ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 28/09/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

المسيحيون العرب, عرباً اولاً,عرباً دائماً

محمد أحمد البشير

العرب اليوم

2011-09-27

الرئيس الفرنسي, ليس أمياً حتى نعذره على الأقوال التي خرجت منه للبطريرك اللبناني, حول تهجير العرب المسيحيين من لبنان وسورية وباقي أقطار الشرق الأوسط, وأنا على يقين انه يعلم أن الجنرال الفرنسي (جورو) هو الذي سلخ لبنان اليوم عن سورية الكبرى تماماً كما فعل الانجليز بفلسطين عبر وعد بلفور وشرق الأردن عند تأسيس الإمارة لابن الشريف حسين الأمير عبد الله!?

هذه اللحظة التاريخية التي تعتبر حلقة من حلقات التآمر على امتنا, والتي شكلت وجهاً آخر من أوجه الصراع معها, ساهمت في التمزيق الذي يعيشه هذا الجزء المهم من المشرق العربي والذي جعل من مشروع الفتنة الطائفية أو الإقليمية قنبلة قابلة للانفجار في وقت ينجح أعداؤنا في انتزاع حلقة الأمان منها!? تأكيدا للرأي القائل أن المعركة ما بين الغرب والشرق ما زالت مستمرة لكن أشكالها وألوانها تغيرت وتعددت, وفق تغير القائد والأطماع والمعطيات الاقتصادية احياناً وقوى الصراع احياناً أخرى!?

إن العروبة التي ناضل الأوائل من اجل إعطاء الدور القيادي لها في تحرير الأمة من قوى الاستعمار الحديث بعد تفكك معاقل الدولة العثمانية في أكثر من قطر عربي, هي الحاضنة التي جمعت في جنباتها العربي المسلم, المسيحي واليهودي على حدٍ سواء فالدين الإسلامي الذي حمله العرب, لا يعني أن هؤلاء العرب دخلوه جميعاً وأصبحوا مسلمين. وعودة إلى التاريخ وبقراءة الكثير من البحوث وما عكسه الأثريون من معلومات فإن الديانات الأولى سواء كانت يهودية أو مسيحية أو الإسلامية, جميعها خرجت من الجزيرة العربية, وهذا يعني أن حملة هذه الديانات الثلاث كانوا عرباً وليسوا فرنسيين أو انجليزا وان هذه الديانات لاحقاً انتشرت في بلدان كثيرة كان من حملتها الأوروبيون باعتبارهم يمثلون الغرب في صراعه المستمر مع الشرق,هذا الشرق الذي كان العرب فيه قادة حضارة وأصحاب مشروع!?

إن الحروب التي خاضها العرب خاصة ما عرف بالحروب الصليبية, التي جمعتها شعارات الدين لم تكن في مضمونها وإفرازات معاركها إلا حرباً اقتصادية بحت, كان الهدف منها الثروة ثم الثروة واخيراً الثروة والتي لا يمكن امتلاكها إلا بالسلطة هذه السلطة التي أداتها سلاح القوة والتي زحفت على الشرق الكافر الظالم الذي اغضب وجه الله بتحكمه بسلطان الشرق, الذي لا بد من محاربته, تلبية لرغبة الرب !? هذا هو شعار الحملة الصليبية!? أما الغاية الحقيقية من هذه الحرب فكان واضحاً في نهب ثروات الشرق المختلفة من معادن أو مواش أو منتجات زراعية, لا كما ادعته هذه الحملات بأن هدفها كان اخلاقياً أو دينياً بحتاً!?

إن العرب في معركتهم نحو الاستقلال والوحدة, كانوا ينزعون دائماً إلى الحرية والعدل في كل شيء يتعلق بحياتهم سواء كان ذلك على صعيد الحرية أو التعليم أو القضاء, وأن نجاحهم في إعادة توزيع الثروة التي تزخر بها بلادهم سيحقق حياة حرة وكريمة في حاضرهم ومستقبل أبنائهم وهذا لم يحصل خلال السنوات الماضية لأن أنظمة القمع والاستبداد في الوطن العربي كانت تتلقى الدعم المادي والأمني المطلق لتقمع به هذه الشعوب وتمنع عليها حقها في الحرية والديمقراطية عبر بناء الأحزاب ومنظمات المجتمع التي من خلالها يمكن فرض انتخابات ديمقراطية تقود إلى مجالس بلدية ونيابية تمثل الشعب ليكون مصدراً للسلطات ووسيلة مناسبة لخلق الوطن الذي يحلم أبناؤه به, وطن قائم على الحرية في التنظيم والمعتقد والعمل, وطن يسود فيه القانون القائم على مبدأ فصل السلطات في الحكم, مناقض لسلطان الاستبداد والإقصاء, وجامع لكل أبنائه دون تمييز بالدين أو الجنس أو العرق, انه الوطن الذي سيستقطب كل الكفاءات العربية التي تملأ دول العالم المتقدم على صعيد الطب والهندسة والاتصالات والذَرة..... الخ من العلوم التي كان للعربي دور مهماً في صياغة عالم اليوم الذي لونه غربياً فحسب !?

هذا الصراع الذي عاشه العرب كان للمسيحي دورا فيه, وأثبت المسيحيون حضوراً مهماً على صعيد الكفاح المسلح في حرب استقلال الأمة في أكثر من قطر عربي ففي مصر كان للأقباط دورا مهم في مقاومة الانجليز وفي فلسطين كان لجورج حبش ونايف حواتمة ووديع حداد وآخرين دورا بارزا في ثورة الشعب الفلسطيني ضد الانجليز والصهاينة أما في سورية ولبنان والعراق فكان الحضور كبيراً ومميزاً, اضافة الى معركة الفكر والعلم والحرية والتقدم فكان للمفكرين والمثقفين والمهنيين المسيحيين بصمات مهمة في تاريخ امتنا الحديث!

=================

الطبقة الوسطى والانتفاضات

تاريخ النشر: الثلاثاء 27 سبتمبر 2011

الاتحاد

د.طيب تنزيني

انفجر الوضع في تونس، حين كان "بوعزيزي" الخريج الجامعي يسعى للحصول على ما قد يخفف من حطامه المأساوي. لقد أخفق في تحسين وضعه المادي المتردي أو المتصدع، بل هو في ذلك عاش لحظة الإخفاق المذكور، وعاش كذلك لحظة أخرى هي الشعور بالذل واستباحة الكرامة. فوصلت إليه رسالة النظام الاقتصادي والسياسي والقيمي واضحة هائلة في أصدائها ودلالاتها: أنت لست إلا صفراً! وإذا استعرنا عنوان رواية للروائي الروسي الكلاسيكي "دستويفيسكي وهي "مُذلون مُهانون"، اتضحت الصورة التي جسدها "بوعزيزي" وأمثاله. فهو وهؤلاء كانوا يتأرجحون باضطراب بين الوسط والقاع في مجتمعاتهم. ففي حضورهم الوسطي جسَّدوا أولئك الشباب الناحين نحو إعادة بناء أوضاعهم الاقتصادية والمادية والاجتماعية المتحركة.

وفي هذا وذاك، كانوا يقاربون الفئات الاجتماعية الوسطى، في توجهاتها الخفيّة والمُفصح عنها، وذات البعد الإنساني الوسطي المستنير والطامح إلى امتلاك ثقافة منفتحة، إضافة إلى ممارسة حد من النشاط السياسي الوطني الدنيوي (العلماني).

ولكن الأحداث التي تتالت بعد عقود من الاستقلال الوطني، راحت تُهشم أولئك "الوسطويين" تحت سطوة الخراب الاقتصادي، الذي أخذ يخترقهم، يداً بيد مع تعاظم "مرحلة النفط السياسي" في أوائل السبعينيات من القرن المنصرم، وكذلك بتعاظم وتائر الفقر والإفقار في أوساط القاع الاجتماعي العربي (ومن ضمنه السوري والتونسي وغيرهما). ها هنا، أخذت عملية استقطاب واسعة من الفقر والإفقار تفرض نفسها في معظم تجليات ذلك الواقع اقتصاداً وسياسة وثقافة وقيماً. وأخيراً، في سياق تبلور نمط من الاستبداد الرباعي (استئثار بالسلطة والثروة والمرجعية والإعلام)، راحت تُضبط احتمالات متسعة من تجفيف معظم المجتمعات العربية، وتُستكمل اتجاهات التقاطب الحاد بين ثمانين بالمائة من سكان غالبية تلك المجتمعات يعيشون في أحوال من الفقر والإفقار وكذلك من مظاهر الإذلال والاستباحة وبين عشرين بالمائة من السكان المعنيين يحوزون ويملكون ثمانين بالمائة من ثروة العالم العربي. كانت الفئات الوسطى تجد نفسها أمام تيار متصاعد من كل احتمالات التهميش وإعادة البناء الطاحنة، وهذا أنتج خطوات واسعة في عملية التطابق بين هذه الفئات الوسطى والقاع الاجتماعي.

