ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 01/10/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

بورصة مجلس الامن

ساطع نور الدين

السفير

30-9-2011

يصعب التغاضي عن حقيقة ان مشروعي القرارين الاوروبي الغربي والروسي بشأن سوريا المطروحين على النقاش في مجلس الامن الدولي هما خلاصة المواقف الرسمية للدول التي صاغتهما بطريقة ملتبسة تعبّر عن تخبطها في التعامل مع الازمة السورية، وتوحي بأنها مهتمة بالنزاع في ما بينها والقيام باستعراضات دبلوماسية منافقة، اكثر مما هي معنية بالتوصل الى تسوية تنهي سفك الدماء في سوريا.

قد يكون الالتباس في نصي المشروعين اللذين وزعا مساء الاربعاء على اعضاء المجلس ناجما عن ان الجانبين الاوروبي الغربي والروسي يفتتحان المساومة حول الازمة السورية برفع سقف التفاوض في ما بينهما الى الحد الاعلى، من اجل الوصول في النهاية الى حل وسط يستخلص القواسم المشتركة بين النصين ويصيغ مشروعا موحدا يحظى بالاجماع او الاغلبية او يتفادى حق النقض، ويسهم في توجيه الرسالة التي يود المجتمع الدولي بعثها الى النظام في سوريا ومعارضيه.

غياب اميركا، حتى الان، عن رعاية النص الاوروبي الذي اعدّه مندوبو فرنسا وبريطانيا والمانيا والبرتغال هو بحد ذاته موقف لا يمكن لأحد ان يخطئه، وإن كان يعتقد أن واشنطن اختارت بملء ارادتها ان تكون الوسيط بين الاوروبيين وبين الروس الذي يتولى صياغة مشروع جديد يجمع بين المشروعين، اللذين لا يمكن دمج بنودهما التنفيذية التي يبدو انها آتية من عالمين متباعدين، لا صلة لأي منهما بالواقع السوري... الا في اتفاقهما على ضرورة انهاء الحل الامني وتشجيع عملية سياسية تضم النظام والمعارضة التي يدعوها الروس في مشروعهم الى النأي بنفسها عن المتشددين في صفوفها، وهو ما لايعترض عليه الاوروبيون لكنهم يتوجهون الى النظام اكثر مما يخاطبون معارضيه، ويحملّونه مسؤولية الانهيار الامني في سوريا، من دون ان يلوّحوا بالدعوة المتداولة في عواصمهم الى اسقاطه.

النظام قائم بالنسبة الى الجانبين الاوروبي والروسي، وهو مدعو الى تنظيم تلك العملية السياسية. لكن الافتراق يبدأ عندما يقترح الاوروبيون في مشروعهم تعيين موفد دولي لمتابعة الازمة السورية ويلوحون بعقوبات تحت البند السابع، خلال مهلة اسبوعين، اذا امتنع النظام السوري عن التجاوب مع طلب وقف الحملة الامنية وبدء العملية الاصلاحية. بينما يبادر الروس الى تقديم اقتراح مثير يقضي بتشجيع الجامعة العربية على استئناف مساعيها من اجل فتح الحوار السياسي بين السوريين جميعا.

بعد المشاورات بين اعضاء مجلس الامن التي يمكن ان تستغرق وقتا طويلا، لتثبت ان الازمة السورية باتت بندا رئيسيا على جدول الاعمال الدولي، قد لا يبقى الكثير من بنود المشروعين اللذين يمكن وصف كل منهما بانه اعلان نوايا اوروبية او روسية، تطرح السؤال عما اذا كانت واشنطن تقف في ظل الاوروبيين الذين لا يخرقون قواعد التدويل ومقدماته السلمية، او ما اذا كانت موسكو تعبّر عن رغبة سورية فعليّة في دور عربي جديد يسهم في سد الثغرات الدولية في جدار الازمة، ويعرقل الدور التركي الذي يزيد طموحا يوما بعد يوم؟

جلس الامن هو الان مثل بورصة مفتوحة للتداول بالاسهم والسندات... والادوار في سوريا.

=============

سوريا الأسد و"سبعُ أوراقٍ" في مصلحتها!

سركيس نعوم

النهار

30-9-2011

يُظهر حلفاء نظام سوريا في لبنان اطمئناناً الى قدرته على انهاء ما يعتبره مؤامرة صهيونية – اميركية عليه تنفذها مجموعات ارهابية تتلقى تمويلها من جهات عربية معروفة. ويشددون على انه وخلال اشهر قليلة سينجح في انهائها وسيتابع مسيرة الاصلاح التي بدأها بعد اندلاع ما سماه الغرب والعرب والعالم انتفاضة شعبية في آذار الماضي. ويبني هؤلاء اطمئنانهم على معلومات وتحليلات يسمعونها من قيادات سورية تؤكد ان سوريا الاسد لن تنكسر لأنها في مواجهة الهجمة الدولية – العربية – الاسرائيلية الشرسة عليها لا تزال تمتلك اوراقاً مهمة.

الورقة الاولى هي وقوف روسيا الاتحادية مع النظام السوري في المحافل الدولية وتحديداً في مجلس الامن ومبادرتها الى تقديم كل ما يحتاج اليه من مساعدات متوافرة عندها. وهي ايضاً عدم نجاح اميركا واوروبا في استدراج روسيا الى مواقفهما "المعادية" لسوريا الاسد سواء بالاغراءات المتنوعة او ب"التهديدات" المبطَّنة. وهي ثالثاً تمسّك روسيا بعدم صدور قرار عن مجلس الامن يدوّل العقوبات المتنوعة القاسية عليها ويمهّد لاستعمال القوة العسكرية ضدها. والورقة الثانية هي الصين الشعبية التي لا تزال ترفض، حتى الآن على الاقل، التعرض لهذه ال"سوريا" في مجلس الامن، وإن بطريقة اقل التزاماً من روسيا او اقل تشدداً. والورقة الثالثة هي دول البرازيل وافريقيا الجنوبية والهند الأعضاء في مجلس الامن التي رفضت ولا تزال ترفض السير مع اميركا واوروبا في "تشددهما السوري" داخل مجلس الامن وخارجه.

والورقة الرابعة هي الجمهورية الاسلامية الايرانية الحليفة الاستراتيجية لنظام الاسد، منذ تأسيسه، وهي مهمة جداً لأن ايران قوة اقليمية كبرى مرشحة للتحوّل عظمى اذا تكرّست "نوويتها" في مرحلة من المراحل. وهي دولة غنية. وهي دولة طموحة تمتلك استراتيجيا اقليمية وأخرى دولية. وهي تدافع عن مصالحها وعن حلفائها بكل قوة، وقد ترجمت ذلك ومن زمان بعيد سورياً في ميادين التجارة والاقتصاد والسلاح والتدريب والنفط والاستثمار بحيث صارت جزءاً بنيوياً تقريباً من النظام المذكور. وبحكم ذلك صارت حمايتها له واجبة. وايران هذه يعترف الغرب كله وزعيمته اميركا بقوتها وخصوصاً بعد نجاحها في مواجهته على مدى ثلاثة عقود وفي إظهار حاجته اليها في الدول التي تورط فيها عسكرياً في المنطقة. والورقة الخامسة هي عراق ما بعد صدام حسين الذي لا يكنّ، وبمعظم مكوناته واطيافه السياسية وغير السياسية، الود لسوريا ولنظامها لأسباب قديمة وجديدة، والذي يستطيع ان يؤذيها جداً في حال وقوفه مع الثائرين على النظام الحاكم فيها. إلا انه احجم عن ذلك بسبب تأثره العميق بإيران. لا بل انه بدأ يعمل وبالتنسيق مع دمشق للدفاع عن النظام فيها. والورقة السادسة هي "حزب الله"، اللبناني الهوية والايراني الايديولوجيا والسوري التحالف، القوي في لبنان حتى في اثناء حكم اخصامه له والحاكم حاليا فيه وإن على نحو غير مباشر، والمستعد لأن يتولى مقاليد الامور فيه اذا دعت الحاجة لبنانياً او سورياً، او لأن يخوض مع النظام السوري معركته اذا صار لبنان ميدانياً ساحة اخرى لها. والورقة السابعة هي الشعب السوري "غير الطائفي وغير المذهبي" الذي لم يتجاوب مع المؤامرة الصهيونية – الاميركية ضد النظام الحاكم له منذ عقود. وهي ايضاً الشعب السوري المؤمن بالقومية العربية، والمؤمن بأن استهداف نظام الاسد انما هو استهداف لقوميته التي آذت اسرائيل وداعميها وسوف تستمر في ايذائهم.

والورقة الثامنة هي اقتناع اركان النظام السوري بأمور ثلاثة. الاول، هو خوف اسرائيل، وهي احدى المصلحتين الحيويتين والاستراتيجيتين لاميركا، على النظام السوري لا حباً به او جراء تحالف معه بل خوفاً من حلول نظام "اصولي اسلامي عنفي تكفيري" مكانه، وفي ذلك خطر شديد عليها. وهو خوف تشترك فيه مع اسرائيل "شعوب" عدة في هذه المنطقة. والثاني، هو عدم استعداد المجتمع الدولي وزعيمته اميركا لاستعمال القوة العسكرية لمساعدة شعب سوريا او غالبيته على اطاحة النظام القائم، او عدم قدرتهما على ذلك، وخصوصاً بعد التورط العسكري المستمر في العراق وافغانستان وربما باكستان لاحقاً وغيرها من الدول. والثالث هو الاوضاع الاقتصادية المتردية للدول الكبرى في الغرب.

هل اطمئنان حلفاء سوريا المشار اليهم في محله؟ وهل الاوراق السبع صالحة وصامدة؟

=============

عن الحماية الدولية والتدخل الأجنبي في سورية

الجمعة, 30 سبتمبر 2011

سلامة كيلة *

الحياة

فجأة طفت على السطح مسألة الدعوة إلى حماية دولية للمدنيين في سورية. في إطار المعارضة السورية في الخارج كان يبدو منذ زمن أن هناك من يبني إستراتيجيته على التدخل الخارجي، وكانت الوحشية التي يمارسها النظام، والتي تصاعدت خلال آب (أغسطس) مدخلاً لانفلات الأصوات التي تدعو إلى «تخفيض كلفة الدم» من خلال التدخل الدولي. ثم بدأنا نلمس تسرباً للافتات ترفع في التظاهرات تدعو للحماية الدولية، قبل أن يصبح هذا هو عنوان يوم الجمعة 9/9/ 2011.

بغض النظر عمن يريد ذلك من المعارضة، ومن يعتقد بأنه عاجز عن الوصول إلى السلطة إلا عبر هذا الطريق، هل الحماية الدولية ضرورة؟ وهل هي المدخل الى المطالبة بتدخل دولي؟

حين انتفضت الطبقات الشعبية لم تفكّر إلا في مواجهة السلطة من أجل إسقاطها. ولا يزال واضحاً إصرارهم على هذه المسألة، واندفاعهم رغم كل الوحشية التي تظهر من قوى السلطة. وهي ترى أن عليها أن تستمر رغم كل ذلك. بالتالي، فهي لم تنتفض من أجل حماية دولية أو تدخل دولي بل من أجل إسقاط السلطة. ولا شك في أن كل الذين بدأوا يطالبون بالتدخل أو الحماية لم يثقوا أصلاً بقوة الطبقات الشعبية، وبصلابتها، ولم تعتقد بأنها يمكن أن تنتفض، ومن الواضح أنهم ما زالوا لا يثقون بأنها قادرة على تحقيق التغيير، لهذا يندفعون لاستغلال ما يجري من أجل إطلاق هذه الدعوات. وهم يرتبون لكي يكونوا هم السلطة الجديدة، وربما هذا هو مغزى كل النشاط الذي يجري في الخارج من أجل تشكيل مجالس انتقالية أو حكومات انتقالية. وهذه القوى لم يكن لها وجود في الواقع، وربما مدّت بعض الخطوط مع فئات باتت تستفيد منها في رفع بعض الشعارات التي تريدها، والتي تتسابق الفضائيات لعرضها رغم أنها ليست إلا هامشاً في حراك كبير.

ولا شك في أن الوحشية التي مورست سمحت بتسرب مطلب الحماية الدولية، لكن لافتات كثيرة رفعت كانت تؤكد رفض كل تدخل إمبريالي، لم تجد من الفضائيات من يشير إليها. وهذا يفرض أن نلمس انعكاس تجربة الاحتلال الأميركي للعراق في الوعي الشعبي السوري نتيجة كون سورية هي البلد الذي استقبل أكبر كتلة من العراقيين الفارين بسبب الاحتلال والظروف التي أوجدها. وقد كان ذلك، ولا يزال، في أساس تردد قطاعات مجتمعية في الانتفاض على السلطة، خشية من الفوضى والتدخل الخارجي والحرب الطائفية. وبالتالي فإن عبء التجربة العراقية يجثو على صدر السوريين، ويجعلهم يتحسسون من كل ميل الى التدخل الإمبريالي، أو الصراع الطائفي معاً. وإذا كانت قطاعات لم تشارك في الانتفاضة بعد خشية هذا المصير (مثل قطاعات من الأقليات)، فإن تصاعد هذه الدعوات سيفضي إلى تخوف قطاعات مشاركة الآن، ومن ثم ضعف الانتفاضة.

ربما هذا ما لا يهم القوى التي تدعو للتدخل، حيث إنها تعرف أنها لن تأتي إلا عبر التدخل الإمبريالي، لكنه يهم كل معني بتطور الانتفاضة وانتصارها. حيث إن عليها أن توسع مشاركة الطبقات الشعبية كلها في الانتفاضة، وأن تجهد من أجل توضيح طابع الانتفاضة وأهدافها، وأن تزيل كل ما يوجد تشوشاً عند فئة من هذه الطبقات. وبالتالي أن تواجه كل دعوة يمكن أن تزيد في التشوش وتقدّم للسلطة ما يفيد ماكيناتها الإعلامية.

ليست الحماية الدولية سوى المفتاح للوصول إلى طلب التدخل الإمبريالي، وهي لا تخفف الدم بل تفتح على نزيف أعلى من الدم، وعلى تدمير للبلد تريده الشركات الإمبريالية التي تتلهف للحصول على عقود «إعادة الإعمار»، وبالتالي على قتل أكثر. حتى في ليبيا مارس الناتو ذلك، فامتد الحسم الذي كان يمكن أن يتحقق في فترة وجيزة إلى ستة أشهر من القصف والتدمير، من دون أن نذكر وضع العراق.

والأهم أن لا بد للنخب من أن تصل إلى نتيجة بسيطة هي أن الشعب قادر على التغيير، وبالتالي أن تتجاوز عدميتها وأوهامها. فما يجري في الوطن العربي يفتح على مرحلة جديدة يصيغها الشعب، وستقود إلى تغيير عميق.

