ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 22/08/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

ادعموا الشعب السوري

تاريخ النشر: الأحد 21 أغسطس 2011

جيمس زغبي

الاتحاد

منذ أشهر والعالم يشاهد تصعيداً للعنف القاتل في سوريا في وقت لجأت فيه حكومة الأسد إلى أساليب القمع الوحشي بشكل متزايد في محاولة لسحق انتفاضة جماعية في البلاد. وإذا كانت الحكومة تقول إنها عرضت على المحتجين سلسلة من مقترحات الإصلاح، فإن قمعها الوحشي والدموي لمظاهرات سلمية عموماً يطرح علامات استفهام بشأن جدية نيتها في تغيير مقاربتها للحكم. ولئن كانت المفاوضات بين النظام والمعارضة بشأن الانتقال إلى الديمقراطية ممكنة ربما في مرحلة ما، فإن تلك اللحظة قد مرت منذ وقت طويل بالنظر إلى قسوة وخشونة سلوك الحكومة. ونتيجة لذلك، زاد المحتجون تصميمهم، وباتوا يطالبون اليوم بإسقاط النظام. وهذا بدوره جلب مزيداً من القمع.

والحال أن صور عشرات ومئات الآلاف من المحتجين وهم يواجهون الدبابات والجنود والقناصة كانت ملهمة. غير أنه بقدر ما أذهلت شجاعة الشعب السوري وقدرته على الصمود العالم، بقدر ما كان العناد المرَضي للنظام محيراً. فعلى رغم أن الطريق الحالي الذي تسير عليه الحكومة مسدود، إلا أنها ترفض بقوة كل الدعوات الموجهة لها لتغيير الاتجاه، بما فيها دعوات صادرة عن دول صديقة سابقاً. وبذلك يمكن القول إن "النظام مقبل على الانتحار"، كما قال محلل يساري لبناني.

ومما يزيد من قلقنا بشأن سوريا حقيقة أنه إذا كان النظام قد فقد كل الشرعية، فإن المعارضة المتشرذمة هي أيضاً ليست قادرة على الحكم وضمان أمن وسلامة الشعب السوري وصيانة حقوقه. ولعل المثير للقلق بشكل خاص هو وضع الأقليات الدينية والإثنية الهشة وأعداد كبيرة من الفلسطينيين والعراقيين الذين لجأوا إلى سوريا. فكثيرون يشعرون بأنهم قد يواجهون الآن خطر سيناريو شبيه بذلك الذي عرفه العراق. وهذا الخوف من مستقبل مجهول هو الورقة الأخيرة التي مازال النظام يستطيع لعبها، ما سمح له بالحفاظ على دعم بعض فئات المجتمع السوري.

غير أن هذا العنف والقمع طال أمدهما وهناك مؤشرات خطيرة على أنه في حال استمرارهما، فإن الوضع قد يفلت ويخرج عن السيطرة أكثر، مع تنامي حالة الفوضى وانعدام القانون، والدعوات إلى الانتقام، والعنف الطائفي. ولئن كان هذا أيضاً شيء يردده النظام كثيراً بهدف التخويف، فما من شك في حقيقة أن الحالة الراهنة إنما تعزى إلى سلوك النظام نفسه: انشغاله بالذات على نحو ينمُّ عن أنانيته، وصمه الآذان عن صرخات شعبه، ووحشيته، وتاريخه بخصوص رفض السماح بتطور أي مؤسسات سياسية مستقلة حقيقية في البلاد.

وفي هذا الأسبوع، اتخذ أوباما خطوة مهمة هي إعلان أن الرئيس الأسد ينبغي عليه أن "يتنحى جانباً" و"يتنحى عن طريق" عملية انتقالية في سوريا، وقد أشفع ذلك ب"عقوبات غير مسبوقة لتعميق العزلة المالية للنظام". وبعد ذلك بوقت قصير دُعمت جهوده بخطوات مماثلة من قبل العديد من الحلفاء الأوروبيين.

ولئن كان بعض "الصقور" هنا في واشنطن قد انتقدوا الإدارة لعدم تحركها بشكل أسرع وعدم القيام بأكثر من ذلك، فإنهم خاطئون تماماً. ذلك أن السياسة التي تنتهجها إدارة أوباما مناسبة وصائبة بشكل عام حتى الآن. فأميركا تستطيع زيادة الضغط، وفرض عقوبات، والدفاع عن الحرية والحقوق السياسية، وتنسيق الاستراتيجيات مع الحلفاء؛ ولكن ينبغي ألا نفترض أن أميركا تستطيع لعب دور أكبر عبر التدخل بشكل مباشر. فبعد حربين فاشلتين ومتهورتين في المنطقة، وتاريخ من التجاهل القاسي للحقوق الفلسطينية، مما لاشك فيه أن الولايات المتحدة ليست قادرة على أن تقود المبادرة في الحالة السورية. كما أن معظم السوريين (ومعظم العرب عموماً) سيرفضون دوراً أميركيّاً مثل هذا.

وقد كنت أتمنى لو كان ثمة حل سهل متيسر أو طريق واضح إلى الأمام. ولكن لا شيء من ذلك متاح اليوم. غير أن ما هو واضح بالمقابل هو أن الوضع في سوريا قد وصل إلى مرحلة حيث يمكن ويجب على العالم العربي أن يرد. فمن غير المقبول ألا يقابل الوضع الحالي في سوريا بمحاولة لكبح جماح النظام؛ ومن غير المقبول أن يظل العرب صامتين ويبدوا عاجزين في وقت يتواصل فيه ارتكاب الفظاعات.

وعليه، فيتعين على الجامعة العربية أن تؤكد أن نظام الأسد قد فقد أي شرعية كانت لديه في الماضي داخل العالم العربي وتعلق بسرعة عضويته في المنظمة، بحيث تعلن أن النظام قد خسر الحق في لعب دور في مستقبل سوريا ومستقبل المنطقة. وإذا كانت هذه الخطوة في حد ذاتها لن تضع حدّاً للعنف ولن تمهد الطريق لعملية انتقال السلطة، فإنها ستزيد من عزلة النظام وكشفه. ولأن المعارضة الحالية ليست مستعدة لتسلم المسؤولية عن البلاد، فإن جامعة الدول العربية يمكن أن تنضم إلى تركيا لعقد مؤتمر يجمع مختلف الفرقاء السوريين بهدف المساعدة في إعدادهم لمرحلة انتقالية، حيث يمكنها أن تعرض عليهم توفير الموارد والدعم لهذه العملية الانتقالية. ومن المهم بشكل خاص أثناء التحضير لهذا المؤتمر الحرص على إشراك كل فئات المجتمع السوري، بما يؤدي إلى خلق حوار وطني يضمن للأقليات الدينية والإثنية حقوق أبنائها كمواطنين متساويين في سوريا الغد مؤمنة.

ويخشى البعض أن تشجع خطوات من هذا القبيل إيران على لعب دور أكثر دعماً ونشاطاً في سوريا. ولكن إيران ووكلاءها يقومون منذ الآن بدعم النظام والاستثمار فيه. والواقع أن الشعب السوري هو الذي يفتقر إلى راع إقليمي. ولذلك، فإنه في حاجة إلى دعم قوي ودراماتيكي من أشقائه العرب. وكلما تلقى السوريون الدعم والمساندة التي يستحقونها بسرعة، كلما كان ذلك أحسن!

