ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 25/08/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

على طريق القذافي وطريقته

برهان غليون

الاتحاد

تاريخ النشر: الأربعاء 24 أغسطس 2011

تثير أعمال القتل المنظم والترويع والتعذيب التي تمارسها أجهزة الأمن السورية ضد مواطنين عزل يطالبون بالحرية ذهول الرأي العام العربي والعالمي. ولا يكاد أحد يصدق ما يحصل. وقد سئلت بالفعل مرات عديدة من صحفيين عن تفسير هذا السلوك الذي لا يتفق مع أي منطق سياسي أو أخلاقي. وأكثر ما بدر لي في معظم إجاباتي يتعلق بنوعية العلاقة التي قامت، ثم تطورت على مدى عقود طويلة بين الحاكمين السوريين الحاليين والشعب، والتي بنيت منذ البداية على الإخضاع بالقوة المادية المجردة، مع رفض أي صورة من صور الحوار أو النقاش أو المساومة مع أبناء الشعب، والسعي الدائم بموازاة ذلك إلى تحويل الكذب والغش الفكري والسياسي والأخلاقي إلى أيديولوجية رسمية للنظام. ومع الوقت كان لا بد لعلاقة الإخضاع بالقوة هذه أن تنتج في وعي الحاكمين اقتناعاً راسخاً بأن القوة المنفلتة من أي قيد أو قانون هي الحماية الوحيدة للنظام، وفي موازاته اعتقاد لا يقل جنوناً عن الأول بأن المحكومين يستحقون هذه المعاملة لانحطاط أخلاقهم وتفكيرهم، ولا يفهمون لغة غيرها، تماماً كما هو شائع في خطاب الإسرائيليين تجاه الفلسطينيين والذي جعلهم يبررون، كما يفعل النظام السوري، تجريدهم من حقوقهم وانتهاك كرامتهم واستباحة دمائهم. وشيئاً فشيئاً يتكون لدى هؤلاء شعور عميق بأنهم ليسوا من طينة أعدائهم ولا هم يشبهونهم، وأن وجود أي من الطرفين على الأرض متوقف على موت الطرف الآخر وإخراجه كلياً من ميدان المنافسة والصراع. وفي هذا المستوى من التفكير لا يبقى هناك مكان لقانون ولا لمفهوم الحق ولا حتى لمفهوم الإنسان.

من هنا كان لا بد للاستمرار في هذا النهج عند الحاكمين والمستعمرين من تطوير منطقين متوازيين يحكمان تفكيرهم ومشاعرهم معا تجاه محكوميهم. الأول منطق العنصرية الذي يقود إلى الاعتقاد العميق بأن مجتمع المسيطرين من طينة مختلفة تماماً عن مجتمع الخاضعين، وإلى نشوء علاقة بين الطرفين من نوع علاقة السيد بالعبد. وكما كان الحال في نموذج العبودية القديم، السيد هو بالتأكيد موطن الفضائل والقيم والأخلاق والمعبر عن هوية الإنسان المتحضر والراقي مهما فعل، أما العبد فهو موطن انعدام الأخلاق والعقل والأهلية.

ولأن العبد لا شيء يذكر، فدمه أيضاً مباح، وليس لقتله معنى أو أهمية، فلا يسأل السيد عن قتل عبده ولا يحاسب عليه، وهو حقه المطلق، ولا يحق لاحد أن يتدخل فيه.

ورسخ خضوع المحكومين أو استسلامهم أمام القوة لعقود طويلة هذا الشعور بالتفوق وبالحق في السيادة والسيطرة، والنظر إلى الآخر الخاضع بوصفه من سقط المتاع، يحق للسيد التصرف به وبحياته وأسرته كما يشاء. وأصبح يبدو مع الزمن طبيعياً، أي صالحاً سياسياً بوصفه أساس النظام والأمن والسلام، وأخلاقياً من حيث هو تعبير عن التفوق الطبيعي للسيد وحقه الذي لا يناقش في السيطرة واستخدام جميع وسائل العنف لإخضاع من ينظر إليهم على أنهم عديمو العقل والفضائل والأخلاق.

وتكفلت الثقافة المرتبطة بالنظام في أن تحول هذا التفوق السياسي والأخلاقي المزعوم والمتوهم إلى واقع مادي مقبول ومستبطن لدى الحاكم والمحكوم على حد سواء بمقدار ما نجحت في إضفاء صفات التأخر والتخلف العقلي والجهل على الشعب، وفي حرمانه من أي فرصة للارتقاء في تفكيره وسلوكه إلى مستوى الشعور بالمسؤولية الجماعية أو التاريخية. ومن هنا لم ينفصل تأكيد مشروعية الاستخدام الدائم والمتزايد للعنف غير القانوني والتعسفي ضد الأفراد والمجتمع ككل، - مما شكل خصوصية النظام السوري خلال عقود، أكثر من احتكار السلطة التي يشاركه فيها كثير من النظم - عن تأكيد غياب الشعب مفهوماً وواقعاً، وبعده عن السياسة وتورط جميع أفراده في الفساد وافتقارهم لأي منظومة أخلاقية. وهو ما تسعى أيضاً فيديوهات الجثث المقطعة والمشوهة التي تبثها أجهزة الإعلام السورية اليوم باعتبارها من أعمال المحتجين، إلى تأكيده وترسيخه في وعي الناس أنفسهم حتى يقتنعوا جميعاً بأنهم منحطون وفاقدو الأهلية، وليس لهم أمل في البقاء والسلام والأمان إلا بالالتحاق بأسرتهم الحاكمة، رمز القوة المادية والكفيلة أيضاً بضمان صلاح الأخلاق العمومية. هنا نجد أصل الثقافة العنصرية التي طورتها النخبة السورية الحاكمة في العقود الماضية وحولتها إلى أيديولوجية مستبطنة، تبرر العزل والإقصاء واستسهال انتزاع الحقوق والبطش بمجتمع لم تعد ترى فيه سوى مهلوسين وجهلة وأميين وفاسدين وطائفيين وسلفيين.

لكن العنصرية، بما تتضمنه من حط من هوية الشعب وتأكيد فساد أخلاقياته وافتراض تخلف قدراته العقلية وغياب تضامنه الوطني، ليست الوسيلة الوحيدة التي تستخدمها الثقافة القائمة لتبرير انتزاع حقوق الآخرين وامتهان كراماتهم وحرمانهم من الحرية، وفي ما بعد من الحق في الحياة. هناك ما هو أهم من ذلك في نظري. وهذا هو المنطق الثاني الذي طورته الطغمة السورية الحاكمة خلال العقود الطويلة الماضية. وهو منطق يتطابق أيضاً مع ما طورته الصهيونية في فلسطين، ويقوم على قلب المعادلة وتحويل الجلاد إلى ضحية والضحية إلى جلاد. فالفلسطينيون في نظر الإسرائيليين مجرمون بالولادة، وأطفالهم لا يقل إجرامهم عن راشديهم لأنهم يولدون وفي ذهنهم معاداة اليهود أو قتلهم. فهم مخربون مهما كان عمرهم وثقافتهم وانتماؤهم ومواقفهم المعلنة. وقتلهم جميعاً حلال بسبب أو من دون سبب. وإذا لم يحصل ذلك فلأسباب تكتيكية أو حسن أخلاق من الإسرائيليين لا غير. وهذا هو الحال بالنسبة للنظام السوري أيضاً. فالسوريون يولدون أيضاً مجرمين لأنهم فطروا على الطائفية والسلفية والتآمر مع الخارج ضد سلطة وحدت نفسها وهويتها مع العلمانية والتسامح الديني والوطنية. وهنا أيضاً لا يتأثر هذا المنطق بأي عامل تاريخي أو اجتماعي، فالسوري مسلم وطائفي وسلفي حتى لو ظهر غير ذلك. وكل ما يقوم به من نقد أو تردد في تأييد النظام وإعلان الولاء للسيد، "سيد الوطن" كما يقولون، ليس إلا إفصاح موارب عن هذه الطائفية المقيتة اللاصقة فيه وعن السلفية والوهابية التي لا تفارقه ولا يمكن له أن يعيش خارجها. وبوصفه كذلك فهو الذي ينتهك، لمجرد وجوده، حقوق الإنسان ويهدد الأقليات في وجودها وعقيدتها، ولا وسيلة لاتقاء شره سوى وضعه في زجاجة وإغلاقها عليه. بذلك يضمن كل إنسان، الإنسان الحقيقي، حياته وحرياته ويعيش بأمان. ومثل هذا المنطق هو ما لا تكف أجهزة الإعلام السورية التابعة للنظام عن تكراره وتكريسه في أذهان أنصارها وتابعيها.