* كاتب سوري

=============

«الرفاق» الروس

الجمعة, 30 سبتمبر 2011

وليد شقير

الحياة

أكثر ما يقلق الديبلوماسية الروسية على ما يبدو، من بين أشياء كثيرة، في تعاطيها مع التطورات الدموية في سورية، عبر مجلس الأمن، هو أن تتكرر معها التجربة الليبية.

وبات واضحاً ان المثل الليبي هو الحجة الأساسية لموسكو في رفضها أي قرار دولي ضد النظام السوري لمواصلته سياسة القمع. فالقيادة الروسية كانت عارضت تنحي معمر القذافي عند بدء ثورة 17 فبراير في ليبيا، ودعت الى الحوار بين المعارضة وبين الزعيم الليبي. إلا أن تطور الأمور، وطلب الجامعة العربية فرض حظر جوي على قوات النظام الليبي الذي استخدم الطيران في حربه على انتفاضة الشعب الليبي، دفعاها الى غض النظر عن صدور قرار دولي بفرض الحظر الجوي.

أصيبت الديبلوماسية الروسية بخيبة أمل بعد صدور هذا القرار الذي استخدم من أجل تبرير التدخل العسكري الجوي الغربي، لدعم الثوار وإنهاء النظام الليبي. فطائرات حلف الأطلسي تخطت مفهوم حماية المدنيين الذي برر عملية فرض الحظر الجوي. وشعرت روسيا بأنها مطعونة في الظهر وأسقط في يدها لأنها لم تتمكن من حمل الدول الغربية على اعتماد تفسيرها للقرار الدولي بحيث ينحصر دور القوات الأطلسية في حماية المدنيين، وألا تنصر فريق الثوار على قوات القذافي في القتال الدائر بينهما. وهذا ما دفع وزير الخارجية سيرغي لافروف الى انتقاد التفسير الأوروبي للقرار الدولي في شأن الحظر. إلا أن النتيجة كانت وقوع موسكو في حيرة إزاء التطورات في ليبيا. فهي تتوجس من تقدم النفوذ الغربي، في الدولة النفطية الغنية، على حساب علاقتها القديمة بقيادتها والتي أثمرت عقوداً استثمارية كبيرة للشركات الروسية، وبين إمكان خسارتها المستقبلية لهذه البيئة الاستثمارية في حال لم تواكب التحول الحاصل فيها. وتحولت الحيرة الى ارتباك، فانفتحت موسكو على المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا، لكن الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف لم يجد بعد تحقيق الثوار قفزة حاسمة بدخولهم طرابلس وهرب القذافي منها سوى الدعوة الى حوار بينهم وبين الزعيم الليبي الملاحق.

الارتباك أو الحيرة الروسية، هما انعكاس للتنازع بين عمليتين في موسكو: جيل الديبلوماسيين القدامى في الخارجية والجنرالات الكبار في وزارة الدفاع، الذين يحرصون على حسن العلاقة مع حلفاء الاتحاد السوفياتي القدامى، والمهتمون بالعقود العسكرية، والجيل الجديد الذي يرى في التحوّل الذي حققته روسيا منذ عقدين ونيف ما يستدعي مواكبة الربيع العربي والسعي للتحرك العربي نحو الديموقراطية حتى لا يصادر الغرب وحده هذه التحولات ويجيّرها لمصالحه وحده. وهو الجيل الذي يرى في بعض طروحات النظام السوري عن «المؤامرة الخارجية» ما يذكره بخطابية «الرفاق في الاتحاد السوفياتي» القديم. أما على مستوى القيادة العليا الروسية التي يتشكل قرارها من حصيلة الجيلين، فإن في حساباتها على الدوام، في علاقتها مع الغرب والإدارة الأميركية داخل مجلس الأمن، هو الثمن الذي يجب أن تنتزعه من واشنطن لجهة وجوب تراجعها عن إقامة الدرع الصاروخية في عدد من دول أوروبا الشرقية والتي تعتبرها موسكو انتقاصاً من قوتها ونفوذها وعودة الى تكريس أحادية النفوذ الأميركي على رغم النهوض الروسي بعد كبوة تفكك الاتحاد السوفياتي.

وإذ تشترك موسكو مع عواصم غربية في التخوف من دفع الأمور الى حرب أهلية في سورية، وتخشى من أن يسيطر «الإخوان المسلمون» على الانتفاضة السورية فهي تتأرجح بين الانفتاح على المعارضة غير الموحدة، وبين إبلاغ القيادة السورية بأنها لم تعد تستطيع ان تحتمل هذه الدرجة من القتل على رغم انطباع المسؤولين الروس بوجود «إرهابيين» في صفوف الحركة الاحتجاجية وفق ما يعلنه النظام السوري.

تنتظر موسكو استجابة سريعة لطلبها وقف الحملات العسكرية وحمام الدم وبدء تنفيذ الإصلاحات فوراً قبل أن تحسم أمرها فتقبل بقرار دولي يدين العنف في سورية، أو تغض النظر عن قرار يفرض عقوبات تتجنب الرئيس بشار الأسد من بين سائر المسؤولين وتتناول عقود التسلح اللاحقة، لا السابقة بينها وبين دمشق. لكن التأرجح سيبقى الصفة الغالبة على سياستها تجاه الحالة السورية، الى مدة من الزمن قد تمتد الى ما بعد الانتخابات التشريعية في كانون الأول المقبل (ديسمبر) والتي ستمهد للانتخابات الرئاسية في آذار (مارس) المقبل. وفي الانتظار، هناك في موسكو من سيستند الى إعلان الرئيس الأسد أمام الرئيس السابق للحكومة اللبنانية سليم الحص من أن «الأحداث الأليمة انتهت» لترجيح الممانعة الروسية إزاء أي قرار دولي.

=============

إيران وسوريا: صنوان على الرغم من الاختلاف

امير طاهري

الشرق الاوسط

30-9-2011

قد يبدو للوهلة الأولى أن النظامين في إيران وسوريا لا يحملان أية قواسم مشتركة..

فقيام النظام الإيراني على مبدأ ولاية الفقيه، كمبدأ مؤسس، أكسبه صبغة ثيوقراطية واضحة منذ البداية. في المقابل، تباهى النظام السوري الذي تشكل على يد زمرة من العسكر العلويين المتنكرين في ثياب البعث، بعلمانيته، مقدما نفسه على أنه الضامن لتعايش سلمي غير طائفي بين القوميات المختلفة للشعب السوري.

وقد عمد كلا النظامين، خلال الشهور الأخيرة، إلى التأكيد على هذه المبادئ الأساسية المزعومة..

في إيران، تقوضت سلطات أحمدي نجاد، مما مكن المرشد الأعلى من الترويج لنفسه على أنه الإمام الرابع عشر.

وفي سوريا، ألقى الرئيس بشار الأسد باللائمة على المتشددين الإسلاميين، و«القاعدة» في المظاهرات التي تهز البلاد منذ أشهر.

بيد أن النظرة المتفحصة لكلا النظامين، من ناحية منهجية، تبرز التقارب الوثيق بين الحليفين.. ففي إيران، قد يدعي خامنئي أنه الإمام، لكن بات واضحا بما لا يدع مجالا للشك أن الجيش أصبح الدعامة الرئيسية لحكمه.

وبعبارة أخرى، فإن خامنئي يسيطر على السلطة لأن الجيش في صفه، حتى الوقت الراهن على الأقل، لا بسبب صلصلة المسبحة في يده.

على الجانب الآخر، تزداد الهوة في سوريا بين الجيش وزمرة الأسد يوما بعد يوم. وربما كان ذلك هو السبب في قرار الطائفة العلوية إحياء حركة علي المرتضى الطائفية، التي قادها في السابق رفعت الأسد عم الرئيس المنفي، باعتبارها العمود الفقري للوحدة العلوية.

هذه الجهود الرامية إلى تخويف الأقلية العلوية لدعم نظام محكوم عليه بالفشل، لا يتوقع أن تنجح؛ فغالبية السوريين اليوم، بمن فيهم العلويون، لديهم من النضج ما يكفي للتفكير وتجاوز الحدود الطائفية الضيقة، ولن يستطيع الأسد كسب تعاطف القوى الغربية بالترويج لنفسه كحام للأقلية المسيحية.

ونتيجة لاعتماده المتزايد، في الوقت ذاته، على الدعم الإيراني، اضطر الأسد لتضمين خطابه جرعة دينية، وقد غير وجود المئات من رجال الدين الإيرانيين وعشرات الآلاف من الحجاج من إيران أيضا مشهد دمشق التي تبدو الآن أشبه بقم منها بجنة «العلمانية» التي يزعم الأسد أنه يدافع عنها. بيد أن النظامين يمتلكان الآن العديد من القواسم المشتركة المهمة الأخرى.

من بين أهم هذه القواسم، التدمير المنهجي لجميع المؤسسات التي أنشئت على مدى عقود؛ ففي إيران، كانت أولى المؤسسات التي تقوض مؤسسة الرئاسة التي تحولت بفعل بعض التحركات الفجة لخامنئي، إلى مؤسسة لا قيمة لها.

بعد ذلك، جاء الدور على السلطة القضائية كي تتحول إلى صورة زائفة بتعيين ملالي صغار حولتهم وسائل الإعلام المملوكة للدولة إلى آيات الله العظمى.

كما تم تدمير ما يعرف باسم مجلس تشخيص مصلحة النظام عندما قام خامنئي بتعيين مجموعة جديدة من المقربين له للقيام بعمله.

الآن، تم تجريد المؤسسة التشريعية، مجلس الشورى الإسلامي، أو المجلس، من أي صلة له بنظام قائم على ولاية الفقيه، أو حكم الملالي.

أعلن محمد جواد لاريجاني، وهو شقيق رئيس المجلس علي أردشير، صراحة أن أي شخص يشتبه في عدم رغبته في إطاعة المرشد في جميع المسائل وفي جميع الأوقات لن يسمح له بالترشح في انتخابات العام المقبل.

ونظرا لأنه لا توجد آلية واضحة مسبقة لتحديد الأشخاص الذين يطيعون المرشد الأعلى في المستقبل، ستكون الطريقة الأكثر فعالية لاستباق مثل هذه الكارثة إخلاء المجلس من أي مضمون يمكن أن يمثله، وسيتم ذلك عن طريق علي أردشير نفسه عبر ملاحظة ذكية بأن المجلس يجب أن يعمل وفقا لتوجيهات من المرشد الأعلى فقط.

ويمكن للمرء أن يلاحظ وجود اتجاه مماثل في سوريا، حيث تحول تسليم البرلمان والسلطة القضائية ومجلس الوزراء، وحتى حزب البعث، في أصداف فارغة.. وكانت فكرة الضغط على قوة وهيبة جميع هذه المؤسسات طمعا في إضافة ما خسرته هذه المؤسسات إلى هيبة وقوة للرئاسة.

المشكلة هي أن دفع مؤسسة الرئاسة بنفسها في طليعة الحملة القمعية، دشن عملية تدمير ذاتي، حتى إن القلة القليلة الباقية من مؤيدي الأسد يعترفون اليوم بأن الرئاسة السورية هي أضعف مما كانت عليه قبل عام. ومع اتهامهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية ومقاطعة غالبية البلدان التي تهتم بسوريا لها، لم يعد الرئيس بشار قادرا على القيام بعمله كرئيس للدولة، لأن خسارته مكانته تترجم مباشرة على أنها ضعف في الرئاسة كمؤسسة.

كل هذا يعني أن المؤسسة الوحيدة الباقية في سوريا، كما هي الحال في إيران، هي القوات المسلحة.

بيد أن النظام القائم على القوة العسكرية غير مستقر بطبيعته. ربما كان ذلك هو السبب في كون سياسة تفكيك جميع المؤسسات والاعتماد فقط على القوات المسلحة، على الرغم من جاذبيته من الناحية التكتيكية، محكوما عليها بالفشل.

لقد كان آية الله الخميني يدرك ذلك بشكل غريزي. ولعل ذلك هذا هو السبب في أنه منع العسكر من التعبير عن أي وجهات نظر حول مواضيع سياسية علنا، ناهيك بالوقوف كحرس إمبراطوري لولاية الفقيه.

وكان الراحل حافظ الأسد يفهم ذلك أيضا، وكان هذا هو السبب في أنه ألقى بزيه العسكري وسمح للبرلمان، ولمجلس الوزراء، وحتى لما تبقى من حزب البعث، بهامش للتعبير عن الرأي.

وعبر تركيز كل السلطات في يد كل منهما والاعتماد في الوقت ذاته بشكل متزايد على الجيش، نفى كل من خامنئي وبشار عن أنفسهم حماية المؤسسات التي بنيت على مدى عقود من الزمن. هذا هو السبب في أن إسقاط رأس السلطة في كلا البلدين هو المطلب المحوري لجميع المعارضة، بما في ذلك أولئك الذين ما زالوا مرتبطين عاطفيا بالنظام.

حتى أكثر الأنظمة الاستبدادية في الحكومة تحتاج إلى بعض التفاعل بين الحاكم والمحكوم. هذا لأنه في الوقت الذي يكون فيه الإكراه ذا أهمية أساسية في توطيد وترسيخ القوة، فإن الإقناع أمر حيوي للاستمرار. والحاكم الذي يختفي خلف البندقية، دائما ما ينتهي بتحول البندقية صوبه.

=============

التصدي للثورات العربية من لبنان

رضوان السيد

الشرق الاوسط

30-9-2011

قال المذيع في إحدى القنوات الفضائية للمحلل السوري والمعارض السياسي: «ماذا أنجزت الثورة السورية بعد ستة أشهر ونيف؟»، وأجاب المعارض على الفور: «أنجزت ثلاثة أمور رئيسية: الاستمرار والسلمية رغم القمع الشديد، والعودة عن الانفصال إلى رحاب الأمة، وإخراج إيران نفوذا وموضوعا من سوريا والعالم العربي!». وجادله المذيع في مسألة إخراج إيران؛ إذ إنها لا تزال تقاتل بالداخل السوري مع النظام، كما أنها استولت على حكومة لبنان، فكيف تكون قد خرجت من سوريا والعالم العربي؟! ونفد صبر المعارض السوري فقال للمذيع بعصبية: «لقد غيّرت الثورات العربية (الموضوع) الذي كانت الأنظمة الخالدة وبخاصة النظام السوري تقوم عليه، وهو المقاومة!.. فانتهت عملية لحس المبرد، وانصرفت قيادة الجمهورية الإسلامية وقيادة حزب الله للتفكير في المستقبل القريب والبعيد. أما ما حصل ويحصل في لبنان فلأنه إلى جانب العراق المكان المتبقي لدى إيران للتصارع أو في الحقيقة للمبادلة، وهما ورقتان تفقدان كل يوم جزءا من قيمتهما باعتبارهما ماضيا منقضيا، لا يستحق دفع شيء في مقابل الحصول عليه!».