===============

تركيا والدبلوماسية الهادئة مع سوريا

فاطمة مسعود المنصوري

التاريخ: 21 أغسطس 2011

البيان

أعطت الثورات أو الانتفاضات الشعبية التي شهدتها المنطقة العربية فرصة كبيرة لتركيا للعب دور دبلوماسي وإنساني يمكنها من خلاله كسب عقول وقلوب الشعوب العربية، وذلك من أجل خلق مكانة ونفوذ لها في المنطقة العربية. لذلك لم تتوان تركيا عن البروز كداعم للشعب العربي في مصر وثورته ضد نظام الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك منذ الوهلة الأولى، كما أنها وقفت مع الشعب الليبي ضد نظام الزعيم معمر القذافي وإن كانت تلك الوقفة لم تكن بسرعة وقفتها مع الشعب المصري إلا أنها تداركت الأمر وأصبحت اليوم داعمة لحكومة المجلس الانتقالي الليبي في بنغازي.

 وعندما اندلعت الانتفاضة السورية ضد نظام الرئيس بشار الأسد وقفت تركيا مع الطرفين ومسكت العصا من الوسط، محاولة من ذلك للحفاظ على شعرة معاوية، وإن كانت صريحة واتخذت بعض المواقف المؤيدة للشعب السوري من خلال فتح أراضيها لاستقبال اللاجئين السوريين الهاربين من ويلات الآلة العسكرية السورية واحتضانها للمعارضة السورية، إلا أن دبلوماسيتها ظلت هادئة في طرحها لتصورها لمستقبل سوريا ومستقبل الوضع هناك حيث بقت هادئة وبعيدة نوعاً ما عن إثارة التوتر والعداء مع النظام السوري.

فلقد أبقت تركيا على علاقتها مع النظام السياسي السوري قائمة حيث انها لم تدعو إلى إسقاط النظام أو رحيله، ولم تتحدث عن فقدان النظام السوري لشرعيته، بل كانت متمسكة بضرورة إجراء إصلاحات سياسية على النظام السياسي السوري وضرورة وقف اندفاع الآلة العسكرية السورية ضد الشعب السوري، حتى أنها وضعت قدراتها أمام النظام السوري لمساعدته في إجراء الإصلاحات السياسية المطلوبة في البلاد. فبالرغم من وقوف تركيا مع مطالب الشعب السوري في التغيير إلا أنها لم تتبن مطلب تغيير النظام أو على الأقل لم تعلن عنه صراحة.

هذا الموقف التركي يأتي متماشياً مع المواقف الدولية المختلفة ولاسيما مواقف الدول العربية التي شجبت ونددت بأعمال العنف التي تجري ضد الشعب السوري على يد الآلة العسكرية السورية، إلا أنها لم تؤيد تغيير النظام أو رحيله. فهي بذلك تبقي الباب مفتوحاً أمام النظام السوري ليجري تعديلات وإصلاحات من شأنها وقف حالة عدم الرضا الشعبي الدائر في سوريا.

إن هذه الدبلوماسية الهادئة التي تتبعها تركيا تجاه الوضع الدائر في سوريا مردها مجموعة من الاعتبارات التي تراها تركيا أنها تصب في صالحها الوطني. فتركيا دولة جارة لسوريا ولديها حدود مشتركة وكذلك هموم مشتركة. فتركيا تتخوف من انفجار الوضع في سوريا إلى درجة أن تجد تركيا نفسها في خضم المعمعة هناك حيث ان توتر الوضع في سوريا قد يؤدي إلى امتداد الاضطرابات إلى داخل الحدود التركية.

فتدفق اللاجئين السوريين بأعداد كبيرة إلى الجانب التركي سيمثل عبئاً على تركيا التي مازالت تعاني من وجود اللاجئين العراقيين فيها. لكن الملف الأكثر تعقيداً والذي يجعل تركيا تفكر كثيراً قبل القدوم على أي تحرك تجاه سوريا هو ملف الأقليات الكردية والعلوية الموجودة في كل من تركيا وسوريا.

فأنقرة تعلم أن عليها دراسة الأمور من جوانبها المختلفة حتى تكون في الجانب السليم عندما يأتي الأمر بإثارة الأكراد في تركيا أو العلويين فيها. فالشريط الحدودي بين الدولتين الذي يمتد لأكثر من ثمانمائة كيلو متر يعيش على طرفيه أعداد كبيرة من الأكراد ومن العلويين الذين قد يثيرهم توتر الأوضاع في سوريا إلى إثارة مطالب لا تخدم مصالح تركيا لاسيما وأن البلدين كانا على وشك الدخول في حروب بينهما بسبب الأكراد، ولعل تركيا تدرك خطورة تأثير حزب العمال الكردستاني في سوريا على الأمن والاستقرار في تركيا.

كما أن تركيا لا يمكن أن تدعم تدخلاً أجنبياً عسكرياً في سوريا لأن من شأن ذلك أن يؤجج مثل تلك الأوضاع وقد يؤدي إلى تقسيم سوريا وهو ما لا يصب في صالح أنقرة على الإطلاق.

لذلك فإن أنقرة تنظر إلى ضرورة احتواء الخطر القائم ومنعه من الانتشار بشكل يؤدي إلى مخاطر وتهديدات كبيرة على الأمن التركي وذلك من خلال تحقيق التوازن بين الجانبين والمحافظة على العلاقة قائمة مع النظام السوري ومع الشعب السوري، هذا ما يفسر لنا إتباع أنقرة الدبلوماسية الهادئة في التعامل مع سوريا وهي الدبلوماسية التي اعتبرها البعض انها دبلوماسية غامضة. ولكن إذا ما انحرفت الأمور عن ما تسعى له تركيا وأدى ذلك إلى دخول البلاد في فوضى أمنية وحرب أهلية فإنها لن تتوانى عن التخلي عن نظام الرئيس بشار الأسد لصالح الوقوف مع الشعب السوري.

===============

درس سوري في الجغرافيا

عمر قدور()

المستقبل

21-8-2011

تقول نكتة يتداولها السوريون إن مساعدي الرئيس أوباما قدموا له التقرير اليومي عن أحداث العالم، والذي تضمن وقوع اضطرابات في ساحل العاج وانتشار المجاعة في الصومال وسقوط قتلى في درعا؛ سأل أوباما: أين تقع ساحل العاج؟ ثم سأل: أين تقع الصومال؟ وأخيراً سأل: في أي مكان من درعا سقط القتلى؟ "درعا البلد" أم "درعا المحطة"؟

لم تكن غالبية السوريين قبل الانتفاضة تعلم بوجود هذا التقسيم في مدينة درعا، مثلما لم تكن تعرف الكثير من المناطق السورية الأخرى، وربما لو أتى الخبر عن دخول الدبابات إلى "حمورية" مجرداً من الإشارة إلى كونها في ريف دمشق لاختلط الأمر على البعض، فلم يدروا إن كان ذلك يحدث في ليبيا أو سوريا. درعا ذاتها لم تكن مدينة تثير الاهتمام لدى بعض السوريين، فهي مدينة صغيرة لم يسبق لها أن اشتهرت بسمعة بارزة، طبعاً قبل أن تتقدم إلى الواجهة من خلال أطفالها الذين قضوا تحت التعذيب، أولئك الذين لم يُتح للكاميرا توثيق الفظائع التي ارتكبت بحق طفولتهم على غرار ما حدث للطفل حمزة الخطيب. الآن بات الكثيرون يعرفون حتى أسماء بعض القرى الصغيرة في درعا. بفضل المظاهرات الحاشدة أثبت الأهالي وجودهم على خريطة سوريا؛ وجود لأناس كانوا مغيّبين إلى وقت قريب، أناس من لحم ودم، وخاصة من دم.

