ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 18/09/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

تعدد النماذج الثورية

د. حسن حنفي

الاتحاد 17/9/2011

كان الناس يزهون بالربيع العربي، ونموذجه تونس ومصر. وهي الثورة السلمية. وقد أعطت نموذجاً عربيّاً لما وضع أسسه غاندي زعيم الهند ومحررها من الاستعمار البريطاني في المقاومة السلمية "الساتياجراها"، والاعتماد على الملايين وجلوسها في الميادين العامة وأحصنة الجيش البريطاني ودباباته ومصفحاته تمر من فوقها دون مقاومة. وهو النموذج المسيحي "من لطمك على خدك الأيسر فأدرْ له الأيمن". وأصبح مانعاً لأي نموذج آخر أو بديل أو حتى نقيض على أساس أنه ليس النموذج العربي الذي تحقق في تونس ومصر. وتحول النموذج من واقعة تاريخية إلى معيار نظري، مما هو كائن إلى ما ينبغي أن يكون، من حالة جزئية إلى قانون كلي. وأصبح الشك وارداً في أي ثورة أخرى تحدث خارج هذا النموذج. فبدلاً من كون النموذج إرشاديّاً أصبح نموذجاً استبعاديّاً. وبدلاً من كونه نموذجاً استقرائيّاً أفرزته ثورتان في تونس ومصر أصبح معياراً لكل الثورات في المستقبل لكل الأقطار العربية، يدين منذ البداية العنف حتى لو كان في حالة دفاع عن النفس. واليمن على المحك منذ ستة أشهر يحميها النموذج السلمي من الوقوع في الثورة المسلحة والحرب الأهلية في شعب يتكون من قبائل مسلحة. والسلاح لديها أمر شائع. والخنجر المعقوف لباس وطني. فلما تحولت الثورة الليبية إلى مقاومة مسلحة تشكك الكثير لأن هذا خارج النموذج التونسي المصري، وأن الجماهير لا تستطيع أن تقف في مواجهة الدبابات والمصفحات والطائرات والصواريخ بل والبوارج الحربية كما حدث في اللاذقية. فالحق لا يساير الباطل. ومن الأفضل أن يواجه الحق الباطل بصدر عارٍ خير من مواجهة اليد باليد. فوضعت حدود للثورة في حين أن الاستبداد بلا حدود.

الاستبداد بطبيعته يقوم على القوة في نشأته الانقلابية أو في بقائه الأمني، فالقوة جزء منه. يؤسس نفسه بالقوة وليس برضا الشعب. ويستمر بقاؤه بالقوة وليس بتجديد البيعة من الناس في انتخابات حرة وفقاً لدستور يقر تداول السلطة، ويضع حدّاً لتجديد فترة الرئاسة. فإذا قامت الجماهير ضده تثور عليه فإنه يستعمل السلاح لأنه لا يعرف إلا لغة القوة حتى ولو قتل الشعب كله كما حدث في ليبيا وكما يحدث الآن في سوريا، واليمن على شفا جرف هارٍ. فالسلاح مفروض على الثورة للدفاع عن النفس ضد السلاح الذي يستعمله الجيش أو رجال الشرطة والأمن أو "الشبيحة" أو "البلطجية" في ثقافة تقر بحق الدفاع عن النفس ضد المعتدين. فقد بدأت الثورة الليبية سلمية في بنغازي ثم واجهها النظام الليبي بالسلاح، بالدبابات والمصحفات وبالقصف الجوي لا يفرق بين عسكريين ومدنيين، مما اضطر الثوار إلى حمل السلاح للدفاع عن النفس. وربما طبائع الشعوب أحد العوامل في تحديد النموذج السلمي أو العنيف. وفي الثقافة الشعبية السياسية الساخرة يقال إن بلاد المغرب العربي في اختيار النموذج "سطر دون سطر". فالنموذج السلمي مصر وتجاوز ليبيا، وتونس، وتجاوز الجزائر، ثم المغرب. والنموذج العنيف ليبيا وتجاوز تونس، والجزائر وتجاوز المغرب.

والحقيقة أن النموذج السلمي لم يسلم من القوة. فقد ساند الجيش الثورة. وأبلغ الرئيس أنه لا يمكن أن يصطدم بالشعب إذا ما أتى وحاصر القصر الجمهوري. فالجيش جيش الشعب. حدث ذلك في تونس ومصر. ولما لم تستطع أجهزة الأمن ورجال الشرطة وحدها السيطرة على آلاف المتظاهرين في الشوارع فقد أسقط في يد الرئيسين واضطرا إلى التنازل عن الحكم. ومع ذلك فإن الثورة السلمية لم تسلم من العنف. فالشهداء في تونس يتجاوزون الآلاف. وفي مصر يتجاوزون الثمانمائة بفعل رصاص القناصة. هذا بالإضافة إلى قوة الجماهير، الملايين في الشوارع، وقوة الإعلام وبعض القنوات الخاصة التي تتبنى قضايا الثورة وربما غيرها من القنوات ولو بدرجة أقل ما دام الإعلام الرسمي ما زال في يد النظام السياسي. وظل النموذج السلمي مادّاً يده للحوار مع النظام بشرط الرحيل. ولرئاسته عدم الملاحقة القضائية أو المالية. ورفض النظام إلا أن يعتبر الطرف الثائر خارجاً على القانون، خائناً للوطن، يستحق العقاب. ويرفض التوسط من طرف ثالث لحقن الدماء. فنموذجه هو التضحية بالشعب كله في سبيل الحفاظ على السلطة والبقاء فيها.

ثم جاء النموذج الثاني، نموذج الثورة الليبية، بعد أن تشكك أنصار النموذج الأول والوحيد في نجاحها. بدأت الثورة الليبية في الشرق، في بنغازي، قرين الإسكندرية، سلمية، انتفاضة شعبية. وبدأت تنتشر غرباً. كما حدث في تونس. ولكن النظام بدلًا من أن يحاورها واجهها بالسلاح لأنه نظام استبدادي لا يعرف قيمة الحوار ولا يلجأ إلا إلى القوة، والقوة المفرطة، مع أنهم كانوا يريدونها سلمية. واضطر الثوار إلى تسليح أنفسهم بما أتيح لهم من أسلحة خفيفة. ولم يساعدهم أحد في البداية حتى من دول الجوار القوية شرقاً مثل مصر، وغرباً مثل تونس. خافت الثورتان على آلاف المصريين والتونسيين العمال في ليبيا أن يصب النظام الليبي جام غضبه عليهم. ويأخذهم رهائن حتى الموت. فموت الكل أفضل من تغيير النظام. والنماذج كثيرة في التاريخ.

ومما ساعد هذا النموذج على النجاح الانشقاق في كتائب النظام، والهروب من المركب الغارق، ومن قادة الثورة الأولى التاريخيين عندما رأوا بداية النهاية للنظام. ثم انتفاضة الشعب بأكمله. فالكل يطالب بالحرية والكرامة. ثم الزحف كمقاومة من الشرق إلى الغرب على طريق الزحف الطويل في الصين من الغرب إلى الشرق، ثم طول القهر والاستبداد مع الإعداد صراحة للتوريث، ونفاد الصبر، وعدم نجاح الهبّات الجزئية أو الاعتراضات الفردية. فالموت هو الجزاء. واتضح أن قوة النظام أسطورة للتخويف. فلا طرابلس صمدت. ولا باب العزيزية يصعب اقتحامه. كانت أياماً أو حتى ساعات حتى ينهار. أخذ الزحف طابع الكر والفر دون أمل زائد في الكر أو يأس مميت في الفر. هذه طبيعة حروب المقاومة، أسلحة خفيفة في مواجهة أسلحة ثقيلة وجيش وطني، جيش شعبي حتى ولو لم يكن مدرباً في مواجهة كتائب الأفراد أو مرتزقة. دفاع عن شعب ضد قتل شعب، وحماية للمنشآت ضد تدمير المنشآت، ومواجهة المقاتلين ضد الحرب الشاملة، لا فرق بين مقاتلين ومدنيين، الأمل في وطن جديد ضد الهدم والقمع والاستئصال في سبيل بقاء النظام. مجلس وطني انتقالي يمثل جميع طوائف الشعب في مواجهة شلة، فرد وأقاربه وعصابته. وفرق بين الجي الوطني والمليشيات.

وصمت العرب طويلًا كالعادة. وتحركت الجامعة العربية وهي تهيب بمجلس الأمن التدخل لإنقاذ المدنيين. وتحرك مجلس الأمن. وأصدر قراراً بتدخل قوات حلف شمال الأطلسي بالطيران وليس بالقوات البرية لحماية المدنيين. وهو قرار يمكن تأويله على وجهين. في أضيق نطاق حماية للمدنيين، وعلى أوسع نطاق، ضرب قوات النظام والتخلص منه. ويصرخ الوطنيون والقوميون: العراق من جديد! ويرد الثوار: مدونا بالسلاح ونحن نقاتل، ولا نريد أحداً يقاتل معنا أو بدلاً منا. واستقبلت دول الجوار اللاجئين والجرحى دون إمداد الثورة بالسلاح باستثناء قُطْر بعيد يقوم بدور مصر دولة الجوار بعد أن تعودت على سياسة العزلة والانكفاء على الذات وتركتها لأطراف الوطن العربي. وبعد ثورتها الأخيرة ما زالت في حاجة إلى وقت وإلى زعامة كي تعيدها إلى دورها الطبيعي مرة ثانية. وقد نجح هذا النموذج الثاني، الشعب المقاتل في مواجهة عصابة الحكم. الدفاع عن وطن في مقابل الدفاع عن فرد أو عائلة أو شلة، الدفاع عن المصالح العامة في مواجهة الدفاع عن المصالح الخاصة والأموال المهربة إلى الخارج، سلطة الشعب ضد سلطة الفرد. وكان ذلك دفاعاً عن النفس وليس هجوماً على أحد. وكان يتمنى أن يوقف القتال إذا أوقفه الطرف الآخر وترك الحكم للشعب يقرر مصيره بنفسه.

كان الشباب هم حماة الثورة وصناعها. يعبرون عن جيل جديد. يبنون وطناً جديداً ضمن الربيع العربي. الثورة والدفاع عنها قانون تاريخي. تتعدد نماذجه بين الثورة السلمية والأقل عنفاً، النموذج التونسي المصري، والثورة التي تدافع عن نفسها ضد العدوان عليها، النموذج الليبي. وكلاهما نموذجان ناجحان. فإلى أي النموذجين تتجه الثورة السورية والثورة اليمنية؟ أم أنهما تبدعان نموذجاً ثالثاً يجمع بين النموذجين كما هو واضح في الثورة اليمنية أم أن ثورة الجماهير السورية ما زالت تخفي أكثر مما تكشف. فالإبداع العربي الثوري بلا حدود.

============

الربيع العربي وصدمة المثقفين 

آخر تحديث:السبت ,17/09/2011

شوقي بزيع

الخليج

قد يكون الشعور بالمباغتة هو القاسم المشترك بين المثقفين العرب الذين داهمهم “الربيع العربي” على غير انتظار منهم، ومن يتأمل النصوص الشعرية والروائية، والإبداعية بوجه عام، التي سبقت ذلك الربيع لن يتاح له أن يلاحظ إرهاصاً بما حدث في معظم ما تم نشره من كتب ومؤلفات . ذلك أن الأفق كان مسدوداً بالكامل وأنظمة الاستبداد العسكرية والأمنية التي وصلت إلى سدة الحكم قبل أكثر من أربعة عقود كانت تشعر بالطمأنينة الكاملة بعد أن أزاحت من القاموس العربي المعاصر كل ما له علاقة بالحرية والديمقراطية والعدالة والتنوير وتداول السلطة، ولم تكن الجيوش الجرارة وأجهزة القمع والسجون المملوءة عن آخرها هي ما وفر لها الشروط اللازمة للإحساس بالديمومة والاسترخاء، بل بدت الثقافة، بمعظم وجوهها ورموزها، جاهزة على الوجه الأكمل لتسويغ الواقع المر وتسويقه .

لم يغب عن بال العديد من سدنة السلطة المؤبدة الدور الخطر الذي يمكن أن تلعبه النخب المثقفة في تنوير الوعي الكامن لدى الشعوب المستضعفة ودفعه إلى سطح المواجهة مع طغم الاستحواذ المدججة بالحديد والنار وكافة أشكال الترويع والإخضاع . ذلك لأنها تحفظ جيداً مقولة غوبلز، وزير الإعلام النازي، الذي أعلن برعونة فظة “عندما أسمع بكلمة مثقف أتحسس مسدسي” . وقد يكون بعض المسؤولين أكثر حساسية من الوزير المذكور إزاء المثقفين ليس فقط لأنهم يريدون لأنفسهم “شخيراً” هانئاً لا يعكر سباته المزمن أي معكر، ولكن لأنهم يشعرون بعقد النقص إزاء ذلك التفوق الاستثنائي للمثقف المزود بجماليات اللغة وقوة المعرفة بالقياس إلى تأتأتهم المقيمة وجهلهم المفرط .