ونلاحظ أن حالة تجفيف المجتمعات العربية، بقدر ليس ضئيلاً، لم تأخذ مظهراً واحداً تجلى في نشأة "الدولة الأمنية" الساعية إلى تحقيق حالة التجفيف تلك. بل أخذ الأمر مظهراً آخر (وربما مظاهر أخرى) تجلى في تغييب الفئات الوسطى عبر اختراقها وتناثرها في معظم القاع المذكور. وقد حمل هذا معه نتيجة خطيرة أفصحت عن نفسها في عقم هذه الفئات في إنتاجها السياسي والثقافي والقيمي المتوازن، كما في ممارستها ونشاطها في هذا الحقل. فالفئات الوسطى إياها، التي قامت - في مراحل سابقة بعد الاستقلالات العربية - على تحفيز الحركات السياسية والثقافية في المجتمعات العربية كما في غيرها، راحت تتراجع عن إنجاز ذلك، وتُفسح في المجال أمام نشوء فئات وجيوب بشرية فقيرة ومفقرة ومذلة ومعصية عن مصادر التنوير الثقافي والاعتدال السياسي الايديولوجي.

أمام ذلك كله، كانت أصوات تتصاعد لتعلن ضرورة التمسك بنمط من العُقد الاجتماعي المتوازن، وبأنماط من منظومات الفكر والثقافة والقيم في المجتمعات العربية، من دون الإنصات إليها. لكن ذلك لم يثمر لأسباب عديدة، قد يكون الإثنان التاليان منها مهمين جداً.

أما الأول فهو إن الفئات الوسطى غابت بنسبة كبرى من الفعل، باتجاه التغيير والإصلاح والممارسة السياسية المتوازنة، لكن السبب الثاني يتمثل في أن الأصولية الإسلامية خصوصاً، التي كانت احتمالاً لطرح قضية الاصلاح العربي والإسلامي، تحولت إلى موقع المنادي بتدمير المجتمعات العربية (المنحرفة والكافرة والخارجية)، مُعقدة بذلك تيار الإصلاح الوطني الديمقراطي، بيد أن الربيع الشبابي العربي لعله يعيد النظر في ذلك، من موقع التحولات العميقة المحتملة في الفئات الوسطى العربية أولاً، ومن موقع إعادة بنية عقلانية وديمقراطية للخطاب الأصولي على نحو مفتوح.

=================

المهمشون في عصر الثورات العربية..

يوسف الكويليت

الرياض السعودية

التاريخ: 27 سبتمبر 2011

  احتار المثقفون والسياسيون وراصدو الحركة الشعبية ومراقبو الهمسات والكلمات في دوائر المباحث والاستخبارات عربياً أو عالمياً، كيف فاجأتهم الثورات العربية بدون إنذار، وكيف أن البعض ادعى أنه كتب مقالا، أو أشار بقصة أو رواية عن التنبؤ بتلك الأحداث، ليضع نفسه في موقع الراصد الدقيق، أو المكتشف لما سيجري، وحتى البصارون وقارئات الكف والفنجان لم يصلا إلى استنتاج مماثل؟

القوى الخارجية تتعامل مع سفاراتها، أو عيونها التي تزرعها في المواقع الحساسة وعليها تبني الرؤى، والسياسات والاستراتيجيات، وقد تنجح مثلما حدث في تفكيك الاتحاد وتفاجأ بموقف لم تصل إليه تلك التقديرات في دولة أخرى..

في الداخل يتعامل المثقفون والسياسيون والصحفيون والطبقات الأورستقراطية، مع النخب الاجتماعية باعتبارها أدوات التأثير على الرأي العام، وهو قصور حاد أضعف قدرة هذه الفئات قياس التطور الاجتماعي للطبقات الدنيا التي حاصرها الفقر والأمية وعبء الأوضاع كلها، والتي تحولت إلى محرك الثورات بانفجارات لم يعهدها الشارع العربي في تاريخه القديم أو الحديث، وحتى وسائل السلطة اعتبرت رواد المقاهي والعمالة الدنيا سواء من يقومون بتنظيف الشارع أو المهمشين الذين لا يحصلون على قوتهم إلا بكفاح صعب، لن يكون لهم أي تأثير..

الكل أعلن جزماً تاماً عن مجتمع عربي ليس لديه الحافز أن يعيش حراً، أو يقبل حتمية التغيير، وهي قضية جدلية بسبب التباعد عن هموم المواطن الذي يعيش تحت سقف الفقر، والذي يستغله قطّاع الطرق والخارجون عن القانون بجعله أداة جريمة كتعبير عن سخطه على المجتمع بكل طبقاته، وحتى الماركسية عندما راهنت على «البروليتاريا» الرثة أن تكون طليعة الثورة، حكمت بطبقات برجوازية لا تنتمي لتلك الشرائح..

القهر الاجتماعي الذي سن قوانين الثورات في العالم لم ينعكس على حالات الإصلاح الاجتماعي بتحسين ظروف المهمشين في المدن والقرى، وإنما كما يقول المثل السائد «الأفكار تخترعها الأرانب وتستغلها الأسود» وأخشى أن تكون الحالة العربية بهذه الثورات تعيش انفصالاً تاماً مع من يعيشون تحت خط الفقر، والتجارب والوقائع كثيرة لا تنسب لمجتمع دون آخر والوضع العربي بتلك الدول مقلق إذا ما سارت الإضرابات والامتناع عن العمل في المؤسسات إلا برفع الأجور والتوظيف وإيجاد رعاية اجتماعية شاملة الفقراء، تعجز عن تحقيقها في الظروف الراهنة..

ما جرى مرافعة تاريخية لأزمنة طويلة من التجاوزات التي وضعت المواطن خارج مداره بأن يكون عضواً منتجاً، ولعل الاجتهاد بدون تحليل لمختلف الظروف التي قادت إلى الانفجار، وحاولت عناصر خارجية وداخلية، الزعم أن أموالاً هائلة صرفتها الدول الأوروبية وأمريكا من أجل توسيع الدائرة الديموقراطية في الوطن العربي، هي الأساس في تغيير مجرى الأحداث، ولو كان هذا صحيحاً فكل القارات فيها حكومات لا تلبي المطالب الوطنية، ولماذا مثلاً لم يحدث هذا التغيير على الصين كدولة ليست ديموقراطية، أو بلدان أخرى مثل كوريا الشمالية وكوبا وغيرها..

المصابيح لا تضاء من الغرب، والشمس تأتي من الشرق، والدروب طويلة لكنها بين العتمة والرؤية الواضحة، سيكون الامتحان العربي صراع التفاؤل والتشاؤم الطويلين..

=================

الأقلية حين تفقد دورها الوطني

سليمان تقي الدين

السفير

27-92-2011

المسيحيون قلقون على حرياتهم ووجودهم في المشرق. بعد فلسطين والعراق يسألون عن مستقبلهم في سوريا وعن موقعهم ودورهم في لبنان. هذه المسألة ليست خارج الموضوع ولا مفتعلة بل هي في صلب التفكير في حصيلة المتغيّرات العربية. المسيحيون كثقافة أو كهوية فرعية أو مكوّن اجتماعي يستشعرون صعود الهويات الفرعية الأخرى وتأثيرها على النظام السياسي. إذا لم يكونوا مستهدفين كجماعة بذاتها إلا أن البيئة تحاصرهم وتدفعهم إلى البحث عن خيارات.

لا تبرّد حرارة الموقف عظة تدعو الجمهور إلى ممارسة «شهادته» على هذه الأرض. يخسر الوجود المسيحي لأسباب كثيرة من بينها انخفاض منسوب الحرية في المجتمعات العربية وتوتر الجماعات الدينية وثقافة الأصوليات. الصهيونية في فلسطين كانت لها ولأسباب عقائدية خطة للقضاء على الوجود المسيحي. استخدمت إسرائيل في غزوها لبنان عام 1982 المسيحيين وقوداً لتعميق النزاعات الطائفية، وساهمت في كسر شوكتهم بعد أن حاولوا استدراك موقفهم ووقف تورّطهم في ما سُمّي «تحالف أهل العهدين»، الذي ما زال يرمز إليه شعار إحدى القوى الحزبية بالصليب المزدوج.

في العراق تشتت المسيحيون في لعبة الفرز الطائفي حيث لم يكونوا طرفاً سياسياً فاعلاً. وفي سوريا لا يملك المسيحيون جغرافيا يُحسب لها حساب في أي صراع يتجاوز السلطة إلى الدولة وهويتها.

