ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 24/09/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

"الربيع العربي" والصراع على الشرق الأوسط

تاريخ النشر: الجمعة 23 سبتمبر 2011

جيفري كمب

الاتحاد

تحولت أجواء البهجة والحبور التي حفت "الربيع العربي" عند انطلاقه مطلع العام 2011 إلى نوع من التشاؤم وعدم اليقين لدى العديد من المراقبين، سواء داخل المنطقة أو خارجها، وإن كانت بعض التطورات الإيجابية واضحة ولا يمكن إنكارها، مثل الإطاحة بنظام القذافي في ليبيا وانعتاق الشعب من حكمه الطويل. لكن، وفيما تنشغل ليبيا بصراعها الداخلي لبناء دولة حديثة والتغلب على الصعوبات الجسمية أمامها، تظل الدول الأخرى التي اكتسحتها الثورات غارقة في الاضطرابات والقلاقل. وهنا تبرز مصر التي تمر بفترة حرجة ويبقى وضعها، رغم نجاح شبابها في الإطاحة بنظام "مبارك"، هشاً للغاية، لاسيما في ظل التداعيات الخطيرة للوضع الحالي على الاقتصاد والقدرة الإنتاجية للبلد. كما أن الجيش الذي يدير البلاد في مرحلته الانتقالية يواجه جملة من الضغوط الشديدة من الشباب والقطاعات الشعبية التي ملأت الشوارع بالاحتجاجات والمظاهرات المطالبة بتسريع وتيرة الإصلاح ومحاكمة رموز النظام السابق والتعجيل بنقل السلطة إلى المدنيين استناداً إلى الشرعية الدستورية. ومن جانبها يبدو أن السلطة الحاكمة في مصر حالياً متخوفة من إفساح المجال أمام انتخابات سابقة لأوانها قد تعمق حالة عدم الاستقرار، هذا بالإضافة إلى الاختلاف حول جدول زمني محدد لإجراء الانتخابات والتمهيد لتسليم السلطة للمدنيين. وينبع قلق الجيش المصري في هذه المرحلة من احتمال هيمنة جماعة "الإخوان المسلمين" والقوى المتحالفة معها على مقاليد الدولة بعد إجراء الانتخابات التي قد يحرزون فيها تقدماً كبيراً.

لكن، وفيما عدا الانشغالات ذات الطبيعة الانتخابية التي تستحوذ على تفكير الجيش، هناك أيضاً معضلة الحفاظ على الأمن والاستقرار، سواء على الحدود أو في شوارع المدن التي زادت فيها أعمال البلطجة والانفلات الأمني. ولعل المثال الأبرز على المشكلة الأمنية في مصر الهجوم الذي تعرضت له السفارة الإسرائيلية وسط القاهرة والهجمات الأخرى على وزارة الداخلية التي بات ينظر إليها كعدو صريح للشعب إلى حد بدت معه الأمور وكأنها خرجت عن السيطرة لولا تدخل الولايات المتحدة التي طلبت من السلطات المصرية حماية طاقم السفارة الإسرائيلية، فأرسلت فرق كوماندوس لإخراج الدبلوماسيين منها، فيما كانت طائرة إسرائيلية تنتظر في المطار لنقلهم إلى إسرائيل. ومهما يكن الأمر فقد مثلت تلك الحادثة عبئاً جديداً على العلاقات الإسرائيلية المصرية التي وصلت بعد الثورة إلى مرحلة واضحة من الجمود. لكن الاضطراب وسيولة الوضع لا تقتصر على مصر، بل تنسحب أيضاً على اليمن التي شهدت قفزة خطيرة في وتيرة العنف خلال الأيام الأخيرة، فيما يواصل النظام السوري سياسته القمعية ضد المتظاهرين. هذا القمع الذي دفع أقرب حلفائه في المنطقة، تركيا وإيران، إلى انتقاده ودعوته للإصلاح، كما أن الجامعة العربية -وأمام اشتداد الضغوط الشعبية- قررت التدخل والدعوة إلى وقف العنف، رغم أن أداءها في الحالة السورية، بالمقارنة مع تدخلها في ليبيا وإعطائها شرعية لتدخل "الناتو" بشن حملته الجوية، يبقى متواضعاً ولا يرقى إلى المستوى المطلوب. ورغم الدعوات المتكررة من دول المنطقة والقوى العالمية، إلى وقف الآلة القمعية ومباشرة إصلاحات سريعة وحقيقية، لم يقدم نظام الأسد أي تنازلات فعلية. وبما أنه ومحيطه يعتبرون الصراع مع الشعب قضية حياة أو موت، فمن غير المرجح استسلامهم لمطالب الشارع في أي وقت قريب. والمشكلة بالنسبة لسوريا أن التداعيات الاستراتيجية لما يحصل فيها تمتد إلى كامل المنطقة، بحيث سيكون سقوط الأسد حدثاً دراماتيكياً بكل المقاييس لا يضاهيه ربما سوى سقوط مبارك في مصر.

ولحد الآن يبدو أن معظم بقية الدولة العربية بمنأى عن الاضطرابات التي اجتاحت باقي أنحاء العالم العربي، إذ استطاعت الحفاظ على استقرارها في وجه موجة التغيير التي تهب على المنطقة. لكن ما سيحدث خلال السنة المقبلة سيكون له انعكاسات كبيرة على عموم الشرق الأوسط، خاصة فيما يتعلق بالتنافس بين القوتين المتصارعتين، الولايات المتحدة وإيران، فلو آلت السلطة في مصر إلى حكومة وسطية تحافظ على سلام بارد مع إسرائيل وعلى صداقتها التقليدية مع أميركا، ولو سقط بشار في دمشق فاسحاً الطريق أمام حكم سني، فإن الأمر سيكون سيئاً بالنسبة لإيران التي تعاملت مع سوريا طيلة السنوات الماضية على أنها قاعدتها المتقدمة لفرض نفسها كقوة على السواحل المتوسطية. ومن نتائج مثل هذا التحول أن يتراجع الدعم السوري ل"حزب الله" في لبنان ودخوله أوقاتاً صعبة لإعادة فرض نفسه كقوة في بلد لا يحظى فيه بتوافق الجميع. وفي نفس السياق ستواجه "حماس" ضغوطاً كبيرة قد تضطرها إلى تسريع المصالحة مع السلطة الفلسطينية والتوصل إلى اتفاق نهائي مع إسرائيل بشأن حل الدولتين.

لكن في المقابل، إذا ما نجح نظام الأسد في البقاء وتحولت مصر إلى نظام إسلامي، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل ستعانيان من عزلة متنامية، وسيتقلص نفوذهما في المنطقة وقدرتهما على التدخل ووضع الأجندات. وفي هذه الحالة ستبقى تركيا اللاعب الأساسي في الشرق الأوسط، وهي التي تشعر باستياء شديد من سوريا وإسرائيل، ولا تريد رؤية إيران تهيمن على المنطقة.

لكن رغم الصراع الواضح على الشرق الأوسط وتضارب الأجندات الساعية إلى الهيمنة، تبقى نتائج الثورات العربية والطريق الذي ستسلكه دوله مُحدداً أسياسياً في ترجيح كفة طرف على الآخر، فالغرب من خلال أميركا وإسرائيل يسعى إلى حفظ التوازنات القديمة وعدم انفلات الوضع الأمني والسياسي، فيما تريد إيران التمسك بأوراقها المعتادة التي يأتي على رأسها النظام السوري، أما تركيا فترغب في العودة إلى المنطقة وتأسيس علاقات جديدة قد لا تكون سوريا حاضرة فيها. ومن هنا نفهم الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء التركي أردوجان إلى مصر وتونس وليبيا لإعادة التأكيد على حضور تركيا ودورها المتنامي في المنطقة من خلال التواصل مع النخب الجديدة واستكشاف الأرضية القادمة في الشرق الأوسط.

ومع أن الربيع العربي أطلق العنان لمطالب الإصلاح المكبوتة لدى الشعوب، فإنه لا أحد يعرف إلى أين تتجه الأمور، وإن كان الثابت الوحيد هو استحالة العودة إلى الأساليب والطرق القديمة في إدارة المنطقة والرجوع إلى النهج المتداعي الذي أطّر العلاقة بين الأنظمة والشعوب.

=================

الإسلام: حرية وانفتاح

مارك شيل

كاتب مهتم بعلاقات الأديان في أميركا وخارجها

تاريخ النشر: الجمعة 23 سبتمبر 2011

الاتحاد

بالنسبة للعديد من غير المسلمين، قد تكون مفاجأة لهم أن يعرفوا أنه في العالم الإسلامي يمكن أن تختلف الممارسات وأساليب الالتزام من منطقة إلى أخرى ومن مجموعة إلى أخرى أيضاً. وتميل العناوين في إعلام التيار الرئيس، وخاصة في الدول الغربية إلى التأكيد على النواحي الأكثر تشدداً لدى المجموعات الصغيرة، بينما تتجاهل النواحي الإيجابية العديدة لغالبية المسلمين أو التيار الرئيسي في الإسلام.

إلا أن كتاباً جديداً عنوانه "إسلام بدون درجات قصوى: حالة مسلمة من أجل الحرية"، من تأليف الصحفي التركي مصطفى أكيول، يساعد على تصحيح الكثير من هذه الرؤى الخاطئة، مركزاً بشكل خاص على الرؤية التي تزعم أن الإسلام "دين سلطوي" لا يعطي سوى مساحة قليلة للحرية الشخصية! ويعتبر الكتاب بحثاً في جذور الليبرالية داخل الإسلام، ونقداً لما يعتبره "مواقف قمعية" داخل الدين، لاسيما منع الارتداد أو التجديف، واللذين يعتقد الكاتب أنهما يرتكزان على التقاليد بدلاً من الوحي القرآني.

ويبدأ أكيول بنظرة عامة، تاريخية وعقائدية، لتطور الإسلام عبر القرون، موضحاً أن رسالة الإسلام الجوهرية (التوحيد) أنقذت الفرد من "عبودية القبيلة". بمعنى آخر، كانت الطريقة الإسلامية مركّزة ومتأصلة في الفكرة القوية بأن الفرد مسؤول أمام الله، والله وحده. ثم يشرح أكيول كيف دفعت هذه الرسالة الإسلامية الحرية في الشرق الأوسط خلال العصور الوسطى، كما ظهر في مبادئ القانون الإسلامي مما نتجت عنه نضالات داخلية مذهبية، مثل "التقليديين" مقابل "العقلانيين". ويذكر أكيول كيف لعبت عوامل غير دينية، مثل جغرافية الشرق الأوسط، دوراً في "حرب الأفكار خلال العصور الوسطى"، وذلك عبر مدارس علوم دينية أقل انفتاحاً.

ويستخدم الكتاب أمثلة الإصلاحات العثمانية المتأخرة، والتي يتم نسيانها أحياناً، وكذلك التطور السياسي في تركيا الحديثة، لإلقاء الضوء على ممارسة الإسلام اليوم وكيف يطوّر المجتمع التركي المعاصر، وخاصة بورجوازيته الإسلامية، منظوراً ليبرالياً للسياسة والاقتصاد اللذين يمكن أن يشكلا نبراساً للعالم الإسلامي المعاصر.

وأخيراً، يقدّم أكيول وجهة نظر للمستقبل تقترح وسيلة لإزالة التفسيرات الأكثر مرونة في الإسلام، لصالح التقبّل التعددي في الداخل والخارج، والذي يضم عناوين مثيرة للجدل والخلاف.

ويشكل القرآن الكريم المحك ووسيلة الاختبار. ورغم أنه يحترم "المصدر الثاني" للإسلام، ألا وهو الحديث الشريف، فإنه يناقش باتجاه مراجعة نافذة لأدبيات الحديث، الذي يعتبره أقل اعتمادية مما قد تراه النظرة التقليدية. ويثبت أكيول أن معظم النواحي الخلافية للقانون الإسلامي، من الرجم إلى منع الردة أو السلوك الآثم، تأتي من الحديث الشريف وليس من القرآن الكريم. وهو يحاجج بأن بعض الأحاديث قد تعكس المواقف التاريخية بدلاً من الوصايا الأبدية للإسلام.

ويجد القارئ أنه أثناء العصر الذهبي للإسلام، انجذب العديد من المسيحيين إلى الحرية الفكرية والميزات العلمية التقدمية للإسلام، وأصبحوا إلى درجة ما مسلمين "بالرغبة" (أرغب أن أكون مسلماً).

وببساطة، فإن دراسة أكيول تقدم للمسلمين وغير المسلمين على حد سواء، فحصاً مفصّلاً للإيمان الذي يتوقع أن يجده القارئ في شرح تثقيفي ومثير للتفكير.

ويبدو أن نية أكيول ليست أن يبدو وكأنه "مارتن لوثر مسلم"، بل ربما "جون لوك مسلم" يحسن إبراز أهمية التسامح الديني والحرية الفردية.

=================

حذار من أن تُختطف الثورات

يوسف عبد الله محمود

yousefmahmoud37@yahoo.com

الرأي الاردنية

23-9-2011

حين اندلعت الثورات العربية السلمية في بعض البلدان العربية: تونس، مصر، ليبيا، اليمن وسوريا. لم تستأذن أحداً، قادتها الجماهير المغلوبة على أمرها، ولم يقدها كالعادة «العسكر» أو طبقة معينة تجيد اللعب على هموم الشعب وتملقها. ثورات قادتها الجماهير. قادها الشباب المتقد حماسة وثورية. أما الآخرون من حزبيين وساسة تقليديين فجاءوها متأخرين. لم يشاركوا في الثورة السلمية لحظة اندلاعها. وهذا يدل على أن هذه الثورات التي عصفت بالأنظمة المستبدة كتبت أول صفحة في تاريخنا الحديث والمعاصر تستحق أن يُعتز بها.

غير مسبوقة هذه الثورات بنقائها الثوري وعنفوانها المشبوب، ووفائها لقيم الديمقراطية الحقيقية لا الزائفة التي طالما سوّف بها على الجماهير حكام مستبدون أفقروها وأجاعوها على مدى عشرات السنين. ومع ذلك فيدي على قلبي من أن يُعبث بنقاء هذه الثورات أو يتم اختطافها من قبل جماعات وأفراد ما زالوا يفكرون بعقلية «القبيلة» أو «الطائفة». يدي على قلبي من العبث بمسار هذه الثورات لا سيما وأن «أزلام» العهد السابق في هذه الدول ما زالوا يتحينون الفرص للانقضاض على مكاسب الثورات. منهم ما زال في موقعه، يتظاهر بهتاناً بأنه كان من أنصار «التغيير» والإطاحة برموز الفساد، ويعلم الله أنه من أصحاب الوجهين، يظهر غير ما يضمر.

قبل أيام ومن على شاشة إحدى الفضائيات العربية استمعت إلى مسؤول سياسي كبير في احد هذه البلدان التي أطاحت بأنظمتها وهو يتحدث عن مفاسد زعيم بلاده المخلوع وعن علاقته بالاستخبارات البريطانية والأمريكية. استذكرت في هذه اللحظة ما قاله هذا المسؤول السياسي الكبير قبل عامين ومن على شاشة الفضائية العربية نفسها مُدافعاً عن سياسة زعيمه في وجه محاوره. أتدرون ماذا قال وهو يرد التهم الموجهة إلى هذا الزعيم: إنه - أي زعيم بلاده- لا يخطط للحاضر فحسب، بل انه يستشرف المستقبل وأن شعبه ملتف حول قيادته ما عدا بعض «المأجورين» على حد قوله!. ما أسرع ما تتغير الجلود!

ما أخشاه على هذه الثورات -ثورات الربيع العربي كما تسمى- أن تطيح بها الانقسامات القبلية لا سيما وأن «العصبيات» لم تفارقنا كعرب. ما زالت «المواطنة» غائبة أو شبه غائبة عن مجتمعاتنا العربية والإسلامية.

قبل أيام حذر المفكر التونسي المعروف أبو يعرب المرزوقي من أن تدفع الخلافات والعصبيات القبلية في بلده تونس إلى «حرب أهلية» تجهض الثورة تاركة الباب مفتوحاً على كل الاحتمالات. من ناحية أخرى حذر أبو يعرب المرزوقي من أن يكون اللقاء بين الجماعات الإسلامية من جهة والعلمانيين من جهة أخرى مجرد «هدنة» سرعان ما تنقضي حين يريد كل فريق أن ينال حصته من «الكعكة» إذا صح التعبير! إن بوادر هذه الخلافات بدأت تظهر من الانتقادات المريبة التي يوجهها بعض الثوار إلى بعضهم البعض!

أعود فأقول: حذار من أن تُختطف هذه الثورات المقدسة أو أن يُعبث بها خدمة لمصالح ضيقة. مازالت هذه الثورات غضة العود. قد تُجهض هذه الثورات إن فعلت «العصبيات» فيها أفاعيلها!. عقلية «القبيلة» أو «المذهب» أو «الحزب القائد» ينبغي أن تفارقنا. كم أضرت بنا هذه العقلية على مدى العقود الطويلة.

