ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 20/08/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

خيارات تركيا وموقفها من الأزمة السورية

عمر كوش

الاقتصادية

19-8-2011

القادة الأتراك أرادوا من زيارة أوغلو توجيه "إنذار" أخير للنظام السوري بحسب بعض المسؤولين الأتراك الذين تحدثوا للصحافة التركية عن تهديد بالقطيعة مع النظام السوري والانتقال إلى مرحلة التدخل الدولي، إذا لم تحمل الأيام القليلة القادمة إجراءات على الأرض توقف العنف ضد المحتجين، وتتضمن اتخاذ خطوات تلبي مطالب الانتفاضة السورية.

برز الموقف التركي حيال الأزمة في سورية بقوة خلال الأسبوعين الماضيين، وذلك بعد أن امتد الحل الأمني والعسكري وطال العديد من المدن السورية، خاصة مدينتي حماه ودير الزور، حيث سارع رئيس الوزراء التركي إلى المطالبة بوقف العنف ضد المدنيين فورًا، والشروع في خطوات حقيقية تلبي مطالب المحتجين السلميين، وأوفد وزير خارجيته أحمد داوود أوغلو إلى دمشق، التي اجتمع فيها مع الرئيس بشار الأسد سِتّ ساعات، سلّم خلالها رسالة خطية من رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وأخرى شفوية من الرئيس عبد الله غول، وخرج بتصريحات أعطت الانطباع بأن القادة الأتراك منحوا النظام السوري ما وصفته الصحف التركية ''مهلة زمنية'' لوقف العنف والقيام بخطوات إصلاحية تفضي إلى الانتقال نحو الديمقراطية.

خيارات تركيا

واعتبرت الصحافة التركية زيارة أحمد داوود أوغلو إلى دمشق ''منعطفًا'' في تاريخ العلاقات التركية السورية؛ لأن نتائجها ستحدد خيارات الموقف التركي في المرحلة المقبلة، ومن ثَمَّ فإن المدة التي حددت بعشرة أو 15 يومًا، ومنحها الأتراك للنظام في سورية للقيام بالإصلاحات المطلوبة تدخل في باب الانتظار وترقب مآل تطور الأحداث وسيرها على الأرض، وليست من باب الأخذ بوعود قاطعة بإجراء إصلاحات معينة، وهو انتظار مرهون بالمواقف الدولية، خاصة ما يتخذه مجلس الأمن الدولي من إجراءات وخطوات، والتنسيق مع الولايات المتحدة، لذلك صرح أحد المسؤولين الأتراك بأن ''أردوغان طلب من الرئيس أوباما تأجيل مطالبة الرئيس السوري بالتنحي، بانتظار أن تنقضي المهلة المعطاة للأسد لتحقيق وعوده بالإصلاح''. غير أن أوغلو نفسه تنصل من المهلة المزعومة في تصريحه الصحافي يوم الإثنين الماضي، واعتبر أنه طالب السلطات السورية بالوقف الفوري لاستخدام العنف ضد المحتجين، وبلا شروط، وسحب قطاعات الجيش إلى ثكناتها.

وقد تمخض عن زيارة أوغلو لدمشق دخول وفد من الصحافيين الأتراك سورية، وتنظيم زيارة لهم إلى مدينة حماه، حيث سجلوا ملاحظاتهم ومشاهداتهم، وكتبوا عن ''الصمت الذي يلف المدينة''، و''عن شوارعها الخالية إلا من بعض الأشخاص''، و''دبابات الجيش وآلياته التي تقف خارج المدينة''، وأن ''معظم المحال التجارية كانت مقفلة، مع انتشار العديد من الحواجز الأمنية داخل المدينة، إضافة إلى جنود مسلحين في الطرقات''. وشاهدوا أن ''السيارات المحترقة تملأ المكان، وآثار الرصاص ظاهرة على الكثير من الأبنية السكنية، في ظلّ تردُّد الكثير من السكان في الحديث لوسائل الإعلام''.

ويبدو أن القادة الأتراك أرادوا من زيارة أوغلو توجيه ''إنذار'' أخير للنظام السوري بحسب بعض المسؤولين الأتراك، الذين تحدثوا للصحافة التركية عن تهديد بالقطيعة مع النظام السوري والانتقال إلى مرحلة التدخل الدولي، إذا لم تحمل الأيام القليلة القادمة إجراءات على الأرض توقف العنف ضد المحتجين، وتتضمن اتخاذ خطوات تلبي مطالب الانتفاضة السورية.

وقد تلجأ تركيا إلى عقوبات اقتصادية، وربما خفض تمثيلها الدبلوماسي في دمشق، وتقديم الدعم للمعارضة السورية، التي عقدت معظم مؤتمراتها في تركيا. وهناك من المسؤولين الأتراك من يتحدث عن إنشاء حزام أمني على الحدود السورية، وهو كلام يبرره مضاعفة الاستعدادات التركية على الحدود مع سورية منذ بداية الاحتجاجات في سورية تحسبًا لتطورات مقبلة. أما الدخول في مرحلة التدخل الدولي، فنظر إليها الأتراك على أنها تدخل في إطار مفهوم ''التدخل الإنساني'' الذي كان موضع جدل ونقاش واسع بين المسؤولين السياسيين الأتراك، وكان موضوع نقاش أيضًا في الاتصالات التي لم تنقطع بين أردوغان وأوباما.

ولا شك في أن خيارات تركيا وموقفها تجاه الأزمة الراهنة في سورية غير بعيدة عن المواقف الدولية والإقليمية، ففي هذا الإطار ينسق القادة الأتراك مع المجتمع الدولي بشكل عام، ومع الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشكل خاص، نظرًا لعلاقات تركيا القوية مع الولايات المتحدة، ولكونها عضوًا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتعد ذراع هذا الحلف في منطقة الشرق الأوسط. كما ينسق القادة الأتراك مع بعض قادة وزعماء الدول العربية، وخصوصًا السعودية، حيث تدخل زيارة الرئيس التركي عبد الله غول يوم الإثنين الماضي للمملكة في إطار بحث الوضع في سورية مع الملك عبد الله بن عبد العزيز وتنسيق المواقف المشتركة حياله. وقد سبق للعاهل السعودي أن طالب في رسالته بوقف إراقة الدماء فورًا في سورية، في حين أن الرئيس التركي كان قد حذر نظيره السوري من الندم في حال التأخر بالقيام بالإصلاحات الديمقراطية.