أما في لبنان، حيث لهم «صخرتهم»، فقد تراجع دورهم القيادي وتأثيرهم على الحياة الوطنية وسط تجاذب قطبين طائفيين إسلاميين. فهم منذ نهاية الحرب الأهلية لم يعرفوا التكيّف مع نتائجها ولم ينتجوا، كما لم ينتج سواهم، مشروعاً وطنياً يجمع كل المكوّنات تحت مظلة دولة واحدة. قدّم لهم «السينودس» و«الإرشاد الرسولي» أفكاراً ومداخل للعبور من فكرة الهيمنة إلى فكرة الشراكة فاستهلكوها في لعبة المصالح السياسية الحزبية. يتنازع المسيحيين خياران: الأول هو خيار الانكفاء إلى حدود النواة الصلبة، أي إلى جبل لبنان جغرافياً، وإلى تأكيد هويتهم المستقلة في صيغ تحاكي أو تشبه الفدرالية، أما الخيار الثاني فهو الانخراط في لعبة التحالفات الطائفية بهدف إعادة إنتاج دور أكبر في الدولة المركزية. تأرجح الموقف المسيحي بين هذين الخيارين وانشق على صيغة التحالفات في ثنائية مارونية سنية أو مارونية شيعية.

في الحالين يتوجس المسيحيون من هيمنة هذا أو ذاك حيث البُعد الإقليمي. وإذا كانت النخب الطائفية الممسكة بالقرار قد سيطرت على المجال السياسي ولم يعد هناك حيّز مستقل خارجها، فلا يجد المسيحيون مرتكزاً مادياً تنهض عليه الآن فكرة الدولة المدنية، أو يتيح ممارسة السياسة في مشاريع عابرة للطوائف.

قاوم المسيحيون تطبيق دستور الطائف، كما سواهم، وفقدوا بذلك شرعية المطالبة بقانون انتخاب عادل. هم أعطوا تبريرات للآخرين كي يفصّلوا قوانين الانتخابات على قياس ما يدّعون من هواجس طائفية. في كل مرة يجري البحث في قانون الانتخاب تتصدر النخبة السياسية المسيحية الدفاع عنها وعن أقرانها لاستبعاد أي نظام يعيد فتح الحدود بين الجماعات ويؤدي إلى تعددية سياسية تكبح المصادرة الحالية.

فإذا كانت الكنيسة المارونية قد بادرت إلى فتح النقاش السياسي حول القضايا المهمة، ومنها قانون الانتخاب، فلن تخرج بأجوبة من تحت سلطة أصحاب المصالح الحزبية غير تلك التي تلائم نفوذهم. بل إن مثل هذه المبادرة قد تكون لها مضاعفات سلبية على باقي الجماعات الباحثة عن صيغة تلائمها. فمن العقم الحوار داخل الجماعة أو خارجها لتسويق خطط أو أفكار تقوم على امتياز لهذه الطائفة أو تلك.

التوازن في البحث عن الامتيازات قاد إلى تفكيك البلد وبرّر، ولا يزال يبرّر، امتيازات أخرى. لقد صارت خصوصيات الطوائف خلف كل المشكلات المطروحة على المستوى الوطني. العدالة الدولية لطائفة والسلاح لطائفة والأمن والاقتصاد وغيرها ملفات طائفية. هكذا أضاف اللبنانيون إلى مشكلاتهم مشكلات، وصار مفهوماً موقف البطرك الماروني الذي عبّر عن قاعدة في تفكير الجميع بأن ما يحدث في سوريا ستكون له نتائج طائفية لبنانية. كل مَن انتقد البطرك أو أيّده يعرف هذه النتيجة ويريدها على طريقته ووفق مصلحته.

ليس لنا أن ندخل المدخل الثقافوي الذي أشاعته تصريحات رؤساء دول ومرجعيات كبرى حول الهيمنة الدينية أو حول الديموقراطية العددية. الديموقراطية هي عددية وليست أي شيء آخر. وليس من فضائلها أن تنتج حكم النوعية أو أن تحمي الأقلية ما لم ترتكز إلى قاعدتي الحرية والمساواة. فلا زالت معادلة الثورة الفرنسية صالحة لزماننا وهي: الأخوة والحرية والمساواة. تلك الثورة أنتجت مجتمعاً مدنياً ديموقراطياً لأنها ألغت جميع الامتيازات المرتبطة بثقافة القرون الوسطى. فلا يمكن أن تعيش الجماعات بأمن واستقرار لتحقق وجودها الإنساني طالما هناك امتيازات سلطوية لحماية الجماعة وهويتها وثقافتها. هناك ضمانة تقدمها الدولة للمجتمع حين تحتكر القوة لتطبّق قانوناً يُعرف بالعمومية والمساواة.

البحث عن صيغة كهذه هو ما ينقذنا من دكتاتورية الأقلية أو الأكثرية. فما لا تريده الأقلية لنفسها يجب أن لا تقبله لسواها. فلا يعقل أن نخاف استبداد الأكثرية فندافع عن استبداد الأقلية. ولا ننتج مجتمعاً سلمياً باختراع فكرة تحالف الأقليات، ولا بصيغة التوافقية الديموقراطية التي لا تعني إلا شكلاً من أشكال الامتياز للأقلية ما لم يكن ذلك محصوراً في ضمان المشاركة السياسية وضوابطها، لا أن يتحوّل إلى صيغة تقسيمية للدول والمجتمع كما تجري ممارستها عندنا.

ما يمنع الأكثرية في الممارسة الديموقراطية من أن تكون تسلطاً لثقافة دينية هو إخراجها من عقدة التسلّط عليها وتهميشها وإقصائها.

هذه ولا شك عملية تاريخية توازي العملية التاريخية بخط معاكس لصعود الإسلام السياسي من رحم أزمة الدولة العربية. حين يأتي الإسلام السياسي ليملأ فراغاً لا يقاوم إلا بقوى تملأ هذا الفراغ.

فإذا كان ما نعتبره «ظلامية» أو تطرفاً أو تزمتاً هو مصدر القلق فيكاد يكون ظاهرة شاملة كل الجماعات المأزومة بهذا الحصاد التاريخي لأنظمة لم تفعل إلا أن تحجزنا عن العصر. هذا النظام الإقليمي ساهم في إنتاج دكتاتوريات لبنانية طائفية. فهل ندافع عن هذه «الطائفيات» زمن انهيار النظام الإقليمي؟!

=================

زينب والبطريرك

علي حماده

النهار

27-9-2011

مرّة جديدة يثبت النظام في سوريا انه كسر كل المحظورات في التعامل مع الثورة ضده. فسلوكه لا يعكس اقتناعاً بأنه قادر على النجاة بل انه سلوك انتحاري لكونه خلق استحالة حاسمة لأي تأهيل ممكن له، كما انه أرسى اقتناعاً، عربياً ودولياً، مفاده ان حكم آل الاسد في سوريا انتهى ويجب العمل على انهائه بدعم الداخل الثائر. فلا مكان لبشار الاسد في سوريا الغد، ولا مكان للحزب الحاكم ولاركان النظام الامنيين في الصيغة التي سترسو عليها سوريا. نقول هذا وقضية الفتاة بنت الثامنة عشرة زينب الحصني ماثلة في الأذهان، وقد وجدتها أمها مقطوعة الرأس والاطراف في براد مستشفى في حمص، وقيل إنها تعرضت لابشع انواع التعذيب والتنكيل والاعتداء اثر خطفها للضغط على أخيها ليسلم نفسه.

قصة زينب ليست الاولى ولن تكون الاخيرة، في وقت يكتشف العالم كيف يقتل الاطفال والنساء والعجز في سوريا. وفي غمرة أعمال القتل والاجتياحات نرى مراجع دينية في لبنان كالبطريرك مار بشارة بطرس الراعي وآخرين يطالبون بمنح بشار الاسد مزيداً من الوقت ليكمل اصلاحاته! ليت البطريرك المكثر من الحديث عن "الشركة والمحبة" في بعلبك والجنوب على موائد مشايخ "حزب الله" ووكلاء الولي الفقيه، والمتجه بخطى حثيثة صوب تحالف مع "حزب الله" والنظام في سوريا بحجة "حماية الاقليات المسيحية"، ليته ينظر قليلاً الى المجزرة المروعة الحاصلة راهناً في انحاء سوريا من أقصاها الى أقصاها. ليته يلقي نظرة الى صورة الطفل حمزة الخطيب، او الى صورة زينب بنت الثمانية عشرة ربيعا قبل ان يُقتلع رأسها وذراعاها عن جسدها. ليته يلتفت قليلاً الى اطفال درعا الذين اقتلعت اظفارهم فقط لأنهم بعمر البراءة كتبوا شعارات على جدار مدرسة. هذا في سوريا، اما في لبنان، فليته يتذكر معنا مسلسل النظام السوري في لبنان، ونكتفي فقط بالتذكير ببضع مئات من اللبنانيين المعتقلين في غياهب السجون السورية، وما سمعناه يذكرهم في جولاته في رحاب دويلة "حزب الله"!