«الأوطان» لا تبنيها القبائل أو «الطوائف» أو «الحزب القائد» المهمِّش للأحزاب الأخرى. تبنيها «المواطنة» لا «القبلية». بلا تعميق «المواطنة» ستظل هذه «الثورات» في عين العاصفة!

حذار من «عسكرة الثورات» ومما يتم في «حُجر مغلقة» حذار من أي قفز في الهواء!.

=================

قلق غربي من عدم قدرة المعارضة على التوحّد .. الأزمة السوريّة تجاوزت خيارات التسوية

روزانا بومنصف

النهار

23-9-2011

تنقل مصادر سياسية في بيروت عن أوساط ديبلوماسية غربية مؤثرة ان كلمة الرئيس الاميركي باراك اوباما امام الجمعية العمومية للامم المتحدة والتي افرد فيها حيزا للموقف الرافض لاعتراف دولي في مجلس الامن بالدولة الفلسطينية كاملة العضوية كما لدعوته المجموعة الدولية الى قرار بفرض عقوبات دولية على سوريا يوحي بالنسبة الى الموضوع السوري بأن الولايات المتحدة تولي التطورات في سوريا اولوية قصوى. لكنها ليست اولا في وارد الظهور في موقع الانخراط في خطط ضد النظام السوري على رغم موقفها منه. اذ ان هذا الانخراط في حال اعتبر موقف الادارة الاميركية من النظام السوري على انه انخراط فعلي يمكن ان يؤدي الى مفعول عكسي ويضر بمصلحة المعارضة السورية. وهي ثانيا لن تقوم باي خطوة منفردة. ومن هنا دعوتها الى قرار في مجلس الامن فضلا عن تشجيعها الاتراك على اتخاذ موقف حاسم من النظام الى جانب الموقفين الاميركي والاوروبي بحيث يندرج هذا التشجيع في اطار اقتناع الادارة الاميركية بان تركيا تتمتع بدور مؤثر وحاسم في اتجاهات التطورات في سوريا.

وبحسب هذه المصادر تقف وراء المشهد اليومي المتكرر لاصطدام الحركة الاحتجاجية الشعبية بعمليات مواجهة تقوم بها السلطات السورية والذي يعمم انطباعا بان الامور قد تطول على هذا النحو جملة وقائع باتت ثابتة في المعطيات الخارجية المتعلقة بتطور الوضع في سوريا. ابرزها:

ان القمع الذي تقوم بها القوى الامنية التابعة للنظام بات شديدا جدا من اجل منع خروج التظاهرات الشعبية وتاليا الظهور بمظهر من انهى الوضع الامني غير المستقر والمتوتر والسيطرة عليه. وهذا القمع بحسب هذه المصادر قد نجح في الحد من خروج تظاهرات كثيرة ولو انه لم ينجح في منعها كليا ولا تعتقد هذه المصادر ان هذه التظاهرات ستتوقف على رغم ما يمارس ضدها. وهذا المستوى من القمع وفق تقارير البعثات الغربية يشكل مصدر قلق شديد بالنسبة الى الدول المعنية بالوضع السوري راهنا بحيث لا يمكنها السكوت على حصوله او تجاهله.

ان الوضع السوري بناء على ما تقدم لم يعد يسمح بخيارات تسووية بين النظام والمعارضة ايا تكن طبيعة صيغة التسوية التي يمكن ان تطرح وفق ما تكشف هذه المصادر اذ ان هناك تجارب وضعت سابقا في هذا الاطار وسقطت كلها برفض من النظام نفسه. وتاليا فان فكرة تأمين صيغة انتقالية لقيادة سوريا في المرحلة المقبلة ويبقى فيها الرئيس السوري بشار الاسد او يشكل جزءا منها قد ولى زمنها ولم تعد خيارا متاحا او مقبولا علما انه ليس من الواضح بالنسبة الى هذه المصادر المدة التي يمكن ان يأخذها الوضع الاستنزافي داخل سوريا والتي ترجح مصادر عدة استمراره بين اشهر عدة كحد ادنى وسنة كحد اقصى ما لم تطرأ عوامل اخرى تساهم في حسم الامور قبل هذه المواعيد المبدئية. اذ يتم النظر الى تطور الموقف التركي الذي بات اقرب الى الموقفين الاميركي والاوروبي من حيث الرغبة والاتجاه الى فرض عقوبات على النظام الذي قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان قبل ايام قليلة انه قلب صفحة العلاقات بين تركيا وبينه وان بلاده تستعد لفرض عقوبات على النظام. وبحسب معلومات المصادر الديبلوماسية نفسها فان التغيير او التطور في الموقف التركي والاستعداد الاكبر الذي تبديه السلطات التركية ازاء موقف اكثر صلابة من النظام انما هو مبني استنادا الى الضغط الايراني على تركيا وعقم التفاوض الذي قام بين الجانبين حول الوضع السوري ومستقبل النظام فيه. لكن تركيا تملك اوراقا مؤثرة من حيث قدرتها على التدخل في حال اعادت الى جدول اعمالها اقامة منطقة عازلة على طول الحدود مع سوريا او من حيث الاعتقاد الغربي بان لتركيا قدرة على التأثير بالجيش السوري لا يملكها اي طرف آخر.

ان الغرب قلق من عدم اظهار المعارضة السورية القدرة على ان تكون موحدة. وان هذا العامل الاخير لا يزال يحتاج الى عمل كثير من جانب المعارضة التي تحتاج ايضا الى ابراز شخصيات كارزماتية قادرة على اقناع السوريين بالثقة بها وبقدرتها مع آخرين قيادة سوريا في المرحلة المقبلة بالتعاون بين جميع الافرقاء.

تعتقد المصادر الديبلوماسية ان العقوبات التي اتخذت ضد النظام السوري ستؤتي مفعولها وستؤثر على النظام خصوصا في ما خص الضغوط الاقتصادية منها من دون ان تخفي هذه المصادر تخوفها من انعكاسات ما محتملة لهذه الضغوط على لبنان وعلى قطاعه المصرفي في شكل خاص. اذ ان بعض هذا القطاع له امتدادات وعلاقات في سوريا مع النظام او بعض الافرقاء فيه او مع رجال اعمال باتت اسماؤهم مدرجة على لائحة العقوبات الاوروبية والاميركية. وبحسب هذه المصادر فان هناك حرصا خارجيا على عدم استهداف القطاع المصرفي اللبناني او عدم امكان ان تطاول اي عقوبات المصارف اللبنانية، لكن من غير المحتمل في رأي هذه المصادر الا يتأثر البعض منها في حال لم يتخذ هذا البعض اجراءات تضعه في منأى عما يمكن ان يمسه كنتيجة من نتائج الموقف الدولي من النظام السوري.

=================

قشة رفعت الاسد: منقذة الغريق ام قاصمة الظهر؟

صبحي حديدي

2011-09-22

القدس العربي

إذا صحّت الأنباء عن إعادة تأهيل أمثال علي دوبا (المسؤول الأبرز عن المخابرات العسكرية في عقود حكم حافظ الأسد)، ومحمد الخولي (نظير دوبا في جهاز مخابرات القوى الجوية، والأثير عند الأسد رغم أخطائه الفادحة، وأشهرها المحاولة الفاشلة لنسف طائرة 'العال' في مطار هيثرو، ربيع 1986)؛ فإنّ المأزق الذي يقود بشار الأسد إلى الاتكاء على هؤلاء، بحثاً عن الخلاص، يمكن أن يقود منطقياً إلى اتكاء آخر مواز، لا يتكامل مع الأوّل بل قد يتناقض معه: بحث ماهر الأسد عن قشة تنقذ النظام الغريق، في شخص رفعت الأسد، عمّه وقدوته ومثاله الأعلى. وإذا كانت الأسباب التي دفعت الأسد الأب إلى إبعاد أمثال دوبا والخولي وعلي حيدر وشفيق فياض وإبراهيم الصافي (أي كفّ يدهم عن أي نفوذ يمكن أن يعكر سيرورات توريث الفتى بشار)، قد طُويت اليوم لأنّ الانتفاضة تضع جميع القتلة والطغاة والمستبدين والفاسدين في سلّة الحساب ذاتها؛ فلماذا، إذاً، يُستثنى العمّ من لائحة المنقذين؟

ذلك لأنّ أرصدة العمّ السياسية والأمنية والعسكرية والمالية، سواء داخل صفوف الضباط أو المدنيين، في الحزب أو الدولة أو المجتمع، ليست محدودة، وليست مجمدة البتة؛ وهي بالتالي قابلة للتوظيف الفوري، سواء جرى استثمارها من داخل سورية لكي تعطي ثمارها في الداخل السوري وتُرحّل إلى الخارج في آن معاً، أو جرى العكس: استثمار من الخارج إلى الداخل، حيث تكتسب من اسباب القوّة ما يجعلها قابلة للتصدير مجدداً إلى الخارج! إنه ما يزال يتمتع بولاء شرائح واسعة من كوادره القديمة (السياسية والعسكرية، الرسمية وغير الرسمية) التي صعدت منذ أوائل الثمانينيات على يديه، بفضل منه، وحين كان الرجل الثاني في البلاد.

وتلك الكوادر اضطرت بعد تقليص سلطاته، وإبعاده خارج سورية إثر صراعات عام 1984، وحلّ 'سرايا الدفاع'، ذراعه العسكرية الضاربة إلى التقاعد أو الانزواء أو التأقلم مع الأوضاع الجديدة. وهي، أياً كانت مواقعها الراهنة، في شُعب التجنيد أم في فروع المخابرات المختلفة أم في ألوية الفرقة الرابعة، مستعدّة إلى الانضواء من جديد في كنف 'القائد'، ولعلها أيضاً قادرة على العودة السريعة إلى احتلال مواقع متقدمة في الترتيبات الجديدة.

كذلك فإنّ رفعت الأسد قادر على مصالحة النقائض، وتقريب الهوّة بين شيوخ السلطة وكهولها وشبّانها، وبين الخاسرين منهم والرابحين، وحيتان الفساد اسوة بالقطط السمان، والجوارح التي تقتات على الجيف مثل تلك التي تستأثر بالطرائد الأدسم. وهو عسكري سابق امتهن ال'بزنس' ذا العيار الثقيل، واستثماراته داخل سورية وخارجها تُحسب بالمليارات، وتحالفاته وثيقة مع التجّار ورجال الأعمال حتى جاء زمن عُدّ فيه 'حامي التجّار' بامتياز. وحين كان قويّاً، على رأس جيشه الخاصّ، النخبوي تماماً في تسليحه وامتيازات أفراده، يقود تحالفاً عجيباً من العسكر والتجّار والأكاديميين (إذ لا ننسى أنه 'دكتور' في العلوم السياسية، ورئيس سابق ل'رابطة خرّيجي الدراسات العليا')؛ أشاع رفعت الأسد ثقافة 'عسكرة التجارة'، التي تجعل العسكر شركاء من دون رساميل في أيّ وكلّ تجارة، أو 'تَجْرَنة العسكر'، حيث ينقلب الضباط إلى تجار في كلّ وأيّ صنف، وسط ابتهاج مختلف فئات البرجوازية السورية الطفيلية، واستسلام أو استقالة البرجوازية الكلاسيكية.

وليس من المستغرب أن يبلغ تحالف مافيات النهب العسكرية التجارية التي تحكم سورية اليوم ذلك الطور المأزوم الذي يحصر قشة الخلاص في شخص رفعت الأسد، لأنه حامي الفاسدين وسيّد الناهبين، منحاز إلى الليبرالية الاقتصادية، النظيفة أو الرثة أو التي بلا هوية؛ عسكري التكوين والمزاج، مستعدّ دائماً للبطش والضرب بيد من حديد؛ تحالفاته العربية (التي تشهد عليها زياراته واتصالاته وصداقاته وشراكاته) لا يستهان بها، بل هي تؤهلّه لأداء دور صمّام الأمان في المراحل القادمة من تطوّر الحياة السياسة والاقتصادية السورية. وبمعزل عن الترهات التي ينطق بها نجله رئبال، الذي يدير من لندن 'منظمة الديمقراطية والحرية في سورية'، فإنّ التبدّل الدراماتيكي الذي أدخله رفعت الأسد على خطابه، بحيث صار شيخاً في الديمقراطية وحقوق الإنسان (قد لا ينافسه إلا شيخ/ رفيق درب سابق من طراز عبد الحليم خدام!)، يمكن بالفعل أن ينطلي على البعض ممّن يبحثون عن الذريعة الأدنى للسير في ركابه.

بيد أن احتمالات أدوار قادمة لرفعت الأسد في الطور الراهن من اهتراء النظام ترجحها، أيضاً، ثلاثة تطورات نشأت في حقبة غيابه عن السلطة، لكنها ما تزال قيد التأثير، وهي مرشّحة لمزيد من التفاعل، أو بالأحرى: التفاعل المضادّ، في حال استدعائه مجدداً إلى القصر الرئاسي. التطوّر الأوّل هو أنّ برامج 'التغيير' التي اقترنت بصعود وتوريث بشار الأسد، خصوصاً تلك التي اندرجت تحت مسميات 'الليبرالية الاقتصادية' و'تحديث المؤسسات' و'محاربة الفساد'، و'إحكام الرقابة'، و'تقديم الكوادر الشابة'... اقتضت، بالضرورة، انقسام بنية النظام إلى فريقين: رابح، وخاسر. المشكلة، مع ذلك، أنّ المرشّحين للخسارة لم يكونوا على هوامش السلطة بل في قلبها أو ربما في قمّة هرمها، وأنّ وتائر 'التغيير' لم تتكفل أصلاً بإقصاء هؤلاء إلى الهوامش.

الوجه الآخر لهذه المشكلة هو أنّ المرشّحين للربح بدأوا يصعدون من منتصف الهرم أو من قواعده السفلى، وبعضهم كان في الهوامش أو في الصفوف الخلفية، وأنّ الوتائر لم تكن، هنا أيضاً، كافية لترقيتهم سريعاً إلى الصفوف الأولى. وهكذا، في ضرب مثال عملي: كيف سيجري توليف توأمة مسالمة بين أعمال رامي مخلوف، ابن الخال، وأعمال سومر الأسد، ابن العمّ، ولكلّ منهما أتباع في صفَّيْ الربح والخسارة؟ وكيف لضابط سابق في 'سرايا الدفاع'، مثل معين ناصيف، صهر رفعت الأسد، أن يتصالح مع ضابط أكبر في المخابرات العامة، مثل حافظ مخلوف، ابن خال الرئاسة، وبينهما ما صنع الحدّاد طيلة سنوات؟

التطوّر الثاني أنّ توريث الأسد الابن اقتضى إقامة تعاقد أكثر متانة بين عناصر التحالف العسكري والأمني والتجاري الاستثماري الذي يحكم سورية، ولكنه اقتضى أيضاً المسّ، برفق تارة أو بخشونة طوراً، بشروط تعاقد أقدم بين العسكر ومختلف فئات وشرائح البرجوازية السورية خلال عقد السبعينيات وأواسط الثمانينيات. فهذه البرجوازية، التجارية والصناعية أساساً، طالبت بالمزيد من الليبرالية والانفتاح واستحداث القوانين التي تكفل صون رأس المال وتحصين المؤسسة الاستثمارية وإصلاح الأنظمة المصرفية. واستحداث مثل تلك القوانين سار على نقيض تامّ مع مصالح عشرات الضباط الذين 'تبرجزوا' وكدّسوا ثروات هائلة، لأنّ بنية تقاسم القوّة داخل النظام أتاحت لهم تحويل البرجوازية السورية إلى بقرة حلوب، راضية تارة أو مضطرة طوراً.