النتيجة الأخطر لهذا المنطق الذي يقوم على تشريع العنصرية واحتقار الفئة الخاضعة للسيطرة والمستعبدة، أو المحولة بالفعل وليس بالمجاز إلى عبيد، والتي تفسر ما يقوم به السيد من قتل وتعذيب وتشريد، من دون أن يرف له جفن، أو يشعر بأنه يرتكب جريمة، أو يخرق القانون، أو يدوس على حقوق الآخرين الشرعية، هي تخدير الضمير، أو قتل الإحساس والشعور الأخلاقي تماماً. وربما كان أفضل تعبير عن شلل الوعي الأخلاقي أو تحييد الضمير ما كتبه بعض المثقفين الإسرائيليين عندما اتهموا أطفال الحجارة في أول انتفاضة فلسطينية بأنهم هم المجرمون الحقيقيون لأنهم ورطوا بانتفاضتهم جنود إسرائيل "الذين لا يقلون عنهم براءة"، في كسر عظامهم وأجبروهم، دفاعاً عن أنفسهم، إلى إطلاق الرصاص عليهم. وليس من الصدفة أن كلمة صراصير وحثالة ومخربين وغيرها هي من التراث المشترك لدعاية الإسرائيليين التي واجهوا بها الفلسطينيين لإنكار شرعية قضيتهم ولأجهزة إعلام النظام السوري في مواجهتهم للمحتجين السلميين السوريين أيضاً، وكان القذافي قد اختار كلمة الجرذان ليعبر عن الاحتقار ذاته الذي كان يكنه لمحتجي ليبيا وشعبها المطالب بالتغيير والحرية.

=================

الصحافة التركية والدرس الليبي : النجاح لسوريا من دون تدخل خارجي

محمد نور الدين

السفير

24-8-2011

شكلت ليبيا الامتحان الأكثر إرباكا لتركيا قبل أن يتحول الموقف التركي بعد الضغوط الأطلسية، وتأخذ أنقرة موقفا إلى جانب الحلف المذكور، وتشارك حتى بعملياته العسكرية.

ومنذ ذلك التحول والدبلوماسية التركية تأخذ زمام المبادرة في احتضان المعارضة الليبية أكثر من مرة على أراضيها سوف تتوج أنقرة صورتها باجتماع مجموعة الاتصال الليبية غدا الخميس في اسطنبول.

ومن بين جميع التعليقات الغربية على نهاية حكم الرئيس معمر القذافي كان تعليق وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو الأكثر «دلالة» سياسيا لجهة القول إن سقوط القذافي يجب أن يكون درسا لجميع قادة الشرق الأوسط.

بالطبع ليس التصريح التركي موجها إلى أية دولة أخرى في المنطقة سوى سوريا، وهو ما عكسته جميع الصحف التركية في تعليقاتها أمس، في إشارة إلى أن الحدث الليبي سيمنح القوى التي واجهت مأزقا في الأسابيع الأخيرة تجاه الوضع في سوريا تشجيعا للمضي في خططها للإطاحة بالنظام السوري. وجاء تعليق داود اوغلو الأكثر مباشرة كما لو أن تركيا تشحن نفسها من جديد من أجل استمرار خطة إسقاط النظام التي تحدث عنها الرئيس السوري بشار الأسد في مقابلته التلفزيونية الأخيرة.

صحيفة «راديكال» كتبت أن تصريح داود اوغلو جاء وفقا للمثل الشائع» اسمعي يا ابنتي لتفهمي يا كنّتي». والكنّة هنا هي الأسد. وتقول الصحيفة، في مقالة لمراد يتكين، ان تركيا تحذر منذ أسابيع الأسد كي لا يكون مصيره مثل مصير الرئيس العراقي الراحل صدام حسين أو معمر القذافي. القذافي لم يأخذ درسا من صدام والأسد لا يبدو، من خلال المقابلة التلفزيونية، انه سيأخذ درسا من القذافي.

وقالت إن الأسد الذي أعلن انه لا يفهم تركيا في اتهامه لها بازدواجية المعايير لا يدرك أن أنقرة تتحرك لتحمي مصالحها في ليبيا وسوريا تبعا للظروف المتحولة. ويتساءل يتكين «هل يمكن لسوريا أن تتصرف كما لو أن شيئا بعد ليبيا لن يتغير؟ وهل يمكن أن تنقذ نفسها من دون الاصطدام بالصخور؟». وأضاف إن العناد الذي لم ينقذ القذافي يصعّب أكثر موقع الأسد.

وفي صحيفة «ميللييت» كتب فكرت بيلا قائلا إن روح العصر لا يمكن أن تتحمل وجود أنظمة دكتاتورية، وهذا بدأ منذ تفكك الاتحاد السوفياتي، ومع ذلك فإن لسياسات الغرب المزدوجة دورا كبيرا في إطالة عمر الدكتاتوريات.

ويضيف بيلا «إن الوصول إلى الديموقراطية والحرية مسار ليس سهلا، وان تركيا مرت بمثل هذا المسار الصعب على امتداد 80 عاما. وهي عملت دائما على الوقوف على قدميها بعد كل خضة كانت تواجهها. لكنه كان هدفا يستحق الثمن الذي دفعته طوال هذه السنوات. وفي توجهها الى هذا الهدف كانت تسقط في أوضاع سيئة، لكنها كانت في كل مرة تنجح في الوقوف على قدميها».

وكتب ديريا سازاق في الصحيفة نفسها عن «دروس» سقوط القذافي، فقال إن ما يجري في المنطقة الممتدة من شمال أفريقيا إلى الشرق الأوسط ينسجم مع الاستراتيجية التي وضعت بعد 11 أيلول من جانب الولايات المتحدة. سقط صدام عام 2003 وسقط (الرئيس المصري حسني) مبارك واليوم يسقط القذافي، ومن المحتمل أن يأتي الدور على سوريا. وكما دعا (الرئيس الأميركي) باراك أوباما مبارك والقذافي إلى التنحي، دعا مؤخرا الأسد للرحيل، وربما جاء دور إيران بسبب برنامجها النووي.

وقال سازاق انه في هذه المرحلة هناك الكثير من الدروس التي يمكن الاستفادة منها من التجربة التركية على الصعيد الديموقراطي. وانتهى إلى القول «إن سوريا يجب أن تنجح في العبور بهذه المرحلة (إلى الديموقراطية) من دون تدخل خارجي».

وفي صحيفة «يني شفق» كتب ابراهيم قره غول متسائلا عما اذا كان الدور بعد القذافي سيكون على الأسد. وقال «إن سقوط القذافي سيشجع حلف شمال الأطلسي وفرنسا على تطبيق النموذج الليبي على سوريا، لكنه سيكون مختلفا كما عن مصر وتونس كذلك عن ليبيا نفسها. ستكون المرحلة مع سوريا أكثر صعوبة وأطول وأكثر تدميرا وانعكاساتها الإقليمية اكبر بكثير».

=================

وسقط الثالث.. فهل يتعظ الباقون ؟

فؤاد حسين

hussein.fuad@gmail.com

الرأي الاردنية

24-8-2011

سقوط نظام القذافي لم يكن مفاجئا البتة، فهي صيرورة التاريخ، فحركة الشعوب دائما هي الغالبة، والشعوب أطول نفسا من الأنظمة، وعلى إستعداد أكبر لدفع التضحيات، كونها تملك فطريا بوصلة الإرتقاء والإنعتاق. لكن مكابرة القذافي ونظامه الذي لا يرى في شعبه أكثر من جرذان وقائمة الشتائم التي تطول، أعمت بصيرتهم عن الحقيقة، لدرجة أن القذافي بقي يعتقد حتى اللحظات الأخيرة أن القبائل على إستعداد للموت في سبيل أن يبقى على كرسيه حتى الممات، فبعث برسالة تلو الأخرى يستصرخها القدوم الى طرابلس وقتال المنتفضين على حكمه، لكن هيهات أن يستجيب عاقل لنداء اللحظة الأخيرة ويموت في سبيل كرسي يتهاوى أذاق شعبه ويلات وويلات.

