح قرار في مجلس الأمن لفرض عقوبات على نظام بشار الأسد، ووقف آلته العسكرية على حصد أرواح الأبرياء، وكانت لغة المصالح أعلى واشد قوة من لغة الدم والأخلاق والإنسانية، وكانت الدافع خلف 'الفيتو الروسي الصيني المزدوج'. لم يتعذب أي شعب ثائر من شعوب الربيع العربي كما تعذب الشعب السوري، فقد ترك وحيدا دون مساندة معنوية أو أخلاقية أو معنوية من العرب ودول الجوار والمجتمع العالمي، وتم تجاهله من قبل وسائل الإعلام في البداية، ولولا وسائل الاتصال الحديثة ما سمع احد بالثورة العملاقة للشعب السوري.

لم يجرم السوريون حين طالبوا بالحرية والعدالة والكرامة، فهم لم يطالبوا إلا بالإصلاح في البدايات.. طالبوا بمكافحة الفساد وإنهاء الاحتكار السياسي وإصلاح القضاء والسماح بتشكيل أحزاب سياسية وإجراء انتخابات نزيهة، فكان رد نظام بشار الأسد على هذه المطالب 'التي للمفارقة اعتبرها شرعية' بالرصاص والمدافع وحصار المدن وقصفها وقتل المحتجين السلميين وتدمير القرى وتشريد السوريين إلى تركيا ولبنان والأردن، فما كان من الشعب السوري إلا أن رفع سقف مطالبه لتصل إلى الدعوة 'لإسقاط النظام'، فازدادت شراسة النظام الذي يحتكر السلطة منذ نصف قرن واعتبر

أن الحل الوحيد لإقناع الشعب أو إسكاته وإخضاعه هو ' الحل العسكري' المدعوم بالشبيحة ومليشيات حزب البعث و17 جهازا امنيا نشر عسسها في كل ناحية وزقاق، مما أوصل الوضع في سورية إلى حالة من صراع الإرادات 'بين الشعب السوري الذي يطالب بالحرية والنظام الذي يعلن انه لن يتنازل عن السلطة، وان قرر منازلة الشعب حتى آخر عسكري وشبيح، وهو صراع سيؤول في النهاية إلى انتصار الشعب بلا محالة، بعد أن يتم تخريب سورية وتدميرها وقتل شبابها وإهدار ثرواتها.

من الحتميات التاريخية أن الشعوب لا تتراجع إذا نزلت الى الشوارع، وهي لا تخسر أبدا، وكل الشواهد التاريخية تشير إلى أن الأنظمة الحاكمة المستبدة والدكتاتورية تخسر في النهاية مهما طال الزمن، وهذا الأمر ينطبق على سورية أيضا.

مشكلة الثورة السورية المستعرة داخليا أنها محاصرة خارجيا، مما يعني أن الشعب السوري سينازل النظام البعثي وحيدا دون دعم أو سند، وان عليه أن يكسب المعركة وحيدا بدون تدخل من المجتمع الدولي، وهذا ما سيجعل من وضع الثورة السورية حالة فريدة مقارنة مع الثورات العربية الأخرى في تونس ومصر وليبيا واليمن التي حظيت بنوع من الدعم. وهذا ما يجعل من 'الفيتو' الروسي الصيني مؤلما للسوريين المتطلعين للحرية وللعرب بشكل عام، فهذا 'الفيتو' يوفر غطاء لجرائم نظام الأسد، ويمكنه من الإفلات من العقاب، وسيزيد من عدد القتلى ومن سيل الدماء السورية البريئة التي تراق في الشوارع.

روسيا والصين اللتان منيتا بخسارة فادحة في ليبيا تخسران مرة أخرى في سورية، ولأول مرة يتجه الشارع العربي في عدائه نحو روسيا والصين، ونجد أنفسنا في توافق مع أمريكا وأوروبا، وهو توافق مقبول شعبيا ومرغوب ومطلوب في نفس الوقت.

مشكلة موسكو وبكين أنهما لا تريدان خسارة آخر مواقعهما في العالم العربي، وهما تعتقدان أن سقوط نظام بشار الأسد سيخرجهما من المنطقة بشكل كامل، وهما على حق في ذلك، فهما لم تمنعا الحرب ضد العراق، ولا استطاعتا الحيلولة دون سقوط القذافي، ودائما كانت مواقفها خجولة ومترددة وغير فاعلة بالنسبة للقضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

كان يمكن لروسيا والصين أن تتحالفا مع تطلعات وآمال وأهداف الشعب السوري لكسب العرب وتعزيز مصالحهما في العالم العربي، لكنها اختارتا دعم الدكتاتورية الدموية، ضمن لعبة المصالح الدولية. وعلى الرغم من استخدامهما نفوذهما في مجلس الأمن لتعطيل تسريع وصول السوريين إلى حريتهم، فان الشعب السوري سينتصر، وستتكبد روسيا والصين المزيد من الخسائر في منطقة يسيل على ثرواتها لعاب العالم كله .