وفي سياق التنسيق الإقليمي، سعى القادة الأتراك إلى التشاور مع إيران، وقام وزير الخارجية التركي بزيارة طهران، لكنه اصطدم بالموقف الإيراني الرسمي الداعم للنظام في سورية، بل إن الناطق باسم الخارجية الإيرانية ''رامين مهمانبرست''، تحدث أخيرًا بصراحة عن خيارات إيران، حين قال في مؤتمر صحافي: ''لو خيّرنا بين تركيا وسورية سنختار سورية بلا شك''، الأمر الذي يؤكده التأييد الإيراني الرسمي الكامل للنظام السوري فيما يقوم به الأخير حيال الانتفاضة السورية، وبتبني الرواية الرسمية السورية، التي تصف الانتفاضة بالمؤامرة الأجنبية، وتستهدف صمود ومقاومة سورية، والنظر إلى الحراك الاحتجاجي بوصفه ''فتنة شبيهة بما حدث في إيران في عام 2009''، إلى جانب الحملة الإعلامية التي تشنها مختلف وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية على المحتجين السوريين.

وتنطلق إيران من موقفها حيال الأزمة في سورية من التحالف الاستراتيجي الذي يربطها بالنظام السوري، ولا تتوانى عن تقديم الدعم المباشر له على مختلف المستويات، السياسية والإعلامية والمالية والاقتصادية. وتتحدث تقارير أمريكية عن تدخل إيران وتقديمها دعمًا عسكريًا ولوجيستيًا، إضافة إلى إرسال جنود من الحرس الثوري لقمع المحتجين المطالبين بالتغيير الديمقراطي. ولم تقف إيران عند هذا الحد، بل تحركت في وجه الضغوط الدبلوماسية والسياسية على النظام السوري، حيث أرسل المرشد الأعلى علي خامنئي رسالة للقيادة التركية، تفيد بأن سقوط النظام السوري خط أحمر بالنسبة لإيران.

والملاحظ أن تركيا سلكت في تعاملها مع إيران نهجًا متأنيًا وصبورًا، حيث لا يريد المسؤولون الأتراك إثارة إيران، ويرغبون في التوصل إلى لغة دولية وإقليمية واحدة في التعامل مع الأزمة السورية، الأمر الذي جعل موقفهم يتسم بالإرباك، ويمرّ بحالتين، حالة الضغط على النظام السوري وممارسة أسلوب التصريحات الحادة على أمل أن تُجبر هذه الحالة النظام على اتخاذ خطوات إصلاحية صادمة كما يقول الأتراك، والحالة الثانية هي التريث وانتظار ما يقرره المجتمع الدولي خاصة الولايات المتحدة، لذلك يلاحظ المراقبون تأرجح الموقف التركي، فأحيانًا يصمت، وأحيانًا يصعّد، أملا في إحداث تغييرات من قِبل النظام، ولم يصل إلى الآن حدّ القطيعة معه. وحتى الآن يأمل الأتراك أن يقوم الرئيس الأسد بالإصلاحات المطلوبة، وفي الوقت نفسه يضعون أنفسهم في الكفة الثانية من خلال وقوفهم مع مطالب المحتجين ومطالب الشعب السوري.

حيثيات الموقف التركي

يعتبر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أن ''اهتمام تركيا بما يجري في سورية يختلف عن اهتمامها بما جرى في مصر أو تونس؛ لأن الوضع بالنسبة لسورية مختلف تمامًا''، حيث تعتبر تركيا أن ما يجري في سورية مسألة تمسها تمامًا، لكون ''سورية دولة مجاورة، وهناك حدود تمتد على مسافة 850 كليو مترًا''، لذلك يرى المسؤولون الأتراك أن ما يجري في سورية يرقى إلى مصاف مسألة تركية داخلية، تتطلب تعاملا مختلفًا. وقد سعت الحكومة التركية منذ بداية الأحداث في سورية إلى اقتراح معادلة، تقول بإنجاز الإصلاح مع المحافظة على الاستقرار، وأن يقود الرئيس السوري بشار الأسد شخصيًا الإصلاح في بلاده، وأوفدت عددًا من المسؤولين إلى دمشق، إلى جانب الاتصالات العديدة التي أجراها أردوغان مع الرئيس الأسد.

ويجد الاهتمام التركي بسورية مرجعه في مصالح واعتبارات استراتيجية وأمنية واقتصادية، كونها شكلت نافذة تركيا على العالم العربي، حيث توطدت العلاقة بين البلدين، بشكل حوّل سورية من اعتبارها بلدًا معاديًا إلى بوابة تركيا العربية، فوقعت معها عام 2004 اتفاقية التجارة الحرة، فضلا عن عشرات الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية والتجارية الأخرى. وتنامى الدور التركي في منطقة الشرق الأوسط، بشكل أفضى إلى نسج شبكة من العلاقات والنفوذ في دول المشرق العربي، وإلى التوقيع على اتفاقيات اقتصادية وسياسية مهمة معها، حيث أبرمت حكومة حزب العدالة اتفاقيات ثنائية مع العديد من الدول العربية، وألغت تأشيرات الدخول مع سورية ولبنان والأردن، وتمكنت من تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي مع معظم بلدان المشرق العربي. وشَكَّل كل ذلك نقطة تحول مفصلية في السياسة التركية حيال البُلدان العربية، والأهم هو أن تركيا اُعتُبِرت بمنزلة الدولة النموذج في المنطقة العربية، المستندة إلى علاقات جيدة وإيجابية مع محيطها العربي والإسلامي، إلى جانب نجاحاتها الملحوظة في ميادين التنمية والاقتصاد والديمقراطية وفي علاقة الدين بالدولة. كما اعتبرت تركيا دولة ناجحة في إدارة العلاقا الدولية، نظرًا لمراعاة نظامها ومسؤوليها التوازن الدقيق بين قوة الأمر الواقع، وقوة الحق الأصيل، في ضوء موازين القوى التي تتحرك باستمرار ولا تعرف السكون أو الجمود.

غير أن الأمر اختلف مع تأزم الوضع في سورية، ومع استمرار وتزايد التظاهرات والاحتجاجات في مختلف المدن والبلدات السورية، حيث لجأت تركيا إلى ممارسة سياسة مزدوجة، فمن جهة أولى لم تتوقف عن حثّ القيادة السورية على القيام بالإصلاحات والتغييرات والاستجابة لمطالب المحتجين والمتظاهرين، ومن جهة أخرى، احتضنت مختلف أطراف المعارضة السياسية السورية في الخارج، وسمحت لها بعقد مؤتمراتها.

ولا شك في أن الموقف التركي من الأزمة السورية لا تحكمه فقط المصالح ولا المبادئ، بل أيضًا جملة من الاعتبارات والحسابات والتوازنات الداخلية، وكذلك الضغوط الداخلية والخارجية، إضافة إلى أن تركيا يهمها استقرار الأوضاع في المنطقة، خصوصًا على حدودها الجنوبية.