على أن اللافت في هذا السياق أن أنظمة الاستبداد العربي أدركت خطورة المثقف وحساسية دوره أكثر من بعض المثقفين أنفسهم، ما سمح للحكام بتعطيل مفاعيل تلك الخطورة واستيعاب تأثيراتها السياسية والاجتماعية والأخلاقية . وهو ما بدت تجلياته واضحة عبر تدجين الكثير من المثقفين ورشوتهم بالفتات القليل المتبقي من موائد الحكام العامرة . ولا أعني هنا المثقفين الذين يعملون في الوزارات والإدارات العامة التي هي جزء عضوي من هيكلية الدولة ومرافقها، بل أولئك الذين لم يرتضوا تسويغ القمع وتزيينه فحسب، بل تحولوا إلى شعراء بلاط وكتبة سلاطين ومهللين دائمين للجرائم المروعة التي ترتكب بحق شعوبهم وأوطانهم . والأطرف من ذلك أن بعض الحكام العرب استكثر على المثقفين أن يحظوا وحدهم بنعمة الكتابة فقرر صدام حسين ومعمر القذافي أن يسحبا البساط من تحت أقدام الروائيين العرب وأصدرا روايات وقصصاً بالغة الضحالة والسذاجة، ومع ذلك فإن تلك الضحالة لم تمنع العديد من النقاد والدارسين المعروفين من عقد ندوات ومؤتمرات حاشدة للتغني بمآثر الحاكمين الوالغين في دماء شعبيهما حتى النخاع .

لم يكن أمام مثقفي الاعتراض من سبيل للخروج من المأزق سوى النفي الطوعي لأنفسهم خارج الجغرافيا العربية، إضافة بالطبع إلى أولئك الذين تكفلت الأنظمة نفسها بإبعادهم إلى الخارج أو بتصفيتهم الجسدية في حالة الإصرار على “المشاغبة” هكذا بدا المشهد الثقافي قبيل اندلاع الثورات محبطاً وشبه يائس وبعيداً عما كان يعتمل في قرارة اللاوعي العربي الجماعي من نذر الإعصار المقبل . والأمر الأكثر مدعاة للمرارة هو دعوة البعض إلى نسف نظرية المثقف العضوي أو المثقف الملتزم والثوري لمصلحة فكرة المثقف التقني الذي لا يتجاوز دوره حدود اختصاصه العلمي والمهني، وهو ما يعني تلقائياً تحويل المعرفة إلى عمل وظيفي مأجور وترك أمر المواجهة مع أنظمة الحكم المستبدة في عهدة الشعب المستباح أو الغدر الغاشم .

لهذا السبب ربما خرج من بين الصفوف من يعتبر الثورات العربية مجرد انتفاضات شعبية عارمة على الفقر والظلم لأنها لم تكن نتاج وعي فكري ومعرفي واجتماعي، ولهذا السبب أيضاً لم يخرج الكثير من المثقفين من صدمة الواقع المستجد الذي لم يُهَيأوا له ولم يتحسبوا لحدوثه، كما لم نقرأ حتى الآن نصوصاً إبداعية تواكب استثنائية الحدث العربي غير المسبوق باستثناء بعض الظواهر الحماسية والاستهلاكية العابرة . وقد يحتاج الأمر إلى وقت غير قصير للخروج من الصدمة واستيعاب ما حدث .

============

صمتاً أيها العربي

مها بدر الدين*

الرأي العام

17-9-2011

بعد أيام عدة من التأجيل الغامض لزيارة نبيل العربي أمين عام الجامعة العربية إلى العاصمة دمشق، وافقت السلطات السورية على منحه الإذن بدخول الأراضي السورية حاملاً معه مبادرة قال إنها ستساهم في نزع فتيل الصراع في الداخل السوري، ولأن نبيل العربي منذ توليه رئاسة الجامعة العربية لم يكن له موقف حاسم وحازم تجاه الأوضاع المزرية في سورية، فإن الترحيب الشعبي بزيارته ومبادرته المزعومة كان في أدنى مستوى له لفقدان الشعب السوري الثقة بقدرة هذا العربي على التأثير على النظام السوري الجبار.

وتأكد صدق حدس الشارع السوري بعد انتهاء زيارة الأمين العام وخروجه ببيان هزيل ضعيف لا يسمن ولايشبع من جوع، وبدا واضحاً من كلماته المقتضبة التي اختصرت بكلمة الإصلاحات بأن زيارته إما أنها لم تحقق المرجو منها، أو أنها لم تتناول الوضع السوري بالجدية الكافية التي تكفل إيجاد حل لوقف آلة القتل والاضطهاد ضد الشعب السوري، وبكلا الحالتين توضح نتيجة الزيارة ضعف الموقف العربي وسلبية الجامعة العربية المزمنة تجاه القضايا العربية من جهة، وتعنت النظام السوري وعناده واستهتاره بالمجتمع العربي والدولي،وعدم إذعانه للمطالبات والعقوبات والضغوطات الدولية وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عزم النظام على تصفية جميع معارضيه حتى وإن كان نصف الشعب السوري.

ورغم عدم تغيير سياسة القمع والقتل التي ينتهجها النظام السوري في التعامل مع الشعب منذ أكثر من ستة أشهر، إلا أنه يبدو أن البعض يحتاج إلى مزيد من سفك الدماء للوقوف موقفاً إنسانياً داعماً للشعب وموقفاً سياسياً رادعاً للنظام، هذا البعض مثله العربي باقتدار بزيارته لدمشق والتي عبر خلالها عن مدى الضعف والهشاشة التي يقابل بها اخواننا العرب الأشاوس المحنة الدموية التي تجتاح سورية أرضاً وشعباً، كما دلت هذه الزيارة بشكل قاطع على أن الآمال التي يتعلل بها السوريون بوقوف المجتمع الدولي عامة والمجتمع العربي خاصة معهم إنما هي محض خيال، وتأكد للشعب السوري بأن مشكلته مع النظام لن يحلها سوى الله سبحانه وتعالى لأنه الوحيد القادر على التعامل مع الجبابرة الظالمين، وأن مايحدث في سورية هي قضية الشعب السوري وحده وهو المعني الوحيد بحلها.

ولم يكن موقف مجلس دول الخليج بأفضل حال، فقد اكتفى الاخوة الخليجيون بالاستنكار والشجب وطلب وقف آلة القتل، والتأكيد على حرصهم على أمن ووحدة سورية، من دون أن يتكلفوا عناء التقدم بحلول أو وضع خطط أو محاولة محاورة النظام والضغط عليه اقتصادياً وديبلوماسياً وكأنهم يقولون له: أنت اقتل ونحن نشجب، وما يدعو للاستغراب فعلاً أن هذا الموقف لم يتغير ولم يتبدل بتغيير الظروف والأطراف، فهو الموقف العربي نفسه من ممارسات الاحتلال الاسرائيلي ضد الفلسطينيين، مع فارق الحال والأحوال.

لقد استنجد الشعب السوري المقهور والمذلول مراراً وتكراراً بالأشقاء والأصدقاء، مرة قال لهم صمتكم يقتلنا، وأخرى طالب بالحماية الدولية فلا الأشقاء نطقوا حقاً ولا الأصدقاء هبوا دفاعاً، ويبقى السوريون يدورون في طاحونة الموت يقدمون كل يوم عشرات القتلى ومئات الجرحى وآلاف المعتقلين وملايين المذعورين الخائفين من يوم إلى آخر يحمل لهم مزيداً من الدم، تحت أنظار المجتمع العربي والدولي دون أي تحرك فعلي وفعال على خلفية الأحداث الدموية الجارية هناك، وما يزيد الطين بلة تصريحات نبيل العربي بعد زيارته التاريخية لمعقل الأسد، التي تؤكد نجاح الزيارة وقيام النظام السوري بالإصلاحات المطلوبة واستمراره بهذا الإصلاح في حين أعلن استشهاد أكثر من سبعة عشر شهيداً من شباب سورية الأحرار في ليلة زيارته تلك.

ولعله يحق للسوريين الآن وهم يعيشون ذلاً وقهراً تحت وطأة الأمن السوري وحماة الديار وعصابات النظام وشبيحته المستوردين، وتحت مرأى وأنظار العالم العربي والإسلامي والدولي، أن يقولوا حرقةً واشمئزازاً: صمتاً أيها العربي، وهنيئاً لكم آل يعرب فقط طمى الخطب بأرض الشام وغاصت بالدم الركب.

*كاتبة سورية

============

العرب يكتشفون النظام السوري!

خيرالله خيرالله

الرأي العام

17-9-2011

كان الموقف العربي مما يدور في سورية واضحاً. أكّد مجلس جامعة الدول العربية الذي انعقد على مستوى وزراء الخارجية في القاهرة أن لا سبيل لولوج أي حلّ أو تسوية من أي نوع قبل وقف حمام الدم.

استفاق العرب أخيراً على أن لا مجال لإصلاحات في سورية وأن المطلوب انقاذ الشعب السوري من جهة والحؤول دون تفتيت البلد من جهة أخرى. اكتشفوا أخيراً النظام السوري واكتشفوا في الوقت ذاته أن زيارة رفع العتب التي قام بها الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي لدمشق قبل انعقاد الاجتماع الوزاري لم تؤد إلى أي نتيجة ولم يسمع هناك سوى اللغة الخشبية ذاتها المطلوب من العرب ترديدها كي يثبتوا «عروبتهم». كان على الأمين العام للجامعة الذهاب الى دمشق ففعل ذلك. ربما كان هناك جانب مفيد للزيارة يتمثل في أنه قام بها بهدف التأكد من استحالة اصلاح النظام السوري وأن كلّ كلام عن الإصلاح مضيعة للوقت ليس إلاّ.

تعود الاستحالة إلى سببين وجيهين على الأقلّ. السبب الأول مرتبط بالمعطيات العربية والإقليمية والدولية والآخر بتطور النظام نفسه وتحوله إلى شركة ذات طابع عائلي تدير البلد بكل مرافقه. يتوزع أفراد من العائلة، يشكلون مجلس الإدارة في الشركة، المسؤوليات في ما بينهم. هناك حتى من يهتم بالعلاقات العامة وهناك بالطبع رئيس لمجلس الإدارة هو الرئيس بشّار الأسد المشرف العام على الشركة وهناك مساعدون له ولأعضاء مجلس الإدارة لا أكثر.

تولّى الرئيس الراحل حافظ الأسد السلطة، كل السلطة، في السادس عشر من نوفمبر من العام 1970 بعد تنفيذه ما يسمّى «الحركة التصحيحية». تردد في البداية قليلاً في شغل موقع رئيس الدولة، لكنه ما لبث أن فعل ذلك وأصبح أوّل علوي رئيساً للجمهورية العربية السورية. بقي الزعيم الأوحد لسورية أقل بقليل من ثلاثة عقود قبل أن يخلفه نجله الدكتور بشّار ولكن بعدما تحوّل النظام إلى شبكة من المصالح العائلية أوّلاً وأخيراً تقوم على مجموعة من الأجهزة الأمنية المرتبطة بمجلس الإدارة في الشركة.

استطاع حافظ الأسد اللعب على كل التناقضات العربية والدولية مستفيداً من الحرب الباردة والتنافس الأميركي- السوفياتي على مواقع النفوذ في الشرق الأوسط. كان همّه الأول والأخير تحويل سورية لاعباً إقليمياً بعدما حسم الصراع داخل سورية نفسها. لم يأبه يوماً بالمشاكل الداخلية لسورية ولم يسع يوماً إلى إيجاد حلول لها. لم يكن يدرك أهمية مستوى البرامج التعليمية ولا أهمية القاعدة الاقتصادية القوية ولا خطورة النمو السكاني في البلدان الفقيرة ولا معنى غزو القرية للمدينة. باختصار شديد، لم يدرك يوماً أهمية الانسان السوري. وظف دائماً الحاجة العربية إليه ليكون عنصر توازن مع ما كان يسمّى «البعث العراقي» الذي راح يسيطر عليه تدريجياً صدّام حسين، رجل كل الحماقات والقرارات المتسرعة والخاطئة.

