ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 24/08/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

اليوم سقط ثالثهم.. وغداً رابعهم !

جواد البشيتي

العرب اليوم

2011-08-23

.. فمنهم من سقط, ومنهم من يَنْتَظِر; ولقد سقط, اليوم, ثالثهم, "أسد ليبيا"; وإنَّ غداً لَيَوْم السقوط لرابعهم, "قذافي سورية", إلاَّ إذا نازَع اليمنيون أشقاءهم السوريين الحقَّ في أنْ يكون "صالح مُنْتَهي الصلاحية" رابعهم لا خامسهم.

ما أنْ وصلت طلائع ثوَّار السابع عشر من فبراير إلى "الساحة الخضراء", وطوَّقوا مَعْقِل الطاغية, ورمز حكمه المطلق, في "باب العزيزية", حتى أخبرني أحد المُصدِّقين ل "خطاب الإنكار" للحاكم العربي, في الرُّبع الأخير من ساعة حكمه الأخيرة, ومِمَّن يستبدُّ بهم وهم أنَّ "الحقيقة" هي كل ما يُفكِّر فيه الحاكم العربي, وينطق به, أنَّ بشار الأسد غير معمر القذافي, وأنَّ ما حلَّ ب "أسد ليبيا" لن يحل ب "قذافي سورية"; أمَّا الدليل (المُفْحِم) على صِدْق ما قال, أو على وجاهة ما يقول به, فهو كلام بشار الأسد, قبل سويعات من سقوط القذافي, ولهجته, والهيئة التي ظهر فيها; ف "العلامات" التي أراد الأسد الابن أنْ يرينا (ويُسْمِعنا) إيَّاها ليست "علامات سقوط (وشيك)", وإنَّما علامات بقاء (وطيد) لحكمه.

وبعدما اتَّخَذ مِمَّا يعوزه الدليل, ويحتاج إلى إثبات, في مزاعم الأسد, "مُسَلَّمةً", بها يقيس "الصواب" من "الخطأ", و"الحقيقة" من "الوهم", شرع يُقارِن بين "القذافي" و"الأسد"; وكأنَّه يريد أنْ يُقْنِع نفسه, عَبْر سعيه (الظاهري) إلى "إقناعي", بأنَّ القذافي سقط; لأنَّه مُمْكِن (وضروري) السقوط, ويملك ما يكفي من "مقوِّمات السقوط", وبأنَّ الأسد لن يسقط; لأنَّه ليس من جنس القذافي, وخالِصٌ من خواصِّه السياسية, أي من مثالبه في الحكم, ويملك ما يكفي (ويفيض) من "مقوِّمات البقاء (لا بل الخلود)".

لقد أنكر (سائراً على نهج الأسد نفسه) وجود النهار حتى عندما تكون الشمس في كبد السماء; ثمَّ تحدَّاني طالباً الدليل على وجود النهار; فهل يَصِحُّ في الإفهام شيء إذا احتاج النهار إلى دليل, وإذا ما اقتضت مصلحة بشار أنْ يُنْكِر بديهية كبديهية "أنصاف الأشياء المتساوية متساوية"?!

إنَّهم ما أنْ يُزوِّروا, إعلامياً وسياسياً, وحتى فكرياً, الحقائق, أي حقائق واقعهم وحالهم, وحقائق واقع وحال شعبهم وثورته, حتى يُسْرِعوا في تصوير هذا المزوَّر من الحقيقة على أنَّه الحقيقة التي لا ريب فيها, ناسين, أو متناسين, أنَّ "النقد المزوَّر" هو خير دليل على وجود, ووجوب وجود, "النقد الحقيقي".

إنَّني رأيتُ بشار, وفي الهيئة التي أراد أنْ يظهر فيها, وسمعت كلامه الذي مداره الرغبة (أي رغبته هو) في أنْ يُقْنِع نفسه, لا غيره, بأنَّ نظام حكمه عصيٌّ على السقوط, وسيكون الصخرة التي عليها تتكسَّر كل ريح; ثمَّ قارنتُ بينه وبين القذافي في خطابه الثالث, في يومٍ واحد, والذي وجَّهه إلى شعبه قبل خمس دقائق, فحسب, من سقوطه; وإنِّي لأدعوكم إلى أنْ تقارنوا بينهما, أي بين "الزعيمين", أو بين "الخطابين".

قبل خمس دقائق فحسب من سقوطه ظَهَر القذافي, أو أظْهَر نفسه, في خطابه, على أنَّه الصخرة التي لا, ولن, تهزها ريح, مهما اشتدت وعَنُفَت, و"القائد التاريخي الأعظم" الذي يقود ويُسيِّر الملايين, من الليبيين وغير الليبيين, إلى ما يرضيه, والذي يحبه الشعب حُبَّاً يصعب تمييزه من العبادة.

لو لم يسقط عقيد ليبيا, وعميد الزعماء العرب, وملك ملوك إفريقيا, وذو الأُفْق الذي يسع كل شيء ولا يسعه شيء, بعد خمس دقائق فحسب من "خطاب القوَّة" الذي وجَّهه إلى "شعب ليبيا العظيم", لقال القائلون به وبنظام حكمه إنَّه باقٍ في الحكم ولو فَنِيَ المحكوم; لكنَّنا, والحمد لله, من قومٍ لا يَزِنون القائل (ولو كان القذافي أو الأسد) بميزان أقواله, ولا يملكون من الأسماع ما يشبه سمعه, ولا يرونه من خلال "صورته الإعلامية"; فليس من شَبَهٍ, ولو ضئيل, بينها وبين "الأصل", أي الواقع الحقيقي (الموضوعي) لنظام الحكم وصاحبه.

==============

الولايات المتحدة في مرحلة انحدار

نعوم تشومسكي

الاتحاد

تاريخ النشر: الثلاثاء 23 أغسطس 2011

المسألة باتت شائعة بأن الولايات المتحدة البلد الذي كان قبل بضع سنوات ليس إلا، يُشاد بأنه عملاق يذرع العالم بخطى واسعة ويتمتع بنفوذ لا يُضاهى وسحر منقطع النظير، أمست تسير في انحدار، مواجهةً بشؤم كبير انحلالها الأخير المتوقع... هذا ما كتبه "جياكومو كيوزا" في العدد الحالي من مجلة العلوم السياسية الفصلية "Political sciences Quarterly".

وبالفعل، يشهد هذا الاعتقاد انتشاراً واسعاً، انطلاقاً من بعض الأسباب على الرغم من أن عدداً من المؤهلات يسير في الشكل الطبيعي. في البداية، لقد انطلق الانحدار منذ بلوغ الولايات المتحدة أعلى مستويات النفوذ بعد الحرب العالمية الثانية، وقد كانت الغَلَبة اللافتة في تسعينيات القرن الماضي بعد حرب الخليج تضليلاً ذاتياً في الأغلب.

ومن المسائل الشائعة أيضاً، أقله بين أولئك الذين لا يتّسمون بفقدان مُتعمَّد للمنطق، هو أن الانحدار الأميركي أنزلته إلى حدٍ كبير الولايات المتحدة بنفسها. إن المسرحية الهزلية في واشنطن هذا الصيف التي تشمئز منها البلاد وتُذهل العالم، قد لا نجد ما يضاهيها في سجلات الديمقراطية النيابية.

كما أن هذا المشهد المسرحي يبدأ في بث الذعر بين عرَّابي هذه الأحجيات، إذ بات نفوذ الشركات يبدي قلقه في الوقت الراهن من أن المتطرفين الذين ساعدتهم في الوصول إلى زمام الحكم قد يهدمون في الواقع الصرْح الذي أرست عليه ثرواتها وامتيازاتها، أي الدولة الحاضنة القوية التي تخدم مصالحها. لقد بلغت سطوة نفوذ الشركات على السياسة والمجتمع – وهي سطوة مالية في الأغلب حالياً – الدرجة التي أصبح فيها التنظيمان السياسيان، اللذان عند هذه المرحلة بالكاد يشبهان الأحزاب السياسية التقليدية، بعيدين عند أقصى يمين السكان في المسائل الرئيسية قيد البحث.

بالنسبة إلى الشعب، تشكل البطالة المشكلة المحلية التي تحتل رأس أولوياته. وفي ظل الظروف الحالية، يمكن تخطي هذه الأزمة فقط عن طريق تحفيزات حكومية كبيرة، تتخطى تلك المتخذة حديثاً، التي بالكاد جارت الانحدار في إنفاق الولايات والإنفاق المحلي، على الرغم من أن هذه المبادرة المحدودة أنقذت ربما ملايين الوظائف.

أما بالنسبة للمؤسسات المالية، فيشكل العجز مبعث قلقها الأول. وبالتالي، وحده العجز يشهد محادثات. تحبِّذ أكثرية كبيرة من السكان معالجة العجز من خلال فرض الضرائب على الأغنياء جداً (72 في المئة فيما يعارضها 27 في المئة)، وفق ما توصل إليه استطلاع مشترك بين صحيفة "واشنطن بوست" وقناة "أيه. بي. سي. نيوز". وتعارض الأكثرية الساحقة من الأميركيين خفض مخصصات البرامج الصحية (69 في المئة لبرنامج "ميديكايد" و78 في المئة لبرنامج "ميديكير")، فيما أن النتيجة المحتملة ستكون معاكسة.

في السياق ذاته، استطلع برنامج المواقف حيال السياسة الدولية "بيبا" الأساليب التي يختارها الشعب لإلغاء العجز. ويكتب مدير "بيبا" ستيفن كول: (يتّضح أن الإدارة ومجلس النواب الذي يسيطر عليه" الجمهوريون"، لا ينسجمان مع قيم الشعب وأولوياته في ما يخص الموازنة العامة).

ويظهر الاستطلاع الشرخ العميق: "التباين الأكبر في الإنفاق يكمن في أن الشعب فضَّل إجراء تخفيضات واسعة في النفقات الدفاعية، فيما أن الإدارة ومجلس النواب يقترحان زيادات طفيفة. كما أن الشعب أيّد زيادة في الإنفاق على التدريب الوظيفي والتعليم والحدّ من التلوث، أكبر مما اقترحته الإدارة أو المجلس النيابي".

أما "التسوية" النهائية، أو على نحوٍ أصح، الاستسلام إلى "اليمين" المتطرف، فهي العكس على كل الأصعدة، ومن شبه المؤكد أن تؤدي إلى تباطؤ النمو وتلحق ضرراً طويل الأمد بالجميع باستثناء الأغنياء والشركات، التي تتمتع بأرباح قياسية. وتجدر الإشارة إلى احتمال لم يكن حتى موضع محادثات، وهو كما أظهره الخبير الاقتصادي "دين بايكر"، التمكُّن من إلغاء العجز في حال تم استبدال نظام الرعاية الصحية الذي يعاني من عيوب ويديره القطاع الخاص، بآخر شبيه بأنظمة المجتمعات الصناعية الأخرى يتطلب نصف التكاليف المترتبة على الفرد الواحد ويعطي نتائج صحية مماثلة أو أفضل.