على العموم لا يبدي السوريون اهتماماً بجغرافيا بلدهم، وقلّما تجد لدى أحدهم خريطة تفصيلية لسوريا. هذه الخرائط تباع عادة في الأماكن التي يرتادها السيّاح، أما أبناء البلد فلا يقتنونها، لا لمعرفة عميقة بالأماكن، وإنما لمحدودية المناطق التي يسافر إليها السوري، وهو على الأرجح يسافر بحكم الحاجة وقلما يسافر بدافع الفضول والاستكشاف. أيضاً مقررات الجغرافيا لا تستهوي الطلاب السوريين، ويندر أن تجد طالباً يرغب في التخصص بها، مع أن أعين الكثيرين منهم مشدودة إلى خارج الحدود أملاً بحياة كريمة، وربما لهذا السبب بالذات كانوا يكتفون من معرفة الداخل بأدنى درجات النجاح. لذا بقيت معرفة السوريين ضئيلة بأبناء بلدهم، ما لم تحتم عليهم ظروفهم الانتقال للعيش في مكان آخر، ولذا كانت هذه المعرفة مبتسرة ونمطية، وتكاد تأخذ طابعاً يتعلق بالمنبت المناطقي بغض النظر عن الوقائع الاقتصادية.

الآن، مع الانتفاضة السورية، انقلبت الموازين؛ مثلاً ثمة بلدة تدعى "بنّش" يتكرر اسمها في الأخبار، بسبب مظاهرات الأهالي أولاً واقتحامها بالدبابات تالياً. في الواقع نادرة هي المعلومات المعروفة عن "بنّش"، وحتى معرفة موقعها الجغرافي تحتاج خريطة تفصيلية إلا لمن سيكتفي بانتمائها إلى المنطقة ذاتها التي تنتمي إليها بلدة "كفر نبل" وهي تصدّر عبر اليوتيوب مشهداً مماثلاً من المظاهرات وضحايا القمع. الأمر مختلف مع حمص؛ فهي معروفة جداً لأنها تقع في منتصف عقدة الطرق التي تصل مختلف أنحاء البلاد، وإن وجد مَن لم يصلها فقد وصلته نكات عن أهاليها. الحماصنة هم أنفسهم المصدر الرئيسي للنكات التي تروى عنهم، ولم يتوقفوا عن ذلك في أثناء الانتفاضة، ولم ينل قصف الدبابات من روحهم الساخرة، فألّفوا عنها الكثير من الطرائف وصولاً إلى اقتراح استخدامها كوسائل للنقل العام في فترات الهدوء.

شاهد عيان من حمص أجاب على سؤال لإحدى الفضائيات بأن إطلاق النار في منطقة تواجده "لأبو موزة"، وهو تعبير محلي يُقصد به الكثرة، شكرت المذيعة شاهد العيان من "منطقة أبو موزة"، وتكريماً له صار الأهالي يطلقون عليها الاسم نفسه. في الواقع تغيرت بعض معالم الجغرافيا السورية، ففي الطريق الدولي الذي يصل بين مدينتي حمص وحماة لن يشاهد المسافرون كالمعتاد من نوافذ حافلاتهم التمثالَ الضخم للرئيس الأب، بعد أن قام متظاهرو بلدتي "الرستن" و"تلبيسة" بإزالته. حدث هذا قبل أشهر من امتلاء ساحة العاصي في حماة بمئات آلاف المتظاهرين المصحوبين بغناء "ابراهيم القاشوش". في "الحملة التأديبية الأولى" للمدينة قُتل ما يزيد عن الستين شخصاً، واقتُلعت حنجرة القاشوش وألقي بها في نهر العاصي، يقولون إن النهر قد تغير بعد أن امتلك حنجرة يشدو بها.

للانتفاضة في سوريا خريطتها الخاصة، فإثر كل جمعة يصدر النشطاء كشفاً بأماكن المظاهرات مصحوبة بتسجيلات الفيديو وحصيلة القتلى والجرحى في كل منها. يوم السبت قد تختلف الصورة قليلاً أثناء تشييع الضحايا، أما القتلة فلا يتغيرون. يضمّ الكشف الأسبوعي عدداً ضخماً من المظاهرات وأماكن انطلاقها مما لا يتسع له وقت الفضائيات المعروفة، وهناك متظاهرون في قرى نائية لم يتمكنوا من إيصال صورة انتفاضتهم جيداً، فوصلت أخبار اقتحامها من قبل قوات الأمن قبل أن تصل أخبار مظاهراتها. لكن الأبرز هو عدم وجود تراتبية نهائية وثابتة في جغرافيا الانتفاضة، فما أن تم سحق المظاهرات الضخمة في ساحة "درعا البلد" حتى تم التعويض في ساحة "الساعة" في حمص، والتي أطلق عليها المتظاهرون اسم ساحة الحرية. أما مشهد المظاهرات الكبرى في "ساحة العاصي" في حماة فقد يبقى طويلاً في الذاكرة، وعلى الأرجح لم ولن يفكر أحد بتغيير اسم "ساحة العاصي".

بالتأكيد صار السوريون أكثر معرفة ببلدهم، مع أن الخرائط لم تدخل ضمن اهتماماتهم وبقيت بانتظار سياح آثروا عدم المجيء في هذا الوقت، وحتى الذين اعتادوا على السفر بقصد الاصطياف اضطروا إلى ملازمة مناطقهم. لكن فضول السوريين الجغرافي، إن جاز التعبير، ازداد مع اتساع رقعة الانتفاضة، وربما كانت الانتفاضة بهذا تنجز مشروعها الوطني خارج الشعارات التي ترفعها. فمع كل تقدم لها يكتسب السوريون معرفة جديدة بالوطن الذي يطالبون بحريته. أنجزت الانتفاضة ما عجزت عنه الشعارات الوطنية للنظام خلال عقود، وما عجزت عنه المقررات البليدة للجغرافيا. خلال أشهر قليلة تعلم السوريون عن أنفسهم ما لم يكن متاحاً لهم من قبل، هو درس في الجغرافيا باهظ الثمن، درس يتعلمونه كلما اختبر القناصة مهاراتهم في مكان جديد، وأحياناً يتعلمونه بالدبابات والقصف المدفعي، وكأن لسان حالهم هو: "القصف" أصدق إنباءً من الكتب.

==============

هل باتَ ممكناً ل "الفكر المقاوم" أن يتجاوز نفسه؟

دلال البزري

المستقبل

21-8-2011

كتبَ الصحافي اللبناني قاسم قصير في مجلة "الأمان" (12-8-2011) مقالا تناول فيه ما وصفه بال"أصوات الشيعية المستقلة" الداعية الى دعم الشعب السوري، وأعلن عن سعي هذه الاصوات الى تشكيل إطار جديد لها، مستقل عن "أمل" و"حزب الله"، واسم هذا الاطار هو "التجمع المدني اللبناني". ويتابع قصير، واصفا الافكار الثلاث التي تحرك عقول افراد هذا التجمع، وقوامها: أولا انه "لا يمكن ان يكون هناك موقفان من الثورات العربية"، دعم لتونس ومصر وليبيا والبحرين واليمن، والوقوف "مكتوفي الأيدي" امام مطالبة الشعب السوري بإقامة الديموقراطية. ثانيا، ان المطلوب هو "عدم ربط الموقف الشيعي بالنظام السوري، رغم دعم هذا الاخير للمقاومة". ثالثا، يجب عدم التخوّف من حصول "أحداث طائفية أو مذهبية"...

هذه مبادرة محمودة. فالثورة السورية بالذات، أكثر من أخواتها العربيات الاخرى، تهزّ قواعد التفكير في منطقتنا، لدى جماعة المقاومة والممانعة، كما وسط خصومهم. لكننا الآن بصدد الجماعة الاولى؛ بصدد مناقشة بوادر "مراجعة فكرية" يقوم بها مثقفون وكتاب "شيعة"، والأرجح ان المقصود هنا مثقفون وكتاب كانوا على هذه الدرجة او تلك من التأييد لل"مقاومة". والسؤال الذي تطرحه مبادرتهم هذه هو عن مدى عمق مراجعتهم هذه للأفكار التي تأسست عليها المقاومة وجاء الحدث السوري ليهزّها، ليصدمها.