ارتدى العداء بين صدّام والأسد الأب طابعاً شخصياً. عملياً لم يكن هناك ما يميّز بين نهجي النظامين اللذين كانا يتكلان قبل أي شيء آخر على الأجهزة الأمنية. بلغ التشابه بين النظامين، خصوصاً بعد خلافة صدّام لأحمد حسن البكر في الرئاسة في العام 1979 ان كلا منهما راح يتجه أكثر فأكثر إلى العائلية. وفي مرحلة معينة، اصبح التخلص من الاخوة ضرورة تصب في مصلحة الأولاد. وهكذا طار رفعت الاسد لمصلحة باسل حافظ الاسد وارسل صدّام اخاه برزان التكريتي وشقيقيه سبعاوي ووطبان إلى بيوتهم لمصلحة نجليه عديّ وقصيّ. قبل ذلك، اتّكل صدّام، في ما يشبه المرحلة الانتقالية، على صهره حسين كامل المتزوج من ابنته البكر وعلى ابن عمّه علي حسن المجيد كي يكرّس إبعاد برزان وشقيقيه عن مواقع القرار تمهيداً لتوريث عديّ أو قصيّ في الوقت المناسب... الذي لم يأت ابداً.

اتقن حافظ الأسد اللعبة الاقليمية. استعان، حليف الاتحاد السوفياتي، بالاميركيين لدخول لبنان عسكرياً ب«ضوء أخضر إسرائيلي» بحجة الحاجة إلى «وضع اليد على قوات منظمة التحرير الفلسطينية». قبل بما يسمّى «الخطوط الحمر الإسرائيلية» التي امنت بقاء المسلحين الفلسطينيين في جنوب لبنان، حتى العام 1982، وأغلق جبهة الجولان واقام علاقات متميّزة مع النظام الثوري الجديد في طهران ابتداء من العام 1979. فكّر حتى بأهمية إيجاد توازن مع العرب الآخرين عن طريق المحافظة على العلاقة بين دمشق وطهران وتعميقها كي لا يكون تحت رحمة الدول العربية الخليجية في اي وقت. وهذا ما يفسّر إلى حدّ كبير أيضاً العلاقة المتميزة التي ربطت باستمرار بين النظام السوري ونظام العقيد معمّر القذافي.

توّج حافظ الأسد اتقانه للعبة الإقليمية والدولية بانضمامه إلى التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، الذي أخرج صدّام حسين من الكويت. مكنه ذلك من البقاء عسكرياً وأمنياً في لبنان. لكن كل العبقرية التي امتلكها الرئيس السوري الراحل الذي لم يتردد يوما في إلغاء خصومه، متى شعر بالحاجة الى ذلك، توقفت عند خطأ التوريث. لم يأخذ علما في الأعوام الخمسة الاخيرة من حياته، خصوصا بعد فقدانه نجله الاكبر باسل في حادث سيارة، بأن المنطقة تغيّرت وان سورية التي حكمها وحيدا منذ العام 1970 لم تعد تنفع معها ومع مشاكلها الهروب المستمر الى خارج الحدود. لبنان نفسه صار مع الوقت ورقة ايرانية أكثر مما هو ورقة سورية. اما الخليج، فلم يعد يخجل من ان يطرح على حاكم سورية سؤالا صريحا في شأن العلاقة المريبة القائمة بين دمشق وطهران، خصوصاً في ضوء التغلغل الايراني في العراق.

بين التغيرات التي شهدتها المنطقة والعالم والتحولات داخل النظام السوري، لم يعد في العام 2011 معنى لأي إصلاحات. الاصلاحات صارت تعني فقط البحث عن خروج من السلطة والانتقال إلى مؤسسات الدولة بديلا من مجلس الادارة ذي الطبع العائلي. هل سمع أحدنا باصلاحات انقذت اي نظام في اوروبا الشرقية. هل تختلف سورية اليوم في شيء عن دولة من دول اوروبا الشرقية في مرحلة ما قبل سقوط جدار برلين؟

سقط جدار برلين وانتصرت برلين الغربية على برلين الشرقية. هذا ما يقوله التاريخ الحديث الذي عمره اثنان وعشرون عاما!

============

وزير الأوقاف وصحبه في سوريا في حضن الدولة الأمنية

مصطفى اسماعيل

المستقبل

17-9-2011

اختارَ وزير الأوقاف السوري عبد الستار السيد تحويلَ وزارته إلى جهازٍ أمني، والتحوَّل شخصياً إلى جنرال أمني قمعي ضارب، وإذا كنا نعلمُ سابقاً أن الجملوكية السورية قامتْ بتأميم جميع مرافق الحياة ومؤسسات البلاد باسم المخابرات والبعث والقائد الضرورة و(بسْ)، فإن تصريحات (السِتار سيد) هيَ مجرَّد دليلٍ تأكيدي على معلوماتنا السابقة ومعرفتنا السابقة بالمصادرة الأمنية البعثية الممنهجة للمجتمعات السورية من الجوانب والمستويات كافة، فتصريحاتُ (الستار سيد) التي بثتها قناة "الإخبارية" السورية قبلَ آونة هيَ دلالة فاضحة على نوم وزير الأوقاف ورجال دينه في سرير الدولة الأمنية، والتحول إلى عصا إضافية فوق رؤوس السوريين الذين ينزفون منذ انطلاقِ ربيعهم في منتصف مارس/ آذار المنصرم.

يقولُ الوزيرُ أنَّ "الفتوى الشرعية الوحيدة لعلماء سوريا هي وأد الفتنة ومنع التخريب وتحريم التظاهر وسفك الدماء". للوهلة الأولى تبدو العبارةُ جميلةً ومتفقاً عليها فيما بين السوريين خلا (تحريم التظاهر)، فهلْ من سوري وطني غيور على بلده يُرَّحبُ بالفتنة والتخريب وسفك الدماء، ولكن باكتشاف أن العبارة تدورُ في حلقة السلطة الراعية له تنكشف مآرب (السيد) الخدمية لأُولي الأمر، إذ يستعيرُ مفرداتها في لبوسٍ إسلامي (الفتنة)، ويعتمدُ كلمةَ (التخريب) لنعت الحراك السوري (يُقدَّمْ هذا الحراكُ في مفهوم السلطة بمثابته فعلَ إرهابيين ومخربين)، ولا يكتفي بذلك، بل يذهبُ إلى أبعدَ من ذلك عبرَ (تحريم التظاهر)، فيطرح نفسه تلميذاً نجيباً وصالحاً ومطيعاً أمام السلطة، وسلطوياً أكثر من أهل السلطة، متناسياً أنها أصدرت مرسوماً يكفل الحق في التظاهر نظرياً في شهر مايو/ أيار، أي قبل شهرين ونيف من تصريحاته.

ويمضي (السيد) أبعدَ من تلك المقولة التعميمية ليضعَ العمامات على الحروف قائلاً: "من يقومون بالتظاهر انطلاقا من المساجد ليس لهم علاقة بالمساجد ولا بالمصلين، وهم يخرجون من أمام المساجد بناء على دعوات على شبكة الإنترنت لرفع الشعارات الدينية أثناء المظاهرات كالتكبير بهدف التحريض ليس إلا، وهم ينفذون مؤامرة خارجية". فالمتظاهرونَ السوريونَ في عُرف الوزير حفنة زنادقةٍ ومُحرضينَ ومُتآمرينَ على أمن البلاد، وهيَ أحكامٌ إطلاقيةٌ غيرُ قابلةٍ للصمود عيانياً، فالوزيرُ كونهُ مواطناً سورياً يعلمُ أنَّ غالبية التظاهرات انطلقت في البدء، وفي زمن تصريحه، وبشكل متفاوت في هذه الآونة من المساجد وبعد انتهاء صلاة الجمعة تحديداً، وكان واجباً على الوزير أن يحترم قليلاً عقولنا ومدراكنا، فأن يرمي بملايين السوريين في سلة المؤامرة الخارجية، فهذا يعني أنه متلبس شيطان مفاهيم السلطة، وتوجهه بارانويا رتيبة وسمجة، وينطبقُ عليه قولُ أحد الحكماء العرب: "إنْ شاءَ ربك أن يُهْلكَ عبده، أفقدهُ أولاً عقله". إذْ يمكن أن تكون مجموعات من السوريين أو حزب ما أو تيار سياسي ما جزءاً من مؤامرة خارجية، أما أن يتحول السوريون جميعاً من أصغر منطقة في الجنوب السوري إلى أبعد ركن من سوريا إلى متآمرين فهذا درب من التخوينِ، وقدْ نهى رئيسهُ عن ثقافة التخوين في أكثر من مناسبة ولقاء، فالذين يتحدثُ الوزير عن تآمرهم يُقدرون بالملايين، فأي جهةٍ استخباراتية هذه التي تسنى لها تجنيدُ كلِّ هؤلاء المتآمرين، وأين كانت الأجهزة الأمنية السورية حين كانَ يجري تجنيدهم؟!!!.

أمَّا أمُّ النِكات والطرف فهيَ استنكاره "زج الدين بما ليس له علاقة به والإساءة للمساجد ودور العبادة"، مُتناسياً في ذلكَ أنَّه يُسَخِّرُ وزارته وعلماء وزارته لخدمة السلطة، ويقتاتُ على مائدة السلطان، ويُحوِّلُ الشريعة إلى (شبيحةٍ) إضافي مُسلَّطٍ فوقَ رؤوس الشباب السوري ونفيرهم الجميل في شوارع وساحات سوريا، هذا الشبابُ الرافضُ للانمساخ إلى حشراتٍ وجراثيم وهوام في مهب السلطة.

لا يُحاولُ وزيرُ الأوقاف السوري ولا غالبية علماء وزارته وغالبية من رجال الدين في سوريا اليوم الفكاكَ من حالة الرهائن والأسرى في كنف السلطة، بلْ يتمادونَ أكثر في حالة القطيعة مع إخوتهم/ أخواتهم السوريين باعتمادهم مبدأ التبرير الشرعي لتغوُّل السلطة، فيما هم مطالبون بالعكس، توجههم في إدارتهم الظهرَ لمواطنيهم ثقافةٌ محنطة وولاءات زائلة عابرة ومطامح رخيصة، إنهم عبيدٌ مأمورونَ لدى سادتهم، يحملونَ الناسَ على طاعة الشر المطلق، والطاعة العمياء للظلم والظالمين، ويمثلونَ القدوةَ في الإنقياد لأوامر ونواهي السلطة، إنهم مُجرَّدُ أبواقٍ للحاكم يُزينونَ أفعاله وأقواله، كان من الأولى لهم (الوزير ورجال الدين) الإنحيازُ إلى معسكر الشعب ومحاربة الولاء الأعمى للحكام والسلطة، فإن لمْ يكُ ذلكَ فإن الموقف الإنساني في حده الأدنى يقتضي منهم ممارسة دورٍ حيادي ووسيط بين الحاكم والشعب.

لكي لا تتكرر تراجيديا تماهي رجل الدين برجل المخابرات في الموقفِ من قضايا البلد في سوريا المستقبل، ينبغي إبعادُ الدينِ عن الحياة السياسية وفاقاً للقاعدة الشهيرة:ما لله لله وما لقيصر لقيصر"، وكذلك التأسيسُ لمبدأ فصل الدين عن الدولة، وبالتالي عَلمنة الدولة، فما تحتاجه سوريا الغد من هذا الجانب هوَ إعمالُ قانون النفي الهيغلي، ضمانة لعدم تكرار التجربة القاسية الحالية المتمثلة بإنحياز وانحراف رجال الدين عن الأدوار المنتظرةِ منهم.

============

الصراع على سوريا

ساطع نور الدين

السفير

17-9-2011

لدى المهتمين بالازمة السورية، وهم يشملون اعداداً متزايدة من الدول والعواصم والشعوب التي تتجه أنظارها الى تلك البقعة الجغرافية الحساسة والمشتعلة من العالم العربي والاسلامي، اول إقرار علني تركي، على لسان رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان الذي لا يتّسم عادة بالدبلوماسية، بان هناك صراعاً تركياً ايرانياً على سوريا، لم يبلغ حد التوتر في العلاقات الثنائية بين الدولتين الاسلاميتين الكبريين، لكنه اتخذ شكل التحذير من جانب انقرة الى طهران، وشكل الاتهام الى الايرانيين بأنهم يدللون الرئيس السوري بشار الاسد.

لم يخالف اردوغان أسلوبه في التحدّث بلغة صريحة الى حد الفظاظة، ولم يكشف سراً خطيراً. الصراع على سوريا بدأ في منتصف آذار الماضي، في اللحظة التي بدا فيها ان النظام السوري لم يتعلم الدرس التونسي او المصري، ولن يتعلم طبعاً الدرس الليبي. لكن القوى المتصارعة ظلت مترددة في الإعلان عن نفسها وفي الإفصاح عن موقفها حتى الامس القريب، عندما سدّت دمشق الأبواب امام جميع الوساطات والمبادرات وقررت المضي حتى النهاية في خيارها الامني الانتحاري.

لكن منذ اللحظة الاولى، كان واضحاً ان ايران التي استهدفت بشعارات المحتجين السوريين وهتافاتهم، ستكون طرفاً رئيساً يشعر بخطر فقدان احد اهم الحلفاء في العالم، وستبذل كل ما وسعها من اجل حماية الرئيس الاسد ونظامه، وهي قد بذلت حتى الآن الحد الاقصى مما في متناولها، لكنها أوحت في تصريحاتها الأخيرة انه لم يعد بمقدورها ان تقدم المزيد، وبات الدور الآن على الاسد ان يساعد نفسه ويحمي نظامه من خلال الاستجابة للمطالب المشروعة للشعب السوري.

