ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 22/09/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

تطبيقات تقنية لحماية المتظاهرين!

تاريخ النشر: الأربعاء 21 سبتمبر 2011

دويل ماكمانوس

الاتحاد

في وقت سابق من هذا العام عندما بدأت التظاهرات الاحتجاجية تنتشر عبر العالم العربي، التقت خبيرة الإنترنت الألمانية الشابة "كاترينا فيركلاس"، عدداً من الناشطين المصريين، ووجهت إليهم أسئلة عن التقنية التي يحتاجونها أكثر من غيرها: هل يحتاجون إلى المزيد من الكمبيوترات النقالة؟ أم إلى إمكانيات دخول أفضل وأسرع للمواقع المختلفة على شبكة المعلومات الدولية؟ أم أدوات لتفادي الرقابة؟ أم برامج لتنزيل الأفلام؟

والإجابة التي تلقتها "فيركلاس" من هؤلاء الناشطين كانت بسيطة للغاية وهي الحصول على هواتف محمولة أكثر أماناً لأنهم "بحاجة لتخزين كمية هائلة من المعلومات على تلك الهواتف تتعلق بقوائم الأصدقاء، والرسائل النصية، والأفلام".

ولكن خطورة تلك الهواتف كانت تتمثل في أنه عندما يتم القبض على منظم الاحتجاج أو التظاهرة، فإن كل المعلومات والبيانات المسجلة على هاتفه -بما في ذلك أسماء وأرقام الهواتف الخاصة بالناشطين الآخرين- تقع في أيدي الأجهزة الأمنية. و"كانت تلك واحدة من المشكلات التي نستطيع أن نفعل شيئاً بشأنها"، هكذا تقول "فيركلاس" التي تدير منظمة غير ربحية مقرها نيويورك. وتوضح ما تعنيه فتقول "لقد فزت بمنحة من وزارة الخارجية الأميركية، ساعدتني على إنتاج تطبيق حاسوبي اسمه «إن ذي كلير» يتضمن زرّاً للمحو، يساعد الناشطين على محو المعلومات الحساسة على الفور، وزرّاً آخر للاستغاثة وظيفته إرسال رسالة مسجلة مسبقاً تقول "لقد قبض عليّ" مع تبيان إحداثيات المكان الذي يوجد به الناشط. ومن المقرر إطلاق هذا التطبيق رسميّاً هذا الشهر، وإن كانت هناك نسخ تجريبية قد تم توزيعها بالفعل بشكل غير رسمي، من خلال نقلها من هاتف إلى هاتف.

و"هذا الهاتف يستخدم في سوريا الآن بالفعل" هذا ما أكده رضوان زيادة الناشط السوري المعارض في واشنطن الذي يقول أيضاً: "إنه مفيد جدّاً في حماية المعلومات والحيلولة دون وقوعها في أيدي قوات الأمن".

وفي الوقت الراهن يتأهب الكونجرس الأميركي لإجراء تخفيضات ضخمة في الإنفاق الفيدرالي، بما في ذلك الإنفاق على المساعدات الخارجية. وأرى أن هذا البرنامج واحد من البرامج التي ينبغي استثناؤها من ذلك.

وعندما بدأ ناشطو حقوق الإنسان يفكرون في الكيفية التي يمكن بها للإنترنت مساعدة الحركات الديمقراطية في مختلف أرجاء العالم، انصب تفكيرهم في البداية على الجزئية الخاصة بتسهيل عملية الدخول على المواقع المختلفة على الشبكة الدولية، أي تلك المتعلقة بكيفية مساعدة المستخدمين في دول غير صديقة للإنترنت على الدخول على الشبكة، واستلام المعلومات التي لم تتعرض للرقابة.

ولذلك السبب وجهت الموجة الأولى من موجات الإنفاق من قبل الحكومة الأميركية لابتكار تطبيقات وبرامج تساعد المستخدمين على"الالتفاف"، أي رؤية المواد التي لا تريد حكوماتهم أن يروها.

ولكن تظاهرات 2009 في إيران، وانتفاضات الربيع العربي هذا العام، أظهرت بجلاء أن الشيء الذي يريده الناشطون الديمقراطيون من التقنية، ليس استخدامها في قراءة الأخبار، وإنما استخدامها كي يصنعوا هم بواسطتها الأخبار.

ففي إيران أظهرت أشرطة الفيديو المعروضة على موقع "يوتيوب" كثيراً من أحداث ومشاهد التظاهرات وردود فعل السلطات عليها. وفي مصر وتونس ساعد موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" الناشطين الشباب على تنظيم التظاهرات، وفي كل مكان كانت أداة تقنية المعلومات الأكثر انتشاراً، أي الهواتف النقالة الرخيصة الثمن، هي الأداة التي ساعدت شبكات المعارضة على الانتشار والنمو.

وكان من المحتم أن يكون رد الحكومات القمعية في المنطقة على كل ذلك، هو اللجوء إلى المزيد من الإجراءات المضادة. ففي مصر على سبيل المثال لجأت الحكومة إلى تعطيل خدمة الإنترنت أثناء الاحتجاجات التي بدأت في ذلك البلد في 25 يناير من العام الجاري (ولكن ذلك الإجراء لم يوقف الثورة). وفي سوريا لجأت الحكومة إلى تشغيل خدمة "الفيسبوك" للتجسس على الناشطين، وإعداد قوائم بأسماء أصدقائهم على الموقع.

يقول"زيادة": "لقد تحول الأمر إلى شيء أشبه بلعبة القط والفأر. فالقط هنا -الحكومة- يمتاز بالقوة، ولذلك فإن الفئران -الناشطين- كانوا بحاجة إلى أن يكونوا أسرع وأكثر ذكاء".

ومن جانبها ترى "فيركلاس" أن: "هذا البرنامج التطبيقي الحاسوبي الذي تموله أميركا لا يستطيع حماية الناشطين من رقابة وكالات الاستخبارات المتقدمة، ولا قوات الشرطة المتطورة، لأنه مجرد وسيلة أمنية من المستوى المتوسط، ولا يمكن اعتباره تطبيقاً متقناً خاليّاً من الثغرات".

وسيكون شيئاً طيباً بالطبع لو قامت صناعة التقنية الأميركية، التي تتحدث كثيراً عن نفسها، بتوفير تلك الأدوات من تلقاء نفسها -أي بدون طلب من الحكومة- ولكن ليست هذه هي الطريقة التي تعمل بها الأسواق. وتوضح "فيركلاس" ذلك بقولها: "تركز الأسواق جل نشاطها على المؤسسات التجارية، والمستخدمين المنزليين ممن يملكون الإمكانيات المادية التي تمكنهم من شراء التطبيقات المتطورة، ولا تهتم كثيراً بالصحفيين في سوريا ولا بالطلاب في إيران... وبهذا المعنى يمكن القول إن السوق قد عجز عن الاستجابة للاحتياجات الجديدة للتقنية". ولذلك، ترك الأمر لوكالات وزارة الخارجية الأميركية المختصة، التي لا تعتبر هي أذكى الوكالات داخل الحكومة الأميركية، وكذلك تركت لبعض المؤسسات غير الربحية العاملة في مجال التقنية مثل تلك التي تمتلكها فيركلاس مهمة ملء الفراغ".

دويل مكمانوس

كاتب ومحلل سياسي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي إنترناشيونا

=================

نعم للدولة المدنية ولو كره الكارهون!