' كاتب فلسطيني

=============

الانتفاضة السورية وتقلّب المواقف العراقية

الخميس, 06 أكتوبر 2011

هوشنك أوسي *

الحياة

ظلت العلاقات السوريّة-العراقيّة مشوبة بالقلق والاضطراب والخصومة، وحتى العداوة، منذ منتصف الخمسينات، إبان دخول بغداد حلف السنتو، مروراً بحقبة الجمهوريّة وحكم عبد الكريم قاسم، صولاً لحقبة استلام البعث السلطة في العراق قبل سورية في 8/2/1963، ثم ما تلا ذلك من انشقاق جناحي البعث في دمشق وبغداد في 1966.

وقد وصلت هذه العلاقات الى اعلى درجات التوتّر والعداوة في فترة حكم صدام حسين وحافظ الأسد، حيث دعم كل واحد معارضي الآخر، فدعم الاسد الأب الأحزابَ الشيعية والكردية، ودعم صدّام حسين جماعة «الإخوان المسلمين» وبعضَ البعثيين السنّة المنشقّين (أمين الحافظ، أحمد أبو صالح...). وفي مطلع التسعينات، دخل الأسد في حرب تحرير الكويت الى جانب أميركا والتحالف الدولي ضدّ صدّام حسين.

وبوفاة حافظ الاسد، واستلام نجله بشار الأسد الحكم بالتوريث (الديموقراطي)، بدأت العلاقات العراقيّة-السوريّة تدخل رويداً طور الفتور الإيجابي، إن جاز التعبير، ومن ثمّ بدأت تتشكل بعض قنوات الارتباط بين الطرفين، في مسعى لطيّ صفحة الماضي، مع محاولة رموز النظام السوري الاستفادة، إلى الحدود القصوى، من تهريب البترول العراقي بأثمان بخسة لسورية ثم تصديره بأسعار مرتفعة للأسواق العالمية. وما إن بدأت نُذُر قرب حرب الاطاحة بنظام صدّام حسين تلوح في الافق، حتى تحسنت العلاقات بين بغداد ودمشق، لكون نظام بشّار الأسد كان يستشعر بأنه ما أن يسقط النظام العراقي ويظهر نظام ديموقراطي بديل، حتى يُحكم على النظام السوري بالإعدام، مع وقف التنفيذ. وبدأت علاقات النظام السوري مع أصدقائه السابقين (المعارضة العراقية) تسوء على حساب تحسّن علاقاته مع أعدائه السابقين (نظام بعث العراق).

وبسقوط نظام صدّام حسين في 9/4/2003، دخلت العلاقة بين سورية والعراق منعرجاً دمويّاً غاية في القسوة والحدّة، ذلك أن دمشق صارت تدعم فلول النظام العراقي البائد، وتأوي رموزه، وتدعم حركات التمرّد المسلحة في العراق، وغدت سورية موئل ومصنع المفخخات والانتحاريين، الذين قتلوا من العراقيين ما قتله الاحتلال الاميركي، وربما اكثر. وكثيراً ما كانت تتهم الحكومات العراقية المتعاقبة (علاوي، الجعفري، المالكي) دمشق بدعم وتمويل العنف والارهاب الذي كان يعصف بالعراق، وكانت تلك الاتهامات مقرونة بالأدلّة والبراهين الدامغة.

وحتى قبل اندلاع الانتفاضة السورية في منتصف آذار الماضي، كانت العلاقات السورية-العراقيّة، متوترة، وكان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي كثيراً ما يتهم نظام الاسد بالوقوف وراء العنف والارهاب في العراق، وكانت الجماعات السنيّة (جبهة التوافق، والقائمة العراقية) مع النظام السوري ضدّ مواقف المالكي وتصريحاته! ذلك ان المكوّن السنّي في العراق كان مدعوماً من دمشق ضدّ المالكي، في حين أن الأحزاب الشيعيّة (حزب الدعوى، التيّار الصدري، المجلس الاسلامي الأعلى، حزب الفضيلة...)، تتبنّى الآن وجهة النظر الرسميّة من الانتفاضة السورية، وتعتبرها «مؤامرة»، على نظام الأسد.

ويؤيّد ذلك تصريح القيادي في الائتلاف الوطني محمد البياتي، لإذاعة «العراق الحرّ»، حيث اشار إلى «ازدواجية في الموقف الأميركي والأوروبي إزاء الثورات العربية، خاصة في البحرين»، مشيراً إلى أن صمت العراق ينبع من إيمان الشعب العراقي ومجلس النواب العراقي، بأن سورية تتعرض إلى ما وصفه ب «مؤامرة» من دول غربية وأوروبية وحتى من إسرائيل.