ولعل التحذير التركي الذي أخرجه اردوغان امس الى العلن، يفسر جانباً من ذلك التحول في الموقف الايراني من التغطية الكاملة للنظام وخطابه عن المؤامرة الخارجية، الى البحث عن مخرج من الداخل السوري، كما يفسر ايضاً اقتراح الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الاسبوع الماضي استضافة مؤتمر إسلامي في طهران يضمّ، حسب ما جرى تداوله في بعض الاوساط الايرانية، ايران وتركيا ومصر والسعودية، بالإضافة الى الامانتين العامتين للجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي. وهو اقتراح تجاهلته انقرة والرياض والقاهرة، واعتبرته محاولة إيرانية متأخرة لإنقاذ النظام السوري، او على الأقل لحفظ المصالح الايرانية في سوريا المقبلة.

موقف اردوغان يقطع الطريق على مثل هذه المحاولة الايرانية ويدفع طهران الى خوض الصراع على سوريا بأساليب جديدة، وربما ايضاً على جبهات جديدة، وهو ما يمكن ان يستدعي استنفاراً عاماً على مستوى العالم العربي والاسلامي كله، يدق أجراس الانذار في واشنطن ومختلف العواصم الاوروبية.. برغم معرفة الجميع مسبقاً هوية الجهة التي ستخرج من هذا الصراع منتصرة، لأسباب جغرافية وسياسية وحتى دينية، تنكرها أنقره وطهران على حد سواء لكنها يمكن أن تصبح حاسمة في المستقبل.

لكن الصراع على سوريا، لم يكن قراراً تركياً او ايرانياً، ولا كان نتيجة تحريض او تضليل خارجي لبلدين تورطا معاً في تدليل النظام السوري. ثمة دينامية سورية داخلية للأزمة قد تفاجئ تركيا وايران. وثمة دول اخرى في المنطقة وخارجها يمكن أن تسعد الآن لمثل هذا الصراع، لكنها لا يمكن أن تظل على الحياد.

============

وقوع سوريا في الفراغ أو الفتنة خطرٌ على إيران!

سركيس نعوم 

النهار

17-9-2011

القوة الاقليمية المهمة الثالثة، وهي الجمهورية الاسلامية الايرانية، تمارس ومنذ قيامها عام 1979 دوراً مباشراً واساسياً في سوريا الاسد. فأيام الرئيس الراحل حافظ الاسد استفادت هذه القوة من خروجه على الإجماع العربي ضدها، ومن وقوفه معها في مواجهة غزو عراق صدام حسين اراضيها، ولاحقاً في مساعدتها على تركيز اوضاعها في المنطقة، بل على تنفيذ "اجندتها" الاقليمية الطموحة والواسعة التي كان شريكاً اساسياً فيها. وبادلت هذه ال"سوريا" بالمثل، اذ حصل تعاون سياسي واقتصادي ونفطي وعسكري وأمني افادت منه الدولتان، وتمكنتا بواسطته من التحول محوراً قوياً وخطراً على جهات ومصالح عدة اقليمية ودولية، وقادراً على استقطاب دول ومنظمات و"شعوب"، وفي الوقت نفسه على تهديد دول وأنظمة وشعوب ومصالح. هذا الدور الايراني استمر ايام الخلف الرئيس بشار الاسد، بل تعمَّق بسبب التغييرات والتطورات الكثيرة التي شهدتها المنطقة، والتي القت على كتفيه أعباء لا يستطيع تحمّلها من دون مساعدة مباشرة منها. فصارت ايران الاسلامية مصدراً اساسياً لسلاحه ولاحتياجاته النفطية والمالية والاقتصادية، كما صارت سنداً قوياً ومستمراً لنظامه اولاً بالعمل الناشط داخل سوريا لتدعيم مؤسساته القائمة ولإنشاء "مؤسسات" جديدة. وثانياً بالدعم المستمر ل"ابنها" اللبناني "حزب الله" وحلفائه كي يتمكنوا من الثبات رغم كل التحديات وتالياً من حماية ظهر سوريا هذه ونظامها. وعندما بدأت الانتفاضة الشعبية في 15 آذار الماضي لم تبخل القيادة في ايران الاسلامية على النظام السوري بالنصائح والخبرة في قمع الانتفاضات الشعبية وإن مليونية، وبالأدوات التي تستعمل في حالات كهذه، والبعض يقوى بالرجال ايضاً او ربما بالخبراء. ولم تبخل عليها ايضاً بالمال والسلاح والنفط المدعوم، كما لم تبخل على حليفهما المشترك في لبنان، ذلك ان المعركة التي يخوضها آل الاسد في سوريا لبنان شريك فيها ومتأثر بها سلباً او ايجاباً وبنتائجها. ولم تبخل على سوريا الاسد بالمواقف السياسية الداعمة في كل المحافل الدولية. هذا الدور الداعم على تنوعه لن يتوقف، في رأي قريبين لبنانيين من طهران، لأن في خسارة نظام الاسد خسارة لحلفائها في لبنان وتالياً خسارة استراتيجية كبرى لها. طبعاً لا يعني ذلك، يستدرك القريبون انفسهم، ان ايران الاسلامية، المعروفة ببراغماتيتها ودقتها وتقويمها الجيد للاوضاع في غالبية الاحيان، لا تدرك حراجة موقف حليفها السوري رغم تأكدها من قدرته على الاستمرار في مواجهة الانتفاضة وإن بعد تحولها ثورة، وحتى ثورة مسلحة، لأسباب عدة معروفة من دون الخوض فيها. ولذلك فإن مسؤولين كباراً فيها في مقدمهم الرئيس محمود احمدي نجاد يدعون الى حوار بين النظام ومعارضيه تحت مظلة اسلامية (منظمة المؤتمر الاسلامي مثلاً)، وذلك اقتناعاً منها بأن التدهور المستمر في سوريا والمتحوّل حرباً اهلية تدريجاً يؤذي المنطقة كلها ويعطّل "اجندتها" وطموحاتها ومصالحها. لكنها في الحوار، وهذا ما يجب ان يعيه كل المعنيين، ستكون مع النظام ومع استمراره ومع استمرار سياسته وايضاً مع إصلاحات لا تمسّ جوهره. علماً ان ما يجب ان يعيه المعنيون ايضاً هو ان ايران لن "تنتحر" مع سوريا الاسد او من اجلها اذا وجدت انها صارت حالاً ميؤوساً منها. وعلماً ثالثاً، ان ما يجب ان يعيه هؤلاء هو ان الموقف من سوريا الاسد هو واحد عند كل مراكز القوى في النظام الايراني. لكن ذلك يجب ألّا يقلل من الاختلافات واحياناً التناقضات بينها، وإن حول امور عدة معظمها داخلي ويتعلق اكثره بالصراع على السلطة. كما يجب ألّا يقلل من تأثير ذلك على السياسة الايرانية العامة ولاسيما في ظل دخول المنطقة بقواها الكبرى والصغرى مرحلة إعادة ترتيب اوضاع او ربما مرحلة إعادة تركيب. و"المزح" في التعاطي مع أمور جدية كهذه لا يجوز.

ما هو وضع مصر بعد ثورة يناير وسقوط الرئيس حسني مبارك في ضوء تمتّع "الاخوان المسلمين" والاسلاميين الآخرين للمرة الاولى في تاريخ هذه الدولة العربية الاكبر بحرية الحركة والتعبير والتنظيم والعمل والتحرّك وكذلك ب"رخصة"، اذا جاز التعبير على هذا النحو، للقيام بكل ذلك من السلطات الحكومية والادارية المختصة؟ وهل ما حصل كان سقوط رئيس او سقوط نظام؟ وما سيحصل هل يكون تأسيس دولة مدنية بتشريع الإسلامُ أحد مصادره، او دولة "شرعية" اسلامية، او نظام عسكري هو امتداد لنظام مبارك ولكن بشراكة تامة مع الاسلاميين المصريين؟

============

سوريا وإيران .. سيأتي التغيير إذا توحد الشعب كما في ليبيا

رامين جهانبيغلو – «ذي كوريان هيرالد»

الدستور

17-9-2011

عندما تنظر الأجيال المقبلة إلى الوراء، سوف يتذكرون عام 2011 باعتباره عام نهاية الديكاتوريين في الشرق الأوسط والمغرب. لقد انضم معمر القذافي الليبي إلى موكب الشرق الأوسط من الحكام المستبدين الذين سقطوا. بعد تسعة شهور من الإطاحة بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي بعد 23 عاما من الحكم الديكتاتوري، ومن الإطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك من السلطة بعد أسابيع قليلة من الاحتجاجات في ميدان التحرير، أصبح القذافي في نهاية حكمه الذي دام 42 عاما من الديكتاتورية.

يمكن أن يعتبر عام 2011 بالفعل نقطة البداية للتغيير الجذري في الشرق الأوسط الذي سوف يجلب سقوط ما تبقى من الحكام الطغاة في المنطقة، وفي الوقت ذاته سيعيد تنظيم تسعير مصادر الطاقة في العالم وطريقة تزويد العالم بها.

بغض النظر عن مدى إيجابية تغيير النظام على المدى الطويل، ومن المحتمل أن تكون العواقب الاجتماعية والسياسية قصيرة المدى تحديا حقيقيا. ولا حاجة للقول أنه سيثبت أن الإطاحة بالأنظمة الديكتاتورية في المغرب والشرق الأوسط سهلة بالمقارنة بالتأسيس الصعب والملتبس لحكومات ديمقراطية وعلمانية.

حتى الآن، تحاول الأنظمة الديكتاتورية المتبقية في المنطقة، مثل إيران وسوريا، عزل نفسها عن السيناريو الشبيه بسيناريو مصر. وهي مستمرة بممارسة درجة عالية من العنف ضد معارضتها، وتعتقد أن بإمكانها التمسك بالسلطة طالما أنها تنجح في إرهاب مواطنيها.

وكما رأينا في الأشهر الأخيرة، بأن استراتيجية مجربة وحقيقية من النوع الذي كان مجديا لعدة عقود لم تعد كذلك بعد الآن. ومع ذلك، ورغم أنه ليس لديهم خيار آخر، فهم يمارسونها بقسوة.

لقد زعم القذافي، ومبارك، وبن علي، والأسد ومن على شاكلتهم، لفترة طويلة أنهم قادة محبوبين من شعوبهم في الوقت الذي يمسكون بخناق هذه الشعوب. لقد كانوا جميعا يشتركون بصفتين: استخدام العنف المفرط ضد المعارضين والمحتجين والوعود التي لا تتحقق. على أي حال، إذا كان هناك من أمر نتعلمه من التاريخ، وخاصة في الآونة الأخيرة، فهو أن هناك حدودا للوحشية المطلقة التي يمارسها الطاغية ضد شعبه. في النهاية، لا يمكن للديكتاتور أن يسجن، أو يعدم، أو ينفي هذا العدد الضخم من شعبه في الوقت الذي يسعى فيه للولاء.

الآن وقد وصل التحدي لحكم القذافي إلى النهاية بثورة عنيفة أجبرت الحاكم المستبد لفترة طويلة على ترك السلطة، من المؤكد أن جميع الديكتاتوريين في المنطقة سيعملون على تحمل مسؤولية تقديراتهم الخطرة ويحاولوا تبني استراتيجيات لتخفيف خطر تعرضهم لسيناريو مشابه.

وعلينا أن ننتظر لنرى ما إذا كان يمكن للرئيس السوري بشار الأسد والحرس الثوري الإيراني الاستمرار في ترهيب مواطنيهم بما يكفي ليكون لديهم الفرصة بالموت على فراشهم بصورة طبيعية. وإذا ما وضعنا التفكير الذي نرغب به جانبا، فإن ما هو مؤكد هو أن النظامين السوري والإيراني، حتى رغم فقدانهم شرعيتهم الأخلاقية والسياسية، يضاعفان جهودهما لسحق وتفتيت الناشطين المدنيين بالتحديد من أجل عدم الوصول إلى نهاية تشبه نهاية مصر، أو ليبيا الآن.

في خضم قيامهم بذلك، خلقوا عراقيل كثيرة أمام فترة إنتقالية خالية من العنف في تلك الدول.

مع ذلك، إنهاء عهد الإرهاب في سوريا وإيران ليس طريقا مسدودا تماما إذا تحمل المواطنون المروعون في السابق مسؤوليتهم الجمعية، كما فعلوا في ليبيا، لإنهاء انتهاكات حقوق الإنسان. بغض النظر كم هو مؤلم الاعتراف، إلا أن وقتا طويلا قد مر على «احتواء الديكتاتور» من قبل مجتمع دولي يسعى لقيادة خلفا للقيادة وخلق مساحة لحكام مستبدين معتدلين.