بعد زين العابدين ومبارك، ها هو القذافي يرحل غير مأسوف عليه، لكن المشكلة في من تبقى من حكام العرب، ممن يكابرون أن نسمات الربيع سوف تجتازهم الى غيرهم، ولا يريدون أن يعوا أن رياح التغيير ما أن تقف على عتبات أحد تتسمر عنده الى أن تقتلعه، مهما تفذلك في إختلاق الروايات والتبريرات، فقد سبق لمبارك أن إستخدم فزاعة الإسلاميين، والقذافي فزاعة القاعدة، لكن لم يجد ذلك نفعا، فلم تتزحزح الشعوب عن مطالبها قيد أنملة قبل أن تحقق أهدافها، وهي تعي بأنها ستدفع ثمنا باهظا، لأنها تدرك مسبقا أن حروف التاريخ مزورة حين تكون بلا دماء.

إنه زمن الشعوب وفرض إراداتها، فلا يمكن التحايل على مطالبها، فقد سئمت الشعوب سياسة الوصايات ومصادرة الإرادات ونهب الثروات، وعقدت العزم على أخذ الزمام بيدها، ولم يعد يرهبها الرصاص ولا الدبابات، والفتات الذي يتصدق به بعض الحكام ويلقونه اليهم بين الحين والأخر، فكسرة الخبز التي تلقى اليها على قارعة التاريخ، لم تعد تسمن عن مستقبل، ولم تعد تنطلي عليها أية حلول ترقيعية، فقد عزمت على تغيير أحوالها ولمرة واحدة مهما طال الجلوس في الشوارع والساحات، ومهما سقط من شهداء، فهم كأشقائهم الليبيين مصممون على النصر متمسكون بشعارهم الذي أشهره أجدادهم في وجه الإستعمار المباشر: لا نستسلم، نموت أو ننتصر. إذا هي معركة وجود وبقاء، وعلى بعض حكام العرب أن يدركوا ذلك، فيريحوا ويستريحوا ويستجيبوا لشعوبهم قبل أن تغلى الأثمان ويصبح حينها الإصلاح عسيرا، والتغيير هو الحل.

لقد نضجت ثمرات ثورات عربية ثلاث، والبقية المتقدة تنتظر الحزم، والبقية الباقية من بلدان عربية أخرى سيتصاعد سعير الحراك في شوارعها لتلكؤ حكامها في الإستجابة لمطالب شعوبهم، في محاولة لشراء الوقت ظانين أن الخريف سيعصف بورقات الأشجار التي نبتت، وبزهور الربيع التي تفتحت، متعامين أن الزهور قد إستوت على سوقها، وستطرح ثمرها مهما كانت شمس الصيف لاهبة ورياح الشتاء عاتية، فلم يسجل التاريخ البتة أن ثورة شعبية خبت، وأن حاكما إنتصر على شعبه وقهره، فوقت الفهلوة قد إنقضى وشبت الشعوب عن الطوق وآن للحكام أن ينصاعوا لشعوبهم أو يرحلوا.

=================

النظام السوري إذ يسلم نفسه ضحية لمكر التاريخ

فراس قصاص

القدس العربي

 24-8-2011

لعل التعقيد الذي أصاب مسار الأحداث في سورية ، و ارتفاع منسوب العنف فيها إلى حدود غير مسبوقة في الأيام الأخيرة ، يظهر بوضوح الثقة المطلقة التي يخلعها النظام السوري على القمع بوصفه أداة مركزية في تعاطيه مع المجتمع السوري و معالجته لشؤونه. إصرار ذلك النظام على اللجوء إلى ضخ المزيد من جرعات العنف في مواجهة الاحتجاجات السورية السلمية و ارتفاع أعداد الضحايا الذين يسقطون جراء ذلك ،يكشف أنه لم يكن في وارد فقدانه الثقة بالبطش و إرهاب الناس و قمعهم ، و ذلك رغم فشل الحل القمعي في منع الاحتجاجات من الاتساع و من تغطيتها لمناطق و مدن جديدة يوما بعد يوم .

فدوام تربع النظام السوري على عرش السلطة في سورية لمدة تزيد عن أربعين عاما عبر توسله الغلبة و القمع وحدهما مصدرا للشرعية التي يتمتع بها ، شرعية الأمر الواقع ،و إزمان الصبغة التي تعودها و اعتمدها للعلاقة بين السلطة و المجتمع في سورية ، حالا دون أن يعي التقلص الحاد الذي تعرضت له شرعية الأنظمة السياسية القائمة على العنف و القمع، ليس فقط في حقل القيم والأعراف السياسية التي سادت بعد انهيار المنظومة الاشتراكية و إنما في قدرة هذه الأنظمة تاليا على الاستمرار في الواقع الموضوعي الذي ضعفت فيه فعالية وسائل العنف و القهر أسلوبا لتكريس السلطة و الهيمنة ، سيما و قد تغيرت الإحداثيات العلائقية و التواصلية و الرغائبية للإنسان في كل المجتمعات الإنسانية بسبب التقدم التقني الذي حول العالم إلى قرية صغيرة و منح المعلومة قدرة سحرية تعبر فيها كل الحدود في لحظات ولادتها الأولى . كل ذلك سلب العنف في هذا النوع من الاستخدام جدواه التي كانت إلى حد قريب شبه مطلقة ، هذا إن لم يجعل له آثارا ترتد على من يلجأ إليه وبالا و ارتكاسا .

لهذا تميل هذه الأسطر إلى القول بأن التطورات الأخيرة التي تمثلت باقتحام الجيش الخاضع للنظام السوري و معه أجهزة الأمن و الجماعات المسلحة التي يطلق عليها اسم )الشبيحة( لمدينتي حماه و دير الزور و لريف ادلب و منطقة الحولة و معرة النعمان و اللاذقية ،إنما أدخلت الانتفاضة السلمية في سورية مرحلة جديدة ، مرحلة متقدمة على المسار الواثق و الهادف إلى إسقاط الاستبداد و القضاء نهائيا على تسيده للحال السوري . لقد أسهم قتل النظام السوري للمئات و جرحه و اعتقاله للآلاف أثناء عملياته تلك و خلال أيام قليلة في إثارة ردود أفعال عربية و إقليمية و دولية غاضبة و منددة ، دفعت مجلس الأمن بعد امتناع صمد عدة أشهر، بسبب من الموقف الروسي و الصيني ، إلى تبني قرار يدين فيه النظام السوري و يدعوه إلى الكف عن اللجوء إلى العنف ضد المتظاهرين في سورية . الموقف العربي بدءا من الجامعة العربية التي طال صمتها و صولا إلى دول مجلس التعاون الخليجي بدأ في التغير إن لم يكن في الانعطاف ، و الأهم من ذلك كله هو الغضب الشعبي السوري الذي بات قريبا من الانفجار في المدن الرئيسية التي لم تشهد كثافة في حركة الاحتجاجات ، و الذي إن حصل و تدل كل المؤشرات أنه قريب الحصول سيزيد من إحكام الخناق على النظام في سورية و يجعله في مواجهة الانهيار الحتمي و التفكك .و كأن النظام السوري يسلم نفسه ضحية جديدة لمكر التاريخ .

مكر التاريخ مقولة هيغلية تعتبر احد آليات الوصول الحتمي للتاريخ إلى نهايته وفقا لهيغل الفيلسوف المثالي الألماني الأشهر ، يتوافق حصولها حينما يرى بعض الفاعلين السائدين في واقع ما أن الحفاظ على هذا الواقع و تعطيل حركة التاريخ يتطلب معالجة على نحو محدد ، لكن الذي يحصل عند تطبيق هذه المعالجة هو سير في الاتجاه المعاكس لما أريد لها ، أي أنها تفيد بدلا من المحافظة على الواقع التسريع في تجاوزه وصولا إلى نهاية التاريخ ، والتي تتمثل بحسب هيغل في الدولة الليبرالية الديمقراطية.فما يحدث في هذه الحالة أن التاريخ (المطلق) يضلل ( بمكره الذي يخفي حتميته ) من يريد أن يعيق حركته ، ليستخدمه أداة تسرع من تحقيقه إرادته في الوصول إلى نهايته . ما يقدم النظام السوري عليه منذ بداية الاحتجاجات السورية ثم على وجه الخصوص في الأيام الأخيرة يجد تجسيدا و تمثيلا له في المقولة السابقة . فما الذي أفاد النظام السوري لجوءه إلى القمع منذ بداية الانتفاضة الشعبية في سورية ؟ و ما الذي أدى إليه رفعه لوتيرة قمعه وبالتالي زيادة الضحايا من الأبرياء المدنيين جراء ذلك ؟ ، ما الذي أضافه إصرار النظام على المعالجة الأمنية العنفية إلى وضعه الحالي سوى تسجيله للمزيد من الغضب و النقمة الشعبية السورية ضده ، و الدفع بنفسه أكثر فأكثر ليكون تحت ضغط عربي و إقليمي و دولي يبدأ عزلة و لا يعرف كيف ينتهي و إلى أين يؤول. هل يعني ذلك إلا استعجالا من النظام على مصيره المأساوي ، و ذهابه ضحية لمكر التاريخ الذي تحركت إرادته في سورية و المنطقة .