هذا الموقف ينسجم تماماً مع الموقف الايراني وموقف «حزب الله» اللبناني، لجهة الدفاع عن التظاهرات الاحتجاجية في دولة البحرين، لكونها شيعية الصبغة والطباع والميل، مع انتقاد التظاهرات التي تشهدها سورية، واعتبارها فعلاً «مدسوسا» من أميركا واسرائيل.

موقف الحكومة العراقية المساند للنظام السوري، عززته تقارير إعلامية تفيد بتورّط حكومة المالكي في تزويد نظام الاسد بالنفط، رضوخاً لضغوط ايرانية مباشرة، من دون أن ننسى أن الجانب الكردي العراقي أبدى أيضاً، بشكل أو بآخر، تضامنه مع النظام السوري، وأن النظام «سيجتاز المؤامرة التي تستهدفه». وهذا في حين كان النظام السوري، ولا يزال، من أشدّ المعارضين والمعرقلين للفيدرالية العراقية، وللدور الكردي الوازن في المعادلة السياسية العراقية.

في الطرف الآخر، تحولت الجماعات والاحزاب السنّية من صديقة للنظام السوري الى منتقدة له، تحت تأثير عاملين: الأول، استهداف المناطق السنية السورية من قوّات الامن والشبّيحة والجيش السوري. والثاني، تماشياً مع الموقف التركي والأميركي والأوروبي، الهادف الى خلع نظام بشار الأسد، الذي يُعتبر الخندق الإيراني المتقدّم في الشرق الاوسط.

على ضوء ما سلف، لن تستمر طويلاً تقلّبات المواقف العراقية مما يجري في سورية، خاصة مع اشتداد الضغوط الداخلية والإقليمية والعربية والدولية على دمشق، واستمرار الانتفاضة السورية، رغم كل هذا الكمّ من الغدر والوحشية التي يمارسها النظام السوري بحقّ المتظاهرين. لكن، لا يزال باكراً الجزم بأن كل أوراق النظام السوري في العراق قد احترقت، وأن نيران الاحتراب الطائفي التي ينفخ النظام السوري في كيرها لن تطال العراق أو تركيا، نتيجة التشابه الكبير والعميق للنسيج الاجتماعي والقومي والديني والعرقي في هذه البلدان الثلاثة.

* كاتب كردي سوري.

=============

الربيع العربي وتجارب التحوّل الديموقراطي في العالم

الخميس, 06 أكتوبر 2011

بول سالم *

الحياة

باغت الربيع العربي الحكومات على حين غرّة، بيد أن الدمقرطة هي في الواقع منحى عالمي كان محتّماً أن تصل مفاعليه إلى العالم العربي. في القرنين الماضيين، اندلعت الديموقراطية في انحاء العالم كافة، ولا بد من استعراض هذه التجارب ومن معاينة أي ظروف سهَّلت عملية الدمقرطة وأي منها عرقلتها.

لقد انتشرت الديموقراطية في العالم الحديث على شكل موجات، كما يحصل أخيراً في العالم العربي. اندلعت الموجة الأولى في أعقاب الثورتين الأميركية والفرنسية، ودشَّنت مرحلة من الدمقرطة في أوروبا والأميركتين في القرن التاسع عشر، خصوصاً بعد «الربيع الأوروبي» عام 1848. ووصل عدد الديموقراطيات مطلع عقد العشرينات من القرن الماضي الى 29 بلداً ديموقراطياً في العالم. لكن هذه الموجة انحسرت بفعل صعود الشيوعية والحركات الفاشية، فلم يعد في العالم عام 1942 سوى 12 بلداً ديموقراطياً.

ظهرت الموجة الثانية من الديموقراطية غداة الحرب العالمية الثانية وشهدت إعادة انتشار الديموقراطية في أوروبا الغربية ووصول الديموقراطية الى اليابان والهند وبعض الدول المستقلة حديثاً عن الاستعمار. وهكذا ارتفع مجدداً عدد الدول الديموقراطية في العالم ليصل إلى 36 دولة.

الموجة الثالثة بدأت في أوائل السبعينات، مع عمليات الانتقال الديموقراطي في أوروبا الجنوبية (إسبانيا، البرتغال، واليونان)، وأيضاً مع الانتقال الديموقراطي في البرازيل ومن ثَم في بلدان أخرى في أميركا الجنوبية والوسطى. وحينها قفز عدد الديموقراطيات إلى 60 دولة.

وأضحت الموجة أكثر اتساعاً بفعل تضعضع الاتحاد السوفياتي وتداعي جدار برلين عام 1989. هكذا، وفي غضون سنوات قليلة، كانت كل أوروبا الشرقية والوسطى تقريباً قد تحوَّلت إلى الديموقراطية، بما في ذلك روسيا. كما أن الكثير من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء أطاحت حُكّامها السلطويين ويمّمت وجهها صوب الديموقراطية. وحينها، وللمرة الأولى في التاريخ، برزت غالبية من الدول الديموقراطية في العالم: 117 من أصل 191.