رضا محمد محمدي()

المستقبل

21-9-2011

من المعروف ان الثورات العربية أثارت حراكاً طال كل نواحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ما أدى إلى طرح أسئلة استراتيجية خطيرة ومصيرية لطالما جرى كبتها وكبحها من النظام الاستبدادي الدكتاتوري بل اعتمد عليها ملاذاً أخيراً لمحاولة شق الثورة السورية لاسيما وأن هذه الأسئلة محقة ومصيرية وتتعلق بالوحدة الوطنية والتعايش بين مختلف أطياف المجتمع السوري الذي يتميز بتعددية وطنية والتي وجدت قبل هذا النظام وستبقى بعد سقوطه، لأن لها تاريخ طويل من المشاركة في كل نواحي الحياة السورية، الأمر الذي يدل على ان حرية المعتقد متجذرة في الفكر والعقل والثقافة السورية التي تعد نتاجاً لأقدم عاصمة في التاريخ إلا أن ذلك لا يحول دون طرح السؤال المهم هو كيف ستتعامل هذه الثورة مع التعددية الدينية واللغوية؟

في البدء يمكن القول ان النظام السوري لم يمثل الوحدة الوطنية ولا الوحدة الدستورية وإنما كان بمثابة وحدة استبدادية ودكتاتورية طغت سياسياً وثقافياً واقتصادياً واجتماعياً، وحتى العلمانية التي عادة ما يستند إليها أهل هذا النظام لم تكن علمانية صحيحة ومحايدة وإنما كانت علمانية سياسية تجلت في حزب البعث الذي يعد نسخة للحزب الواحد في النظام السوفيتي الذي سقط منذ أكثر من عقدين ومن ثم فإنّ هذه العلمانية لا تهدف اطلاقاً إلى المحافظة على التعددية من خلال مبدأ الحياد وإنما تحارب وتستأصل كل منافس سياسي! فهي إذن علمانية المحافظة على السلطة تصح تسميتها بالعلمانية السياسية على خلاف العلمانية التي نشأت في فرنسا والتي تقوم على ثقافة القبول بالآخر والفصل بين المجتمع الديني والمجتمع المدني بين الحياة العامة والحياة الدينية بحيث تأحذ الدولة موقع المحايد، إلا أن الحل في ما يتعلق بالتعددية في الدول العربية وبخاصة سوريا يجب أن يبنى على أسس صلبة ومتينة وفي هذا الاطار تتوجب الاشارة الى ان الغلبية والاقلية هم شركاء في المشكلة وشركاء في الحل ومن ثم فإنّ الخطاب يجب أن يوجه إلى الأغلبية وما طرحه غبطة البطرك الماروني يجب فهمه وقراءته على انه سؤال بنيوي موجه إلى الكل يطرح مشكلة التعددية وهو محق في ذلك إلا أن الجواب من الطرف المقابل لم يأت، لذلك يتوجب القول ان تجربة السودان قد فشلت وأدت إلى انقسامه كذلك تجربة طالبان ادت الى احتلال افغانستان يضاف الى ذلك فشل الدولة الدينية في ايران.

في المقلب الآخر تظهر التجربة التركية التي أصبحت تمثل قوة ديموقراطية واقتصادية وديبلوماسية يقودها حزب اسلامي ومن المفروض ان الحركات السياسية تعي المطبات وتستفيد من التجارب والاهم من ذلك الانفتاح على الديموقراطية ان الحل الذي يجب على السوريين ان يدركوه هو الذهاب الى ابرام عقد اجتماعي مدني يشارك فيه كل السوريين بمختلف انتماءاتهم، انه العقد الاجتماعي المدني السوري ولو كره الكارهون فهو العقد الذي يسمح للسوريين بتقرير مصيرهم تحت راية الحرية للجميع.

ان التضحيات التي يقدمها السوريون لا تعني سوى حب السوريين للحرية الأمر الذي يبرهن على ان الديموقراطية والمساواة هما هدفان لا يمكن التراجع عنهما، وان الشعب السوري ماض في ابرام هذا العقد الذي على اثره تقوم سوريا الجديدة، لقد ولى عهد الدولة هي انا وسوريا هي انا والوحدة الوطنية هي انا، وأتى زمن الانسان السوري وزمن العقد السوري انه زمن المدنية السورية. وحماية التعددية لا يمكن ان تتم من خلال نظام استبدادي ومن منّا لا يعرف ما فعله هذا النظام ببعض مكونات المجتمع اللبناني من تهميش واقصاء بل ان بعض مكونات المجتمع السوري قد تراجع الى حد ان الانسان العادي لا يعرف بوجود بعض الاديان في سوريا ذلك ان هذا النظام لم يكن عادلاً سوى في توزيع الظلم، حيث طغى واستبد على كل مكونات المجتمع السوري. ان الحرية آتية لسوريا ولو كره الكارهون.

=================

وستالجيا الظلم.. أقليات وأكثريات بأخطاء متبادلة

هاني فحص

السفير

21-9-2011

لا تستطيع الأقليات الدينية أو المذهبية أو الإثنية في البلاد العربية والإسلامية أن تقدم نفسها بديلاً للأكثريات الحاكمة في الدولة وبها، بصرف النظر عن صدقية هذا المفهوم المتفاوتة في نسبة انطباق تعريف الدولة عليها، والذي يبدو حتى الآن أن مساحة المطابقة فيه جزئية وأضيق بكثير من مساحة التباين.

وعندما تتورط هذه الأقليات بهذه الأطروحة لا تثير مخاوف الأكثرية الحاكمة أو المستأثرة بقدر ما تثير رغبتها المبررة في هذه الحال، في المزيد من التحكم وتهميش الأقليات أو إقصائها، وباستمرار كان الخطأ في التقدير الذي تقترفه الأقليات مقدمة، لمزيد من التهميش والإقصاء واستخدام العنف المادي والمعنوي ضدها، من دون أن يكون بإمكان أكثريات وأقليات أخرى شريكة في دينها أو مذهبها أو قوميتها، لأي أقلية تتعرض أو تعرض نفسها لامتحان صعب كهذا، ان تتضامن او ان يكون تضامنها فاعلا ومؤثرا في تحقيق الأقلية المتضامن معها لأهدافها، او تخفيف العقوبة التي تنزل بها عندما تخضعها السلطة المحلية للحساب. والشواهد على ذلك كثيرة في الماضي والحاضر.

وإذا كان تهميش أو حرمان أو إلغاء أو إقصاء أي أقلية في أساسه متأتياً من الاستبداد، فإنه يصبح قضية عابرة لحدود الدين والمذهب والقومية، فإذا استعجلت الأقلية كانت أمام محذور إثارة مخاوف المحرومين والمهمشين في الأكثرية الحاكمة أو المحكوم باسمها من قبل السلطة، على الرغم من كونهم يلتقون معها في الدين أو الطائفة او القومية، ويصبح هؤلاء المهمشون مضطرين إلى طلب الأمان والاطمئنان لمستقبلهم، في حضن أو سجن جماعتهم، ما يلزمهم بالتسامح مع السلطة التي تتحول من كونها خصماً إلى كونها ضرورة معنوية ووجودية لهم. وبناء على ذلك يتراجع حجم ونفوذ وتأثير جماعات الاعتراض المتحدرة من الأكثرية وتصبح علاقتها التضامنية أو التحالفية مع الأقلية المعترضة وجماعاتها السياسية محرجة لها لدى جمهورها، فترتبك وتصبح عرضة للانشقاقات والالتحاق بالقطيع الأكثري بذريعة إضافية هي استقطاب الأقلية لجمهورها وتحويله إلى قطيع سياسي على أساس ديني أو مذهبي أو قومي يغلب في هذه الحال، في جاذبيته وجامعيته، على المطلب السياسي الوطني أو الاجتماعي.. هذا في حين يكون الوطنيون المطلبيون ممن ينتمون إلى الأقلية كمتحد اجتماعي لا كجماعة سياسية، قد وصلوا إلى نهاية الحرج أمام نداءات وإملاءات العصبية الأدنى من السياسة، ويصبح خيارهم ان يلتحقوا بالقطيع ويرطنوا بلغته الدينية او المذهبية أو الإثنية، او ان يتحملوا نعوت الخيانة والانحراف والكفر من جماعتهم، ويتحملوا النتائج السلبية او العقابية التي تنزل بهم، عندما تلتف الأقلية مضطرة، وتكراراً، على حركتها وأحلامها الأقلوية، لتعود مذعنة إلى مجال السلطة، تحت هاجس ان سلامة الوجود وحفظه أولى من تحقيق كمالات هذا الوجود.. هذا وإذا كان الاستهداف الأقلوي لسلطة الأكثرية ببديل أقلوي فلا بد أن يكون مماثلا او أشد قسوة من خصمه أو عدوه. لأنه يكون محكوما بالخوف المقيم وبالثأرية التي لا يمكن إيقافها بالقوة والعنف المباشر. وفي العادة والمتكرر ان هذه الأقليات عندما تتحرك في أوطانها بشكل ومضمون يتعدى مطالبها في الانصاف، لا تحظى من الأقليات او الأكثريات المشابهة لها في الدين او المذهب او العنصر خارج بلدها ما تلقاه الأكثرية التي تعترض عليها، من تضامن أكثريات (شقيقة لها في هويتها الفرعية) وفي المعتاد ان الأقليات (الشقيقة) قد تظهر مساندة مبالغا فيها ولكنها لا تخلو من علامات على كونها محاولة لإسقاط همومها وأوجاعها وأحلامها المحلية على الخارج.. وهي، أي هذه الأقليات الشقيقة، تتراجع، خاصة عندما يستبد بها الخوف من إثارتها لمخاوف الأكثرية (السلطة) في بلدها.