وأيًا كانت حيثيات الموقف التركي ولهجته، فإن ما يقرر مستقبل سورية هو دائمًا الوضع الداخلي أولا، ولا يمكن إطلاقًا إسقاط أي نظام بعوامل خارجية إلا بتدخل عسكري مباشر، كما حدث في العراق مثلا، وهو أمر مستبعد الحدوث في سورية، ولا يريده المنتفضون السوريون، ولا تريده المعارضة السورية، ولا يريده كل سوري غيور على وطنه. ومن ثَمَّ فإن المحدد الرئيس لتطور الأحداث ومآلاتها المحتملة هو ما يجري على الأرض، بمعنى ما تقوم به الحركة الاحتجاجية، ومدى اتساع الحركة، ووصولها إلى الكتلة الصامتة، التي لم تقرر بعد، أو لم تشارك بعد في الحراك الاحتجاجي، في ظل استمرار الحل الأمني والعسكري الذي يزهق أرواح أعداد متزايدة من الشهداء والجرحى، فضلًا عن الاعتقالات والملاحقات، ومن ثَمَّ لن يكون التطور في جهة الحل السياسي؛ لأن كل المؤشرات على الأرض لا توحي بذلك، وحتى ما حُكي عن ''الحوار الوطني'' يبدو أن أوراقه طويت تمامًا. أما العقوبات الاقتصادية فهي بالتأكيد ستؤثر في النظام، ولكن يُخشى أن تؤثر هذه العقوبات في الشعب السوري، بمعنى أن يدفع الشعب ثمن هذه العقوبات، ومن ثم تزداد الحالة سوءًا بالنسبة لقطاعات واسعة، خاصة القطاعات المتوسطة والفقيرة من الشعب السوري.

==============

عن الذي «ينتصر» على الشعب

زين الشامي

الرأي العام

18-8-2011

من الطبيعي أن يكون هناك اختلافات في الرأي والمواقف السياسية بين أفراد المجتمع الواحد من دون أن يفسد هذا الاختلاف للود قضية، ومن الطبيعي أن تكون هناك أحزاب سياسية متخاصمة، وممثلون عنهم في البرلمان يتصارعون ويختلفون وينقسمون ويصرخون وأحياناً يتضاربون، هذا طبيعي جداً في الحياة السياسية العادية والطبيعية طالما أنه يحصل تحت سقف الديموقرطية والحياة السياسية. وقد كان يحصل شيء من ذلك في سورية في الأربعينات والخمسينات، وقد أخبرني مرة الروائي السوري الراحل عبد السلام العجيلي قبل أعوام عدة بينما كنا نحتسي فنجاناً من القهوة في فندق «الشام» في دمشق كيف أن النواب في البرلمان السوري من مختلف الأحزاب والكتل السياسية كانوا يخرجون إلى مقهى الروضة القريب من بناء المجلس في حي الصالحية ويكملون صخبهم وصراخهم بعد أن تنفض جلسة المجلس، أخبرني الراحل كيف كان يحصل ذلك بكل ود وأخوية واحترام وأخلاق.

مناسبة هذا الكلام تتعلق بغياب الأخلاق تماماً عند الذين حكموا سورية منذ عام 1963 وما زالوا يحكمونها حتى اليوم، اقصد «حزب البعث» والنظام العائلي الحالي الممتد من عام 1971 وحتى اليوم. فما يجري منذ خمسة أشهر في سورية من احتجاجات شعبية عارمة ضد نظام الاستبداد، وما تسوقه السلطة وإعلامها والأبواق المتحدثة باسمها من تبريرات وذرائع عن قمع وقتل المتظاهرين السلميين يندى له الجبين، ويشعر المستمع والمتلقي والقارئ بمستوى الدرك والانحدار الأخلاقي الذي وصلوا إليه، خصوصا حين محاولتهم نفي وجود تظاهرات سلمية، وحين نفيهم أن قوات الأمن والجيش تقتل الابرياء وتنهتك الأعراض وتنهب البيوت وتعتقل الأطفال والنساء من أجل ابتزاز المتظاهرين الملاحقين واجبارهم على تسليم أنفسهم. أما قمة الانحدار الأخلاقي والقيمي فقد تمثل أخيراً بالكذب على العالم أجمع وتصوير ما حصل من اقتحامات للجيش لغالبية المحافظات السورية ومن ثم المجازر التي ارتكبت هناك، مثل درعا وحماة ودير الزور وادلب وجسر الشغور وتلكلخ وبانياس، على أنها «حملة أمنية استهدفت العصابات المسلحة» وقد «أتت بعد طلب من الأهالي للسلطات تحثها على إدخال الجيش من أجل تخليصهم من تلك العصابات».

للأسف، فإن ما شاهده الأهالي في شهري مارس وابريل حين دخلت قوات الجيش والشبيحة إلى قرية البيضة قرب بانياس وتلكلخ في حمص، ثم بانياس لاحقاً، جعلهم يعلنون ويترجون السلطات بألا ترسل قوات الجيش، لا بل اننا شاهدنا صوراً بثتها مواقع التواصل الاجتماعي مثل «اليوتيوب» للمتظاهرين في بانياس وقد كتبوا على إحدى السيارات المحطمة بعد دخول الجيش اليها وقتل الكثير من أبنائها «هذه بانياس وليست تل أبيب»، كذلك قرأنا بالخط العريض على أحد شوارع جسر الشغور عبارة «لا نريد دخول الجيش». هذا يدل أن الشعب السوري لم يكن يرغب في دخول الجيش وأنه كان خائفاً من العمليات العسكرية التي ينفذها. لقد روى لي شهود عيان من درعا ماذا فعلت عناصر الجيش والشبيحة بحق الأهالي؟، هناك تفاصيل مؤلمة عن انتهاك الأعراض والسرقة والقتل، لم يرتكبها أي جيش في التاريخ، ربما فقط التتار والمغول حين استباحوا بغداد.

غياب الأخلاق والقيم عن الجيش السوري اليوم، ليس خصلة متجذرة، على العكس تماماً، هذا الجيش ضرب أروع الأمثلة عن الاخلاص منذ تأسيسه، وفي العشرينات ضرب وزير الحربية وقتذاك يوسف العظمة، الذي استشهد في ميسلون قرب دمشق فيما كان يحاول مع قلة من الجنود منع قوات الجنرال غورو من دخول سورية واحتلالها، أروع الأمثلة عن تضحية الجيش من أجل الشعب والوطن.

الشيء نفسه حصل في حرب 1973 حين كلف صعود جبل الشيخ ورفع العلم السوري على قمته نحو ثلاثة آلاف جندي سوري استشهدوا بسبب قصف الطائرات لهم من الجو، لكنهم رغم ذلك استمروا ولم يتراجعوا.

لكن للأسف وبعد نحو أربعين عاماً من نظام الاستبداد تبدلت وتغيرت أحوال هذا الجيش الوطني وأصبح جيشاً خاضعاً للشخص أو الديكتاتور، حتى أن ترقية الضباط ومواقعهم والمناصب والمسؤوليات التي يشغلونها باتت مرهونة بمدى ولائهم للديكتاتور.