صحيح ان الافكار الثلاث الأولية المطروحة تنطوي على إرادة في المراجعة، أقله في ما يخص الكيل بمكيالين في ما يتعلق بالثورات العربية، والاقرار بأن الشعب السوري إنما يطالب بالديموقراطية، والدعوة الى معاملة الخطر الطائفي كتهويل يغذّيه النظام السوري بدأب، من دون إنكار استجابة بعض المعارضة لصداه.

ولكن هذه الأفكار هي مثل التحليق السريع فوق كومة من الافكار الاخرى، يبثّها سياسيو المقاومة ومثقفوها واعلامها. وهنا عينة مما يمكن استخراجه من هذه الكومة، والمطلوب معالجته من قبل هؤلاء المثقفين المبادرين.

حول مفهوم العدالة: المقاومون، بعمومهم، يرفضون العدالة التي يطالب بها الشعب السوري، كما يرفضون العدالة التي يطالب بها، على الاقل، قسم من اللبنانيين، ربما نصفهم، في ما يخص جرائم ارهابية ارتكبت بين الاعوام 2005 و2007 في لبنان. في رفضهم الأخير هذا، اللبناني، يحاججون باستدعاء جرائم اسرائيل: "كيف تطالبون هنا بالعدالة ولا تطالبون بالاقتصاص من اسرائيل على جرائمها؟".

طبعا لا أحد يمتنع عن المطالبة بهكذا اقتصاص، ولكن هل نرفض عدالة نسبية باسم تعلقنا بعدالة مطلقة، يعلم الجميع، ومعهم "المقاومون"، انها لا تتحقق الا في السماء؟ هذا اذا افترضنا طبعا ان رافضي العدالة اللبنانية المحلية عاملون بجدية على استرداد كل الحقوق المسلوبة، لا توظيفها...

في الموضوع السوري، الموقف نفسه: يرفضون عدالة نسبية في سوريا بذريعة الظلم الفادح الذي لحق بالثورة البحرينية. واحيانا يضيفون اسرائيل وحقوق الفلسطينيين المسلوبة (هل يكررون الآن هذه الحجة بعد تعرض مخيم الرمل الفلسطيني للقصف والتشريد؟ وبعدما وجه جيش النظام نداءات الى اللاجئين باخلاء مخيمهم واعتبار كل من يبقى فيه "مقاوما"؟).

يعمل السياسيون "المقاومون" على تأمين "حياد" الحكومة اللبنانية تجاه الحدث السوري؛ وحجتهم "عدم التدخل في الشؤون السورية". وهم يعلمون أكثر من غيرهم ان سياسة النظام السوري "البرانية" والتي أدامت حياته كل هذه المدة هي تلك "الاذرع"، أو "الاوراق" التي خلقها في محيطه الاقليمي، وحولها الى نقطة ارتكازه الاستراتيجية، وقلعته الحصينة تجاه شعبه.

"الذراع" اللبنانية هي الأقوى، أو الأضعف، من بين الأذرع الاقليمة الاخرى، أقوى من الذراع الفلسطيني الذي يفترض فيه الضعف، نتيجة التشتت والانقسام والاحتلال. هي الذراع التي تجاوزت الانسحاب العسكري عام 2005 وعادت وامتدت عبر قنوات أمنية سياسية شبه معلنة، يفهمها من الِف الكودْ السياسي اللبناني. تدخّل سوري في أدق تفاصيل الحياة اللبنانية، وبديناميكية عدوانية، مقابل العمل الحثيث على إنكار ما يحصل في سوريا؛ ولا نقول هنا "عدم تدخل لبناني"... فالكل يدرك ان لبنان دولة لا تطلب غير "الستر"، حتى مع القوة الجبارة ل"حزب الله"، أو ربما بسبب هذه القوة احيانا.

الدعوة الى "الحوار"، النظام السوري يلحّ على الحوار، وكذلك "حزب الله". والاثنان يعلمان بأن التحاور مع من وضع مسدسه على الطاولة، ليس بحوار، انما هو دعوة الى ترجمة القوة العسكرية او الامنية التي هي على الارض الى موقف سياسي مذعن. تعالوا الى الحوار، يقول "حزب الله"، ولكن بشرط ان لا تفتحوا سيرة هذا المسدس الذي على الطاولة، أي تعالوا لنصوغ السطوة النهائية ل"حزب الله" على لبنان من دون الاشارة الى ان هذه السطوة اساسها السلاح.

هل يفعل النظام السوري غير ذلك؟ انه يعلنها بوضوح، وبلا أية اضافات تجميلية جراحية. يضع الشعب السوري أمام معضلة استثنائية: إما ترفضون الحوار ونستمر بالقتل، أو تقبلون الحوار ونستمر، أيضا، بالقتل. الاختلاف هو في درجات القوة بين حزب الله والنظام السوري، لكن النتيجة هي التشابه المطبق بين منطق النظام ومنطق الحزب.

انها معركة ضد "الامبريالية والصهيونية"، "مؤامرة" حاكها الاثنان. وهذه الفكرة هي الأكثر رواجا في الاعلام السوري الرسمي والاعلام "المقاوم" على حد سواء. وهي تعاني من عيبين: الاول انها سينيكية محضة، لا تخفي ابدا ما يدحضها. فالامبريالية الاميركية الغربية لم تصل يوما الى العجز الذي نعرفه عنها اليوم. والنظام السوري واصدقاؤه المقاومون يسخرون علنا من هذا العجز من دون ان يرف لهم جفن. يقهقهون لعلمهم ان ازاحتهم سوف تضر الامبريالية. ولا يسلكون دربا مغايرة مع الصهيونية، وتصريح رامي مخلوف ما زال ماثلا في ذاكرة الجميع....

وهم فوق ذلك، يستلذون بالموقف الصيني والروسي الرافض لإدانة جرائم النظام، ويحسبونه دعما للقضية القومية والممانعة الخ. من دون ان يبذلوا جهدا في التقاط ما يتراءى من تلك المواقف من مصالح لهذه الدول (هم دائما لا يحبون التكلم الا عن "مصلحة" الامبريالية والصهيونية، لا عن "مصالح" الحلفاء والاصدقاء)، ولا ما يقف خلفها من احتقار رسمي لمسألة حقوق الانسان. صحيح ان الامبريالية تبيع وتشتري في هذه المسألة، ولكن حسابها يختل عندما تبلغ انتهاكات حقوق الانسان حدود الفضيحة.... حقوق الانسان هي ايديولوجيتهم الرسمية. اما الصين وروسيا...

العيب الثاني في هذه الفكرة، العتيقة، انها تحجب تبدلات المعطيات الدولية. ليس فقط الضعف الذي أصاب المركز (الامبريالية) واستعداد الصين نفسها لأن تكون الامبريالية القادمة، بل ايضا في اسرائيل نفسها؛ وقد رفع متظاهروها، أو المنتفضون ضد نظامها كما يعلن المشتركون فيها، شعارات منسوخة من الثورات العربية. شعاراتها "إرحل" (بالعربية) و"الشعب يريد العدالة الاجتماعية"، لا تخفي نقدها القاسي للدولة الاسرائيلية التي تنفق على الاحتلال وعلى المستوطنات والمتدينين ما يجب ان تنفقه على بناء المنازل لأبناء الطبقة الوسطى، كما يقول المتظاهرون الاسرائيليون.     