والواقع أن إيران سيدة حركة الاحتجاج الإسلامي بالمنطقة على الولايات المتحدة إلى جانب «القاعدة»، وإيران صاحبة بؤر النفوذ في كل بلد عربي فيه شيعة أو إحدى حركات الإسلام السياسي.. كلا الأمرين يتضاءل ويذهب إلى غير رجعة. لكن هناك جيوب مقاومة بالداخل العربي، وبالداخل الإيراني، فضلا عن عدم استتباب الأمور واستقرار الأَولويات في سائر مواطن الثورة. وأكبر جيوب المقاومة لحركات التغيير العربية فكرتان صارتا واقعين في الأعوام الخمسين الماضية: من الناحية الاستراتيجية، إخراج مصر من منطقة بلاد الشام والعراق.. ومن ناحية نظام الحكم: منع الأكثريات الشعبية من إدارة شأنها العام في سائر الجمهوريات بالمنطقة وخارجها.

فما كان يمكن التفكير في التحرير إذا أُخرجت مصر. وقد أُخرجت على مرحلتين، بالانفصال عام 1961 والذي اكتمل عام 1963، وبهزيمة عام 1967، بحيث ما عادت الحروب بعد ذلك حروبا قومية؛ بل أصبحت حروبا وطنية لتحرير الأرض المحتلة في مصر وسوريا والأردن.. إلخ. والمعروف من الناحية التاريخية أنه ما أمكن أخراج الصليبيين والتتار من ديارنا إلا بذهاب سوريا إلى مصر، أو مجيء مصر إلى سوريا. وقد جاءت مصر بالفعل إلى الشام 1957 - 1958 بضغط الجمهور السوري، لإعادة الوضع إلى طبيعته (كما قال الرئيس القوتلي)، ولمواجهة إسرائيل قبل استفحال قوتها. وما أضعف الانفصال مصر وسوريا معا وحسب؛ بل إنه خلق عداوة بين النظامين ما انتهت إلا أيام مبارك الذي كان الانكفاء المصري الماحق سياسة رئيسية له!.. بيد أن هذا الانفصال ما كان لينجح رغم السياسات الدولية المؤيدة، لولا عاملان إضافيان: دعوى المثالية القومية والاشتراكية، والقوى الاجتماعية والحزبية والطائفية التي سارت تحت لوائه في سوريا والعراق ولبنان. فقد بدأ البعثيون سيطرتهم عام 1963 بالتظاهر بالتطرف في معاداة إسرائيل والنعي على عبد الناصر أنه استسلم لأميركا وإسرائيل.

ورغم أن هذه الدعاوى ما ظهرت لها صدقية، لأن السلطة البعثية عام 1967 (وكان وزير دفاعها حافظ الأسد) ما قاتلت دفاعا عن الجولان، فضلا عن أن تقاتل على مدى الأربعين سنة الماضية لتحرير فلسطين(!).. إنما بعد عبد الناصر وحرب أكتوبر جرت المزايدات على السادات لمصالحته لإسرائيل. بل وجرت المزايدات على ياسر عرفات باعتبار أن البعثيين في سوريا والعراق هم الأكثر إخلاصا ونضالا من أجل فلسطين؛ في حين استسلم عرفات، وأعاد التواصل مع أهل كامب ديفيد والرجعيات العربية!

وهكذا فإن النظامين البعثيين أعرضا عن قضية فلسطين في غياب مصر بحجة التطرف في نصرتها، وانصرفا إلى تقبل مقاولات وصفقات وتكليفات من النظام الدولي أو بعض أطرافه: أخذ صدام المقاولة الإيرانية، وأخذ حافظ دور ضرب المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية بلبنان. وهكذا فبعد الأساس الأول للسلطات التقدمية الجديدة وهو التخلي عن الوحدة وعن تحرير فلسطين بحجة السقف العالي الذي تريدانه في المسألتين، بدأت السلطات الجمهورية الثورية التقدمية - وليس في سوريا والعراق فقط - في تقبل العطاءات والتكليفات من أطراف النظام الدولي المختلفة وبخاصة الولايات المتحدة. وجاء الأساس الثالث للاستقرار والاستمرار في الفئات الاجتماعية التي اعتمدت عليها أنظمة الانفصال، وهي الأقليات الحزبية والإثنية والجهوية والطائفية. فزعماء هذه الأقليات المستقرة في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، جاءتهم الموجة الشعبية الناصرية على حين فجأة، وعانوا من المصادرات والتأميمات، كما أزعجتهم العودة للاصطدام بالغرب بعد غزو فلسطين، وغزوة السويس، لتحقيق دولة الوحدة وتحرير فلسطين؛ ولذلك وبعد الجفلة الأولى اطمأنوا إلى انفصالية البعثيين والخلفيات والأصول الطائفية غير الأكثرية وغير الوحدوية للنخب العسكرية والحزبية التي استولت على السلطة في عدة دول عربية.

وعندما ظهرت المقاومة الفلسطينية في لبنان بعد عام 1967، استعانت النخبة المسيحية بالرئيس حافظ الأسد، واستعان الجنرال عون في أواخر الثمانينات بالرئيس صدام حسين. وكان السوريون يعتبرون الشيعة في لبنان احتياطا استراتيجيا لهم.

بيد أن الذي يحدث الآن بدخول الشيعة في مهمات صون مصالح الأقليات أو عمل ثنائية بين المسيحيين والشيعة بلبنان، رغم ذلك، أمر جديد. فالشيعة بزعامة إيران وحزب الله ما اعتبروا أنفسهم أقلية منذ الثمانينات. فقد حملوا أفكار الأكثرية - سواء أكانوا متدينين أو يساريين - بشأن التوحد وبشأن تحرير الأرض والكفاح المسلح، وتحالفوا مع المقاتلين الفلسطينيين، ثم بدأت الأفكار والممارسات تتغير، فعندما انتظمت العلائق بين حافظ الأسد وإيران؛ وصولا للانفراد بالمقاومة، وبعد عام 2000، ومع تغير طبيعة العلاقات بين إيران وسوريا، وانتشار بؤر النفوذ الإيراني على مدى المشرق العربي، بدأ حزب الله يفكر في مشروع سلطوي داخلي، زعم في البداية أن كل إجراءاته إنما هي لدعم المقاومة، إنما بعد عام 2005 ومقتل رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان، قام حزب الله بثلاثة تحركات تعبيرا عن دوره الجديد بوصفه عنصرا رئيسيا في تحالف الأقليات الفاصل للبنان عن محيطه العربي: قاتل إسرائيل للشرعنة عام 2006، وتحالف مع الجنرال عون الزعيم المسيحي، وعمد لاحتلال بيروت عام 2008 لإقصاء السنة (ممثلين في آل الحريري) عن الدور الرئيسي في السلطة بلبنان من خلال رئاسة الحكومة.

وما تحدث الحزب كثيرا عن طبيعة علاقته بالنظام السوري وبالجنرال عون ومَن وراءه من المسيحيين. أما الآن فإن وسائل إعلام النظام السوري وبخاصة في لبنان، تتحدث كما أن المسيحيين المتحالفين مع حزب الله، وفي طليعتهم البطريرك والجنرال عون، يتحدثون. إنهم يقولون إن الحزب يحقق لهم ثلاثة أمور: تحرير الأرض، والحماية من الأكثرية السنية، وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين - ولذلك ينبغي أن يحتفظ الحزب بسلاحه.

في العادة، كانت الدول الكبرى الأوروبية، الكاثوليكية وغيرها، هي التي تحدد سياسات المسيحيين. إنما في السنوات الأخيرة تمرد الجنرال عون على الأوروبيين والأميركيين لأنهم وقفوا مع خصومه من المسيحيين من قوى 14 آذار. وقد كسب مالا وأصواتا من التحالف مع النظام السوري وحزب الله. وهذه الأطراف التي تضررت من الثورات العربية، بسقوط الدعاوى والتاريخ الطويل من الأوهام والأحلام، تعتقد أنها مهددة الآن، ولذلك عمدت للاستيلاء على الحكومة اللبنانية، وصرحت بتحالف الأقليات، وإصرارها على البقاء في السيطرة حتى لو زال النظام السوري. وهي تتطلع إلى بؤر أخرى في العراق والبحرين، لا تحب التغيير الجاري.

لكن إيران عندها حسابات أوسع، ولا تستطيع الاستمرار في معاداة العرب والسنة بحجة المقاومة والممانعة. لذا فإن أمورا عديدة سوف تحدث معا مع تداعي النظام السوري، وازدياد الصراع الداخلي الإيراني على السياسات الخارجية والداخلية. وإذا كان حزب الله متورطا في سياسات الأقليات في السنوات الأخيرة على الأقل؛ فإنّ اللبنانيين - مسيحيين وغير مسيحيين، والذين يُظهرون ولاء للحزب أو خضوعا لتوجهاته (مثل نجيب ميقاتي) في الشهور الأخيرة - سوف يكونون مسؤولين مع الحزب عن الاستخدامات المقبلة للبنان في مواجهة العرب وقضاياهم.

======================

«زينب الحصني»..حصن الثورة السورية المنيع!

28.09.2011

شعبان عبد الرحمن / كاتب

السبيل

مشاهد يشيب لها الولدان.. ويكاد يجنّ منها العقل، ولم يروِ التاريخ مثيلاً لها إلا في عهود محاكم التفتيش الفاشية، وعهود الظلام الوحشية.. فقد أصيب القلب بزلزال وهو يشاهد جثمان الطفل الشهيد «حمزة الخطيب» وقد بُترت أعضاؤه التناسلية بعد أن أثخن جنود إبليس في دمشق جسده بالتعذيب، وشرّحوه تشريحاً وهو مايزال حياً.. لكن زلزالاً أشد قد أصاب كل ذي عقل أو ضمير وهو يشاهد جثمان

 «زينب الحصني» الطاهر ابنة التاسعة عشر ربيعاً، وقد قُطعت يداها من كتفيها، وأُحرق وجهها، وسُلخ جلدها، وفوجئ بها أهلها وهم يبحثون عن شقيقها الذي ذهبوا لاستلام جثته؛ فوجئوا وقد فككوا جسدها الطاهر قطعة قطعة - تعذيباً - لكي تفصح عن مكان أخيها الشهيد الذي كان مطلوباً.

توقفتُ طويلاً أمام مشهد جثمان الفتاة وأنا أكاد أفقد توازني، ودارت في رأسي مسيرة تاريخ طويل من قافلة الجهاد المباركة ضد الظلم والطغيان والكفر والبهتان، وتذكرتُ أن ما يجمع هؤلاء جميعاً هو اليقين بالحق حتى تصبح النفس رخيصة من أجله.. نظرت إلى وجهها المحروق فتذكرتُ أبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام وهو يُلقى في النار ثابتاً على التوحيد، ومتحدياً كفرهم وشركهم، وشاهدتُ يديها المقطوعتين فتذكرتُ سيدنا جعفر بن أبي طالب ] وهو ممسك ببيرق الجهاد في غزوة «مؤتة» ولم يفرّط فيه، رغم أنهم قطّعوا ذراعيه قطعة قطعة، ولم يسقط منه (البيرق) إلا عندما بقروا بطنه فسقط شهيداً.

وشاهدتُ جلدها المسلوخ فتذكرتُ سيدنا بلال بن رباح ] وكفار قريش يقومون بشواء جسده في صحراء مكة الملتهبة.. تذكرت السيدة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وهي تشدّ من أزر ابنها المجاهد عبدالله بن الزبير ] وهو ثابت في ساحة الجهاد ضد «الحجاج» قائلة له قولتها الشهيرة: «يا بني، إن الشاة لا يضيرها سلخها بعد ذبحها».. تذكرتُ سحرة فرعون عندما ذاقوا حلاوة الإيمان، وانقلبوا من سحرة وكهنة لفرعون إلى مؤمنين بالله؛ فردّ عليهم: {لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ >124<}(الأعراف)،فردوا عليه في ثبات {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا>72<}(طه).

وتذكرتُ العاقبة السوداء لأولئك الطواغيت: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ >49< سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ >50< لِيَجْزِي اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ >51<}(إبراهيم).. شاهدتُ جثماناً اجتمعت عليه كل ألوان التعذيب والتمثيل، وهو جثمان ليس لقائد من قواد الثورة، وإنما لفتاة صغيرة لا حول لها ولا قوة سوى التعبير عن رأيها والمطالبة بحقوقها مع المطالبين!! يا لجبروت «آل الأسد» وطغيانهم ووحشيتهم..!

إن إقدام أطفال وفتيات في مقتبل العمر على الشهادة في سبيل الحق والحرية ومقاومة الطغاة، مقدمين حياتهم وقوداً للثورة، ودماءهم لإرواء شجرتها، هو المؤشر الأهم على أن جذوة الثورة لن تنطفئ إلا بالنصر أو الشهادة.

و«زينب» - ورفيقاتها - تسجل في التاريخ صورة من أنصع صور جهاد المرأة السورية، وسيذكر التاريخ أن نساء سورية وفتياتها كنَّ المحرك الأكبر لتلك الثورة، فإذا خرجت المرأة وضحّت بنفسها بهذا الشكل فهل سيتخلف زوجها أو أبوها أو شقيقها؟.. إن خروج المرأة إلى ساحة الجهاد ضد حكم الطائفة الباغية والعائلة المتسلطة وعقيدة «البعث» الفاسدة هو خروج الشعب كله، وهذا ما نشاهده اليوم في شوارع سورية.. إنها ملحمة يقف المرء أمامها بكل احترام وإعجاب ودعاء بالنصر.. «زينب الحصني» بأشلائها صارت حصناً منيعاً لثورة الشعب السوري سيتحطم عليه حكم الطغاة إن شاء الله.

=================

إفراط سوريين في الموالاة ... وتفريط بالوطن

الخميس, 29 سبتمبر 2011

هيثم حقي *

الحياة

لم أتخيل أن يأتي يوم تصلني رسالة على هذه الدرجة من العنف والابتذال... لقد تجاوز المفرطون في موالاة النظام السوري كل القيم، وراحوا حقيقة يشبّحون يميناً ويساراً، ويسبّحون بحمد «سيد الوطن»، رافضين أي تغيير حتى لو أعلن بنفسه عن مشروعيته، وهو ما كرره في خطبه عن الإصلاح مبدياً بوضوح الرغبة بالتحول إلى التعددية والإعلام الحر، وحتى نسف الدستور لصوغ دستور جديد عصري، وهذا يعني تغيير النظام بالكامل من نظام الحزب الواحد إلى الدولة الديموقراطية المدنية المنشودة.