ان الربيع العربي هذا العام جدَّد مسيرة الديموقراطية، وهو أظهر أن النضال من أجل الحقوق السياسية والاجتماعية ليس مسألة مصطنعة أو اختراعاً غربياً، بل هو جزء من نهج طبيعي في التاريخ البشري.

ومن خلال مراجعة الأدبيات التي نشأت لدراسة عمليات الانتقال الى الديموقراطية حول العالم، يمكن استخلاص بعض الافكار والملاحظات:

أولاً: إن إلحاق الهزيمة بنظام سلطوي لا يعني الوصول إلى الديموقراطية. فالكثير من دول العالم أطاحت نظماً سلطوية، لكنها انحدرت إلى الحرب الأهلية، أو انضمت إلى خانة الدول المنهارة، أو استُبدِلت بديكتاتورية أخرى. لقد مرّت أميركا اللاتينية، وأوروبا، وإفريقيا، وحتى العالم العربي، في مراحل مبكِّرة من الدمقرطة، لكن الكثير من حكوماتها الديموقراطية ضعفت وانهارت في وجه تحديات أكبر. ثمة خطر من هذا النوع الآن مثلاً في ليبيا واليمن وسورية.

ثانياً: إن طبيعة البنى السياسية والاجتماعية - الاقتصادية السابقة في البلد مهمة جداً. والأهم هو الوحدة الوطنية. فالديموقراطية هي حكم الشعب، وإذا لم يكن ثمة اتفاق عمّن هو «الشعب»، فسيكون من الصعب للغاية إقامة ديموقراطية مستقرة. إن ضعف الوحدة الوطنية افسد تجربة الديموقراطية في لبنان والعراق وقد يتهدد المشروع الديموقراطي في مصر وليبيا واليمن وسورية.

علاوة على الوحدة الوطنية، تتطلّب الديموقراطية المستقرة إرثاً من تقاليد دستورية وقانونية، ومؤسسات انتخابية، وتعددية سياسية، وبيروقراطية فاعلة، ومؤسسات أمن قومي، ومجتمعاً مدنياً حيوياً، وسلطة قضائية قائمة، وإعلاماً حراً، ومؤسسات النشاط الاقتصادي الحر المقنّن. وفي البلدان التي كان يوجد فيها الكثير من هذه المؤسسات في الأنظمة السابقة، فإن إقامة الديموقراطية كانت أمراً أكثر يُسراً من بلدان تفتقد هذا الماضي.

وعلى سبيل المثال، في السنوات الأخيرة لحكم الجنرال فرانكو في إسبانيا، كان يتوافر الكثير من هذه الظروف والمؤسسات. لذلك، حين توفي هذا الأخير لم يتطلَّب الأمر سوى نقل السلطة السياسية الحقيقية من فرانكو إلى مسؤول مُنتخب، حيث إن معظم بقية المؤسسات كان موجوداً. بينما في رومانيا تشاوشيسكو، لم يكن هناك أي من هذه المؤسسات حين تمّت الإطاحة بهذا الديكتاتور.

تتمتع مصر وتونس بالكثير من الشروط المُسبقة التي أتينا على ذكرها، بيد أن ليبيا تفتقر إلى مثل هذه الظروف.

ثالثاً: إن طريقة أفول النظام السابق والتحرّك نحو عملية الانتقال مهمة أيضاً. فحيث يظهر التغيير بسبب قرار من داخل النظام نفسه (كما في حالة البرازيل والبرتغال وإسبانيا واليونان) يحتمل أن تكون عملية الانتقال أكثر سلاسة وديمومة. ليس لدينا في ربيعنا العربي مثل هذه الظاهرة، لكن لدينا شيء قريب منها، فحالما نشبت الانتفاضات، على سبيل المثال في مصر وتونس، أدركت القوات المسلحة أنه يتعيَّن تفكيك الديكتاتورية، وأن مصلحتها تكمن إلى حد كبير في أن تكون جزءاً من عملية التحوّل كي لا تكون ضحيّتها. لكن الخطر هنا هو أن على رغم أن ذلك يساعد على ضمان قسط من الأمن والاستقرار خلال عملية الانتقال، إلا أنه قد يعرِّض عملية الدمقرطة نفسها إلى الخطر، لأن المؤسسة العسكرية قد تُصر على الحصول على حصة مستقلة من السلطة السياسية، وقد تقاوم الرقابة الديموقراطية عليها.