لقد أثار البطريرك الراعي العراق ومصر مثالاً ليبرر دفاعه عن النظام في سوريا، وقد غاب عنه ان العنف في العراق ما كان سنياً، بل كان سنياً وشيعياً على حد سواء، وان التطرف السني ما كان عراقياً، بل كان اجنبياً دخل العراق من سوريا التي عمل نظامها على جعل البلاد محطة مركزية للقاعدة وانصارها للعبور الى العراق. وابو مصعب الزرقاوي نفسه دخل العراق من الاراضي السورية بحماية مخابراتية. اما في مصر، فالتوتر الطائفي كان سمة عهد الرئيس حسني مبارك، وجرى تفجير كنيسة القديسين في الاسكندرية برعاية وزير داخليته حبيب العادلي! اما الثورة المصرية فلم تشهد تفاقما للتوتر الطائفي الاسلامي – القبطي، بل تراجعاً ملموساً له.

وبالعودة الى سوريا، فإن قارئ التاريخ الجيد يعرف انها قبل قيام "جمهورية حافظ الاسد" لم تشهد اي توتر طائفي يبرر مخاوف مزعومة على سلامة المسيحيين، او يدفعهم الى تحالف اقليات مناقض لمعنى وجودهم في هذا الشرق العربي.

=================

طموح تركيا لا يزال أكبر من إمكاناتها؟

سركيس نعوم 

النهار

27-9-2011

لا تزال تركيا، وإن تحت حكم "حزب العدالة والتنمية" الاسلامي، تسعى الى عضوية الاتحاد الاوروبي رغم معرفتها بشبه استحالة الحصول عليها جراء رفض دولتين اساسيتين فيه هما فرنسا ساركوزي والمانيا ميركل. لكن ذلك لا يعني انها حصرت نفسها في الخيار الاوروبي. فهي انفتحت على العالمين العربي والاسلامي، واظهرت ان مصالحها الحيوية والاستراتيجية تؤمنها فقط العودة الى هذا العالم الذي كانت جزءاً منه بل زعيمة له قروناً عدة، قبل ان "يغرِّبها" مصطفى كمال اتاتورك في اعقاب انهيار السلطة العثمانية بعد الحرب العالمية الاولى ونتائجها المعروفة. وما شجعها على ذلك كان الهزال والضعف اللذان سيطرا على العالم المذكور نتيجة اخفاقه المتكرر في مواجهة نشوء اسرائيل عام 1948، وتشريدها مئات آلاف الفلسطينيين العرب، ولاحقاً في مواجهة رفضها اعادة الحد الادنى من حقوق شعب فلسطين وفي مقدمها اقامة دولة فلسطينية على ما احتلته عام 1967، وهو الباقي من ارض فلسطين التاريخية الذي لا تزيد مساحته عن 22 في المئة من مساحتها. وما شجعها على ذلك أيضاً كان التحدي الذي واجهه العالم العربي والاسلامي نفسه من الجمهورية الاسلامية الايرانية ومن طموحاتها الواسعة جداً، وكان ايضاً الخوف من العجز عن مواجهة كل ذلك بنجاح بسبب الهزال والضعف المشار اليهما اعلاه. طبعاً لم تُفكِّر تركيا "الاسلامية" في التخلي عن طلب العضوية الاوروبية أو في الاختلاف نهائياً مع الولايات المتحدة. أولاً، لأن عضويتها في حلف شمال الاطلسي الاوروبي - الأميركي تؤمن لها حماية "اوتوماتيكية" وتسهل قيامها بادوار اقليمية عدة. وثانياً، لأن علاقتها الجيدة مع اميركا مفيدة لكليهما وعلى أكثر من صعيد.

انطلاقاً من ذلك كله يرى خبراء في الاوضاع التركية الراهنة، بعضهم اميركي، ان ما تحاول تركيا "حزب العدالة والتنمية" ان تفعله ومنذ مدة هو عودتها الى شرقي المتوسط بكل مشكلاته المعروفة المزمنة وغير المزمنة. وما يثير شهيتها الى ذلك هو انها تجد نفسها ومنذ مدة في وضع مثير، وفي موقع يمكن ان تهزه في شكل او في آخر التطورات الحالية في المنطقة أو الاخرى التي قد تحصل في أوقات غير بعيدة. فعلى الصعيد الاقليمي هناك فراغ حقيقي في العراق رغم الوجود العسكري الاميركي فيه ورغم وجود دولة ومؤسسات في الشكل طبعاً. وهناك محاولة جادة من ايران الاسلامية لملئه. وهي تستعمل كل الوسائل للنجاح في ذلك وكل "الادوات". وعلى الصعيد نفسه هناك اضطرابات في سوريا تحولت الآن انتفاضة شعبية، وقد تتحول ثورة سلمية ثم مسلحة في وقت غير بعيد. وسوريا هدوؤها والاستقرار فيها كما انعدامهما ينعكسان عليها وبعمق. وعلى الصعيد اياه هناك الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي، وأزمة الشرق الأوسط في صورة عامة. وهي "تتخمّر" منذ 63 سنة ولم تجد حلاً لها حتى الآن. وتركيا الجديدة أي الاسلامية القابلة بالعلمانية والديموقراطية لا تستطيع البقاء بمنأى عنها. وقد ظهر ذلك اكثر من مرة، كانت اوضحها معاودة محاولة فك الحصار عن قطاع غزة التي ادت مع الوقت الى مضاعفات سياسية وديبلوماسية فقط على الاقل حتى الآن.

الا ان تركيا هذه تعرف ان اميركا المدركة الواقع المشروح اعلاه في المنطقة تسعى الى استعادة موطئ قدم لها فيها بعد عقود من المواجهات والحروب التي خاضتها في العالمين العربي والاسلامي. وتعرف تركيا ايضاً ان اميركا تدرك ايضاً انها (اي تركيا) تستطيع ان تخفف الاعباء عنها في هذا العالم. ولذلك فإن احتمالات تفاهمهما الآن ومستقبلاً كبيرة على قضايا عدة رغم ان ذلك لن يحول دون اختلافهما حول قضايا اخرى. والعامل الكامن وراء التفاهم هو القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية التي تتمتع بها تركيا، والتي يمكن ان تساعد اميركا في ادارة المنطقة، وفي متابعة مصالحهما الاستراتيجية المشتركة وفي مقدمها احتواء روسيا الاتحادية التي يسعى البعض من اللاعبين الاقليميين الى اغرائها للعودة دولة عظمى من خلال خوض "حرب باردة" مع اميركا.

هل تركيا قادرة على القيام بالدور الذي تطمح اليه وبالدور الذي قد تشجعها اميركا عليه في المنطقة؟

يجيب الخبراء بأنها غير قادرة على التعامل مع القضايا الصعبة المذكورة اعلاه. ولذلك فانها تحاول تعزيز نفوذها الاقليمي بتحركات "اعلامية وكلامية" قليلة الكلفة وذلك ريثما تصبح قادرة على التحرك الفعلي.

=================

خيار التعايش في مواجهة الفتنة الطائفية

الثلاثاء، 27 أيلول 2011 02:22 

السبيل

بسام ناصر

تحت عنوان "كيف ترى مخاوف مسيحيين عرب من وصول الإسلاميين للحكم؟" المنشور على موقع البي بي سي العربي، وردت الإشارة فيه إلى تصريحات البطريرك الماروني (اللبناني) بشارة الراعي التي أثارت الكثير من الجدل حول موقفه من الاحتجاجات في سورية التي تطالب بإسقاط نظام بشار الأسد.

فقد قال الراعي خلال مؤتمر أساقفة فرنسا انه "يأمل لو يعطى الأسد المزيد من الفرص لتنفيذ الإصلاحات السياسية التي بدأها"، وأوضح أن الأسوأ من وجهة نظره يتمثل في "أن تأزم الوضع في سوريا أكثر مما هو عليه سيوصل إلى حكم أشد من الحكم الحالي كحكم الإخوان المسلمين". كما أوضح انه ليس مع النظام، ولكن يخشى المرحلة الانتقالية. وكان العماد ميشيل عون زعيم التيار الوطني الحر قد عبر عن رأي مقارب، إذ قال إن "بديل النظام الحالي في سوريا سيكون الإخوان المسلمين".

المخاوف التي عبر عنها كل من البطريرك بشارة الراعي والجنرال ميشيل عون عبر عنها أيضا الكثير من المسيحيين في مصر، إذ يخشون من أن يؤدي وصول الإخوان المسلمين للحكم إلى التضييق على المسيحيين.