آخر انحدار أخلاقي لهذا الجيش تمثل في إعلان بعض وسائل الإعلام السوري عن انتصاره الذي حققه في المدن السورية التي اقتحمها أخيراً، مثل حماة ودير الزور وادلب. وسائل الإعلام تلك قالت ان قوات الجيش نفذت حملة أمنية ضد العصابات المسلحة في تلك المدن وأن الأهالي شكروها، غير أن الحقيقة لم تكن كذلك أبداً، فالدبابات التي قصفت تلك المدن لم تكن الغاية من وجودها وقصفها إلقاء القبض على عصابات مسلحة هي غير موجود أصلاً، لأن العصابات أو المجموعات الإرهابية لا يتم التعامل معها من خلال الدبابات، بل من خلال التحري الدقيق وجمع المعلومات وبالتالي إلقاء القبض عليها من خلال عمليات أمنية محكمة. وهذا ما عودتنا عليه أجهزة المخابرات السورية على مدار العقود الماضية.

ما يدحض كل هذه «الانتصارات» أن تصريحات المسؤولين السوريين ومن بينهم وزير الخارجية وليد المعلم على سبيل المثال وذلك في أعقاب استقباله وفوداً من جنوب افريقيا والهند والبرازيل، أنه وعد بإصلاحات كبيرة وعملية تحول ديموقراطية كبيرة مع بداية العام المقبل. إن مثل هذه التصريحات توضح أن النظام السوري لم يكن يتعامل مع «عصابات مسلحة» بل مع متظاهرين سلميين، فالعصابات المسلحة والجماعات الإرهابية لا تتظاهر عادة من أجل الديموقراطية ولا تطالب بإسقاط النظام بل تنفذ جرائم إرهابية وتروع الناس. ثم من ناحية ثانية وإذا ما كانت مشكلة النظام هي مع «عصابات مسلحة»، لم تم عقد مؤتمر الحوار الوطني برعاية نائب وزير الخارجية فاروق الشرع؟، ولماذا أصدر الرئيس بشار الأسد مراسيم جديدة تسمح بتأسيس أحزاب وتنظيم انتخابات وتسمح بالتظاهر، ألا يعكس ذلك أن ما يواجهه النظام هو ثورة حقيقية من أجل الديموقراطية والحرية وليس «عصابات مسلحة»؟

انتصار الجيش المزعوم على الشعب السوري روجت له فقط وسائل الإعلام الحكومية وبعض المواقع الإلكترونية التي تدور في فلك الأجهزة الأمنية، وكم كان مضحكاً أن هذا الإعلام عمل على تدعيم روايته من خلال اجرائه مقابلات مع وسائل إعلام دول صديقة وحليفة مثل «قونغ شن شي» مدير مكتب وكالة أنباء الصين الجديدة شينخوا في دمشق و«حسين مرتضى» مراسل قناة العالم و«عصام الهلالي» مراسل التلفزيون الإيراني!

لقد كانت مؤلمة جداً تلك الصور التي بثها التلفزيون السوري للحافلات والدبابات التي تحمل جنوداً سوريين وهم عائدون من تلك المدن وهم يرفعون إشارة النصر كما لو أنهم كانوا عائدين منتصرين من معركة مع عدو خارجي، أو كما لو أنهم حرروا أرضاً محتلة.

هذه المشاهد المؤلمة الصارخة في عدم أخلاقيتها، ذكرتني بالاحتفالات الصاخبة التي رعتها السلطات السورية في ساحة العباسيين وشارك فيها المطرب جورج وسوف وغيره من المطربين السوريين واللبنانيين حين عبروا فيها عن «محبتهم» للرئيس بشار الأسد، ما كان مؤلماً ليس الحفل بحد ذاته بل توقيته حيث أقيم في اليوم الثاني لمقتل نحو خمسة عشر شاباً على أيدي قوات الأمن والشبيحة في حي القابون في دمشق، يومها كان جزء كبير من السوريين يدفنون أبناءهم، فيما التلفزيون السوري ينقل الحفل على الهواء مباشرة، حفل التعبير عن الولاء!

ليس غريباً كل ذلك، فبعد مقتل المئات من السوريين في درعا، خرج علينا رئيس الجمهورية في خطبته الأولى في مجلس الشعب ضاحكاً وكأن شيئاً لم يحصل.

جزء كبير من شعبنا يثور لأن الصف الآخر يسجد من ثقل قلة الأخلاق وانعدام الضمير...

==============

رجال دين سوريون يخرجون عن صمتهم بعد أن جرأتهم الاحتجاجات

سليمان الخالدي:

2011-08-18

القدس العربي

عمان داخل مسجد قديم في دمشق يخرج الشيخ سارية الرفاعي عن نص الخطب التي تقرها الحكومة ليحذر الرئيس السوري بشار الأسد من أن الدولة بأسرها ستنتفض ضده إن لم يوقف الحملة الدموية ضد المحتجين.

وقال الرفاعي في خطبة ألقاها في صلاة الفجر في اليوم الأول من شهر رمضان فيما دخلت الدبابات مدينة حماة التي يغلب على سكانها السنة 'اعلموا بان صوتي وبأن كلماتي الآن ستصل الى القيادة وسأحذرهم جميعا بأن سورية بأسرها ستقوم إن لم ينسحب الجيش وإن لم يفرجوا عن المعتقلين وإن لم يهدئوا هم وهم يطالبون بالتهدئة... أقول أحمل القيادة مسؤولية هذه الأعمال الشنيعة الخبيثة أحملهم ذلك وليصل كلامي الى الجميع. لا أريد أن أسمع عصابات مسلحة او شيئا من هذا الكلام إن القيادة هي المسؤولة عن كل قطرة دم تسال من ابناء شعبنا في هذا البلد الكريم'.

واضاف 'ما كنت أظن أن قيادة هذا البلد ستقدم هدية لشعبها ولبلدها دماء تسال وأرواحا تزهق في حماة وفي جميع المحافظات السورية'.

وشوهدت تعليقات الرفاعي في وقت سابق هذا الشهر داخل مسجد زيد بن ثابت في تسجيل فيديو على الإنترنت وأكد مصلون شاركوا في الصلاة صحتها لرويترز.

والرفاعي ركيزة لمؤسسة دينية محافظة مرتبطة بالحكومة وهو ينتمي الى طابور طويل من علماء الدين الذين علموا اجيالا من الأتباع المخلصين وابتعدوا عن تحدي القبضة الحديدية لعائلة الأسد.

ولكن بعد ارتفاع عدد قتلى الحملة الأمنية ضد الاحتجاجات المستمرة منذ خمسة اشهر الى اكثر من 1700 شخص انضم الرفاعي الى 19 من رجال الدين البارزين للتوقيع على التماس نادر اطلعت رويترز على نسخة منه يلوم الأسد على ارتكاب مجازر عشية رمضان 'شهر التراحم والمواساة'.

ويقول رجال دين ومحللون إن بداية شهر رمضان تزامنت مع بدء اكثر اسابيع الاحتجاجات الشعبية دموية مما دفع بعض الأئمة الى الخروج عن صمتهم.