التحالف بين الفريقين سار على وئام حتى ساعة الانتفاضة، حين بدأت الأعمال تتعطّل، وظهرت آثار العقوبات الأوروبية والأمريكية المباشرة، فتوجّب على العسكر أن يختزنوا ما لديهم من سيولة وعملات، تتناقص حتماً لانها لم تعد تزداد؛ وتوجّب على كبار التجار والمستثمرين أن يدفعوا رواتب الشبيحة ونفقات القمع اليومي للانتفاضة، من رساميلهم السائلة التي أخذت تشحّ يوماً بعد يوم. هل من 'منقذ' هنا، في شخص رفعت الاسد ومؤسساته، يملك مليارات في الداخل ومثلها في الخارج، كما ينعم بمرونة عالية في تحريك تلك المليارات، سائلة أو صيرفية، بالنظر إلى أنه خارج العقوبات، فضلاً عن كونه من آل بيت السلطة، بل هو العمّ فيها، والعميد؟

التطوّر الثالث نجم عن اجتماع عناصر التطوّرين السابقَين. ذلك لأنّ الانقسام إلى صفّيَن، رابح وخاسر، أفضى في المقام الأوّل إلى وقوع شرخ بنيوي عميق في تجانس الائتلاف الأكبر الذي ظلّ ركيزة معادلات السلطة منذ أواسط السبعينيات: التحالف العسكري التجاري. ولا يفهمنّ أحد أنّ الشطر الثاني من هذا التحالف يعني فئة التجّار الكلاسيكية وحدها، بل شمل أيضاً عشرات من كبار المسؤولين السوريين الذين مارسوا ويمارسون مختلف أنواع الأعمال، مباشرة في حالات محدودة، أو عن طريق أبنائهم في معظم الحالات (الأمثلة كثيرة بالطبع، ومعروفة). وليس تراث رفعت الأسد في هذا سوى المثال الأعلى كعباً وسطوة، من جهة؛ والأشدّ رثاثة وانحطاطاً ومافيوزية، من جهة ثانية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أمرَين جوهريين: أنّ هذا الائتلاف كان نخبوياً على الدوام، ومقتصراً على فئات محدودة للغاية سواء في داخل السلطة أو خارجها؛ وأنه بدأ، وما يزال، عابراً للتصنيفات السوسيولوجية التقليدية (الطبقية أو المهنية أو الطائفية)، ومتمحوراً في الأساس على ما يسمّى 'مصالح الجماعة'Group Interests، أكثر بكثير من مصالح الطبقة أو المهنة أو الطائفة. فإذا تعارضت المصالح بين الشطر العسكري والشطر التجاري من الإئتلاف النخبوي هذا (كما يحدث بقوّة في الأطوار الراهنة من عمر الانتفاضة)، فإنّ خطوط التحالف القديمة لن تتمكّن من الصمود طويلاً، والعاقبة المنطقية هي انكشاف التناقضات داخل تلك الخطوط، وانقلابها إلى تفكك وانهيار، قبيل التناحر والتصارع. وهكذا يتكرر السؤال: هل من 'منقذ'، أو 'وسيط'، أو... قشّة يتشبث بها الغرقى؟

بيد أنّ حكمة التاريخ البليغة، وهذه التطورات ذاتها بما تنطوي عليه من جدل وجدل مضادّ، تفيد بأنّ القشّة ذاتها يمكن أن تقوم بالدور النقيض تماماً: أن تقصم ظهر هذا الديناصور، الثقيل المتهالك المترنّح، الذي انتهى إليه النظام السوري، بعد 41 سنة من الاستبداد والفساد والنهب، وبناء شبكات الولاء والاستزلام والاستخبار؛ واعتماد أقصى السياسات التمييزية والطائفية والعنصرية للحفاظ على بقاء النظام، أياً كانت المخاطر الوطنية؛ فضلاً عن الدخول في شتى التحالفات الإقليمية أو الدولية التي تقيم أود النظام، ليس من دون ادعاء 'المقاومة' و'الممانعة' ومناهضة الإمبريالية...

ذلك، أغلب الظنّ، هو السبب الذي جعل بشار الأسد يتردد في طلب النجدة من عمّه، وهو السبب ذاته الذي سيجعل شقيقه ماهر الأسد يقوم بخطوة معاكسة؛ ليس لأنّ لكلّ من الشقيقين قراءة مختلفة لمآلات النظام السائرة إلى الهاوية، بل لأنّ بلوغ ذروة قصوى في اليأس تجعل من القشة أمل الغريق الأخير، مثلما تجعلها قاصمة ظهر الديناصور. والأرجح أنّ صمت العمّ عن مجريات الانتفاضة لا يفيد تضامنه الضمني العميق مع الاسرة الأسدية في محنتها الأخطر، والختامية النهائية، فحسب؛ بل كذلك تأهب الوحش الرابض، قبيل برهة الانقضاض والفتك!

' كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

=================

غياث مطر ومجزرة صبرا وشاتيلا

عناية جابر

2011-09-22

القدس العربي

كان في الشاب السوري المكوّم على الأرض بعض رمق، لمّا سدّد الرجل ذو البزة العسكرية الى رأسه، رصاصات ثلاث أهمدته. هذا المشهد سبّب لي رعباً مميتاً. أصابني حياله وجوم، وانهيار داخلي وخارجي، ولو كنت حينها قادرة على امتلاك مشاعر سوقية كالتي يمتلكها المجرمون الذين يقتلون الناس، لكنت ذهبت، تقصّيت عنه، وقتلته. ولكن لأني لا أمتلك مثل هذه المشاعر الثأرية، ولست قادرة على امتلاكها، شعرت بإهانة بليغة من دون تحديد سببها الأقوى والأكثر مباشرة.

أغلقت النافذة رغم قيظ الصيف، وقطعت الغرفة مرّات عدة جيئة وذهاباً. عندما فتحت النافذة اخيراً، كانت الدموع تسّف مدراراً على وجهي. كنت مستغربة للحجم الكبير لكل دمعة من دمعاتي. أكبر دمعات أراها قط على خدّ أحد. يحدث للمرة العاشرة على ما حسبت، أنني أبكي أمام حدث سوري. تذكرّت كل الشهداء وبنيت لهم ملامح من عندي، وشكلّت وجهاً من الغيب لغيّاث مطر، كما اعتنيت أن تكون له إيحاءات شتائية.

الدموع العملاقة تنهمر من عينيّ كما لو انها نهر جارف. أقلقني الأمر عن حق، وخوف مُنبئ أبلغني أن قطيع ذئاب جائعة، هاشلاً في الشوارع السورية، يصطاد طرائده، ويبتلعها ليّنة، لحمها طرّي.

تذكرّت غياث مطر الذي لم ار صورة له قط، وسعيت عبر الكتابة الى العثور لوجهه على أكثر المشاهد جمالأ وأكثرها عاطفية. لكن انجذاب كلماتي الناقص الى إعادة تشكيل وجه غيّاث على طريقتي، بدا انجذاباً بعد فوات الاوان، وهو امتزج بالقوة الدافعة الى الجنون، الذي ارتعدت فيه الكلمات، وبذكرى الشاب الذي عُذّب، وقُتل، ودُفن.

كانت علاقتنا إذن، كما لو انها مطر معلّق في الهواء ولا يستطيع أن ينهمر. امسكت أنفاسي حينما رأيت صورته أخيراً على شاشة التلفزيون، وشعرت بزّخة وجع في القلب، وهو للحق، وجع لا يُصّدق، وتُكمن وراءه فكرة ما، حرّرت نفسها من الرباط المُظلل لكل الأفكار الأخرى. ابتسامته الواسعة في الصورة لم تكن سوى وهمي الشخصي .كيف يمكن لابتسامة كهذه ان تذهب الى الموت منفرجة حدّ البحر؟ مع ذلك حقيقية، ومفلوشة فوق الوجه كله، وأُمسك أنفاسي حيال المشهد السيريالي لشاب يصعد وابتسامته، الى السماء. هذا يحدث في سورية لغياث وسواه، هذا يحدث بكل وضوح وما عليكم إلإ أن تعاينوا، فهكذا هو الأمر فعلاّ.

هولوكست فلسطيني

لسوف يمضي وقت طويل قبل ان يعرف العالم دقائق وتفاصيل مجزرة صبرا وشاتيلا.

لكنه يكون مضى الوقت الطويل الذي لن يُعيد روحاً، ولن يُرّقع جثثاً. تلك كانت مذبحة الفلسطينيين، وعلينا جميعاً أن ندين أنفسنا أمام العالم أجمع. نساء وشيوخ وأطفال، بلا عون ولا حماية، قُطعّت أجسادهم مُزقاً صيف العام 1982، فكانت هول محرقة مهولة على أرض لبنانية، وكان الدم الفلسطيني الذي أهدرهُ اللبناني قبل الإسرائيلي. دخل القتلة المخيمين بحراسة المدافع الإسرائيلية وتحت أضواء كشافاتهم، قتلوا وأنجزوا المهمة ببالغ تمامها الحيواني. كان لديهم فائض الوقت والكره، ليمزقوا شعب المخيمين، ويردوهم بالرصاص ويهشموا رؤوسهم بالبلطات، ويعتدوا على النساء والفتيات قبل قتلهن، كل هذا حدث وأكثر في بلد الإشعاع والنور، وفي بلد يُغذّي نرجسيته بالتقاتل والدم.

لم يعرف العالم في الحقيقة جريمة أكثر وحشية، او بالحري أكثر دقة، من تتالي الذبح المنّظم، وتتالي البقر والنحر، وقد صيغوا بجلاء باهر فلم يكن من نقصان في الموت الجماعي. جريمة هي بالنسبة للعقل البشري، عماء وعتمة. لبنانيون أجهزوا على فلسطينيين بحماية اسرائيلية، كما لو قاموا بعمل عظيم بقيت مستعصية علينا ألغازه ودوافعه. ثمة بالطبع تلك التبريرات التي ترّد 'محرقة' الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا، الى لحظة زمنية في الحرب اللبنانية، لعبت المعادلة كاملة بإيعاز من الإسرائيليين، لكن ما من لحظة زمنية بعد، أشدّ هولاً وهمجية على ما فعله أبناء الفينيقيين.

مازلت حتى اللحظة أسمع أصوات استغاثات تسكن جانباً من رأسي لا تفارقه. إن حكمنا على هذا الفعل، أتى من هؤلاء وأولئك، لبنانيون وإسرائيليون، فهذا بالنسبة للعالم ليس حكماً على الإطلاق. لقد تحدّث لوثر عن هذا بما فيه الكفاية. من المحتمل أنه قال ذلك بتأثير من المتصوّفة، ومن المؤكد أنه يمكن لآخرين سواه أن يقولوا ويبرروا ذلك، فالكثيرون بالمعنى البورجوازي، لا اخلاقيين. لقد ميّزوا بين الذنوب والروح التي يمكن أن تظل طاهرة رغم الذنوب. تقريباً مثل مكيافيللي الذي ميّز بين الغاية والوسيلة. لقد سلبت منهم انسانيتهم. هل تقدّمت البشرية كثيراً بعد مجزرة صبرا وشاتيلا؟ حتى لو فعلت فإنها تظل مع ذلك اسيرة وحشية تللك المجزرة. يمكن لروح من شارك بالقتل

(إن كانت ثمة من روح) أن تمّر بدون توجس تحت أنظار الملائكة والشياطين، وفي عينيه ابتسامة طفل شفافة، لكن كل شيء بعد صبرا وشاتيلا أصبح يعتمد على مبدأ غير مرئي، وعلى تسويات (شريفة) بينما رائحة الدم المستضعفة وقد نبذها العالم، تصّب الآن في صدري، في مبالغتها الصغيرة.

=================

مهمات داخلية عاجلة أمام المعارضة السورية

الجمعة, 23 سبتمبر 2011

ماهر الجنيدي *

الحياة

عاشت المعارضة السورية أكثف لحظات حرجها في الأيام التي أعقبت الإعلان عن تشكيل مجلس انتقالي، برئاسة الدكتور برهان غليون؛ مجلسٍ جاء نتيجة «مبادرة» طرحها بعض النشطاء، من دون أن ينالوا موافقة أعضائه المفترضين، ومن دون أي عملية انتخاب، بل نتيجة استئناس بآراء البعض، واستمزاج للرأي العام، وتأمّلٍ بنشاط البعض.

تمثل الحرج أساساً في تباين آراء «أعضاء المجلس» بين مندد ومستنكر ومستغرب ومستمهل وموافق، في وقتٍ سارع جمهور المعارضة إلى نشر الخبر وتناقله، ضمن أجواء تفاؤل واسع وترحيب شديد بهذا الإعلان، وتبادل عبارات التهنئة، بل إقامة طقوس احتفالية في بعض الميادين والمقاهي والأماكن العامة والخاصة.

من المؤكد أن هذه المبادرة جاءت بعد تعاظم الإحساس لدى جمهور المعارضة بأهمية حدوث نقلة نوعية في سبل دعم الاحتجاجات التي تشهدها سورية، وبضرورة استحداث منبر سياسي معبّر عنها، يضبط إيقاعها، وينظّم شعاراتها، ويشذّب تفلّتاتها. وساعد في أجواء الغبطة هذه التأييدُ الذي أعلنته تنسيقيات في الداخل السوري لهذا المجلس، على رغم بعض ملاحظات الجميع على هذا الاسم أو ذاك من بين الأعضاء المفترضين، وكذلك على اسم «المجلس الانتقالي» الذي يذكّر بالحالة الليبية.

بيد أن هذه الأجواء انقلبت إلى نوع من الإحباط وخيبة الأمل حين سارع كثيرون إلى التشكيك في آلية ظهور هذه المبادرة، وبعد أن بدأت سلسلة انسحابات من المجلس، وعقب ظهور ردود فعل سلبية، كان أقلها حدة (وأشدّها طهرانية) دعوات لعدم الاستعجال في طرح البديل السياسي. ولم يستشعر أصحاب ردود الفعل أن الأجواء الاحتفالية، والمناشدات التي ظهرت من جمهور الاحتجاجات (وليس فحسب جمهور المعارضة) لقبول المبادرة والمضي بها قدماً إلى الأمام، إنما يعكس مقدار الحاجة لهذه الخطوة، حراكياً وميدانياً وسياسياً. كما لم يستشعروا أن البلبلة التي أصيب بها الإعلام الرسمي نتيجة هذا الإعلان إنما تعكس توقيته الأمثل.

لا بأس، إذ لم يفت الأوان بعد، لكن اللحظة المناسبة قد لا تأتي سريعاً، خصوصاً مع بدء ظهور مبادرات هنا وهناك، تتسلق وتستثمر، بنوايا حسنة أو غير حسنة. لذا، وإلى أن تنضج الظروف، وتُستكمل الجهود، وتحين تلك اللحظة، ينبغي الالتفات إلى بعض المهمات العاجلة التي تنهض أمام قوى المعارضة وجمهورها في الداخل السوري:

- التوافق على ميثاق شرف، يضمن عدم انعطاف بعض أقسام المعارضة نحو تسويات فردية خارج السرب أو لا تتوافق مع الأهداف التي تنشدها الاحتجاجات، أو نحو وجهات لا تتّسق والمبادئ التي توافق المنتفضون عليها حتى الآن، وخصوصاً السلمية ونبذ العنف الطائفي والتدخل العسكري. تكتسي هذه الخطوة أهمية حيوية في ظل حالات التباين والتباعد التكتيكي والاستراتيجي وخريطة التحالفات التي تشهدها أطياف المعارضة، بتنوعاتها الفكرية والإثنية.

- التوافق على مبادئ فوق دستورية. ومن هذه المبادئ وأهمها، على سبيل الاقتراح: وحدة التراب الوطني، الهوية المدنية العلمانية للدولة، احترام حقوق وواجبات جميع الأقليات، ومبادئ المواطنة، وديموقراطية نظام الحكم وبرلمانيته وتعدديته، وتداول السلطة، وغيرها. وإذا كان لهذه الخطوة أن استحقت في مصر بعد سقوط رأس النظام، فإنها تبدو في الحالة السورية مستحقّة في هذه المرحلة بالضبط، مرحلة دعم الاحتجاجات وتصعيدها بطرق «معارضوية».

- استكشاف طرائق احتجاج أخرى تساند حركة الاحتجاج الرئيسة، تتخذ طابعاً يعكس نضج المجتمع المدني وتجاوزه القوالب المتخلفة شبه العسكرية التي حشر النظامُ فيها المجتمع، من نقابات واتحادات وجمعيات وغيرها. إن تحركات الفنانين والمحامين والأطباء وغيرهم تقدّم دعماً معنوياً لا يجارى لحركة الاحتجاج.

- العمل ميدانياً على تشكيل لجان للأحياء والمناطق تنسق جهودها لضبط حالات الفلتان المحتملة، والتي يعمل بعض الأجهزة على التلويح بمخاطرها وبتبعاتها، أو ربما التخطيط لها في حال سقوط النظام.

- إعداد العدّة لتلقّف المؤسسات العامة والحكومية في حال حدوث انهيار مفاجئ أو سريع في أجهزة السلطة، بما يضمن إمساكاً سريعاً بزمام الأمور، والحؤول دون انهيار مؤسسات الدولة عند نشوء حالة فراغ في السلطة.

وسيكون من مهمات المجلس داخلياً تنسيقُ هذه الجهود وتوحيدها ونشرها، والمواظبة على وضع تصورات وسيناريوات المرحلة التالية، وفق المستجدات الراهنة، وتعميمها على المجتمع وقواه المدنية، كي تبقى على أهبة الاستعداد لاحتمالات التطورات المقبلة.

الشعب يريد دولة مدنية عصرية قوية، ونظام حكم ديموقراطياً. وحين يخلي الخصم بعض مواقعه رامياً إلى تعزيز قواه في مواقع يراها أكثر حيوية، ينبغي للخصم الآخر أن يحتل هذه المواقع سريعاً، وأن يبني قواعده فيها، وأن يعدّ العدّة لسقوط سلس لخصمه بأقل الخسائر البشرية والمادية والمعنوية.