تعزيز الديمقراطية من الخارج ببساطة ليس عمليا أو فعالا طالما أن الناس غير راغبين في الاتحاد، ومع تعرض حياتهم للمخاطر، والتخلص من الخوف وخلع حكامهم الديكتاتوريين. وكما قال ماكيافيلي، «هناك دافعان رئيسيان يحركان الرجال، إما الحب أو الخوف».

ديكتاتوريون مثل القذافي، الذي زعم لفترة طويلة حبه لشعبه في الوقت نما فيه عن نفسه صورة الأب الذي يخافه أبناؤه، أثبتوا أنهم خدعوا أنفسهم فقط. الحقيقة هي أنه في النهاية الديكتاتوريون لم يكونوا محبوبين ولا مرعبين. عاجلا، وليس آجلا، سوف تصل الحقيقة ذاتها إلى سوريا وإيران.

* أحد المعارضين الإيرانيين المعروفين، كان يرأس دائرة الدراسات المعاصرة في ديوان الأبحاث الثقافية في طهران حتى اعتقاله في نيسان، 2006. وقد أفرج عنه في شهر آب الماضي ويعيش الآن في المنفى في كندا، ويعمل أستاذا في جامعة تورنتو.

============

إبداعات الثورة السورية

ياسر الزعاترة

الدستور

17-9-2011

من يتابع المواد المنشورة والمعروضة على مواقع الإنترنت، وفي مقدمتها «يوتيوب»، من تلك التي تخص الثورة السورية يصاب بالذهول، ويتأكد من حجم القهر الذي كان يعانيه الشعب السوري طوال العقود المنصرمة.

في غضون ستة شهور هي عمر الثورة عبّر الشعب السوري عن مكنونات نفسه حيال نظام أفرط في القمع وتغييب الحريات. واللافت أن يأتي ذلك بعد زمن من التنفيس الذي كان يمارسه الشعب السوري من خلال المسلسلات الدرامية الكثيرة التي أبدعها عدد من الفنانين السوريين، والذين يصطف الجزء الأكبر منهم مع شديد الأسف إلى جانب النظام ضد انتفاضة الشعب.

خلال العشرية الأخيرة تعرض النظام في سوريا ومؤسسته الأمنية بشكل خاص لكم هائل من النقد من خلال المسلسلات الدرامية، وكان المراقبون يعجبون من ارتفاع سقف النقد في تلك المسلسلات، ويبدو أن المقاربة السياسة لتلك الحالة كانت تتلخص في تنفيس مشاعر السوريين حال نظامهم السياسي. لكن النتيجة أن كل ذلك التنفيس لم يؤد إلى نتيجة، ما يعكس بالضرورة حجم الحقد الذي كان تزدحم به أرواح السوريين حيال نظام لم يغادر مربع الشمولية المعروف.

صحيح أن الثورة التونسية والمصرية والليبية قد ألهمت السوريين، وبتعبير أدق شجعتهم على الخروج والاحتجاج، لكن المؤكد هو أن الشعب السوري كان يرفع سقف تحديه للنظام بالتدريج، الأمر الذي كان يلمسه المراقب في سلوك السوريين داخل البلد وخارجه خلال السنوات الماضية.

واللافت أن الممارسة السياسية الخارجية، أعني انخراط النظام فيما يعرف بمعسكر المقاومة والممانعة لم يؤد إلى تنفيس حقد الناس عليه، بل إن أكثر السوريين لم يكونوا يؤمنون بذلك من الأصل، وكانوا يميلون إلى تفسيره بروح تآمرية في معظم الأحيان، وقليل منهم من كان يمرر كلام أمثالنا حول سياسات النظام الخارجية (الجيدة) بهدوء ودون رد عنيف.

جلست لبضع مرات مع طبيب قضى في سجون النظام أكثر من عشرين سنة بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، وكانت زوجته حاملا بابنه الوحيد عندما دخل السجن، وعندما خرج وجده في السنة الرابعة في كلية طب الأسنان، وما إن أنهى دراسته وبدأ العمل حتى أصيب بسرطان الدم ثم توفاه الله.

كنت ألوم نفسي بعد كل جلسة مع الرجل بسبب الجدال معه حول معسكر المقاومة والممانعة، إذ كيف يمكن لرجل كهذا أن يقتنع بجانب حسن من نظام فعل به ما فعل؟!

اليوم يتساءل البعض بخصوص مطالبة بعض السوريين بالحماية الدولية، وتجد بعضهم يستعرض عضلاته وهو يشير إلى الخيانة الكامنة في هذا الطلب، وينسى أنه إزاء شعب مهان الكرامة مسلوب الحقوق يبحث عن سفينة نجاة ومساعدة من أي أحد.

لسنا مع التدخل الخارجي من دون تردد، لكننا نتفهم قهر المقهور، وربنا سبحانه وتعالى يقول «لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم»، وأي ظلم أكبر من هذا الذي يقع على الشعب السوري من حفنة هيمنت على السلطة والثروة وأفسدت البلاد وأهانت العباد، ومن ذا الذي يملك القدرة على إقناع السوريين أن سرقة رامي مخلوف (ابن خال الرئيس) وأمثاله من أزلام النظام لأموال السوريين هي جزء لا يتجزأ من ضرورات المقاومة والممانعة، أو أن الأخيرة تتعارض مع منح الشعب الحرية والكرامة؟!

عودة إلى إبداعات الثورة، والتي تؤكد بدورها عظمة الشعب السوري، هو الذي لا يتحدى نظاما بهذا المستوى من الدموية فحسب، بل يضيف إلى ذلك كما هائلا من الإبداع من أغان وأناشيد وسكتشات أنجزها خلال وقت قصير، ما يؤكد أننا إزاء شعب عظيم خرج يطلب الانتصار ولن يعود قبل أن يحققه بإذن الله.

إذا بحثنا في إبداعات الثورات العربية الأخرى سنرى أن الثورة السورية هي الأكثر إبداعا بامتياز، وهي ستواصل إبداعها، ليس في ميدان الاحتجاج وتحدي النظام بشكل يومي، ولكن في ميدان الفن والإعلام أيضا.

الذين يقفون ضد ثورة شعب عظيم كهذا يستحقون الرثاء مهما كانت الشعارات التي يرفعونها، ويزداد المشهد بؤسا حين تتعلق تلك الشعارات بفلسطين وقضايا الأمة، إذ كيف لفلسطين أن تنتصر على حساب حرية شعب عظيم كان وسيبقى الأحرص عليها من آل الأسد وأعوانهم؟! ساء ما يحكمون.

============

الأزمة السورية بين التنظير والتفكير

غادا فؤاد السمّان

القدس العربي

17-9-2011

مخطيء تماماً من يعتقد أنّ الأزمة السورية، قد بدأت تزامناً مع موسم الثورات العربية، وبائس جداً من يظنّ أنّ مجرّد 'الاعتراف ' بالأخطاء التي ارتكبها رجال الدولة هو الحلّ، فالأزمة السورية بدأت منذ تمادي اللغة في تكريس العائلة الحاكمة عندما رُفِعَ شعار 'إلى الأبد يا أسد'، وهو شعار يتنافى ومضمون الدستور العام للجمهورية العربية السورية، الذي ينصّ على فترة حكم محدودة زمنياً ومرهونة بانتخابات حرّة ونزيهة، إلا أنّ تعاقب الأزمنة الانتخابية لم تكن بقرار الشعب وحده، بل كانت قرارات الحكومة نفسها عندما كانت ولا تزال تهيمن هيمنة تامّة على صناديق الاقتراع وتتجلّى هذه الهيمنة بنتائج الصناديق التي ما إن تُفضّ حتى يكون الحسم النهائي بنسبة مُدهشة ومذهلة ومستفزّة في آن معاً، إذ لم تنقص في يوم من الأيام عن 99،99'.

وهذه النسبة لو تناولناها منطقيّاً لاستعصى حصولها للاتفاق حول شرعية 'نبيّ مُرسل ' لا حاكم منتخب وحسب، ولم تكن محاولة الاعتراض في حينة على النتائج المذكورة سوى عملية انتحارية تقود صاحبها للتهلكة لا محالة، وهكذا شاع الصمت وتفشّى الخوف كقاسم مشترك وحيد، أجمع عليه جميع فئات الشعب بمن فيهم رجالاً ونساءً، وشباباً وشيباً، ابتداءاً بالطفولة التي كانت تنشئتها برسم حزب البعث والذي بدوره أخذ على عاتقه تنشئة جيل بأكمله تَنشِئةً عقائدية ديماغوجية تنطلق من مبدأ التبعيّة التامّ لأبّ واحد وقائد مُطلق مُلهم اسمه 'حافظ الأسد'.

وهكذا صار لزاماً على الجميع شعور التبعيّة معجوناً بحسّ الامتنان مع كامل فروض الطاعة وبذل ما أمكن من الاجتهاد لتقديم حسن السير والسلوك لصالح الحاكم وحاشيته المتمثلة بالعائلة الحاكمة والخلّص ممن حولهم على غرار العائلات المالكة والنُظم الملكية، بعيداً كلّ البُعُد عن صالح الذات التي بلغت حدّ الانكار في كثير من الحالات، بعدما تعزز تفعيل الروح الوطنية والقومية والعقائدية التي ألزمت المواطن بهموم الحاكم بالمفاضلة مع الهموم الشخصية، وكانت هموم الحاكم تتلخّص بقرار الصمود مرّة والمواجهة مراراً، ناهيك عن الشعارات التي كانت تتجلّى بتفعيل دائم ومتكرر ومستمر لمنطلق التصدّي، وتكريس مفهوم الصمود بشكل متواصل، حتى أدمن المواطن هذا المعنى وراح يصمد ويصمد ويصمد ويراوح مكانه لأكثر من أربعة عقود ويزيد من المراوحة والصمود، ولا ينفكّ يسمع بتكرارٍ رتيب عن مواجهة مؤجّلة تباعاً، وظلّت المواجهة صامتة ومنكفئة ولم تتعدّ حدود الهدنة والتهدئة وضبط النفس والاحتفاظ بحقّ الرد لحين لم يأتِ وإن من باب رفع العتب مثلاً، حتى 'اطمأنّت' إسرائيل العدو المفترض للجار السوري الهاديء هدوءاً مزمناً كدولة وكشعبٍ وكنظام، بينما ظلّ القلق والتقشّف والصبر قدر معظم السوريين كشعب فقط، لينصرف من يمثله في أركان الدولة ومفاصلها العتيدة إلى استثمار وقت الدولة الذي لم يكن لانتهائه حساب، واستثمار جهد المواطن الذي لم يكن له قيمة تُذكر، وخيرات البلاد ومقدراتها التي لم يكن لأحد أن يجرؤ بمجرّد السؤال 'من أين لكَ هذا ' مع أنّ المظاهر المُستفزّة كانت تتحدّى قدرة المواطن على الصمت وتراهن على تقهقره أمام القمع المتواصل، وصار كل شيء في مؤسسات الدولة بثمن، فكلّ طموح وكلّ حلم وكل أمل وكل تفاؤل وكل خطوة وكل تحرّك قابل للبيع والشراء بجدلية خارجة تماماً عن المنطق، ومكرّسحة لصالح الرشوة التي أوصلت الخطاب العلني على لسان الرئيس بشار الأسد للإفصاح عن انتشار الفساد انتشاراً ضارياً، لم يترك له مناسبة إلا وانهال على الشعب بالوعود المتراكمة والمتناوبة ما بين وترين بمنتهى الحساسية بالنسبة للمواطن ألا وهما الإصلاح والتغيير.

وانتظر المواطن الإصلاح ليأتي إلا أن الفساد استغّل الفترة المديدة ما قبل الإصلاح الذي لم يأت منذ عقد ويزيد من الزمن فتمادى الفساد في غيبة الإصلاح وهزء المتنفذين والمتجذّرين في السلطة ونظامها المماطل من دعابة التغيير، كونهم هم أنفسهم القيّمون على تحريك دفّتي الإصلاح والتغيير، وبذلك كانوا يعمدون إلى تعويم الحدث، وتجميد المراحل، فالضامن الأكبر هو تأبيد النظام، واستحالة زحزحته، بعدما يئس الجيل المتعاقب عن الجيل الذي أورثه الخيبة، وصار الاستسلام للقدر المحتوم الذي لا مفرّ منه سيّد الموقف والآمر الناهي المتحكّم في مصير الوطن الذي كان يكبر ليتسع لممثلي البعث ورجالاته الأشاوس.