وربما تزيد هذه الجرأة التي أظهروها مؤخرا الضغط على الأسد وتعطي قوة دفع إضافية للاحتجاجات ضد حكم الأسد الذين ينتمي للطائفة العلوية وهي أقلية في البلاد التي يغلب على سكانها السنة.

وفي محاولة لتجنب المعارضة كثفت قوات الأمن في شهر رمضان من اعتقالاتها لرجال الدين الذين يعرف عنهم اجتذاب أعداد كبيرة بخطبهم الحماسية المناهضة للحكومة. ويقول نشطاء إن البعض اختاروا الاختباء.

وفي درعا حيث تفجرت الاحتجاجات في آذار (مارس) يقول مقيمون إن الشيخ احمد صياصنة لايزال قيد الإقامة الجبرية في مجمع سكني بالقرب من مقر الجهاز الأمني بالمدينة بعد انتقاده السلطات في وقت سابق.

ويقول رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الانسان 'في رمضان تم جمع الشيوخ الذين تحدثوا ضد النظام واعتقالهم لأنهم يؤثرون على الناس ويثيرون المشاعر للانضمام الى الاحتجاجات'.

ويتناقض الأئمة المعارضون مع أغلبية من علماء الدين السنة الذين يعتمدون على الحكومة لكسب رزقهم والذين على الرغم من أنهم ربما لهم شكاوى من حكم الأسد فإنهم يلقون خطبا تزخر بالدعم لعائلته التي تحكم البلاد.

وما تزال ركائز المؤسسة -التي يرمز لها عالم الدين البارز الشيخ سعيد رمضان البوطي والمفتي الشيخ احمد الحسون- تدعم الأسد بقوة وناشدت السوريين عبر وسائل الإعلام الحكومية عدم النزول الى الشوارع.

ومن على منبر المسجد الأموي في دمشق ساوى البوطي بين من ينادون بإسقاط النظام ومن يسعون الى النيل من الإسلام. وقال في عدة مناسبات إنهم 'حثالة'.

ويقول شهود إن أعداد المصلين في المسجد التاريخي الذي كان يكتظ بهم ذات يوم تضاءلت لأن أئمته يعتبرون أبواقا للأسد بينما تستقطب مساجد أخرى المحتجين.

الشيخ معاذ الخطيب الذي منع من إلقاء الخطب في الأعوام الخمسة عشر الماضية بعد إقالته من منصبه كإمام للمسجد الأموي انتقد رجال الدين الموالين للأسد لعدم إدانتهم للحملة العسكرية المكثفة على المحتجين.

وقال الخطيب الذي سجن لمدة شهر خلال الاحتجاجات لرويترز من دمشق 'بعض الرموز الكبيرة في المؤسسة يجب أن تكون مظلة تجمع بين الدولة والناس لا أن تنحاز لأحد الأطراف'.

والخطيب واحد من قلة من رجال الدين الكبار المناهضين للأسد الذين لايزالون داخل سورية صامدين في وجه عقود من القمع. وفر آخرون من قمع حزب البعث الوحشي لجماعة الاخوان المسلمين والذي بلغ ذروته في عام 1982 حين تم سحق انتفاضة مسلحة للإسلاميين في حماة قتل خلالها عدة آلاف.

ويقول اندرو جيه تابلر من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إن حملة الأسد على حماة في بداية رمضان تظهر عدم الاكتراث بمشاعر الأغلبية السنية.

ووصف تابلر الحملة بأنها 'حسبة غريبة من نظام تهيمن عليه الأقلية العلوية التي نفذت مذبحة في نفس المدينة عام 1982 '.

ويقول شهود ونشطاء معنيون بالدفاع عن حقوق الانسان إن غضب السنة تجاه العلويين تزايد في الأشهر القليلة الماضية في ظل إطلاق قوات الأمن الرصاص على جنازات داخل وحول المساجد الكبيرة قبل صلاة الجمعة.

وقالت الامم المتحدة ان الاسد أبلغ الامين العام بان جي مون أن عمليات الجيش والشرطة ضد المحتجين توقفت لكن نشطاء تحدثوا عن مزيد من أعمال العنف وسفك الدماء اثناء الليل.

وفي حماة لم تلهب الأضرار التي لحقت بعشرات المساجد مشاعر السكان الذين ينتمون للأغلبية السنية المحافظة دينيا وحسب بل أيضا أحيت ذكريات وقت دمر فيه وسط المدينة ورموز للتراث الإسلامي.

وقال الشيخ احمد العلواني الذي كان يخطب في مسجد معاذ بن جبل بحماة وهو أحد المساجد التي تحمل آثار أعيرة نارية من جراء الحملة التي شهدها شهر رمضان إن السلطات تريد إثارة رد فعل عنيف من السنة لإعراق سورية في صراع طائفي.

وفي مدينة دير الزور بشرق سورية كتبت قوات الأمن على حوائط عدة مساجد بحي الجورة 'لا اله الا بشار' بدلا من 'لا اله الا الله'.

وفي دولة تحظر فيها التجمعات السياسية تظل المساجد بؤرة الاحتجاجات. كما عرضت السلطات على التلفزيون الحكومي اعترافات مزعومة لمعتقلين تحدثوا عن استخدام المساجد كمراكز لتخزين الأسلحة للجماعات المسلحة التي تقول الحكومة إنها تحرض على الاحتجاجات.

وقال الشيخ مجد احمد مكي رجل الدين البارز الذي فر من بلدته حلب عام 1980 والعضو الرئيسي في هيئة علماء المسلمين التي تجمع بين اكثر من 150 من كبار علماء الدين في المنفى إن الأسد لا يستطيع مواصلة الاعتماد على أئمة المؤسسة لتبرير القتل.

وأضاف 'النظام بسفكه دماء الابرياء قد احرج حتى اقرب الناس اليه لا اجد الان اي رجل له عمامة ومكانة ممكن ان يدافعوا عنه. انه نظام قاتل..'. (رويترز)

==============

... عن الوضع الطبقي للانتفاضة السورية

الجمعة, 19 أغسطس 2011

سلامة كيلة *

الحياة

في كل الانتفاضات العربية، كان الحراك يتخذ شكل الجموع، حيث لا تمييز بين طبقة وأخرى، وحيث لا تمييز بين شيوخ وشباب على رغم أن الكتل «المقاتلة» كانت من الشباب. ولا شك في أن الانتفاضات العفوية هي هكذا، حيث تخرج الجموع بعد حدث ما، أو مسألة محدَّدة، من دون أن ينظمها أحد، ومن دون أن تعتمد الاصطفاف الطبقي في التحرك. إنها كتل وجموع تملأ الشوارع في شكل مفاجئ، باختلاط بين طبقات مختلفة تعاني وضعاً متشابهاً من حيث الحالة.