أما الأكثريات المناصرة لأي أقلية محتجة، فإنها تكون غالبا متشكلة في دول، تستشعر بنسبة أو بأخرى، أو لا تستشعر موجبات التضامن مع شقيقاتها من أقليات أو أكثريات، وقد يصل التضامن إلى درجة من الخطورة على من تتضامن معه، خاصة عندما يكون مادياً ملموساً أو سياسياً مكشوفاً، أو قابلاً للانكشاف في أي لحظة، من دون ان تكون المظالم الحقيقية او المدعاة لدى من تساندهم كافية لتبرير سلوكها، وبذلك تكون قد عرضت الجماعة التي ساندتها إلى عقوبات إضافية، في حين تكون قد اقتنعت باستحالة الاستمرار في المساندة، لتنعطف على قراءة ذرائعية (براغماتية) فجة أحيانا، لنظام مصالحها الذي يلزمها بالتنصل من موجبات الهوية الفرعية المشتركة مع الأقلية التي ساندتها، وبالسعي المحموم أحياناً إلى عقد صفقات مختلفة على حسابها، ومع الدولة او السلطة الأكثرية التي كان يجب أمس (إسقاطها) بحجة انها ظالمة ثم اصبحت صديقة او حليفة وأصبح استقرارها هدفا للجميع الذين يأخذون بالبحث عن أخطاء الأقلية تمهيداً لتبرير اضطهادها ونصحها بالهدوء والعودة إلى بيت الطاعة مخذولة جريحة ومعرضة مرة أخرى لمزيد من التهميش، وتقديم العبرة لأي أقلية تفكر بطريقة خاطئة في طلب إنصافها.

والسؤال: ما هو التفكير الصائب والذي لا يعني كونه صائباً انه لا تترتب عليه خسائر او مخاطر... ولكنه، أي التفكير الصحيح، هو التفكير والعمل على الاصلاح من منطق وطني وإنساني، لا ديني ولا مذهبي ولا إثني، من دون ضرورة للتنصل من هذه المكونات او خيانتها، بل ان الاصلاح على قاعدة الوفاق والتضامن الوطني هو الذي يحفظ لأهل الدين او المذهب المختلف أو الاثنية المختلفة، وجودها وحضورها ومصالحها وكرامتها وثقافتها وحيويتها.. وينعكس سلمياً إيجاباً على الأقليات المشابهة لها في أوطان أخرى؟

هذا التفكير الصحيح والمجرب، يجب تكرار تجربته والآن أكثر من أي فترة مضت، لأن الضرورات التي تملي ذلك أكثر والمخاطر التي تترتب على تنكب سبيله أخطر.. ولأن التطرف القائم على متراكمات فشل بناء الدولة الجامعة، وعلى اليقظة الكابوسية للهويات الفرعية، لا يمكن مواجهته الا بالاصلاح على أساس الاعتدال والوسطية والتسوية والاحتجاج المحكوم برؤية مطلبية جامعة للمواطنين المقهورين او المحرومين لا عقائدية مفرقة.

على أن هذا التفكير يصبح عرضة للفشل والاحباط إذا لم يصاحبه تفكير بالتدرج والصبر ومعالجة الأخطاء والأعطاب وتحمل النتائج القاسية أحياناً، ولكنها غير نهائية.. بما يستلزم ذلك من تضحيات وتنازلات وتحالفات يمكن ان تدوم ويمكن ان تنفك بعد تحقيق المطالب والاختلاف على الأفضل وعلى استمرار الإنجاز.. وهنا تبدو الحاجة ماسة إلى ما أصبح مشهوراً لدى الذين يفكرون عميقاً بالشروط النظرية والعملية لصناعة المتحولات الكبرى في حياة الأمم والشعوب والتي يصنعها الجميع من أجل الجميع، هذا المشهور هو ان الكتلة التاريخية ضرورية جدا لعملية التحويل.. بما تعني من لقاء مبرمج من دون أوهام ومن دون أحلام بالوحدة الكاملة والتامة والدائمة، لأنها مستحيلة، ومن دون تغليب لبعد طبقي او جهوي او حزبي او طائفي او إثني، على أي بعد آخر، لأن الأهم هو الشراكة في انجاز التأسيس الوطني للدولة على أسس معاصرة تحفظ للموروث الديني او القومي موقعه وفعاليته من دون طغيان على الناظم الوطني، بل من خلال علاقة جدلية وتبادلية بين المكونات الاجتماعية ومكونات الهوية على أساس المواطنة.

ودولة المواطن وحساب الأكثرية على أساس الديموقراطية التي إن لم تكن أكثر عدلا فهي أقل جوراً على الرأي العام والخاص.. وهي التي تحفظ على أطراف المتعدد ذاكراتهم وخصوصياتهم التي تقوم على أساس متحداتهم الاجتماعية من دون ان تكون مضطرة للفصال مع الجماعات الشريكة في الوطن والدولة والحياة. ومن دون ان يكون أي فرد في أي جماعة مضطراً لأن يختزل حيويته وحقوقه الإنسانية والوطنية في جماعة، بصرف النظر عما تتفق او تختلف عليه، وهي ان اتفقت مرة على السلب ضد الآخر، فإنها لا تلبث ان تتقاتل في ما بينها لان الإيجاب، بما هو أطروحة وطنية انسانية لم يجمعها، والأطروحة الفرعية او العصبية التي تجمع هي التي تفرق، تفرق الجماعة عن شركائها، وتفرق متعددات الجماعة الطبيعية، وتحولها إلى كيانات متناقضة ومتقاتلة كما حصل دائماً ويحصل الآن وغداً.

هذا وإنها النصيحة الواجبة علينا بموجب خيارنا الاعتدالي والعقلاني والإنساني الذي لا يستقر الا بشرط الحرية والعدالة في ظل دولة حاضنة قوية وعادلة تستخدم قوتها في ترسيخ العدل وتحول العدل إلى مصدر قوة على نفسها ومن أجل مواطنيها لا عليهم.

إنها نصيحة للأكثريات والأقليات الدينية والمذهبية والإثنية في الهند وباكستان وأفغانستان وإيران والمملكة العربية السعودية وتركيا والبحرين والكويت والعراق وسوريا ومصر والجزائر والمغرب والسودان.. إلى السنّة والشيعة والدروز والكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت والأقباط والصابئة والشيك والإيزيدية والشوافع والمالكية والحنابلة والوهابية وغيرها.

ولا يجوز للأكثرية ان تستأثر وتتشبث بالمحاصصة على أساس العددية الأكثرية لا النوعية الوطنية. كما ان الأقلية مضطرة لأن تصر على الاندماج الوطني كحل لتهميشها. وتحتج وتعترض من دون أي إيحاء باختيار الفصال.. أي ان الأقليات مطالبة بأن تبحث او تسعى إلى تكوين أكثريات وطنية على أساس الخيارات الوطنية، لا الهويات الفرعية، تتحصن بها وتنجو وتنجي.

إن الهوية الفرعية لا يمكن ان تجد نفسها بمعناها الحضاري العميق الا في كنف الهوية المركبة التي تحميها ولا تلغيها، بل يلغيها الاقتصار المعرفي والوعي المتعسف بها (اللاوعي) مقطوعة عن مهماتها التي تضعها في مجال الفعل السياسي والثقافي والاجتماعي والمنفعل في معادلة بين الفعل والانفعال يزدهر من خلالها جدل الحياة التي تتحول من ظرف زماني ومكاني قهري، بالتعدد المحتكم إلى الوحد طوعاً وضرورة على مقتضى الحرية وشرطيتها، إلى اختيار يصبح معه الزمان والمكان مجالات لتجليات الذات التي لا يكتمل تعريفها وتعرفها إلى ذاتها إلا بمعرفة الآخر او المختلف وتنشيط إرادته في تحقيق تعريفه ومعرفته بذاته، لتصبح المعرفة المتبادلة أهم حافظ للوجود سلاماً وكمالاً.. «ولا يزالون مختلفين ولذلك خلقهم».