=================

هل دقت ساعة رحيل الاسد؟

سمير الحجاوي

2011-08-23

القدس العربي

 انتقل نظام بشار الأسد في سورية من 'مغامرة الحسم إلى مقامرة الدم' بتغليبه الحل العسكري الدموي ضد الإرادة الشعبية المصممة على إسقاط نظامه، ودخل إلى المرحلة النهائية متخطيا المغامرة محسوبة المخاطر إلى المقامرة الاقصائية التي يعبر عنها الشعار 'الأسد أو لا احد'، مما افقد نظام البعث السوري الشرعية، التي لا يمتلكها أصلا، وادخله في حالة من الموت

السياسي، عبر عنه رئيس الوزراء التركي رجب اردوغان بقوله انه وجه للأسد رسالة قوية

دعاه فيها الى 'الكف عن إراقة الدماء الناجم عن عملية القمع الوحشية للاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية.'

وذهبت مجموعة الأزمات الدولية إلى التأكيد ان النظام السوري 'وصل في أعمال العنف إلى مستوى يجعل من الصعب على أي طرف أن يبقى صامتا حيال ما يجري وان العالم بدأ يشعر باليأس من هذا النظام'، ووافقه على ذلك مدير معهد كارنيجي لدراسات الشرق الأوسط بول سالم الذي رأى نظام الأسد يترنح وانه 'نظام سيسقط، ولكن يصعب التكهن متى وكيف'، وهذا يعني أن 'الفرص بدأت تتضاءل أمام نظام الأسد.. وان الوضع يتجه نحو انهيار دراماتيكي، من الصعب معرفة توقيته وظروفه'، وان لحظة الانهيار هذه قد تأتي في أي لحظة، ولم يستبعد بول سالم' انقلاب مؤيدي النظام السوري في الداخل عليه مما قد يشكل نقطة التحول في مسار الأحداث'. وان'العلويين والجيش والأجهزة الأمنية وتجار دمشق وحلب' سيكون لهم دور حاسم في مسار الأحداث. صحيح أن النظام السوري يعاني من عزلة دولية تزداد يوما بعد يوم مع ازدياد الضغوط من كل حدب وصوب، حتى من اقرب حلفائه مثل روسيا، إلا انه لا يظهر أي تراجع في موقفه فقد أعلن الأسد بعد اجتماعه بوزير الخارجية التركي 'انه لن يتهاون بملاحقة المجموعات الإرهابية المسلحة'.

وهو بهذا يختار الحل العسكري المسربل بالدم والقتل ويدير ظهره للعالم ويرفض مطالب وقف

آلة القتل التي تحصد المدنيين. ولا يظهر أي بادرة تدل على التخلي عن الحكم وإفساح المجال للشعب السوري ليقرر من يحكمه، لكن هذا الصمود في وجه الضغوط تعتريه عوامل ضعف كثيرة بدأت تظهر على بنية النظام مثل تغيير وزير الدفاع والتجييش الطائفي والتوسع في استخدام مليشيات الشبيحة.

ولكن كم يستطيع النظام السوري أن يصمد في مواجهة المد الشعبي؟ وهل يستطيع الجيش البقاء في حالة استنفار دائم؟ وهل يستطيع الاقتصاد السوري تحمل استمرار هذا الوضع؟

المؤكد هو أن النظام البعثي لن يستطيع تحمل حالة الشلل للاقتصاد السوري، مما يعني انضمام شرائح جديدة من 'المحايدين' للاحتجاجات وفي مقدمتهم التجار في دمشق وحلب، الذين يستطيعون إحداث نوع من التحول الحقيقي في ميزان القوى ضد النظام.

في مقابل شعار 'الأسد أو لا احد'، يرفع الشعب السوري شعار 'الشعب يريد إسقاط النظام'، فالسوريون يريدون رحيل هذا النظام وقد يكون هذا الرحيل انهيارا مفاجئا وسريعا قد يؤدي لدخول سورية في نفق مظلم، كما يمكن أن يكون حلا متدرجا يبدأ من وقف الة القتل العسكرية الدموية للنظام وسحب الدبابات من المدن ورفع الحصار عنها والإفراج عن كل المعتقلين السياسيين وإقالة الحكومة وحل البرلمان وإلغاء المادة الثامنة من الدستور وتشكيل حكومة وحدة وطنية من جميع القوى السياسية تشرف على تشكيل هيئة تأسيسية لوضع دستور مؤقت وقانونين مؤقتين للأحزاب والانتخاب لانتخاب برلمان جديد، ومن ثم تشكيل حكومة منتخبة تشرف على إعداد دستور دائم وقوانين دائمة وبناء مؤسسات جديدة هذا هو السبيل الوحيد لإنقاذ سورية من الحرب الأهلية والفوضى، فسورية وصلت مرحلة اللاعودة كما قال وزير الخارجية المصري، 'والحكومة التركية ستراقب الأحداث في سورية على مدى الأيام القادمة'. كما قال وزير الخارجية التركي داود أوغلو الذي تأمل بلاده بانتقال سلمي للسلطة في سورية يؤدي إلى ان يقرر الشعب السوري مصيره بنفسه، إلا أن الإدارة الأمريكية ترى أن الأسد 'لا يبدو انه يستمع لصوت المجتمع الدولي الذي يزداد علوا'.. ويبقى القول ساعة الرحيل دقت وان نظام الأسد راحل لا محالة ولكن هذا الرحيل يمكن ان يكون مكلفا جدا' الخسائر المادية والبشرية والدم والأرواح إذا بقي مصرا على التمسك بحكم السوريين رغم رفضهم لحكمه.