ليضيق بالتالي في وجه المواطن الذي فقد السُبل في إيجاد طموحه داخل وطنه وصارت تطلعاته عِبْئاً عليه ومحكومة سلفاً إمّا بدفع الضرائب الباهظة أو بالفشل المُسبق، لأنّ التطلعات مادة غير مستهلكة وغير فعالة إذا كانت مجرّدة من أهم عناصرها ألا وهي 'الواسطة ' التي غربلت أبناء الوطن الواحد، وأعطت الأولوية سلفاً لأبناء الطائفة الحاكمة أولاً، والبعثيين دائماً وإلى ماشاءت المصالح والتجاوزات وصولاً إلى حدّ الاستهتار ليس بالمواطن الذي يدرك كل شيء ويحتفظ بفضيلة لابدّ منها اسمها الخرس، بل بترييض الرقابة العامة وإدراجها في لوائح المستفيدين علناً والمستفيدين بلا كلل أو ملل، ومع انعدام أخلاقيّة رجل الدولة وممثّل السلطة، وفقدان مناقبيّته ومبدأه وضميره الرادع تفّشت الأمراض الاجتماعية وسادت كالوباء المستشري الذي لا يمكن القضاء عليه، ليحتلّ الغالبيّة العظمى من مؤسسات الدولة والدوائر الحكوميّة كواقع لا يمكن معالجته رغم كلّ الحملات الدعائية والدعوات الصادقة أو المراوغة التي كانت تصدح عند مفارق كل أزمة عابرة تحمل معها مهدّئاً آنيّاً للمواطن الذي يستكين على مضض وغصّة من باب ليس بالإمكان أفضل مما كان، ومع اختبار قدرة المواطن على الصبر وامتحانها المتواصل ونتائجها المُرضية على الدوام أمام ممثلي السلطة أتاح الفرصة الشاسعة لتمرير الأسوأ وطلاق العنان للتمادي بحقّ المواطن باستباحة كرامته حين عمدوا إلى إلزامه فروض طاعة النظام غير القابلة للمساجلة أو للمحاكاة أو للنقض أو الانتقاد، أضف إلى زعزعة كبريائه باسم حفظ النظام والأمن، فلا المثقّف ولا السياسي ولا حتى المواطن العادي كان بوسعه أن يستقريء الوضع داخل البلاد ويتناول ما يحصل من تجاوزات إلا ويكون عرضة للاعتقال بحكم قانون الطواريء الذي تمّ إلغاؤه بعد الحراك الشعبي العارم نتيجة الضغط الكبير الذي مارسه ممثلو النظام الأمر الذي أوصل المواطن إلى الشارع بعد تردد كبير دام لعقود.

لكنّ تفجير الوضع والخوض في الأزمة لأكثر من ستة أشهر متتالية أُريقَ من خلالها الكثير من الدماء السوريّة لم تجد معه الحكومة المعروفة بصرامتها سبيلاً إلى ضبط الشارع على الرغم من استنزاف الجيش السوري وانتشاره الكثيف عبر المناطق السورية الممتدة على كافة الأراضي الشمالية والجنوبية والشرقية والغربية، ومع كل محاولة كبح للمظاهرات المتفاقمة التي ساعدت وسائل الإعلام في تسريب المشهد الداخلي المحجوب رسميّاً والمنتشر إعلاميّاً بحكم تعدد وسائله من فضائيات وأنترنيت، ووقع ابناء الوطن الواحد في مغبّة التأييد والموالاة والنظام ومتاهة الرفض والمعارضة للنظام ورئيس البلاد مما ساعد في تصعيد الخلاف وتوتير الأجواء وانتهاج المواجهة كمنهج حتمي التي وصلت إلى حدّ إشهار السلاح والتصفية الجسدية متلازمة مع التصفيات المعنوية التي اعتمدتها الجيوش الجرارة على صفحات التواصل الاجتماعي 'الفيسبوك والتوتير'.

أوقعت الوطن والمواطن فيما لا تحمد عقباه، وأربكت معها السلطة التي لم تعد تجد سبيلاً للتراجع، وما مضيّها قُدُماً إلا ضرب من ضروب الكارثة الحقيقيّة التي ينتظر إعلانها الرأي العام العالمي نقلاً عن الأمم المتّحدة، التي أتاح لها النظام التصرّف بحزم لم يكن ليأمله أو يتوقعه منها وهو الملتزم بالمعاهدات الدولية والصفقات المُبرمة تِباعاً فوق الطاولة وتحتها في خطّ متوازٍ على جميع الأصعدة جعل النظام بمأمن لمدّة رئاسية لا يٌستهان بها إلا أنّ قمع الشارع السوري بكلّ القمع الممكن أجج استنكار الجمعيات الحقوقية المتعلقة بحقوق الإنسان وراحت تمارس الضغط على الأمم المتّحدة بمساندة الحقوقيين السوريين الذين عانوا أصلاً من الاعتقال التعسفي لأكثر من مرحلة من مراحل الصراع مع السلطة الذي كان ينتهي دائماً بصمت وبقليل من التسريبات للرأي العام العالمي ويحسم نتائجه لصالح السلطة بالاجمال.

إلأ أنّ الحال لا يمكن أن يظل على ما هو عليه في ظلّ الأزمة التي لم تعد تقتصر على أفراد أعلنت تمردها على النظام، بل يكاد الشعب السوري باستثناء فئة لا بأس بها مستفيدة من النظام وموالية له جعلته ممن يناهضون الحالة الثورية المنشرة في ارجاء سوريا قاطبة، والسؤال الذي يفرض نفسه لو النظام لجأ إلى سياسة ضبط النفس وعمد إلى الإصلاح والتغيير العاجل بما يتلاءم وضرورة تلافي الحال المتردي بسرعة فرضتها الأجواء المحيطة والجهات الخارجية المُسمّاة بالمتآمرة وهي التي أعلنت تآمرها منذ سنوات دون مواربة وكانت أكثر من صريحة بشأن المنطقة العربية وأنظمتها المتهالكة التي لم تعد تتماشى ومتطلبات العصر والعجز الفاضح تجاه الجيل الشاب الذي يعاني الخيبة والانكسار واليأس والتهميش والتضييق والإهمال مما يجعله قنبلة موقوته أشدّ فتكاً من الرؤوس النووية المزروعة على امتداد خطوط الطول والعرض.

لهذا كان لا بدّ من تنفيس الغضب الصامت المكبوح آنيّاً بتفجير فتيل الثورة داخل المنطقة العربية قبل الالتفات إلى إسرائيل المزروعة بعناية فائقة داخل الكيان العربي المعدّ للتطهير من كافّة أشكال الرفض، وبدلاً من تبديد الضغط العالي في زعزعة الكيان الإسرائيلي، كان لا بدّ من اقتلاع الأنظمة العربية من جذورها والقضاء على آخر ملمح من ملامحها بالإعدام كما في الحالة العراقية، وبالمحاسبة والمقاضاة كما في الحالة المصرية والنفي والإبعاد كما في الحالة التونسية والليبية واليمنية، ومن يعلم ماذا ينتظر الحالة السورية التي لم تحسم نتائجها رغم كلّ الحراك المتواصل في الداخل السوري والخارج الممتد على أكثر من قارّة والذي اظهر فجأة اسماء وشخصيات لم يكن يخطر ببال أحد أنها على علاقة بالشأن السوري أصلاً ناهيك عن التقافز الذي شاع مؤخّراً لانتهاز الفرص التي يتيحها الدعم الخارجي الأميركي من جهة والأوربي من جهة أخرى، والمحرّك الاساس قوّة الدفع المتوفّر بالدولار واليورو والليرة ومن يعلم ماذا أيضاً، ولا يخفى على أحد أن المعارضة السورية قد نشأت ضعيفة منذ البداية لعدم التوافق على الصالح العام الذي يخصّ الوطن والمواطن فعليّاً.

إذ ظلّت الأطماع الفردية والشخصانية المتفشيّة بين المثقفين عموماً هي السمة الغالبة لإيقاع الحريّة المنشود نظريّاً والمهزوز عمليّاً، وعلى الرغم من إخلاص الشارع السوري لمبدأ الحرية واعتبار الخلاص هو ذاك القادم على يد المُنظرين الجُدد، مما حدا بالشباب السوري للتضحية الحقيقيّة لبلوغ الاستشهاد، الفرصة التي أتاحت للمعارضة الخارجية بحمل الرأي العام على التدخل البطيء نسبيّاً برأي المعارضة التي تطالب بالمزيد ومهما كان الثمن، كل ذلك يجعلني وكثيرين مثلي نقع فريسة سائغة في فكّي الحيرة والمتابعة من خلال الهامش الأوحد المتاح عبر الشاشة الصغيرة والصحف والمواقع الألكترونية، فالنظام يعتبرني وأتحدث هنا عن نفسي على الأقل يعتبرني خصما غير قابل للترييض أو التبعيّة، وأيضاً المعارضة تتفادى وجودي لأنها تعلم علم اليقين أنني لن أكون مجرّد أداة أو بوق أو رقم زائد على لائحة التوقيع وهذا أمر يعلمه تمام العلم بعض ممن كان لهم تواصل معي من أسماء طويت في أعطاف المرحلة الراهنة وأسماء استعادت تلميعها وسائل الإعلام المواكبة، أين تكمن الأزمة إذاً؟

الخوف من الحالة السورية أن نيّة الصراع على السلطة هو الحلم المُتجدد لدى حملة الشعارات المُستجدّة، ورغم أمانة الشارع والشباب السوري بتكريس الثورة إلا أنه خلاف التجربة المصرية، فالشباب المصري كما الشباب اللبناني لديه الوعي السياسي الذي لم يترك فرصة للتعبير عنه في الكثير من المواقف والحقبات من تاريخ الدولة اللبنانية بحكم تعدد الأحزاب وشرعيتها على الأرض اللبنانية وممارستها بحرية معقولة نسبيّاً، أيضاً الحالة المصرية تعتبر أكثر وعياً لتوفّر أحزاب المعارضة وحريتها في ممارسة قناعاتها على أرض الدولة المصرية منذ تأسيسها، بينما الشباب السوري لم يعتد حتى أكثر معارضيه غلوّاً ضدّ النظام والسلطة على فتح باب الحوارات العامّة بعلنية تصل أكبر شريحة ممكنة من الشعب والشباب السوري في نطاق عريض، مما أدخله لفترات طويلة من الجهل السياسي محلياً وخارجيّاً أدّى به إلى اللامبالاة واللااكتراث السياسي إلا من حذا حذو الدولة وتلقّن منها كلّ ما يجب أن يُقال بحرفية عالية، خلاصة القول ليس المهم أن يصمد النظام أو أن يتردّى فما من حكم دام مهما طال والتجربة العثمانية خير دليل حين بلغت أربعة قرون زمنية وليس مجرّد أربعة عقود من الزمن.

لكن المهم المعارضة الحالية التي بدأت خلافاتها بين إسلامويين وعلمانيين تطفو على السطح، ناهيك عن حملات التأييد الهزلية كحملات التأييد لإنجاح مرشحي السوبر ستار بتسمية رئيس للجمهورية العربية السورية دفعة واحدة صارت صوره المختارة بعناية تتصدّر هوامش النت ومتنه كمن يروّج لمطرب من الصفّ الأول، والمروجون للمرشح البديل يجهلون تمام الجهل ما يحمل هذا القادم للإصلاح من خارج الفلك السياسي وهو لا يملك أجندة حقيقيّة تخصّ الوطن، بل يمكن أن يكون لديه أجندة مؤقّتة مستعارة من بلد الإقامة، ليس المهم أن نقتلع رئيساً لسوريا أخفق في مفهوم الإصلاح وتورّط في مغبّة العنف الرادع الذي لم يجدِ نفعاً بل أضرم السوء وضاعف الأزمة، وليس المهم أن نستورد رئيساً آخر لسوريا يجيد البهلوانية العالية في تصدير المشهد عبر وسائل الإعلام كما يفعل أي شاهد عيان مبتدأ بالمنهج التنظيري الذي يمتهنه سواه، المهم الآن تثقيف الشعب ليكون وحده الفيصل لكل ما يدور على أرض الوطن، ويكون الجدير بحريته كمطلب إنساني يؤسس لكيانية حقيقيّة تعيد للوطن هيبته وللمواطن كرامته المهدورة منذ أمراض وأمراض لا ينقصه إضافة المزيد منها.

' كاتبة من سورية

============

أمام السفارات: سورية وأميركية وإسرائيلية

ياسر أبو هلالة

نشر : 16/09/2011

الغد الاردنية

ندم سفير دولة الاحتلال على هربه من عمان عقب إعلان نشطاء "الفيسبوك" عن مسيرة مليونية لاقتحام السفارة. فالمسيرة ضمت نحو مئتين في أحسن الأحوال، ولم تتمكن من اجتياز الحاجز الأول. وقبلها تظاهر عدد مماثل أمام السفارة الأميركية. في المقابل، كان العدد الأكبر أمام السفارة السورية في ليلة القدر التي قدر عدد المشاركين فيها بخمسة آلاف صمدوا حتى مطلع الفجر.