لكن، لنعد إلى الرسالة:

هي رسالة مثل كل الرسائل التي أرسلت لتهديد عدد كبير من المثقفين والمبدعين، وقد نفّذ البعض تهديداته انتقاماً من المبدع أو أهله، ما خلق صدمة حقيقية. في كل تلك الرسائل استخدمت لغة شتم قذرة للمثقف وأهله وخصوصاً أمه وأباه. فقد قام المفرط في الموالاة بشتم أمي، السيدة الفاضلة التي رحلت عن هذه الدنيا منذ سنوات عن عمر ناهز السادسة والسبعين. وهي المرأة التي قضت حياتها تعمل في مديرية الصحة، وشهد الجميع على تفانيها في عملها. وبعد تقاعدها استمرت بكونها نبعاً من الحب والكرم والتقوى حوّلها أيقونة بعيون كل من عرفها.

شتم أبي، الذي كرّس حياته من أجل تعليم جيل من التشكيليين السوريين حيث نقل بكل سخاء فنه ومعرفته التي جناها بصفته من أوائل خريجي أكاديمية الفنون في روما إلى جيلين على الأقل من أهم فناني حلب الذين تفخر بهم سورية اليوم، عدا عن فنه الشخصي الذي ما زال متحفا حلب ودمشق يحتفظان ببعض من أجمل لوحاته. كذلك يشهد تاريخ مسرح الشعب في حلب على الديكورات التي صممها لجلّ عروضه... وأبي الذي شتمني هذا المفرط في الموالاة بانتسابي إليه قائلاً يا ابن «...» كان موسوعة ثقافية متنقلة ساهم في كل نشاطات الحركة الثقافية السورية، ولا يزال حتى يومنا هذا يكتب عنه أطيب الكلام، على رغم أنه رحل عن هذه الدنيا منذ أكثر من ثلاثين عاماً.

لم يكتفِ هذا المفرط في الموالاة بشتمي بأبشع الأوصاف، بل هددني بقلع عينيّ، مثلما كسروا أصابع رمز من رموز الثقافة السورية، باعتراف مرسل الرسالة، والذي سمّاه: «العرعوري علي فرزات». قال لي (عامل حالك مخرج) وكل إعلام سورية وفي كل محافلها يُسمّيني، من دون سعي مني، شيخ المخرجين السوريين، وعرّاب الدراما السورية، وأحد مؤسسي صناعتها الدرامية التي أصبحت فخر سورية.

لكن الأفظع هو قسمُه أنه سيركّعني. ولست أفهم هذه الرغبة في الركوع والتركيع هل هي الرغبة بحشرنا جميعاً في حلقة الساجدين على الصور حتى يحسّ الراكعون الطوعيون بتفوقهم على الراكعين القسريين؟

كل هذا من أجل ماذا؟ يقول المفرط في الموالاة: أتريد دولة مدنية؟ أتريد حرية يا...؟

هكذا إذاً، كل الحديث عن الإصلاح والتغيير والتعددية الحزبية وتغيير الدستور والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، كل هذا بالونات في الهواء برأي هؤلاء، والويل والثبور لمن يقول بذلك من المعارضة؟!

خلال هذه الأشهر التي مضت على الانتفاضة الشعبية في سورية مرّت نماذج من الإفراط في الموالاة نَبّهتُ عنها في بعض مساهماتي على شبكة التواصل الاجتماعي (الفايسبوك) وسأمرّ على أبرزها.

في أحد أيام جمعة دامية قرأت رأيين لمواليين، شديدي الموالاة، من الفنانين. الأول يقول إن كل متظاهر متآمر. والثاني يمتدح يوم الجمعة في دمشق «حيث خرج الناس في نزهاتهم رجالاً ونساء وأطفالاً في جو بهيج من الحرية». الأول يخوِّن من دون تردد، والثاني ينفي وجود الآخر، الذي سقط منه في اليوم نفسه شهداء وجرحى، وخرج بآلافه وعلى امتداد الوطن ينادي بالحرية.

هل هؤلاء الزملاء الفنانون فعلاً لا يريدون ما يقول الجميع إنهم يصبون إليه: سورية ديموقراطية؟؟

تذكرت بهذه المناسبة مشهداً من فيلمي القصير «اللعبة» (1979)، حيث يأتي البطل المكلف تقديم صور يومية عن الأطفال، لمناسبة العام الدولي للطفل، إلى مسؤول الصفحة في الجريدة، حاملاً صوراً رأيناه حين صورها، وقد نزل فيها إلى قاع المجتمع، لينجز صوراً لأطفال تُظهر البؤس والمعاناة التي يعيشونها من فقر ونزول مبكر إلى سوق العمل إلى حارات مكتظة بأطفال لا مكان لهم للعب والتنفس... باختصار أطفال سورية «المعترين». يقدم الصور لمسؤول الصفحة فيقول هذا وقد امتعض من الصور: منين جايبلي هالمعترين هدول؟ فيرد المصور الفخور بإنجازه: هدول اللي عم شوفهن بطريقي. فيرد المشرف الرقيب: إي غيرّ طريقك وخلصني!

وفي هذا السياق وصلني ما كتبه أحد شديدي الموالاة، ممن يعملون في الإعلان. إذ أراد أن يخفف دمه ويلصق تهمة الاستحالة بمطالب المعارضة لإقامة دولة مدنية تعددية بمواطنة متساوية أمام قانون عادل. يقول أخونا المغالي في الموالاة إن طلبات المعارضة، التي أراد لها أن تبدو مستحيلة، هي:

1 - إلغاء قانون الجاذبية.

وما أقدمه في تفسير كل من هذه المستحيلات هو من تأليفي واستبطان القصد المخبأ خلف السخرية وفق رأيي، لذا وجدت أنه هنا يقصد استحالة إلغاء القانون 49 الخاص بإعدام المنتمي إلى حزب الإخوان المسلمين والمادة 8 من الدستور التي تجعل حزب البعث قائداً للدولة والمجتمع.

2 - تأمين لبن العصفور للمواطنين كافة.

ويقصد استحالة العيش الكريم لكل مواطن، والتوزيع العادل للثروة.

3 - محاكمة إبليس محاكمة مدنية وإدخاله الجنة.

ويقصد أن لا محاكمة للمتسببين بسفك دماء المتظاهرين السلميين بمحاكمات علنية لكي ينالوا القصاص العادل.

4 - المطالبة بحل لغز مثلث برمودا والاعتراف بأنه نقطة أمنية سورية تابعة للنظام.

ويقصد عدم الموافقة على لجنة مستقلة لتقصي الحقائق تحل لغز المجموعات المسلحة التي ظهرت فجأة ومحاكمة كل مرتكبي القتل والتعذيب من أي جهة كانت.

5 - تصوير جزء سادس من مسلسل «باب الحارة» ومشاركة المعارضة السورية فيه بتظاهرات لفك أسر أبو عصام السياسي حيث يعتقله النظام.

ويقصد أن التظاهرات لن تفلح بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وتبييض السجون والكشف عن مصير المختفين قسرياً لطي ملف الاعتقال السياسي في سورية إلى الأبد.

ويتابع على هذا المنوال من السخرية التي لن أزعجكم أكثر بسرد سخافاتها. لكن ما يمكن أن يستنتجه المرء ببساطة هو: كأن المغالين في الموالاة لا يؤمنون بالحوار مع المعارضة الذي تدعو إليه السلطة، أم لعلهم يعرفون أكثر منا! فمن الغريب أن يكون موقفهم مخالفاً لبيان اللقاء التشاوري، الذي رأسه فاروق الشرع نائب الرئيس السوري وبتفويض من الرئيس نفسه، والذي كان واضحاً باقترابه من مطالب المعارضة للإصلاح، ونقتطف منه:

«استمع المجتمعون إلى وجهات النظر المختلفة والمتنوعة والثرية في سياق قبول وإرساء التعددية الفكرية والسياسية باعتبار ذلك مناخاً صحياً ومحفزاً.. وبعد الترحم على شهداء الوطن أكد المجتمعون على القواسم المشتركة الآتية:

إن الحوار هو الطريق الوحيد الذي يوصل البلاد إلى إنهاء الأزمة. (....)

رفض الاعتداء على الأشخاص والممتلكات العامة والخاصة ومن أي جهة تبادر إليه.

ضرورة الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي الذين لم تشملهم مراسيم العفو السابقة والذين لم يرتكبوا جرائم يعاقب عليها القانون والتأكيد أن حق إبداء الرأي غير قابل للانتهاك ومصون تحت سقف الوطن والدستور وأن الحريات العامة حق لكل المواطنين. (....) ضرورة إعلاء قيمة حقوق الإنسان وصونها وفق أرقى المعايير الدستورية والإنسانية والعصرية والتوصية بإنشاء مجلس أعلى لحقوق الإنسان في سورية.

إن المعارضة الوطنية جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني السوري. (....)

إن توجه اللقاء هو من أجل إقامة دولة الحق والقانون والعدالة والمواطنة والتعددية والديموقراطية التي تعتمد صناديق الاقتراع أساساً للتفويض السياسي. (....) أوصى (اللقاء) بإنشاء لجنة قانونية سياسية لمراجعة الدستور بمواده كافة وتقديم المقترحات الكفيلة بصوغ دستور عصري وجديد للجمهورية العربية السورية يضمن التعددية السياسية والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون والحقوق الأساسية للإنسان...».

وهكذا انتهى هذا اللقاء. لكن المفاجئ كان رد الفعل من داخل السلطة. إذ خرج علينا في ظاهرة لافتة، يبدو أن لها علاقة بمراكز القوى أو تبادل الأدوار، بعض القيادات البعثية في الإعلام والنقابات، في تحرك منسق، بشن هجوم مركز على نتائج هذا المؤتمر التشاوري. ليس هذا فحسب، بل إن بعضهم اشتكى من عدم إتاحة الفرصة له بالكلام في المؤتمر، بينما سمح لأصحاب الأفكار الهدامة (مثل فكرة إلغاء المادة 8) بالحديث والتطاول على الثوابت الوطنية. فقرر هؤلاء أن يبقّوا البحصة في شكل لا لبس فيه: لا تغيير للدستور (حتى لو أكدت ذلك أعلى سلطة في البلد)... يعني بصراحة أكثر، لا يوجد إصلاح...

وبوضوح ومن دون لف ولا دوران: «المادة 8 باقية والبعث سيظل قائد الدولة والمجتمع والمعارضة غالبيتها تخريبية والبقية لا يعرفون رؤوسهم من أرجلهم... نحن لنا دهر نقود البلد ونحميكم... ولم نصل إلى هنا إلا بعد نضال وتضحيات كبيرة، وصار لنا خمسون سنة نحكمكم بالنظام والدستور الرائع الذي لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا فصفصها وزينها بالوحدة والحرية والاشتراكية، فتضبضبوا واسكتوا... الإصلاح المسموح هو أن تنشئوا أحزاباً على المقاس وتنافسوا قائد الدولة والمجتمع شرط أن تستطيعوا الإتيان بمتل فكره وتضحياته وإذا هزمتوه بالانتخابات... سنريكم!... فاقلعوا من رؤوسكم هذه الأوهام... وكل ما تسمعونه عن التغيير، فقط لتتوقفوا عن التظاهر وبعدها... ترجع ريما لعادتها القديمة...».

وقد رجعت، حتى قبل وقف التظاهر.

ها هو المفرط في الموالاة يشتمني متسائلاً تريد دولة مدنية ؟ تريد حرية يا...؟

في مقالته الشهيرة «العبودية الطوعية» التي نشرها دولا بويسي في منتصف القرن السادس عشر يكتب:

«لا ريب في أنه أمر مذهل، ومألوف جداً مع ذلك، حتى ليثير الألم أكثر مما يبعث الدهشة، لدى رؤية ملايين وملايين من الناس رازحين في العبودية والشقاء وأعناقهم تحت النير، وليسوا مرغمين بفعل قوة قاهرة لكنهم (على ما يبدو) مفتونين ومسحورين».

تخيلوا كيف لشاب عشريني في القرن السادس عشر أن يستطيع بكل الدقة وصف حالة المفرطين في الموالاة المفرّطين بحق الوطن وحق أبنائه؟!

* مخرج سينمائي وتلفزيوني سوري

=================

التعايش الإسلامي المسيحي في سورية

الخميس, 29 سبتمبر 2011

عبدالرحمن الخطيب

الحياة

تصريح البطريرك الراعي، رئيس الكنيسة المارونية في لبنان بأن النظام السوري الحالي أفضل تعاملاً مع الطائفة المسيحية السورية من أي نظام آخر سيأتي بعده، كان له أثر سلبي عند غالبية مسيحيي سورية؛ ما دعا بابا الفاتيكان إلى أن يرد على ذلك التصريح بقوله: «نحن منزعجون جداً من تصريحات البطريرك التي وقف فيها إلى جانب نظام الرئيس السوري بشار الأسد ضد الشعب السوري»، كما أن محاولة النظام السوري اللعب على هذه الورقة الأخيرة، بتخويف بعض إخواننا من الطائفة المسيحية من الأحداث الجارية في سورية باءت بالفشل.

إن مسيحيي سورية هم سكانها الأوائل قبل أن يدخل الإسلام إليها، ويشكل عددهم فيها من جميع الطوائف نسبة 14في المئة من السكان، وسكان سورية من أوائل الشعوب التي اعتنقت الديانة المسيحية، فقد وصلت الديانة المسيحية إليها على يد بولس الرسول بعد وفاة المسيح، عليه السلام، ببضع سنوات، حين اعتنق الآراميون (السوريون القدماء) الديانة المسيحية، إذ كانت اللغة الآرامية لغة المسيح، كما اعتنقت بعض القبائل العربية التي كانت قد استوطنت سورية، آنذاك، الديانة المسيحية، مثل الغساسنة في حوران، وبني تغلب الذين قطنوا منطقة حلب ومنطقة الجزيرة منذ عصر ما قبل الإسلام.

ينتمي المسيحيون في سورية إلى كنائس عدة، لغتهم الأم العربية، وتستخدمها الكثير من الكنائس كلغة طقسية، إضافة للآرامية السورية القديمة (السريانية)، ولا يزال هناك بعض القرى في سورية ينطقون باللغة السريانية، منها: قرية معلولا، وجبعدين، وبخعا، وقلدون التي تبعد من مدينة دمشق نحو 60 كم. بل إن هناك الكثير من أسماء المدن والقرى ذات أصل سرياني، مثل دمشق (درمسوق)، وتدمر، التي تعني العجب، وحماة (حارة)، وكفرسوسة (قرية الفرس). كما أن هناك كثيراً من الكلمات المستخدمة في اللهجات العامية في سورية أصلها سريانية.

يقول المؤرخون: استطاع معاوية بن أبي سفيان، أول خلفاء بني أمية، أن يستميل أهل الشام من الطائفة النصرانية، فعاضدوه في إدارة الخلافة. وطور جهازاً إدارياً منظماً جعل مقره حول المسجد، الذي كان معبداً رومانياً يسمى معبد جوبيتر، إذ كان المسيحيون يقيمون صلاتهم في هيكله؛ بينما كان هو يصلي في زاوية فنائه قرب قصر الخضراء، حيث كان يقيم. وكانت الدواوين والسجلات في عصر عبدالملك بن مروان تدون باللغات العربية، والقبطية، والسريانية، بحسب المناطق التي انتشر فيها الإسلام في ذلك العصر.