بعد نجاح الثورة في مصر، ثمة تخوفات وهواجس من المستقبل، فالمواطنون المسيحيون يتخوفون من وصول الإسلاميين إلى السلطة، الأمر الذي يعني التضييق عليهم، وإلزامهم كأقليات بقوانين تحد من حريتهم، ومع أن حركة الإخوان المسلمين في مصر أعلنت عن قبولها بدولة مدنية تقوم على أساس المواطنة، إلا أنها لم تقنع الكثير من المسيحيين، إذ يرون فيها تصريحات لا تعبر عن حقيقة الأفكار والمواقف تجاههم، وهم يطالبون الإسلاميين بضمانات وتعهدات جدية، من التزامهم بقواعد اللعبة الديمقراطية، والالتزام الجدي بحقوق المواطنة لكل المواطنين بصرف النظر عن أديانهم ومذاهبهم الفكرية.

ليس أمام الجميع (بما فيهم الأقليات) إلا القبول بمخرجات العملية الديمقراطية، فما دام أن الجميع ارتضى بصناديق الاقتراع معيارا وحكما، فينبغي القبول بنتائج الانتخابات أيا كانت، مع احترام قواعد العملية الديمقراطية بكل شروطها ونتائجها ومخرجاتها، وليس من حق الأقليات مصادرة حق الإسلاميين في الوصول إلى السلطة، إذا ما كان هذا خيار الشعب، وجاءت نتائج الانتخابات لتضع الإسلاميين في صدارة المشهد السياسي، وإلا فإن ما يخشونه ويتخوفون منه، سيقعون فيه لا محالة، فليس من الديمقراطية في شيء تفصيلها وفق مقاييس خاصة، وشروط محددة لكل طائفة، فما يقبله الإسلاميون يجب أن يقبل به الآخرون، فجميع المواطنين سواسية أمام القانون، بلا أدنى تفريق ولا تمييز.

تصريحات البطريرك الماروني، من تخوفه بأن يكون البديل للنظام السوري، هو وصول حركة الإخوان المسلمين إلى السلطة في سورية، بما يكون له من تداعيات وتخوفات على الطائفة المسيحية، تولى تفنيدها والرد عليها المفكر اللبناني رضوان السيد عبر مداخلته في برنامج "الشريعة والحياة" (حلقة 11 /9)، حيث أشار إلى أن البطريرك الراعي لديه مشكلة بخصوص رؤيته للإسلام، وبالتحديد الإسلام السني، إسلام كثرة الأمة وسوادها الأعظم، بما فيه من أصوليات، يمكن أن تشكل خطرا في حالة وصولها إلى السلطة على الأقليات، وهو ما تستبعد وقوعه شواهد التجربة التاريخية سواء القديمة منها أو الحديثة، حيث وقعت الفتن بين الطوائف الأخرى، النصارى والدروز، والعلويين والإسماعيليين، وكان أهل السنة يقفون بينهم لمصالحتهم، وصون دمائهم.

ثمة مشكلة أخرى في تصريحات البطريرك الماروني -كما أشار إليها الدكتور السيد- تتمثل في تدخله السافر في الشأن السوري، فالشعب السوري قام على نظامه السياسي المستبد الظالم، وأراد تغييره لما أذاقه من العذاب والذل والهوان، ولما مارسه في حقه من قمع دموي، وتنكيل وقتل وتعذيب، فما دخل البطريرك ليتدخل في الشأن السوري بهذه الطريقة السافرة، وتحت عنوان ملتبس ألا وهو التخوف على مستقبل سورية، بأن يكون البديل لنظام بشار الأسد، الحركات الإسلامية.

تلك التخوفات والهواجس التي تقوم على تأجيجها وإثارتها في أوساط الأقليات المتعددة، هي من إنتاج الأنظمة المستبدة، وبقاياها وفلولها التي تريد أن تستثمر الفتن الطائفية بأوسع صورها، وأبشع تجلياتها، حتى تثير القلاقل في المجتمع، وتجعل من الأقليات وحقوقها، أداة للضغط على الإسلاميين، وذريعة لإحباط مشاريعهم ومحاصرتها، إلا أن معطيات التاريخ وشواهده، تقول إن الأقليات المختلفة في عالمنا العربي، لم تجد مكانا تؤوي إليه، وتعيش في كنفه، باطمئنان وأمان، كما عاشت في ظل الدولة الإسلامية.

خيار التعايش هو الخيار الأمثل لمعالجة ومواجهة الفتن الطائفية، في عالمينا العربي والإسلامي، فليس ثمة خيار آخر، فإذا لم تسد ثقافة التعايش بين سائر الطوائف، وترتقِ إلى مستوى المسلمات المجتمعية، فإن البديل هو الفتن والقتل وسفك الدماء، وفتح الباب لصراع يبدأ ولا ينتهي

=================

التباس الدور الكردي في الحدث السوري

الثلاثاء, 27 سبتمبر 2011

علي جازو *

الحياة

الوضع السوري المعقد راهناً، يدفع الساسة الأكراد إلى التردد والتحفظ، مما يؤجل انخراطهم الكامل في تغيير الأوضاع في سورية لمصلحة المعارضة، المنقسمة والمتباينة مواقفها إزاء المطالب الكردية، والتي ترى في إسقاط النظام هدفاً أولياً مشتركاً، يليه ما قد يليه...! هذا خطاب يردده سوريون غير قليلين حين تقويمهم لتموضع الكرد ودورهم في الحدث السوري الحالي.

تعود خبرة الأكراد السياسية في سورية إلى ذاكرة مأسوية أكثر من عودتها إلى مناخ ثقة أهلية. فقدان الثقة إرثٌ مؤسف، فحريٌ بهم النظر في مستقبلٍ يتشاركون في صنعه، لا في ماضٍ أُهينوا خلاله. عانى الأكراد الإقصاء والتهميش، وغالى حكام سورية الفعليون في اضطهادهم. فمجزرة 12 آذار (مارس) 2004 القريبة العهد خلّفت ذاكرة مؤلمة، وتُرك الأكراد وحيدين حينها في وجه شراسة القمع الأمني. ثم أعقبتها جرائم قتل واغتيال على يد استخبارات النظام غداة الاحتفال بأعياد النوروز، عدا مقتل مجندين من الكرد في حوادث غامضة.

تلك أفعال حديثة العهد، لماض غير سوي عومل به أكراد سورية باضطهاد بشع منذ عهد الوحدة السورية - المصرية وما تلاها من شوفينية الحكم البعثي. الكثير من الأكراد سُجن وعُذّب، أكثرهم حرم من الوظيفة وحق التملك، ولا تزال مناطقهم هي الأسوأ لجهة البطالة وتراجع التعليم واهتراء البنية التحتية وحدّة الفقر وقسوة التعامل الأمني، ناهيك عن حرمانهم التعليم بلغتهم الأم.

من رأى الاعتراض الكردي على مُسمّى الجمهورية العربية السورية بدل الجمهورية السورية، في غير أوانه، يغبن الأكراد ويستكثر طموحَهم في وطن يعكس حقيقة تعدّد السوريين. وينبغي ألا يفهم من اعتراضهم هذا تثبيت التميز القومي وحسب، فهم لم يكونوا يوماً ضد أحد في سورية. وإذا ما قارنّا حالهم بحال مناطق سورية أخرى هالنا الفارق الكبير في مستوى المعيشة والخدمات العامة، على رغم أن المناطق الكردية تشكل الخزان الاقتصادي الأكثر ثباتاً وسخاء لدعم الاقتصاد السوري، إن من جهة النفط والغاز أو زراعة الحبوب الأساسية إضافة إلى القطن. ويرى الأكراد أن الشعب العربي في سورية جزء من الأمة العربية، عوض اعتبار سورية جزءاً من الوطن العربي، وينسحب هذا على انتماء مضمر مفاده أن الاكراد السوريين جزء من الأمة الكردية، وأن مكمن الفارق له علاقة بالأرض والتاريخ المقموع، ويمكن تلمس الفروق السياسية الثقافية من خلال اعتماد اللغة. فاسم مدينة أساسية كالقامشلي يبدأ بأل التعريف العربية، في حين أن الأكراد يلفظونها «قامشلو»، ومدار هذا الفارق اللغوي الثقافي يختزل الكثير من أوجه الصراع. فالحكم البعثي كتم الوجود الكردي بشراً ولغة وثقافة، وأبدل أسماء القرى الكردية وأحلّ العربية محلها، عدا جريمة التغيير الديموغرافي القسرية المستمرة، حيث أنشئ أكثر من 45 قرية على مقربة من الحدود السورية - التركية، في المناطق الخصبة، ثم تم تحويلها إلى بلديات بمراسيم رئاسية. وتعرف هذه القرى ب «الحزام العربي»، والهدف منه إقامة حاجز عرقي عنصري يفصل المدن الكردية - السورية عن بعضها بعضاً، وتفريغ المنطقة من سكانها الأصليين، واستقدمت عوائل عربية من حوض الفرات بداعي غمرها بمياه السد «العظيم»، وأراضي هذه القرى تعود الى مالكين أكراد. وكما تم تجريد عشرات الألوف من الجنسية السورية، جرى تجريدهم من حق الملكية أيضاً، وفي الآن نفسه حرموا من عائدات النفط الذي يستخرج منذ عقود من مناطقهم.