=================

مسؤولية الغرب عن استمرار الأنظمة القمعية

الاربعاء, 24 أغسطس 2011

رندة تقي الدين

الحياة

إن سياسة الدول الغربية، وفي طليعتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، تتحمل مسؤولية كبرى عن بقاء أنظمة ديكتاتورية قمعية في المنطقة العربية لعقود طويلة، فالآن نسمع الرؤساء الغربيين، من باراك اوباما إلى نيكولا ساركوزي الى ديفيد كامرون وأنغيلا ميركل، يعبرون عن ارتياحهم لسقوط نظام القذافي او يطالبون برحيل الرئيس السوري ويسرعون لمساعدة شعبي مصر وتونس. ولا يمكن المواطنَ العربي الا ان يرحب بتغيير سياسة الغرب ازاء الديكتاتوريات القمعية، ولكن التساؤل عن مسؤولية هذه الدول عن بقاء هؤلاء في سدة الرئاسة في دولهم واستمرارهم في القمع والفساد وتواطؤ الغرب مع هذا الفساد هو امر ضروري ومشروع للمستقبل، فمثلاً المراقب لسياسة الرؤساء الفرنسيين في العهود المتتالية، من ميتران الى شيراك وساركوزي، قد يتساءل عن شيزوفرينية السياسة الفرنسية، فمن يصدق ان القذافي، المطارد اليوم مثل الجراذين التي يتحدث عنها، كان ضيف ساركوزي في ٢٠٠٧، ونصبت له خيمة في قصر الجمهورية التاريخي، واستقبل بحفاوة لا مثيل لها، رغم الجرائم التي ارتكبها ليس فقط تجاه شعبه وبلده، بل أيضاً إزاء فرنسا والشعب الفرنسي، حيث فجر طائرة تقل فرنسيين مدنيين. ان استقبال القذافي لم يقتصر على فرنسا، بل كان توني بلير في بريطانيا أيضاً رائداً في الانفتاح على القذافي والاسراع في الحصول على عقود وما الى ذلك من مكاسب مالية. اما بن علي، فهو أيضاً كان ضيفاً على ساركوزي في ايلول (سبتمبر) ١٩٨٨ في عشاء رئاسي، وساركوزي زاره في السنة نفسها، حتى إن ذنب فرنسا عن هذا الماضي القريب جعل موقع الرئاسة الفرنسية يخفي اي صورة لساركوزي مع بن علي او القذافي، في حين انه لم يتمكن من اخفاء صور مشتركة لمبارك والاسد مع ساركوزي، فمبارك زار ساركوزي اكثر من ست مرات، أما بشار الأسد، فكان ضيفاً وموضوع حفاوة فرنسية مراراً، حتى قبل اشهر قليلة مضت، في اواخر ٢٠١٠، فالتغيير الذي حصل في السياسات الغربية كان لا شك نتيجة الثورات الشعبية التي كانت هذه الانظمة اخمدتها بالتواطؤ مع الغرب. اما أما وقد اقر وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه في خطابه التاريخي في يوم الربيع العربي في «معهد العالم العربي» ان فرنسا سكتت عن ممارسات هذه الأنظمة في الماضي في سبيل الاستقرار، على ما كان تصورهم، وان فرنسا وحلفاءها اصبحوا الى جانب الشعوب العربية، فعلى الغرب الآن ان يكف عن بناء مصالحه على تقاسم ثروات الدول مع الانظمة التي ستقوم بعد هذه الثورات، وان يكون فعلاً صادقاً في وقوفه الى جانب هذه الشعوب، بمساعدتها على بناء ديموقراطيات فعلية، وعلى فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة ان تكون حذرة جداً في تعاملها مع المجلس الانتقالي الليبي، كي يكون فعلاً، لا قولاً فقط، ممثلاً لجميع اطياف البلد، وألاّ تصبح الشخصيات المسؤولة فيه موضعَ دعم من دون مساءلة شعبية حقيقية في ليبيا، فصحيح أن الشخصيات التي تكوِّن هذا المجلس جديرة بالاحترام ولكن السلطة ينبغي ان تأتي من الشعب، وأن تكون هذه الشخصيات مسؤولة امامه.

اما بالنسبة الى الثورة السورية ودعم المعارضة الشعبية، فمسؤولية الغرب كبيرة هنا أيضاً، فهو قد غضّ الطرف طويلاً عن كل القمع والبطش الذي قام به النظام السوري في بلده سورية وفي لبنان، وهو اليوم مسؤول عن مساعدة ابناء الشعب السوري الذين يتطلعون الى الحرية والحياة الكريمة. لقد ولت ايام تبادل كلمات الودّ بين الانظمة الدكتاتورية، كما كانت في تونس او دمشق او ليبيا، وبين ديموقراطيات الغرب، وينبغي ان تُستبدل ببناء علاقات صادقة ليست مبنية على الفساد والكذب والنفاق، فهذه تكون الثورة الحقيقية في سياسة الدول. الا اننا، لسوء الحظ، مازلنا بعيدين كل البعد عنها، فعندما نرى تعاطي الغرب مع بعض الدول الافريقية نرى ان الانتقال الى مرحلة العلاقات الصادقة بين الغرب والدكتاتوريات الافريقية لم يتم، وربما لن يحدث. ان وصف القذافي وابنه سيف، أو الأسد و «معلم» دبلوماسيته، لثورات شعوبهم بأنها مؤمرات، هي حجج عقيمة عززها دعم غربي في الماضي القريب جعل هؤلاء الحكام لا يصدقون ان هذا الغرب نفسه الذي كان مغرماً بهم تخلى عنهم بهذه السرعة.

=================

انقلاب عسكري في سورية!

الغد الاردنية

جلال الخوالدة

نشر : 24/08/2011

لا شك أن الولايات المتحدة الأميركية، وفي الأيام واللحظات القليلة التي سبقت سقوط نظام مبارك، وباستخدام وسائل الترغيب والإغواء المتمثلة بالتذكير بما يتلقاه الجيش المصري من دعم أميركي مباشر، وكذلك لضيق الوقت، قد حاولت أن تضع أنفها في ذلك المربع الخطر؛ وأجرت مجموعات كبيرة من الاتصالات والاجتماعات لتفهم التوجه العام للمجلس العسكري المصري، وما ستؤول إليه الأمور بعد رحيل مبارك. وعندها فقط، أعلن الرئيس أوباما أن على مبارك نقل السلطة والرحيل. وكانت الاستخبارات الأميركية قد توقعت توفر خيار الانقلاب العسكري الناعم وتسلم الجيش السلطة، واعتباره الخيار الأكثر جموحا في ذلك الوقت، كما ذكر أحد المواقع الاستخبارية الأميركية الذي نشر تحليلا يؤكد فيه تلك التوقعات.

الأحداث الساخنة في سورية، وكما أيقظت المئات من عملاء الاستخبارات العالمية للوقوف على أي تطور يمكن أن يؤسس لحدث جلل طارئ، لتقديم التوقعات والتقارير لصنّاع القرار السياسي، فلا شك أنها حرّكت أيضا جحافل الاستخبارات الأميركية التي تعرّضت للتقريع الشديد يوم سقوط نظام زين العابدين بن علي المفاجئ بسبب غفلتهم عن تقديم أي تصورات لتصاعد الثورة التونسية لتصل مرحلة تغيير النظام كليا، في زمن قياسي.

بالنسبة لسورية، فليس هناك كثير ممن يجادلون أن الاستخبارات الأميركية، وكذلك الإدارة السياسية، ميالة لتطبيق النموذج المصري. وقد يرى البعض أنها قد بدأت فعلا بعض المحاولات، لكنها تواجه عقبات منها أن أميركا لا تقدم دعما ماليا للجيش السوري، وكذلك لا يرتبط كبار ضباط الجيش السوري بأي علاقات رفيعة مع القادة العسكريين الأميركيين. يقول محللون إن القيادة المصغرة هناك محكمة الإغلاق، وكل من يدور في حلقاتها لم يتخرج من مدارس المرجعية العسكرية الأميركية، وليس من السهولة بمكان أن تُقدم الاستخبارات الأميركية على حماقة الإغواء المباشر لبعض الضباط "المهمين"، في الدائرة الأكبر قليلا، أولئك الذين "يبلعون" بصمت انجراف النظام السوري نحو الهاوية. وقد لا تستطيع أيضا شراء بعض الضمائر كما فعلت في العراق العام 2003، مع أن الاستخبارات الأميركية، كما يرى المتخصصون، تفضل انقلاباً عسكرياً هادئاً في سورية، وترجحه على أي خيار آخر، والذي يضمن نقل السلطة إلى مجلس عسكري مقبول لدى الشارع ثم التدرج مع حكومة مؤقتة تؤسس للديمقراطية بدون تدخل عسكري غربي. وقد يكون السبب بعض التقارير التي ترفض تكرار ما حدث في ليبيا، وتحذر وتنبه صناع القرار السياسي من التجمهر والتخبط من خلال "الناتو"، واكتساب أعداء جدد هم بأمس الحاجة إلى النظر إليهم كأصدقاء في المرحلة الحالية.

لكن الرئيس الأميركي أوباما ظهر مؤخرا، وبصورة مفاجئة، يطالب الرئيس السوري بالرحيل! فما الذي يحدث فعلا؟ هل جرى الترتيب لانقلاب عسكري في سورية وهم بانتظار ساعة الصفر الآن، أم أن المسألة لا تعدو كونها "تكتيكا" سياسيا لترفع أميركا صوتها فوق الصوت التركي والسعودي والأوروبي، وفوق صوت الثورة، لتثبت أنها موجودة فقط، وهل يُحتمل أن تترك الاستخبارات الأميركية نفسها في وضع "التقريع" و"الترقيع" مرة أخرى؟

قبل شهور، ومع انطلاقة الثورة السورية، قلنا إن آخر فرصة لدى النظام السوري تكمن في التحرك فورا لاعتقال رموز القتل والفساد وفتح صفحة جديدة ديمقراطية مع الشعب، وقلنا للثوار إنهم بحاجة ماسة إلى "الإجماع" و"العاصمة" و"الجيش". وبما أن الرئيس السوري لم يستمع لكثير النصح الذي تلقاه في البدايات، وأصبح يتلذذ بسفك دماء الأبرياء، ووقع في الخطيئة التي لن تغتفر، فإن الثوار والمعارضين في الداخل وفي الخارج مطالبون بتوحيد جهودهم وقيادتهم لكسب العاصمة واستمالة ضباط الجيش، ووضع مخطط لمرحلة ما بعد سقوط النظام، وقبل أن تضع الولايات المتحدة يدها على الثورة وتنسبها لنفسها، كما يروج بعض الحمقى الآن عن الثورات العربية الأخرى.