في سورية بدأت فئات شبابية مفقرة أو من فئات وسطى مفقرة حراكاً بتأثير الثورات العربية (تونس ومصر، ثم ليبيا)، كانت مسألة التحرر من كبت طويل و «نمذجة» للسلوك مديدة، هي المحرّك الأول لديها. لكن هذه الفئات كانت محدودة ولم تثر حراكاً قوياً. في درعا كان انهيار الريف يؤثر في وضع أصبح يتعرّض لسطوة مافيا السلطة على المنطقة، من خلال السيطرة على الأرض بحجة أنها أرض حدودية تخضع للقانون 49 الخاص بذلك. ولهذا تحوّل الأمر بسرعة إلى انتفاضة بعد قمع دموي لمحتجين على هذا الوضع.

وقد جاء التوسع الأولي في مناطق ريفية، من دوما وريف دمشق إلى بانياس وتل كلخ، وصولاً إلى إدلب وجسر الشغور. لكن مدناً تحرّكت، من اللاذقية إلى حمص ودير الزور والقامشلي، إلى حماة.

لم يتحرّك كل الريف، حيث بقيت مناطق من ألوان «طائفية» معينة متخوّفة أو مترددة. ولم تتحرّك كل المدن، حيث بقيت المدينتان الأهم خارج الحراك تقريباً، وهما دمشق وحلب.

لماذا هذا التوضّع إلى الآن؟ وما هي مطالبه؟

من الواضح أن المسار الاقتصادي الذي تحقق خلال السنوات السابقة هو الذي أفضى إلى ذلك. سنلمس أن سياسة الانفتاح الاقتصادي التي مورست بتسارع خلال العقد السابق قد أفضت إلى لا تكافؤ في التنافس مع السلع التي باتت تستورد من جهة، والى لا تكافؤ في العلاقة بين الأسعار والأجور من جهة ثانية. وهو الأمر الذي وضع قطاع الزراعة تحت ضغط شديد نتيجة ارتفاع أسعار البذور والأسمدة، والمازوت، الأمر الذي فرض كلفة عالية على الإنتاج لا يحتمله وضع السوق الذي بقيت الأجور متدنية فيه... مما قاد إلى تراجع فيها، ثم انهيار تأثر بعوامل طبيعية أخرى. وفرض توسّع الإفقار في مجمل الريف، هجرة أكثر من مليون فلاح من الجزيرة السورية ليعيشوا على هوامش المدن.

وهذا ما حصل لبعض قطاعات الصناعة التي انهارت بفعل المنافسة التي أتت بها سياسة الانفتاح، مثل صناعة الغزل والنسيج، بعد السماح بالاستيراد من الصين ثم تركيا.

لكن الانفتاح الاقتصادي فرض أن تصبح الأجور في وضع لا يسمح بعيش كريم لقطاعات واسعة من الموظفين والعمال، حيث توسعت الفجوة بين الأجور (التي كان الحد الأدنى فيها هو 6 آلاف ليرة سورية في القطاع العام، وأدنى من ذلك في القطاع الخاص.

ووفق دراسات حكومية، فإن الحد الأدنى يجب أن يكون 31 ألف ليرة سورية) والأسعار التي باتت تطابق السعر العالمي (خصوصاً في المواد المعيشية الأساسية)، وربما تزيد عن ذلك نتيجة احتكار فئة من التجار المرتبطين بالسلطة وحولها. ولما كانت السلع الأساسية وغير الأساسية قد باتت مستوردة، فقد نشأ اختلال كبير في الوضع المعيشي لقطاع واسع من الطبقات الشعبية. وهو ما انعكس تدهوراً أكبر في بنية الاقتصاد الذي شحّت السيولة فيه بعد أن تمركزت بأيدي «رجال الأعمال الجدد»، ونهضت فئة ممن يتعاملون مع «القطاع الجديد» (أي التكنولوجيا الحديثة)، ومن المقاولين وبعض التجار المقربين، وشريحة من الأطباء والمهندسين والمحامين والمهنيين عموماً.

على ضوء ذلك، يمكن ملاحظة أن انهيار الزراعة فرض تحرّكاً كبيراً في الريف والمدن القريبة منه (درعا، حمص، حماة، القامشلي)، وهو تحرك فلاّحي شمل صغار الملاّك ومتوسطيهم، وربما بعض كبار الملاّك (نسبياً، نتيجة صغر الملكية أصلاً).

لكن سنلمس تردد العمال على رغم الأجر المنخفض، سواء الذين يعملون لدى الدولة أو لدى القطاع الخاص. فلم يتحرّك العمال كعمال بعد، على رغم مشاركة بعضهم في التظاهر ضمن الجموع.

ويبدو تخوّف موظفي الدولة واضحاً، على رغم الأجر المنخفض كذلك. فالخشية من فقد الوظيفة يدفعهم حتى إلى المشاركة في «المسيرات المؤيدة»... وعلى رغم التذمّر، فإنهم لا يزالون ينساقون في مسيرات ليسوا مقتنعين بها. وهو الأمر الذي يوضح أن حاجز الخوف لم يكسر بعد، حتى من أجل رفض المشاركة في هذه المسيرات. وسنلمس التردد الأكبر لدى الفئات الوسطى المهنية، التي يشارك بعضها في شكل فردي، لكنها لم تنزلق للمشاركة في الحراك بعد إلا في بعض المدن (دير الزور، حماة). وأيضاً سنجد أن متوسطي التجار (وحتى الكبار منهم) هم مؤيدون للحراك، لكن في شكل خفي خوفاً على رأس المال، وانتظاراً لتحول ميزان القوى لكي يصبحوا هم «القائد» والمستفيد.

هذه الوضعية توضح أن الحجم الأكبر للحراك هو من فئات مفقرة، سواء نتيجة البطالة (التي تبلغ أكثر من 30 في المئة، خصوصاً بين الشباب) أو نتيجة الأجر المتدني، ولا يزال منحصراً في مناطق ريفية ومدينية أقرب إلى الريف أو هوامش المدن، أكثر مما هو في المدن الأساسية، إلى الآن على الأقل. وهي فئات كانت «خارج السياسة» عموماً نتيجة الاستبداد العنيف الذي أفرغ المجتمع من كل إمكانية لنشوء وعي سياسي، أو لتبلور ثقافة حقيقية. وحيث انعزلت الأحزاب السياسية، خصوصاً تلك المعارضة عن كل هذه البيئة، منحصرة في أطر مدينية ضيقة نتيجة الاستبداد، لكن أيضاً نتيجة أزماتها، واستمراء الانقطاع عن الطبقات الشعبية، وبالتالي الانحسار في نخب مدينية في الغالب.

وهي الوضعية التي تؤشر إلى المطالب التي يهدف إليها كل هؤلاء، بغض النظر عن الشعارات التي تتكرر... لكن إسقاط النظام لا شك يعني كذلك إسقاط النظام الاقتصادي الذي أنتج كل هذا الانهيار الاقتصادي، وكل هذا التمركز للثروة، وبالتالي كل هذه البطالة والفقر، وانهيار التعليم والصحة.