وعلى رغم انتشار الإسلام في أرجاء سورية، فقد ترك الأمويون المسيحيين على دينهم. إذ كان المسيحيون يدخلون من باب واحد مع المسلمين لأداء شعائرهم الدينية في الشطر المحاذي للمسجد الأموي، الذي كان منذ عهد الوثنية معبداً للشمس (جوبيتر)؛ ثم تحول إلى كنيسة يوحنا المعمدان.

ولما جاء الإسلام، وثم فتح دمشق، شطراً بالسلم، وشطراً بالقتال والحرب، اختصّ المسلمون بشطر، وبقي المسيحيون في الشطر الآخر. وارتأى المسلمون أن يتم التخاصص بينهما باستقلال المسلمين في مكان المسجد الأموي، مقابل استقلال المسيحيين بالكنائس الأخرى.

كان مسيحيو سورية قوميين وغيورين على عروبتهم أكثر من المسلمين في كثير من الأحيان. إذ حارب (الجراجمة) سكان الجرجومة، الواقعة شمال سورية بالقرب من أنطاكيا، بجانب إخوانهم المسلمين تحت قيادة حبيب بن مسلمة الفهري. ومثل ذلك حدث أيضاً مع أهل حمص عندما حاربوا في صفوف جيش أبي عبيدة عامر بن الجراح في موقعة اليرموك ضد الروم البيزنطيين. بل إن الجيش العثماني في سورية كان من بين ضباطه وجنوده الكثير ممن يدينون بالديانة المسيحية.

أهل سورية منذ الأزل يكرهون الحروب الطائفية التي كانت في بعض الأحيان تُفرض عليهم. ففي التاسع من تموز عام 1860 اجتاحت جماعة من الرعاع المنطقة المسيحية من مدينة دمشق الداخلية، سقط فيها المئات. فلجأ الآلاف من المسيحيين إلى بعض دور الأعيان من المسلمين، إذ احتموا بهم من غدر هؤلاء الرعاع، منها بيت آل العظم في حي القنوات. وقد اضطر الأمير عبدالقادر الجزائري، آنذاك، لتسليح ألف رجل لحماية المسيحيين. ثم دعا فؤاد باشا أعيان مدينة دمشق لاجتثاث شأفة أولئك المحرضين على تلك الحوادث، وأمر بإعدام نحو 170 شخصاً من الذين أدينوا بأعمال القتل والتحريض والنهب.

عاش مسيحيو سورية وتطبعوا بطباع المسلمين وعاداتهم على مر السنين. يقول الأديب نيقولا زيادة يصف أمه: «أمي كانت عندها ملاءة سوداء، استعملتها لما سكنا في دمشق، واستعملتها في جنين لما انتقلنا إليه عام 1917 إلى انتهاء وجود الدولة العثمانية»، وأكد ذلك الشيخ علي الطنطاوي بقوله: «كان نساء الحي جميعاً بالحبرة (الملاءة) المزمومة، الساترة. وكان على الوجه المنديل الخشن ذو الثقوب. وكانت الحبرة عامة حتى إن النساء النصرانيات واليهوديات كن يلبسن الملاءة».

في الوقت نفسه تطبع المسلمون بطباع إخوانهم المسيحيين، إذ يشاركونهم أعيادهم التي تختص بهم، مثل عيد ميلاد المسيح، عليه السلام، وعيد العنصرة (المهرجان) ميلاد النبي يحيى، عليه السلام، وخميس أبريل، والجمعة الحزينة، وغيرها الكثير من الأعياد. ويتبادل المسلمون والمسيحيون الهدايا والتهاني خلال تلك الأعياد، وهذا يعدّ من أرقى صور التسامح الديني والتعايش الإثني على أرض مشتركة.

لا تختلف نزعات أهل الأديان عموماً في مقاربة علاقاتهم بغيرهم عن طابع العلاقات التي يفرضها السياسي والثقافي في السياق الحضاري، الذي تعيشه المجموعة لحظته، فعندما يعلو صوت شعار معين يفرض نفسه كالحوار تجد المجموعات الثقافية الموالية للنظام في سورية يستخدمون هذا الشعار في أدبيات خطابهم، حتى يكاد يصبح فارغ المعنى من كثرة المتاجرة به، على رغم كونه أضحى بالنسبة إلى النظام ليس إلا غطاء لمؤامرة عليهم، فقد أطلقوا على المواقف الغربية تجاه النظام، تيمناً بالقذافي، الحملة الصليبية على سورية.

ومن الضروري التذكير أن هذا النظام هو الذي اضطهد ولاحق ميشيل عفلق، ما اضطره إلى الهرب إلى العراق، ومات ودفن هناك، ولم يرحم هذا النظام توسلات أهله في طلب دفنه في سورية، وأن الناشط السياسي جورج صبرة ما زال يلاقي أشد أنواع التعذيب في سجونه.

* باحث في الشؤون الإسلامية.

=================

طبول الحرب تُقرع في سورية

الخميس, 29 سبتمبر 2011

داود الشريان

الحياة

«كل الخيارات مطروحة» شعار بات يتصدر مشهد الوضع المتفاقم في سورية. واشنطن تقول: «إن الحملة المتصاعدة التي يشنها الجيش فجّرت مقاومة مسلحة»، وتركيا تصف المرحلة الانتقالية بأنها «بشعة»، وصوت المعارضة السلمية غُيِّب بسبب عنف الأجهزة الأمنية السورية التي يبدو أنها ماضية في تحريض الشعب على مقاومة مسلحة، والخلاص من رفض المجتمع الدولي لنهجها في مواجهة شعبها الأعزل، وخلق مبررات لمزيد من العنف ضد المواطنين الأبرياء.

هل أصبح نشوب حرب أهلية في سورية قدراً محسوماً؟

بعض المعارضة يستبعد الحرب، فالشعب في رأيه موحد في مقابل النظام، وهذا صحيح من الناحية النظرية المتفائلة. لكن هذا الرأي فيه تبسيط للوضع، فالمعارضة بشقيها الداخلي والخارجي ليست متفقة، وبعضها يتصرف على طريقة المعارضة العراقية، ويطالب بتدخل أجنبي بلا شروط، وثمة خلافات بين الإسلاميين والليبراليين، وأخرى بين الأكراد والعرب، فضلاً عن أن الجيش يمتلك مقومات صراع مذهبي محتمل، وقبل هذا وبعده فإن الأطراف الأجنبية وعلى رأسها تركيا وإسرائيل مدعومة بعواصم غربية، لن تسمح للثورة بأن تتشكل من دون أن يكون لها دور، وهي ربما سهّلت دخول السلاح، ودعم طرف في مواجهة الآخر، ومثلما تحوّل لبنان في سبعينات القرن العشرين الى مسرح لتصفية حسابات دول، فإن سورية ليست بمنأى عن هذه النتيجة المروّعة.

وسط هذا الغموض، وزيادة الفجوة بين قوى المعارضة، وتلويح الأجانب بالتدخل في الوقت المناسب، يتفرج العالم العربي على سورية، مصدّقاً أن قضية أمن إسرائيل ستقف حائلاً دون تدهور الأوضاع الى حرب أهلية. لكن الواقع يشير الى أن النظام لم يعد أمامه سوى إدخال البلد في حرب، وهو ربما وسّع نطاق الأزمة لتمتد الى لبنان والمخيمات الفلسطينية. هل هناك أمل بتجنيب السوريين ويلات حرب أهلية؟

لا شك في أن الوضع في سورية يقبل طرح الأسئلة، لكنه يستعصي على الإجابات والمخارج الآمنة. الدول العربية في وضع لا يسمح لها بتغيير موقفها، القائم على أمل كاذب بأن النظام ما زال يملك فرصة التراجع عن أسلوبه العنيف ضد المدنيين، والمعارضة الخارجية تعتقد بأن ليس أمامها إلا الاستعانة بالقوى الأجنبية والإقليمية للخلاص من نظام الرئيس بشار الأسد. ويلٌ للعرب من الأيام المقبلة في سورية.

=================

هل يفعلها التلفزيون السوري?!

جواد البشيتي

العرب اليوم

2011-09-29

سمِّه ما شئت, إلا "ثورة"; فإن ما يحدث في سورية منذ سبعة أشهر ضد نظام حكم بشار الأسد, وعلى ما يزعم ويؤكد المتحدثون الرسميون وغير الرسميين باسمه, من سياسيين وإعلاميين, وأنصاره من عرب وعجم وبربر, ليس ب "ثورة"; لأن لا شيء مما يحدث يتوافق مع المفهوم "العلمي" للثورة (الشعبية)!

وعن اضطرار, يتنازلون (فكريا وسياسيا وإعلاميا) بعض الشيء, فيتحدثون عن "انتفاضة", أو "حركة احتجاجية (أو مطلبية)", مظهرين إيمانا (يشبه إيمان العاجز بالمعجزات) بأن تغيير الاسم, أو التسمية, يمكن ويجب أن يغير طبيعة الشيء, أو المسمى.

عن أي "ثورة (شعبية)" تتحدثون?!

إنهم, أي الناطقين باسم نظام حكم بشار, يتساءلون في دهشة واستغراب واستنكار; فكل الشعب تقريبا يقف مع "قائده"; و"الدليل المفحم" على ذلك هو أن غالبية السوريين (وفي العاصمة وحلب على وجه الخصوص) يلازمون بيوتهم, ولا ينزلون إلى الشارع; أما "المحتجون" من الشعب فهم قلة قليلة, لا يزيد عددهم عن بضعة آلاف, أو عشرين ألف مواطن, في سورية كلها; ف "الثورة" إنما هي, على وجه العموم, "ثورة افتراضية", مصطنعة, مزيفة, مضخمة, إعلاميا!

إني أقترح (أي أتحدى) أن يذهب التلفزيون السوري بنفسه إلى حيث تتظاهر تلك الفئة الضئيلة من السوريين, وأن يصوِّر مظاهراتهم, ويبث, في نشراته الإخبارية, صور هؤلاء القلة من المتظاهرين وهم يهتفون ضد نظام حكم بشار, وينادون بإسقاط وإعدام الرئيس.

ليُثْبِت التلفزيون السوري, بالصورة والصوت, أن عدد المتظاهرين ضد نظام حكم بشار لا يزيد عن بضعة آلاف, فلا يكفي أن تذهب كاميراته إلى شوارع المدن "الهادئة" لتصور لنا الحياة فيها وهي تسير سيرا طبيعيا عاديا.

إذا أراد التلفزيون السوري أن يقيم الدليل على أن المتظاهرين ضد نظام حكم بشار يعدون بالآلاف, فحسب, في كل سورية, فليذهب إليهم, ويصورهم, ويبث الصور الحية في نشراته الإخبارية, ولو كان "الثمن" هو أن يظهر هؤلاء في الصور وهم يهتفون ضد نظام الحكم هذا; فلا سباحة بلا بلل!

إعلاميو نظام الحكم السوري يؤسسون خطابهم الإعلامي بما يوافق المنطق الآتي: إذا كان كل قط حيوان, فلا بد لكل حيوان من أن يكون قطا.

إنهم يقولون: إذا كان كل مؤيد (من المواطنين) لنظام حكم بشار يلازم بيته الآن, ولا ينزل إلى الشارع للتظاهر ضده, فإن كل مواطن يلازم بيته هو بالضرورة مؤيد له!

وحتى يحسنوا التعداد والإحصاء, أقول لهم إن كل مؤيد (من المواطنين) لنظام حكم بشار يلازم بيته, في دمشق وحلب; لكن ليس كل من يلازم بيته يجب أن يكون مؤيدا له; وإن الأجهزة الأمنية تعلم ذلك علم اليقين; لأنها هي وحدها السبب الذي ما زال يحول, حتى الآن, بين غالبية المواطنين وبين نزولهم إلى الشارع, وانضمامهم إلى الثورة.

نظام حكم بشار, ولسبب لا يمت بصلة إلى المفهوم "العلمي" للثورة, لا يعترف بوجود "ثورة (شعبية)" ضده; ف "الحكم المطلق", والذي يصلح نظام حكم بشار تعريفا له, يصوِّر نفسه دائما على أنه خير نظام حكم أُخْرِج للناس, ويجب, من ثم, أن يبقى إلى الأبد; ولن يعرف أبدا ثورة شعبية ضده, وإن عرف شيئا من "الإصلاح", الذي فيه, وبه, يلبي مطالب شعبية "مشروعة"!

وثمة خاصية جوهرية أخرى لنظام الحكم هذا هي أنه من السوء بما يجعل الشعب يؤمن إيمانا راسخا بأن الأسوأ منه لن يأتي أبدا; فلِمَ الخوف من العواقب والبدائل ما دام إبليس نفسه تحمر وجنتاه خجلا مما يقترفه نظام حكم بشار من جرائم في حق شعبه?!.

=================

ثورة المعلومات ومعلومات الثورات

تاريخ النشر: الخميس 29 سبتمبر 2011

محمد عارف

الاتحاد

أول معلومات الثورات أن ثورة المعلومات لا تستطيع صنعها بال"ريموت كونترول". لذلك تغرق بالدماء منذ شهور بعض ثورات الربيع العربي. قد يعرف ذلك وضاح خنفر الذي فقد منصبه كمدير عام شبكة "الجزيرة" بعد نحو أسبوعين من تسرب وثائق عن مداولاته مع ممثلي المخابرات العسكرية الأميركية حول تغطية الأخبار. ويصعب تصديق أو تكذيب معلومات خنفر عندما ينفي علاقة استقالته بتسريب "ويكيليكس" تقارير انتقدت تغطية "الجزيرة" لأحداث العراق عام 2005. فرسائل البريد الدبلوماسي للسفير الأميركي في الدوحة تحدثت عن وعد خنفر بتخفيف لهجة مواد منشورة في موقع "الجزيرة" حول أحداث العراق، وذكرت أنه تعهدّ بإزالتها "كلية خلال أيام كي لا يثير الحذف الفوري اللغط"، وأبدى موافقته على إزالة صور جرحى عراقيين اعتبرتها المخابرات الأميركية استفزازية، وبينها صور طفلين جريحين في المستشفى، وامرأة عراقية مصابة بجروح بالغة في وجهها. ووعد خنفر، و"هو يتنفس الصعداء" حسب رسالة السفارة، بإزالة تقرير يتضمن شهادة طبيب عراقي حول استخدام القوات الأميركية الغاز السام ضد سكان مدينة "تلعفر". وتحدث مع ممثلي المخابرات الأميركية عن ضرورة الحفاظ على سرية الاتصالات، وأشار إلى ملاحظة وردت في تقرير المخابرات حول وجود اتفاق مكتوب بين المخابرات و"الجزيرة"، بينما نص الاتفاق الأصلي على عدم استخدام المراسلات الكتابية، وذكر أن الجزيرة "كمؤسسة إخبارية لا يمكنها التوقيع على اتفاق من هذا النوع". وعبّر عن قلقه من "النص على ذلك كتابياً". ودعا إلى إيجاد طريقة أفضل لإرسال هذه التقارير، والتي عثر "على بعضها فوق جهاز الفاكس".