=================

تركيا: ورطة الشراكة مع الأسد

سمي مسالمة

الشرق الاوسط

24-8-2011

الكثير من العواصم والقيادات تنتظر أن تحسم أنقرة أمرها في الموضوع السوري؛ فالموقف التركي هذا يزعج البعض ويقلق البعض الآخر. وما بين أيدينا من خلاصة يقول إن طوق النجاة الذي حمله داود أوغلو إلى دمشق كان يهدف لإنقاذ أنقرة من ورطتها قبل أن يهدف لإنقاذ سوريا نفسها.

خارطة الطريق التركية التي تم إقرارها مؤخرا في اجتماع مجلس الأمن القومي المطول حول خطوات وأساليب التعامل مع الأزمة السورية تعكس مرة أخرى حقيقة الورطة التركية وحجم المأزق الكبير والثمن الذي قد يدفع باهظا عند ارتكاب أقل هفوة في التعامل مع هذا الملف.

هذا ما تقوله حكومة أردوغان منذ البداية، وهذا ما يدفعها إلى التردد والحذر وحساب ارتدادات كل خطوة عند الحديث عن الأزمة السورية، فما يجري له علاقة بانهيار سلم الصعود التركي الإقليمي الذي بني مؤخرا مدعوما بأحجار تصفير المشكلات وسط معادلات شائكة ومعقدة في حقل الألغام هذا.

تركيا تعرف أن الرئيس الأسد بسبب تصلبه وتعنته ومناورته الالتفافية على مطالبها يريدها أن تكون إلى جانبه في الأفراح والأحزان وأن تدفع الثمن هي الأخرى حتى ولو كان ذلك على حساب مصداقيتها الإقليمية والدولية التي بنتها بصبر وتأن في السنوات الأخيرة.

تركيا قلقة من الورقة الإيرانية وانعكاساتها السلبية عليها التي ستكون مكلفة تجاريا وماليا واستراتيجيا، خصوصا إذا ما قبلت، كما يريد البعض، أن تتحول إلى رأس حربة في الحملة ضد النظام السوري دون أن تتضح لها حسابات الربح والخسارة، فتترك وحيدة في مواجهة العواصف تفقد موقعها ودورها الإقليمي الذي وفره لها حزب العدالة والتنمية بعد عقود طويلة من الإبعاد والتهميش.

تركيا تردد أن إبعاد الأسد دون توفير البدائل للشعب السوري لن يعني ترك سوريا وحدها في الفراغ والمجهول؛ بل إقحامها هي أيضا في هذه الورطة كما حدث قبل سنوات في العراق ففرض عليها الجلوس دائما على فوهة البركان الجاهز للانفجار.

لكن البعض يرى أن أردوغان يتحمل مسؤولية خيار الانفتاح الواسع على الرئيس السوري كونه يعرف أكثر من غيره الحساسيات والتعقيدات السورية الداخلية.. هو يعرف نوعية الصداقات التي بناها الرئيس الأسد، لكنه يعرف أيضا حجم العداوات التي تحيط به داخليا وخارجيا.

المأخذ الأول على حكومة «العدالة والتنمية» هو أنها تحاول القفز إلى الأمام عبر مناورة «لا تفنى الغنم ولا يموت الذئب» متجاهلة عدد الحفر والعوائق والمطبات المتزايدة في طريقها التي تلزمها أن تحدد مكانها في أزمة لم تتأخر الكثير من العواصم العربية والإسلامية أن تحسم أمرها بشأنها.

المأخذ الآخر على أنقرة هو أنها تريد أن تكون جزءا من المجتمع الدولي وقراراته حيال الموضوع السوري، لكنها لا تريد أن تشارك في أية عمليات عسكرية ضد الجار السوري إذا ما تدهورت الأمور ووصلت إلى خط اللاعودة.. هي تريد تكرار التجربة العراقية بوقوفها على الحياد كما حدث عام 2003 وكسب تقدير وإعجاب الرأي العام الدولي، لكنها لا تريد أن تتدهور علاقاتها مع حلفائها الغربيين.. تريد أن تحمي علاقاتها الإقليمية مع شركاء سوريا الذين هم بين شركائها وحلفائها إلى حد ما، لكنها تريد في الوقت نفسه أن تصان حقوقها وتحمى حصتها تماما كما فعلت عام 1939 عندما حققت ما تريده في مسألة مستقبل ومصير لواء الإسكندرون من خلال مناورة سياسية يشهد لها.

البعض قد يكون على حق وهو يطالب أنقرة بعدم المماطلة ومنح الأسد ونظامه المزيد من الوقت والفرص، ويدعوها للمسارعة في حجز بطاقة قطار تحرير الشعب السوري، لكن ما يرفض قبوله هؤلاء أن الثمن الذي ستدفعه تركيا سيكون مكلفا بالمقارنة مع ما سيقدمه الآخرون بسبب موقعها ودورها وشبكة العلاقات المتداخلة التي بنتها مع شركاء وحلفاء محليين وإقليميين.

تركيا قلقة من مرحلة ما بعد الأسد كونها هي التي ستتحمل العبء الأكبر؛ فحملة الإطاحة بالنظام السوري تختلف بالمقياس التركي عن حملات إسقاط بن علي ومبارك والقذافي، فتركيا في السنوات الأخيرة وسعت من علاقاتها الاقتصادية والسياسية والأمنية مع سوريا ولم تكن في أزمة معها كما هي حال الكثير من العواصم العربية والغربية، هذا إذا لم نتوقف مطولا عند الخدمات المتبادلة المقدمة بين دمشق وأنقرة عربيا وإقليميا ودوليا.

هل ينتشلها رهانها على المعارضة السورية من هذا المأزق كما حدث في ليبيا عندما تخلت عن العقيد القذافي في اللحظة الأخيرة وفتحت الأبواب على وسعها أمام المعارضة الليبية وأقطابها؟

إنقاذ الأسد وإرضاء المعارضة في الوقت نفسه معادلة ليست بمثل هذه السهولة بعد هذه الساعة، وخيارات وفرص أردوغان تتقلص

=================

المعارضة والسلاح!

ميشيل كيلو

الشرق الاوسط

24-8-2011

كرر وزير خارجية روسيا مرات كثيرة خلال الأشهر الخمسة الماضية نصيحتين وجههما إلى المعارضة السورية هما: قبول الحوار مع النظام، والابتعاد عن السلاح.

ومع أن الوزير لم يحدد هوية المعارضة التي يعنيها، وهل هي دينية أم مدنية، فإن كلامه عن ضرورة إشراك المعارضة في الحوار يشير إلى ما يقصده، أي إلى المعارضة العلمانية المدنية، المنضوية في أحزاب وتجمعات سياسية وثقافية يعمل بعضها على الساحة السياسية منذ قرابة قرن.

هذه المعارضة لم يتهمها النظام القائم نفسه في أي يوم باللجوء إلى السلاح، رغم أنه دأب على ملاحقتها وقمعها منذ قرابة نصف قرن. وحتى خلال الأحداث التي تعصف بسوريا منذ نيف وخمسة أشهر، والتي غطت سائر أنحائها: ريفا ومدينة، بدوا وحضرا، فإن أحدا من أهل السلطة لم يتهم هذه المعارضة بحمل السلاح أو بالاقتراب منه، أو حتى بالانخراط في التمرد القائم، وإن كان وزير الخارجية الأستاذ وليد المعلم قد قال كلاما غامضا في مؤتمرين صحافيين، يوحي بأن المعارضة ضالعة في الأحداث وتشجع السلاح، وأنها لا تقبل الحوار بسبب ذلك. وقد لفت الأنظار أن صحافة النظام وإعلامه الرسميين لم يأخذا كلام السيد الوزير على محمل الجد، فبدا وكأنه انضم إلى حملة زميله الروسي السيد لافروف عن المعارضة والسلاح، عسى أن ينجح في أن يخفف ولو قليلا الضغوط الدولية العاصفة على النظام، ويخوف بعض الدول الغربية، التي لطالما أرعبها هو وغيره على امتداد عقود أربعة بفزاعة الأصولية الإسلامية، وها هو يحاول تخويفها بها من جديد، شأنه في ذلك شأن بعض من واجهوا تمرد شعوبهم في ليبيا وتونس ومصر واليمن.