=============

تركيا وسورية... وليبيا

الجمعة, 19 أغسطس 2011

وليد شقير

الحياة

عندما قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أول من أمس إن «ما حدث في ليبيا يحدث الآن في سورية»، لم يكن يقصد مجرد التشبيه، بل أراد، على الأرجح، التذكير بما كان عليه الموقف التركي في بداية ثورة 17 فبراير الليبية، التي بقيت أنقرة مشككة بصحة هدفها إطاحة معمر القذافي، فأبقت على صلاتها به وعارضت قرار مجلس الأمن فرض الحظر الجوي على طائراته التي كانت بدأت تقصف الثوار وتجمعات قواتهم، وسعت الى التفاوض مع القذافي للتوسط بينه وبين المعارضة، الى أن تغيّر الموقف التركي بعد أسابيع قليلة وبات داعماً لتدخل قوات حلف شمال الأطلسي، ومشاركاً بطريقة من الطرق في تسهيل تنفيذها.

قصد أردوغان القول إنه فعل شيئاً شبيهاً في سورية، قبل أن ينتقل المجتمع الدولي الى موقف أكثر حزماً حيالها، بل هو ربما أراد الإعلان، عبر التشبيه الذي ساقه بين سورية وليبيا، عن أن المجتمع الدولي سينتقل الى مرحلة جديدة في التعاطي مع سورية، وأن بلاده ستنسجم مع هذا التعاطي مثلما فعلت في ليبيا، مع فوارق تتعلق بصعوبة اللجوء الى التدخل العسكري الدولي في سورية لعوامل متعددة تدفع أنقرة الى الإعلان عن عدم موافقتها عليها.

حتى اليوم، لم تنتقل تركيا الى مستوى مطالبة الرئيس بشار الأسد بالرحيل، بل بقيت في أوج غضبها من ممارسة نظامه القتل، تدعوه الى قيادة الإصلاحات، التي شجعته عليها في الأيام الأولى لانتفاضة المعارضة في درعا وغيرها، لأن في ذلك ما يوسع القاعدة الشعبية للنظام الذي تعتبره في حالة شيخوخة قياساً الى التطلعات الشعبية، ونصحت الدول الكبرى بعدم الانتقال الى المطالبة بتنحي الأسد، مفضلة إعطاءه فرصة. ومع استمرار المواجهة الأمنية من النظام لحركة الاعتراض الشعبي، ازداد الغضب التركي من تجاهل القيادة السورية كل النصائح والاقتراحات المكتوبة التي قدمتها تركيا الى الجانب السوري، خصوصاً أنها كانت اقرنت هذه النصائح بأخرى الى المعارضة بأن تميل الى الواقعية وعدم الإصرار على إزاحة رأس النظام. وكان هذا الوجه الآخر لاستضافتها مؤتمرات للقوى المعارضة وإقامتها العلاقات الطيبة مع أطيافها، وهو ما لم يعجب الأميركيين كثيراً لأنهم لم يكونوا يوماً مقتنعين بصدقية وعود القيادة السورية بالإصلاح.

ولأن أنقرة كانت أكثر الدول متابعة لتوالي الأحداث في سورية والوعود والقمع وكثرة اللاجئين إليها، سعت في المرحلة الماضية الى استخدام كل وسائل الإقناع مع القيادة السورية. حتى أن اتصالاتها مع طهران منذ بداية الأزمة، لا سيما زيارة وزير الخارجية أحمد داود أوغلو لطهران في أول تموز (يوليو) الماضي، لإقناع الأخيرة بممارسة نفوذها مع الحليف الأساسي بشار الأسد لللكف عن استخدام العنف واللجوء الى الإصلاحات الجدية، قوبلت بتفهم الجانب الإيراني، الذي لم يُخفِ اقتناعه بأن نظام الأسد يحتاج الى الاصلاح من اجل الصمود، على رغم ثباته العلني على رد ما يحصل الى «مؤامرة خارجية».

قادت المساعي التركية أردوغان وأوغلو الى نفاد الصبر، لأن أنقرة أبلغت من يعنيهم الأمر أن الأسد، عبر «سياسة العقاب الجماعي»، تسبب بمضاعفة الحقد الشعبي عليه فوسّع قاعدة المعارضة بدل أن يوسع قاعدة النظام وجعل من الصعب العودة بالوضع الى الوراء، بل أدخل سورية مرحلة تحمل معها مخاطر جدية بالانتقال الى مواجهات طائفية ومذهبية، وهي مخاطر دفعت أنقرة الى إبلاغ الكثير من الدول، لا سيما طهران، بأنها لا تستطيع أن تحتمل في أي شكل أن تصبح سورية الدولة الثانية على حدودها التي تشهد هذا النوع من المواجهات الدموية، إضافة الى العراق...

وخلافاً لتوقعات الكثيرين بأن يكون التحول التركي حاسماً، وأن يشمل تحركاً عسكرياً ضاغطاً على النظام، فإن القيادة التركية تتصرف على أن ثمة حدوداً لتأثيرها في سورية على رغم خصوصية العلاقة الجغرافية والسياسية، وفضلاً عن اقتناعها باستحالة عبورها الحدود للتدخل، فإنها تفضل أن يتولى المجتمع الدولي، وهي من ضمنه، تحركاً يتخطى «محدودية» قدراتها هي، مع اقتراب موقف روسيا نسبياً من موقف الدول الغربية.

تشبيه أردوغان لسورية بليبيا لجهة تولي الأمم المتحدة إدارة الملف السوري، لا يمنع الحديث عن بعض الفوارق، منها أن تركيا التحقت بموقف المجتمع الدولي في ليبيا، بينما هي مهدت لتبلور الموقف الدولي حيال سورية. وإذا تطور هذا الموقف نحو تدويل العقوبات على الأخيرة، فإن تركيا ستكون واحدة من 3 دول حدودية يفترض أن تلتزم بها، إضافة الى العراق ولبنان. لكن من أوجه الشبه أيضاً أن الأمور ستأخذ وقتاً في سورية، مثل ليبيا.

==============

سوريا.. بداية النهاية

طارق الحميد

الشرق الاوسط

19-8-2011

مع إعلان كل من أميركا وبريطانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي، بأن على بشار الأسد الرحيل، وطرح الملف السوري بمجلس الأمن، تكون الثورة السورية قد دخلت المنعطف الأهم برحلة الدم والدمار والكفاح، حيث إننا بتنا أمام بداية نهاية النظام الأسدي.