تلك الأعداد تحتاج قراءة متأنية تسبر أعماق الشارع الأردني ولا تستسهل القراءة التآمرية، بحيث يتهم الشعب كله بالعمالة لأنه لا يتحرك وفق أوامر نشطاء تتعدد أفكارهم واتجاهاتهم وأولوياتهم. والأعداد، ابتداء، تقديرية، وتقرأ في سياقها. فالقول بمسيرة مليونية ربما ظهر أول مرة في مسيرة مارتن لوثر كنج التي صرخ فيها صرخته التاريخية "لدي حلم"، ومع ذلك لم يصل العدد حقيقة إلى المليون، لكنه تعبير عن حشود كبرى في لحظة تغيير تاريخية. وقد يكون ميدان التحرير في مصر هو المكان الوحيد في العالم الذي وصل فيه العدد إلى المليون في أيام الذروة.

محليا، في الأردن يستحيل، بسبب عدد السكان، خروج مسيرة مليونية. وأقصى رقم ممكن أن يحتشد فيه الناس هو مئة ألف، ما يعادل المليون في مصر أو أميركا. وهذا الرقم حققه المتظاهرون في أوقات الذروة الجماهيرية المتعاطفة مع العراق في غضون حرب الخليح الثانية، والمتعاطفة مع القضية الفلسطينية في غضون انتفاضة الأقصى وحرب غزة.

في الحراك الإصلاحي اختلفت الأعداد، بسبب انتشاره ولامركزيته. فخروج ثلاثمئة في الطفيلة يوازي خروج آلاف في عمان. وقل أن تجد بلدة لم تخرج مطالبة بالإصلاح، إضافة إلى التحركات القطاعية للمعلمين والمتقاعدين العسكريين وعمال المياومة وعمال الميناء.

أمام السفارات تختلف قراءة الأعداد. فهي مناطق أمنية حساسة، وكل متظاهر يدرك أن ثمة مخاطرة في التوجه لأي سفارة. ويسجل للحكومة (على قلة ما يسجل لها) أنها سمحت بالتظاهر أمام السفارات. والغريب أن بعض أنصار بشار الأسد طالبوا بمنع التظاهر أمام السفارة السورية، مقارنين ذلك بالسفارة الإسرائيلية، مع أن المتظاهرين لم يهاجموا السفارة، على العكس هاجمهم الشبيحة. في المقابل يهاجم المتظاهرون السفارة الإسرائيلية.

بوصلة الشارع دقيقة؛ لم يكن يوما مرحبا بالسفارة الإسرائيلية، لكن التظاهر عندها ليس قرارا بل حال. والآلاف التي تظاهرت أمام سفارة العدو في غضون حرب غزة هي من تظاهرت أمام سفارة الشقيق السوري. وقطعا فإن السفير السوري الذي كان مسؤولا رفيعا في المخابرات يقمع الشعب السوري ولا يمثل الشعب السوري.

القضية الفلسطينية تحرك الشارع العربي والأردني، ولا يحتاج ذلك إلى دليل. وكنت في حرب غزة قد دعوت إلى اعتصام دائم أمام سفارة العدو على غرار ما حصل في سفارة جنوب أفريقيا في لندن، ولم يخطر ببالي أن تظل الآلاف قابعة أمام السفارة. ولكنه تعبير رمزي دائم، وقد نجحت مجموعة شبابية (جك) في تنظيم اعتصام أسبوعي دائم، العبرة في دوامه لا في تعداده. وفي هذا السياق تقرأ قلة عدد من اعتصم أول من أمس.

أما التظاهرة أمام السفارة الأميركية فقلة العدد تعود إلى أن الولايات المتحدة في مرحلة هدنة مع الشعوب العربية. ولو دعي للمظاهرات في غضون الحرب على العراق لكانت بالآلاف. الولايات المتحدة تعلن أنها ستنسحب من العراق وأفغانستان، وتعلن مواقف إيجابية من الربيع العربي تحاول فيها التكفير عن تحالفها التاريخي مع الاستبداد. وبلغ الأمر تقديم دعم عسكري للثوار في ليبيا.

ذلك لا يمحو أخطاءها وخطاياها بحقنا. ولو لم أكن صحفيا لتظاهرت ضد السفارة بسبب ذلك، فالموقف العنصري من الشعب الأردني والتعامل معه باعتباره عشائر لم ترتق لمستوى الدولة والمجتمع الحديث، بحسب تسريبات ويكيليكس، يستحق الغضب والإدانة، لكن ذلك لا يشكل حالا جماهيرية.

============

حالة الإنكار السورية

محمد الرميحي

الشرق الاوسط

17-9-2011

لماذا الحديث الكثيف عن سوريا، لأنها بلد مهم وشعب حيوي، وموقع جغرافي في قلب الأمة العربية، فيها عقول لا شك أنها راجحة. على رأسها بالطبع بشار الأسد، الذي هو حالة مختلفة عن ذلك غير السوي الذي حكم ليبيا حتى أسابيع خلت، ولأنها كذلك فإن التغيير فيها سوف يطول أماكن أخرى في الجوار.

إذاً لماذا هذه الحالة من الإنكار التي تتلبس النظام، لما يحدث في سوريا وحولها، ومحاولة تسفيه الحراك الشعبي الواسع بذرائع شتى. تفسير ذلك لا يخرج عن ثلاث كلمات (السُلطة تُعمي البصيرة) لا يوجد تفسير غير هذا.

أما التفاصيل فهي كثيرة. لعل بعضنا يذكر أن حالة (الإنكار) ليست جديدة على النظام السوري أو المتحدثين باسمه، وأذكر كما يذكر قراء هذه الصحيفة، أن السيدة بثينة شعبان المستشارة الإعلامية، وكانت تنشر مقالا أسبوعيا، كتبت مقالا بعد اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، ذهبت فيه، وبتأكيد لا يخالطه الشك، أن الاغتيال تم بأيد إسرائيلية، كما أن الشحنة الناسفة جُلبت من العراق من مخازن الجيش الأميركي! وقتها استغرب من هم من أهل العقل والبصيرة، كيف بوزيرة (وكانت كذلك) تجلس في مجلس الوزراء السوري تؤكد مثل هذا الأمر دون دليل يذكر وبشكل مبكر، ووقتها كنت واحدا من المعترضين على ذلك التسرع علنا. اليوم عرف العالم من هم المتهمون باغتيال رفيق الحريري بالاسم والصورة، إلا أن التهم عادة تكون جاهزة، في أوساط الأنظمة الميالة إلى الإنكار، إسرائيل، أميركا والغرب! دون أدلة عقلانية مؤيدة.

مثل هذه المعالجة تقع في منظومة الإيمان بنظرية المؤامرة التي تشافى منها العقل العربي، وخاصة الأجيال العربية الجديدة التي تبحث عن إقناع لما تشاهد وتسمع، لا عن تفسير عاطفي.

نظرية المؤامرة تأخذنا إلى مكان آخر، هو الطلب الشعبي السوري بشيء من التدخل الإيجابي الدولي، نرى أن البعض يؤكد أن التدخل الغربي الإيجابي، لا يأتي إلا إذا كانت هناك مصالح اقتصادية كبرى، وخاصة نفطية. تستمر المقولة تلك إلى الإشارة، إلى أن سوريا ليس فيها نفط مثل ليبيا، وبالتالي يستبعد التدخل العالمي الإيجابي. هذه أيضا مقولة غير منطقية، لعلنا من أجل الاستشهاد لا غير نتذكر التدخل العالمي الإيجابي في كوسوفا، بعد أن استبيحت شلالات الدم هناك. ولكن النظرية تلك (المؤامرة) تستمر بالقول في ملف آخر، هو أن تغيير النظام السوري يعني اضطهاد المسيحيين في الشرق، وهو أمر يتصف بتجاهل أعمى لواقع تاريخ سوريا الحديث، حيث احتضنت في وقت سابق لحكم البعث الحالي عددا من المفكرين والحركات السياسية التي كان يقودها مسيحيون. وبالتالي لا يمكن اختصار الدفاع عن المسيحيين بوجود حزب البعث الحالي، تلك سذاجة يروجها البعض لغرض سياسي. حقيقة الأمر أن مطالب الشعب السوري في الأشهر الستة التي خلت، هي توسيع قاعدة السلطة السياسية وليس تضييقها، وهي تعني مشاركة كل المكون الشعبي السوري بكل طوائفه ومصفوفاته الثقافية على تنوعها.

حالة الإنكار الأخرى هي التي تتكئ على القول إن هناك مخاطر خارجية تأتي من خلق مساحة للتنفيس الشعبي، تلك ذريعة أخرى مثل ذرائع الممانعة وإلقاء اللوم على الآخر.

الحالة السورية تدخل مرحلة الارتباك، وشاهدي عليها، هو المقترح الذي يثير الابتسام والشفقة قبل أي شيء آخر، الذي سُمي بمبادرة الإصلاح العربية، وقيل إنه قد قُدم من النظام السوري إلى الجامعة العربية، تلك المبادرة السورية تطالب بتوسيع قاعدة المشاركة في البلاد العربية الأخرى، وإطلاق حرية الإعلام وتكوين الأحزاب. والتفسير المنطقي لهذا (المبادرة)، الذي لا تفسير غيره، أن النظام السوري دخل إلى مرحلة الإفلاس السياسي التي تصاحبه هلوسة الحمى، فالناس تتكلم عن قتل منظم في المدن والقرى السورية وظلم فادح في السجون والمعتقلات، وصل إلى حد توصيفه بحرب إبادة، واحتكار مركزي للسلطة في محازيب قليلة، والنظام يتحدث عن إطلاق حرية تكوين الأحزاب في أماكن أخرى!

يبقى الموضوع الآخر المهم، هو موقف الجامعة العربية، الذي يبدو من التصريحات المختلفة الصادرة من أطرافها، أنه متردد في اتخاذ خطوات ترتفع إلى مستوى خطورة الوضع السوري، في انتظار ماذا؟ لا أحد يعرف. روسيا لأسباب اقتصادية وأيضا سياسية خاصة بها لن توافق على أي مقترح يؤدي إلى تغيير النظام، هذا ما فعلته باتجاه القضية الليبية وأيضا ما تفعله باتجاه القضية السورية، لا لشيء أكثر من أن روسيا - كنظام - فيه من التشابه، ما في نظام ليبيا السابق وسوريا الحالي. الأجدى للناشطين داخل الجامعة العربية أن يحسموا أمرهم، وإلا فإن تصريحاتهم في حال تأخرهم في تفعيل مبادرة عربية دولية، لن تحمل عبارة (الشعب السوري)، حيث وقتها لن يكون هناك (شعب سوري) إلا في المقابر أو السجون!

آخر الكلام:

هل يمكن أن يتأثر النظام الإيراني لو اختل توازن النظام السوري الحالي واختفى أو تغير، هناك مخاوف حقيقية بدأت بالظهور في الأوساط الإيرانية، أقلها فقدان الحلفاء وأكثرها خطورة عبور نسمات الربيع العربي للوصول إلى البر الإيراني، كل شيء محتمل في السياسة.

========================

سورية دولة أمنية بامتياز

امين السمان

كلنا شركاء – 2011/09/17

اقوى مداخلة في مؤتمر الحوار ادت لاعتقال صاحبها!؟

هذا نص مداخلتي في مجلس الحوار الوطني في سورية الذي شاركت به يوم امس في 15 – 9 – 2011 بيوم دخول الثورة شهرها السابع.

سورية دولة أمنية بأمتياز

السيد رئيس الجلسة الموقر

السيدات والسادة الحضور الاكارم

احييكم تحية الاحرار وأشد على اياديكم .

واسمحوا لي ان استعرض التاريخ والرجوع الى الوراء قليلا لنقف معاً كيف بنى الرئيس الراحل حافظ الاسد سورية الحديثة . بداية قام حافظ الاسد بتوسيع قاعدته واحداثياته من خلال الفقر المدقع الذي كان يعيشه غالبية الشعب السوري فتم تشكيل لجنة عسكرية ثلاثية تضم :

1- صلاح البيطار

2- محمد عمران

3- حافظ الاسد

وقاموا بثورة الثامن من آذار عام 1963 التي قضت على الاقطاع ووزعت الاراضي على الفلاحين وطرحت شعار الارض لمن يعمل بها ولكل حسب جهده . واصبح الاقطاعي يعمل لدى الفلاح الذي حصل على الارض مجدداً وهكذا خسرت ثورة آذار الاقطاعيين وكسبت الاعداد الكبيرة من الفلاحين وهي مرحلة تمهيدية لقيام الحركة التصحيحية وكان حافظ الاسد محنكاً وديكتاتور لم يستلم على مر الزمن منصبا مفرداً بل كان يستلم منصبين حساسين على الاقل ليكون الأمر بيده ولتكتمل امبراطوريته فكان وزيراً للدفاع عام 1967 وقائداً للقوى الجوية والدفاع الجوي ثم اصبح رئيسا لمجلس الوزراء ووزيراً للدفاع. وبعد قيام الحركة التصحيحية اصبح يحمل عشرات الصفات .