وعليه، فالصراع السوري - الكردي تتجاذبه أبعاد قومية واقتصادية وثقافية، وإذا ما كانت «الجمهورية السورية» المستقبلية حاضنة مدنية تعددية، تترسخ فيها قيم التداول السلمي للسلطة، وتستوعب الكردي وغير الكردي على قدم المساواة، فإن الغلوّ في «عروبة» سورية يفضي إلى غلوّ مقابل في الحساسية القومية الكردية.

ويحسن بالأكراد السوريين و «إخوتهم» العرب تجاوز خلافاتهم المضمرة لمصلحة وطنية سورية جامعة، وألا ينسوا كون الخلافات المتراكمة جزءاً ثقيلاً من صناعة نظام قاسوا جميعاً ويلاته.

ويطاول الشك مفاعيل تطبيق القوانين في بيئة يتناهبها القلق السياسي والعنف وفقدان الثقة وشحّ الحكمة في التعامل المرن مع الأقليات. وحال الجار العراقي الفيدرالي، سليل البعث الصدامي، إزاء أزمة كركوك واضحة للعيان، فالمادة 140 من الدستور العراقي لم تطبّق، والمالكي حليف الأمس، عدو اليوم، يريد إعادة العراق إلى بطش دولة المركز العسكرية. والإيرانيون والأتراك المتنافسون على نهب التركة السورية، يتماثلون في سياساتهم تجاه الكرد، فهم يقصفون القرى الكردية في إقليم كردستان، ويتسبب ذلك في قتل مدنيين وتشريد الأهالي.

وهذه عوامل تدفع أكراد سورية إلى الشك في قدرة الحكم في سورية على سلوك طريق مختلفة. وتتداول أحزاب الحركة الوطنية الكردية شكل الدولة المقبل ومضمون الدستور الجديد، وما إذا كانت المعارضة جادة في حل عادل للقضية الكردية - السورية. ويرى كثير من الأكراد أن غالبية المعارضين السوريين يحرضونهم على ضرورة إسقاط النظام عندما يكون دافع التحريض مصلحة المعارضة ما عدا الأكراد، وهذه المصلحة التحريضية موقتة، إذ إن الأكراد السوريين شركاء في أكلاف الضرر وتحمل المعاناة، لكنهم يُقصون عن المكاسب السياسية، ويعاملون كغرباء في بلدهم.

وغالبية الجيل الشاب في الوسط الكردي تجاوزت آلام الماضي، وتبدي حماسة وطنية فريدة تتخطى بكثير خصوصية الشأن الكردي. وينتاب الجيلَ الكردي القديم الشكُ في مصير الحركة الاحتجاجية وفي نيات المعارضة: فالذين اعتادوا الخوفَ فقدوا الجرأة.

=================

حقوق البطريرك

الثلاثاء, 27 سبتمبر 2011

حسام عيتاني

الحياة

يمارس البطريرك بشارة الراعي بحرية كاملة ذلك التقليد اللبناني الذي يتيح ممارسة رجل الدين للسياسة كأي محترف. يتحصن الراعي وراء تاريخ طويل من التداخل بين الشأنين، الطائفي والسياسي في لبنان.

ومنذ التأسيس الثاني (إذا جاز القول) للبطريركية المارونية، بعد المجمع اللبناني، عام 1736، أصبح رأس الكنيسة المارونية شخصية شديدة الحضور في المشهد السياسي والاجتماعي في جبل لبنان، ثم كل الكيانات السياسية التي نشأت على هذه الرقعة من الأرض.

وعلى خطاه سارت الطوائف الأخرى مقتدية بما أرساه البطريرك من تقاليد في إدارة الخلافات داخل الطائفة المعنية أو في تنظيم العلاقات مع السلطات الدنيوية والطوائف الأخرى. أهمية المجمع المذكور تنبع من وضعه أسس العمل الداخلي في المؤسسة الكنسية المارونية لجعلها أكثر مواءمة مع تعاليم وطقوس الكنيسة الكاثوليكية في روما، من جهة، ولرسم الحدود التي يمكن للأعيان الموارنة المحليين فرض نفوذهم داخل الكنيسة من ناحية ثانية. لم تكن السلطات التركية حاضرة في فضاء الاهتمامات هذا. بل أن الآخر كان يمثله «أمراء الجبل» الدروز.

على هذه الخلفية أقيمت الكنيسة المارونية في نشأتها الثانية التي مهد لها البطريرك اسطفان الدويهي قبل نصف قرن تقريباً من «المجمع اللبناني». ومنذ ذلك الحين جرت مياه كثيرة تحت الجسور وظهرت طوائف أخرى تطالب بالاعتراف بها كهويات وقوميات وكيانات سياسية وثقافية بل «حضارية»، متباينة مستويات الاستقلال.

يأتي البطريرك الراعي اليوم من هذه الخلفية. فهو لا يخترع شيئاً ولا يأتي ببدعة عندما ينحاز إلى جانب سياسي معين. ويمكن النظر إلى تاريخ الكنيسة المارونية في الأعوام الأربعين الماضية (على الأقل) على انه تاريخ تبدل الانحيازات، وفق تبدل موازين القوى داخل الطائفة، أولاً، وفي لبنان والمنطقة ثانياً.

لكن ما يقوم به البطريرك في هذه المرحلة، يتسم بحساسية مضاعفة. فإلى جانب حقه البديهي (وفق منظومة البداهات اللبنانية وهي غير بديهية في باقي العالم)، في الإدلاء بآرائه السياسية وتعزيز موقف الحلفاء الذين اختار الوقوف في صفهم، يجيء كلامه في وقت يعاد فيه النظر في علاقات الجماعات الطائفية في المنطقة، سواء ضمن فكرة «خوف الأقليات» أو «تحالفها».

أقل ما يقال في مجمل ما قاله وفعله الراعي منذ رحلته الباريسية في وقت سابق من أيلول (سبتمبر) الحالي أنه غير حصيف. ليس لصبه الماء في طاحونة نظام يعتمد العنف الطائفي لاستدراج عنف مقابل، وحسب، بل لأنه يوحي أن الموارنة في لبنان، قد حسموا أمرهم واختاروا التحالف مع الشيعة في وجه السنّة.

حاصل جمع الاستنتاجين، وسيان هنا أكانا مصيبين أم خاطئين، سيسفران عن كارثة تحيق بالموارنة والمسيحيين عموماً، قبل غيرهم. فالوقوف في وجه الثورات العربية في مدها الذي لن يتراجع أمام مخاوف طائفة صغيرة في بلد صغير مثل لبنان، وتوفير مساندة معنوية وسياسية لحكم لا يكشف تصاعد دمويته وشراسته سوى عن تعمق أزمته، وصفة أكيدة لجلب غضب قد لا يمكن ضبطه بعد حصول التغيير.

والحكمة، وإن كانت مما تتغنى به كل القيادات الطائفية - الدينية، ليست عملة رائجة هذه الأيام. واختيار الجهة التي يقف المرء فيها من الخندق تعنيه هو أولاً. لكن يمكن الزعم أن تاريخ شعوب المشرق العربي، يُرسم في هذه اللحظات والأيام وأن من يعاند التاريخ سيزاح جانباً. بهذه البساطة.

=================

الظاهر الملتبس في الهتاف الثوري

الثلاثاء, 27 سبتمبر 2011

سمر يزبك *

الحياة

في ما يبدو أنه استكانة للقدر وتجلياته، تنحو الانتفاضة السورية إلى ابتداع قاموسها الخاص المستمد من مورث شعبي، تعيد إنتاجه بفرادة قلّ نظيرها. وما يمكن الحديث عنه كثير في هذا المجال الذي قد يخيل لكثيرين أنه ارتداد ديني للشعب المتروك وحده لموت يحصده منذ ستة أشهر ونيف.

والاستكانة القدرية التي تتجلى يوماً بعد يوم في حركة الاحتجاجات، لا تسعى إلى تطرف ديني بالمعنى المتعارف عليه، بقدر ما تبدو، في عمق ارتباطها بالذاكرة الجمعية والموروث الديني، كردة نحو بدائية مفرطة القوة، في الذهاب إلى أقصى درجات التحدي، بعيداً من منطق الفعل ورد الفعل، وإلى نزوع جماعي نحو الحرية، هو نزوع يائس من الحياة الواقعية، وحالم بحياة أفضل. وهذا نزوع مرتبط حكماً بالتربية الدينية وثقافة الاستعانة بالقوي الجبار الذي لا معين سواه.