إن المؤسسات المالية وكبرى شركات الأدوية قوية إلى درجة يتعذر حتى النظر في هذه الخيارات، على الرغم من أن الفكرة بالكاد تبدو غير قابلة للتطبيق. وخارج جدول الأعمال كذلك الأمر، ولأسباب مماثلة، ثمة خيارات أخرى دقيقة من الناحية الاقتصادية، على غرار ضريبة منخفضة على المعاملات المالية.

وفي غضون ذلك، تُبدَّد هدايا جديدة بانتظام في "وول ستريت". لقد خفضت لجنة المخصصات في مجلس النواب الأميركي ميزانية "لجنة الأوراق المالية والبورصات"(ساك) في الولايات المتحدة، وهي الرادع الأول أمام عمليات الاحتيال المالي. كما من المستبعد أن تخرج "وكالة حماية المستهلك" سليمة. ويحارب الكونجرس في معركته ضد أجيال المستقبل بأسلحة أخرى. فقد أوردت صحيفة "نيويورك تايمز" أن أحد المرافق الرئيسية في الولايات المتحدة "أميركان إلكتريك باور"، ولدى مواجهته معارضة "الجمهوريين" لحماية بيئية، وضع جانباً "الجهود الأبرز التي تبذلها البلاد لتجميع ثاني أكسيد الكربون من محطة لتوليد التيار الكهربائي تعمل على الفحم الحجري، موجهاً صفعة قوية لجهود الحدّ من الانبعاثات المسؤولة عن الاحترار العالمي". إلا أن الضربات التي تسدِّدها الولايات المتحدة لنفسها ليست بالابتكار الحديث، بل هي تعود إلى السبعينيات، حين خضع الاقتصاد السياسي الوطني لتحولات ضخمة، أنهت ما أُطلق عليه عموماً تسمية "العصر الذهبي" لرأسمالية (الدولة).

وثمة عنصران رئيسيان تمثلا بمفهوم التحويل إلى أدوات مالية (أي انتقال أفضلية المستثمرين من الإنتاج الصناعي نحو ما عُرف بمصطلح "فاير"، وهو اختصار الأحرف الأولى في الإنجليزية من كلمات التمويل والتأمين والعقارات)، وأيضاً بمفهوم نقل الأنشطة الإنتاجية إلى خارج البلاد. أما الانتصار الأيديولوجي، الذي أحرزته "عقائد السوق الحرة"، الانتقائية جداً كما يحدث دائماً، فقد وجهت صفعات إضافية بعدما انعكست تحرّراً من القوانين والأنظمة، وقواعد حوكمة شركات تربط مكافآت الرؤساء التنفيذيين الضخمة بالأرباح المحقَّقة على المدى القصير، وقرارات مماثلة أخرى.

وقد منح تركيز الثروات الناجم عن هذه الأساليب نفوذاً سياسياً أكبر، أدى إلى تسريع حلقة مفرغة نشأت عنها ثروات استثنائية لجزء بسيط يشكل 1 في المئة من السكان، شمل في الدرجة الأولى رؤساء كبرى الشركات ومدراء صناديق تحوُّط وأمثالهم، بينما شهدت عملياً المداخيل الحقيقية للأكثرية الساحقة من الشعب ركوداً. وفي موازاة ذلك، قفزت تكاليف الانتخابات إلى مستويات قياسية، أرغمت الحزبين على التوغل في أعماق جيوب الشركات. وتم نسف ما بقي من الديمقراطية السياسية أكثر من أي وقت مضى بعدما لجأ الحزبان إلى مزايدة مراكز القيادة في الكونجرس، كما يوضحها خبير الاقتصاد السياسي "توماس فرجوسان" في صحيفة "فاينانشال تايمز".

يشرح "فرجوسان" أن "الحزبين السياسيين الرئيسيين استعارا ممارسة معتمدة في سلسلة المتاجر الضخمة مثل "وول مارت" و"باست باي" و "تارجيت" ينفرد حزبا الكونجرس الأميركي بين الهيئات التشريعية في دول العالم المتقدم، حالياً بتحديد أسعار لمناصب رئيسية في عملية سنّ القوانين". إن المشرعين الذين يساهمون بأكبر مبالغ مالية للحزب ينالون هذه المراكز.

والنتيجة بحسب "فرجوسان" تكمن في أن المناقشات الدائرة "ترتكز إلى حدٍ كبير على تكرار دائم لحفنة من الشعارات، التي خضعت لاختبارات في المعارك الانتخابية وبرهنت عن جاذبيتها لكتل المستثمرين الوطنية ومجموعات الاهتمامات التي تستند إليها القيادة لنيل مواردها". أما البلاد، فلتذهب إلى الجحيم. قبل الانهيار في عام 2007 الذي كان الحزبان سبباً وراء حدوثه إلى حدٍ كبير، اكتسبت المؤسسات المالية الجديدة، التي تلت "العصر الذهبي" نفوذاً اقتصادياً مذهلاً، فزادت حصتها من أرباح الشركات بواقع أكثر من ثلاثة أضعاف. وبعد الانهيار، شرع عدد من خبراء الاقتصاد في التحقيق بوظيفتها من الناحية الاقتصادية البحتة. ويستنتج "روبرت سول" الحائز على جائزة "نوبل" أن آثارها العامة قد تكون سلبية: "قد تضيف النجاحات شيئاً بسيطاً أو لا شيء على فعالية الاقتصاد الحقيقي، فيما أن الكوارث تنقل الثروات من دافعي الضرائب إلى كبار المتموِّلين". ومن خلال تمزيق بقايا الديمقراطية السياسية إرباً، ترسي المؤسسات المالية أسس المضي قدماً في العملية التخريبية والتدميرية، طالما أن ضحاياها مستعدون للمعاناة في صمت دائم.

==============

نظام الأسد يفقد الصدقية والشرعية

آخر تحديث:الثلاثاء ,23/08/2011

علي الغفلي

الخليج

تطلب منا رواية النظام الحاكم في سوريا تصديق أن عشرات الآلاف من الجماعات الإرهابية المسلحة قد دخلت في أنحاء المدن الرئيسية في البلاد، وأن هذه الجماعات ظلت تروع وتقتل المواطنين السوريين طيلة خمسة شهور، الأمر الذي يدفع الحكومة إلى التدخل بقواتها العسكرية من أجل مواجهة تهديد الإرهابيين وفرض الأمن في الدولة . لا يوجد من يصدق هذه الرواية البلهاء، ويفشل النظام الذي يقوده بشار الأسد في احترام عقلية الغالبية من الشعب السوري حين يستمر في الاعتقاد أن التوصيف الملفق للأوضاع المحلية في الدولة سينطلي على الملايين من السوريين الذين تعرف عنهم صفات سعة الأفق والالتزام الوطني وضبط النفس .

إن الحالة المضطربة السائدة في القطر السوري لا تخلو من المتناقضات . في الوقت الذي نريد الاعتقاد أن بشار الأسد ينبغي أن يكون الأكثر استعداداً من بين الزعماء العرب للمبادرة بإجراء الإصلاحات السياسية المطلوبة وذلك نظراً لانتمائه إلى فئة القيادات الشابة المتوقع أن تبدي الاستعداد الطبيعي للإصلاح، فإن واقع الأمر يقول إن نظام حكمه لا يقل عن الزعامات المسنة في ليبيا واليمن من حيث التعنت في رفض التطوير السياسي، والتصلب في الاستجابة لمطالب الشعب، والشراسة في إخماد الحراك الوطني نحو الانتقال إلى مرحلة الإصلاح السياسي .

لقد ظل بشار الأسد يقدم تصويراً زائفاً للأوضاع في سوريا، ولم ينجح هذا التزييف في تحقيق أي شيء سوى في نسف صدقية النظام الحاكم، واستمر يصرّ على استخدام القوة العسكرية المفرطة من أجل خلخلة ووأد الثورة الشعبية، ولم تثمر هذه القوة عن أي شيء سوى القضاء على شرعية النظام الذي يقوده في اعتبارات كل من الشعب والمجتمع الدولي . كيف يمكننا أن نجمع بشكل منطقي بين إصرار بشار الأسد على أن بلاده تواجه غزواً إرهابياً من جهة، وبين وعوده بأن حكومته تعمل على تقديم إصلاحات ديمقراطية من جهة أخرى؟ لا يمكن تلمس ارتباط معقول بين الأمرين، بل ان عقلية النظام الحاكم التي الصقت تهمة الارهاب المزعوم بالشعب لا تبشر على الإطلاق بصحة الاعتقاد أن هذا النظام مقبل على إجراء أية إصلاحات سياسية حقيقية يعتد بها الشعب . إن تكرار بشار الأسد لثنائية مواجهة “الجماعات الإرهابية” التي تجتاح سوريا وأكاذيب “الإصلاح الموعود” قد أضرت بصورته الشخصية ومكانته القيادية بشكل قد تجاوز الإنقاذ، وغدت العودة إلى سابق عهد المنزلة التي كان يتمتع بها أمراً مستحيلاً .

إن السرد الصحيح للأحداث في سوريا والذي كان يتعين على الطبيب بشار الأسد أن يؤمن به هو أن هناك أربع حالات من الثورات الشعبية في العالم العربي وأن الحالة السورية هي الحالة الخامسة، وأن أنماط الحكم المطلق وأساليب الاستبداد الفردي قد أضحت في طور الإزالة أو الإصلاح في أقاليم الوطن العربي وليس نظام بشار الأسد استثناء من هذا التوجه القوي . لقد فاتت فرصة أن يقتنع الرئيس الأسد بالحقائق الفعلية التي تسود في سوريا، وذلك بعد أن قطع شوطاً طويلاً جداً في التعالي على الواقع والتشبث بمحاولة فرض التصوير الكاذب لما يدور في الساحة الداخلية .

لقد أمهلت الدول الكبرى، الإقليمية والدولية، الرئيس السوري فرصة واسعة لاستخدام المعالجات العسكرية للتعامل مع ثورة الشعب لعله ينجح في إخمادها، إذ إن اسقاط نظام الأسد ليس أولوية لدى هذه الدول، وسمحت له لذلك بالتحول إلى طبيب شرس . وتباطأت واشنطن والعواصم الأوروبية في الضغط على نظام الأسد حتى بعد أن اتضحت التكلفة البشرية الكبيرة بين صفوف الشعب السوري نتيجة العنف العسكري الذي استخدمه النظام، ولم تأت المطالبات الدولية بتنحي بشار عن سدة الحكم إلا متأخرة ومترددة . وليس من الواضح فيما إذا كان انتقال المسألة السورية إلى الأمم المتحدة سيثمر عن قرار دولي فاعل ضد دمشق في ضوء الشكوك حول مدى صرامة موسكو وبكين والأوروبيين في هذا الصدد . إن المسألة السورية شديدة التعقيد، ويبدو أن الأسد يميل إلى تأويل هذا التعقيد في صورة انتهاز كافة فرص استدامة نظامه وبأي ثمن عسكري وإنساني يمكن أن يفرضه على شعبه .