تقول التجارب العالمية أيضاً انه في بعض الحالات، حيث يكون الانتقال نتيجة انتفاضة شعبية، تكون المحصلات مختلفة للغاية اعتماداً على ما إذا كانت الانتفاضات سلمية أو مسلّحة، موحّدة أو متشظية. ففي الحالات التي تكون فيها الانتفاضات سلمية، كما في معظم أميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية والفيليبين...، كانت عمليات الانتقال أكثر ديمومة، حيث تم الحفاظ على احتكار الدولة للقوة المسلحة وبقيت السياسة غير عنفية. وفي الحالات التي كانت فيها الانتفاضات مسلحة كما في كوستاريكا أو بوليفيا أو حتى في كوبا كاسترو، انتهى الأمر بالنخب الحاكمة الجديدة إلى الاعتماد على القوة المسلحة والاخضاع بالقوة للحفاظ على السلطة.

هذا ليس أمراً حتمياً، لكنه جرس إنذار هام ينبّهُنا إلى حالات، كما في ليبيا الآن حيث الانتفاضة كانت مسلحة، وفي سورية حيث قد تلجأ المعارضة إلى امتشاق السلاح. وبالطبع، حيث كانت الانتفاضة مسلحة ومتشظية في آن كما في العراق الحديث، فإن المخاطر تكون أضخم بكثير.

رابعاً: ما يرتدي أهمية فائقة في التجارب العالمية هو نجاح أو فشل مراحل الانتقال الديموقراطي التي تتضمَّن مفترقات طرق رئيسة كوضع دستور جديد وإجراء انتخابات حرّة ونزيهة.

تُبيِّن تجارب الآخرين أن آلية تعديل أو صياغة الدستور هي تقريباً بأهمية مضمونه. ففي مجال آلية التعديل، إن لم يأتِ هذا كحصيلة لمشاورات واسعة وآلية متوافق عليها وقبول شعبي عام، فقد يُعتبر أفضل الدساتير غير شرعي وقد يفشل في لعب دوره كوثيقة ناظمة للحياة السياسية. وفي ما يتعلَّق بالمضمون، اختارت معظم البلدان في الفترة الاولى التي تلت المرحلة الانتقالية الأنظمة البرلمانية لا الرئاسية. هذه كانت الحال، على سبيل المثال، بالنسبة إلى معظم الدول في أوروبا الوسطى التي انتقلت من السلطوية الشيوعية إلى الديموقراطية. والسبب هو أنه في الأنظمة البرلمانية تشعر معظم الأحزاب بأنها معتبَرة ومشاركة، هذا في حين أنه في الأنظمة الرئاسية ثمة خطر من إعادة تمركز السلطة، وينتهي الأمر بالكثير من الأحزاب بأن تشعر بأنها استُبعِدت وهُمِّشت ثانية. هذا لا يعني أن الأنظمة الرئاسية لا تستطيع النجاح في تعزيز العملية الانتقالية، لكن يتعيّن عليها ان تبذل جهوداً مضاعفة لضم مختلف الأحزاب إلى حكوماتها.

اما في ما يتعلق بالانتخابات، فيتبيّن من تجارب الآخرين أن عملية ادارة الانتخابات هي أيضاً بأهمية الانظمة الانتخابية. فقد لا تكون الانتخابات جديدة للبلاد - والواقع أن الكثير من الحكومات السلطوية في العالم العربي وأماكن أخرى أجرت انتخابات مراراً - لكن أهمية هذه الانتخابات الجديدة هي أنها يجب أن تجرى في بيئة عادلة وحرّة بإشراف هيئة محايدة وموثوقة، وتستند إلى قوائم ناخبين صحيحة، وتؤدي إلى نتائج يمكن فرزها بطريقة شفافة.

وفي ما يتعلّق بالأنظمة الانتخابية، فإن معظم بلدان ما بعد المرحلة الانتقالية اختار التمثيل النسبي لا النظام الأكثري. ففي هذه البلدان، لم تكن للمجتمع في السابق فرصة لتنظيم نفسه سياسياً، فيما نخب النظام السابق توافرت لها عقود مديدة لتعزيز قوتها وقواعد دعمها بطريقة زبائنية. لذا، فإن التمثيل النسبي يسمح بتفتُّح الحياة السياسية وازدهارها، كما يسفر عن دمج أوسع بكثير للمجتمع في مؤسسات الدولة الديموقراطية الجديدة.

بالخلاصة السريعة، إن تجارب دول العالم لا تقدِّم صيغة جاهزة او وصفة سحرية للانتقال من السلطوية الى الديموقراطية، لكنها تؤكد أهمية الوحدة الوطنية وتطوّر المؤسسات السياسية والمدنية والإعلامية والاقتصادية، وحسن التعاطي مع تحدي التغيير الدستوري والانتخابات وخطر العمل السياسي المسلح. وتاريخ النمو الديموقراطي في العالم يعطينا الثقة بأن رياح التاريخ تجري كما تشتهي سفن شعوبنا، وأن تجارب الآخرين متاحة لنا للمقارنة والاستفادة حيث كان ذلك مناسباً. ومن دواعي اعتزازنا أن تكون شعوبنا العربية اليوم هي الرائدة في استكمال كتابة مسيرة الديموقراطية وحقوق الانسان، لا أن تكون متفرِّجة عليها عن بعد، كما كانت في معظم العقود السالفة.