أعجب ما صدر عن أدبيات "المقاومة" في هذه الايام السورية، هو مقارنة بين حرب تموز 2006 وبين الثورة الشعبية الثورية: بمعنى ان الذي يحصل الآن في سوريا هو اعتداء شرس على المقاومة. طبعا هنا المعتدون هم المتظاهرون و"المقاومة" هي آلة القتل التي تفتك بهم... وهي واقعة يشبّهها "مقاومونا" بالاعتداء الذي شنته اسرائيل على لبنان في حربها الثالثة ضده. حسنا، ماذا لو تغلّب النظام على شعبه الذي ينوب عن الصهيونية والامبريالية؟ هل يكون انتصاره هذا شبيها ب"انتصار" حزب الله، "التاريخي والاستراتيجي والالهي" عام 2006؟ وهل يكون الإطباق على الشعب السوري في هذه الحالة شبيها بإطباق "حزب الله" على الشعب اللبناني، بكافة طوائفه الحاضنة منها والمعادية؟ أم ماذا...؟

================

موقف لا بد منه!

صالح القلاب

الرأي الاردنية

21-8-2011

لأن الأردن يخشى على سوريا وعلى الشعب السوري ,بعد وصول العنف الذي تستخدمه السلطة هناك ضد شعبها إلى حدود باتت تهدد بفوضى عارمة قد تفضي إلى الحرب الأهلية أو التمزق, ولأن الأردن يخشى أيضاً من نزوح لا قدرة له على استيعابه وكذلك من وصول شرر هذه النيران المتأججة إليه فإنه لم يعد باستطاعته الاستمرار بالصمت والسكوت وبخاصة وأن الرئيس الأسد رفض ويواصل الرفض الاستماع لصوت العقل والحكمة ويصر على الإفراط في استخدام القوة الغاشمة.

قبل أيام قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ,وهو يبرر عدم قدرة بلاده على السكوت عما يجري في سوريا من تصعيد لم يعد بالإمكان احتماله,:عندما يُشعِلُ أحد الجيران النار في بيته الذي هو أحد مجموعة بيوت خشبية متلاصقة فإنه إن لم يتحرك أصحاب هذه البيوت لمنعه وبالقوة من مواصلة ما يفعله فإن الحرائق ستأكل بيوتهم جميعها لا محالة.

في منتصف سبعينات القرن الماضي ,وكانت الحرب الأهلية اللبنانية في ذروتها, برر الرئيس السوري السابق حافظ الأسد إرسال جيشه إلى لبنان بأنه لا يستطيع احتمال تواصل نزوح اللبنانيين إلى بلاده بعد أن أصبح عددهم نحو ربع مليون إنسان وبأنه لا يمكن أن يبقى ساكتاً بينما بات هذا البلد المجاور يغرق في الفوضى وذلك لأن هذا يشكل تهديداً خطيراً لأمن سوريا الوطني والقومي.

لا يوجد ,من قِبَل الأردن, أي تفكير وعلى الإطلاق بأي تدخل غير سياسي وغير إنساني في الشأن الداخلي السوري لكن هذا لا يعني أننا سنبقى صامتين بينما دولة عربية مجاورة شقيقة تعيش هذا الوضع الخطير الذي سينعكس حتماً وبأشكال متعددة على كل الدول المجاورة ومن بينها بلدنا إن لم يكن هناك تحرك عربي وإقليمي لحمل نظام دمشق على عدم مواصلة هذا العنف الأهوج الذي يمارسه ضد شعبه.

لا يمكن تصديق حكاية «العصابات المسلحة» هذه التي غدت معزوفة ممجوجة ثبت حتى لأعمى البصر والبصيرة أنها مجرد كذبة لتبرير هذا الذبح المتواصل الذي يتعرض له الشعب السوري فعندما يكون هناك نحو ثلاثين ألف معتقل وأعداد غير معروفة من المفقودين والجرحى فإن المفترض أن أعداد هذه العصابات تصل إلى عشرات الألوف وهذا يذكرنا بالمثل القائل :»شو عرّفك إنها كذبة قال من كبرها».

لم تكن هناك أي عصابات منذ البداية وحتى الآن ولذلك فإنه على الذين يقبضون على مقاليد الأمور في دمشق أن يفهموا أن حبل الكذب قصيرٌ وأن الاستمرار بالتصعيد في ممارسة كل هذا العنف الأهوج سيجعل الشعب السوري يبحث عن السلاح بأي طريقة للدفاع عن نفسه وعن أطفاله وممتلكاته وهذا هو الذي يجعلنا نقف هذا الموقف ويجعلنا مجبرين على التعاون مع الأشقاء الآخرين في المنطقة ومن بينهم تركيا لإطفاء هذه النيران المتأججة قبل أن تنتقل إلى الدول المجاورة ومن بينها بلدنا.

===============

سيناريوهات سورية

يحيى محمود

الرأي الاردنية

بين التهوين والتهويل تمضي الاحدث في سوريا الى محطتها النهائية المنتظرة، والتي لن تكون بالتأكيد المحطة نفسها التي انطلقت منها.فمن يتابع السيناريوهات المطروحة بشان ما قد تؤول اليه الاوضاع السورية يلحظ حجم التوظيف المستهدف من هذه السيناريوهات. سواء لجهة اخافة المطالبين بالتغيير من احتمالات التدخل الخارجي والفتنة الطائفية والحرب الاهلية وتقسيم البلاد، او لجهة اثارة الرعب في المحيط من التفاعلات المحتملة للحدث السوري على الساحات المجاورة، ودخول العاملين الاسرائيلي والايراني على خط هذه التفاعلات. ولان المقصود هنا ليس التهوين مقابل هذا التهويل فان ما يجري في سوريا غير مقطوع الصلة تماما بما تشهده المنطقة من جهة، كما ان ما ستنتهي اليه الاوضاع السورية سيؤثر بشكل او باخر على المنطقة بمجملها. الا ان المخاوف من بدائل الوضع الحالي في سوريا كعامل عدم استقرار اقليمي يبدو انها لم تعد قائمة بالحدة السابقة نفسها، بل وان المواقف الاقليمية والدولية المستجدة بدأت بتجاوزها. وما الموقف الذي اتخذته معظم الدول العربية وقبلها تركيا تجاه العنف الذي يمارسه النظام السوري بحق المتظاهرين الا ترجمة لتجاوز عقدة الخوف من احتمالات التغيير في سوريا.

ومن الواضح في هذا السياق ان حسابات النظام السوري التي اخذت منذ بداية الاحداث بمثل هذه المنظومة من الاعتبارات بدأت تواجه عواقب تبددها واحدة بعد الاخرى، وبما يعيد النظام الى المربع الاول المتمثل في ان العنف لن يوقف الاحتجاجات، وان البديل الوحيد المتاح امامه هو اجراء اصلاحات سياسية حقيقية او الرحيل.ويجدر هنا التذكير بالعد العكسي لنفاد الوقت امام النظام، والذي تولته تركيا بالنيابة عن اخرين كثر.وبالتدقيق في المراحل التي مر بها الموقف التركي ومعه الاميركي والاوروبي يتضح ان التباطؤ الذي شهده تطور هذا الموقف مرتبط فعلا بتعقيدات الوضع السوري الاقليمي وخصوصيته، ببعديه الاسرائيلي والإيراني وما بين هذين البعدين من اصطفافات على امتداد المنطقة، تحت عنوان ما اصطلح عليه بجبهة الممانعة. اما الان ومع تصاعد وتيرة التضامن الشعبي العربي مع المنتفضين السوريين، وتبدد القناعات بفكرة المؤامرة الخارجية على النظام السوري الممانع،فان الفترة المقبلة ستشهد على الارجح المزيد من المواقف الاقليمية والدولية المؤيدة لمطالب المنتفضين السوريين المطالبين بالتغيير.وفي هذا السياق كان الموقف الاميركي هو الاكثر وضوحا حيث ابدت واشنطن حرصها على عدم اتخاذ مواقف متقدمة منفردة ضد ممارسات النظام السوري، ورهنت علنا موقفها بتصعيد المواقف العربية والدولية، وهو الامر الذي بدانا نشهده بوضوح منذ ايام.اما المتوقع الان فهو العودة الضاغطة عبر مجلس الامن الدولي لاستصدار قرارات اكثر شدة تجاه النظام. فيما تتولى تركيا تجهيز الارضية السياسية والعسكرية اللازمة لاي تدخل محتمل في المسالة السورية.وتبقى كلمة السر الذهبية التي بامكانها ايقاف عجلة العد العكسي لتطورات المرحلة الاخيرة في سوريا هي الايقاف الفوري لاعمال العنف ضد المحتجين السوريين والشروع بالاصلاحات الحقيقية المطلوبة.. والا فان سيناريو التغيير سياخذ مداه كما حدث في تونس ومصر ولكن على الطريقة السورية التي ربما تكون اكثر كلفة ليس الا.