وحين يختل نظام الطائرة بما يحتّم سقوطها، تقتضي الحكمة من الربّان أن يطبّق إجراءات «الهبوط السلس»، لتفادي الخسائر البشرية والميكانيكية غير المبررة. أما إذا تجاهل الربّان الخلل، وتغاضى عنه، ظانّاً أن في وسعه المضي في الرحلة حتى خواتيمها السعيدة، فإنه يغامر، ليس فقط بأرواح الركاب، بل بأرواح الطاقم، فضلاً عن الطائرة ذاتها. وحينئذ سيحدث «السقوط الحر»... وهو سقوط انفجاري مدوّ... يأكل الأخضر واليابس.

والربّان، هنا، هو ذلك الوليد الذي لم تشهده الساحة السورية بعد.

* كاتب سوري

=================

الخريطة الجيوسياسية الجديدة للشرق الأوسط

الجمعة, 23 سبتمبر 2011

باتريك سيل *

الحياة

ليس الربيع العربي الثورة الوحيدة المندلعة في المنطقة، فقد ساهمت التطوّرات المفاجئة مثل الإطاحة بالحكّام الديكتاتوريين في تونس ومصر وليبيا وارتفاع حصيلة القتلى في سورية واليمن اللتين لم يتقرّر مصيرهما بعد وإعادة إحياء الحركات الإسلامية التي طالما قُمعت والتي تطالب بالحصول على حصة في السلطة ونضال الثوّار الشباب من أجل إعادة تكوين الدولة العربية، في تحويل الأنظار عن ثورة أخرى توازيها أهمية.

إنّه التحدي الذي تفرضه الدول التي تمثّل ثقلاً كبيراً في المنطقة مثل تركيا والمملكة العربية السعودية ومصر وإيران ضد الهيمنة التي سعت الولايات المتحدة وإسرائيل إلى فرضها على مدى أكثر من نصف قرن.

حين أعلن ديفيد بن غوريون استقلال إسرائيل في 14 أيار (مايو) 1948، رأى أنه يمكن ضمان أمن البلد إذا كانت إسرائيل أقوى عسكرياً من أيّ ائتلاف عربي محتمل، وباتت هذه الرؤية عقيدة إسرائيل الأمنية، وتمّ بلوغ الهيمنة المرغوبة بفضل بسالة القوى المسلحة الإسرائيلية وبفضل الائتلافات الخارجية التي أقامتها إسرائيل أولاً مع فرنسا ومن ثمّ مع الولايات المتحدة.

وساعد التفوّق العسكري إسرائيل في تحقيق انتصارات كبيرة خلال حربي 1948 و1967 وانتصار أقلّ دويّاً عام 1973 وانتصار مثير للنزاع خلال اجتياحها لبنان في 1978 و1982 و2006 وانتصار مخزٍ خلال عملية وحشية لا مثيل لها ضد قطاع غزة عام 2008-2009 علماً أنّ هذه الأحداث هي الأبرز من بين مجموعة الهجمات والغارات والمجازر الأخرى التي نفذّتها إسرائيل ضد البلدان المجاورة على مرّ العقود القليلة الماضية.

وفي السنوات الأولى، تعزّزت الهيمنة الإسرائيلية من خلال ما سمّي عقيدة «حلف الشركاء» وهي محاولة لتحييد العرب من خلال إنشاء ائتلافات إستراتيجية مع البلدان المجاورة غير العربية مثل تركيا وإيران في عهد الشاه. وشكّلت معاهدة السلام التي أبرمتها مع مصر عام 1979 مصدر قوة حيوياً على مرّ العقود الثلاثة الأخيرة بما أنها أبعدت البلد الأقوى عن الصف العربي.

وساهم انهيار القوة السوفياتية في 1989-1991 في نشر الفوضى في صفوف العرب، شأنه شأن النجاح الكبير الذي حقّقه الأميركيون الموالون لإسرائيل لجهة الانخراط في كلّ مؤسسة تقريباً في الحكومة الأميركية سواء على مستوى الولاية أو على المستوى الفيديرالي لا سيما في الكونغرس. وبعث هؤلاء الموالون لإسرائيل برسالة مفادها أن مصالح أميركا وإسرائيل متطابقة و «لا يمكن زعزعة» ائتلافهما.

على مرّ السنوات الأربعين الماضية، أعطت الولايات المتحدة إسرائيل الدعم الديبلوماسي والسياسي المستدام إلى جانب المساعدة المالية والعسكرية الكبيرة بما فيها الضمانة الواردة في القانون الأميركي والقاضية بحماية التفوّق العسكري النوعي لإسرائيل، أي التعهد الأميركي بضمان قدرة إسرائيل على هزيمة أي تحدّ تفرضه البلدان المجاورة.

وحتى اعتداءات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) صبّت في مصلحة إسرائيل بفضل إقناع الرأي العام الأميركي بأنّ المقاومة الفلسطينية لإسرائيل تشكّل إرهاباً لا يختلف عن الإرهاب الذي عانت منه أميركا. وقام بعدها جورج بوش الابن بعسكرة السياسة الخارجية الأميركية وباجتياح العراق واحتلاله وتدميره بناء على ذرائع ملفقة وذلك بإدارة المحافظين الجدد مثل بول وولفوفيتز ودوغلاس فيث وزملائهما في وزارة الدفاع الأميركية وفي مكتب نائب الرئيس الذين كانوا يسعون إلى إبعاد أي خطر ممكن قد يفرضه العراق بقيادة صدام حسين على إسرائيل.

كما سعت الولايات المتحدة إلى حماية الاحتكار النووي الإقليمي لإسرائيل من خلال فرض عقوبات قاسية على إيران بسبب نشاطها النووي إلى جانب العمليات الأميركية-الإسرائيلية المدمّرة المشتركة مثل اختراق فيروس «ستاكسنت» الكومبيوترات الإيرانية. وغضّت واشنطن الطرف عن اغتيال إسرائيل علماء إيرانيين وحذت حذو إسرائيل في وصف حركات المقاومة مثل «حزب الله» وحركة «حماس» بأنها منظمات إرهابية.

لكن خطأ أميركا الأكثر فداحة الذي شكّل مصدر ضرر كبير لها ولإسرائيل وللسلام وللاستقرار في الشرق الأوسط، تمثّل في السماح لإسرائيل بالاستمرار في احتلال الأراضي الفلسطينية والاستيلاء عليها، فأدت هذه السياسات إلى نشوء كره كبير لإسرائيل في العالم العربي والإسلامي وغضب كبير حيال القوة العظمى التي تحميها.

ونشهد اليوم ثورة ضد هذه السياسات في الدول التي تشكّل ثقلاً كبيراً في المنطقة، الأمر الذي يعدّ فعلياً ثورة ضد الهيمنة الأميركية والإسرائيلية توازي أهميتها أهمية الربيع العربي نفسه. وتبعث هذه القوى الإقليمية رسالة مفادها أنّه لا يمكن إهمال القضية الفلسطينية بعد الآن، إذ يجب وضع حدّ نهائي لاستيلاء إسرائيل على الأراضي في الضفة الغربية ولحصارها المفروض على قطاع غزة، كما يجب إعطاء الفلسطينيين فرصة إنشاء دولتهم الخاصة. لأن قضيتهم تثقل على ضمير العالم.

قطعت تركيا علاقتها بإسرائيل بعد أن كانت حليفها الاستراتيجي على مدى فترة طويلة. وندّد رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان بها معتبراً أنها «ولد الغرب المدلل»، وفي إطار خطاب مهمّ ألقاه في القاهرة، حذّر اردوغان إسرائيل من أنها «ستدفع ثمن اعتدائها وجرائمها»، وعبّر عن دعمه الفلسطينيين في جهودهم للحصول على اعتراف الأمم المتحدة بدولتهم، معتبراً أن ذلك ليس خياراً بل «واجباً».

كذلك حذّر الأمير تركي الفيصل، وهو عضو بارز في العائلة الملكية السعودية ورئيس سابق للاستخبارات، الولايات المتحدة من أنها توشك على خسارة حليف لها إن استخدمت حق النقض (الفيتو) ضد محاولة الفلسطينيين الحصول على اعتراف بدولتهم. ورأى في مقال أثار جدالاً واسعاً نشرته صحيفة «إنترناشونال هيرالد تريبيون» في 12 أيلول (سبتمبر) الجاري أنّ «المملكة العربية السعودية لن تكون قادرة على التعاون مع أميركا» بالطريقة نفسها التي تعاونت معها منذ الحرب العالمية الثانية، وأضاف إن «الأكثرية الساحقة من العرب والمسلمين التي تطالب بإحقاق العدالة للشعب الفلسطيني قد تعتبر أنّ العلاقة المميزة التي تربط بين البلدين أصبحت مضرّة».

وفي الأسبوع الماضي، تعرّضت معاهدة السلام الإسرائيلية - المصرية التي أُبرمت عام 1979 بوساطة أميركية والتي كرّست هيمنة إسرائيل الإقليمية، لانتقادات مفتوحة في مصر. فأعلن رئيس الوزراء المصري عصام شرف أنّ المعاهدة ليست «كتاباً مقدّساً» فهي بحاجة إلى مراجعة. ودعا عمرو موسى، المرشح الأبرز للانتخابات الرئاسية المصرية، إلى مراجعة الملاحق العسكرية الواردة في المعاهدة من أجل نشر القوات المصرية في سيناء.

وفي ما يتعلّق بإيران، من المتوقع أن يندّد الرئيس أحمدي نجاد بالولايات المتحدة وبإسرائيل حين يلقي خطابه أمام الجمعية العمومية في الأمم المتحدة في الأيام المقبلة. وشكّل الإخفاق في التحاور مع إيران واعتبارها خطراً على العالم بأكمله بدلاً من العمل على إشراكها في البنية الأمنية في منطقة الخليج، أحد أخطاء أوباما السياسية الفادحة.

ويبدو أنّ تركيا وإيران ومصر التي تملك حضارات قديمة، تدافع عن حقوقها ضد ما تعتبر أنه بروز إسرائيل المفاجئ. ويبدو أيضاً أنّ المملكة العربية السعودية التي تعدّ عملاقاً مالياً ونفطياً في المنطقة وخادمة الحرمين الشريفين تتحرّر من قيود الائتلاف الأميركي.

وتبقى إسرائيل موجودة في قفص الاتهام، فهل ستأخذ الرسائل بالاعتبار أم أنها ستقتل حاملها؟ وإذا ما نظرنا إلى ماضيها، ستحاول بذل كل ما في وسعها من أجل الخروج من العزلة الموجودة فيها والإخلال باستقرار المنطقة وحصد المزيد من الازدراء.

أما الولايات المتحدة فمقيّدة كلياً بالمصالح الإسرائيلية، كما يبدو أنها تخلت عن الدور الرائد الذي أدّته في عملية السلام العربية - الإسرائيلية على مدى فترة طويلة من دون تحقيق أيّ نتيجة تذكر. وتبدو خيبة أمل الرئيس باراك أوباما كبيرة، فيجب أن يتحمّل أشخاص آخرون المسؤولية. ويرى عدد كبير من الأشخاص أنّ الوقت قد حان من أجل خرق جدار الأزمة الخطير باستخدام الديبلوماسية القسرية، فهل تأخذ أوروبا هذا التحدي على عاتقها؟

* كاتب بريطاني مختص في قضايا الشرق الاوسط

=================

أي مجلس وطني يريده السوريون؟

فايز سارة

الشرق الاوسط

23-9-2011

تعددت على مدى الأشهر الستة الماضية آراء السوريين وتحليلاتهم حول طبيعة الأزمة القائمة في البلاد، كما تنوعت آراؤهم في سبل الخروج من هذه الأزمة، وهو ما حاولت اجتماعات ومؤتمرات ولقاءات وندوات - عقدت داخل سوريا وخارجها - البحث فيه. وقد تفاوتت طبيعة تلك الأنشطة، واختلفت نتائج أعمالها، وصب بعضها جهده نحو تشكيل مجلس وطني سوري، يكون بمثابة برلمان خارج الإطار الرسمي، يمكن أن يتحمل عبء المرحلة الانتقالية، ويخفف من تداعيات الأزمة واحتمال انزلاقاتها إلى واحد من أمرين أو الاثنين معا، احتمالات الصراع المسلح في الداخل، واحتمالات التدخل العسكري الأجنبي، وكلاهما يحمل أبعادا تدميرية على سوريا البلد والسكان.

وفي سياق الجهود السورية السابقة، تم توليد تجارب عدة لفكرة المجلس الوطني السوري، الأبرز فيها تجربة المجلس الوطني الانتقالي الذي أعلن من أنقرة في أغسطس (آب) الماضي، ثم تجربة المجلس الوطني الذي تم الإعلان عنه في إسطنبول مؤخرا، ثم هناك فكرة المجلس الوطني السوري، التي أشار إليها بيان تشكيل الائتلاف الوطني السوري الذي يجمع في إطاره قوى المعارضة السياسية الرئيسية في سوريا والخارج: هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي وإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، والتيار الإسلامي بما فيه جماعة الإخوان المسلمين.

ومما لا شك فيه، أن تجربتي المجلس الوطني في أنقرة وإسطنبول، ثم فكرة المجلس لدى الائتلاف الوطني السوري، تجمع طموحات ورغبات السوريين في خلق هيئة وطنية تمثيلية يجسدها مجلس وطني، يمارس دوره في متابعة الوضع السوري في واقعة الراهن وفي مستقبله، وخاصة في المرحلة الانتقالية، التي باتت بين الفرضيات الأساسية، لانتقال سوريا باتجاه النظام الديمقراطي التعددي، الذي يقوم على أسس المساواة والعدالة والحرية والقانون والمشاركة الشعبية والسياسية.

إن إقامة النظام الديمقراطي التعددي، يمثل الهدف الأساسي للسوريين في الداخل وفي الخارج، وهو أمر مثبت في برامج ووثائق الجماعات والتحالفات السياسية، وملحوظ في وثائق وبيانات المؤتمرات والاجتماعات التي عقدها السوريون في الأشهر الماضية، كما أنه ملموس في هتافات ومطالب المتظاهرين والحراك الشعبي في المناطق السورية كافة. وهذا يعني، أن على المجلس الوطني السوري المطلوب وضع هذا الهدف في مقدمة أهدافه، وجعله الموجه لكل السياسات التي يرسمها، وتلك التي سوف يقرها، ويلزم بها قياداته في الفترة المقبلة.

غير أنه وفي الطريق إلى هدف المجلس نحو إقامة النظام الديمقراطي، لا بد من ملاحظة أن المجلس ينبغي أن يكون ممثلا للطيف السوري جميعا بجماعاته الفكرية والسياسية، وفعالياته الاجتماعية والاقتصادية، وإعطاء أهمية خاصة لوجود الحراك الشعبي والرموز الوطنية والثقافية في الداخل والخارج في إطار عضويته، الأمر الذي يسبغ على المجلس الوطني المرتقب مسحة المرحلة السورية الراهنة بما تؤشر إليه من مستقبل سوريا القادم؛ سوريا الديمقراطية والتعددية والمساواة.

ولا يحتاج إلى تأكيد قول إن مركز الثقل في المجلس الوطني ينبغي أن يكون في الداخل السوري، ليس من حيث عدد الأعضاء فقط وهذا أمر بديهي، وإنما في غلبة القيادة ومركزها الأول، ليس تقليلا من أهمية السوريين وفعالياتهم في الخارج، وهم يحتلون بوجودهم وعملهم أهمية خاصة في المرحلة الحالية، بل لأن القيادة ينبغي أن تكون في الداخل مربوطة بمعاناته ومدركة عن عمق احتياجاته، وبعيدة عن ضغوط الخارج الذي طالما خبرنا ظروفها ومعطياتها ونتائجها.

لكنه ومع التركيز على ثقل القيادة في الداخل، فلا بد من إعطاء قيادات المجلس الوطني ومؤسساته في الخارج، ولا سيما المؤسسة الإعلامية ومؤسسة العلاقات السياسية ومؤسسة رسم السياسات ومؤسسات الدعم اللوجيستي ولا سيما الحقوقية والإنسانية، هامشا كبيرا في رسم الخطط وتنفيذها تحت رقابة المجلس الوطني وتدقيقه.