لم يحقق بشار الأسد الإصلاحات السياسية المطلوبة كمبادرة خلال السنوات العشر منذ توليه مقاليد الحكم، ولم يعمد إلى إجراء هذه الإصلاحات الملحة كإجراء استباقي بعد أن رأى أنظمة حكم الاستبداد المماثلة تتهاوى في كل من تونس ومصر، وهو أيضاً لم يسارع إلى تحقيق الإصلاحات السياسية كاستجابة صادقة بعد أن خرجت جماهير الشعب السوري إلى الشوارع والساحات العامة مطالبة بحقوقها السياسية والإنسانية التي يصر النظام على حرمانهم منها بكافة الوسائل . عوضاً عن ذلك، يرى بشار الأسد أن واجبه يتحدد في تدعيم أركان نظام حكمه المستبد بالشكل الذي يضمن استدامته استكمالاً لنظام والده حافظ الأسد، ولعله لا يرى في الثورة الشعبية الحالية سوى اختبار لحزبه وقيادته يتعين عليه النجاح في اجتيازه بأي ثمن، تماماً كما نجح والده في اجتياز اختبار الشرعية الشعبية الذي واجهه ونجح في إخماده قبل نحو ثلاثين عاماً .

وربما يذهب خيال بشار الأسد به إلى تصور أنه على الرغم من الثمن السياسي الباهظ الذي قد يتكبده في سعيه إلى إخماد الثورة الشعبية الحالية، فإن المردود الذي قد يجنيه في المقابل يعد جذاباً للغاية بالنسبة له شخصياً، ويتمثل تحديداً في إمكانية تمسكه بزمام السلطة والحكم على مدى الثلاثين سنة المقبلة .

هل سينجح الطبيب الشرس في معالجة الأسد الجريح؟ إن الإجابة تعتمد على مدى قوة إرادة الشعب السوري من جهة، واستعداد المجتمع الدولي لمنح النظام الحاكم في دمشق الفرصة للقيام بذلك . إن فقدان الصدقية والشرعية تجعل إصابة الأسد مميتة، والمعضلة هي أن الطبيب بشار الأسد لا يزال يعتقد أن العلاج يتمثل في استخدام المزيد من العنف ضد الشعب السوري، الأمر الذي يفاقم بالتالي جراح نظام الأسد .

==============

سوريا: الحراك المتصاعد والأوراق المتساقطة

د. عماد شيّا

المستقبل

23-8-2011

أوراق عديدة اعتاد النظام السوري الامساك بها واستخدامها وفق ما تقتضي مصالحه عند كل استحقاق داهم يتهدده. لكن منذ انطلاقة الحراك الشعبي قبل خمسة اشهر، وتصاعد وتيرة هذا الحراك وانتشاره، بدأت هذه الاوراق تتهاوى الواحدة تلو الاخرى. ويبدو الان، من خلال المشهد الماثل في حماه ودير الزور واللاذقية بعد درعا وحمص وادلب وغيرها من المدن والقرى السورية، انه لم يعد بحوزة هذا النظام سوى ورقة الاستخدام المطلق والمفرط لوسائل البطش بحق المحتجين السوريين والرهان على عدم ارتقاء الموقف العربي والدولي الى مستوى ما يجري.

اختبر النظام السوري في حقبة الرئيس الراحل حافظ الاسد العديد من الاوراق وجعل لكل ورقة منها وظيفة. فورقة الصمود والتصدي كانت تستخدم يافطة لتبرير اطلاق يد الامن والعسكر في حياة المجتمع، اما الورقتان اللبنانية والفلسطينية فقد بدأ النظام باستعمالهما على نطاق واسع، منذ دخول القوات السورية الى لبنان في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وذلك على قاعدة كبح جماح الحركة الوطنية والثورة الفلسطينية وضمان استقرار حدود اسرائيل مع سوريا رغم احتلالها للجولان ، مقابل تسليم اسرائيل بوصاية سوريا على لبنان.

ثمة ورقة اخرى هي الورقة الكردية التي يحاول النظام السوري استثمارها عند كل استحقاق يعنيه. ففور اندلاع الانتفاضة الشعبية حاول النظام استمالة الاكراد من خلال منحه الالاف منهم الجنسية السورية التي كانوا محرومين منها. وهناك مثل آخرعلى طريقة تعاطي هذا النظام مع المسألة الكردية ، هو عملية تسليم النظام السوري الى السلطات التركية زعيم حزب العمال الكردستاني، عبدالله اوجلان ، اللاجئ في سوريا لسنوات ، مقابل ضمان صمت تركيا عن الانتهاكات التي تحصل داخل سوريا ومساندة استقرار نظامها.

اما ورقة الاصولية الاسلامية فهي واجهة لا يزال النظام السوري يستخدمها حتى اليوم، كفزّاعة بوجه البلدان العربية الاخرى واسرائيل والغرب ، وذلك للايحاء بان لا خيار في سوريا الا لواحد من اثنين: النظام البعثي القائم او الاصولية الاسلامية الهادفة الى احياء دولة الخلافة والامارات الاسلامية. وخير ما يعبر عن توجه النظام السوري بهذا الشأن، تركيز السلطات السورية والاعلام الرسمي السوري على إظهار الحراك الشعبي المتعاظم والمتصاعد، على انه محاولات لمجموعات اصولية هدفها زعزعة الاستقرار واسقاط النظام وبناء امارات اسلامية مكانه.

مع انطلاقة الانتفاضة الشعبية قبل اربعة اشهر، أخرج النظام في سوريا من جعبته ورقة الاصلاح والتعديلات الدستورية في محاولة لامتصاص النقمة الشعبية والمطالبات الدولية بضرورة اطلاق عجلة الاصلاح. لكن هذه الورقة سرعان ما بدأت تحترق في لهيب حملات القمع والابادة التي كانت تعقب كل اعلان رئاسي عن رزمة اصلاحية.

الى جانب ورقة الاصلاح المزعوم، استخدم النظام السوري ورقة الممانعة في والمقاومة من خلال دفعه ولاول مرة في تاريخه، بمجموعات من الشباب الفلسطينيين واللبنانيين في يومي النكسة والنكبة ، بصدورهم العارية الى اختراق الحدود اللبنانية مع اسرائيل في مارون الراس والحدود السورية في مجدل شمس في الجولان ، مما ادى الى استشهاد وجرح العشرات منهم، و سرعان ما تبّين ان الهدف من هذه العملية إفهام اسرائيل واستطرادا الغرب بان لا مصلحة لهم اطلاقا في تغيير النظام في سوريا الذي استطاع ضمان استقرار الحدود لعقود، والذي يشكل حاليا وفي المستقبل الضامن الوحيد لها.

ورقة اخرى يجري استخدامها في مواجهة الحراك المتصاعد ، هي الورقة الطائفية والمذهبية وذلك بهدف تجريد الحراك الشعبي من مضمونه الوطني واعطائه ابعادا طائفية. ويبدو ان همّ النظام الاول الان، هو بقاؤه واستمراره، بغض النظر عن القيمة او الكلفة البشرية والاقتصادية لاستمراره، والاهم الضرر البالغ الذي يلحق بالنسيج الوطني السوري جراء استخدام مثل هذه الورقة . في المقابل، يبرهن الشعب السوري على نضوج استثنائي في تعاطيه مع استخدام الوتر الطائفي لمواجهة الحراك المتصاعد الذي يضم مختلف اطياف الشعب السوري.

ادى تصاعد الحراك الشعبي وانتشاره على مدى خمسة اشهر،الى تساقط هذه الاوراق الواحدة تلو الاخرى. غير ان ورقتين اثنتين لا تزالان في يد هذا النظام ، الاولى ورقة الجيش والاجهزة الامنية التي تستخدم كل وسائل العنف وادوات القتل لاجهاض الحراك الشعبي وقتل ارادة الناس من جهة، وانتهاك حرمة الاماكن الدينية والعبث بحياة الناس وكرامتهم من جهة اخرى، اما الورقة الثانية، فتتمثل برهان النظام على مواقف بعض الدول الكبرى في عدم تمرير اي قرار دولي ضده، وعدم ارتقاء المواقف العربية والدولية الى مستوى الجرائم التي يرتكبها بحق السوريين.

بالطبع ، مؤسف ومحزن جدا ان لا يتحرك الضميرالعربي والاسلامي والعالمي بما يكفي، ازاء ما يحدث من مجازر وحصار ودمار في المدن والقرى السورية لا سيما في هذا الشهر الفضيل. لكن ما يبعث على الامل رغم بشاعة وهول ما يحدث هو عنفوان الشعب السوري الذي يبدو مصمّما ومثابرا على حراكه ايمانا منه بان الاقدار تصنعها ارادة الشعوب.

==============

للجيل السوري المقبل

ساطع نور الدين

السفير

23-8-2011

الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها شوارع القاهرة على العدوان الاسرائيلي في سيناء الذي ادى الى مصرع ثلاثة جنود مصريين الاسبوع الماضي، يبدد الكثير من المخاوف المصطنعة التي روجت حول الثورة المصرية، بصفتها ثورة وطنية مقفلة، تحيي فكرة الامة المصرية، وتقطع الصلة مع كل ما يقع خارج حدود الجغرافيا المصرية.

كالعادة، أو كما كانت الثورة في جوهرها، جاءت الاحتجاجات من خارج المؤسسات والاحزاب السياسية المصرية. خرج المحتجون من منازلهم بعفوية شديدة ومن دون تنظيم مسبق ومن دون توجيه من حزب او قائد او مسؤول، فقط بدافع الانتصار للكرامة الوطنية، والحرص الطبيعي على الضباط والجنود المصريين الذين يحمون حدود الدولة المصرية، وبالتالي يصونون استقرار الداخل المصري، في لحظة تحول تاريخي.

قال الشارع المصري بطريقة حاسمة ان التسامح انتهى مع مثل هذه الاعتداءات الاسرائيلية التي تكررت اكثر من مرة في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، الذي لم يكن يتجرأ حتى على تنظيم جنازة لائقة للضحايا المصريين، ولا كان يطالب الاسرائيليين بتعويض اسرهم، ولا حتى كان يطلب من الحكومة المصرية ان تدفع تعويضات استثنائية لهم توازي التضحية التي قدموها على الحدود مع اسرائيل.

بسرعة، التقط الاسرائيليون الاشارة المصرية، بعدما كانوا اول من سجل للتاريخ بان الثورة المصرية ادخلت الشارع المصري خاصة والعربي عموما طرفا رئيسيا في معادلة الصراع الذي لم يعد يمكن ان يحل بالاتفاق مع الحكام العرب لوحدهم. وشرعوا في محاولة احتواء الغضب المصري الذي تطور الى حد المطالبة بقطع العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل، والتمهيد لمرحلة مواجهة سياسية مفتوحة مع الاسرائيليين، لا شك انها ستكون اهم من المواجهة التي يخوضها الاتراك مثلا، منذ ان اعتدت اسرائيل على اسطولهم المتوجه الى قطاع غزه العام الماضي.