* مدير مركز كارنيغي للشرق الاوسط في بيروت.

=============

سوريا والنفاق الروسي

طارق الحميد

الشرق الاوسط

6-10-2011

مع مستشارة النظام الأسدي بثينة شعبان كل الحق عندما تقول إن اليوم الذي استخدمت فيه كل من روسيا والصين حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لوقف مشروع قرار يدعو إلى «إجراءات محددة الأهداف» ضد نظام بشار الأسد، «يوم تاريخي».

فهو يوم تاريخي بالطبع، لأن في هذا اليوم عرف السوريون، ومعهم العرب، أن النظام الديكتاتوري في سوريا، والذي يقتل مواطنيه، وينكل بهم أبشع تنكيل، ولا يتوانى عن استخدام الحيل، وتأجيج الطائفية، هو نظام يتمتع بحماية حقيقية من قبل كل من الصين وروسيا، وتحديدا الروس الذين يمارسون نفاقا سياسيا بكل معنى الكلمة.

وبالطبع ليس سرا أن الصين ترفض أي قرار ضد النظام الأسدي لأنها تخشى على نفسها غدا من أي سابقة، وكان من المتوقع أن تمتنع عن التصويت، لتلك الأسباب، ولديها سجل حافل بذلك، أو أنها تستخدم حق النقض من أجل حماية نفوذها التجاري. أما موسكو فلعبتها واضحة، بوضوح النفاق السياسي لديها، فالروس يعلمون أنه في حال سقوط نظام الأسد فإنهم سيفقدون آخر نظام عربي من الممكن استخدامه لابتزاز الأميركيين والأوروبيين في أي قضايا عالقة، أو مشاريع اقتصادية، حيث دائما ما كانت الأنظمة الديكتاتورية العربية منصة تقف عليها موسكو لتعزيز مواقفها التفاوضية في قضايا عدة. وسقوط النظام الأسدي يعني أنه لم يعد هناك نظام عربي تستفيد منه روسيا مثل ما استفادت في حقبة الحرب الباردة من مصر عبد الناصر، أو كما استفادت من فترة صدام حسين، وبعده معمر القذافي، وها هي اليوم تحاول عدم خسارة آخر أوراق الابتزاز في منطقتنا وهو النظام الأسدي.

وعندما نقول إن النفاق الروسي واضح وضوح الشمس فهذا ليس تجنيا، ففي نفس اليوم الذي استخدمت فيه روسيا حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لوقف مشروع القرار الخاص ضد النظام الأسدي، أعلن الناطق باسم وزارة الخارجية الروسية ألكسندر لوكاشيفيتش أن بلاده تنوي «استقبال وفدين من المعارضة السورية في أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، أحدهما يمثل معارضة الداخل الموجودة في دمشق، والثاني يمثل المعارضة التي أسست ما سمي المجلس الوطني في اسطنبول»! وما يجب أن نتنبه له هنا أن هذه الدعوة ليست لزيارة موسكو وحسب، بل وسيكون اللقاء في وزارة الخارجية الروسية نفسها. فإذا لم يكن هذا هو النفاق السياسي، والمتاجرة بآلام ومعاناة السوريين، فماذا يمكن لنا أن نسميه، أو نصفه؟

الواضح أمام الجميع اليوم أن الروس يريدون التأسيس لموضع قدم لهم في سوريا، وعلى الطريقة التالية: وهي استخدام الفيتو لمصلحة النظام الأسدي، وفي هذه الحالة يكسبونه إن صمد أمام الثورة السورية الشعبية. أو أنهم، أي الروس، سيكسبون الثوار السوريين من خلال الدعوة التي وجهت للمعارضة السورية في نفس يوم استخدام الفيتو بالأمم المتحدة!

هذا هو الأمر الواضح، وإلا كيف تدعم روسيا النظام الأسدي، وتبرر ذلك بقولها إن هناك جماعات إرهابية في سوريا، ثم تقوم بنفس اليوم بدعوة المعارضة لزيارة روسيا، علما أن موسكو تعتبر أن من بينهم إرهابيين؟ أمر لا يستقيم بكل تأكيد.

=============

3 احتمالات صعبة بانتظار الأوضاع السورية الملتهبة!