وكان الوزير لافروف قد ربط مرات عديدة المعارضة بالسلاح، حتى صار ادعاؤه خطا ثابتا في سياسة روسيا حيال الأزمة السورية المتمادية، التي لكثرة ما استخدم العنف فيها غدت واحدة من أكثر أزمات العقد الأول من قرننا الحالي إثارة للإدانة والاستنكار، على جميع الأصعدة العربية والإقليمية والدولية، الإسلامية والمسيحية، الشعبية والرسمية، كما استفز الإفراط في استعمال السلاح الدول والشعوب والأمم والمنظمات الدولية المختلفة، دون أن يرى السيد لافروف ذلك أو يتراجع عن اتهام المعارضة باللجوء إلى السلاح، مع أن رئيس دولته السيد ميدفيديف استنكر في تصريحات متعاقبة الشدة التي يتعرض فيها المواطنون للعنف، ووجه إنذارا صريحا إلى المسؤولين في دمشق طالبهم فيها بوقفه فورا، وسحب الجيش من المدن والقرى، التي أرسل إليها.

والغريب أن لافروف بقي مصرا على تمثيل خط آخر في سياسة روسيا يقال إنه خط السيد بوتين، رئيس وزرائها، الذي يبدو أنه لم يسمع بعد بما يقع في سوريا، أو لم ير حاجة إلى أخذ موقف منه، وإنما ترك لافروف يربط بالنيابة عنه المعارضة بالسلاح، إما لاعتقاده أن هذه هي الطريقة المناسبة للإبقاء على ما بقي لبلاده من مواقع مهددة في المنطقة، أو لظنه أن حكام سوريا الحاليين سيكافئونه على موقفه الداعم لهم، أو على العكس من ذلك، لأن هذا هو الأسلوب الصحيح في رأيه لقبض ثمن مرتفع من الأميركيين، حين تحين ساعة البازار، على غرار ما فعلته روسيا في ليبيا، أو ربما لاعتبار قد لا يخطر كثيرا على البال هو تشابه نظامه مع النظم التي يتمرد الشعب العربي عليها، وخوفه من تكرار ما يقع هنا عنده هناك.. إلخ.

وعلى الرغم من أن شهادات دولية ومحلية لا حصر لها تؤكد سلمية المعارضة السورية وعزوفها التاريخي عن السلاح والعنف، ووقوفها سرا وعلنا وراء الخط السلمي للتظاهر، وإعلانها آلاف المرات أنها ضد العنف الداخلي والانقسامات الأهلية والتدخلات الأجنبية مهما كان مسوغها، لأن ثمنها سيكون أشد فداحة بكثير من أي ثمن يترتب على الحسابات الرسمية الخاطئة، فإن من غير المعقول أن يصر ممثل الدبلوماسية الروسية على ربط المعارضة بالسلاح، والأنكى من ذلك ربطها برفض الحوار، مع أنها هي التي دأبت على الدعوة إليه منذ عام 2000، وهي التي حددت موضوعاته وأهدافه، واقترحت آلياته، وسمت أطرافه، وكررت دون كلل أو ملل استعدادها لإجرائه في أي مكان وزمان، بينما كان النظام يرد عليها بفظاظة: ولماذا نجري حوارا معكم إذا كان الشعب يقف صفا واحدا وراءنا وكنتم أنتم لا تمثلون أحدا! واليوم يزعم لافروف ومن خلفه وليد المعلم أن المعارضة ترفض الحوار، مع أنها لم تترك مسؤولا في الدولة إلا وقابلته: من رئيس لجنة الحوار الوطني نائب رئيس الجمهورية الأستاذ فاروق الشرع إلى اللجنة وأعضاء في القيادة القطرية ومستشارة الرئاسة الدكتورة بثينة شعبان. ولعلم السيد لافروف، فقد اقترحت المعارضة بيئة حوار من شأنها أن تضمن نجاحه، منها: وقف الحل الأمني، والسماح بالتظاهر السلمي المرخص تحت حماية الشرطة، وإطلاق سراح الموقوفين على خلفية الأحداث، ووضع جدول زمني للحوار والتوافق على موضوعاته... إلخ، لكن السلطة رفضت ذلك، ثم أقرت بعض مطالبها كتوصيات خلال اللقاء التشاوري، الذي عقد دون المعارضة، كي لا يقال إنها هي التي تبنت مصالح الشعب وشاركت في إيجاد مخرج من النفق الذي حشرت السلطة البلاد والعباد فيه، بالعنف العاري.

ليست المعارضة مسلحة ولن تكون. وليست ضد الحوار ولن تكون. بقي أن نرجو السيد لافروف التعرف عن كثب، وبواقعية وموضوعية، على واقع سوريا، مع علمنا بأن هذا ليس بالأمر السهل على سياسي ألف أن يرى الواقع كما يشتهي هو وليس كما هو على حقيقته المستقلة عنه.

أمن الغريب بعد هذا أن لا يكون قد بقي لروسيا أي نفوذ أو وجود جدي في منطقتنا، بعد أن كادت تصير سيدتها الوحيدة في تاريخ غير بعيد.

==========================

أيتها الأقليات لا تقفي في وجه الثورات!

السبيل 21/8/2011

د. فيصل القاسم

ليس هناك شك بأن من حق الأقليات في العالم العربي أو في أي مكان آخر من العالم أن تعيش بأمان، وأن تحافظ على خصوصياتها الثقافية والاجتماعية والدينية دون أي ضغوط، أو اضطهاد، أو ابتزاز، أو إرهاب من طرف الأكثرية، لكن الديموقراطية والمواطنة التي تحفظ حقول الجميع، بمن فيهم أتباع الأقليات، تؤكد في الآن ذاته على أن توجهات ورأي الأكثرية هو الأهم. فكلنا يعلم أن جوهر الديموقراطية هو حكم الأكثرية، حتى لو كان الفرق بين الرابح والخاسر في الانتخابات ربعاً بالمئة.

صحيح أن الدول الديموقراطية تحفظ حقوق الأقليات تماماً بغض النظر عن انتماءاتها الروحية أو العرقية، إلا أنها في الآن ذاته قلما تسمح لأتباع الأقليات بتولي المناصب العليا كمنصب رئيس الدولة، حتى لو كانت بعض الأقليات تحظى بنفوذ اقتصادي أو سياسي هائل، كما هو واقع الأقلية اليهودية في الولايات المتحدة. فبالرغم من استحواذهم وسيطرتهم على مفاصل المال والاقتصاد والإعلام، إلا أن اليهود مثلاً لا يحق لهم أن يصبحوا رؤساء للولايات المتحدة الأمريكية، مهما بلغوا من قوة وشأن، لأن الرئاسة طبيعياً من حق الأكثرية البروتستانتية، فهناك اتفاق عُرفي في أمريكا ينص على أن يكون الرئيس مسيحياً من البروتستانت، والرئيس الأمريكي الوحيد الذي كان من المسيحيين الكاثوليك هو "جون كينيدي" الذي مات قتيلاً.. وقد لاحظنا الضجة الهائلة في وسائل الإعلام والأوساط السياسية والشعبية الأمريكية أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية الأخيرة حول الأصول الدينية للرئيس الحالي باراك أوباما. فقد ظن البعض أنه من أصول إسلامية، ما جعل الكثير من الأمريكيين يرفضون الأمر رفضاً قاطعاً. بعبارة أخرى، لم يأبه الأمريكيون بمشاعر أكثر من سبعة ملايين مسلم في أمريكا، وكانوا على الدوام يظهرون رفضهم القاطع لأن يكون رئيسهم غير مسيحي.. ولا شك أننا لاحظنا أيضاً كيف لم يترك أوباما مناسبة إلا وحاول أن يتبرأ من ظلاله الإسلامية، وأن يثبت للشعب الأمريكي أنه مسيحي قلباً وقالباً.