يقال ان الاحتجاجات الشعبية التي ازالت العلم الاسرائيلي من سماء القاهرة هي مجرد تعبير عن العصبية المصرية المستعادة بعد طول غياب، وهي لا تتخطى حدود صحراء سيناء ولا تشعر انها معنية بشكل خاص بما يتعرض له قطاع غزه الفلسطيني من جرائم حرب اسرائيلية. وهذا غير دقيق، كما انه يغفل حقيقة ان تلك العصبية الوطنية هي التي ستؤسس لتحول جوهري في مسار الصراع العربي الاسرائيلي، يبدأ بوقف الغطرسة الاسرائيلية تجاه مصر ولا ينتهي الا بوقف تلك الغطرسة تجاه جميع الدول العربية من دون استثناء.

حتى ولو كانت العصبية الوطنية المصرية مقدمة لاعادة انتاج الهوية المصرية بمعزل عن الهوية العربية، فانها بالتعريف وبالتصنيف ستكون معادية للمشروع الصهيوني، وستكتشف، اكثر من الانظمة ذات الادعاءات العربية، ان الحدود غير موجودة بين امن مصر الوطني وبين امنها القومي، الذي لا يصان الا بصيانة غزه، وبموقف جذري من العدو الاسرائيلي.

هو درس جديد تقدمه الثورة المصرية، يمكن ان يستفيد منه بشكل خاص اولئك الخائفون من ان يكون الجيل السوري المقبل اكثر وطنية واقل قومية، لا سيما في الموقف من اسرائيل واميركا والغرب عموما.

==============

إيران تساعد الأسد... ولا تنتحر لأجلهِ !

سركيس نعوم

النهار

23-8-2011

لسوريا الاسد مكان مهم في الاستراتيجيا الشرق الاوسطية للجمهورية الاسلامية الايرانية. فهي التي وقفت معها في اثناء مواجهتها غزو عراق صدام حسين (الراحل) اراضيها بعد تأسيسها بمدة قصيرة مخالفة بذلك الإجماع العربي على تأييد العراق النابع من عامل لا يزال موجوداً اليوم وقد يستمر مستقبلاً هو الخوف المزمن من ايران المسلمة ولكن المختلفة والقوية والغنية والكبيرة. وهي التي جعلتها طرفاً رئيسياً في ازمة الشرق الاوسط، والتي مكّنتها من تحدي اميركا واسرائيل، والتي جعلت مشروعاتها الاقليمية والداخلية المستحيلة في السابق ممكنة. وايران هذه تعترف بدور سوريا بل بجميلها من زمان. وترجمت ذلك دعماً مستمراً لنظامها القريب منها في احد ابرز وجوهه، ولقواها العسكرية ولأجهزتها الامنية وربما "لميليشياتها" الحزبية ولاقتصادها وترسانتها العسكرية. وردت سوريا على ذلك في سرعة اذ سمحت لايران وإن بصعوبة وبعد شكوك ومخاوف كثيرة بانشاء "حزب الله" اللبناني وبرعايته وتدريبه وتسليحه، بل بتحويله ذراعاً امنية ومخابراتية لها في مواجهة اميركا واسرائيل وكل اعدائها. وكانت تلك "ضربة الحظ" لإيران، اذ كان لبنانيو "الحزب" على قدر الرهان والتحدي فهزموا اسرائيل وحرروا لبنان من احتلالها وتحدوا اميركا وحلفاءها العرب، وسيطروا او يكادون ان يسيطروا على لبنان الذي يكاد ان يصبح بدوره محمية ايرانية وليس سورية او ساحة مشتركة بين سوريا وايران كما كان.

هل تستطيع ايران وعلى رغم هذه العلاقة الوثيقة الموصوفة اعلاه ان تنقذ نظام الاسد من التحدي الشعبي الجدي والخطير الذي يواجهه للمرة الأولى منذ قيامه، والذي تسانده في الخارجين العربي والدولي كما في الخارج الاسلامي انظمة وشعوب كثيرة؟

انها تفعل كل ما في وسعها لانقاذه. لكن ما قدمته حتى الآن، على ضخامته، قد يمكّن الرئيس بشار الاسد من "الصمود" في وجه غالبية شعبه، وربما يجنّبه السقوط على طريقة حسني مبارك وزين العابدين بن علي ومعمر القذافي، لكنه لن يجنّبه جرّ بلاده الى حرب اهلية لا بد ان تنتهي في وقت قريب او بعيد، إما بانتصار الغالبية، وإما بتدخل عسكري اقليمي جراء قرار دولي على اعلى المستويات، يقضي على النظام ويؤسس لنظام آخر قد لا يكون فيه شأن مهم لأهل النظام اليوم.

طبعاً يقول البعض ان ايران وانطلاقاً من "اقتناعها" (اذا كانت مقتنعة) بنظرية تعرّض سوريا لمؤامرة التي تتبنى من زمان انها تستطيع مساعدة سوريا بالتعرّض عسكرياً لهؤلاء اي لاسرائيل والقواعد العسكرية لأميركا في دنيا العرب ولحلفائها، وبذلك تعوّض عن غياب الحدود المشتركة بينها وبين سوريا. وهذه خطوة ممكنة نظرياً. لكنها عملياً تبدو مستحيلة التطبيق، ذلك ان امكانات ايران الكبيرة جداً لا تُستعمل، استناداً الى قريبين منها، الا في حال تهددت هي مباشرة، فضلاً عن أن قيادتها العملية وغير الانتحارية والادرى بمصالحها لن تغامر بخوض حرب مدمرة مع اسرائيل واميركا لا يعرف احد نتائجها. علماً ان ابرز هذه النتائج ستكون رجوع ايران عشرات السنين الى الوراء والفشل في انقاذ "سوريا الاسد". وعلماً ايضاً ان ايران لن تتورع عن اللجوء الى القوة العسكرية في حال تعرّضت لهجوم كبير.

ماذا يعني ذلك؟

يعني اولاً، ان ايران ستستمر في مساعدة سوريا الاسد طالما بقيت واقفة على قدميها. ويعني ثانياً، انها ستستمر في دعمها وإن بعد نشوب حرب اهلية. ويعني ثالثاً، انها ستعمل في الحالين على حماية وضعين اقليميين يشكلان مصلحة حيوية واستراتيجية مباشرة لها. الوضع الاول، هو العراق الذي يحكمه حلفاؤها والذي بدأت تستعمله في دعم حليفها السوري والذي قد يكون قناة الدعم النظامية له مستقبلاً. ذلك انه على حدودها. وما تريده منه ان يكون جزءاً من قوتها المخيفة للعرب، وان لا يعود قوة عسكرية كبيرة مقلقة لها كما في الماضي. اما الوضع الثاني، فهو "حزب الله" ولبنان معه. ويعني ذلك ان "ضياع" سوريا الاسد يجب ان لا يُضيِّع معه "الحزب". وانجاز ذلك يكون باستكمال سيطرة الحزب على لبنان. علماً، وهذا امر يجب ان يقال، انه في حال مواجهة شاملة ايرانية – اميركية بمشاركة اسرائيلية ومن دونها، او في حال صفقة شاملة بين طهران وواشنطن فان لبنان "حزب الله" وجمهوره قد يبقى او قد يفسح الطريق لقيام لبنان آخر.

هل لا تزال هناك مخارج من الازمة التي يواجهها نظام الاسد في سوريا؟ هل استعمال القوة العسكرية ضده من "أطلسية او اميركية ممكن؟ وما هو الدور الذي يلعبه الاقتصاد في "صموده"؟

==============

بشار الأسد في حالة إنكار

ياسر الزعاترة

 الدستور

23-8-2011

عندما كان التلفزيون السوري يجري مقابلته مع الرئيس السوري بشار الأسد، لم تكن أنباء تهاوي نظام معمر القذافي تحت أقدام الثوار قد وصلت بعد، فيما يدرك الجميع حقيقة الوقع السيئ للخبر على مسامع الرئيس الذي يدرك دلالة ذلك السقوط عليه وعلى نظامه.

لا خلاف على أن وقع الخبر كان سيئا على جميع الأنظمة العربية، ودعك من المواقف المعلنة التي تتخذ بناءً على حسابات شتى، فما يعني تلك الأنظمة هو أن يتوقف الربيع العربي وتنتهي هذه الموجة برمتها. ألا تلاحظون مثلا ذلك الاستعصاء في اليمن الذي لا خلاف على دور الأيدي العربية فيه؟!

في ظهوره التلفزيوني (المسجل والمعد بعناية دليل الارتباك) بدا بشار الأسد متلبسا بحالة إنكار لا تخطئها العين، فهو يتحدث كما لو أن الأوضاع كلها تسير على ما يرام، وأنها تحت السيطرة تماما، وأن الشعب السوري لم يكسر حاجز الخوف إلى غير رجعة.

لقد بدا كما لو أنه لا يستمع لغير التقارير التي يبثها التلفزيون الذي ظهر عليه، وربما محطتا الدنيا والمنار، فهو يتحدث عن المتمردين كما لو كانوا حفنة من المتمردين الذين يجري التعامل معهم بنجاحات أمنية واضحة.

لم يلتفت كثيرا لحالة العزلة العربية والإقليمية والدولية، وبالطبع لأن نظامه متماسك كما يراه، ولأن وعي الشعب السوري سيسقط، بل أسقط المؤامرة بالفعل، وهي مؤامرة كانت تسعى "لإسقاط سوريا في أسابيع قليلة"!!

الرئيس في كلامه كان يراوح بين الحل الأمني والحل السياسي، فما إن يتحدث عن السياسة حتى يعود للأمن، الأمر الذي يشير إلى حجم الارتباك الذي يعيشه، وبالطبع لأن السياسة في برنامجه لا تعدو أن تكون كلاما فارغا لا يبشر بأي شيء غير إعادة إنتاج الوضع القائم، فيما ينصب الجهد على الحل الأمني كسبيل لإقناع الناس بلا جدوى التعويل على الثورة.

في ذات السياق ركز الرئيس في كلامه على تحول الثورة إلى العمل المسلح، الأمر الذي يلقى هوىً لديه ولدى نظامه، وبالطبع لأنه يجعل القبضة الأمنية القوية أمرا مبررا، وهنا بشر الرئيس بالإنجازات الأمنية التي حققها، وبأخرى قال إنه لن يعلن عنها "لضرورة نجاحها".

والحق أن تحويل الثورة إلى العمل المسلح كان ولا يزال خيار النظام، لأن سوريا "الدولة الأمنية بامتياز" ليست سائبة بحيث يحصل الناس فيها على السلاح بسهولة، فضلا عن حقيقة اختراق النظام للمجموعات السلفية الجهادية المحدودة التي كانت تتحرك في السياق العراقي بعلمه وتحت رعايته. وإذا صحَّ أن هناك بعض الشبان قد حملوا السلاح بالفعل، ومعهم آخرون فروا من الخدمة العسكرية، فإن الانتفاضة الشعبية السورية لا تزال في مجملها سلمية بكل معنى الكلمة، وقد رأينا مئات الآلاف يخرجون في مدينة حماة من دون أن تطلق رصاصة واحدة. من المثير بالطبع أن نسمع الرئيس يتحدث كما لو أنه جاء بانتخابات حرة، وليس بمسرحية توريث مفضوحة، وأنه واثق من انحياز الشعب إليه، ففي سياق تعليقه على دعوات الغرب لتنحيه قال إن "هذا الكلام لا يقال لرئيس لا يبحث عن المنصب ولم يأت به الغرب. رئيس أتى به الشعب السوري. رئيس ليس مصنوعا في الولايات المتحدة".