صالح القلاب

الشرق الاوسط

6-10-2011

دخل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق الدكتور سليم الحص على خط الذين أسقطوا أمانيهم ورغباتهم الخاصة على مجريات التطورات السورية المتلاحقة منذ الخامس عشر من مارس (آذار) الماضي، فهو بدوره، مثله مثل ما كان فعله الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، قد سارع بمجرد عودته من دمشق إلى بيروت إلى زف البشرى للبنانيين بأن الرئيس السوري بشار الأسد قد «طمأنه» على أن المدن السورية باتت مستقرة وهادئة وآمنة، وأن الأوضاع قد عادت إلى ما كانت عليه، وأن كل شيء سيكون على ما يرام خلال الأيام القليلة المقبلة.

وبهذا، فإن الدكتور الحص لم يتعظ بتجارب الذين سبقوه في إسقاط رغباتهم وأمانيهم على الواقع السوري الملتهب، والذين ذهبوا في توقعاتهم بعيدا، لكن مستجدات الأحداث التي غدت ككرة ثلج هابطة بسرعة من فوق جبل مرتفع قد كذبت كل هذه الرغبات والأماني التي لم يدرك أصحابها أن ما جرى وما يجري في سوريا هو ثورة شعبية غدت عصية على نظام استبدادي لجأ ومنذ اللحظة الأولى إلى العنف، واستخدام كل ما لديه من إمكانيات عسكرية وأمنية، لكن كرة الثلج بقيت تكبر وتكبر إلى أن أصبحت بهذا الحجم الذي من غير الممكن السيطرة عليه أو استيعابه.

كانت مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان قد أطلقت في الأسابيع الأولى من هذه الثورة، التي هي درة ثورات الربيع العربي، تصريحات «طمأنت» فيها الشعب السوري، الذي لا يثق بها ولا بتصريحاتها ولا بالإعلام السوري الذي كان فشله ذريعا، وبقي يلهث وراء ما يجري ويحاول ترويج أكاذيب كأكاذيب غوبلز في العهد الهتلري في ألمانيا، بأن كل شيء غدا على ما يرام، و«أن الأحداث باتت وراءنا، وأن سوريا استوعبت ما حصل، وأن إصلاحات بشار الأسد قادمة لتملأ الأرض عدلا، وأنه عفا الله عما سلف، وسوف نعلم العالم كيف تكون الديمقراطية الحقيقية»!!

وبالطبع، فإن الرئيس الأسد كان قد قال لكل من زار دمشق، ليقف على حقيقة ما يجري عن قرب ومن بين هؤلاء وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو والمبعوث الروسي وبعض الموفدين العرب الذين زاروا العاصمة السورية سرا، ما قاله للدكتور الحص، وما كان قاله قبل ذلك للسيد وليد جنبلاط، لكن ما ثبت من خلال التطورات والوقائع المتلاحقة على الأرض أن كل هذا مجرد أضغاث أحلام، ومجرد رغبات وأمان غير صحيحة، وأن كل ما قيل في هذا المجال جاءت الأحداث لتكذبه من ألفه إلى يائه.

ما كان صدى ما بشر به الدكتور سليم الحص اللبنانيين، بعد عودته من دمشق حيث التقى الرئيس بشار الأسد في جلسة تأييد ومساندة، قد تلاشى بعد عندما بدأت الانشقاقات في الجيش السوري تأخذ طابع التمرد العام، وعندما تصاعدت المظاهرات واتسع نطاقها لتشمل معظم المدن السورية، وعندما وقعت أول مواجهة عسكرية فعلية بين المنشقين وقوات النظام الضاربة، حيث فشلت هذه القوات في السيطرة على بلدة صغيرة هي «الرستن»، التي هي بلدة مصطفى طلاس وزير الدفاع السابق، وأحد أعمدة نظام حافظ الأسد، إلا بعد قتال استمر خمسة أيام بلياليها تحدثت المعلومات عن أنها أسفرت عن اعتقال نحو ثلاثة آلاف من المدنيين، ومقتل المئات من أبناء هذه البلدة التي تم عزلها ولا تزال محاصرة حتى الآن.

هناك عدم فهم لما يجري في سوريا، ولقد وقع الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي في حالة عدم الفهم هذه في زيارتيه المتلاحقتين إلى دمشق، فهو صدق الرواية الرسمية القائلة: إن الأمور مستتبة، وإن كل شيء على ما يرام، وإنه تقف وراء هذه الأحداث «المحدودة» عصابات متطرفة أزعجها التوجه الإصلاحي للرئيس بشار الأسد، وهي تقوم بما تقوم به تنفيذا ل«أجندات» خارجية تستهدف سوريا كدولة «مقاومة وممانعة» وتستهدف قرارها المستقل الرافض للإملاءات الأميركية والمتمسك بالحقوق الفلسطينية والعربية.