ولا يصعب تصديق وثائق "ويكيليكس" حتى لمن يعتقد أن دولة قطر قوة إعلامية عظمى، فالتهديدات ترددت علناً بعد غزو العراق حول اعتزام الإدارتين السابقتين في واشنطن ولندن قصف "الجزيرة" لموقفها المناهض للاحتلال، لكن يصعب تصديق تحول الفضائية إلى ما يشبه غرفة عمليات لقيادة ثورات عربية تحظى بتعاطف واشنطن ولندن وباريس، وينال بعضها دعماً سياسياً أو عسكرياً مباشراً من دول "الناتو". فالعقول والقلوب قد تتحول عن "الجزيرة" الفاتنة والذكية، ذلك لأن شارعنا العربي، حسب اعتراف خنفر في بيان استقالته، "ليس كما رآه الزعماء والملأ من أعوانهم: سوقة ودهماء وغوغاء وأتباع كل ناعق، بل هو شارع ذكي ومسيّس، يدرك بفطرته السليمة ما لا تدركه النخب ولا أهل النفوذ، والثقة التي منحها الناس للجزيرة كانت عن سابق وعي وتمحيص، ومع ذلك فلن يكون جمهورنا رفيقاً بنا إن أخطأنا".

وفي أوقات الخطأ لا يمكن أن تكون الشائعات حول سبب استقالة مدير عام "الجزيرة" مسلية، حسب تعبيره في موقعه على "التويتر"، ويصعب التسلي بتصريحه لصحيفة "الغارديان" البريطانية بأنه مستمر بروح "الجزيرة" نفسها، وأنه سيعلن "قريباً جداً شيئاً يتعلق بالإعلام وأخلاقيات المهنة". فالقتل المستمر بالمعلومات، والتحايل على معلومات القتل غير مسليين. و"التغطية مستمرة" حسب لازمة "الجزيرة" التي لا يتمنى أحد أن تصبح رائدة بين الفضائيات العربية والعالمية في تضييع فرص "تاريخية" لتعليم شباب العرب، ليس كيف يَقتلون ويُقتلون، بل كيف يَعيشون ويُعيِّشون. وهذا هو تكتيك واستراتيجية ثورة الربيع العربي الجميل، الذي لن يسامح بأي حال من يجعل تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا كالعراق، حيث يَقتل الناس ويُقتلون يومياً دون توقف طوال ثمان سنوات. ولاحت "نذر الشؤم" على ذلك قبل أن تسكت المدافع في ليبيا، حسب تقارير مراسلي صحف عربية من طرابلس عن بدء الصراع بين فضائيات الثورة "الليبية" و"ليبيا الأحرار" و"ليبيا الحرة"، واستقالات وإقالات إعلاميين وإعلاميات، واتهامات قائمة بين مسؤولي الإعلام الجديد.

وشيء واحد مؤكد في ثورة المعلومات وفي معلومات الثورات، هو أنها لا يمكن أن ترتدّ. ولن ننتظر طويلاً قبل تسريب "ويكيليكس" عربي ربما وثائق سرية حول دخول الدول الغربية على خط الثورات العربية. والتغطية مستمرة لثورة المعلومات ومعلومات الثورات العربية، التي بدأت بتسريب "جوليان أسانغا" مؤسس "ويكيليكس" نحو ربع مليون وثيقة سرية متبادلة بين أجهزة الخارجية والدفاع الأميركية. و"أسانغا" الآن رهن الإقامة الجبرية في بريطانيا. والتفاصيل في السيرة الذاتية لحياة "أسانغا"، التي صدرت أخيراً رغم محاولاته المستميتة وقف نشرها، لأنها حسب تصريحه تعطي واشنطن حججاً إضافية لملاحقته وسجنه بتهمة التجسس. وقرر الناشر البريطاني المضي في تنفيذ العقد بسبب عجز أسانغا عن إعادة نحو 700 ألف دولار، وهي مقدمة المبلغ الذي كان قد حوله إلى محامي الدفاع عنه في القضية المرفوعة ضده في السويد التي تطالب بتسليمه. وكما تدل مقاطع من سيرة أسانغا نشرتها أخيراً صحيفة "الإندبندنت" البريطانية فإنه كان يتوقع استخدام المخابرات الأميركية طرقاً غير قانونية للإيقاع به، كزرع مخدرات في حقائبه، أو دسّ صور جنسية للقاصرين في حاسوبه الشخصي، لكن لم يخطر بباله احتمال ملاحقته بتهمة اغتصاب فتاتين أقام معهما علاقة عابرة في السويد.

وأسانغا الآن نجم ثورة "الهاكرز" العالمية، التي تضم جيش المتسللين إلى قواعد المعلومات. و"ما هو الثائر؟.. إنه الشخص الذي يقول لا"، حسب الأديب الفرنسي ألبير كامو الذي كان نجم المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي. و"لا" حادة يقولها "أسانغا" منذ انضمامه المبكرة إلى صفوف "الهاكرز" الذين يخوضون عبر الفضاء المعلوماتي مواجهات تكتم الأنفاس داخل حصون المعلومات الغربية. وترسم السيرة الذاتية لأسانغا الخريطة اللوجستية لثورات المعلومات في عصر المعلومات. وتكشف السيرة عن تقطيع المقتطفات المنشورة منها في كبرى الصحف العالمية: "نيويورك تايمز" و"الموند" و"دير شبيغل" و"الباييز"، و"الغارديان". واستبَقَت "الغارديان" نشر مذكراته بافتتاحية دفاعية بررت ما تسميه "التحرير الكثيف" للوثائق بدعوى عدم تعريض حياة الأشخاص الواردة أسماؤهم فيها للخطر، وانتقدت قرار أسانغا نشر نصوص الوثائق السرية كاملة دون تحرير، واعتبرته ضمن قلة متطرفة من "معلوماتيين دون حدود يؤمنون بتوفير جميع المعلومات للجميع في كل الظروف".

وأسانغا متهم من قبل بعض هذه الصحف بالصمت عن اتهامه بالعداء للسامية، وهي حيلة معروفة للوبي الصهيوني الذي "عقّمَ" كما يبدو وثائق "ويكيليكس" المنشورة من كل ما يضر إسرائيل. لكن "ويكيليكس" ليس سوى البداية، حسب الصحفية والناشطة البريطانية هيثر بروك، مؤلفة كتاب "الثورات ستكون مرقمنة". والأجيال الثورية الجديدة متمرسة في الحروب الإلكترونية، كتمرس الأجيال الثورية السابقة في حروب الأحراش والغابات والمناطق الجبلية المنيعة. وتقدّر الخسارة التي تسببها عصابات "الهاكرز" للاقتصاد الغربي بتريليون دولار سنوياً، حسب كتاب "السوق الظلماء" للكاتب البريطاني ميشا غليني

=================

إيران في مواجهة أزمة سوريا

فايز سارة

السفير

29-9-2011

تبدو ايران اليوم في مواجهة خيارات صعبة تتعلق بعلاقتها مع سوريا، والسبب الرئيس لصعوبة الخيارات الايرانية، يكمن في طبيعة العلاقات الايرانية السورية القوية، والتي جرى نسجها وتعزيزها على مدار اكثر من ثلاثة عقود من السنوات، كفلت للبلدين تعاونهما في المجالات عديدة والابقاء على علاقاتهما الاستراتيجية خارج كل التحديات التي واجهت تلك العلاقات أو كانت ذات تأثير عليها.

لقد بدا من الطبيعي، ان تعلن ايران موقفها المؤيد للسلطات السورية في مواجهة الحراك الشعبي بما تضمنه من احتجاجات وتظاهرات، ولم يشفع لهذه التظاهرات شعبيتها وزخمها ونداءاتها المطالبة بالحرية والكرامة، فاعتبرتها السلطات الايرانية «جزءاً من مؤامرة خارجية» تستهدف سوريا والمقاومة وهو هدف يمس ايران ذاتها، ولم يقتصر موقف طهران على معاداة الحراك السوري، بل تضمن تأكيد دعمها السياسي والمادي للسلطات السورية وسياساتها في مواجهة الحراك الشعبي.

غير انه لم يكن للموقف الايراني ان يستمر في مواجهة الحراك السوري، وفي الدعم السياسي والمادي للسلطات السورية، خاصة مع تصاعد غضب شعبي في الشارع من مواقف ايران، فبدأ الايرانيون تغييرات في موقف طهران، كانت منها الاشارات الى مطالب مشروعة للشعب السوري ينبغي الاستجابة لها، وكان ذلك يمثل محاولة ايرانية لتوازن جديد في موقف ايران، وتناغما مع مواقفها المؤيدة لثورات الربيع العربي، وقد زاد الايرانيون الى موقفهما من الحراك السوري أمرين اثنين، اولهما فتح قناة اتصال مع معارضين سوريين للبحث في موضوع الازمة ومستقبل سوريا وعلاقاتها، والثاني دعوة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد إلى الحوار بين الحكومة السورية وشعبها والابتعاد عن العنف على أشكاله، قبل ان يقترح اللجوء الى عقد قمة إسلامية للمساعدة في معالجة الازمة السورية، وهو اقتراح لم يجد له صدى عند السلطات السورية.

ولا يمكن فصل هذا التطور في الموقف الايراني من الازمة في سوريا عن ثلاثة عوامل مهمة، اولها ان الحراك الشعبي أكد استمراريته وزخمه، وانه غير قابل للاخضاع رغم الاستخدام المفرط للقوة ضده قتلاً وجرحاً واعتقالاً في جملة سياسة إخضاع شاملة، والثاني ان النظام عجز عن الاتيان بحل للازمة باستثناء استخدام قوة الحل الامني/العسكري في مواجهة ما يقال عن مؤامرة وجماعات مسلحة، بالتزامن مع كلام عن إصلاح، لا يمس جوهر النظام ولا يستجيب لمطالب الحراك السوري. والعامل الثالث، انه مع استمرار الازمة في سوريا بتداعياتها السابقة، اتجهت تداعياتها الخارجية الى التصاعد بالانتقال من إدانة سياسات القوة التي تستخدمها السلطات السورية ضد الشعب والمطالبة بإصلاحات جوهرية الى فرض عقوبات تطال مسؤولين سوريين كباراً، قبل الانتقال الى مطالبة الرئيس السوري بالاستقالة في اطار ضغوطات متصاعدة.

ان دعم ايران للنظام في سوريا، ارتبط بقدرة النظام على تشكيل قوة سياسية ومادية تتوافق مع سياسة ايران وتدعمها، ولا سيما في ساحتين لهما أهمية مركزية في استراتيجية هما لبنان حيث حزب الله نصير ايران هناك وقوتها المعلنة، وفلسطين حيث حركة حماس الحليف الفلسطيني لإيران، وكلاهما يحتاج الى دور سوري للاستمرار والوجود في استراتيجية طهران الاقليمية، ولا شك بأن تلبك النظام في سوريا أو انهياره سوف يؤثر سلباً على استراتيجية ايران وعلاقاتها، وعليه من الطبيعي دخول ايران على خط نصح النظام وحضه على القيام بخطوات تساعد على تجاوز الازمة، ومن الطبيعي توجه طهران للبحث في احتمالات ما بعد النظام في سوريا، وهو موضوع كثر الحديث عنه في الاوساط الايرانية في الشهرين الأخيرين وسط تكتم رسمي شديد، حيث لا يرغب الايرانيون بالمزيد من الإربكات لحلفائهم في دمشق، لكنهم في الوقت نفسه لا يريدون أن يكونوا، هم واستراتيجيتهم أو جزء منها، في مهب الريح.

كاتب وناشط سياسي سوري

=================

هل على السوريين أن يموتوا كي يفرضوا عدالة قضيتهم؟

خولة دنيا

2011-09-28

القدس العربي

 تمر أيام جمعة جديدة.. تحمل أسماء جديدة.. تحمل تكثيفاً لآمال السوريين في هذه التسمية البسيطة التي لا تتجاوز الكلمات الثلاث وأحيانا تقتصر على كلمة .. وكأن الحلم والأمل والمعاناة تتكثف في هذه التسمية، لتكون رسالة مباشرة واضحة للداخل والخارج..

وفي السياق نفسه تتداول وسائل الإعلام هذه التسمية قبل الجمعة وبعدها.. لترى ماالذي قرره الشعب السوري الثائر لهذا الأسبوع؟

أحياناً هي رسالة تحتاج إلى أسابيع أو أشهر كي يفهم محتواها، أو يصبح قابلاً للتنفيذ.. وفي أحيان أخرى يكون مجرد اسم للعتب أو لرفع الهمم.. أو شكوى لله ..

كما وفي هذه الجمعة كان رسالة للمعارضة أن كفاكم مناورة لقد مللنا منكم نريدكم أن تتوحدوا على مصيرنا الذي ينتهك يومياً.. ولكن وكأن المعارضة لديها (أذن من طين، وأخرى من عجين) تبدوأنها تعمل على سياق أخر. وكأن الثورة التي تتحدث عنها تحدث في كوكب آخر بعيد كل البعد عن آلام السوريين وآمالهم.. فيتدارسون ويمحصون ويتفقون على نقاط ويختلفون على أخرى.. ويلتقون بدول ويتجنبون أخرى.. ويقيمون مؤتمرات وينكسون بها..

ولكن عينهم الثاقبة لا تغيب عن الحراك وكأنها تراقب أما زال لدى السوريين النفس الكافي للتظاهر وتقديم التضحيات؟

ومؤشرهم يتلخص بنقاط بسيطة: عدد التظاهرات المجمل في أنحاء سورية، وعدد الشهداء الذين سقطوا في هذه الجمعة..

النقطة الأولى أي 'عدد التظاهرات' يعطيهم مؤشراً على أنهم مازالوا قادرين على التكلم باسم السوريين، وأن السوريين مازالوا على عهدهم بالثورة ودفعها للأمام. وهو مؤشر مهم جداً فبدون ثورة لا معارضة عليها القيمة، ولن يسمع لهؤلاء المعارضين أحد، فيسعدوا لعدد التظاهرات الكبير، ويحتفوا به ويتكلموا عنه وباسمه..