وبطبيعة الحال، فإن تشكيل المجلس الوطني ينبغي أن يكون توافقيا في أحد جوانبه، بمعنى أن لا يكلف البعض نفسه بالتصرف خارج المرجعيات الأساسية، التي أعتقد أنها مرجعيات سياسية أساسا، تؤكد وجودها في المجلس عبر إقامة ائتلاف سياسي وطني، يضم التيارات الأساسية، الوطنية والقومية والإسلامية، وبصورة عملية، فإن هذه التيارات منضوية في هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي وإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، حيث تنتظم شخصيات وطنية وأحزاب عربية وكردية والمنظمة الآشورية الديمقراطية وجماعات إسلامية، يضاف إليهما تحالف التيار الإسلامي بجماعاته وخاصة «الإخوان المسلمين»، وجميعها لها امتدادات تنظيمية خارج سوريا، وسيكون على هذا التحالف الوطني الواسع، القيام بأمرين أساسيين، أولهما إبقاء الباب مفتوحا لدخول الأحزاب والجماعات والشخصيات المستقلة في إطار التحالف، والثاني العمل على تمثيل الحراك الشعبي وفئاته الشابة في هذا التحالف تحت لافتة التغيير الديمقراطي وصولا إلى الدولة الديمقراطية التعددية.

إن مجلسا وطنيا بهذا المحتوى، يمكنه أن يحوز ثقة سورية واسعة، وهو في الأهم من ذلك، سيكون إطارا للتعبير عن أوسع الفئات السورية وأكثرها حضورا، وسيكون ممثلا لأغلبية السوريين، وسوف يضع حدا لقلق السوريين وهواجسهم إزاء القادم والمحتمل من تطورات.

* معارض سوري

================

روسيا وامريكا: اختبار السياسات والمصالح

طاهر العدوان

العرب اليوم

2011-09-22

يتصاعد النقد, في الشارع العربي, ضد موقف روسيا من الثورات العربية, خاصة في سورية. حيث تظهر كمؤيدة للعمليات العسكرية التي يقوم بها النظام منذ 6 أشهر لقمع المظاهرات الشعبية. وفيما انشغلت موسكو في بدايات الثورة الليبية بالبحث عن تسويات دبلوماسية تنقذ نظام القذافي. فإنها في الحالة السورية تبدو وكأنها تبحث عن نقاط خلاف او صراع مع الولايات المتحدة وحلفائها في ظل الانهيار العام للسياسات والمصالح السابقة للدول الكبرى منذ بداية حراكات الربيع العربي, وقاعدة التحرك عند موسكو هي الدفاع عن النظام السوري بمواجهة واقع تعزيز نفوذ واشنطن ولندن وباريس على خلفية التأييد لثورات مصر وتونس وليبيا.

يخلق الربيع العربي, وتطوراته المتسارعة, مصادر جديدة بدوافع مختلفة للتنافس بين الدول الكبرى, الى درجة الاحتكاك والتناقض. وهذا سيخلق مشكلات معقدة للسياسة الخارجية ليس فقط لروسيا انما ايضا للولايات المتحدة وحلفائها الاوروبيين.

بالنسبة لموسكو, التي تتشوه صورتها عند الرأي العام العربي, بسبب مواقفها من الثورة السورية, ستعمل على تحسين هذه الصورة في المعركة السياسية الوشيكة في الامم المتحدة من خلال تأييدها لقبول الدولة الفلسطينية كعضو كامل. وبالنسبة لواشنطن ولندن وباريس فإن لعبة دورها الجديد كمدافعة ومساندة لحريات الشعوب العربية ضد الاستبداد توشك ان تظهر كمظهر المخادع امام اول اختبار جدي في الامم المتحدة. عند بدء التصويت على قضية الدولة الفلسطينية.

لقد اعتبرت امريكا وحلفاؤها الاوروبيون في اوساط الرأي العام العربي وخلال العقدين الماضيين, كمُصدّرين اساسيين للحروب والقلاقل في الشرق الاوسط والداعمين الرئيسيين للديكتاتورية من جانب وللاحتلال (الاسرائيلي) في فلسطين وفي العراق من جانب آخر. مثل هذه الصورة السلبية بدأت تتغير منذ بداية الربيع العربي, لكنها معرضة لانتكاسة كبيرة اذا ما اظهرت المواقف في الامم المتحدة بأن الغرب لا يزال يكيل بمكيالين في مسألة الديمقراطية والحرية. وان اسرائيل ستظل (بدعم واشنطن وحلفائها) فوق القانون الدولي وفوق المساءلة وهي التي تمثل الاحتلال الوحيد الباقي في العالم.

في نيويورك, وعشية انعقاد الجمعية العامة للامم المتحدة وجه الملك عبدالله الثاني تحذيرا يعبّر عن الرأي العام للشعوب العربية وهو انه اذا ما استخدمت امريكا الفيتو ضد الدولة الفلسطينية, فإنها ستواجه شرق اوسط ينظر اليها بمنظار غاية في السلبية واعتبارها جزءا من المشكلة وسوف يعبر الناس عن طموحاتهم بصوت اعلى.

في زمن الربيع العربي, وظهور الرأي العام للشعوب كقوة جديدة ومؤثرة فإن الانهيار العام لسياسات ومصالح الدول الكبرى بصورتها السابقة, لا يعني ان الابواب مشرعة امام هذه الدول لاعادة بناء سياساتها الجديدة من خلال التسويات السياسية على حساب الثورات كما تفعل موسكو, او من خلال التصريحات والحملات الاعلامية كما تفعل امريكا وفرنسا. فبناء الشرق الاوسط الجديد لا يحتمل الاستمرار في فرض سياسات اسرائيل واحتضانها والدفاع عنها في المستقبل القريب والبعيد. واخطر من ذلك ان قادة اسرائيل »الذين يدفنون رؤوسهم في الرمال« سيجرون المنطقة والعالم الى حروب مفتوحة وصراعات خطرة تهدد الامن والاستقرار الدوليين وتهدد بالاساس مصالح الدول الكبرى إن استمرت في الدفاع عن احتلالات اسرائيل, وعن الانتهاكات القذرة والبشعة وغير المسبوقة في التاريخ ضد الشعب الفلسطيني, الذي هو جزء رئيسي من حالة الربيع العربي.

taher.odwan@alarabalyawm.net

========================

الدولة المدنية التي نريد !

مجلة البيان 22/10/1432

د.معن عبد القادر

نحن أيضا نريدها دولة مدنية بامتياز، وبكل الدلالات اللغوية للكلمة.

 نريدها دولة مدنية !

 لا نريد دولة مكية، المؤمنون فيها مستضعفون، يُحارَبون لأجل دين رأوه حقا، فأخرجوا من ديارهم، وضيق عليه في معاشهم، وحرموا من أبسط حقوقهم فلا يجتمعون لتعلم دينهم إلا سرا متخفين في دار الأرقم بن أبي الأرقم. بل ويفتنون عن دينهم حتى يؤتى بأحدهم فيقال له: هذا الجعلان (حشرة الخنفسانة) إلهك من دون الله فيقول نعم، من شدة ما يلقى من الأذى والتعذيب. ولا تزال هذه الفتنة تمارس اليوم بحذافيرها ولم يتغير فيها إلا هيئة الجعلان !

 نريدها دولة مدنية !

 لا نريد دولة عسكرية بوليسية، يحكم فيها العسكر قساة القلوب، يحصون على الناس أنفاسهم، ويزرعون مخبرا في كل زاوية، ويحاكمون الناس أمام محاكم عسكرية لا عدالة فيها ولا نزاهة، ويبددون مقدرات الدولة في تكوين الكيانات البوليسية والمخابراتية لحمايتهم، ويسوسون الناس بأحكام الطوارئ والأحكام العرفية طيلة الدهر.

 نريدها دولة مدنية !

 لا نريد دولة همجية متخلفة رجعية، ليس لها من التقدم في العلوم الحديثة وأدوات الحياة المعاصرة نصيب، ترى ذلك في تعليمها وصحتها ومواصلاتها واتصالاتها ومعاملاتها المالية وإجراءاتها المعقدة وأنظمتها البالية.

 نريد دولة مدنية حضارية، تبنى بسواعد أبنائها وتستنير بإبداعاتهم التي انتفع بها أكثر شعوب العالم وحرمت هي منها بسبب طردهم وتهجيرهم، حتى أصبح أكثر من ثلث الشعب من المغتربين.

 لا تريدونها دولة دينية !

 ومن يريد دولة ثيوقراطية كنسية؟ سواء تسمت بذلك أو مارسته واقعا.

 من يريد دولة الحاكم فيها معصوم لا ينطق عن الهوى – وهو ليس ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا - ، كل ما يقوله حكمة لكن قد تقصر عنه أفهام البشر فلا يدركونه إلا بعد حين!(1)

 من يريد دولة لم تبدع إلا في شعارات التمجيد الممجوجة على شاكلة "لكل أمة عظيم، ولكل قرن عظيم، وأنت عظيم كل الأمم وكل القرون"(2)؟

 حُدِّثتُ أن طالبا سوريا كان يسعى لدرجة الدكتوراة في السياسة في إحدى جامعات بريطانيا في أوائل التسعينيات، واختار لأطروحته دراسة خطابات السيد الرئيس "حافظ الأسد". فجاءت رسالته متخمة بالإشادة والتعظيم والتقديس لعبارات السيد الرئيس ومضامينها ومغازيها وجوامع الكلم فيها. ُرفضت الرسالة من المحكمين لأن الطالب لم ير في خطابات السيد الرئيس على مدى عشرين عاما شيئا يستحق النقد.

من يريد دولة انتقاد شخص رئيسها أو قوله أو فعله جريمة لا تغتفر، تهون دونها كل العقوبات والحدود التي سنتها الشرائع السماوية؟ بينما يهدد مجوسيٌ خليفةَ المسلمين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - بالقتل بعبارة مبطنة فلا يزيد على أن يقول "تهددني الوغد" ويتركه حرا طليقا ! وتعترض على رأيه في المهر امرأة من سواد المسلمين فيرجع عن رأيه ويقول أخطأ عمر وأصابت امرأة!

 ما نريده غائب، وما لا نريده قائم، ولهذا قامت الثورة. ولن تقعد – بإذن الله – حتى يكون ما نريد، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.

__________________

[1] وقد أعرضت صفحا هنا عن المظاهر الشاذة من تأليه الرئيس، والسجود له، والعبودية لإصبع قدمه الأصغر!

[2] (عبارة زين بها الجدار في مطار دمشق بجوار صورة حافظ الأسد، ولا أدرى إن كانت لا تزال في مكانها، فقد بعد العهد بمطار دمشق).

=================

دمشق على طريق بغداد

الخميس, 22 سبتمبر 2011

داود الشريان

الحياة

أوردت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، في عددها الثلثاء الماضي، أن واشنطن أصبحت مقتنعة بأن «إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد ستتم، على رغم ان سقوطه ليس وشيكاً». الاقتناع الأميركي ليس خبراً. الجميع بات على يقين بأن نظام الأسد فَقَدَ قابلية الاستمرار، لكن الخبر هو ان الإدارة الأميركية تخشى، وإن شئت تعتقد بأن سورية ستدخل حرباً أهلية بعد سقوط النظام، ولهذا بدأت تعاوناً سرّياً مع أنقرة للتحضير لمرحلة ما بعد الأسد. ماذا ستفعل اميركا في سورية؟ هل تمنح انقرة دوراً يشبه دور طهران في العراق؟

يبدو أن تجربتنا مع النهج الأميركي في العراق ستتكرر في سورية. أميركا غيّبت أي دور للعرب على الساحة العراقية بعد الغزو. شجعت إقامة ما يسمى «مؤتمر دول الجوار» الذي هدف إلى منع أي تحرك عربي على الساحة العراقية، وسمحت لإيران بترتيب العملية السياسية هناك، وتركتنا نسأل - في حيرة - هل يُعقل ان تضحي واشنطن بجنودها، وتنفق مئات البلايين من اجل وضع العراق تحت الهيمنة الإيرانية؟ النتيجة هي كذلك بالفعل. ومثلما أصبحت بغداد تدار من طهران بتسهيلات أميركية، فإن دمشق على موعد مع نفوذ انقرة. وتركيا بدأت تحضّر نفسها لهذا الدور منذ اليوم الأول للثورة السورية. فتحت حدودها للاجئين السوريين، وسهّلت عقد اول مؤتمرين للمعارضة السورية على ارضها، واستدركت ترددها في دعم ثوار ليبيا. وهي عاودت تحسين صورتها في الشارع العربي، وافتعلت أزمة ديبلوماسية وإعلامية مع إسرائيل، على رغم انها اهم شريك عسكري واستراتيجي للدولة العبرية في الشرق الأوسط.

لا شك في ان المستقبل السياسي لسورية يكتنفه غموض مخيف. فتركيا لديها سبب جوهري للتدخل في ترتيبات الوضع السوري هو خشيتها من قيام نظام يعطي الأكراد وضعاً يشبه ما حصل في العراق، ناهيك عن ان واشنطن لن تسمح بقيام نظام يكسر صمت الحدود السورية - الإسرائيلية، ويربك ملف أمن اسرائيل.

الأكيد ان المعارضة السورية ليست متفقة، ولا تمتلك رؤية واضحة للحل، وهي تستمد دعمها من أطراف أجنبية، والعرب ما برحوا يتصرفون على قاعدة «عدم التدخل في الشأن السوري»، تاركين للآخرين رسم مستقبل سورية. وواضح انهم سيكررون الجلوس على مقاعد المتفرجين، كما فعلوا خلال غزو العراق. لذلك لن نستغرب طرح السؤال: من سيحكم سورية في المستقبل؟

dawood@alhayat.com

=================

التدخّل الدولي قبل وبعد "البوعزيزي"

تاريخ النشر: الخميس 22 سبتمبر 2011

أحمد أميري

الاتحاد

قذف كاتب وباحث خليجي الحكومات الغربية بالبيض الفاسد احتجاجاً على مصادرة ثروة بعض رموز النظام السوري، متسائلاً إن كانت المصادرة ستوقظ القتلى من القبور أو تطلق سراح المعتقلين، ومنتقداً في السياق نفسه موقف الغرب من القذافي، لأنهم نافقوه طويلاً وبشكل مبتذل، رغم أنهم لم يكونوا غافلين عن سوءاته، "لكنهم استقبلوه بلهفة دولاراته النفطية المغموسة بدم الشعب الليبي".

ويرى الكاتب أن الغرب كشف عن تدنِّ أخلاقي سياسي، ونافق الديكتاتوريات، وصمّ أصحاب العقول ومراكز البحث في الغرب عن محاسبة أنظمتهم، مطالباً الغرب "الذي يدّعي الحضارة، أن يفعل أكثر من المصادرة"، من خلال قرارات دولية تُجرّم قتل المسالمين، والتدخّل لإنقاذ الناس من القتل العشوائي، وإقامة محكمة على شاكلة محاكم "نورنبرغ".

ولو كان على الغرب أن يقيم محاكم للأنظمة الديكتاتورية، وأن يقطع صلاته بكل الأنظمة المغموسة يديها بدماء شعوبها، لربما اكتظت قاعات تلك المحاكم بنصف حكّام الأرض. وكيف كان بإمكان الغرب أن يتدخّل ضد طغاة العرب بينما الشعوب العربية تعتقد أن كل شيء من حولها مؤامرة غربية؟ وكيف تتدخّل لإنقاذ شعوب لا ترفع يد النجدة ولا تصرخ ولا تفعل شيئاً سوى تلقي الصفعات؟

ويبدو أن الكاتب يخلط في دعوته إلى التدخّل الدولي (الغربي بطبيعة الحال) لإنقاذ الناس (العرب) من القتل العشوائي بين عهدين مختلفين تماماً، ما قبل الربيع العربي وما بعده، فإلى ما قبل إحراق "البوعزيزي" نفسه كان الغرب هو الاسم المخفّف للشيطان في نظرنا، فهو المستعمر والصليبي والإمبريالي، وكنّا كعرب نعتبر التدخّل الأجنبي استعماراً، ومن يطالب به خائناً، فقد كنا ضحايا تعريف محرّف للوطنية وللسيادة وللقومية وللمقاومة وللممانعة، وكان العرب يحرقون أعلام الدول التي تتدخّل في شؤونهم، واليوم، يحرقون أعلام الدول التي لا تتدخّل، كما فعل السوريون مع العلمين الروسي والصيني.

وهبْ أن الغرب أعلن قبل يوم واحد من إحراق "البوعزيزي" نفسه أنه سيتدخّل لإنقاذ الشعب الليبي أو السوري أو اليمني أو المصري أو التونسي، فهل كان العرب مهيئين لاستقبال يد المساعدة تلك أم كانوا سيقطعونها ويسحلونها في الشوارع؟

وقد تدخّل هذا الغرب في العراق وأزاح طاغيته، فماذا كانت ردّة فعلنا كشعوب ومثقفين ومحامين ورجال دين تباكوا على صدام واحتسبوه شهيداً؟ وتدخّل هذا الغرب في مأساة دارفور وفي ملاحقة بعض المسؤولين عن الجرائم المنسوبة إليهم، فماذا فعل العرب؟ خرجوا في مظاهرات يسخرون فيها من الفضائح الجنسية لأوكامبو، مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية. وتدخّل الغرب في مقتل الحريري، وإلى يومنا هذا يشكّك نصف العرب في نزاهة المحكمة المقامة لمحاكمة قتلته، والنصف الآخر غير المشكّك، فلأنه من الأساس يصطفّ في جهة المجني عليه، أي ليس إيماناً منه بنزاهة المحكمة.