===============

المعارضة السورية هذا هو عنوانها

الأحد, 21 أغسطس 2011

عبدالله إسكندر

الحياة

مساء كل يوم خميس يُعطى اسم لاحتجاجات الغد في سورية. وفي كل يوم جمعة نرى شعاراً واحداً للتظاهرات التي تسير في غالبية المدن وأريافها، ونسمع هتافات كثيرة مشتركة لكل هذه التظاهرات.

ليست الصدفة وراء هذه الظاهرة، التي تتطلب مناقشات طويلة وتشاوراً مستمراً وتنسيقاً عميقاً وتجاوز صعوبات الاتصال والتنقل، في ظل انتشار امني لم تشهد له البلاد مثيلاً وبطشاً دموياً يطول كل مناطق التظاهر.

وهكذا، في مواجهة اوسع حملة دموية ورقابة امنية استثنائية، يتمكن المتظاهرون في مدن وأماكن متباعدة، من ايجاد صيغ مشتركة لتحركهم وشعاراته، وهذا ما يُظهر ان ثمة عملاً دؤوباً ينطلق من كل الأحياء ليصب على مستوى الوطن، وعلى ان ثمة منظمين لهذا العمل يتناقشون ويتشاورن ليكون اي تحرك في اي حي جزءاً من حركة الاحتجاج العامة في البلاد.

لقد تدرجت حركة الاحتجاج المعارضة من مطالب مناطقية واقتصادية في بدايتها الى مطالب اصلاحية سياسية، وصولاً الى مطلب تغيير النظام، وهذا يعني ان ثمة تعاملاً يومياً مع الأحداث وتفاعلاً مع الرد الامني للسلطة على كل هذه المطالب، اي أن هناك تحليلاً سياسياً للأحداث واختياراً للمطلب والشعار اللذين يناسبان التطورات، ما يكشف في ذاته أن ثمة تعاملاً سياسياً رفيعاً مع الأحداث، لا يقتصر على قدامى المعارضين وإنما يشمل جيلاً جديداً يعمل على الأرض في الأحياء والمدن، ويتمكن من ايجاد صيغ مشتركة تجمع كل المتظاهرين في انحاء البلاد.

هؤلاء المنظمون المجهولة غالبية اسمائهم، شكلوا ومازالوا يشكلون، القيادة الميدانية والسياسية لحركة الاحتجاج، انهم «التنسيقيات»، التي تتواجد في كل انحاء البلاد. واذا كان من الصعب التعرف بدقة الى كيفية عملها، فانه يمكن تصور ان ثمة هيئات على مستوى الاحياء تجتمع وتنتدب أحداً منها ليتعامل مع نظيره في حي آخر، على ان يختار مندوبو الأحياء ممثِّلاً عنهم يتصل بنظرائه في المدن الاخرى، لتتشكل من هؤلاء الممثلين او المندوبين القيادة الوطنية للتحرك الاحتجاجي.

قد تُسمع خلال بعض التظاهرات، خصوصاً تلك التي تنظم لتشييع ضحية، شعارات حادة وفئوية تعكس مشاعر غضب وثأر من السلطة وأعوانها، لكن غالبية الشعارات المشتركة تعكس برنامجاً سياسياً شبه موحد، يؤكد الحريات ووحدة الشعب ومدنية الدولة وديموقراطيتها والمساواة بين المواطنين والحفاظ على كرامة جميع السوريين.

هذا البرنامج السياسي هو الجامع لكل تلاوين المعارضة السورية، القديمة منها والمستجدة، وهو يصلح ليشكل البديل الذي يُجمع عليه السوريون، والذي على اساسه سينشأ النظام السياسي المقبل.

لقد باتت في سورية معارضة شعبية واسعة لها قيادتها وبرنامج الحد الادنى الذي يجمعها، ما يُسقط حجج السلطة في مسألة «العصابات المسلحة»، ويُسقط أيضاً حجج داعمي النظام والمترددين في الداخل والخارج، الذين يتحدثون عن الفوضى والتقسيم والتصفية الطائفية في حال انهيار النظام، بذريعة انه ليست هناك قوة معارضة قادرة على تسيير شؤون البلاد.

ويبدو اليوم ضرورياً اكثر من أي يوم في الشهور الستة التي مضت على اندلاع حركة الاحتجاج في سورية، ان تتحول قيادة التنسيقيات ناطقةً باسم المعارضة والطرف المفاوض على مستقبل الحكم. ويبدو ايضاً ان هذه القيادة تعي هذه الضرورة، بعدما ارتفعت المطالبات الدولية برحيل النظام، فغداة اعلان الموقف الاوروبي والاميركي واستشعار الموقف الكامن لدول إقليمية، أعلنت هذه التنسيقيات اندماجها في هيئة واحدة تحت اسم «الهيئة العامة للثورة السورية» من أجل «توحيد الجهود الميدانية والإعلامية والسياسية وضرورة الانصهار في بوتقة عمل واحدة»، كما قالت في بيانها. وأوضحت هدفها بأنه «بناء سورية كدولة ديموقراطية مدنية ودولة مؤسسات تضمن الحرية والمساواة والكرامة واحترام حقوق الانسان لكافة مواطنيها».

وهكذا باتت في سورية معارضة معروفة العنوان والبرنامج السياسي.

===============

من يقف وراء الاحتجاجات في سورية؟

الأحد, 21 أغسطس 2011

رضوان زيادة *

الحياة

مع تزايد الاحتجاجات والتظاهرات وتصاعدها في أكثر من مدينة سورية حتى شملت في 22 نيسان (أبريل) الماضي أكثر من 84 مدينة وبلدة سورية، بدأ السؤال يتصاعد بقوة وهو من يقف وراء الاحتجاجات في سورية؟ وما هو دور المعارضة السورية؟ وهل ستلعب المعارضة في المستقبل دوراً في توجيه مسار الأمور في سورية فيما لو سقط النظام السوري الحالي كنتيجة لتصاعد الاحتجاجات واتساعها؟

لا بد من القول في البداية أن الانتفاضة السورية هي انتفاضة شعبية غير منظمة من دون قيادة محددة ولا تحمل أية أيديولوجيا محددة. إنها شبيهة تماماً بالحالة التونسية أكثر منها بالمصرية حيث لعبت الحركات الشبابية مثل حركة 6 أبريل أو مجموعة «كلنا خالد سعيد» دوراً محورياً في تحديد يوم الخروج للتظاهر ضد نظام الرئيس مبارك في يوم عيد الشرطة في 25 كانون الثاني (يناير) الماضي، لكن في الحالة السورية وبحكم شدة القبضة الأمنية فقد كان من المستحيل تماماً وجود حالات منظمة أو شبه منظمة لحركات شعبية حتى ولو نشطت في السر، ولذلك وجدنا عشوائية كبيرة في مناطق خروج التظاهرات في كل المدن السورية تقريباً ومن دون تنظيم مسبق، وعشوائية أخرى في طريقة رفع الشعارات رغم تركيزها الكبير على الحرية والكرامة التي هي بالتأكيد العنوان الرئيسي للثورة السورية، كرد على احتقار الدولة الأمنية السورية لطريقة التعامل مع مواطنيها.