حيث قام بالحركة التصحيحية في 16-11-1970 لكنه لم يتقلد منصب الرئيس وكلف احد المدنيين واصبح رئيس الجمهورية ذاك المدني وكأنه موظف صغير يدير الدولة بتوجيهات حافظ الاسد وقام بلعبته التي تمثل الضربة القاضية للجيش السوري .

حيث امره حافظ الاسد بتسريح غالبية ضباط الجيش اصحاب الرتب الكبيرة ليزيلهم من امامه ومن امام نجاح واستمرار حركته التصحيحية ليتمكن مؤخرا من طرح شعار قائدنا الى الابد الرئيس حافظ الاسد .

ولكي لا تكون يداه ملوثة بتدمير اسُرَ عريقة وراقية في سورية لان التطوع في الجيش كان من قبل العائلات الراقية والميسورة والتي تمتاز بالوطنية والكفاح والنضال ضد الاستعمار الفرنسي .

ثم وصل الى سدة الحكم في آذار عام 1971 وهنا بدأ المسلسل السياسي الهزلي لتاريخ سورية الحديثة . واصبح رئيسا للجمهورية وقائداً عاماً للجيش والقوات المسلحة ورئيساً للجبهة الوطنية التقدمية وامينا عاماً لحزب البعث والأمين القطري لحزب البعث ورئيس اللجنة المركزية للحزب . ووضع صلاح جديد الامين العام السابق للحزب والرئيس نور الدين الاتاسي ورفاقه في السجن وكل من شارك في الحركة التصحيحية واصبح الامبراطور السوري الوحيد وبدأ بأنجازات الحركة التصحيحية كما زعم ومن سخريات القدر ان موظفي وزارة الري يدعى محمود الزعبي كان مديرا لسد الفرات في منطقة الثورة محافظة الرقة عينه عضواً في القيادة القطرية رئيسا لمكتب الفلاحين ثم رئيساً لمجلس الشعب لدورتين ثم رئيسا لمجلس الوزراء لثلاث دورات ثم انتحر بثلاث طلقات وتوفي من الطلقة الاولى فهل يستطيع احدكم ان يفهمني كيف انتحر محمود الزعبي بثلاث طلقات.

ولدى دخول قوات الردع العربية الى بيروت بعد العام 1976 ومشاركة القوات السورية واستقر الامر مؤخرا على خروج جميع القوات العربية والابقاء على المشاركة السورية. أوفد الى عنجر ضابط برتبة صغيرة

/ نقيب / كان من ملاك فرع المخابرات العسكرية بحمص . واصبح مع الزمن ذاك الضابط النقيب رئيساً لدولة لبنان حيث يشكل مجلس النواب والحكومة ويعين رئيس للبنان عن طريق هذا الشاب النقيب .

بالله عليكم هل نحن ذهبنا الى لبنان لاجراء التوافق بين المتخاصمين ام ذهبنا ليكونوا عبيداً عندنا.

وكل قرار يصدر في لبنان يصدر من عنجر واصبحت عاصمة لبنان / عنجر / ومن تغضب عليه عنجر يتمنى ان لا يكون قد ولد في لبنان .

ثم انتقل ذاك الشاب الى سورية وأصبح برتبة لواء فعين رئيسا لشعبة الامن السياسي ثم تولى وزارة الداخلية وفي أحد الايام سمع مدير مكتبه صوت إطلاق رصاص فدخل على مكتبه فشاهد الوزير مستلقيا على ظهره تحت مكتبه ويده على صدره ومسدسه بيده واصابعه على الزناد والدم ينزف من رأسه وتبين من خلال تقرير الطبيب الشرعي بأنه انتحر بطلقتين / يبدو ان هذا الانسان غريب الطور ليس له جملة عصبية /.

ولا أريد ان اطيل وعلى سبيل المثال :

استورد الرئيس حافظ الاسد تجربة منظمة طلائع البعث من الاتحاد السوفيتي ليزرع في عقول الاطفال شخصيته من خلال التحاقهم بمعسكرات ترفيهية خلال العطلة الصيفية لتستقبلهم منظمة شبيبة الثورة ثم رفدهم الى حزب العث العربي الاشتراكي – لتكون تربية الجيل تربية عقائدية منذ الصغر وحتى مرحلة التعليم الجامعي التي تحتويهم فيها منظمة الاتحاد الوطني لطلبة سورية .

واصبح حزب البعث قائداً للدولة والمجتمع واحزاب الجبهة الوطنية التقدمية تنضوي تحت لواء حزب البعث ولكني هنا لا ألوم قيادات حزب البعث بل اللوم يقع على احزاب الجبهة التي استوردت من حزب البعث واصبحت قيادات للجبهة وأكبر حزب من احزاب الجبهة عدده لا يملئ باصاً.

وهنا سمحت قيادات احزاب الجبهة لحزب البعث بان يكون حزباً ديكتاتورياً يملي على احزاب الجبهة ما يريد لقاء مزايا يحصل عليها قادة أحزاب الجبهة .

مثال / كان لهم مقعد في مجلس كل محافظة ووزير في كل حكومة وعضو مجلس شعب في كل دورة . وكان قادة احزاب الجبهة يختارون من يمثلهم لقاء مبلغ متفق عليه يدفعه من سيصبح مسؤولاً في المستقبل لرئيس حزبه .

وهكذا فالفساد بدأ من قيادات احزاب الجبهة التي جعلت البلد ينهار ويتشتت والمصائب تكبر وتزيد على افراد الشعب والبلد تسير بقدرة قادر وهذا ما أكده الخبير الروسي الذي كان في سورية بمهمة رسمية للاشراف على سد الفرات حيث قال لمهندس سوري كان يرافقه / انا روسي وشيوعي ولا اؤمن بوجود الله لكني آمنت بوجود الله لانه لو لم يكن لله وجود فكيف تسير الامور لديكم .

وبدأ التسلط وأعطي الدور للاجهزة الامنية وبدأت فروع الامن في سورية تمارس الاضطهاد والقهر والضغط وتعتقل كل موظف او مسؤول لا يلبي رغباتها وتحبس المسؤول او تعفيه من مهمته او تصفيه جسدياً. وجميع التشكيلات الادارية والحزبية ان لم يوافق عليها الامن فلا تصدر. وسلخُ الشعب من حبه لوطنه واصبح الحب والولاء للأشخاص وكل يغني على ليلاه. فعناصر الامن آلهة وهي التي تعُزُ وتُزلْ وهي التي تُعين وتعفي المسؤولين وهي التي تسير الامور في كل مرافق الدولة . حتى الوزير لا يصبح وزيراً الا إذا ادى الطاعة للأمن وحتى رئيس الوزراء ايضاً واعضاء القيادة القطرية واعضاء الجبهة الوطنية التقدمية.

فعلى سبيل المثال زار العقيد الدكتور بشار الاسد محافظة حلب حيث كان قائداً للواء /105 / في الحرس الجمهوري وكان الرئيس آنذاك حافظ الاسد وكان محافظ حلب السيد الدكتور مصطفى ميرو فأستقبله اهالي حلب استقبال الابطال وحملوه على الأكف وقالوا له هتافاً : / يا ابو حافظ خلصنا من المحافظ / .

وفوجئوا بعد يومين بتكليف السيد مصطفى ميرو رئيساً للوزراء وفعلا خلصهم من المحافظ الذي كان اسمه مصطفى عرفي وليس مصطفى ميرو . لانه كان يزج الناس في السجون بدون مبرر بقرار عرفي يرفعه الى وزير الداخلية ويعود مع الموافقة .

وهنا اقول للسيد بشار الاسد والسيد ميرو ما قاله سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه : / متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احراراً / .

وشاءت العناية الإلهية بأن تخلص الشعب المقهور والمظلوم من الطاغية حافظ الاسد ملبياً نداء ربه في العاشر من حزيران عام 2000 وفرح الشعب في سورية بأن إرادة الله خلصته من الظلم والعبودية . الا أننا فوجئنا بالمتخاذلين والمتآمرين على الشعب البسيط الاعزل الذي يعيش كل يوم بيومه فوجئ الشعب بتواطؤ كبار ضباط الجيش واعضاء القيادة القطرية للحزب وأحزاب الجبهة ومجلس الشعب بالاتفاق واتخاذ القرار ليكون الدكتور بشار الاسد رئيساً جديدا ً وهنا كانت الطامة الكبرى . لانه منح رتبة فريق بعد رتبة عقيد وهذا مخالف للقوانين العسكرية والمدنية ومخالف للشرائع السماوية وانتخب رئيساً للجمهورية وكل هذه المخالفات جرت في ربع ساعة .

أسال السيد الرئيس بشار الاسد : ألا يستحق هذا الشعب البريء المظلوم الذي يتظاهر في الشوارع منذ ستة أشهر واليوم تحديداً سندخل في الشهر السابع . الا يستحق منك وقفة احترام وتجلس وراء مكتبك كرئيس للجمهورية وتصدر قراراً جمهورياً بإلغاء المادة الثامنة من الدستور وتدعوا لتعديل الدستور كاملاً في المستقبل وهل هذا من صلاحيتك أم لا . اعتقد أنه من صلاحيتك وأتمنى أن تصدر هذا القرار فوراً لوقف نزيف الدماء في الشارع السوري آلا ترى يا سيادة الرئيس ما جى ويجري الآن في تونس ومصر وليبيا وهل الدول بمفهومكم مزارع حصلتم على طابو بملكيتها . وهنا يحضرني لوحة فنية شاهدتها في حياتي لوحة بانورامية عندما توفي الملك حسين بن طلال في الاردن . حطت طائرة امريكية مطار الاردن ونزل منها الرئيس الامريكي بيل كلينتون آنَ ذاك ويرافقه روؤساء امريكا السابقين جورج بوش الاب – ريغان – فورد .لوحة تضم ستة رؤساء امريكان بالله عليكم ألا يستحقون هؤلاء الاحترام رؤساء سابقين يرافقون الرئيس القائم لتقديم التعازي بوفاة ملك الاردن ألسنا نحن بشر . الرئيس في الدول العربية إما ان يقتل أو ينفى أو يسجن أو يهرب او يختبئ . متى سنصبح بشر كهؤلاء ونحن الذين اعطينا الحضارة لكل دول العالم .

اناشدك يا سيادة الرئيس بالوقوف مع ذاتكم لحظة واحدة ومراجعة الماضي واحترام دماء الذين سقطوا على ارض الوطن ومسح الدموع من عيون الثكالى وحقن الدماء لأننا زائلون والخلود لله فقط فأدخل التاريخ من ابواب التاريخ وقدم استقالتك فعسى ان يخرج الناس مسيرة في شوارع سورية يطالبونك بالبقاء كما حصل مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر .

- أجهزتك الأمنية دفنت الشباب وهم أحياء قتلت امانيهم وطموحاتهم وجعلتهم جمادات لا حول لها ولا قوة .

- قياداتك البعثية مارست اقسى انواع الاضطهاد على الشعب واصبحوا جميعهم اثرياء جدد . اطلب منك سيادة الرئيس بأصدار قرار يقضي اعفائهم من مهامهم ومحاكمتهم على التلفزيون السوري . وحجز اموالهم المنقولة وغير المنقولة وتوزيعها على افراد الشعب وفق الرقم الوطني لتوازي ما قام به والدك المرحوم حافظ الاسد عندما كان يخطب في أحد المؤتمرات وتبرع بجميع أمواله للدولة . فأنا واثق بأنه لن يتبرع أحد بأمواله للدولة فعليك حجز تلك الاموال .

وختاما قامت الدولة الامنية السورية بتكريس الخطأ في جميع مفاصل الدولة لتتمكن من دعوة من تريد في الوقت الذي تريد لفرض سيطرتها بشكل كامل . واقترح ما يلي :

1- عودة الجيش فوراً الى قواعده .

2- الغاء المادة الثامنة من الدستور والمواد التي تتداخل معها فوراً .

3- تشكيل حكومة جديدة تضم الفعاليات السياسية والاقتصادية والفكرية المستقلة فوراً .

4- الدعوة لاجراء انتخابات رئاسية فوراً .

والله ولي التوفيق والسلام عليكم

امين السمان

………………………………..

( كلنا شركاء) : اصدر بشار اسد اليوم الساعة الثانية ظهرا قرارا باعتقال السيد امين السمان بسبب مداخلته اعلاه مما يقدم الدليل الاوضح ان المطلوب من الحوار هو الحوار مع الذات والتطبيل والتزمير لانجازات القائد الفذ ؟

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