«يا الله ما إلنا غيرك يا الله»، وهتاف آخر «وهيه ويا الله وما منركع ل الله»، وغيرها من الشعارات الدينية التي تطفو على الساحة في التظاهرات، وقد بدأت حركتها البيانية في التصاعد والتعاظم. هذه الصيحات المغنّاة وسط تشابك الخصور وتلويح الأيدي المشترك، في حركات جماعية منتظمة لا تخلو من طقس احتفالي مهيب، تحيل إلى الرقصات الجماعية التي كانت تقيمها التجمعات البشرية البدائية في رد لمواجهة أخطار الطبيعة والموت. كما تحيل تحديداً الى ما وصفه كلود ليفي شتراوس بالذاكرة الجمعية المتصورة لغريزة البقاء، عبر طقوس كرنفالية تختلف من عصر إلى عصر، ومن حضارة إلى أخرى، حيث نشأت من خلال طقوس محاربة الموت الجدات الكبرى لكل الاحتفالات والأهازيج الدينية والشعبية، والتي تحولت في التاريخ البشري إلى طقوس عبادة.

وفي الاعتماد على الله، الذي بات السوريون لا يرون أملاً سواه في الهروب من الظلم، وفي قولهم «الله أكبر»، استعانة بالجبار المحاسب، وهو الله، على الظالم والقاتل، وهو النظام، حيث لا يملكون أمامه سوى تقديم صدورهم العزلاء وحياتهم طلباً لحريتهم. وإن أنكر البعض من مؤيدي الانتفاضة صرخات الاستغاثة الاحتفاليه تلك، وأحالوها الى رمز ديني محض يعاظم مخاوفهم، وبالتالي قد يؤدي بالانتفاضة إلى فخ السلفية الإسلامية، فهذه حالة أقل ما يقال فيها إنها قسوة بشرية، وضيق معرفة بالمجتمع السوري. وحالة الهتاف هذه تتقاطع إلى حد كبير مع الصورة التي بدت عليها حركة الاحتجاجات عندما خرجت من الجوامع، فظهرت وكأن التظاهرات إسلامية، في حين أن الواقع الفعلي لا يعكس ذلك. فالجامع هو المكان الوحيد المسموح به للناس بالتجمع من دون رقابة أجهزة الأمن (لاحقاً سيمنع الأمن المصلّين من الدخول اليه).

لا يمكننا مطالبة اليائس من الحياة بألا يتجه إلى سند له، وضمن مرجعية الثقافة الحياتية. فالسند الواحد الأحد هنا هو الله، وأصواتهم وحناجرهم التي يقتلعها رجال الأمن وشبّيحته بين وقت وآخر في دلالة رمزية لخنق أصواتهم، هي خير دليل.

والصورة الأمثل لما يمكن الحديث عنه وسط التخوف المتعاظم مما قد تؤول إليه حركة الانتفاضة في حال استمر الوضع على ما هو عليه، تبدو مشروعة: فإصرار النظام على القتل اليومي، وعدم توحيد جبهة معارضة واحدة لملء الفراغ السياسي، هما الصورة التي سينتجها الشعب السوري بطريقته، وهي مفتوحة على احتمالات عدة. لكن، في هذا السياق تحديداً، أي مرجعية الهتافات الدينية، تبدو لكل شعب ثقافته ورموزه وأدواته التي لا يمكننا استبدالها بين ليلة وضحاها بمرجعيات حداثية غريبة عن واقعنا. والابتكارات التي لا يتوانى السوريون عن تطويرها في طريقة احتجاجهم، تنم عن أمرين: الأول انتماء حقيقي الى موروثهم الديني والشعبي، والثاني حس الحياة والانتصار لثقافة الحياة في مواجهة ثقافة الموت. فالطبيعة التي تحتم على السوريين أن يدافعوا عن حياتهم كرد فعل غريزي على الموت ورغبة في البقاء، هي الدفاع عن أنفسهم بأي وسيلة تردُّ عنهم موتهم، هذا أضعف الإيمان في حال تُركوا للطبيعة الأم، لكن السوريين يستعيضون عن القتل والسلاح باحتفالات جماعية ذات طبيعة احتفائية، مصحوبة بالدعاء والاستعانة بالله. وهذه الاستعانة، حتى وإن بدت في وجهها الظاهر استكانة قدرية، فهي تشبه وإلى حد بعيد الالتفاف عليها. فتسليم الأمر لله هو تجاوز البشر والذهاب الى الأقصى في مواجهة الموت، أو ما يمكن القول عنه بنفي النفي. الله وحده يأخذ الأرواح، أما البشر فلا خوف منهم، مثل أقصى نقطتين في دائرة، بعيدتين من بعضهما بعضاً، لكنهما تلتقيان في الإحداثيات نفسها ضمن هذا البعد.

«يا الله ما إلنا غيرك يا الله»، هو القول الموجّه الى النظام السوري، على طريقة السوريين الخاصة، بدينهم ومعتقداتهم: لم يبق لدينا ما نخسره، نحن ضدك حتى الموت.

===========================

لا تنقذوا مستقبل إسرائيل

محمد بن المختار الشنقيطي

المصدر:   الجزيرة نت 26-09-2011

كتب توماس فريدمان بصحيفة نيويورك تايمز يوم 17 من سبتمبر/أيلول الجاري: "لم أقلق قط على مستقبل إسرائيل مثلما أنا قلق عليه اليوم. فانهيار الدعائم الأساسية لأمن إسرائيل –السلام مع مصر، والاستقرار في سوريا، والصداقة مع تركيا والأردن- مع وجود حكومة هي أقل الحكومات حنكة دبلوماسية وخبرة إستراتيجية في تاريخ إسرائيل، قد وضعا إسرائيل في وضعية خطيرة للغاية".

 

وليس من ريب أن هذا تقييم دقيق للميزان الإستراتيجي المتبدل في المنطقة، بقلم رجل غير متهم في محبة إسرائيل، بل هو يفاخر -في كتابه "من بيروت إلى القدس"- بأنه "عاشق لإسرائيل رغم مساوئها".

 

بيد أن الذين يسعون إلى الحصول على اعتراف من الأمم المتحدة بدولة فلسطين اليوم لا يبدو أنهم مدركون لهذا التبدل في الميزان الإستراتيجي لصالح قضية فلسطين. فرغم حسن النيات وراء المبادرة الفلسطينية والعربية للحصول على هذا الاعتراف، فإن المبادرة تبدو لي في الزمان الخطأ تماما، وهي تخدم بقاء الدولة الصهيونية أكثر مما تخدم القضية الفلسطينية التي أصبح الوقت في صالحها لأول مرة منذ نكبة 1948. فقد تكشف الربيع العربي عن تحوير للمحيط الإستراتيجي تحويرا عميقا لصالح الفلسطينيين. وما على الفلسطينيين اليوم سوى الصبر بضع سنين أخرى –ستكون أخف وطأة من سابقاتها- لكي يرتفع عنهم الظلم التاريخي الذي حاق بهم.

 

إن بقاء إسرائيل بتركيبتها الاستعمارية الشوفينية الحالية ارتكز على ركيزتين: الدعم الأميركي الأعمى، وتواطؤ القادة المستبدين في الجوار العربي والإسلامي، أو عدم فاعليتهم. بيد أن الربيع العربي قد وضع هذه المعادلة على أبواب التغيير الحتمي. فثمن إسرائيل يتراكم يوميا على الكاهل الأميركي، وسيصل قريبا إلى مستوى لا يستطيع الأميركيون أن ينوؤوا به. والمحيط الإقليمي قد بدأ تحولا عميقا يخدم القضية الفلسطينية ويسحب البساط من تحت العنجهية الإسرائيلية.

 

لقد فقدت إسرائيل خلال الشهور الماضية أهم ركائز دعمها الإقليمي. فقد طردت القيادةُ التركية السفيرَ الإسرائيلي من أرضها بعد أن كانت تركيا أهم حليف إستراتيجي للدولة اليهودية طيلة نصف قرن، وطرد الشعب المصري السفير الإسرائيلي من أرضه بعد ثلاثة عقود من إخضاع مصر للأهواء الإسرائيلية، وهرب السفير الإسرائيلي من الأردن صاغرا وقد كان يصول في عمَّان صولة الملوك.

 

وحينما ينظر المؤرخون بأثر رجعي إلى هذه الأعوام بعد عقدين من الآن -حينما لا يكون في العالم دولة اسمها إسرائيل- فسيجدون أن الجشع الصهيوني الذي لا حدود له، والدعم الأميركي الأعمى الذي لا رادع له، هما السببان في هلاك مشروع الدولة الصهيونية غير المأسوف عليها، وفي إنقاذ فلسطين من الضياع الأبدي. وكأني بأحد أولئك المؤرخين وقد كتب في حدود عام 2030 يقول: "لقد رفض المستعمرون اليهود بكل جشع تقاسم الأرض مع أهل الأرض حينما كان ذلك ممكنا، كما فعل إخوانهم في العنصرية بجنوب أفريقيا، واستمرؤوا الظلم الفادح في وضح النهار، وأعانهم على ذلك ظهير دولي غربي أعماه الميراث الاستعماري والتحيز ضد العرب، والحقد على الإسلام. ثم جاء الربيع العربي مع مطلع عام 2011 فقلب المعادلات وبدَّل الموازين، فرفض الفلسطينيون بعد ذلك تقاسم الأرض أو قبول الذل، وكانت تلك نهاية دولة إسرائيل" (انتهى الاستشهاد).