هذا حتى لا يبقى خيار الانفصال الى كيان هزيل يغازل المحرومين الذين تستبد بهم نوستالجيا الظلم والحرمان فيظلمون أنفسهم ظلماً يفوق ظلم ظالميهم لهم ولغيرهم.. هذا ان أمكن ذلك.. وهو إن أمكن او لم يمكن كان سبباً لمضاعفة الأخطاء والأخطار والخسائر.

=================

ليبيا وسورية.. تطورات وإنعكاسات راهنة

فادي عميرة

القدس العربي

 21-9-2011

في تونس، إنفجرت إحتجاجات عنيفة في سيدي بوزيد بعدما قام محمد البوعزيزي بحرق نفسه بسبب إهانة وقمع الدولة له، وهو الفقير المهمّش، إبن المدينة المهمّشة. إتسعت الإحتجاجات التي واجهتها الدولة بالعنف والقمع والتضليل والتخويف، حتى عمت أرجاء تونس وإجتاحت العاصمة بقوة. وكان يزداد عمقها بإزدياد عنف السلطة، حتى طالبت بإسقاط النظام.. وسقط النظام. في سابقة تاريخية فاجأت الجميع، سقطت السلطة الأبويّة، التي كانت الشعوب تعتقد أنها خالدة وأبديّة، وقدر محتوم. فالزعيم والقائد عندنا مخلّد، وهو جزء أساسي من الوطن والهويّة، وثابتٌ من ثوابتها.

كسر الشعب التونسي البطل قدسيّة وعبوديّة الفرد، والحاجز الوهمي للمستحيل، ورسم طريق الخلاص للشعوب المقهورة قاطبة. فإمتد الحراك طبيعياً إلى مصر وليبيا واليمن والبحرين والمغرب وسورية وغيرها من دول العرب والعالم، التي إنتفضت قطاعاتها الشعبية المضطّهدة في سياق ما بدأ في تونس. أملاً وسعياً لبديلٍ أفضل.

عندما وصلت رياح الثورة إلى ليبيا، بدأ الحديث عن مؤامرة إمبرياليّة على النفط الليبي، وعلى نظام 'ممانع للإمبرياليّة'. وعند وصولها إلى سورية، بدأ تراجُع بعض 'النخب' وإزدادت حدّة الحديث عن مؤامرة دفعت بالشعوب للخروج إلى الشوارع ومواجهة الرصاص والقذائف، لإسقاط أنظمة 'الممانعة' جهلاً ربما- بالمطالب الأساسية للشعوب المنتفضة والمتمثّلة بإسقاط حالة الإغتصاب والإستبداد السلطوي، وإنهاء التهميش والإفقار، والقضاء على الفساد الحكومي، ورفض للتبعيّة.

ليبيا، الثورة لم تنته بعد

في ليبيا، بدأت إحتجاجات سلمية لم يعتد عليها النظام هناك فواجهها بعنف مفرط، إستخدم فيها الرصاص والمرتزقة والقصف بالطائرات التي هرب بعضها إلى دول مجاورة وقفز طيار أحدها من على متنها هرباً من إقتراف مجزرةٍ بحق المتظاهرين، وبدأ الإنهيار السريع لحالة 'اللانظام' والشبيهه بالإقطاع. فحوّل النظام هذه الحالة إلى حرب شنّها على شعبه الذي حمل ثواره السلاح ليدفع عن نفسه بطش نظام القذافي 'الممانع'.

سقط آلاف القتلى في أيام، ودكّت مدافع 'الممانعة' مدن ليبيا الثائرة، وكادت الآلة العسكريّة الضّخمة للنظام أن تهزم الثوار، وإزدادت صرخات الليبين الذين يئنون تحت القصف والذّبح المتواصل، مترافقاً مع حملة تهديد وتخوين وتضليل إعلامي واسع قام بها النظام (كلّنا يذكر خطابات القذافي المذعورة)..

أثارت الحرب في ليبيا العالم أجمع، وفتح سلوك النظام الدّموي الطريق أمام تدخل حلف شمال الأطلسي الذي كانت تنتظر دولُه تشكيل 'قيادة' سياسية واضحة للمعارضة، لتضمن التعامل السياسي مع 'رأس' للثورة الليبية. كان بعضها متشجعاً كفرنسا والبعض الآخر متردداً كالولايات المتحدة.. وتدخّل الحلف أخيراً في الحرب التي إمتدت لستة أشهر، وبدأ يقصف أهدافاً عسكريّةً للنظام، ساهمت إلى حد كبير في إسقاطه وتقصير عمره، وحسمت المعركة لصالح الثوار.

مخطئ من يعتقد بأنه لن تكون هناك فاتورة سياسية إقتصادية للتدخل الخارجي، لم تدخل فرنسا ساركوزي (مثلاً) -صديق الأمس للنظام، وعدوه اليوم- المعركة بلا ثمن. هي تريد فتح أسواق جديدة خدمةً لأطماعها الرأسماليّة، وتحت غطاء تحرير الشعب الليبي. هذا ما نخشاه جميعاً، وهذا ما على الشعب الليبي، الذي لا يجب أن يرضى بأي شكل من أشكال الإستغلال وقد تخلص من إستغلال القذافي له، أن يواجهه.

توحّد الثوار الليبيين رغم إختلافهم في مواجهة خصم واحد هو النظام، لم يلتفتوا سوى إلى التناقض الذي وحدّهم عليه، والذي حان وقت حسمه.. عملية سقوط نظام (اللانظام) في ليبيا قد تمت تقريباً، بسبب طبيعة النظام نفسه بعكس تونس ومصر. والآن بعد حسمه، ستبدأ التناقضات التي جمدّت بينهم في الظهور وسيبدأ صراع جديد على شكل النظام الجديد، وحتماً على العلاقة مع دول الحلف. وسيفرز هذا التناقض بلا شك، مواقف وطنية واعية للمطامع الإمبرياليّة. وهنا دورنا نحن، دعم الثورة الليبية وحثها على مقاومة مخاطر الهيمنة الخارجية والحذر منها، وعلى بناء نظام وطني ديمقراطي عادل، وبلا شك سيكون النظام الليبي القادم نظام أكثر عدلاً وأكثر تقدّماً عن سابقه.

أما المواقف التي تتحدث عن رفض الثورة الليبية دون تقديم بديل وموقف حقيقي، فهي مواقف غير مسؤولة.

سورية، إنكارٌ مستمر وإصرارٌ على مؤامرة

أما في سورية، فلا زال النظام مستمراً في إستخدام آلة القتل والشبّيحة ضد المتظاهرين العزل رغم الإعتراف في أكثر من مناسبة بوقوع عمليات قتل للمتظاهرين وتشكيل 'لجان تحقيق' وإعلان وقف العمليات العسكرية ورغم إستمرار الحملات العسكرية القمعية للنظام -الممانع كذلك- لأكثر من خمسة أشهر، إلّا أن الحراك في سورية عمّ معظم المناطق، ودخلت بعض أحياء دمشق التي واجهها النظام بالعنف والإعتقالات.

في ظل وضوح الجريمة وإستمرارها وتوسعها ورغم وضوح كذب النظام، لازالت بعض 'النخب' تتبنى نفس مستوى الخطاب المنخفض في البدايات، وتتحدث عن صور وفيديوهات مفبركة وأخبار كاذبة وعصابات مسلّحة وتضليل إعلامي 'عالمي'.. إن عملية نقل الخبر ونشره، تزيد من تصاعد الإحتجاجات وتضرّ بالسلطة، لهذا يرفض النظام دخول وكالات الأنباء لنقل ما يجري على الأرض. فسواء في تونس أو مصر أو ليبيا أوغيرها إتهَمت السلطة قناة الجزيرة وغيرها بالعمالة والمشاركة في المؤامرة.. وبدعوى الخوف على سورية (التي تختزل عندهم في 'النظام' السوري) يقوم هؤلاء بالدفاع عن النظام وإنكار جرائمه، وأغلبهم عندما يشعرون بالضعف يعترف بها ويبررها بأهمية بقاء النظام السوري الداعم للمقاومة!

إن إستمرار النظام السوري في قتل شعبه والإصرار على رفض التغيير السلمي لحالة الإستبداد والتهميش والفساد سيفتح الطريق -حتماً- أمام التدخّل الخارجي في مسار الثورة وبالتالي في عمليّة بناء النظام الجديد، وهو ما نرفضه جميعاً رفضاً قاطعاً. وما يجب الحوار حوله هو دورنا في حماية سورية الشعب والموقف النضالي كوحدة واحدة! وليس الوقوف في وجه الشعب وثورته بحجة حماية 'الدور الوطني' لسورية.