في حديثه عن الحل السياسي سمعنا كلاما مرتبكا عن الحوار وعن الإصلاح وعن حزمة القوانين الإصلاحية؛ ما صدر منها وما سيصدر، وعن انتخابات مجلس الشعب في شباط/فبراير القادم، الأمر الذي يؤكد ما ذهبنا إليه حول أن مسيرة الإصلاح هي طبخة حصى لا أكثر، وأن النظام ليس في وارد التغيير بأي حال، وأن كل ما سيفعله هو إصلاحات شكلية لن تغير من واقع الدولة الأمنية، ولا من سيطرة عائلة الأسد والعقلية الطائفية على كل شيء، ويبدو أن النظام سيزداد انحيازا للطائفة خلال المرحلة المقبلة تبعا لشكه في ولاء الآخرين كما حصل لنظام صدام حسين بعد حربه مع إيران، مع أن الأخير لم يكن طائفيا سنيا قبل ذلك. في مقابل ذلك يمكن القول: إن الشعب السوري ليس في وارد العودة عن خيار الثورة على النظام، وأن حكاية الإصلاح قد أصبحت وراء ظهره مع نظام فئوي لا يمكن إصلاحه بأي حال.

كلام بشار الأسد ذكرنا بكلام العقيد المتواصل عن الجماهير التي اختارته بمحض إرادتها وتهتف باسمه ليل نهار، ما يعني أننا إزاء حالة الإنكار ذاتها التي تتلبس الطغاة حين تهتف الجماهير بسقوطهم بعد زمن من ركونها للخوف من جبروتهم.

التاريخ : 23-08-2011

==============

ماذا بعد النظام السوري؟

د. فهد الفانك

الرأي الاردنية

23-8-2011

القلة التي أخذت موقف الدفاع عن نظام الأسد في المواجهة مع الشعب السوري يجدون أنفسهم في موقف حرج، فهم يسبحون ضد التيار الجارف، وتكذبهم نشرات الأخبار والصور الحية التي تؤكد يومياً أن ما يحدث في سوريا هو ثورة شعبية ضد الاستبداد والحكم الشمولي الذي جاءت به ثلاثة انقلابات عسكرية 8 آذار، 23 شباط، وانقلاب (التصحيح) متبوعاً بتوريث الحكم.

لا يستطيع هؤلاء اتهام جماهير الشعب السوري وعشرات الآلاف من المعتقلين بأنهم أدوات طيعة في يد الإمبريالية. ولا يمكنهم إثبات النضال السوري المزعوم ضد الاحتلال الإسرائيلي للجولان، ولا يستطيعون نفي الفساد والدكتاتورية وانتهاك حقوق الإنسان، ولا يمكنهم تجاهل سجناء الرأي في السجون السورية منذ عشرات السنوات دون محاكمة. ولا ينكرون اصطفاف النظام السوري كجزء من العدوان الثلاثيني على العراق انطلاقاً من حفر الباطن (1990)، وتوزيع مقاعد مجلس النواب قبل إجراء الانتخابات.

هؤلاء يضيعون وقتهم وجهدهم في محاولة تغطية الشمس بغربال، فهم لا يستطيعون تقديم مثال واحد حقيقي على الممانعة، فحكام سورية كانوا دائماً يتحرقون شوقاً لتلقي دعوة لزيارة البيت الأبيض، وقد فاوضوا إسرائيل بنجاح في تركيا، ودعا الرئيس بشار الأسد إلى الانتقال إلى مفاوضات مباشرة لعقد معاهدة سلام، وكانوا قد حصلوا على تفويض أميركي بإطلاق يدهم في لبنان، ودعموا إيران في حربها على العراق.

نقطة واحدة في صالح هؤلاء لم يركزوا عليها وهي السؤال عن البديل، فإذا سقط النظام السوري، ويبدو أن سقوطه أصبح في حكم المؤكد، فأي نظام بديل سيقوم مكانه.

هل يركب الإخوان المسلمون الموجه لأنهم الجهة الوحيدة المنظمة ذات القيادة المركزية؟ وإذا أقام الإخوان نظامهم في سوريا، فهل سيكون نسخة عن نظام الخميني في إيران، أم طالبان في أفغانستان، أم البشير في السودان، أم هو على نسق النظام التركي؟.

كان على أصدقاء وأنصار النظام السوري أن ينصحوه بالاستجابة للمطالب الشعبية، وإدخال إصلاحات جذرية على نظام الحكم المتخلف الذي لم يعد له مثيل خارج كوريا الشمالية.

نظام الأسد في حكم المنتهي. السؤال الكبير هو ماذا عن البديل، وهل ستفرز الثورة نظاماً ديمقراطياً يسمح بالتعددية وتداول السلطة؟.

==============

إعلان انتصار ثورة سوريا سلفاً

الثلاثاء، 23 آب 2011 02:15

 جمال الشواهين

السبييل

لو أن حوار الرئيس بشار الأسد الأخير تم وليس هناك تظاهرات واحتجاجات في الشارع تجري مواجهتها عسكرياً، لكان كل ما أورده فيه ضمن سياقه المعتاد والطبيعي. أما وأنه ليس كذلك، ففيه مدعاة لتناوله على أساس ما لم يرد فيه وما تم تجنبه أيضاً.

فالحوار الذي لم يتطرق لسقوط أكثر من ألفي شهيد، وأكثر منهم من الجرحى والمعتقلين والمفقودين واستمرار تصاعد وتيرة المظاهرات والاحتجاجات، أما أنه يعني عدم صحة كل ذلك، وأن كل ما يبث وينشر فضائياً وإعلامياً مفبرك وملفق ولا يستحق الرد، أو أنه حقيقي والرئيس لا يعلم به، أو أنه يعلم ويعتبره صواباً ولا مناص من ذلك كخيار مفروض ولا بد منه، ويبدو أن هذا ما يجري، وهو أخطر ما يكون على سوريا والرئيس نفسه.

المتابعات التي قامت بها القنوات الفضائية للحوار أجمعت على النقد والاستغراب والاستهجان وحتى الإدانة لما ورد فيه، والذين تحدثوا بدفاع وإيجابية عنه كانوا الحلقة الأضعف علي الإطلاق، ومع هؤلاء ما جاء في متابعات التلفزيون السوري.

وهو بهذا المعنى حوار لم يحقق غرضاً للرئيس بقدر ما أضاف مزيداً لحجم الرفض والإصرار على الإصلاح والتغيير.

استهداف سوريا لثنيها عن مواقفها الممانعة كما تحدث الرئيس ليس جديداً، وسيظل هدف ادخالها بيت الطاعة الأمريكي والصهيوني قائماً كما هو قبل تحرك الشعب وبعده، وحديث الرئيس عنه لا يعطيه المبرر للاستمرار بالحل العسكري في مواجهة المحتجين، لأن الذريعة تسقط هنا تماماً، إذ المواجهة الحقيقية ينبغي أن تكون للاستهداف وليس مع الشعب.

قلنا هنا قبل يومين، إن سقوط القذافي سيفتح الطريق واسعاً للتفرغ لسوريا، وإن استبعاد التدخل العسكري فيها على غرار ليبيا، إنما يعني تدخلاً بما هو أقوى وأكثر نجاعة وتبريراً وأن ذلك قد بدأ فعلاً، وهو اعتباراً من بعد سقوط القذافي سيكون تدخلاً على أشده، ولن يكون نافعاً معه أي محاولة رسمية للرد عليه، إن كان على لسان وليد المعلم أو بيثنة شعبان، أو حتى الرئيس نفسه. وإذا ما أضيف إلى ذلك عدم القدرة للرد عسكرياً، فإن استشراف النتائج النهائية لم يعد صعباً، وها هي في طرابلس ماثلة، وتتحدث عن نفسها الآن، فما الذي سيمنع ذات الأمر عن دمشق أيضاً.

بالقياس والمقارنة، فإن خروج عشرة متظاهرين في سوريا إنما يوازي ألفا بالأردن، وربما عشرة الاف في مصر، وذلك للأسباب المعروفة أمنياً، وقد كان ذات المقياس نفسه في ليبيا تقريباً، وليس غائباً الآن أن كل الذين كانوا يخرجون تأييداً للقذافي بالساحة الخضراء هم أنفسهم الذين يخرجون بالساحة نفسها ويدوسون على صوره.

ولأن العبرة لمن يعتبر، فربما أن الأجدر للرئيس بشار توجيه خطاب صريح وسريع يعلن فيه انتصار ثورة شعبه سلفاً، واستعداده للسير معه على هذا الأساس وليس الاستمرار في طريق لن يؤدي إلا إلى السقوط.

==============

كيف سيسقط الأسد؟

عبد الرزاق قيراط

القدس العربي

23-8-2011

أخيرا قالها الرئيس الأمريكيّ 'ارحل يا بشار' و ردّدها معه زعماء الاتحاد الأوروبيّ ليطالبوا الأسد جهرة بالتنحي عن الحكم بعد أشهر من قمعه الدموي لأبناء شعبه المطالبين بالحرية و الكرامة. و بعدما اكتشفوا أنّ دعواته للحوار و الإصلاح كانت جوفاء، و هذا التوصيف الذي جاء على لسان أوباما يذكّرنا بحكاية الثعلب الذي سمع صوتا قويّا يصدر عن طبل تقرعه أغصان الشجر فتوجّه نحوه حتى انتهى إليه، فلما رآه ضخما قال في نفسه: إنّ هذا لخليق بكثرة الشحم واللحم. فعالجه أشد العلاج حتى شقّه، فلما رآه أجوف، قال: لعلّ أفشل الأشياء أعظمها جثة وأعظمها صوتا.

ليس أوباما إلاّ ذلك الثعلب الذي جاء في حكاية دمنة، و قد أرجأ حكمه على نظام الأسد انتظارا لتحقيق ما بشّر به من وعود إصلاحيّة، و طمعا في المحافظة عليه كأفضل حاكم لسوريّة باعتباره لم يظهر عداء عمليّا لإسرائيل البلد الذي يحتلّ الجولان. و مع ذلك، ليس من الإنصاف القول إنّ أوباما هو من عالج طبل النظام السوريّ المبشّر بالإصلاح حتّى عرف أنّه أجوف لا خير فيه. بل الشعب السوريّ هو من فضح ذلك الوهم و أثبت للعالم أنّه لن يركع رغم قصف الدبابات و السفن الحربيّة، و لن يقبل بالتخلّي عن هدفه في منتصف الطريق، و لن ينخدع بوعود الإصلاح المؤجّلة بأساليب تبعث على الضحك في أحيان كثيرة. فقد تيقّن منذ البداية أنّ تلك الوعود التي ردّدها الرئيس بشار في خطاباته كانت كمن يقرع طبولا جوفاء لإحداث الجلبة و إضفاء الشرعيّة على نظام يتهاوى.