ولا يزال إلى يومنا هذا غالبية شخصيات المعارضة السورية ترفض التدخّل الدولي، وبعضهم يختم رفضه بالتنديد المعتاد. وها هو أردوغان يصطدم بجدار الوطنية الذي أقامته التيارات الإسلامية في مصر، فبعد أن استقبلوه بحفاوة وسط هتافات إقامة الخلافة، انفضوا من حوله بعد أن نصحهم بصياغة دستور يقوم على مبادئ العلمانية، وهاجموه وقالوا إنه لا يحق له أو لغيره التدخّل في شؤون دولة أخرى.

فإذا كان هذا الكلام يُقال لأرودغان، الإسلامي الناصح، فماذا كان يمكن أن يقال للحكومات الغربية التي يدينها الكاتب لأنها لم تكن تتدخّل ضد الأنظمة العربية التي تمارس القتل العشوائي؟

=================

دمشق : عاجل .. عاجل

عريب الرنتاوي

الدستور

22-9-2011

علمنا من أرفع المصادر السياسية السورية، أن الرئيس بشار الأسد، فرغ من إعداد خطته الشاملة للإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في بلاده، وهي الخطة التي قال أنها ستجعل من سوريا، نموذجاً يحتذى للديمقراطية في المنطقة بأسرها، تلك العبارة التي كررها أكثر من مرة، وفي أكثر من لقاء، دون أن يأخذها خصومه ولا حتى أصدقاؤه، على محمل الجد.

ووفقاً للمصادر فإن الأسد، سيعلن الأسبوع المقبل، خطة مجدولة زمنياً، تنتهي محاورها الثمانية قبل نهاية العام الحالي: المحور الأول، سيتم الإعلان عن إقالة الحكومة وحل البرلمان.... وسيتم تشكيل حكومة انتقالية من رموز المعارضة المقيمة في الداخل، ومن بين أسمائها الأكثر شيوعاً: عارف دليلة، فايز سارة، حسين العودات، الطيب تيزيني وميشيل كيلو وغيرهم، وستُطعم هذه الحكومة بوزراء تكنوقراط لإدارة بعض الوزارات الفنية، فيما الجدل ما يزال دائراً حول هوية وزيري الدفاع والداخلية في الحكومة الجديدة.

في المحور الثاني، سيصدر مرسوم رئاسي يقضي بالإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين، ومعتقلي الثورة السورية الحالية... وإحالة أكثر من خمسين ضابط وضابط صف، من مرتبات الأجهزة الأمنية والجيش إلى التحقيق والمحاكمة بتهم قتل وتعذيب المتظاهرين... وسيشمل العفو العام جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، وسيطلب إلى كافة السوريين من «معارضة الخارج» العودة للبلاد بضمانة شخصية من الرئيس بأن لا يتعرضوا لأية مساءلة أو محاسبة، وسيُلغي المرسوم، قانوناً سابقاً يحظر جماعة الإخوان المسلمين، ويحكم بالإعدام على منتسبيها.

في المحور الثالث، وعلى خط موازٍ، سيصار إلى حصر الأضرار في الأفراد والممتلكات والتعويض عن أصحابها، وسينشأ بمرسوم خاص، صندوق للتعويضات، وستشكل للجنة وطنية عليا للإنصاف والمصالحة، وظيفتها مراجعة الحقبة الماضية، ورد الاعتبار لضحاياها والتعويض عنهم، ومحاسبة كل من قارف جريمة بحق السوريين، وهنا سيصار إلى استضافة خبرات مختصة من المغرب وجنوب أفريقيا للاستفادة من تجاربهما في هذا المجال.

في المحور الرابع، وبصورة متزامنة، سيصدر مرسوم جمهوري، يطلب فيه الرئيس إلى الحكومة الوطنية الانتقالية، الإشراف على عقد مؤتمر للحوار الوطني، يضع قواعد دستور جديد انتقالي للبلاد، ينهي قيادة حزب البعث للدولة والمجتمع، و»يُدستر» التعددية السورية، لينتهي إلى إقرار موعد جديد لإجراء انتخابات برلمانية تعددية، تحت إشراف وإدارة مفوضية عليا مستقلة للانتخابات، وبحضور مراقبين عرب ودوليين، حيث ستتشكل الحكومة المقبلة من تيار الأغلبية في البرلمان السوري الجديد، وتناط بها «الولاية العامة» على البلاد والعباد.

في المحور الخامس، سيتم الاتفاق بين الرئاسة والبرلمان والحكومة، على تبكير موعد الانتخابات الرئاسية في سوريا، وهنا تقول المصادر أن الرئيس يريدها في نهاية 2012 فيما مقربين منه، يريدونها في موعدها المحدد 2014، حيث ستجري انتخابات تنافسية تعددية، بنظام الفائز الأول، وستكون للرئيس المقبل صلاحيات مقلصة بموجب الدستور الجديد، الذي سيعتمد كما تقول المصادر نظاما رئاسيا برلمانيا، يتمتع فيه رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية بثقة الناخبين وصناديق الاقتراع.

في المحور السادس، سيطلب إلى الحكومة الجديدة والبرلمان الجديد، مراجعة كافة التشريعات والقوانين ذات الصلة، وجعل العام 2012 عام «الورشة القانونية» في سوريا، لمواءمة كافة التشريعات السابقة مع مقتضيات سوريا في عهدها الديمقراطي الجديد.

في المحور السابع، ستعمل سوريا على تصفير خلافتها مع دول الجوار العربي والإقليمي، ما عدا إسرائيل بالطبع، التي ستظل العدو الأول لدولة «المقاومة والممانعة»... وسيصار إلى دعوة الأشقاء والأصدقاء إلى توفير «مشروع مارشال صغير» لتطوير سوريا ودعم بناها التحتية، والاستثمار في الزراعة والصناعة والسياحة لتمكينها من الالتحاق بركب العصر في المحور الثامن، ستُوجّه الدعوات لكل حكومات دول «الربيع العربي»، لبلورة ميثاق جديد للجامعة العربية وتشكيل «المحور الديمقراطي» في صفوفها، يملي على كل دولة تريد الاحتفاظ بعضويتها في الجامعة، الالتزام بجملة من المعايير في الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، أسوة بمعايير كوبنهاجن لعضوية الاتحاد الأوروبي، ودون ذلك ستظل عضوية هذه الدولة مهددة ومطاردة إلى أن تستوفي الشروط، وتتكيف مع مبادئ الميثاق القومي الجديد.

وحسب المصادر، فإن المفاجأة السورية، ستربك الجميع، خصوصا في واشنطن وباريس وأنقرة والدوحة وجماعة 14 آذار، وستصاب طهران بالذهول والارتباك، فخطوات الأسد ستحرج زميله أحمدي نجاد الذي سيبدو مطالباً بخطوات مماثلة... أما موسكو فستخرج لسانها للغرب وتقول بالفم الملآن: ألم نقل لكم ؟!... وسيقع البطرك الماروني على ظهره من الضحك ومعه العمادان ميشيل عون وميشيل سليمان، وهم ينظرون إلى سمير جعجع وسعد الحريري مطأطئي الرأس، لا يدرون ماذا يفعلون... أما إسرائيل فستقف مشدوهة من هول ما ترى، فسوريا ظلت في خندق الممانعة والمقاومة، ولكنها «سيّجته» بحزام ديمقراطي متين كذلك، هذا أكبر من أن تحتمله إسرائيل، نظام وطني وديمقراطي أيضاً (؟!) وعبثا سيحاول أفيغدور ليبرمان منع الكونغرس والبرلمان الأوروبي من إقرار رزمة مساعدات عاجلة ضخمة للديمقراطية الناشئة في سوريا.

عفواً عزيزي القارئ... هذا المقال مُعد للنشر في الأول من إبريل العام المقبل (كذبة نيسان المقبلة)، بيد أنني لم أطق صبراً، فقررت نشره اليوم.

=================

جنود «إبليس» في دمشق!

الخميس، 22 أيلول 2011 01:47

السبيل

بقلم شعبان عبدالرحمن

سبحان الله! لِصَوْلجان الحكم بريقه وسكرته، لكني لم أكن أتصور أن التشبث به بهذه الصورة الجنونية التي تحوّل صاحبه إلى فاجر زنديق، يتحدى الله ليل نهار ويسبّ دينه، بل ويسبّ الله (حاشا لله)، ويقهر الذين سقطوا في محرقته الجهنمية على سبِّه سبحانه وتعالى. ليس ذلك فحسب، فقد نصّب «بشار الأسد» وشقيقه «ماهر» أنفسهما إلهين من دون الله؛ ألم يتابع العالم الصور الواردة من داخل مسالخ النظام وزبانيته وهم يجبرون المعتقلين على الركوع لصور «بشار»؟! وقد تابع العالم صورة طفل أجبروه على الركوع للصورة المشينة وقد ركع، لكنه عندما اقترب منها بصق عليها.

والآن، لا يعرف أحد إلا الله تعالى أين هو الآن!! وتابع العالم عمليات التعذيب لمعتقلٍ وإجباره على القول: «لا إله إلا بشار»، كما شاهد على «اليوتيوب» فرقة من الزبانية تحيط بضابط منشق وهم يتبادلون عليه التعذيب تمهيداً لذبحه، وهم يقولون له وهو يردد وراءهم من شدة التعذيب: «لا إله إلا بشار الأسد، لا إله إلا ماهر الأسد» (شُلت ألسنتهم ولُعنوا بما قالوا).

إن المجزرة الوحشية الدائرة في شوارع سورية بآلة الجيش الحربية وآلة الشبيحة المجرمة تُقدِّم للعالم خلاصة عهد «البعث» في سورية، وخلاصة فكره ومعتقده الذي يلخّصه شاعرهم الكفور:

آمنت بالبعث إلهاً لا شريك

له وبالعروبة ديناً ما له ثان

كما أن أنهار الدماء التي تغرق فيها سورية على مدار الساعة، والتي حصدت ما يقرب من ثلاثة آلاف شهيد وعشرات الآلاف من المعتقلين والمفقودين، تلخّص حال سورية المسجونة والمقهورة والمستعبَدة تحت حكم الطائفة العلوية النصيرية (5% من الشعب)، كما يجسد ذلك إلى أي حال بلغ الكبر والفرعنة والزندقة بتلك الطائفة التي نسيت أن للكون إلهاً، وهي حال تقدِّم -في نفس الوقت- خلاصة مسيرة هذا الحكم العائلي الذي نصَّب نفسه إلهاً من دون الله، بعد أن دارت سكرة الحكم برأسه حتى الثمالة، فلم يعد يرى إلا نفسه، وكفر بخالق الكون، بينما يطوف حوله جنود «إبليس» من الزبانية والأفّاقين وهم يقدسونه ويمجدونه، ولسان حالهم ينطق بقول شاعرهم الزنديق:

شِئْ أنت لا ما شاءت الأقدار

احكم فأنت الواحد القهار

إن مجزرة «الأسد الابن» اليوم لا تختلف عن مجزرة «الأسد الأب» بالأمس القريب، فهي هي في قسوتها وفجورها ودمويتها واحتقارها لحياة الإنسان، وسجلات التاريخ لا تخطئ، فهي خير شاهد على أن «الأسد الأب» منذ أن استولى على السلطة عام 1970م، حكم البلاد بالأحكام العرفية وبالحديد والنار، وكانت المجازر الجماعية وإبادة معارضيه من أبناء الشعب السوري العريق «سياسة دولة ومنهج حكم»!! وما مجزرة «تدمر» الكبرى التي اقترفها «رفعت» شقيق «حافظ الأسد» في 27/ 6/ 1980م منا ببعيد، ولن ينساها التاريخ، كما أن مجزرة «جسر الشغور» في 10/ 3/ 1980م ليست بخافية. ولم ينسَ التاريخ مدينة «حماة» قديماً وحديثاً، فقد ذاقت من المجازر ألواناً، أولاها استمرت أسبوعاً (5- 12/ 4/ 1980م)، حيث اقتحمت قوات «الأسد الأب» المدينة بفرقة مدرعة من كتيبتين من الوحدات الخاصة، قطعت المدينة عن العالم الخارجي، كما قطعت عنها الماء والكهرباء، وفتشتها بيتاً بيتاً مع الضرب والنهب، وقتلت عدداً من أعيان المدينة وشخصياتها، كما اعتقلت المئات، وأدت المجزرة إلى استشهاد المئات من أبناء المدينة. ويبدو أن تلك المجزرة لم تروِ ظمأ «الأسد الأب»؛ فكررها بعد عامين، ولكن بصورة أوسع وأكثر وحشية، حيث استمرت شهراً كاملاً (فبراير عام 1982م).

وتقول سجلات التاريخ: إن نظام «الأسد» وجّه كلاً من: «اللواء 142 من سرايا الدفاع»، و«اللواء 47 دبابات»، و«اللواء 21 ميكانيكي»، و«الفوج 41 إنزال جوي» (قوات خاصة)، و«اللواء 138 سرايا الدفاع»، فضلاً عن قوات القمع من مخابرات وأمن دولة وأمن سياسي، وفصائل حزبية مسلحة، وأعملت بالمدينة قصفاً وهدماً وحرقاً ورجماً وإبادة جماعية طوال الشهر المذكور، حتى قُتل فيها ما يزيد على 30 ألفاً من سكانها.

ولم يراعِ النظام الدموي حرمة لعيد ولا حرمة لطفل، فتوجهت جحافله صبيحة عيد الفطر في 11/ 8/ 1980م إلى «حي المشارقة» بمدينة حلب لتحوله إلى مقبرة، بعد أن قتلت حوالي مئة مواطن، ودفنتهم الجرافات، وكان بعضهم ما زال جريحاً لم يُفارق الحياة، لكن الجرافات دفنته حياً!! إن مجازر اليوم تسير على خُطى مجازر الأمس في كل شيء، ولم تختلف فيها إلا أسماء الضحايا، وتطوُّر الآلة الإعلامية التي باتت تفضح المجرمين، لكن «الأسد» واحد في كلتا الحالتين «أسد عليّ وفي الحروب نعامة».

هل شاهدتم -يوماً- دبابات ومدفعية وقوات سورية مدججة بأحدث آلة عسكرية على الحدود مع العدو الصهيوني المحتل؟! أين كانت تلك الآلة العسكرية الحديثة؟ كانوا يخبئونها للشعب لإبادته إن تجرّأ وطالب بحقه في الحياة! وجنود «إبليس» في دمشق لا يختلفون عن جنود الشيطان في صنعاء.. فالمدرسة واحدة؛ وهي مدرسة الاستبداد.. والمهنة واحدة؛ وهي إبادة الشعوب.. والهدف واحد؛ وهو حكم الطائفة والعائلة حتى آخر نَفَسٍ في الحياة.. ألم يتعظ هؤلاء مما جرى اليوم لشيطانهم الأكبر في صحراء ليبيا؟!

(*) كاتب مصري- مدير تحرير مجلة المجتمع الكويتية

=================

هل ما يزال ممكنا إنقاذ نظام الرئيس الأسد؟

د. بشير موسى نافع

2011-09-21

القدس العربي

 ليس من المنطقي توقع أن يسلك النظام العربي الرسمي، ممثلاً في الجامعة العربية، سلوكاً ثورياً. ولد النظام العربي أصلاً للحفاظ على الأمر الواقع، ووجد من الصعوبة دائماً التأقلم مع المتغيرات المفاجئة والعاصفة في الدول العربية، سواء تلك التي ولدتها انقلابات عسكرية أو تحولات سياسية جذرية. ولم يكن من المفاجئ بالتالي أن تستبطن المبادرة العربية تجاه سورية بقاء نظام الرئيس الأسد، مع قدر من الاستجابة للمطالب الشعبية الأخرى.

الحقيقة، أن أغلب الدول العربية لم تدعم أو تؤيد تغيير النظامين التونسي والمصري، ولا هي رحبت بالتغيير عندما وقع؛ بل أن بعضها لم يخف أسفه وامتعاضه من إطاحة الرئيسين بن علي ومبارك. وبينما أجبرت الجامعة العربية على اتخاذ موقف مؤيد لحركة الشعب الليبي، بضغط دولي، جرت الجامعة أقدامها جراً في التعامل مع الثورة الشعبية الهائلة، والمستمرة منذ سبعة شهور، في اليمن. الشفرة الوراثية السياسية للأنظمة الحاكمة لا ترحب بتغيير الأنظمة الحاكمة. ولذا، فمن الطبيعي، في ظل المبادرة العربية تجاه سورية، طرح سؤال ما إن كان من الممكن انقاذ نظام الرئيس الأسد من نفسه.