أما الحديث عن 'مين أحسن: البعث أم الإسلاميين؟' فهذا تسطيح للمسألة وإحتقار للشعب.

ليس من المنطق، ولا من الأخلاق، أن نطالب الشعوب بالتوقف عن المطالبة بحقوقها بحجة الخوف من التدخل الخارجي، الشعوب إنتفضت ولن تهدأ بهذه الطريقة، بل علينا أن نطالب الأنظمة بحماية بلداننا من التدخل الخارجي عن طريق تحقيق مطالب الشعب المحقة والعادلة، بدلاً من شن الحرب عليه وتعريض المنطقة كلها للخطر.

إن التدخلات الخارجية طبيعية ومتوقّعة، إذ لا يمكن أن يتخيل عاقل أن نمر بحالة تغيّر نوعي دون تدخل القوى العظمى من أجل حماية ما تبقى لها من مصالح ونفوذ مع أنطمة إهترأت وحان موعدها التاريخي للزوال.

إن شعوبنا العربية تناضل اليوم ضد الإستغلال، من أجل الحريّة والعدالة، في سيرورة نضال تاريخي من أجل مستقبل أفضل للبشريّة. وما هذه الحالة سوى نقطة تحول نوعي لن يتوقف بعدها التاريخ، وخطوة على طريق نضال طويل ومرير، مليء بالتحولات المماثلة، حتى تتحرر البشريّة من الإستغلال.

' كاتب اردني

=================

جرينوار السوري ..عن محاكم التفتيش والتعذيب للسوريين

مروان العياصرة

2011-09-20

القدس العربي

 أساطير الموت، هي الأكثر خلودا من أي أساطير أخرى، ودائما في كل عصر، يعاد إنتاج أحد أبطال هذا النموذج من مخترعي الموت الأسطوري، تماما كما فعل البابا جرينوار التاسع حين أنشأ في أوائل القرن الثالث عشر عام 1233 محاكم التفتيش، لتخلق الموت بما لا يشبه أي موت آخر، فالمهرطقون الذين خالفوا التعاليم وانحرفوا عن العقيدة الرسمية كانوا يساقون بالشبهة أو الوشاية إلى محاكم التفتيش التي ضاقت بها البلاد والأمصار..

التهمة مهياة لكل أحد، والاعتراف بالجريمة التي ربما لم تُقترف، أو الذنب الذي لم يرتكب حتمي، وليس سوى التوبة من طريق، والذين لم يتوبوا كانت لأجسادهم أن تنال نصيبها من الموت البطيء، بالمحرقة أو بأي بطئ كان.

جرينوار السوري الجديد، الذي انشأ محاكم التفتيش والتعذيب للسوريين تجاوز منحة التوبة، فكل الشعب السوري مدان، والتوبة لا تعفي أحدا من العذاب أو الموت، لهذا تبدو كلمة ( لا عودة للوراء )، أكثر تفسيرا وتوضيحا، لأن خلف أبواب هذا الوراء ابواب محاكم التفتيش التي لا تهب التوبة ولا تقبل بالعفو عما سلف، والذين يبرأون إلى الأسد بخطيئتهم إنما يقرأون شهادة موتهم، فكيف لهذا الشعب أن يعود للوراء لتغلق عليهم أبواب الجحيم، وأبواب محاكم التفتيش التي تجاوزت بضراوتها محاكم جرينوار، والذي يفسر هذه الإرادة للشعب السوري على مواصلة طريق الموت هو أنه ليس لهم ما يخسرونه بعد أربعة عقود ونيف من القمع والاستبداد وتغييب الحرية والسطو على كرامة الناس، حتى الموت ليس خسارة ما دام الموت الحاضر يصنع مستقبلا مختلفا.

الذي يحدث في سوريا أكبر من مجرد مواجهة متظاهرين، وأعنف مما حدث في ليبيا، إنها حرب، والذين قالوا إن بشار الاسد يذهب بسوريا إلى الحرب تأخروا، فالحرب وقعت والموت بالمجان على أرصفة الحارات وفي أزقة المدن وفي المدارس التي تحولت إلى سجون ومحاكم تفتيش ومقاصل كبيرة.

سوريا والسوريون بين مؤامرتين، الاولى ما لفقها النظام باسم المؤامرة الخارجية، والثانية المؤامرة الداخلية التي لفقها أيضا النظام باسم الإرهاب والمجموعات الإرهابية، وكأن قتل الآلاف ليس مؤامرة دموية، او ان تحويل سوريا إلى سجن مغلق ليس مؤامرة، وكان التعذيب واستهداف الأطفال واغتصاب النساء، واستخدام الشيوخ والعجزة رهائن وأدوات ضغط ليست مؤامرة.

على أقل تقدير كي نفهم ان كل الذي يحدث في سوريا مؤامرة عليها كان حري بهذا ( الأسد ) الذي ناضل عقودا بأفكار القوميه والعروبية ضد الليبرالية المتوحشة أن يناضل أيضا بمركزه كرئيس من أجل أن يستبقي بعض الدم للسوريين ليعيشوا به ويدافعوا عن أفكار القومية العربية المزعومة في سوريا.

ماذا لو كان بشار الاسد صادقا في عروبته وقوميته وأعلن قبل كل هذا الدم المسفوح أنه وانتصارا للشعب ولسيادة سوريا وقوميتها وبعثيتها يعلن تنحيه عن السلطة، وتشكيل مجلس وطني للحكم مثلا حينها سنقول بملء أفواهنا ان سنوات الصدح بالقويمة لم تكن مزورة، وأن النضالات السياسية لم تكن ديكورات لحواشي النظام. فات الأوان.. والدم فضح كل شيء، وسرعة جريانه تعلن انه ليس كافيا إعلان التضامن مع سوريا، إن هذا يشبه التضامن مع المتوفى واهله بإكليل من الزهور يوضع على قبره، وكأننا بمثل هذا المعنى التضامني نقول للضحية نحن متضامنون معك، سنقيم لك المسيرات والمظاهرات ونقرأ الفاتحة على الروح أمام السفارات.. أيها الشعب السوري موتوا بهدوء.. فنحن العرب وهذا العالم الذي يعلن الشجب والاستنكار متضامنون معكم للحد الذي تبح به أصواتنا.. الذي يفرض كل هذه القسوة في سوريا ليس النظام وحده، بما تتخلَّق أمامه النهايات المأساوية لنظامه، بل إن ثمة لاعب آخر، يشكل النظام الإيراني عموده الفقري، من حيث ما يواجهه في داخله من ارتفاع منسوب النقد والتنديد ومجاوزة قدسية الدولة الدينية، وما سيواجهه من خارجه من هدر لمصالحه وضعف لمكانته إذا ما سقط النظام السوري، مما يغلق الباب السوري الجنوبي لإيران.. ويفتح الباب السوري الشمالي لتركيا.

هذا الذي يختلف فيه الراهن السوري عن أي راهن عربي آخر على صعيد الثورات، شعب واحد يواجه عسكرة دولتين وشبه دوله أخرى، فلا غروا إذن ان يكون كل هذا الدم والقتل، ولا غروا ان تكون الحرب في سوريا مفتاح لاشتعال حرائق أخرى.

إذا كانت محاكم التفتيش علامة على العصور الوسطى، وجرينوار التاسع علامة على أسطرة صناعة الموت، فإن محاكم سوريا التي تنتج الموت علامة على العصر العربي الراهن، وجرينوار سوريا الذي تهرطق مريدوه وألهوه وجعلوه في مقام الربوبية سيكون علامة على عصر الرؤساء المخلوعين، وسأغامر بالقول بأنه بعد عقود من الآن سنبقى نذكر الربيع العربي عبر عنوان سوريا أولا، لأنه ما زال في جعبة سوريا الكثير من الموت وفائض من الدم.