لكن مع تطور الاحتجاجات كانت التظاهرات تزداد حجماً من أسبوع إلى آخر كما أن المطالب والشعارات تزداد جرأة في الوقت نفسه، حتى توحدت بشكل ما تحت شعار «الشعب يريد إسقاط النظام»، هذا الشعار الشهير الذي بدأ من تونس وتردد في مصر ونجح في إسقاط نظامين من أكثر الأنظمة القمعية في المنطقة العربية.

كان من الطبيعي بعد ذلك أن يخرج قادة ميدانيون في كل مدينة قادرون على تنظيم التظاهرات وحركتها ومحتوى الشعارات التي يجب أن ترفع، وقد لعب هؤلاء القادة الميدانيون دوراً محورياً في تصاعد هذه الاحتجاجات. وبالرغم من أنهم ما زالوا حتى هذه المرحلة أشبه بالقادة المحليين ولم يرتقوا كي يصبحوا قادة على المستوى الوطني، فهذا الأمر يحتاج إلى بعض الوقت، إلا أن طريقة تنظيم التظاهرات تعكس أن هناك تنسيقاً ما بدأ يؤتي بثماره في تنظيم التظاهرات على المستوى الوطني.

لقد لعب المسجد بكل تأكيد دوراً محورياً بخاصة في مراكز المدن الرئيسية في استخدامه كنقطة بدء للتظاهرات أكثر من كونه موجهاً لها، فتطبيق قانون الطوارئ في سورية لمدة تزيد عن 47 سنة لم يؤدِّ فقط إلى حظر التظاهرات والتجمعات وإنما قضى على التقاليد الضرورية لتمرين الشباب على الخروج والتظاهر من أجل المطالبة بحقوقهم، وهي الحالة التي وجدناها تماماً في أميركا اللاتينية حيث لعبت الكنيسة دوراً رئيسياً في قيادة الاحتجاجات ضد الأنظمة العسكرية هناك ولذلك أطلق عليها ما سمي بلاهوت التحرير.

في الحقيقة لا ينتمي أي من هؤلاء القادة الميدانيين إلى أي من الأحزاب السياسية الأيديولوجية التقليدية، بل ربما يحاذرون الانتساب إليها أو حتى فتح حوار مع قادتها حول أفكارها التي لم تعد جاذبة لهم ولحركتهم.

وعلى ذلك فإنه يمكن تقسيم المعارضة السورية اليوم إلى ثلاثة أنواع رئيسية تلعب دوراً في تصاعد الاحتجاجات الحالية في سورية:

- المعارضة التقليدية: وهي تشمل أحزاب المعارضة التقليدية التي أبعدت أو رفضت الدخول في «الجبهة الوطنية التقدمية» الحاكمة التي تشكلت في عام 1972 ثم انتظمت في ما يسمى «التجمع الوطني الديموقراطي» في عام 1983 وهي تشمل حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب الشعب الديموقراطي وحزب العمال الثوري وحزب البعث العربي الاشتراكي الديموقراطي، وكما نلحظ فإنه يغلب التوجه القومي واليساري على توجهات كل الأحزاب المنخرطة في هذا التجمع، وهناك أيضاً «الإخوان المسلمون» الذين خاضوا صراعاً مسلحاً مع السلطات السورية في ثمانينات القرن الماضي خلّف عشرات الآلاف من القتلى وقامت الأجهزة الأمنية السورية باعتقال أكثر من مئة ألف خلال فترة الثمانينات والتسعينات من أجل قمع الاحتجاجات وإلى الآن يوجد أكثر من 17 مفقوداً لا تعرف عائلاتهم مصيرهم، وقد أصدرت السلطات السورية القانون رقم 49 الذي يحكم بالإعدام على كل منتسب إلى «الإخوان المسلمين».

ولذلك فتواجدهم على الأرض انعدم تماماً مع بقاء بعض التعاطف تجاههم كونهم تحمّلوا الكثير من القمع والاضطهاد، لكن في الوقت نفسه هناك من يحمّلهم من السوريين المسؤولية عن حملهم السلاح ويلقي باللائمة عليهم بالرغم من أنه يدرك تماماً أن المسؤولية الكاملة إنما تقع على عاتق الدولة، ولذلك فإن تأثيرهم في هذه الأحداث ضعيف تماماً حتى بعد أن اتخذوا قرارهم بدعم الاحتجاجات في سورية.

وقد استطاعت المعارضة السورية وتحديداً بعد عام 2005 أن ترتقي خطوة أخرى باتجاه تجميع جهودها تحت مظلة ما يسمى «إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي»، وقد ضم تحت مظلته بالإضافة إلى التجمع شخصيات مستقلة، كما أعلن «الإخوان المسلمون» السوريون الموجودون خارج سورية عن تأييدهم لهذا الإعلان والانضمام إليه.

كل هؤلاء لعبوا دوراً ثانوياً في قيادات التظاهرات أم حتى التحريض للخروج فيها، بل ولم تظهر أحزاب المعارضة التقليدية تلك القيادة الضرورية لتوجيه التظاهرات وتحقيق ضغط أكبر على النظام من أجل رحيله والتحول باتجاه نظام ديموقراطي كما تطالب كل وثائقها السياسية التي صدرت خلال العقود الماضية، لكن لا بد من الإشارة إلى أن بعض هذه القيادات لعب دوراً محلياً في توجيه التظاهرات وقيادتها ولكن في مرحلة متأخرة كما فعل حزب الاتحاد الاشتراكي في تصاعد التظاهرات في مدينة دوما بالقرب من مدينة دمشق حتى زادت الأرقام عن 50 ألف متظاهر.

لكن لا بد من القول هنا أنه وبحكم خبرة أعضائها السياسية الطويلة فإن هذه المعارضة التقليدية تتمتع بالخبرة السياسية الضرورية في التفاوض ربما من أجل إدارة المرحلة الانتقالية القادمة في المستقبل، وربما ولهذا السبب قامت الأجهزة الأمنية السورية باعتقال كل قياداتها بالرغم من أنها تدرك تماماً دورهم المحدود في إخراج التظاهرات، لكنها رغبت في منع هؤلاء القادة من تطوير البديل المناسب والضروري، بحيث يبقى النظام السوري ممسكاً بكل خيوط اللعبة ومهدداً بنفس الوقت بأن الفوضى هي البديل الوحيد عنه.

- أما النوع الثاني من المعارضة فهم القادة الميدانيون، فقد برز خلال هذه التظاهرات نوع جديد من القادة هو ما أشرنا إليه بأنهم قادة ميدانيون يتمتعون بالاحترام داخل مدنهم المحلية وأثبتوا قدرة على القيادة وتنظيم التظاهرات وتوجيهها، وفي نفس الوقت امتلكوا القدرة على امتلاك خطاب صلب مناهض للنظام بالرغم من الظروف الصعبة التي يعيشون فيها مما شجع الكثيرين على الخروج والتظاهر، وهم ينتمون جميعاً إلى الطبقة الوسطى وذات تحصيل علمي عال. إن كل هؤلاء القادة الميدانيين إما معتقلون أو يعيشون متخفين خوف الاعتقال مما يصعب مهمتهم، لكن وكما قلنا فلما كانت هذه الانتفاضة لا تملك قيادة خاصة بها فإن من المستحيل على النظام قمعها عبر اعتقال قياداتها لأنه كل يوم تقريباً تظهر قيادات جديدة تقود التظاهرات وتحرض عليها.

- أما النوع الثالث من المعارضة التي برزت خلال هذه الانتفاضة فهم النشطاء الحقوقيون ونشطاء الإنترنت الذين أبدوا قدرة رائعة ونادرة على كشف انتهاكات حقوق الإنسان وفضحها وتمرير هذه المعلومات إلى المنظمات الحقوقية الدولية مما ساعد في كشف حجم الجرائم المرتكبة من قبل قوات الأمن السورية وزاد من حجم الانتقادات من قبل المنظمات الدولية والمجتمع الدولي، وهو ما زاد من حجم الضغوط الدولية التي كان أبرزها صدور قرار من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بإرسال لجنة تحقيق دولية إلى سورية للتحقيق في كل انتهاكات حقوق الإنسان التي جرت خلال الأشهر الماضية.