و الآن تقرع الطبول للمطالبة برحيل بشّار، و يعلنها أوباما واضحة قائلا : 'من أجل الشعب السوري حان الوقت كي يتنحى الرئيس الأسد'. و قبل أيام من هذا الإعلان تمتّع النظام السوريّ بمهلة جديدة جاءت على إثر زيارة وزير الخارجيّة التركي إلى دمشق حيث نقل تنبيها تركيّا أخيرا تجاوبت معه دمشق بتأكيدها انتهاء العمليات العسكريّة و عودة الدبابات إلى ثكناتها. و لكنّ صور القتلى الذين يسقطون بالرصاص ظلّت ماثلة في جميع وسائل الإعلام المكتوبة و المرئيّة.

و كان ذلك كافيا لإثبات أنّ نظام الأسد لا خيار له إلاّ المعالجة الأمنيّة التي أظهرت فشلها في السيطرة على انتفاضة تتعاظم بصمودها في وجه القمع و استمرارها من جمعة إلى أخرى، و انتشارها في أغلب المحافظات.

و مجيء هذه الدعوات بعد خمسة أشهر من القمع الدموي قد يعتبر متأخّرا، و لكنّه قد يكون حاسما لا رجعة فيه لأنّه جاء بعد مناشدات للرئيس الأسد شخصيّا بأن يكون رجل الإصلاح لإنقاذ نظامه من عدوى الثورات التي استطاعت الإطاحة بالدكتاتوريّة في تونس و مصر. بل إنّ بشار حظي بأطول فترة من صبر المجموعة الدوليّة رغم الجرائم البشعة التي اقترفت في حقّ المتظاهرين المسالمين العزّل، فتأخّرت الإدانات ثمّ جاءت رمزيّة غير ملزمة تعبّر عن القلق و الانشغا ل لتعطي الفرصة تلو الأخرى لنظام يعِد بالإصلاح دون أن يحوّله إلى انجازات على الأرض.

فرغم الثقة المتجدّدة بأسد سوريّة، أثبت بتعنّته أنّه لا يسمع النصح معتقدا أنّ قوة السلاح ستكفيه لتحقيق أهدافه، فتجاهل أصوات العقلاء من الحكام و الكتّاب الذين خاطبوه مرارا و تكرارا.

تجاهل أردوغان الناصح الأمين حين طالبه بوقف حملة القمع الدمويَّة ضدّ المحتجين، و وضْعِ جدول زمني للإصلاحات بالسرعة الممكنة وتطبيقها بسرعة شديدة '، و لم يسمع نصيحة عبد الله بن الحسين ملك الأردن حين قال: 'أعتقد أنّ على بشار التواصل مع الشعب وأن يجلب الناس إلى الطاولة'. و رفض مطالب ساركوزي له 'بقيادة عمليّة تحوّل ديمقراطي لبلاده'. و لم يستجب حتّى للصديق الروسيّ ديمتري مدفيديف الذي سمع وعود بشار فحثّه على 'الإنتقال من الأقوال إلى الأفعال'. و كان الشاعر أدونيس قد انضمّ إلى الناصحين بالقول: 'على الرئيس الأسد أن يفعل شيئا ... الأسد قادر على إجراء الإصلاح'.

أمّا السيد عبد الباري عطوان فيعتبر من أوّل المنبّهين للأسد قبل وصول الثورة إلى بلاده قا ئلا: ' سورية تنتظر الشرارة، أو محمد بوعزيزي آخر، ومازالت هناك فرصة للحيلولة دون الانفجار الكبير.. فهل يسمع ويقرأ الرئيس الأسد؟' و لكنّ الأسد ظلّ على موقفه بل بدا كمن حزم أمره باختيار القمع دون سواه مخرجا لأزمة نظامه، حتّى وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه فخاطبه الرئيس التركيّ عبد الله غول و كأنّه تنبّأ بقرب النهاية: 'لا أريدك أن تنظر إلى الوراء يوما ما وتندم'.

و الندم الذي يتحدث عنه غول هو النتيجة التي ستعقب سقوطا متوقّعا لنظام الأسد.

و قد يتوهّم من يعتقد باستحالة ذلك، فنظام الأسد زائل و لو بعد حين، إمّا بقوّة الإرادة الشعبيّة كما وقع في تونس و مصر و إمّا بقوّة التدخّل العسكريّ كما يحدث في ليبيا و هذا ما لا نرجوه. و في الحالتين سيسقط الأسد بسبب تعنّته الذي أغلق في وجهه كلّ مخارج النجدة. فمن الصعب الآن بل من المستحيل أن يصدّقه أحد إنْ هو ردّد من جديد مقولة الإصلاح و قرع لها طبولا و رفع بها أصواتا. فقد عرف الشعب حجم الخديعة من تجاربه السابقة، و تجارب الشعوب هي التي تتحوّل إلى حكم و أمثال يدوّنها السابقون ذخرا للاّحقين، كما فعل ابن المقفّع في حكاية الطبل و الثعلب التي علّمتنا أنّ أفشلَ الأشياء أعظمُها جثة وأعظمُها صوتا. فلا تغرنّكم قوّة الأسد نفسه فقد يطيح به أرنب صغير كما ورد في مثل الأرنب والأسد. والحكاية في 'كليلة و دمنة' فاقرؤوا و اسمعُوا و عُوا. و اقرعوا بعدها طبول الرحيل لنظام وصل إلى طريق مسدود و بدأ يهوي في فراغ قاتل.

==============

النظم العربية: ثورة من فوق!

ميشيل كيلو

2011-08-22

القدس العربي

بعد تونس ومصر، وفي مقالة تستشرف ما سيجري في وطن العرب نشرت تحت عنوان'إصلاح أم تمرد'، قلت: إن الخيارات باتت واضحة كالشمس، فإما أن تبادر النظم العربية إلى إصلاح أحوال بلدانها ومواطنيها، أو أن تعيش تمردا مجتمعيا كاسحا يشبه ما وقع في البلدين العربيين الثائرين. ثم أضفت: إن الإصلاح المطلوب لا يجوز أن يكون من طبيعة جزئية أو التفافية واحتيالية، ولا بد أن يكون، كما قال أستاذنا الياس مرقص: 'إصلاحا اكبر من ثورة'، أو ثورة كاملة من فوق، بعد ثورة العسكر التي بدأت أوائل الخمسينيات وانتهت في مختلف أشكالها إلى فشل كامل مطلع العقد الأول من القرن الحالي، وها نحن نعيش إخفاقها الذي بدأت معالمه تتضح مع تونس، وتأكد في مصر أنه يفتح الباب أمام تحول لن يكون حدثا عابرا أو انقلابا عاديا، بل سيعد من الآن فصاعدا فاتحة تاريخ جديد يرجح أن لا يبقى بعده أي شيء على ما كان عليه.

هي إذن'ثورة من فوق': انقلاب على الذات تعده الحكومات، يشبه ما فعلته حكومات أوروبا بعد عام 1789، عندما أدركت أن زمنا جديدا أتى مع الثورة الفرنسية، وأن من الحتمي ملاقاته بتدابير وإجراءات حكومية تقوم من جهة على شد مفاصل الفئة الحاكمة وتوسيع صفوفها، عبر دمج قوى اجتماعية جديدة في عالمها السياسي ومشاركتها في مصالحها، وإن لم تنتم إلى عالمها الاجتماعي، على أن يتم الدمج بمنظار هذه القوى ولفائدتها، وبما يؤدي إلى تغيير وتجديد طابع القوى التي يراد الدفاع عنها، وهي هنا قوى الإقطاع، وتنهض من جهة أخرى على تحييد قوى المجتمع العاملة والمحرومة، التي يمكن أن تهدد أو تهدد بالفعل النظام القائم، منفردة أو بالتحالف مع رأس المال.

اعتمد الإصلاح، إذن، على ركائز ثلاثة: الحفاظ على ولاء قوى الأمر القائم العسكرية والأمنية. واستبعاد إمكانية قيام تحالف يضم قوى المجتمع الجديد: قوى العمال ورأس المال من خلال ربط الأخيرة بالنظام ربطا يجعل مصالحها منه فصاعدا معيار ومرشد سياساته ومصالحه، وإن بصورة تدريجية، وأخيرا، اتخاذ ما يلزم من إجراءات إصلاحية تمس علاقات الملكية وأشكال الحكم وممارسة السلطة، من شأنها أن تحول دون نشوب ثورة من تحت كالثورة الباريسية، التي أحيت أمل الحرية في عقول كبار فلاسفة ومفكري وأدباء أوروبا، مثلما يوقظ'الربيع العربي' أمل الحرية في قلوبنا، نحن عرب اليوم.

الإصلاح مرفوض لأنه انقلاب على الذات: هذا ما يقوله اليوم بعض حكامنا، ممن يخافون الخروج من القوقعة الضيقة التي سجنوا أنفسهم وشعوبهم فيها، ويرفضون خيار الشراكة مع قوى المجتمع الجديدة، قوى العمل والمعرفة، واتخاذ تدابير من شأنها الحيلولة دون تمرد المجتمع الأهلي، تلاقيه في منتصف الطريق وتلبي حاجاته ومطالبه، ويفضلون انتهاج طريق مختلفة تقوم على استخدام ما يملكونه من قوة ضد مواطنيهم، كأن القضاء على هؤلاء يكفي للقضاء على ضرورة الإصلاح، الذي إما أن يجعله فشل النظم أكبر من ثورة، أو أنه لن يرضي أحدا ولن يمنع طابعه الناقص أو الاحتيالي انطلاق التمرد تلو الآخر، إلى أن يقع أحد أمرين: دمار النظام وتغييره بالقوة، أو دمار المجتمع كله وإصابة الدولة بضرر بالغ يعطلها ويرميها على سكة انحدار قد تكون مديدة، لكنه لن تقوم لها قائمة ولن تقدر أن توقف انزلاقها نحو هاوية التاريخ السحيقة، أو تنجح في استعادة توازنها والتقاط أنفاسها مهما بذلت من جهد، لأنها تكون عندئذ كمحتضر يريد إيقاف زمان يسرع موته، أو كمهزوم يسعى إلى إخضاع الواقع لحسابات تقادمت وفات أوانها، مثلما حدث لدول شرقية عديدة بدت جبارة وعصية على التحدي والموت، لكن انفجار تمرد اجتماعي تلو الآخر قوض أركانها وحولها إلى حطام جعل كل من هب ودب من جيرانها يطمع فيها ويخضعها، مع أنها عاشت سنوات بل وقرونا بعد ذلك.