=================

ممانعون للحرية

رحاب أبو هوشر

القدس العربي

21-9-2011

الشارع العربي بقضه وقضيضه، اجتاحته روح الثورة والتغيير. الشعوب العربية بمختلف فئاتها وتياراتها الفكرية والسياسية، وقفت إلى جانب الثورات العربية، خرجت مظاهرات تؤيدها، وصدرت بيانات موقعة بأسماء مفكرين وأدباء وفنانين عرب، تحيي روح الشعوب الحية، وتنحاز إلى مطالبها المشروعة في الحرية والكرامة، وتدين في الوقت نفسه سلوك الأنظمة القمعي تجاه حركات تظاهر سمتها الأساسية هي السلمية. حدث هذا بالنسبة لثورات مصر وتونس وليبيا واليمن، ولما وصلت ثورة الشعوب إلى سورية، تعطلت لغة الكلام واختلت مفرداتها، وانقسم الصوت الذي كان موحدا في تأييد حركة الشعوب إلى صوتين متعارضين، وصمت فريق صمتا كثيفا لا يمكن فهمه أو تفهمه، تشوبه الغمغمة واللعثمة أحيانا، أمام مشهد القمع الدموي لحراك الشعب السوري.

دون أي لبس أو مناورة، ومنذ الأيام الأولى للحراك السوري، شق مصطلح ' الممانعة' الصفوف بين مؤيدين للحراك ومناهضين له، كأن ' ممانعة' النظام السوري، تمنحه الحصانة في وجه أي حركة إصلاح أو تغيير يطالب به الشعب. على الشعب السوري التزام الصمت والقبول بالحال، مهما كان الحال، لأن النظام ممانع لإسرائيل والقوى الامبريالية في المنطقة، ومهدد من قبلهما، ويلعب دورا في دعم وحماية مقاومة العدو الإسرائيلي، وأي شكل من أشكال المعارضة، وأي حراك شعبي، إنما يعتبر إضعافا لذلك الدور، وإثارة للفوضى، وإسهاما في ' المؤامرة' ضد ' الممانعة'، مما يعني القضاء على حركة المقاومة. هذا هو خطاب الممانعين، الشرسين في دفاعهم عن النظام السوري، في مواجهته للتظاهرات السلمية في درعا ودوما وحمص وحماة، ودمشق واللاذقية وبانياس وغيرها من المدن السورية.

يتغاضون في الوقت نفسه عن أخطاء النظام، وخطاياه، ولا يجدون مهربا من النقاش إلا الدفاع عن ' الممانعة' كفكرة وشعار أساسي، تتحطم عليه كل القضايا الأخرى، ويجب وقف حركة الشعب عند جداره، عند الحديث عن سطوة الجهاز الأمني، وذراع المخابرات الذي جعل جدران البيوت كلها ' لها ودان'، ومصادرة الحريات، وعن معتقلي الرأي من الناشطين والمعارضين والمفكرين السوريين، والمعتقلين السياسيين من العرب أيضا، الذين ' يختفون' لحظة اعتقالهم، لأوهى الأسباب والشبهات، ويتحولون إلى أرقام ضائعة، وتنقصف في الزنازين أزهار أعمارهم، دون تهمة أو محاكمة، في ظل قانون الطوارئ، الذي أملته كما يقول النظام ظروف ' الممانعة'.

ويسوؤهم إلى أبعد الحدود، ويتهربون بالاستخفاف والتهوين من الأمر، ويشنون حربا على ماكينة ' المؤامرة' المستفيدة من التهويل والتشويه، إذا طرحت قضية الفساد الفظيع في كل أركان الدولة، التي يئن تحت وطأتها السوريون، ويذكرون عليها أمثلة لا تحصى، وتدور بينهم حكايات رؤوس الفساد هناك بالاسم.

أي ممانعة تلك يجهد المدافعون عنها، تجعل من النظام السوري، لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه، بل وتضفي شرعية على استلاب حرية السوريين وإفقارهم وهدر كرامتهم، كما تفوضه بقنص المتظاهرين واعتقالهم من بيوتهم؟!

لم يختلف ' سيناريو' مواجهة الثورة السورية، عن غيره من الثورات العربية، كان لا بد من مندسين ومتآمرين ومخربين، قالوا مرة أنهم من الداخل ثم قالوا أنهم من الخارج، أيد خفية مجهولة، أبقاها النظام قيد الغموض، ثم استقر أمره على نزع الشرعية الشعبية عن الحراك، وتشويهه بنسبه للسلفيين. لم تختلف ذهنية النظام السوري عن الليبي أو المصري أو اليمني، كما لم يختلف الإجماع على لغة القمع، اللغة الوحيدة التي تمتلكها تلك الأنظمة وتجيد استخدامها، وإن بالغ الهذيان الدموي في سورية كما في ليبيا.

أصيب ' الممانعون' بعمى البصر والبصيرة، دفعة واحدة وبقرار مسبق، عما جرى ويجري أمام أعينهم، في الوقت الذي كذبوا فيه إعلام الأنظمة الأخرى الرسمي، وذهبوا لفضائيات مستقلة نسبيا لمتابعة الثورات، هرعوا لماكينة الإعلام السوري الرسمية، لأنه إعلام الحقيقة، أليس ممانعا؟! وبقدرة قادر، أصبحت تلك الفضائيات مشبوهة، تبث أخباراً وتقارير ملفقة تحريضية، لخدمة المؤامرة، بل إنها جزء من المؤامرة التي تستهدف النظام السوري!

وبعد أن كتبوا شعرا ونثرا في تمجيد الفجر العربي الجديد على يد الشعوب، تبنوا رواية مخالفة لمنطق الأحداث وواقعها، مزقوا أوراقهم وتنكروا لأصواتهم، وأطاحوا بقيمة الشعوب وقدرتها على انتزاع حقوقها، ذات الشعوب التي انحنوا لها إجلالا قبل أسابيع، لأن روايتهم تقول أن هذه الثورات العربية ليست إلا مخططا أمريكيا لرسم خريطة الشرق الأوسط الجديد!

المستجدات هذه على مواقفهم وآرائهم لم تكن إلا على أثر نهوض السوريين، وما كانت ازدواجيتهم الفكرية والقيمية لتظهر لولا أزمة النظام السوري ' الممانع'!

تمترس الممانعون في إصرار، يضع إيمانهم بمبادئ الحرية والعدالة موضع تساؤل، إن لم نقل زيف ذلك الإيمان، ويحيط فكرة ' الممانعة' ذاتها بظلال من الشك، فإن لم تعن في أهم ما تعنيه الإنسان كقيمة أساسية معادلة للأرض- الوطن، وحريته وكرامته، الإنسان الذي هو سلاح كل مقاومة في أي مواجهة مع العدو، كما أن حريته وكرامته هي الغاية، فماذا تكون إذن ' ممانعة' النظام السوري؟

لم يتوقف دفاعهم على مقدمات الأحداث والخلاف على قضايا الشعب السوري، ووجوب الإصلاح وأشكاله وأساليبه، امتد حتى اليوم، رغم مشاهد الإذلال البشعة الذي مورس من قبل أجهزة النظام ضد المتظاهرين، وعزل المدن والقرى المتظاهرة، وقطع الكهرباء والاتصالات عنها، والاعتقالات العشوائية من البيوت، وحصار الجيش لمدينة درعا، والعقاب الجماعي لأهلها، و' نداء الحليب' الذي وقعه مثقفون وفنانون سوريون لفك الحصار عنها، ورغم مأساة النزوح في تلكلخ، ورغم غزارة الدم السوري المراق، الذي لا يحتمل التلوينات والاحتمالات، أو التردد في اتخاذ المواقف.

أشك في أن أولئك ' الممانعين' سيعيدون النظر في موقفهم في الأيام القادمة، ولكن الجلي اتساع طيف الممانعين لاستعباد الشعب والتنكيل به، من قبل نظام لم يكن يوما إلا ممانعا للحرية.

=================

عن تنوع المعارضة السورية وتكاملها

الاربعاء, 21 سبتمبر 2011

أكرم البني *

الحياة

ثمة تعقيدات في تحول كتل متنوعة من المعارضة السورية إلى مزيج متجانس، بمعنى صعوبة دمج ثلاثة أطراف رئيسة منها تختلف من حيث المنبت والبنية وشروط التكوين وتالياً المهمات المنوطة بها وآليات العمل والنشاط. وما يكرس هذه الاختلافات ويعمقها، استمرار الشروط الأمنية القاسية وحضور آلة قمعيه تتصرف من دون رادع قانوني أو أخلاقي لسحق مناهضيها وتكريس سيطرتها وفق منطق القوة والعنف والغلبة.