 

الحلول المتصورة للقضية الفلسطينية

إن الحلول المتصورة للقضية الفلسطينية تنحصر اليوم في خيارات أربعة:

أولها: خيار التقسيم الجغرافي لفلسطين، وهو حيف في حق الفلسطينيين والعرب، حيث سيحصلون على مناطق جرداء أو مكتظة تستحيل الحياة الكريمة فيها، وتحرمهم من مقدساتهم وآثارهم التاريخية، وتحرم ملايين اللاجئين منهم حق العودة إلى أرضهم. فغاية ما سيؤدي إليه هذا التقسيم هو بلدية فلسطينية (تتسمى باسم دولة) منزوعة السلاح، تدور في الفلك الصهيوني وتعيش في ظلال بطشه. فليس التقسيم الجغرافي لفلسطين خيارا مناسبا على الإطلاق.

 

ثانيها: خيار المصادمة، من خلال حرب عسكرية نظامية شاملة، وهذا غير ممكن في ظل اختلال ميزان القوة العسكرية، وامتلاك الدولة الصهيونية ترسانة نووية. فثمن هزيمة إسرائيل هزيمةً ماحقة –على افتراض إمكانه عمليا- سيؤدي إلى نشوب حرب نووية، وهو ما سيجعل ثمن تحرير فلسطين أكبر مما يمكن القبول به. فلا أحد يريد تحرير القدس أو حيفا بتدمير القاهرة أو دمشق أو طهران أو إسطنبول.

 

ثالثها: خيار الاستنزاف من خلال حركة مقاومة شعبية صبورة، وهذا كان ممكنا في الماضي لمّا كانت روح حركات التحرر في عنفوانها منتصف القرن العشرين، وكانت الحاضنة الإقليمية والدولية مواتية. لكن تواطؤ بعض الحكام، وضعف آخرين، حال دون نجاح هذا الخيار في حينه. ولا يزال هذا الخيار مفيدا إذا جاء ضمن إستراتيجية رحبة تشمل عناصر أخرى. فحروب الاستنزاف هي سلاح الضعيف عسكريا، ووسيلته في إضعاف ثقة القوي بنفسه وإزعاجه حتى يقبل التنازل.

 

رابعها: خيار الامتصاص، والمقصود به امتصاص اليهود الراغبين في العيش في فلسطين ضمن دولة واحدة يتمتع فيها العرب واليهود بحقوق المواطنة المتساوية، ويرجع إليها كافة الفلسطينيين المشردين في أرجاء الدنيا معزَّزين مكرَّمين. وهذا هو الخيار الإستراتيجي الذي ينبغي التركيز عليه، وعدم القبول بغيره في اعتقادي. فهذا الحل -الذي يشبه ما تم اعتماده لتفكيك دولة العنصرية في جنوب أفريقيا- سيكون أفضل الحلول على المدى البعيد، وأقربها إلى تحقيق المصلحة الفلسطينية، وأخفها ثمنا من الدماء.

 

أهم ميزات خيار الامتصاص

ولعل أهم ميزات حل الامتصاص هذا، هو الآتي:

أولا: أنه يضمن للفلسطينيين العودة إلى أي مكان من فلسطين التاريخية، وإحياء رابطتهم بأرضهم التي ولدوا عليها أو ولد عليها آباؤهم. وهذا حل جذري لمشكلة ملايين اللاجئين الفلسطينيين.

 

ثانيا: أنه سيقلب المعادلة الديمغرافية لصالح الفلسطينيين، وهو ما سيجعل الوجود البشري الصهيوني غير ذي خطر، بل سيضعه على طريق الاندماج في الثقافة العربية الإسلامية، كما اندمج فيها اليهود في سالف الأيام.

 

ثالثا: أنه يجرِّد الصهاينة من قوتهم العسكرية المسلطة على رقاب أمتنا منذ ستين عاما بكل عنجهية وابتزاز. وهذه مصلحة تتجاوز حدود فلسطين إلى الأمة العربية والإسلامية برمتها.

 

رابعا: أنه سيفجّر هجرة يهودية معاكسة من فلسطين. فالعديد من الإسرائيليين الذين يحمل العديد منهم جنسية مزدوجة سيفضلون الهجرة إلى الغرب. وفي ذلك فرز مفيد بين اليهودي ذي الجذور الشرقية والآخر الآتي من وراء البحار.

 

قد يقول قائل: هذه مجرد أحلام شاعر، لن يرضى بها الإسرائيليون ولا ظهيرهم الدولي. وهي أحلام حقا، لكنها أحلام تتأسس على قراءة واقعية للتحولات الاجتماعية والسياسية في المنطقة. لقد خلع الشباب العربي ربقة الخنوع، وأمسك الشعب العربي زمام أمره بيده، ولا تستطيع قوة أن تقف في وجه التحول التاريخي الذي ندعوه اليوم باسم الربيع العربي، وهو تحول سيغير المنطق الإستراتيجي برمته في المنطقة. فالاستبداد كان أهم رأسمال ضامن لبقاء الدولة الصهيونية وأكبر ضامن للنفوذ الغربي، لكنه اليوم يتهاوى أمام شجاعة الشباب العربي الثائر.

 

أما قبول الصهاينة وظهيرهم الدولي بهذا الحل فهو لن يكون عن طيب خاطر بطبيعة الحال، ومتى تحررت الشعوب بمنّة من مستعمريها؟ وإنما سيكون قبولهم بذلك خوفا من خسارة أكبر، بعد تحرر الشعوب العربية وأخذها بزمام أمرها. فلن تكون علاقات الغرب –خصوصا الولايات المتحدة- بالشعوب العربية مستقبلا علاقة تبعية من خلال حاكم مستبد وسيط يمثل الأميركيين لدى شعبه، بدلا من العكس المفترض، وإنما ستكون علاقات ندية مع شعوب عزيزة مستقلة القرار. ويومها سيرتفع ثمن إسرائيل إلى حد يرغم الأميركيين على الاختيار بين أميركا وإسرائيل.

 

لقد صبر الشعب الفلسطيني ستة عقود من الاحتلال والتشرد، ولم يبق أمامه سوى بضعة أعوام من المصابرة والمنازلة مع دويلة تتآكل قاعدة وجودها يوما بعد يوم. وستكون الشعوب العربية والإسلامية مع هذا الشعب الأبيّ في معركته الفاصلة. وقد انتهى الزمن الذي كان فيه قائد أكبر دولة عربية مجرد "شاويش" لدى إسرائيل، وكان فيه أكبر رافع لشعار المقاومة والممانعة مجرد حام لحدود إسرائيل. وبدأت الدولة الصهيونية تواجه الشعوب العربية وجها لوجه في وضح النهار.

 

تحر الشعوب وتحرير فلسطين

إن تحرير فلسطين ما كان ليتم دون تحرر الشعوب العربية التي ظلت ترسف في الأغلال مدة مديدة. وليس من ريب أن الشعوب التي انتفضت في تونس والقاهرة وطرابلس وصنعاء ودمشق -وهي اليوم تتحفز في حواضر عربية أخرى..- قد شقت طريقا رحبا إلى القدس.

 

ويبقى التساؤل الكبير: هل من العدل المساواة بين صاحب الأرض ومن جاءها مستعمرا صائلا؟ وكيف يرضى الفلسطينيون بمنح حقوق المواطنة على أرضهم لمن ذبحوهم وشردوهم في أرجاء الدنيا؟، لست أدعي أن حل الدولة الواحدة حل عادل، فهو لن يحقق العدل بطبيعة الحال، لكني أزعم أنه حل إستراتيجي حكيم، يرفع بعض الظلم بأقل ثمن ممكن، ويفتح الباب لاندمال جرح تاريخي يضغط على الضمير العربي والمسلم منذ قرن من الزمان.

 

فالتقاسم الديمغرافي لفلسطين خير من التقسيم الجغرافي لها، والميزان الديمغرافي يميل لصالح الفلسطينيين والعرب في الأمد البعيد. أما حل الدولتين الذي يتوسل العربُ العالمَ في سبيله اليوم فهو إنقاذ لمستقبل إسرائيل من العاصفة التي تتجمع في الأفق، وتوشك أن تضرب الوهم الصهيوني في صميم وجوده. فلا تنقذوا مستقبل إسرائيل أيها السادة، ودعوها سادرة في غيها حتى تحين لحظة المفاصلة.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