الغريب أن هؤلاء الحكام يسمون عنفهم ضد مجتمعهم عامة وقواه الجديدة خاصة إصلاحا، أو هم يجعلونه شرطا للإصلاح، كأنه يمكن أن يوجد في عصرنا إصلاح لا يغير السلطة، يقوم على إسكات المواطنين بالقوة وتخليهم عن مطالبهم وحاجاتهم، بما في ذلك تلك التي تتوقف عليها حياتهم، وعلاقاتهم مع الدولة وفيما بينهم، أو كأن القوة تصلح لحل مشكلات من طبيعة معنوية وروحية، لا تستقيم حياة الإنسان، بل ولا تكون حياة بدونها.

هذه الطريقة في الإصلاح يبررها أصحابها بمسوغين اثنين:

أولا: الشعب متآمر أو يسير وراء متآمرين، فلا مجال لإصلاح يغير أي شيء قبل القضاء على تمرده.

وثانيا: ليس الإصلاح ابن ضرورة تاريخية/ مجتمعية، بل هو نتاج إرادة سلطوية / سلطانية، ولا مفر من أن يقبله الشعب المهزوم باعتباره منحة من سادته، مع أن هدفه تثبيت سلطتهم لا الاستجابة لحاجاته أو لمقتضيات التطور.

هذا الأسلوب يجعل الإصلاح مساويا لإرجاء الحلول والتهرب منها، ويبني السياسة على تجاهل المشكلات كي تزول من تلقاء ذاتها أو تحل ذات يوم على حساب المجتمع، لكن النتيجة العملية الوحيدة التي تترتب عليه تتجسد في تعاظمها، الذي ينقل معالجتها من فشل صغير إلى فشل كبير، ومن أزمة قابلة للحل إلى أزمة مستعصية، هذا إذا فرضنا أن إصلاحا كهذا يمكن أن يحقق المحال: القفز عن الواقع وضروراته، والعيش خارج التاريخ وضد إرادة البشر!.

هناك بلا شك طرق أخرى للإصلاح، فالحتمية ليست تاريخية إلا بمعنى مجرد وعام. وما حدث هنا بهذه الطريقة قد يتحقق هناك بطرق مختلفة، لكنه يؤدي إلى النتائج عينها، وإن بعد زمن قد يطول. وهناك أمثلة تاريخية تؤكد صحة ما أقول جسدها نجاح بقية أوروبا في منع تكرار النموذج الفرنسي للتغير: نموذج الثورة من تحت. وكذلك نجاح الرأسمالية في فصل العمال عن المثل الأعلى الاشتراكي في البلدان الغربية، بقوة نمط حياة وعمل عاد عليهم بمغانم كثيرة، وحقق لهم ما لم تحققه الثورة للعمال في روسيا ومعسكرها.

واليوم، والعالم العربي يقف أحد احتمالين: الإصلاح أو التمرد، لا بد أن يكون الإصلاح هو الاختيار، على أن يلبي مطالب الناس وفي مقدمها حاجتهم إلى الحرية والعدالة الاجتماعية.

ولا عذر بعد اليوم لقائل: إننا لا نملك الوسائل والقدرات الضرورية لتلبية هاتين الحاجتين وما يتفرع عنهما، لكننا نملك العنف الكفيل بإقناع الشعب بالتخلي عنهما. بغير هذا إصلاح هذه مقاصده ومضامينه، سيلي التمرد الصغير التمرد الكبير، والمأزق السهل المأزق العصيب، والصمت الذليل الانفجار المدوي، إلى أن يتغير كل شيء: بدءا من ذلك الذي لا يدري أنه يذبح نظامه بيديه، إن هو ذبح شعبه!.

==============

عيد بعيدين.. سقوط القذافي ورحيل الأسد

نضال منصور

الغد الاردنية

نشر : 22/08/2011

قبل "الفاتح من سبتمبر" سيكون القذافي قد سقط وليبيا تحررت. ملك ملوك أفريقيا سيصبح من الماضي ولا أحد يعرف المصير الذي سيلاقيه، هل سيقتل في المواجهات المحتدمة في طرابلس الآن، أم سيهرب مثل الجرذان ليبحث عن عاصمة تؤويه، أم سيقبض عليه ليمثل أمام العدالة على جرائم لم تقتصر على الشعب الليبي بل امتدت لتشمل كل العالم العربي بل ودولا غربية، وهو ما أتمناه حتى لا يظن أي ديكتاتور بأنه سيفلت من العقاب؟!

تتحرر ليبيا من الطاغية الذي أشاع ظلما وفسادا، وسيكون عيدنا بعيدين. وما حدث مع القذافي الذي كان يطل على الشاشة ليقذف أهل ليبيا بالشتائم سيحدث مع النظام السوري أجلا أم عاجلا، وكل "التخاريف" التي ينسجها النظام حول المؤامرات التي تحاك ضده لن تحميه، وشعارات الممانعة والصمود لم تعد تنطلي على أحد.قبل أكثر من ثلاثين عاما كانت سورية قبلة الثوريين في الأردن. كنا حين نزور دمشق نشعر بالنشوة حين نرى الشعارات الثورية في كل مكان على الجدران. كنا نرى بعين واحدة، لم نكن نلتفت للقمع الذي يمارس بحق الشعب السوري، ولم تستوقفنا جرائمه في حماة، ولا ما تفعله سرايا الدفاع وعشرات الأجهزة المخابراتية بالمناضلين السوريين وغيرهم الذين يزجون بالسجون عقودا بدون حتى أن يسألوا عن أسمائهم.مواقفنا كانت مسيسة، مع أن قضايا حقوق الإنسان لا تتجزأ، ومن يريد الحرية لشعبه لا يجوز أن يُقبل منه منع هذه الحرية عن شعب آخر أو يقف غير مبال بها. إن النظام "الثوري" الذي يدعي دعم حركات المقاومة من المخجل أن يستبيح كرامة شعبه، وهو ما كان يفعله نظام الأسد الأب وواصله نظام الابن، وللأسف ظل كثير ممن يرفعون الشعارات الثورية ينكرون هذه الحقائق ويقفزون عنها حتى الآن. لم يطلق النظام "الثوري" في سورية رصاصة واحدة على إسرائيل من الجولان، ومع ذلك ظل الثوريون العرب يرون به رافعة المقاومة والتحرير. واصطف مع قوات التحالف الأميركي والأوروبي ضد صدام حسين حين احتل الكويت ولم يثر الأمر الكثير من الاستهجان.بعد عودة الحياة البرلمانية والديمقراطية للأردن العام 1989، زرت دمشق مرات قليلة، وبدأت أشعر بالغثيان من الشعارات الثورية الكاذبة التي اكتشفت حقيقتها متأخرا. وكانت صور وتماثيل الرئيس تقبض أنفاسي. وأكثر شعار لفت انتباهي ولن أنساه أبدا كان بعد وفاة ابن الرئيس باسل الأسد، فقد رفعت يافطات تقول "هنيئا لأهل الجنة بك يا باسل"! تيقنت حينها أن هذا الهذيان والاستبداد لن يحررا شبرا من الأرض السورية وبالتأكيد الفلسطينية، وأطلقت العنان لعقلي وفتحت بصري على جرائم النظام السوري في دمشق والتي لا تنسى، بدءا من قتل وسجن واختطاف المعارضين وليس انتهاء بدعم ميليشيات المرتزقة لتنفيذ مجزرة تل الزعتر في لبنان.سيرحل نظام بشار الأسد، وما يقلق هو نهر الدم الذي يسيل في شوارع سورية؛ سيرحل نظام الأسد ولن ينفعه الدعم الإيراني ومساندة حزب الله. والعقدة بسيناريو الرحيل وبالوقت الذي يتطلبه إحداث هذا التغيير والنصر!

الدرس الأهم في ربيع الثورات العربية يتلخص في حقيقة واضحة كالشمس، أن من يقتل شعبه لن يبقى في الحكم ولا تسامح معه أو تصالح. القذافي يعد اللحظات الأخيرة قبل الانعتاق الليبي من أربعة عقود من حكمه، والرئيس الأسد بدأ العد التنازلي لرحيله أيضا.

==============

متفائل جداً

محمد أبو رمان

الغد الاردنية

نشر : 23/08/2011

لم يكن مشهد المذيع الليبي وهو يهدد ويتوعد من الفضائية الرسمية "الجرذان" و"الصليبيين"، ويدعو الشعوب العربية إلى الدفاع عن نفطها وعن "ليبيا القذافي"، سوى أمر مثير للسخرية والضحك، بينما كان عشرات الملايين يتابعون اللحظات الأولى لفتح طرابلس بالثورة المزدوجة، من داخلها ومن القادمين من المدن الأخرى.

تهاوى القذافي سريعاً برغم المجازر والإبادة والتعذيب، ولم تصمد كتائبه ساعات قليلة، وفرّ أعوانه وأُسر آخرون، وانتهت بذلك حقبة من أسوأ الأزمنة التي مرّت على الشعب الليبي، إذ أمعن هذا المعتوه فيه تجهيلاً وإفقاراً، وإذلالاً، وجعل من دولته سخرية العالم، ومن نفسه بهلواناً مخجلاً لصورة العرب والمسلمين الحضارية!

ليس القذافي فقط من تهاوى وانهار، بل هي بقايا النظام الرسمي العربي، الذي كان مسؤولوه إلى ما قبل 24 ساعة فقط من تحرير طرابلس يراهنون على أنّ الاستعصاء الليبي واليمني والسوري، والسجالات المصرية والتونسية، هي عنوان انتهاء الحلم العربي واحتوائه بإصلاحات شكلية أو تخويف.

سقوط القذافي هو بمثابة ولادة اللحظة التاريخية الثانية في موجة الربيع الديمقراطي العربي، وهو نذير شؤم لنظامي الأسد وعلي عبدالله صالح. وقد كان الإعلام الرسمي السوري، لسخرية الأقدار، يبشّر حتى اللحظة الأخيرة بثبات القذافي، ثم قطع الحديث عن الثورة الليبية!

في الوقت نفسه كان الأسد يتحدث في مقابلة تلفزيونية عن الوضع الأمني المستقر، والتحسن الاقتصادي والحرية الإعلامية التي لا تعرف سقوفاً، وكأنّ المواطن السوري يعيش في السويد أو الدنمارك!

كنت أسأل نفسي وأنا أستمع إليه: من يخدع؟! هل يضحك على نفسه، أم على الشعب الذي يستمع إليه وهو يكتوي بنار القذائف وب"جحيم" التعذيب والاعتقالات، أم الوطن المجزأ عسكرياً لمنع المسيرات السلمية؟!

مثل هذه النظم هي خارج اللحظة التاريخية اليوم. ليس لها مكان تحت الشمس، فلا يمكن أن نستمع لمثل هذا الخطاب النرجسي المغرق في التغابي، إلاّ قبل العصر الجديد، عندما كانت الشعارات الزائفة الخدّاعة تستهوي قلوب الجماهير المكلومة، فتتنازل عن حقوقها الإنسانية والسياسية تحت وطأة الشعور بالوطنية، بينما، في الحقيقة، ذلك التنازل هو الخيانة العظمى للوطنية الحقة، فالأيدي المرتعشة لا تبني الأوطان والمقيدة لا تحمي البلاد!