ثمة ما اصطلح على تسميته معارضة الداخل، وهي بقايا الأحزاب والشخصيات السياسية التي عانت الأمرّين من ظلم السلطة، ونجحت في الحفاظ على كياناتها وحضورها على رغم حملات القمع والإقصاء والسجون، لكن سنوات الاستبداد الطويلة أورثتها حزمة من الأمراض أربكت دورها وحدّت من فاعليتها. وإذا استثنينا ما تصدره هذه المعارضة من بيانات ورسائل سياسية كمساهمة في رصد الحراك الشعبي ودعم مطالبه، فلا تزال في غالبيتها عاجزة عن المبادرة وغير قادرة على مواكبة انتفاضة الشباب وتمكينها، ربما لأن ما حصل فاجأها ولا تعرف إلى الآن سبيلاً لملاقاته والتفاعل معه، وربما لأن بعضها تحكمه المصالح الحزبية الضيقة ويصرف قواه في مناقشات ومنازعات لا طائل منها، وربما بسبب طابع قيادتها الهرمة وغالبيتها أدمنت خطاباً سياسياً عتيقاً وعسيراً، عليها التحول الى قيادة جماهيرية أو ميدانية... من دون أن نغفل أن أهم أسباب استمرار إخفاقها في توحيد صفوفها وتواصلها مع الانتفاضة الناهضة، يرجع إلى تركيز الجهود الأمنية لخنق دورها وتوظيف مختلف وسائل القمع لمنع هذا التواصل، تعززها أزمة ثقة مزمنة بين الطيف المعارض والناس خلقتها عوامل موضوعية وذاتية متنوعة لم يُصر الى معالجتها أو على الأقل التخفيف منها، الأمر الذي يفتح الباب موضعياً أمام أولوية تجاوز أوضاعها المبعثرة والمشتتة، أو على الأقل توحيد خطابها السياسي وإيقاع نشاطها لدعم الحراك الشعبي ومدّه بالخبرة والمعرفة، بخاصة أن من بينها قوى وشخصيات اكتسبت خبرة كبيرة خلال كفاحها المرير ضد الاستبداد، وفي الإمكان وضع رصيدها السياسي والمعنوي في خدمة الانتفاضة، لتعزيز استمرارها وحمايتها من التطرف والانحراف والحفاظ على تطلعاتها الديموقراطية من الضياع.

وفي المقابل، هناك معارضة الخارج وتتألف من المنفيين السياسيين وهم كثر، ومن أولئك السوريين ذوي الكفاءات العلمية والمهنية الذين بدأوا يهتمون بشؤون بلادهم بعد انطلاق الانتفاضة الشعبية وتحت وطأة الضغط الأخلاقي تجاه ما يتعرض له المحتجون من قمع وتنكيل. وبالفعل ظهرت أسماء ومجموعات ليست لديها انتماءات حزبية أعلنت انحيازها للانتفاضة، وبدأت في إعادة صوغ علاقتها مع مجتمعها، وربما تتطلع للعودة والمشاركة في بناء الدولة الديموقراطية. ولهذه الكتلة خصوصيتها وشروط عملها المختلفة، فهي في منأى عن القمع وتمتلك هامشاً واسعاً من الحرية والنشاط، ما يجعلها الأقدر على مد الحراك الشعبي بأسباب الدعم وبخاصة التعبير السياسي والإعلامي عن همومه ومطالبه وكسب الرأي العام في الخارج... لكن ما يضعف دورها هو تفككها، وتعويلها على ارتباطاتها المنفردة مع معارضة الداخل، وفي حال اتجهت لتأمين وحدتها كمعارضة خارجية يمكنها أن تكون أحد المفاتيح المهمة ليس لتقوية دورها فقط، وإنما أيضاً لتسهيل وحدة المعارضة ككل.

أما الكتلة الثالثة، فهي قوى الانتفاضة الشعبية وهي الجسم الحيوي الفاعل والواعد، والذي نهض بصورة عفوية دفاعاً عن كرامته وحريته من غير قوى سياسية أو شخصيات ورموز تقوده ومن دون شعارات أو برامج مسبقة، بل تنطحت لقيادته مجموعات شبابية نالت ثقة الناس من خلال صدقيتها واستعدادها العالي للتضحية، وعلى رغم عفوية الانتفاضة وغياب أي تحضير أو تخطيط لها، نجح شبابها في بناء هياكل وأطر تنظيمية حملت اسم التنسيقيات قابلة للتطور بما ينسجم مع حاجات تقدم الاحتجاجات وتجذيرها، وتمكنوا تدريجاً من توحيد قطاعات مهمة من هذه التنسيقيات على مستوى المناطق الأكثر سخونة ونشاطاً، ويبدو أنهم الآن في طريقهم عبر إعلان الهيئة العامة للثورة السورية لاستكمال هذه العملية وتشكيل قوة واحدة قادرة على العمل الميداني والسياسي المتسق.

صحيح أن هذه التكوينات القيادية الميدانية اغتنت مع الوقت واكتسبت خبرة أكبر في التعامل مع الحدث وقدرة لافتة ليس فقط في تنظيم صفوفها وإنما أيضاً في حمل مسؤوليات متعددة كالرصد والإعلام والتوثيق ووضع الخطط الملموسة، ونجحت كأشكال تنظيمية مرنة في تأمين استمرار الانتفاضة وتغذيتها من خلال تسخير وسائل التواصل الاجتماعي لخلق لغة مشتركة للتفاعل وللتوافق على المهمات وتوحيد النشاطات، وصحيح أنها تنتشر في كل موقع ومكان ما يجعلها عصية على الاعتقال، لكن الصحيح أيضاً أن ثمة جهوداً أمنية هائلة مخصصة لملاحقة ناشطيها، ويبدو بعضهم كأنهم يحملون أرواحهم على أكفهم، ما يعني أن أية محاولة لجرّهم إلى أجواء المؤتمرات والمجالس السياسية المكشوفة هو أشبه بمن يعرّضهم لأخطار مباشرة، وأقله نقل أمراض العمل المعارض ومشكلاته إلى صفوفهم.

نعم، إن مطلب وحدة المعارضة في هيئة تنظيمه واحدة على تنوع كتلها وأطرافها هو ضرورة لا خلاف عليها، لكن يصعب تحقيقه في الظروف الأمنية والمتحركة الراهنة، وذلك لا يؤثر في وزن المعارضة وفاعليتها إذا اقتنعت قواها بهذه الحقيقة واتجهت كل كتلة للنهوض بالدور المنوط بها وبالتنسيق والتكامل مع الأدوار الأخرى.

بعبارة ثانية، ان الطريق الأجدى ربما للتقدم نحو توحيد المعارضة، وبلورة حضور فاعل للحقل السياسي والخروج من حالة التشتت لا يصنعه تعدد المؤتمرات والمجالس الوطنية، والتي بدا أنها تزيد الانقسام انقساماً، بل بأن يقوم كل طرف بعمله في سياق الشروط الخاصة التي تحكم نشاطاته ربطاً ببلورة خطاب مشترك أمام الرأي العام يظهر صحة تنوع العمل المعارض وتباين أدواره وقدرته على تكوين قنوات للتنسيق والتكامل بما يرسخ أقدام الحراك الشبابي ويطمئن الجميع، بخاصة القطاعات المترددة، إلى أهداف الانتفاضة وغايتها، وبلا شك لن يتأخر الوقت كثيراً إلا ونحن نقف أمام محصلة لقوى أثبتت بالملموس قدرتها على نيل ثقة الناس، وأظهرت نفسها كطرف متميز، ينقض الماضي ويحمل مستقبلاً واعداً، واستعداداً عالياً للتضحية من اجل الكرامة والحرية.

* كاتب سوري

=================

تركيا الشرق أوسطية

الاربعاء, 21 سبتمبر 2011

عبدالله إسكندر

الحياة

تشتبك تركيا حالياً مع كل جوارها أو مع فئات فيه. بعض هذه الاشتباكات قديم يعود إلى مراحل تاريخية سابقة، وبعضها مستجد يتعلق بالظروف الحالية التي تمر فيها منطقة الشرق الأوسط.

هذا الاشتباك التركي اتخذ طابعه العام منذ شهور قليلة، وربما مع بداية الحركة الاحتجاجية السورية التي اعتبرتها أنقرة أنها جزء من الوضع الداخلي التركي. أي بدأ هذا الاشتباك منذ أن أدركت تركيا أنها جزء من تعقيدات المنطقة ومشاكلها التي قالت يوماً إنها ترغب في تصفيرها.