والآن وقد دخلت هذه الثورة المتصاعدة شهرها السابع بقفزة نوعية تمثلت في تحول عمليات الانشقاق إلى تمرد عسكري، وتمثلت أيضا في توحد المعارضة الداخلية والخارجية في كيان قيادي واحد، فإن «المؤلفة» قلوبهم ما زالوا يتحدثون عن أن هذا النظام قادر على الصمود، وأن تجربة حماه في عام 1982 لا تزال ماثلة للعيان، وأنه ما دام أن الجيش موحد ومتماسك فإن نهاية هذه الأحداث باتت قريبة، وأن خروج الرئيس بشار الأسد من هذا الاختبار أصبح تحصيل حاصل، وحقيقة أن هذه مجرد رغبات وأمان كالرغبات والأماني التي بشر بها الدكتور سليم الحص اللبنانيين بمجرد عودته إلى بيروت من زيارته الدمشقية، وأنه حتى وإن كان هناك مثل هذا الصمود الذي يواصل المؤلفة قلوبهم الحديث عنه فإنه لا عودة إطلاقا إلى الأوضاع السابقة، وأن الشعب السوري بعد كل هذه التضحيات العظيمة من غير الممكن أن يعود إلى ما كان عليه وكأنه لا عين رأت ولا أذن سمعت.

إنه من الواضح أن هذا النظام الانتحاري مُصر على ما كان بدأه بالخيار الأمني والعسكري بعد انطلاق شرارة الثورة من درعا في الخامس عشر من مارس الماضي، وأن خياره الذي لا يزال يتمسك به هو: «إما قاتل أو مقتول»، وأنه سيبقى يقاتل حتى وإن وصلت طلائع هذه الثورة إلى بوابة قصر المهاجرين في دمشق، وهذا يعني في ضوء هذا كله أن هناك ثلاثة احتمالات جميعها متوقعة في ضوء توازن القوى الحالي وإصرار النظام على القتال حتى الرمق الأخير وإصرار الثوار على مواصلة ثورتهم انطلاقا من قناعتهم، وهي قناعة صحيحة، بأن أي توقف ستكون نتيجته كارثة محققة على صعيد الوطن كله وعلى صعيد مستقبل الأجيال التي استجابت لربيع الثورات العربية وقدمت كل هذه التضحيات من أجل دولة ديمقراطية وعلمانية قرارها بيد شعبها ولا مكان فيها لا للحزب الواحد ولا للقائد مبعوث العناية الإلهية ولا للطائفية والمذهبية.

أول هذه الاحتمالات أن يستطيع هذا النظام قمع هذه الثورة وإخماد جذوتها كما حصل مع انتفاضة حماه عام 1982، وهذا يعني أن سوريا ستشهد تكوّن تنظيمات سرية «تحت الأرض»، وأنها ستشهد موجة من العنف والاغتيالات سيترتب عليها حرب أهلية لا محالة قد تستمر لأعوام عدة ستؤدي حتما إلى انهيارات سياسية واجتماعية واقتصادية، وبالتالي إلى رحيل نظام حزب البعث، وإلى إنهاء هذه الصيغة القائمة الآن بصورة نهائية.

ثاني هذه الاحتمالات أن يستمر هذا الاستنزاف، وأن تتواصل الانشقاقات في الجيش، وأن تتفسخ الدولة، وأن تبرز إقطاعيات سياسية تأخذ طابع الدويلات الجهوية والمذهبية، وحقيقة أن هذا الاحتمال وارد في ظل الاحتقانات الحالية، وفي ظل حالة التشتت هذه التي تعيشها البلاد.

أما الاحتمال الثالث فهو أن يستجيب المجتمع الدولي لمناشدات المعارضة السورية بتوفير الحماية للشعب السوري بعد أن تمادى النظام في اللجوء إلى العنف والقوة العسكرية، وهنا فإن ما هو مؤكد أنه ستكون هناك، بمساندة تركيا، منطقة محظورة الطيران «NO FLY ZONE» ستصبح مكانا لتجميع المنشقين عن الجيش، على غرار بنغازي بالنسبة لما جرى في ليبيا، وهذا سيؤدي إلى تدخل دولي سيأخذ أشكالا متعددة، وسيفتح جبهات كثيرة ضد هذا النظام من خلال حدود سوريا مع بعض الدول العربية المجاورة.

إن هذه هي الاحتمالات الرئيسية المتداولة المتوقعة، لكن هناك من يضيف إليها احتمالا آخر هو احتمال أن تبرز في لحظة معينة مجموعة من الضباط الوطنيين الذين لم تعد لديهم إمكانية احتمال هذا الذي يقوم به النظام، وتقوم بانقلاب عسكري إنقاذي يوفر فترة انتقالية تجري خلالها انتخابات رئاسية وتشريعية، وعلى غرار ما هو متوقع أن يحصل قريبا في مصر تحت إشراف المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