الضربة القاصمة هي للتيار الرسمي العربي، ولمسؤولين متذاكين، كانوا يروجون لانتهاء "المولد الديمقراطي"، فجاء تحرير طرابلس ليؤكد أنّنا على أعتاب زمن جديد مختلف بالكلية، وأن عقارب الساعة لن تعود إلى وراء، وأن النظام الرسمي العربي بصيغته المتبقية قد انتهى، فإمّا أن تولد الثورة من رحم التغيير السلمي التوافقي أو تنفجر، لكنها لن تتوقف.

انتصار الثورة الليبية بمثابة رد صارم مزلزل على فلول تيار فكري وسياسي ما يزال يقفز على معاناة الشعوب العربية وجراحها، ويؤازر أنظمة فاشية مستبدة فاشلة، بدعوى القضية الفلسطينية والقومية ومناهضة الصهيونية.

لم يعد هذا الخطاب مقبولاً لدى الشارع العرب بحال من الأحوال، ولن يضحي أحد بحريته على مذبح دعاوى خادعة استُغلت فقط لتبرير الفساد والاستبداد وتسويق الظلم والطغيان. وقد أثبت المصريون بأمس، عندما أنزل فتى العلم الإسرائيلي عن السفارة، أنّ الشعوب العربية هي الأقدر على معرفة بوصلة المعركة، داخلياً وخارجياً، وأنّه لا خوف من شعوب حرة متحررة لها كرامتها، وتحترم ديمقراطيتها، فالخشية هي فقط من أنظمة عفنة وشعوب مرعوبة وثقافة تحتفي بالديكتاتورية والنفاق!

أنا متفائل جداً، فها هو الربيع العربي ينتشر، ليفتح أفقاً جديداً للأجيال القادمة، علّها تحظى بالعدالة والحرية والإنسانية.

==============

نظام الشبيحة فضح نظام الممانعة

غسان الامام

الشرق الاوسط

23-8-2011

كان الشاعر الفلسطيني الكبير عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى) صديقا لأبي، وأستاذا لي هو وغيره من الأساتذة الفلسطينيين، في المرحلة الثانوية. وكان الدكتور موسى الخوري مدرسا لي في قسم اللغة الإنجليزية الذي أسسه في كلية الآداب بجامعة دمشق.

لجأ إلى سوريا، في أربعينات النكبة، مائة ألف فلسطيني. وهو رقم كبير، في وقت لم يتجاوز عدد السوريين ثلاثة ملايين نسمة. وقد تداخلت الحياة السياسية والاجتماعية للسوريين والفلسطينيين، حتى قبل النكبة بعشرات السنين. وفي دائرة أسرتي، كمثال، أكثر من زواج واحد.

في سوريا اليوم 600 ألف فلسطيني (وسطي معدل الولادة خمسة أطفال لكل امرأة فلسطينية). لكن ليست هناك حساسية التعايش المشترك التي تطبع حياة أكثر من مليوني فلسطيني في الأردن، حيث يتمتعون بحقوق متساوية في المواطنة مع أشقائهم الأردنيين. وهي الحقوق ذاتها التي يتمتع بها فلسطينيو سوريا، باستثناء حق الانتخاب والتجنيس، حرصا على انتمائهم للأرض السليبة.

في الجغرافيا، كنا ندرس مادة «سوريا الطبيعية» أي ولاية الشام التي كانت تضم، منذ العصر الأموي إلى العصر التركي، سوريا الحالية. لبنان. فلسطين. الأردن. من هنا، كان الاعتقاد الراسخ لدى السوريين، بأن النضال من أجل فلسطين واجب قومي ووطني.

ومن هنا أيضا، كان هناك سوريون في قيادة الثورات الفلسطينية. استشهد سعيد العاص (من حماه) وعز الدين القسام (من الساحل السوري)، وهما يقودان مع البطل الفلسطيني عبد القادر الحسيني أكبر تلك الثورات (1936)، تحت وطأة حصار ثلاثة آلاف جندي بريطاني لهما. ودفنا في أرض فلسطين.

غير أن افتراقا حدث بعد هزيمة النكسة (1967). فقد حصل ياسر عرفات على اعتراف عربي (1974) بأن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين. في الرؤية السورية، كانت هذه الاستقلالية الذاتية مخالفة لمنطق التاريخ. فلسطين في الحقب الصليبية وغيرها لم يحررها الفلسطينيون، إنما حررتها وحدة مصر وسوريا في عهد صلاح الدين الأيوبي وغيره.

استقلالية القضية الفلسطينية، في المنطق القومي، وفي المفهوم السوري، هي التي أغرت السادات بعقد صلح الكامب الذي فصل بين القضيتين المصرية والفلسطينية. وهي التي جعلت الأسد وصدام ينشئان تنظيمات فلسطينية محسوبة على سوريا والعراق. وكانت آخر نصيحة للسياسي السوري المعتزل أكرم الحوراني هي تلك التي أزجاها لعرفات (1968) بعدم فصل القضية الفلسطينية عن القضية السورية.

استقلالية عرفات (الممثل الشرعي) جعلته ينهج سياسة عملية. لكن عدم استشارة العرب مسبقا في خطواته، خوفا من مزايدتهم عليه، أوقعه في أخطاء استراتيجية: الاعتراف المبكر بإسرائيل في الثمانينات، من دون اعتراف إسرائيلي مقابل. الخروج على الإجماع العربي في مؤتمر مدريد التفاوضي (1991). وعقده اتفاقا منفردا مع إسرائيل في أوسلو. ثم معاهدة صلح أبقت على الاحتلال العسكري. كل ذلك أدخله في متاهة مفاوضات عقيمة، انتهت بانطفائه جسديا وسياسيا في حصار رام الله. وموته (2004).

الاتفاق تسبب في اختلاف بين الأسد رجل الدولة. وعرفات رجل الفوضى. غير أن الخلاف كان في الواقع حول أسلوب وتكتيك إدارة الصراع العربي / الإسرائيلي، ثم في العلاقة مع أميركا. وضع عرفات والسادات بيضهما في السلة الأميركية، معتبرين أن أميركا هي الخصم. وهي الحكم.

لم يكن الأسد يفترق كثيرا عن هذه الرؤية. في مفاصل السياسة الاستراتيجية، كان الأسد أميركيا. في التفاصيل، كان الأسد مناكفا لأميركا، رغبة في كسب مصداقية لنظامه لدى شارع عربي مشبع بثقافة العداء لأميركا (الإسرائيلية). ها هو الأسد يدخل لبنان (1976) بضوء أخضر أميركي، خلافا لرأي موسكو. وها هو يشارك بقوات سورية في إخراج صدام من الكويت (1990). وفي مؤتمر مدريد العربي / الإسرائيلي، تحت المظلة الأميركية.

تركز الصراع السوري - الفلسطيني في لبنان، خلال الحرب الأهلية. لإدامة الهيمنة العرفاتية على لبنان، ومواصلة الحرب بتمويل ليبي، خسر عرفات حليفه اليساري اللبناني كمال جنبلاط. وخسر الأسد حليفه الشيعي موسى الصدر المعارض للحرب.

بعد الفشل السياسي للغزو الإسرائيلي للبنان (1982)، سلمت أميركا بدور الأسد كشرطي هناك، بعد حرب استنزاف قادها مع الشيعة والدروز ضد القوات الأميركية والإسرائيلية، فرض الأسد على الرئيس أمين جميل بلع مشروع اتفاق الصلح مع إسرائيل. ونفى العماد عون إلى فرنسا.

كان الأسد في غاية الذكاء والمناورة في قبوله اتفاق الطائف، من دون أن ينفذ مضمونه بالانسحاب العسكري من لبنان.

بعد إخراج أميركا وإسرائيل لعرفات من لبنان، عاد محاولا التقرب من الأسد في دمشق. كان الرفض مطلقا. أنقذ رفعت الأسد (المختلف مع شقيقه) حياة عرفات، بإخراجه من دمشق حيا. فطارده حافظ في لبنان من مخيم إلى مخيم. اغتيل سعد صايل (أبو الوليد) أفضل ضابط فلسطيني. قادت منظمة «أمل» بقيادة نبيه بري دبابات تي 55 السورية على المخيمات الفلسطينية. فقتل 2500 فلسطيني ولبناني في الثمانينات.

لم يكن الابن على مهارة الأب في إدارة الصراعات، وعقد وفك التحالفات. تعرضت العلاقة الفلسطينية إلى خلل أكبر خصوصا، وعلاقة سوريا العربية عموما. حافظ بشار على سياسة الأب في احتضان منظمات الرفض والممانعة الفلسطينية، كورقة تفاوضية قوية في التفاوض مع أميركا وإسرائيل، لكن بتمويل وتعاون أكبر مع إيران، بحيث مكنها من اختراق المشرق العربي، وحماس في دمشق وغزة، فجعلت الحياة صعبة على العرب وعلى النظام الفلسطيني في رام الله.

وهكذا، لأول مرة يدخل النظام العلوي في مواجهة حقيقية مع أميركا وأوروبا، كان الأب يتفاداها بحنكة، حرصا على استمرار واستقرار نظامه القائم على قاعدة شعبية وطائفية ضيقة. الآن بدا واضحا أن الغرب يميل إلى ترحيل هذا النظام، بعدما فقد قدرته على إبقاء سوريا والمنطقة في حالة من الاستقرار، تمكن إسرائيل من البقاء في الجولان.

لم أعرف شعارا سياسيا أردأ من معادلة (الممانعة والاعتدال) التي نحتتها آلة الدعاية السورية / الإيرانية. كانت الانتفاضة السورية محكا. اختبارا. امتحانا لنظام الشبيحة. هجومه على مخيم الرمل في اللاذقية عرى نظام «الممانعة». وكشف بشار. ونجاد وحسن حزب الله، أمام الفلسطينيين.

الهجوم على المخيم الفلسطيني، أسقط قناع «الممانعة» الذي خدع العرب والفلسطينيين، بالتظاهر باحتضان المقاومة الفلسطينية، وكشف انحياز حزب الله وإيران ضد انتفاضة ملايين السوريين، بدعوتهم إلى الصبر على المجازر، ريثما يتفرغ نظام الشبيحة لتحقيق الإصلاح الموهوم!

ثم يأتي الهجوم الفلسطيني المنطلق من إمارة حماس في غزة على منتجع إيلات، لينقذ حكومة نتنياهو من الانتفاضة الإسرائيلية الداخلية ضدها، ولإحراج القيادة العسكرية المصرية التي تتأهب لإصدار وثيقة مدنية الدولة المصرية التي يعارضها الإخوان.

ثم أخيرا لإحراج سلطة محمود عباس الذي سوف يحمل بعد أيام طموح الفلسطينيين إلى إعلان دولتهم، عبر الأمم المتحدة. إنها الممانعة الإيرانية / السورية التي تحرص على استخدام العنف مرة أخرى، لتقدم الفلسطينيين إلى العالم، وكأنهم غير مؤهلين وغير جديرين بدولة مستقلة.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