أما المؤشر الآخر 'عدد الشهداء' فهو مؤشر مهم كذلك لأنه يعطي الإمكانية للتحدث عن حجم القمع الذي يجابه به النظام شعبه، وكلما زاد عدد الشهداء زاد حجم القمع.. وزادت إمكانية استجرار دموع المندوبين في الأمم المتحدة.. ومعها استجرار تعاطفهم مع قضية السوريين العادلة لنيل الحرية وبناء الدولة التي يحلمون بها..

وكأن السوريين يجب ان يموتوا بأعداد كبيرة لنيل رضى من يتحدث باسمهم ، كما لنيل تعاطف من يرغب بالوقوف لجانبهم.

أفاجأ بامتعاض البعض أيام الجمع بأنه سقط 'فقط' 10 شهداء، أو 15 أو حتى 20.. وكأن العدد لا يكفي بنظرهم..!!

وكأن لسان حالهم يقول 'بس؟' فهم بحاجة للموت والدمار والعنف ومناظر القتل الشرس والتعذيب الوحشي وسلخ جلود الضحايا وتقطيع الجثث ورميها في وجوه الأهل المجبرين على التوقيع على ورقة تؤكد أن من قتل أولادهم هي العصابات المسلحة...

من الطبيعي أن يمارس القاتل ساديته بهذه الطريقة الوحشية وهو سعيد ضاحك أمام عدسات كاميرا ما تبين كم هو قوي وقادر وجبار أمام هذا الإنسان الضعيف الذي يجب كسر شوكته ومنعه من القول ومن الفعل، وإجباره على أفعال لا يمكن أن يقوم بها سوى من هو بمواجهة موتٍ محتم.

نعم قد نفهم سادية القاتل، ولكن هل نفهم مازوشية من يتحدث باسم القتيل؟

'يظهر البعض على الاعلام وكأنه خجل من قول أن من سقط اليوم فقط هذا العدد القليل، فيحاول التضخيم بقوة من الاشكال الأخرى للعنف والقمع وسد الطرقات والمدن وتقطيع اوصال الاحياء، واعتقال الشباب والاولاد... وكأنه سعيد بإنجاز مهمته على أكمل وجه.. رغم الفقر الحاصل بعدد الشهداء على رأيه...

فهل نحن فعلا بحاجة لمزيد من استجرار العواطف والدموع في اصقاع المعمورة كي يعترفوا بان قضيتنا عادلة وبأن ما نواجهه لم يواجهه أحد غيرنا، وبأننا نستأهل الحرية؟

هل نحن بحاجة لهذا حقاً؟

هل نحن بحاجة لهذا الموت اليومي البائس بعيدا عن أهلنا واحبتنا وبين يدي من لا يرحم، او برصاصة قناص غادر يختارنا عشوائياً من بين مئات؟

هل شهداؤنا بحاجة لأن تكون وجوههم بريئة وأعمارهم يانعة وابناءهم لم يولدوا بعد كي يعترف العالم بحجم مأساتنا؟

وهل نحن بحاجة لأن تغتصب فتياتنا وتقطع اوصالهن، كي يستطيع احدهم الادعاء على النظام بأنه سافل لا يرحم وبحاجة للإسقاط؟

'أي مازوشية يعيشها هؤلاء، ويعيشها العالم كي يسعد برؤية أجسادنا وأرواحنا وآلامنا تنتهك بهذه الوحشية كي يقول 'ياحرام'... ويقرر الوقوف لجانبنا أو يقرر أنه الآن فقط يستطيع أن يطالب بإسقاط النظام.. ويستطيع جلب الدعم الخارجي' والتأييد العالمي لقضيتنا...

'ألا يكفي أننا بشر.. بشر سوريون ممتلئون بالحياة وبالرغبة في الحياة وبالرغبة في مستقبل أفضل، والرغبة بالحرية وبدولة حرة وديمقراطية..

ألا يكفي أننا اكتفينا من هذا النظام البائس بعد خمسين سنة وأننا لا نريده بعد اليوم؟

ألا يكفي أن 'الشعب يريد إسقاط النظام' وحسب لأنه لا يريده بكل بساطة.. ولأنه يريد نظاماً آخر ووجوهاً أخرى تدير البلد بقوانين ودستور جديد؟

ألا يكفي؟

'أم يجب أن نموت ليسعد المازوشيون بموتنا ويمتلئوا فرحاً بأن قضيتنا الآن.. والآن فقط أصبحت عادلة ويمكن الدفاع عنها؟

=================

المعارضة السورية بين «تفكيك» النظام و»إصلاحه»

الخميس, 29 سبتمبر 2011

عبدالوهاب بدرخان *

الحياة

بات محسوماً أن الانتفاضة الشعبية شكّلت التحدي الأكبر للنظام السوري منذ نشوئه. ورغم أن الانتفاضة أكدت استعدادها لتحمّل الصعوبات إلا أنها جهرت الجمعة الماضي بأنها أمام تحدٍ كبير هو «وحدة المعارضة». ويشغل هذا الطموح جميع المعنيين والمهتمّين بالشأن السوري، في الداخل كما في الخارج، انطلاقاً من أن منطق الأحداث يفرض ترتيب الجهود الآيلة الى إسقاط النظام بمقدار ما يوجب التفكير في ما بعده.

للمرة الثانية تكتب الصحافة الاميركية أن واشنطن بدأت الترتيب ل «ما بعد الأسد»، لكن المعلومات والتحليلات تنتهي عادة الى خلاصة مفادها أن الولايات المتحدة والدول الغربية تفتقد وسائل الضغط المباشر على النظام أو التأثير في الداخل. ثم أن الحاجز الروسي – الصيني لا يزال يؤمّن حماية للنظام من أي تدخل دولي، بل يحول دون إلزامه حتى بتلبية متطلبات التدخل الانساني. لذلك تعاظم التركيز على المعارضة المدنية الآخذة في الانتظام للتحاور معها وقياس تمثيلها وسبر رؤاها للمستقبل. أما المعارضة المنبثقة من انشقاقات العسكريين فلا تزال حتى الآن مشتتة، شاء أفرادها التملص من المشاركة في جرائم قتل مواطنيهم أكثر مما خططوا لمقاومة مسلّحة ضد قوى النظام، لكن أعدادهم المتكاثرة بالآلاف قد تفرض تجميعهم وتأطيرهم، أولاً لأن النظام ليس مقبلاً على وقف «الحل الأمني»، وثانياً لأن التسلح يتكثّف، وثالثاً لأن الصعوبات المعيشية والاقتصادية ستتفاقم.

ما أن اندلعت الانتفاضة حتى تجاوزت النظام وكل «معارضة» عُرفت بهذه الصفة في عهده سواء كانت أحزاباً أو شخصيات مستقلة، وباستثناء بعض من رموزها المحترمين الذين عانوا الكثير سجناً وتعذيباً وتنكيلاً يُعتبر الآخرون خارج السياق الذي أسسته الانتفاضة. وعلى قاعدة «شرعية الثورة» التي باتت تمثلها تنسيقيات الداخل بدأت المعارضة، «الجديدة» و»الثورية»، تفرز قواها. بديهي أن من لم يدفع الدم لإدامة الانتفاضة حيّة وقوية لن يستطيع ادعاء المساهمة فيها وسيكون في أفضل التصنيفات مستفيداً والغاً في الدم ومتجولاً بين جثث النشطاء للحصول على موقع في رحاب السلطة.

تنبَّه النظام الى احتمال تفعيل أنشطة في الخارج لإنشاء كيان معارض لا بدّ من ربطه لاحقاً بالداخل لإضفاء «شرعية الثورة» عليه. لذا أنشأ هيئة للحوار «الرسمي»، وفتح نافذة لل «المعارضة الداخلية» كي تعقد مؤتمراتها وتعلن مواقفها، فهو في مأزقه يفضل معارضين تحت أنظاره، يعرفهم ويعرفونه، ويحدد لهم سقفاً حتى لو استفزّته أدبياتهم السياسية المعلنة، على معارضة تطالب بإسقاطه خارقة السقف في أي مكان آخر، لا سيما أنقرة أو اسطنبول. وطالما أن دمشق متعذّرة لهذه المعارضة فإن مكانها «الطبيعي» كان يمكن أن يكون بيروت، فهي عاصمة عربية معنية بالحدث ومرحّبة مستوعبة تاريخياً لمختلف التيارات بلا أي وطأة على أي منها، غير أن جلافة السيطرة المسلحة للتابعين للنظام السوري جعلت لبنان وبيروت غير آمنَين لتحرّر اللبنانيين فكيف بتحرّر السوريين.

منذ الاختبار الأول في اسطنبول اتضحت الصعوبات أمام معارضي الداخل التقليديين، اذ اعتبروا أن الكيان المعارض المعترف به يجب أن يكون حيث هم على أن يرفدهم معارضو الخارج، وبالتالي فمن الصعب أن يتكيّفوا مع الصيغ المطروحة للعمل مع الخارج. إلا أنهم رغم وجودهم في الداخل ليسوا مساهمين في الزخم الفعلي للانتفاضة ولا علاقة لهم مع «اتحاد التنسيقيات» الذي يقودها وينظّم حراكها. لذلك كان معارضو الداخل ولا يزالون ناقدين مباشرين وفوريين لأي كيان معارض يُعلن عنه في الخارج، قائلين أنهم لا يختلفون معه على الأهداف وانما على «آلية» تشكيله، فهم لا يستطيعون موضوعياً أن يكونوا جزءاً منه وهو لا يستطيع أمنياً أن يكون في الداخل وإلا يُقضى عليه، فما أوجد المعارضين في الخارج هو تحديداً ما يناضلون للتخلص منه، إنه النظام نفسه.

منتصف ايلول (سبتمبر) الحالي انتهى الجدال العقيم عملياً، وكانت اجتماعات حصلت في الدوحة بهدف اقناع الطرفين ب «قيادة سياسية موحدة» لكن ادارتها و»آليتها» غير الموفّقتين فضلاً عن «أهدافها» المشوّشة أدّت الى حسم كل طرف موقفه. فظهر «المجلس الوطني السوري» في اسطنبول وبادرت تنسيقيات الداخل طويلاً فأيّدته ولو مع مآخذ محدودة. ثم بعد أيام التقت مجموعة من قوى المعارضة في حلبون (ريف دمشق) لتعلن انشاء «هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي». ويتنازع «المجلس» و«الهيئة» الادعاء بأن مجموعة «اعلان دمشق» تسانده. ذاك أن ال «اعلان» يتمتع بشرعية خاصة به وكان حتى بداية الانتفاضة عنوان المعارضة ورمزها، كما أنه يحظى باحترام خاص من جانب «التنسيقيات». وبالتزامن ظهر أيضاً «ائتلاف العلمانيين» في باريس الذي ينظر اليه على أنه تجمع مثقفين حرصوا على توضيح هويتهم للتمايز تماماً عن أي «بديل اسلامي» من النظام الحالي. ولذلك فهو صُنّف أقرب الى «هيئة التنسيق» (التي حاولت جمع ممثلين من مختلف الأطياف) منه الى «المجلس الوطني» الذي يشغل الاسلاميون ثلث تركيبته تقريباً.

ما أن أُعلن «المجلس» حتى أبلغت أنقرة معظم العواصم أن هناك، أخيراً، كياناً سورياً معارضاً يمكن اعتباره «جدياً» ومستعدّاً للعمل، خصوصاً أن هدفه المعلن بلا أي لبس أو تلاعب على المصطلحات هو «إسقاط النظام». وفي هذا السياق كانت نقاشات الدوحة استنبطت مصطلح «إسقاط النظام الاستبدادي الأمني» الذي استخدمته «هيئة التنسيق» لاحقاً، وقيل أن هذه الصيغة ترمي الى تمييز النظام «السياسي» ممثلاً بالرئيس بشار الأسد وتتماشى مع المبادرة العربية التي أشارت الى انتخابات رئاسية سنة 2014 أي مع انتهاء ولايته.

لعل حسم المواقف هذا هو ما دفع «تنسيقيات الداخل» الى طرح مسألة «وحدة المعارضة». ورغم أن الوحدة مطلوبة وضرورية ومحبذة إلا أنها لا تبدو واقعية أو عملية. لكن مخاطر الفرز كبيرة، وأهمها أن النظام بدأ لتوّه مناورة لاجتذاب «هيئة التنسيق» مدركاً أن طموحاتها المعلنة تذهب في اتجاه تغيير شامل، إلا أن واقعيتها ووجودها تحت سقفه يدفعانها في استراتيجية «اصلاح يقوده النظام» حتى لو كان معظم اعضائها مقتنعين بأن اصلاحاً كهذا لم يعد واقعياً، على افتراض أن النظام يريده فعلاً. وفي أي حال ليست «الهيئة» من يحرك الشارع، لذا فإن النظام لا يعوّل على تعاونها معه لإنهاء الأزمة لكنها اذا تعاونت تمكّنه من الايحاء بأنه باشر مسيرته «الاصلاحية» بمشاركة «ال»معارضة.

ثمة مخاطر أخرى، والنظام جاهز أيضاً لاستخدامها، منها تأليب الداخل على الداخل وشحذ الصراع بين الداخل والخارج. ف «المجلس الوطني» ومعه التنسيقيات واضح في اتّباع استراتيجية متدرجة ل «إسقاط النظام» مستفيدأ من عناصر عدة، منها مثلاً مفاعيل العقوبات الاميركية والاوروبية التي ستظهر أكثر فأكثر في تأثيرها على مصالح شريحة التجار الذين ساندوا النظام، ومنها أيضاً إعداد الملف للمحكمة الجنائية الدولية ودعم مطلب الحماية الدولية الانسانية (من نماذج الحماية أن مسؤولة في الصليب الأحمر الدولي سارت بسيارتها خلف احدى الجنازات فأحجم الأمن وقناصته عن الاعتداء على المشيّعين)... ذاك أن «الإسقاط» يعني «تفكيك النظام» وثمة مؤشرات متكاثرة عليه.

* كاتب وصحافي لبناني

=================

سوريا.. النظام يحاصر نفسه

ديانا مقلد

الشرق الاوسط

29-9-2011

كانت الصورة بعيدة ومهتزة.. لكنها حقيقية..

صبي يتعلق مرتعبا بعنق والده مطوقا إياه بشدة، بينما الأب يحاول حمله وأخذه بعيدا عن الجنود. أما هؤلاء الجنود فكانوا يتكاثرون كالفطر لإلقاء القبض على الصبي الصغير وسط صراخ وصياح وفوضى في الشارع..

لم نعرف ما إذا كان الصبي اعتقل أم نجحت محاولات والده في حمايته من مصير بديهي القول أنه أكثر من قاتم..

لم تخبرنا صور «يوتيوب» واللقطات التي بثتها الشاشات ماذا حل بالصبي السوري الذي ارتكب الخطيئة القاتلة للأطفال اليوم في سوريا وهي أنه خرج إلى الشارع وهتف ضد النظام.. فسوريا اليوم هي بالنسبة إلينا، نحن مستقبلي صورها، مقتطفات من مشاهد غير مكتملة ومن حكايات في الغالب تنتهي على نحو بالغ القسوة والفظاعة.