ما ينبغي أن يذكر للمبادرة العربية أولاَ أنها لم تفترض بقاء الرئيس الأسد في الحكم حتى 2014 وحسب، ولكنها طالبت النظام أيضاً بسلسلة من الإجراءات، قبل أن تبدأ أية عملية سياسية للوصول إلى توافق بين النظام وقوى المعارضة (التي باتت لا تحصى ولا تعد، على أية حال). أول هذه الإجراءات هو سحب الجيش وقوات الأمن من الشارع، وإعادتها إلى ثكناتها؛ بمعنى وضع حد لعنف النظام ضد شعبه، ومن ثم الإفراج عن آلاف المعتقلين وتعويض المتضررين، من ضحايا تعذيب وجرحى وأسر شهداء. هذه الشروط هي بالطبع ضرورية، بل هي أقل ما يمكن طلبه من النظام، طالما أن المبادرة لا تدعو إلى سقوطه، بل إلى جملة إصلاحات في بنيته الأمنية والسياسية، يفترض أن يقودها الرئيس ويشرف على تنفيذها، وصولاً إلى انتخابات رئاسية بعد ثلاث سنوات. وإن كانت معضلة المبادرة من زاوية نظر أغلب قوى المعارضة السورية والقطاع الأكبر من ناشطي التنسيقيات في الداخل هي بقاء الرئيس، فإن المعضلة من زاوية نظر النظام لابد أن تكون في سحب قوات الجيش والأمن وإيقاف آلة القمع والعنف الدموي التي نشرها النظام منذ آذار/مارس الماضي، والتي لم تتوقف عن حصد أرواح السوريين.

تنبع معضلة المعارضة من أنها تواجه نظاماً يتمتع بقدرات هائلة على السيطرة والتحكم، بنيت طوال أربعة عقود، وأن نوايا النظام الإصلاحية امتحنت بالفعل في أكثر من منعطف إلى أن جاء الامتحان الأخير، الذي خاضه النظام بمغالبة دموية مع الشعب وسفك للدماء. كيف يمكن، إذن، للسوريين الاطمئنان لنوايا النظام الإصلاحية، وإلى قدرته على أن يتغير، قبل أن يشرع في تغيير بنية الحكم والدولة. في حال ارتضى السوريون وقواهم السياسية بقاء النظام حتى 2014، وهو زمن طويل في أعمار السياسة والسياسيين، فليس هناك ما يمنع من أن يستمر هذا النظام لزمن مديد.

بيد أن معضلة النظام أكبر بكثير. يستدعي المنطق السياسي، ومنطق ميزان القوى، قبول النظام بالطرح الذي تقدمه المبادرة العربية المنطقي، لأن المبادرة لا تدعو صراحة إلى سقوط النظام بكليته، لاسيما رئيس الجمهورية؛ وميزان القوى، لأن من الواضح، وبعد ستة شهور من المغالبة الدموية مع الشعب، أن النظام يعجز عن إيقاع الهزيمة بالانتفاضة الشعبية وقواها، بينما تزداد عزلته العربية والدولية إحكاماً. بكلمة أخرى، حاجة النظام إلى مخرج من هوة سفك الدماء والجريمة واسعة النطاق التي أغرق نفسه فيها، باتت أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. وهذا ما تحتاجه سورية ككل، قبل أن تتفاقم الأزمة بما يهدد مقدرات البلاد السياسية والعسكرية، دورها وموقعها الإقليمي. ولكن المرجح الآن أن النظام لن يقبل بالمبادرة العربية على ما هي عليه، على الرغم من الترحيب الذي قوبل به الأمين العام للجامعة العربية في زيارته للعاصمة السورية واللقاء بالرئيس الأسد. وقد كان سلوك المندوب السوري في الجامعة العربية، في اجتماعات مجلس الجامعة الوزاري، الذي اقترب من الهزل السياسي، مؤشراً إلى أن مقاربة النظام من المبادرة العربية، والمبادرات الأخرى (التركية والروسية، مثلاً) التي تحاول إنقاذه وإنقاذ الوضع السوري، لم تتغير.

أين تقع إذن معضلة النظام؟ لماذا يفتقد النظام الشجاعة والحكمة للتعامل الإيجابي مع محاولات إيجاد مخرج من الأزمة السورية المستحكمة، ومد يد العون للنظام نفسه؟

الحقيقة، أن النظام ببساطة لا يستطيع قبول الشروط الأولية لمثل الأفق السياسي الذي تطرحه المبادرة العربية، الشروط المتعلقة بسحب الجيش وقوات الأمن والاعتراف بشرعية حركة الاحتجاج والمطالب الجماهيرية؛ بمعنى القبول بشرعية التظاهر والحراك الشعبي السياسي. إن قبل النظام بهذا التطور الكبير في الحياة السياسية السورية، فالمتوقع خروج الملايين من السوريين إلى الشارع، ليس في حماة وحمص وإدلب ودير الزور وريف دمشق وحسب، بل وفي قلب مدينتي دمشق وحلب أيضاً. مثل هذا المسار، الذي تدرك كافة الأطراف احتمال وقوعه، لا يمكن للنظام التعايش معه، ليس فقط لأن من الممكن أن يتطور تلقائياً باتجاه إسقاط النظام كلية، ولكن أيضاً لأن الأنظمة العربية، والنظام السوري على وجه الخصوص، لا يمكنه القبول بمشاركة الساحة السياسية مع القوى الجماهيرية. هذه أنظمة بنيت أصلاً على التفرد والتحكم والسيطرة، وتبلور إرادة شعبية في ساحة العمل السياسي تستدعي تفاوضاً جاداً بين الحكم والشعب، تستدعي دوراً فعالاً للشعب في رسم مستقبل بلاده ومسار دولته. وهذا بالتأكيد ليس أحد الطرق المطروحة على جدول أعمال النظام؛ أو ليس أحد الطرق المطروحة حتى الآن.

خلف هذا الموقف ما سبق أن أشير إليه في هذا الموقع في أكثر من مناسبة سابقة: أن النظام لا ينظر إلى الانتفاضة الشعبية وإلى مطالب السوريين في الحرية والديمقراطية والعدالة باعتبارها أزمة سياسية، بل على أساس أنها مفترق حياة أو موت. لم يتبن النظام هذه المقاربة الصفرية بعد أن اتسع نطاق الحراك الجماهيري وتضخم حجم السوريين المنخرطين في فعالياته، بل منذ بداية الانتفاضة السورية، منذ كانت حركة الاحتجاج مقصورة على بعض أحياء دمشق ومدينة درعا.

أطلقت نيران البنادق على المتظاهرين، بهدف القتل الصريح، في الأسابيع الأولى للانتفاضة، وعمل النظام منذ مارس/ آذار على أن تلقن جماهير المحتجين درساً من الموت والخوف والترويع، بهدف أن يقلع السوريون مرة وإلى الأبد عن الخروج إلى الشارع. وليس ثمة دليل واحد على أن مقاربة النظام الصفرية تغيرت في أدنى درجة ممكنة طوال الشهور الستة الماضية. هذه المقاربة هي الأصل في تعامل النظام مع الحركة الجماهيرية، وكل إعلانات الإصلاح الجزئي والشكلي، التي أعلن عنها النظام في الشهور القليلة الماضية، أو الاستجابات السريعة للمبادرات الخارجية (التي سرعان ما اتضح عدم صدقيتها)، أو الانفراجات المتفرقة التي سمحت بلقاء هذه المجموعة المعارضة أو تلك، سوى هوامش قصد بها كسب الوقت لتحقيق الهدف الأصلي.

هل ثمة من مخرج إذن؟ هل هناك من طريق للخروج بسورية من مسلسل القمع الدموي وانغلاق الأفق السياسي؟ ليس من الصعب ملاحظة بعض الأصوات التي تعبر عن حالة من الحيرة، أو حتى الشعور باليأس، في الساحة السياسية السورية، داخل البلاد ووسط الحراك الجماهيري وفي الخارج. الأصوات المطالبة بالتدخل الدولي، أو بالحماية الدولية، سواء تلك التي تدعو لتدخل عسكري دولي، أو التي لا تعرف على وجه اليقين كيف يمكن أن يقع مثل هذا التدخل، تعبر عن مثل هذا الشعور بالقنوط والحصار. والتوجه التلقائي، والمحدود حتى الآن، في المناطق الحدودية ومناطق العشائر وأرياف المدن، نحو حمل السلاح، في سعي لحماية النفس والأهل من رجال الأمن والميليشيات المرتبطة بأجهزة الأمن، أو بدوافع الثأر والحزن والخسارة؛ وفي المقابل، بروز توجهات تدعو إلى التوصل إلى تسوية ما مع النظام، بغض النظر عن نهج العنف والمغالبة الذي يتبناه، تعبر هي أيضاً عن مثل هذا الشعور. ولجوء بعض دوائر المعارضة وشخصياتها إلى اللغة الطائفية لإدانة طائفية النظام، هي كذلك انعكاس لمشاعر اليأس والحصار.

تكتسب الثورات الشعبية قوتها الدافعة، وتحقق النصر في النهاية، بفضل موقعها الأخلاقي الأعلى من موقع أنظمة الاستبداد والقهر. هذا لا يعني قطعاً تبرئة النظام من طبيعته القصرية، ولا إعفاءه من الجرائم التي يرتكبها، أو إعفاء النظامين الدولي والعربي من المسؤولية. ولكن سلاح النظام لا يجب أن يواجه، ويهزم في النهاية، إلا بسلمية الثورة؛ واستباحة النظام لدم الشعب، لابد أن تواجه بالحرص على مقدرات البلاد من كل تدخل خارجي؛ وطائفية النظام لا يمكن أن تواجه إلا بالتوكيد على وحدة الشعب والوطن والتزام سلوك وتبني خطاب سياسي يتطابق مع هذا التوكيد.

لا تمثل الثورات حدثاً مستقيماً واضح المعالم، ولكنها تعكس فعلاً تاريخياً متعدد القوى والتوترات، فعلا من الحزن والنشوة، من الانتكاسات والنهوض، ومن الخوف والاستبسال.

ولكن المتيقن أن بلداً يشهد ثورة بحجم هذا الحدث السوري الكبير، وهذا التصميم السوري الشجاع، لا يمكن أن يعود إلى الوراء أبداً.

 كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث

=================

النظام السوري ورهاب الضوء

الخميس, 22 سبتمبر 2011

عبدالناصر العايد *

الحياة

بعد ما ارتكبه النظام السوري من فظائع استثنائية بحق السوريين الثائرين، تغدو أي مبادرة أو توجه خارجي باتجاه النظام، مهما كانت منخفضة السقف، ومن أي طرف صدرت حتى لو كانت من أقرب أصدقائه، بمثابة الضوء الكاشف، الذي يهدد وجود نظام استمد أسباب وجوده وبقائه طوال أكثر من أربعة عقود، من الظلمة والسرية التي أحاط بهما وضعه الداخلي.

فإذا كانت أقبية الأجهزة الأمنية والسجون والمقابر الجماعية السرية وستار العزل الفولاذي للسوريين، وقصر تواصلهم مع العالم بما فيه الإعلامي إلى حدوده الدنيا، والتي تكاد تنحصر في معظم الأحيان بالقنوات الرسمية، إذا كان كل ذلك قد نجح ردحاً من الزمن في إخفاء حقيقة الوضع الداخلي المأسوي في سورية، ومنع السوريين من إيصال صوتهم إلى العالم، فإن توجه العالم إلى سورية في هذه الظروف الحساسة التي تعاظمت فيها فظائع النظام إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية، يكاد يشبه السؤال أو طلب زيارة مختطف لطالما أعلن خاطفه أنه يعيش في رغد ونعيم يجعلانه يسبح ليل نهار بحمده.

وفي هذا الإطار تندرج حساسية النظام السوري وتردده الواضحان أمام أي مبادرة خارجية، وبعضها يكاد ينخفض عن سقف ما يطرحه هو بالذات، أو ما يحلم بالحصول عليه مثل المبادرة العربية التي تعطي رأس النظام إمكانية البقاء ثلاث سنوات في الحكم. فالمبادرة هذه ستكون من ناحية بمثابة الفضيحة لا للنظام وحسب، بل وللأطراف الخارجية التي لا ترى أو تتعامى عن الحقيقية، وتساعد هذا النظام في مسعاه للتستر على جرائمه. وهي من ناحية أخرى قد تجتذب بعض أركان النظام التي لم توغل معه في جرائمه، وتخلخل تماسكه الداخلي الذي بذل الغالي والرخيص في سبيل الظهور على أنه كتلة صماء لا خروق فيها، كاستمرار لسياسة التعتيم وعدم الانكشاف.

وفي السياق عينه يأتي إحجام أصدقاء النظام عن القيام بأي مبادرة لرأب الصدع بين الشعب السوري «المقاوم» كما يصفه حسن نصر الله، أو الشعب «الشقيق» كما يصفه نجاد، فهؤلاء أكثر من يعرف أي باب سيعيهم رده، وأي ريح منتنة سيعيهم صدها وسيلحقهم أذاها إن هم فتحوا ثقباً في «الصندوق الأسود» على حد وصف ياسين الحاج صالح. وبدلاً من ذلك اكتفوا- وسيكتفون- بالتفرج على النظام ومحاولة دعمه من الخارج، فهو في نظرهم أضحى حوتاً ميتاً، لا يأمل في استجابته أو حيويته، ويبقى مصيره معلقاً بضعف فاعلية مناوئيه وتشتتهم، وهو ما ستسعى إليه إيران في المرحلة المقبلة، بالمبادرة نحو المعارضة وليس النظام، راحت تمهد له بإطلاق التصريحات «المغرية» والتقرب من بعض المعارضين السوريين.

مواقف المعارضة السورية المتباينة من المبادرات الخارجية قبولاً ورفضاً محقة جميعها؛ فمن ناحية لا شيء يجلب الضوء إلى جحر الوحش ويفضحه ويدمره أكثر من مثل هذه المبادرات، ومن ناحية أخرى قد يحاول النظام أن يستغل هذه المبادرات لكسب بعض الوقت عبر الدخول في مساومات وتأويلات ومناورات طويلة وعقيمة هدفها اللعب على عامل الزمن، على أمل استنزاف طاقة المحتجين وإخماد صوتهم، وهو بطبيعة الحال لن ينجح، بدلالة الحالة اليمنية.

* روائي سوري

=================

الإصرار على تحويل المسيحيين إلى أقلية

ياسر أبو هلالة

الغد الاردنية

22-9-2011

على كثرة التظاهرات في سورية، وغياب قيادة مركزية لها، لم يصدر عنها شعار طائفي. على العكس، حرصت على إبداع شعارات تراعي التنوع الديني والعرقي؛ فجمعة تحمل شعارا مسيحيا "الجمعة العظيمة"، وأخرى تراعي العلويين باسم "صالح العلي"، وثالثة تتودد الأكراد. في المقابل، لم يدخر النظام وسعا في استخدام الورقة الطائفية، واتهام المتظاهرين بالطائفية، واخترع شعارا لم يسمع ولم ير ولم يوثق إلا عبر تلفزيون دنيا وضباطه، يقول "العلوية ع التابوت والمسيحية ع بيروت".

وقد جاء تعيين مسيحي وزيرا للدفاع رسالة غزل للمسيحيين. وهذا سلوك غير مستبعد من نظام بني على الطائفية، فكرسها في بلده وفي الجوار اللبناني، مع أن سورية شكلت تجربة فريدة في بناء دولة المواطنة. ولم يشكل السنّة العرب أكثرية طاغية، واتسع المشهد الوطني لقامات مسيحية ودرزية وعلوية وكردية. وظلت سورية تجسيدا للتنوع حتى انقلاب الأسد.

وإن كان مثقفون مسيحيون مثل ميشيل كيلو ومي سكاف وغيرهما قد اتخذوا مواقف مناصرة للثورة، إلا أن الكنيسة أصرت على موقف موال للسلطة، باعتبار أن المسيحيين أقلية مهددة بالانقراض. وانسحب ذلك الموقف على لبنان، وتماهت الأقليتان الشيعية والمسيحية، ولم يشذ عن الإجماع غير سمير جعجع!

على قول كمال الصليبي، فإن العروبة إذا نزعت منها المسيحية تحولت إسلاما. وقد كان رجال الكنيسة في القرن الماضي سادة في الثقافة العربية، أدبا ومعاجم، وكانوا يرون رعيتهم جزءا من الأمة لا امتدادا لفرنسا. غير أن ثقافة الحروب الأهلية حولت المسيحيين من مواطنين وجزء من أكثرية عربية، إلى أقلية معزولة تجد ذاتها في فرنسا.