باختصار شديد، بالرغم من علمانيتها المعلنة، فإن دساتير الدول الغربية تنص على أن يكون الرئيس أو الملك من طائفة الأكثرية، فحسب المادة الثالثة من قانون التسوية البريطاني ينبغي على كل شخص يتولى المُلك أن يكون من رعايا كنيسة إنجلترا. أما الدستور اليوناني فينص في المادة 47 على أن كل من يعتلي حكم اليونان يجب أن يكون من أتباع الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، ولا بد أن نعلم أن اليونان فيها الملايين من المسيحيين الذين يتبعون الملة الكاثوليكية والبروتستانتية، بل يوجد الملايين ممن يتبعون الديانة الإسلامية، ولم يعترض أحد علي المادة 47 من الدستور اليوناني، طالما أن المفهوم هو أن غالبية أتباع الدولة اليونانية يتبعون الديانة الأرثوذكسية الشرقية.. أما في إسبانيا فتنص المادة السابعة من الدستور الإسباني علي أنه يجب أن يكون رئيس الدولة من رعايا الكنيسة الكاثوليكية، باعتبارها المذهب الرسمي للبلاد.

وفي الدنمارك، فالدستور الدنماركي ينص في المادة الأولي علي أن يكون الملك من أتباع كنيسة البروتستانت اللوثرية، مع العلم بأن الدنمارك يعيش فيها الكثير من أتباع الملة الأرثوذكسية والملة الكاثوليكية وأتباع الديانة الإسلامية، ولم يعترض أحد علي المادة الأولي من الدستور الدنماركي .

وفي السويد، فالدستور ينص في المادة الرابعة على أنه يجب أن يكون الملك من أتباع المذهب البروتستانتي الخالص، مع العلم بأنه يوجد الكثير من أتباع الملة الأرثوذكسية والكاثوليكية وأصحاب الديانة الإسلامية في السويد. هل طالب أحد بإلغاء المادة الرابعة من الدستور السويدي؟

أليس من حق الإسلاميين في البلدان العربية في ضوء ذلك أن يجادلوا بأن الغلبة السياسية والاجتماعية والثقافية يجب أن تكون للأغلبية المسلمة بحكم أنها الأكثر عدداً داخل هذا البلد أو ذاك، كما هو الحال في الدول الديموقراطية. أليس من حقهم أيضاً أن يطالبوا بالسيادة العامة في بلادهم في كل المجالات عملاً بالمبدأ الديموقراطي، وبأن لا تستخدم شماعة الأقليات للانتقاص من حقوق الأكثرية كما هو حاصل في بعض البلدان العربية؟

وبناء على ذلك، لا بد للأقليات في العالم العربي أن لا تقف أبداً في وجه تطلعات الأكثرية في أي بلد مهما كانت الأسباب. ومن السخف الشديد وقلة الحكمة أن تتحالف الأقليات فيما بينها، أو تصطف إلى جانب أي نظام تثور عليه الأكثرية، حتى لو كان ذلك النظام مناسباً ومقبولاً بالنسبة لها، مع العلم أن الأنظمة الديكتاتورية الساقطة أكثر من أساء للأقليات وداس عليها، لأن الطواغيت لا يفرقون بين أقلية وأكثرية، بل يريدون أزلاماً تلعق أحذيتهم.

إن مناصرة الأقليات لهذا النظام أو ذاك هو نوع من الانتهازية الآنية الحقيرة والساقطة، ولا يصب حتى في مصلحة الأقليات، ناهيك عن أنه يحرّض الأكثرية على الانتقام من الأقليات لاحقاً عندما تصل إلى الحكم. ولن يلوم أحد الأكثرية في أي بلد عربي فيما بعد لو اتهمت الأقليات بأنها وقفت من قبل مع هذا النظام أو ذاك ضد طموحات وتطلعات وتوجهات الغالبية العظمى من الشعب.

فلتفكر الأقليات دائماً قبل الانجرار الأعمى وراء هذا النظام أو ذاك من أجل مصالح مرحلية زائلة. ويقول كاتب كبير في هذا السياق: "ألا ترى الأقليات ما وقع للمسيحيين في العراق، حيث كان ارتباطهم بالسلطة المسوغ الذي استخدمه مجانين الإسلاميين للقضاء على وجودهم في بلاد الرافدين؟ وهل فكرت الأقليات بالمعنى التاريخي الهائل للتغيير الذي يشهده العالم العربي الآن، وبانعكاساته على الجماعة التي ينتمون إليها وعليهم هم أنفسهم؟... وإذا كان بعض مرتزقة الأقليات قد أصبحوا جزءا من السلطة، فما هي المزايا التي عادت عليهم من ذلك؟ هل يبرر التحاقهم بالسلطة انفكاكهم عن الجماعة التاريخية، التي لطالما انتموا إليها وتكفلت باستمرار وجودهم بينها، وبتمتعهم بقدر كبير من الحرية الدينية والمدنية، علما بأنها هزيمتها على يد السلطة الحالية ليست غير ضرب من المحال أو من المصادفات العابرة؟ هل وازنت الأقليات بين الربح والخسارة، وقررت الرقص على جثث الجماعة؟" يتساءل الكاتب متألماً.

جدير بالذكر هنا أنه في الوقت الذي يضحي الألوف في بعض المناطق الثائرة من أجل الحرية يقوم أتباع بعض الأقليات حفلات غنائية ماجنة "يمجد خلالها النظام القائم وتعظم رموزه، مع أن رائحة الموت تزكم أنف البلاد"، ناهيك عن أن المذبوحين على أيدي برابرة النظام لا يبعدون عن المطبلين والماجنين أحياناً بضعة كيلومترات.

جباً كيف يتعايش أبناء الأقليات مع جيرانهم المسلمين لاحقاً فيما لو سقط النظام الذي يطبلون ويزمرون له؟ لماذا لا يفكرون بالارتباط الجغرافي الذي لا انفكاك منه؟ يا الله كم هم مغفلون وتاهئون! "هل فاتت الراقصين هذه الحقيقة، وهل فات من يستطيعون التأثير عليهم من حكماء مزعومين أن رقصهم في الملاهي الليلية بينما جيرانهم يذبحون بفاشية عز نظيرها قد يفضي إلى مزيد من القطيعة والعداء بين مكونات الشعب الواحد، التي عاشت متآلفة متآخية على مر تاريخ يمتد لنيف وألف وخمس مئة عام.. وللعلم، فإن التاريخ لن ولا يجوز أن يرحم أحدا إن هو وقف جانباً، أو رقص على جثث من يموتون من أجل حريته؟" كما يجادل الكاتب نفسه محقاً.

أليس من العيب أن تسمح بعض الأقليات لنفسها بأن تكون ألعوبة أو عتلة أو رأس حربة، أو مخلب قط في أيدي بعض الأنظمة الحاكمة بحجة الخوف من وصول أتباع الأكثرية إلى الحكم، ومن ثم تنكيلهم بها لاحقاً. فلا خوف أبداً من الأنظمة القادمة لأن فيصلها ستكون الديمقراطية.

أيتها الأقليات: كوني بعيدة النظر، ولا تدعي البعض يتاجر بك لأغراض سلطوية نفعية مريضة!

ولو كان هناك حكماء حقيقيون في أوساط بعض الأقليات العربية المتهورة وليس مجرد ثلة من المرتزقة والمأجورين قصيري النظر لوقفوا مع تطلعات الأكثرية، أو على الأقل أوعزوا إلى أتباعهم بالتزام الصمت وعدم استفزاز الأكثرية الثائرة، بدل التطبيل والتزمير لأنظمة آيلة للسقوط عاجلاً أو آجلاً، فلا ننسى أن التاريخ صولات وجولات، والبقاء دائماً للأكثرية. وكم كان الأديب الأمريكي مارك توين محقاً عندما مرّ قبل مئة وخمسين عاماً على إحدى المدن العربية المسلمة الضاربة جذورها في التاريخ، وقال قولته الشهيرة: "لقد رنت عيون هذه المدينة إلى آثار ألف إمبراطورية خلت، ولا شك أنها سترى بعدُ قبور ألف إمبراطورية قادمة قبل أن تموت".

fk00fk@gmail.com

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