كيف لا نخاف على الصبي المتعلق بعنق والده ولا نفكر بالشابة زينب الحصني التي راحت ضحية عنف دراكيولي في أقبية الأمن السوري.. نحبس أنفاسنا ونرجو أن لا نرفع اسم الصبي مع أسماء أطفال وأولاد وشبان وفتيات من سوريا باتوا خلال السبعة أشهر الماضية أيقونات الثورة وملهمي جماهيرها..

صورة الصبي المرتجف هذا هي واحدة من آلاف الصور التي حاول النظام منذ سبعة أشهر تطويقها وضبطها وحصارها إلى أن انتهى الأمر بتلك الصور تحاصر النظام وتطوقه..

ماذا فعل الحصار الإعلامي الضارب حول الحدث السوري خلال الأشهر الماضية؟

الرواية الرسمية حول العصابات والمندسين تهشمت تماما وباتت لا تقنع أقرب المقربين. الخبر السوري هو خبر عالمي أول حتى اليوم، ولم تسهم كل محاولات الإعلام الرسمي السوري الإيحاء بأن الحياة في سوريا طبيعية وأن «سوريا بخير» سوى بتعميق الهوة الفاصلة بين النظام وشعبه والعالم، اللهم في ما عدا إيران وروسيا ولبنان الرسمي..

ليس من الصعب استخلاص كيف باتت الصور المهربة والمسربة أو تلك الملتقطة بقصد التباهي، وأعني بها صور عناصر الأمن والشبيحة وهم يعذبون أو يقتلون ضحاياهم، صورا يومية ولحظية تملأ فضاءاتنا الافتراضية والواقعية في آن..

صار القول مثلا إن النظام قوي وإن الانتفاضة تصطدم بجدار تماسكه، على صحته، غير مقنع، ذاك أنه محاصر بمشهد ما عاد العالم بإمكانه تجاوزه.

نعم إنه محاصر بمشهد ضحاياه، والقول إن سوريا قبل الانتفاضة هي سوريا بعدها يستمد منطقه من هذه الحقيقة، إذ كيف يمكن للعالم أن يهضم احتمال بقاء النظام وهو إن فعل ذلك ستتحول تقنية النظام في قمعه الثورة أسلوبا معتمدا وشرعيا في قمع الانتفاضات أينما كانت؟

وما يثير السخرية والاحتقار في آن هو حين يفاخر إعلام النظام بالقول إن المظاهرات إلى تراجع وانحسار، وكأنما بهؤلاء يتباهون بأن قوة البطش والقتل غير المحدود قد فعلت فعلها في الجماهير..

الثابت الأكيد أن النظام حاول قبل سبعة أشهر محاصرة درعا وصبيانها وتأديبهم، لكنه اليوم بات هو المحاصر وعلى شفير نهايته.

=================

سوريا وحكاية ال200 ألف صاروخ

سوسن الابطح

الشرق الاوسط

29-9-2011

لم يجانب وزير خارجية سوريا وليد المعلم الصواب حين قال إن هناك جهات خارجية تسعى إلى «فوضى عارمة تقود إلى تفتيت سوريا». المعارضة السورية هي الأخرى لا تخفي مخاوفها الجمة، ليس فقط من خارج قد يتآكلها، وإنما من خلافات بينها تنهش لحمتها. ليسوا قلة هم ثوار الداخل الذين يقولون إن «المعارضة السورية تمر بمرحلة مفصلية خطرة»، وإن الانتهازيين، خاصة من معارضة الخارج، صاروا من الكثرة والقوة، بما يزعج أولئك الذين يدفعون دماءهم ثمنا لحرية قد تخطف منهم قبل أن يتنشقوا أنسامها. ولم يعد نادرا أن تسمع أحد الثوار يلفتك إلى «الفرق بين شعارات التظاهرات اليومية التي تطالب بالحرية والكرامة، والخطاب السياسي الفج لمن يظنون أنهم باتوا زعامات على الناس، حتى قبل أن يسقط النظام».

بكلام آخر، البلبلة ليست في صفوف النظام وحده، فانقسامات المعارضة أشد وطأة على مستقبل سوريا وأدهى.

من ناحية، يقر قادة ميدانيون أن الجيش ليس على شفير انهيار قريب، لأن النظام كان قد احتاط منذ زمن بعيد لانشقاقات في الجيش وحضر سلفا خطة «ب»، وهي التي يعمل وفقها الآن، وهو ما يجعله قادرا على تلقي الضربات لغاية اللحظة. 40 سنة من التخطيط للقبض على مفاصل السلطة من الصعب إنهاؤها في أيام أو حتى ستة أشهر، أي إن الثورة لن تفوز غدا، لكنها لن تتراجع أبدا، والاستنزاف مستمر.

لا يخفيك المعارضون، على مختلف انتماءاتهم، أن بعض التنظيمات الكردية هي وحدها التي تملك كيانا وحجما يمكن تقديرهما، أما ما تبقى فهي حركات وتنظيمات، وتكتلات، وليدة لا يمكن معرفة شعبيتها، في ظل القمع القائم. لكن المشكلة أن بعضها يدّعي ما لا يملك، وثمة من يعتقد أنه بات زعيما لحزب له كلمته.

الوضع دقيق ويحتاج الكثير من تواضع المعارضين. معارضة الداخل تحقق تنسيقا مقبولا، لكنه ليس كافيا فيما بينها، «فثمة علمانيون إقصائيون ومتطرفون يرفضون الإسلاميين بشكل قاطع، رغم أن هؤلاء ليسوا قلة يمكن تجاهلها، والعكس بالعكس. وهذا يخلق فجوة كبيرة» يخبرني أحد الإسلاميين الناشطين في الميدان. معارضة الخارج مشرذمة، يحاول بعض رموزها من منفاهم استغلال غضب الداخل ولو برفع شعارات مدمرة، مثل تدخل خارجي مسلح على غرار ما حدث في ليبيا. فيما يرى معارضون أقل تطرفا أن مراقبة من هيئات دولية للوضع القائم، لو أمكن فرضها على النظام، قد تكون معقولة لوضع حد لشراسة القمع ودمويته.

الخلافات مهما كانت جذرية، لا تمنع المعارضين السوريين من تسريع وتيرة تحركاتهم في كل اتجاه، فهم يتدفقون بأعداد متزايدة إلى لبنان وتركيا والأردن وسوريا ومصر، ويستخدمون كل وسيلة لاتصالات سياسية عربية ودولية. أمر تتلقفه دول غربية متعطشة بشدة لتمتين نفوذها مع معارضي اليوم وحكام الغد. لبنان بمربعاته الأمنية التابعة للطوائف التي يحتضن بعضها ثوار سوريا، بات نقطة مهمة للمعارضين رغم أنهم لا يشعرون فيه بالأمن الكافي. لبنان ليس آمنا صحيح، لكن فضاءه مفتوح على الإعلام، وسياسيوه المعادون للنظام السوري كثر، وعلاقاتهم الدولية يمكن استثمارها بخصب مغرٍ.

تصاعد صوت المعارضين، ولو كانوا مشرذمين، وتنامي دورهم دوليا، يقابله تصعيد عسكري على الأرض في المحافظات السورية الساخنة، وفي لهجة حلفاء سوريا في لبنان. الوزير السابق وئام وهاب، ناقل رسائل من الطراز الأول، ولم يتردد خلال مقابلة تلفزيونية معه منذ أيام أن يطلق إنذارات وتهديدات عسكرية، نيابة عن النظام السوري وحزب الله معا دون أن يغفل حماس. وبينما كان بعض المعارضين السوريين يطالبون بتدخل أجنبي، رد وهاب بأن أي صاروخ سينزل على سوريا من الأراضي التركية، سيقابله 100 ألف صاروخ تسقط على تركيا، وأي تدخل أجنبي غربي مسلح ضد سوريا سيعني سقوط 100 ألف صاروخ على إسرائيل، ليس من سوريا وحدها بل من لبنان وفلسطين أيضا. وتحدث وهاب بلهجة متحدية، عن خطة لجبهة الممانعة، تم الاتفاق عليها للرد الحاسم على ما سماه «الظلم الذي تتعرض له سوريا» وفريقه الممانع بشكل عام.

السيناريوهات في كل الأحوال حالكة. استمرار الاستنزاف بين الجيش والثوار سيجعل التدخل الخارجي شبه محتوم، وهو حاصل بالفعل لكنه لم يبلغ بعد، مرحلة عسكرية لا يتمناها أحد.

ما يقوله المعلم عن جهات تتربص بسوريا شرا هو صحيح. والتنسيق الغربي، أميركي وأوروبي، مع معارضين سوريين من كافة التيارات، بمن فيهم السلفيون، لم يعد ينكره أحد، وهو بحد ذاته خطير. لكن وضع الشعب السوري المطالب بحقه في الحرية أمام حائط مسدود، وإبقاء الحياة السياسية مغلقة على من فيها، لن يترك للأحرار من المتظاهرين، والشرفاء من الغاضبين، سوى خيار رهن بلادهم للخارج لإسكات نيران رجال الأمن. والسيناريو الليبي قد لا يتكرر بحذافيره، لكن بطش الحكام يودي حتى بعقول الحكماء. وحده النظام السوري اليوم، في ظل تشرذم المعارضة، بمقدوره أن يقي سوريا شر المؤامرة الخارجية الجاهزة للتنفيذ، وينقذها من «الفوضى العارمة» التي يحذر منها المعلم.

=================

نظام الأسد: مراسم الدفن

حسين شبكشي

الشرق الاوسط

29-9-2011

يبدو أن النظام السوري بدأ يدرك أن أبواب الخيارات قد أغلقت أمامه، وأن بقاءه على رأس السلطة مسألة مستحيلة، فبدأ خطط مرحلة الخروج النهائي. ولعل أبرز ملامح هذه الخطة هي تأجيج غضب الناس، وخصوصا الذراع الاقتصادي للشعب، على الثورة والثوار، وهو ما حصل حين قامت السلطة السورية بمنع الاستيراد ورفع أسعار المواد النفطية بشكل خيالي، مما بات يسبب الضرر على المصالح، وأدى إلى أن يرفع تجار حلب وثيقة احتجاجية واعتراضية للدولة (وهي سابقة خطيرة ولافتة، لأن تجار حلب كانوا دوما محسوبين ومؤيدين للنظام بشكل كبير)، كما يواصل النظام استخدام اللعب على الطائفية بامتياز، فهو يوظف «المسيحيين» لصالحه بشكل خبيث؛ لأن تحركات الجيش الوحشية بحق الشعب والثوار توجه من قبل وزير الدفاع «المسيحي»، وكذلك يوظف الطائفة العلوية بشكل مهم، كما حصل في «اختطاف» المنشق الأول حسين هرموش، الذي خطف بعد تخديره من قبل عناصر استخباراتية تركية تنتمي إلى الطائفة العلوية، وهو الأمر الذي تسبب في إحراج شديد للسلطة التركية. كذلك حرك النظام السوري الورقة الكردية المحسوبة على حزب العمال الكردي المعارض، الذي يتزعمه عبد الله أوجلان، وهو كردي ولكنه ينتمي للطائفة العلوية، وتم توظيفهم لأعمال إرهابية داخل الأراضي التركية. ويبدو لافتا، ولكن مهما، اختيار النظام السوري مناطق حمص وحماه والبوكمال وجسر الشغور والرستن والصنمين لدكها بقوة، كما هو حاصل الآن، وبالنظر بتمعن ودقة إلى الخارطة السورية نرى أن الدك والقصف من قبل النظام السوري بكل قوة وضراوة، أدى إلى تهجير أعداد مهولة من سكان المناطق هذه إلى أماكن أخرى داخل وخارج سوريا، وسوف يؤدي إلى خط متكامل يربط لواء إسكندرونة في تركيا (ذا الغالبية العلوية) مرورا ووصولا إلى الساحل وجباله، المتمركزة فيه الطائفة العلوية في سوريا نفسها، وقد يصل إلى طرابلس لبنان وفي جبل محسر، فيها الحي ذو الوجود العلوي المعروف.

النظام يعتقد أنه في حالة خسارته الكيان السوري، كما هو معروف جغرافياً، فسيحيي الدولة العلوية القديمة التي وعد بها الاحتلال الفرنسي في يوم من الأيام، وهي خطة «شيطانية» ولكنها تتوافق مع الخط الذي تسير عليه الأمور اليوم، وهو قد يفسر المكالمة الهاتفية التي تسربت بين ماهر الأسد وعمه رفعت من باريس، والتي يتضح فيها عدم قناعة ماهر بقدرة أخيه بشار الأسد على الاستمرار، وبدأ هو وعمه «قامع حماه في الثمانينات» إعداد الخطة البديلة التي تقدم حزب رفعت الذي أسسه، وتقدم رفعت من خلاله مرشحا ديمقراطيا في الانتخابات التي قد يعلن عنها، وهو يراهن على قدرته على الحصول على 30 في المائة من أصوات الشعب! حينما سئل رفعت عن مذابح حماه قال: سأقول إن «حافظ هو اللي أمرني وأحضر فريق محامين قويا!». ويوصيه بأن يقتل أكبر عدد من المتظاهرين في هذه الفترة، ويقوم بالتنسيق بين ماهر ورفعت أبناء رفعت.

هذا الوهم الكبير يعيشه النظام بين واقع على الأرض يحاكي الانشقاقات التي زادت بحيث تحولت إلى جيش آخر باسم الثوار، وبين آلام الناس التي في ازدياد، وغضب الناس الذي لا حدود له وهم يستقبلون الشهر الثامن من ثورتهم المباركة. عقوبات جديدة سيتم الإعلان عنها في الأيام المقبلة، تشمل أسماء العشرات من رجال الأعمال المستخدمين كواجهات جديدة للنظام، وكذلك هناك مقاطعات وحظر للبضائع السورية في دول كثيرة حول العالم، باعتبارها داعمة ومحولة لآلة القمع السورية. الصين وروسيا تستعدان لعقد صفقة مهمة مع الثوار، وأهم ملامحها أن الثوار سيبقون على قاعدة روسيا العسكرية بمزايا أفضل، في حال تأييدهم للثورة ورفضهم لنظام الأسد، وهذا ما تم الاتفاق عليه مبدئيا وسيتم الإعلان عنه قريبا، والصين طلبت منها دول نافذة عدم الاعتراض على قرار أممي قريب يجري إطلاقه.

الخطة الأخيرة للنظام السوري هي محاولة أخيرة عاجزة لتجميل ما لا يمكن تجميله. حفرت الحفرة وأعد الكفن، وتم إعداد كل مراسم الدفن، والعالم يستعد لإعلان وفاة نظام الأسد قريبا.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