وبدلا من مناصرة الثورة السورية لبناء دولة المواطنة والتخلص من دولة الطائفة، انحاز وبصورة فجة بطرك لبنان، بشارة الراعي، خلال مؤتمر أساقفة فرنسا إلى بشار الأسد، وقال إنه "يأمل لو يعطى الأسد المزيد من الفرص لتنفيذ الإصلاحات السياسية التي بدأها". وأوضح أن الأسوأ من وجهة نظره يتمثل في "أن تأزم الوضع في سورية أكثر مما هو عليه سيوصل إلى حكم أشد من الحكم الحالي كحكم الإخوان المسلمين". موقف كهذا استفز الكاتب حازم صاغية، وهو علماني مسيحي، وكتب في الحياة "المسألة كانت تتطلب من مقام بكركي موقفاً إنسانياً ضد القتل، لا موقفاً منحازاً للنظام أو لمعارضيه. لكن بكركي اليوم تبدّي احتمال التنكيل بالمسيحيين مستقبلاً، بإعطاء الذريعة للتنكيل بالشعب السوري (ومنه المسيحيون) حاضراً. معادلة للأسف، تقاطعت مع موقف لميشال عون أكد فيه أحقية النظام السوري بقتل خمسة ملايين شخص لحماية نفسه. في هذا وذاك شيء من المازوشية، حينما تُغرم الضحية بجلادها، ولا ترى سواه منقذاً لها"، تماما كما استفزت كاتبا علمانيا شيعيا وهو حازم الأمين "لموقف "المسيحي" اللبناني من الانتفاضة السورية، يعرض قضية الدفاع عن حقوق الأقليات في المنطقة إلى مأزق أخلاقي فعلي، إذ لطالما شكلت مسألة حماية الأقليات أحد معايير قياس مدى احترام الأنظمة لحقوق جماعاتها، لكننا هنا أمام وضع معكوس، ويتمثل في مدى التزام الأقليات إجماعات وطنية حول مصالح الدولة والمجتمع".

في الربيع العربي هبت نسائم المواطنة التي يفترض من قادة الكنيسة اغتنامها، وهي وحدها التي تحمي الإنسان بوصفه إنسانا بمعزل عن أصله أو دينه. أما تحويل المسيحيين إلى "أقلية" تبحث عن حماية، فهذا يشكل إهانة بحقهم، والأسوأ وضعهم في خدمة الطغيان فيغدو الانتقام منهم جزءا من الانتقام من الطاغية الذي سيسقط لا محالة.

====================

دفاعاً عن الشعب السوري

كمال اليازجي

النهار 18/9/2011

ما من شيء يُضاهي العنف الذي يتعرض له الشعب السوري الا المواقف الظالمة التي تصدر عن بعض اللبنانيين. سوف نستعرض بعضاً من هذه المواقف، ونُعلّق عليها. ما يجري في سوريا مؤامرة: المؤامرة، تحديداً، دسيسة تحوكها وتنفذها سراً زمرة قليلة العدد. عندما ينزل مئات الآلاف الى الشارع علناً، ويقارعون الموت لستة اشهر، لا يسمى ذلك مؤامرة. الاسم العلمي المتعارف عليه لهذه الظاهرة هو ثورة. والا يصبح من واجبنا ان نراجع التاريخ ونغيّر التسميات ونتحدث من الآن فصاعداً عن المؤامرة الفرنسية سنة ١٧٨٩، ومؤامرة اكتوبر في روسيا سنة ١٩١٧. وما هذه المؤامرة الخرقاء التي يُمهل اصحابها نظام الاسد خمسة اشهر، ويعطونه الفرصة تلو الفرصة ليبدأ بعض الاصلاحات لعله يسترضي بها الشارع وينقذ رأسه، ولا يرفعون الصوت في وجهه الا بعد ان يكون قد قتل اكثر من الفين من ابناء شعبه؟ … تنفذها مجموعات ارهابية مسلحة: ان تنعت الآف المتظاهرين بالمجموعات الارهابية المسلحة هراء. الثورة السورية اصرت منذ البداية على طابعها السلمي. وهي حتى الآن لا تزال غير مسلحة. انما بسبب التمادي في القتل وكثرة الاعتقالات، كان لا بد ان يظهر في بعض الاماكن مسلحون اخذوا على عاتقهم حماية التظاهرات والرد على قوى الأمن اذا أطلقت النار. اما عدد القتلى العسكريين، فمرده الى أن قسماً كبيراً منهم تم اعدامه ميدانياً لأنه رفض إطلاق النار على المتظاهرين. السلطة تحفظ الامن والجيش يدافع عن نفسه: ... بالقنص، بمدفعية الدبابات، وبكل انواع الاسلحة، حتى بسلاح البحرية، في سابقة عالمية. فعلاً يتطلب الأمر كثيراً من التعامي حتى لا يرى المرء ما تُظهره يومياً كل شاشات التلفزيون وتكتب عنه كل صحف العالم: حرب شاملة يشنها نظام على شعبه. الاحداث في سوريا انتهت: ان تكون الثورة لم تتوقف منذ ستة اشهر، وهي في وتيرة تصاعدية، وبعد ان كانت اسبوعية اصبحت يومية، امر لا يقلقهم. فهم قرروا ان الامور تحت السيطرة، والموجة انحسرت، وقريباً ينتهي كل شيء. صحيح ان الانسان ميال بطبعه الى الاعتقاد بصحة امر ما لمجرد رغبته في ان يكون ذلك صحيحاً، لكن المسألة تخطت هنا حدود التمني لتصل الى نكران الواقع بشكل مَرَضي. لا شيء يحدث في سوريا: وهناك من يصل به الهذيان الى حد القول ان لا شيء يحدث في سوريا، وان الأمن مستتب، ما خلا بعض المتفرقات التي لا تذكر. احد اركان التيار العوني الذي زار دمشق اخيراً في اطار "حملة سوريا بخير" لخّص الرواية الرسمية بشكل لا يترك مجالاً للمزايدة.حتى انه تجاوز في مغالاته مواقف القيادة السورية نفسها. وضع سوريا يختلف عن باقي الدول العربية: قد يكون الربيع العربي مقبولاً في مكان آخر، اما في سوريا فلا. ولماذا من فضلكم؟ وما الذي يعطي سوريا هذا الامتياز؟ لانها دولة الممانعة! عبثاً تبحث في قواميس السياسة عن معنىً لهذه الكلمة، او عن ترجمة لها في اللغات الاجنبية. تنظر بامعان لعلك تجد في سياسات سوريا ما يبيّن لك المعنى، فلا تجد سوى ان سوريا حليف استراتيجي لايران، وجزء من منظومتها الاقليمية، وطريق لامداداتها الى ذراعها في لبنان. تتساءل: لماذا لا يقدّر الشعب السوري هذه الممانعة مثلما يقدّرها بعض اللبنانيين، ولا ينحني امام هذا المجد، ويشكر ربه على هذه النعمة، بدلاً من تعريض نفسه للقتل والاعتقال؟ يا للعقوق! البديل الوحيد للنظام هم الاخوان المسلمون: او لعلها "القاعدة". مهلاً! انظروا الى شعارات الثورة السورية. نادت بالحرية، ولم ترفع شعارات دينية. اقرأوا ادبياتها التي تطالب بالدولة المدنية، وهي تعبير ملطّف عن الدولة العلمانية. اسألوا عن الوجوه البارزة في المعارضة، تجدوا الليبرالي والعلماني واليساري والاسلامي. اطمئنوا: المعارضة السورية متنوعة، ولا خوف من ان يبتلعها الاخوان المسلمون. المسيحيون سوف يتعرضون للاضطهاد اذا ما سقط النظام: قد لا ينتبه اصحاب هذا الرأي الى خطورة ما يقولونه. كأنهم يقولون ان الاكثرية في سوريا، وهم الاكثرية في العالم الاسلامي، مفطورون على الاضطهاد، وانهم لا ينتظرون سوى رحيل هذا النظام للانقضاض على المسيحيين. الم يتساءل هؤلاء كيف عاش المسيحيون لقرون قبل وصول حزب البعث الى الحكم؟ على المسيحيين ان يفهموا ان لا مصلحة لهم بأن يربطوا مصيرهم بمصير ديكتاتورية تتهاوى. النظام الحالي يحمي الأقليات: والصحيح ان النظام يحتمي بالأقليات. ويغذي مخاوفها. وفي موضوع الأقليات، السؤال الأساسي هو: هل من مصلحة الاقليات ان تتحالف في ما بينها وتضع نفسها في مواجهة عدائية مع الاكثرية، مع ما يحمله ذلك من مخاطر؟ الحل بالنسبة للأقليات هو في الديموقراطية. ان الانتقال الى الديموقراطية سوف يخلق جواً من الحرية والتسامح يسمح بتخطي الولاءات الضيقة، الطائفية والقبلية. ان خلاص الاقليات هو في انخراطهم في مجتمعاتهم، وتأكيد حضورهم كمواطنين متساوين كاملي الحقوق، وليس كأقليات تطلب الحماية. "اننا ننظر بعين القلق الى ما يجري في العالم العربي": الربيع العربي الذي تحمس له العالم لا يثير عند البطريرك الراعي الا القلق. لكن لماذا الريبة والقلق كلما تحرك التاريخ؟ نحن على العكس ننظر بعين الامل الى الربيع العربي، ونرى انه فرصة لم نكن نتوقعها للعبور الى الديموقراطية والحداثة. وما يبرر هذا التفاؤل هو الشعارات الراقية التي رفعها الثوار في كل مكان. الناس الذين خرجوا بالثورة طالبوا بالحرية والعيش الكريم، ولم يرفعوا اياً من تلك الشعارات البالية التي كانت تستخدمها الانظمة للدجل والمزايدة. مستقبل الثورات العربية غير معلوم. فلنُبقِ اذن على الانظمة القائمة: لا تريدون القفز في المجهول. وتريدون ان نتنبأ لكم بمستقبل المنطقة للسنوات المقبلة حتى تطمئنوا. حسناً. ما هو مؤكد هو التالي: طغاة رحلوا، وآخرون سوف يتبعون. النظام القديم ولى الى غير رجعة. وطويت معه حقبة سوداء كانت غير متوافقة مع العصر. الآن كل شيء ممكن. طريق الحرية مفتوح. اكثر من ذلك لا احد يستطيع ان يتنبأ. لأن الصراع السياسي لن يتوقف. القوى التي تعاونت لدحر الطغيان ليست متطابقة سياسياً، بطبيعة الحال، وسوف يسعى كل منها الى تعزيز موقعه السياسي. في كل الدول العربية، سيكون هناك تنافس بين قوى تقدمية تؤمن بالديمقراطية وقوى اخرى تقليدية او اصولية. على اي حال الانظمة القائمة لا يُؤسف عليها. ومن يأتي بعدها يصعب عليه أن يكون أسوأ منها. السوريون لم يتعاطفوا معنا في الماضي. لماذا نتعاطف معهم اليوم؟ مع ان هذا الزعم هو، في الواقع، غير صحيح، اذ ان كثيراً من المثقفين السوريين وقّعوا في الماضي بيانات تضامن تنتقد التدخل السوري في لبنان، لكن لنفترض ان اصحاب هذا الرأي لم يسمعوا بتلك البيانات. ولنسألهم: ماذا كنتم تنتظرون من الشعب السوري ان يفعل لأجلكم، وهو كان ضحية عاجزة مثلكم، وعانى من القهر ما عانى منه اللبنانيون، بل اكثر؟ لا نريد ان نتدخل في شؤون سوريا الداخلية: لا احد يطالبكم بارسال الاسلحة. المطلوب منكم الا تقفلوا قلوبكم اذا ما رأيتم شيئاً يُدمي القلب. التعاطف مع ضحايا القمع ليس تدخلاً. التعاطف شعور انساني لا يمكن تعليقه عندما نقترب من الحدود السورية. وللمناسبة، سوريا تدخلت في شؤوننا الداخلية اربعين عاماً. ولا تزال. واشبعتنا "شعب واحد في بلدين". تُرى، الا تريدون ان تتعاطوا معها بالمثل، لمرة واحدة؟ ليس لنا مصلحة ان يسقط النظام في سوريا: ضع التعاطف والاعتبارات جانباً. لنا مصلحة اكيدة كلبنانيين ان يسقط هذا النظام. من اجل ان تستقيم العلاقات بين بلدينا. هذا النظام لم يتخلَّ يوماً عن مطاعمه في الهيمنة على لبنان. وهو سعى منذ اربعين عاماً الى زعزعة الاستقرار في لبنان، حتى تمكن في مطلع التسعينات من الهيمنة عليه بالكامل وتحويله دولة تابعة. وله في ذاكرة اللبنانيين سجل حافل. لكن اذا قام في سوريا نظام ديموقراطي يصبح ممكناً ان نقيم علاقات متوازنة، مبنية على قيم مشتركة وليس على سياسة القوة. استقلال لبنان من ديموقراطية سوريا.

( استاذ جامعي)

==========================

ألم تيأسوا بعد من إصلاحات بشار ؟!

مجلة البيان 21/10/1432

د.معن عبد القادر وآخرون

يصِمُ المعارضون السوريون النظام بأنه لم يعِ الدرس من الثورات السابقة، لكن لا أدري هل وعى المنادون بالإصلاحات منهم الدرس؟

الرئيس التونسي خرج على شعبه بلغة ذليلة لم تسمع منه قبل قط، يقول لهم: لقد فهمتكم ! فهل أعطوه فرصة للإصلاحات أم اضطروه للفرار؟

فكيف يعطي الثوار السوريون الفرصة "لبشار" للإصلاح وهو "لم يفهمهم بعد"، بل لا يزال يخاطبهم بعنجهية وسفه واستهتار، ويصر على روايته السمجة بوجود تآمر خارجي ومندسين ومسلحين وعصابات، وأن الشعب لا يزال يحبه ولا يرضى عنه بديلاً، بل يراهم ليسوا أهلا للديمقراطية بعد؟

كيف يقدم الإصلاح من لم يعترف ابتداء أن هناك مشكلة وأزمة؟ كيف؟ أين ذهبت عقولكم يا دعاة الإصلاحات؟

أما الرئيس المصري فقد خرج على شعبه ووعدهم ألا يترشح للرئاسة فترة أخرى، وألا يرشح ابنه، وعين نائبا للرئيس وفوض إليه الصلاحيات، ورجا الشعب أن يصبروا عليه بضعة أشهر إلى أن تنتهي رئاسته، وكان في كل خطاب أكثر تنازلاً من سابقه.

ومع ذلك- ومع ما يقال عن طيبة الشعب المصري وعاطفته - لم يعط رئيسه الفرصة للإصلاحات، فتخلى عن منصبه مذموماً مدحوراً.

فكيف يتوقع من الشعب السوري أن يعطي الفرصة "لبشار" ليبقى في منصبه ثلاث سنوات أخرى، بينما لم تبدر منه أي مبادرة للإصلاح لا بتصحيح الدستور، ولا بإلغاء تسلط حزب البعث، ولا بتحديد نفوذ الجهات الأمنية وعدوانيتها، ولا بأي شيء ذي قيمة، اللهم إلا إذا عددنا الوعود بالإصلاح إصلاحاً !

لقد ولغ "بشار" في دماء السوريين وذبح أبناءهم، وهدم منازلهم، وشردهم في الآفاق، وانتهك حرمة مساجدهم، ما لم يفعله أحد قبله. بل جعل الحديث عن الإصلاحات مدعاة للسخرية، فبينما يستقبل وفود "الإصلاحيين" في قصره، يكون القتل على أشده في الشارع، وما يعلن عن مشروع إصلاحي إلا وأعقبته مجزرة في اليوم الذي يليه مباشرة. فهل هذا فعل من يريد الإصلاح؟

من ازدادت همجيته ووحشيته في شهر رمضان فقتل فيه المئات وشرد الآلاف هل يرجى منه إصلاح؟

من هنأ شعبه بالعيد بالمزيد من دماء الشهداء هل يرجى منه إصلاح؟

إن المآسي التي أصابت الشعب السوري جعلت ثورات الشعوب الأخرى تبدو وكأنها نزهة! ثم يراد من هذا الشعب الأشم الأبي أن يقبل بما لم تقبله الشعوب الأخرى ! عجبي!!

لكل هذا نقول أن من يدعو النظام إلى الإصلاح إنما يعطيه المزيد من الوقت لإزهاق الأرواح وإهلاك الحرث والنسل.

لقد أحرق الأحرار السوريون – في الداخل والخارج – السفن، والرضا بأي شيء الآن دون إسقاط النظام يعني الغرق والانتحار.

لقد أذاق هذا النظام شعبه الويلات على مدى عقود، وهو لم ير منهم ما يسوؤه، فكيف سيفعل الآن وقد استخف به الشعب، وتمرد عليه، ووصفه - بما يستحقه - من الأوصاف الخسيسة ؟

كيف سيأمن الشعب بعد الآن لو استقر الأمر لهذا النظام، مهما رقع من ثوبه البالي بالإصلاحات المزعومة؟

مخطئ من ظن يوما

أن للثعلب دينا

لئن كان الأمر للنظام هو حياة أو موت، فإنه للشعب حرية أو مذلة، و "الموت (للنظام) ولا المذلة (للشعب)".

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