وفي النهاية هناك دور المعارضة السورية في الخارج، فتصاعد الانتفاضة قرّبها كثيراً من الداخل بحيث تلعب الآن الدور المحوري والأساسي في إيصال صوت السوريين إلى الخارج عبر الإعلام بحكم منع تواجد الإعلام والصحافة في كل المدن السورية. هذه المعارضة أتاحت لها لقاءاتها السياسية تصاعد الضغوط الدولية على النظام السوري، كما تمكنت من شرح وجهة نظر المعارضة في الداخل بحكم اعتقال معظم قياداتها أو منعهم من السفر.

* باحث زائر في جامعة جورج واشنطن

===============

طبيعة التدخلات الأجنبية وأهدافها

فايز سارة

الشرق الاوسط

21-8-2011

لم يعد من الممكن في عالم اليوم عزل أي تطورات محلية عن محيطها الإقليمي والدولي، بحكم جملة التشابكات المصلحية القائمة، وبفعل الحساسيات التي تتركها التطورات المحلية على محيط يوصف بأنه «قرية صغيرة»، بل ربما كان غرفة في شقة واحدة لكنها كبيرة وواسعة بعض الشيء.

لقد وفر التواصل ووسائل الاتصال أوسع الفرص لمعرفة أدق التفاصيل لما يحدث في المدن والقرى، ونقل الأحداث وقت حدوثها بالصوت والصورة، مما جعل فكرة التدخل الخارجي فيما يجري لرسم نتائج مناسبة، أو للتأثير في تلك النتائج، أمرا ممكنا ومطلوبا في بعض الأحيان من جانب طرف أو أطراف. غير أنه، قبل التوقف عند التدخلات الخارجية، لا بد من ملاحظة دوافعها، التي يمكن أن تتوزع في اتجاهين، اتجاه يتصل بالمخاوف، وآخر يتصل بالمصالح، سواء كانت قريبة أو بعيدة. إن فكرة التدخل الناتجة عن المخاوف، غالبا ما تستند إلى واقع التجاور الحدودي، حيث يكون للتجاور تأثيرات سياسية واقتصادية أو أمنية، كما هو حال وجود الأكراد على امتداد حدود سوريا مع تركيا، أو بسبب مصالح تتصل بالثروات الباطنية أو المياه الجارية، وكلها يمكن أن تتأثر في حال حصول تطورات محلية عاصفة في واحد من بلدان متجاورة، بل إن فكرة التدخل الناتجة عن المخاوف قد تكون أبعد من الجوار المباشر، كما هو حال مخاوف الجوار الأوروبي للفضاء المتوسطي من الهجرة والتطرف الديني اللذين يمكن أن يصيبا الدول الأوروبية، نتيجة أحداث تصيب دولا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ستؤدي إلى تدفق موجات من المهاجرين إلى أوروبا، كما حدث بالنسبة لتونس مؤخرا.

أما التدخلات بسبب المصالح، فإنها لا تفترض الجوار المباشر وربما الجوار البعيد، وهي غالبا تتصل بالدول الكبرى، التي لها مصالح من طبيعة استراتيجية، وإن كانت لا تقتصر عليها، حيث لبعض الدول الصغرى في مناطق إقليمية معينة مصالح تدفعها للتدخل في بلدان أخرى، وإن كان ذلك قليل الحدوث، أو هو مقترن بشروط محددة.

إن المصالح في هذا الجانب من التدخلات، يمكن أن تستند إلى أسباب سياسية تقوم على تقاربات أو تحالفات على نحو ما كانت التدخلات السوفياتية - الأميركية، وقد تكون لأسباب اقتصادية تتعلق بالثروات والأسواق والاستثمارات، كما في التدخلات المتصلة بالبلدان العربية النفطية، وقد تتصل الأسباب بدواع استراتيجية – أمنية، على نحو ما كان يتم تصنيف التدخلات في بلدان الشرق الأوسط في الربع الأخير من القرن الماضي.

وبطبيعة الحال، فإن التدخلات يمكن أن تكون تدخلات مباشرة وأخرى غير مباشرة، وقد تكون بطبيعتها تدخلات عنيفة أو تدخلات لا تستخدم القوة، وإنما الضغوط والعقوبات، وقد طرأت تحولات على الأخيرة، فصار في عدادها «عقوبات ذكية»، الهدف منها توجيه تلك العقوبات نحو السلطات الحاكمة أو بعضها، بدل أن تكون عقوبات عامة تصيب الشعب كله، وذلك بعد عدة تجارب، ثبت في خلالها أن عقوبات اتخذت ضد سياسات نظام ما، تركت تأثيراتها السلبية على الشعب، كما حدث في العقوبات التي فرضت على النظام العراقي السابق بعد عام 1990. وعلى الرغم من أن التدخلات إنما هي تعبير عن مواقف الجهات المتدخلة، سواء كانت دولا أو هيئات دولية وإقليمية، فإنها لا يمكن أن تتم دون عوامل دفع، وهذه العوامل في أغلبها تكون خارجية، لكنها قد تكون عوامل داخلية ناتجة عن سياسات تقوم بها سلطات البلد الذي يصير في دائرة استهداف التدخلات الخارجية.

إن الهدف الرئيسي للتدخلات الخارجية، يكمن في إحداث تبدلات جوهرية في بنية السلطة في البلد موضوع التدخل، أو في إحداث تبدلات في مواقف وسياسات تلك السلطة، بعد أن وصلت الجهود الأولية، ولا سيما الدبلوماسية، لتحقيق الهدف إلى طريق مسدود، وأكدت سلطات ذلك البلد إصرارها على الحفاظ على طبيعتها، والمضي في مسارات لا تحيد عنها. وبخلاف الهدف العام للتدخلات الخارجية، الذي يصل إلى حد تغيير النظام على نحو ما حدث في العراق عام 2003، وما يحدث في ليبيا حاليا من خلال عمليات حلف الناتو، فإن ثمة هدفا للتدخلات، أساسه التأثير على بعض السياسات والمواقف، وهو الشكل الأكثر شيوعا وحضورا في السياسة الدولية، وفي الشرق الأوسط بصورة خاصة.

وإذا كانت سوريا اليوم أصبحت في دائرة التدخلات الدولية المتعددة الأبعاد، من خلال فرض عقوبات واتخاذ إجراءات ضد شخصيات ومؤسسات رسمية، وصولا إلى مطالبة الرئيس بالتنحي، فإنه لا يمكن فصل ذلك عن السياسة الرسمية ذات الطابع الأمني - العسكري في الرد على الحراك الشعبي، بدل المعالجة السياسية للأزمة الحالية باعتبارها أزمة سياسية - اقتصادية واجتماعية وثقافية، الأمر الذي عقد الأمر في الداخل، ونقل الأزمة من بعد داخلي إلى بعد داخلي - خارجي، ممهدا لتصعيد وتعدد مستويات التدخلات الخارجية.

لقد كان من الخطأ الفاحش اعتماد الحل الأمني - العسكري في أزمة سورية داخلية، ثم صار الخطأ مضاعفا في الإصرار عليه، حيث أوصل سوريا إلى ما هي عليه، نتيجة أن سوريين طالبوا بالحرية والكرامة وبتغيير أنماط حياتهم وخياراتهم، وتحول بلدهم إلى دولة ديمقراطية تعددية تحترم القانون، توفر العدالة والمساواة والمشاركة لجميع مواطنيها على قدم المساواة.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