فإلى النزاع التقليدي مع اليونان في بحر إيجة، ومضاعفاته في قبرص، تواجه أنقرة نزاعاً مع جزيرة أفروديت على ثروات الطاقة في المتوسط، وصولاً إلى التهديد بإرسال قوات بحرية إلى المنطقة التي تقول إنها تتنازع عليها مع الجزيرة الجارة التي لا تعترف إلا بالجمهورية التي أقامتها في جزئها الشمالي. وقبل أزمة الغاز مع قبرص، هددت أنقرة بالانسحاب من المحادثات مع الاتحاد الأوروبي إذا تولت قبرص الرئاسة الدورية للاتحاد السنة المقبلة. وذلك على رغم توقها إلى الدخول في هذا الاتحاد.

وقبل الأزمة الأخيرة مع قبرص، طردت أنقرة السفير الإسرائيلي، على خلفية هجوم الكوماندوس الإسرائيلي على السفينة التركية ومقتل أتراك على متنها. كما هددت بإرسال سفن حربية لحراسة أي سفن تركية قد تنقل مساعدات إلى قطاع غزة.

أي أن أنقرة هددت باللجوء إلى القوة المسلحة، في أزمات انفجرت مع أطراف يفترض انتماؤها العسكري إلى معسكر واحد مرتبط بالحلف الأطلسي الذي هي عضو فيه.

وعلى امتداد الساحل المتوسطي جنوباً وصولاً إلى مصر، تركت زيارة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان القاهرة مرارة لدى الإسلاميين المفترض أنهم يشاطرونه المرجعية الأيديولوجية، بسبب تصريحاته عن الإسلام والديموقراطية. وإن كان لم يهدد بالقوة في هذا المجال كان رد الإسلاميين عليه عنيفاً إلى حد لفته إلى أن عصر الخلافة العثمانية ولّى.

أما في بر الشرق الأوسط، قالقوات التركية مشتبكة مع حزب العمال الكردستاني، ليس داخل الأراضي التركية فحسب وإنما في الجوار العراقي حيث التصعيد العكسري ما زال أداة التعامل الوحيدة مع هذه المسألة. مع كل ما ينطوي عليه ذلك من تراكم للحساسيات مع إقليم كردستان - العراق وحتى مع السلطة المركزية في بغداد. خصوصاً إذا جرى تنفيذ التهديد بعمليات برية داخل العراق.

وإلى الشرق انفجرت أزمة مع طهران، تتعلق بموافقة أنقرة على استضافة رادار الحلف الأطلسي المضاد للصواريخ الإيرانية، مع تبعات هذه الموافقة على الجار الروسي الذي يرفض نشر مثل هذه الصواريخ، ويعتبرها إخلالاً بالتوازن معه. علماً أن أنقرة سعت يوماً إلى التوسط في الملف النووي الإيراني وقدمت اقتراحات إلى الغرب للخروج من المأزق.

ومع التوتر الجديد مع طهران، وزيادة حدة المواجهة مع حزب العمال الكردستاني، تجد أنقرة نفسها تنغمس أكثر فأكثر في صراع ساحته العراق، مع كل ما يعنيه ذلك من مواجهة غير مباشرة مع إيران في هذا الجزء من الشرق الأوسط. مع العلم أن الاستثمارات التركية هي الأكبر في كردستان - العراق.

وعلى الحدود الجنوبية، تتأزم العلاقة مع سورية أكثر فأكثر حتى إنها انقطعت عملياً، وفق ما أعلن اردوغان نفسه. وذلك بعدما لعبت أنقرة دور الوسيط بين سورية وإسرائيل لتحريك عملية السلام بينهما.

وثمة اتهامات اليوم في دمشق لأنقرة، أو اشتباه على الأقل، بأنها قد تلعب دور القاعدة الخلفية في عمليات خارجية محتملة ضد الحكم السوري. بما ينقل التوتر السياسي إلى صعيد عسكري.

هكذا انفتحت الديبلوماسية التركية الجديدة تحت شعار «صفر مشاكل»، والتي أطلقها وزير الخارجية أحمد داود أوغلو، على المنطقة بتفاؤل كبير بإمكان تعاون اقتصادي وتنموي وانفتاح سياسي وحل سلمي للمشكلات المتراكمة. وعندما انغمست هذه الديبلوماسية في واقع المنطقة وجدت نفسها في خضم كل مشاكلها، وباتت طرفاً في كل نزاعاتها وصولاً أحياناً إلى التهديد بالقوة لأصدقاء الأمس.

ولم تنفع أنقرة استخدام فكرة بسيطة في شرق معقد، خصوصا عندما رغبت في أن تكون جزءاً منه.

=================

مرحلة ما بعد الأسد

طارق الحميد

الشرق الاوسط

21-9-2011

في الوقت الذي يقول فيه الروس بأن الطريق الأفضل للتعامل مع الثورة السورية هو الحوار بين المعارضة والحكومة، كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» أن واشنطن باتت تخطط لمرحلة ما بعد الأسد، فكيف نفهم ذلك؟

الحقيقة، وعطفا على التجارب في عراق صدام، وليبيا القذافي، ومواقف موسكو منهما، ربما يجوز القول بأن على العالم أن يتهيأ فعليا لمرحلة ما بعد الأسد. فالقراءة الروسية لمنطقتنا، وتحديدا للأنظمة الديكتاتورية، لم تكن دقيقة أبدا، كما أن مواقف روسيا دائما ما تنقلب في اللحظات الأخيرة، وبعد أن تواجه تلك الأنظمة الكارثة، وأبرز مثال هنا العراق. فلو أن الروس، ووقتها الفرنسيين أيضا، أظهروا الجدية الكافية لنظام صدام وأبلغوه أن ليس بمقدور أحد الدفاع عنه، فحينها ربما - ونقول ربما - كان سيكون لنظام صدام موقف مختلف.

والقصة ليست في نظام صدام بالطبع، بل بتكرار الأخطاء، والبناء على المواقف الروسية، وهذا ما يتمثل أمامنا اليوم في الثورة السورية. فأزمة النظام الأسدي ليست خارجية، وليست أزمة أصوليين، أو مجموعات مسلحة كما يتم الترويج له، بل هي أزمة سورية داخلية حقيقية، ولا يمكن أن يتم لها الاستمرار لو لم تكن حقيقية، خصوصا مع قمع النظام الوحشي. الموقف الروسي اليوم هو بمثابة المخدر للنظام الأسدي الذي لن يفيق حتى لحظة السقوط الكبرى، والتي يرى الأميركيون، ومعهم الأتراك، أنها قادمة لا محالة، خصوصا ونحن نرى الأتراك يتهمون النظام الأسدي بالكذب، حيث لم يفِ بأي من الوعود التي قطعها لهم في اجتماع الساعات الست في دمشق.

وعندما نقول إن الموقف الروسي بمثابة المخدر، فلأنه يطيل أمد الأزمة السورية من خلال منح النظام الأمل بأن شيئا لن يتم على المستوى الدولي. وهذه ليست حقيقة، فكل المؤشرات تقول إن هناك تصعيدا دوليا قادما، وكذلك عربي، بل وهناك مؤشرات على تصعيد داخلي، من قبل السوريين أنفسهم، ويكفي الإشارة إلى تزايد أعداد المنشقين من الجيش، وبشكل متسارع وواضح. وخارجيا، سواء عربيا أو غربيا، فإن التصعيد الدبلوماسي مستمر، ويكفي الإشارة إلى التصريحات المتضاربة، والمتناقضة تجاه الأوضاع في سوريا، والصادرة من حليف النظام الأسدي الوحيد إيران. فتلك التصريحات توحي بوضوح أن طهران نفسها لم تعد متأكدة مما إذا كان نظام الأسد قابلا للاستمرار، أم أن عليها التمهيد لمرحلة ما بعد الأسد. ويكفي تأمل الخبر الذي نشرته وكالة أنباء «فارس» الإيرانية نقلا عن نائب أمين حزب الله، حيث ينفي تماما تدخل الحزب في سوريا، بل ويعتبره اتهاما باطلا وظالما، رغم أن نصر الله، إلى قبل أسابيع، كان يفاخر بعلاقته مع النظام الأسدي، وضرورة الحفاظ عليه. فصحيح أن حزب الله يستغل تصريحات البطريرك بشارة الراعي، ولكن ليس دفاعا عن النظام في دمشق، وإنما لكي لا يبدو الوحيد الذي دافع عن النظا الأسدي. لذا يستغل الراعي وتصريحاته.

ملخص القول أن جميع المؤشرات تقول إن المنطقة كلها باتت تتأهب لمرحلة ما بعد الأسد، ومهما قال الروس.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