فما كنا نراه أمراً واقعاً لا محالة كان البعض، ساسة وإعلاماً ومثقفين، يرونه أماني وحماساً زائداً، ومثالية، لكن ما غفل عنه كثر من هؤلاء أنه من الخطأ بالحالة السورية التحليل، أو قراءة الأحداث، وفق المنطق، بل وفق عقلية النظام الأسدي الذي لم يصل إلى ما وصل إليه اليوم بسبب تخطيط مدبر من الخارج الذي منح الأسد فرصاً لم تمنح لكثير من الأنظمة العربية، بل بفضل أخطاء مذهلة ارتكبها النظام، ومنذ تولي الأسد الحكم، وحتى التصعيد الدموي المرعب بحق العزل السوريين، فقد استمرأ النظام الأسدي التذاكي وقطع الوعود، والارتماء في أحضان إيران، وتكريس الطائفية ليس بسوريا وحدها بل وبالمنطقة كلها؛ فالأخطاء الأسدية فاقت حتى أخطاء صدام حسين بالعراق، فبعث سوريا دائماً ما كان منبطحاً للنخبة الحاكمة، وليس شريكاً، أو ضمانة.

ولذا فإن الأخطاء الأسدية لن تتوقف بأي حال من الأحوال، فهذا نظام يحكمه الغرور والقراءات الخاطئة، ولا يرى حلولا إلا بالدم والدمار، ومن هنا فعلينا اليوم أن نراقب عن كثب تحركات خيوط اللعبة بمنطقتنا والتي أسميها محاولة تخفيف الضغط عن نظام الأسد؛ فبالأمس شهدنا عملية إيلات التي استهدفت حافلة إسرائيلية، وقبلها بيومين سمعنا زعيم جمعية الوفاق البحرينية مهدداً بالتصعيد لسنين، وملوحاً بالاستعانة بالداخل والخارج، والأدهى والأمرّ والأكثر سخرية، قول نوري المالكي إن الربيع العربي ما هو إلا خدمة لإسرائيل.. تخيلوا أن يصدر هذا التصريح من رجل طالما قال إن هناك أنظمة عربية لا تريد الديمقراطية بالعراق، وإن بغداد ستكون حاملة شعلة التغيير الديمقراطي بالمنطقة.. المالكي نفسه الذي دافع عن الجماعات الشيعية البحرينية، وشن هو والمحسوبون على حزبه وحكومته هجوماً عنيفاً على دول الخليج دفاعاً عن شيعة البحرين!

ومن هنا نعود، وبعد أن ثبت أننا لسنا حالمين، أو عاطفيين، لنجدد القول بأنه بات على العرب التحرك اليوم ومن خلال الجامعة العربية لسحب السفراء العرب من سوريا، وتجميد عضوية النظام الأسدي، فالوقت بات مناسباً لفعل ذلك الآن، وليس لأن الغرب تحرك، بل لأن الأرضية باتت جاهزة مع سحب دول عربية أخرى لسفرائها، وتصاعد الإدانة العربية لنظام بشار الأسد، خصوصاً بعد خطاب الملك عبد الله بن عبد العزيز التاريخي عن سوريا، والذي شكل نقطة تحول بالثورة السورية حيث قاد للتحرك الغربي، وليس العكس كما يحاول البعض القول زيفاً.

التصدي العربي للنظام الأسدي، بحال حدث، يعني أن العرب تعلموا الدرس جيداً ولن يكرروا أخطاء الأمس عندما تجنبوا مواجهة أخطاء صدام حسين من البداية، كما تعني أن العرب باتوا يعون أهمية حماية السوريين العزل، وفرصة تخليص المنطقة من أحد أبرز الأنظمة التخريبية والقمعية، وقطع يد إيران من المنطقة. ولذا نقول: تحركوا فقد سار القطار.

==========================

وزراء حزب الله يجب أن يعلنوا استقالتهم من الحكومة

الجمعة 19 آب 2011

موقع بيروت أوبزرفر

حسان القطب - بيروت اوبزرفر

القرار الاتهامي الذي صدر وأشار إلى تورط عناصر من حزب الله في ارتكاب جريمة اغتيال الرئيس الحريري وبعض الجرائم الأخرى يحتم على وزراء حزب الله في الحكومة اللبنانية الاستقالة فوراً واستبدالهم بوزراء مستقلين من أبناء الطائفة الشيعية الكريمة حتى تثبت براءة عناصر حزب الله من ارتكاب هذه الجرائم.. هذه هي روح العمل الديمقراطي والممارسة الديمقراطية في كافة الدول التي تحترم سيادتها وقضاءها، ومؤسساتها الأمنية، والدستورية، وكذلك هو أداء الأحزاب والقوى والشخصيات التي تحترم نفسها وجمهورها وسلوكها وممارساتها.. والتي تملك الثقة كل الثقة ببراءتها..

 

حزب الله أعلن مؤخراً ومراراً وتكراراً انه غير معني بالاتهام الصادر عن المحكمة الدولية وأن القرار الاتهامي مسيس ويستهدف المقاومة وحضورها ودورها، ولكن رئيس الجمهورية لا يمكن إلا أن يكون إلى جانب الشرعية الدولية ومؤسساتها ليحافظ على الكيان اللبناني وحضوره على الساحة الدولية، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي يعلن انه ملتزم بالقرارات الدولية، وانه سيتعاون مع المحكمة الدولية وسيتجاوب مع طلبات مؤسسات المجتمع الدولي سواء المحكمة الدولية أو مجلس الأمن الدولي، والنائب وليد جنبلاط يقول انه ليس ضد المحكمة وقراراتها، وان لبنان لا يستطيع مواجهة المجتمع الدولي، ونبيه بري الذي لم يعلن موقفاً واضحاً صريحاً إلا انه لم يعلن موقفاً مؤيداً لموقف حزب الله، ووزراء ميشال عون دائماً ما رددوا أنهم غلى جانب تحقيق العدالة غير المسيسة، إذا حكومة حزب الله التي يرأسها ميقاتي وسعى لتشكيلها عقب إسقاط الحكومة السابقة بطرق ملتوية، أصبحت مواقفها المعلنة وغير المعلنة متناقضة مع مواقف حزب الله، وأصبح هذا الحزب لا يحظى بإجماع من وزراء هذه الحكومة حول موقفه من القرار الاتهامي الذي صدر، لذلك لا بد له أي حزب الله من إعلان استقالة وزرائه، لأن وجود وزراء حزب الله في الحكومة سوف يشكل عامل ضغط على أداء الحكومة فهو لا يستطيع بل ومن غير المقبول استعمال مشاركته في هذه الحكومة لحماية مسؤوليه وعناصره وتعطيل بعض القرارات الهامة التي قد ينعكس تعطيلها على كافة أبناء المجتمع اللبناني دون استثناء وليس على عناصر حزب الله في حال تعرض لبنان لعقوبات اقتصادية أو سياسية.

=====================

قل موتوا بغيظكم!!!

د. أكرم حجازي

18/8/2011

 كل الثورات العربية نادت برحيل رأس النظام السياسي عبر الكلمة السحرية « إرحل». وكلها تعالت فيها صيحات التهليل والتكبير دون أن يتهمها أحد بثورات طائفية. أما الثورة المصرية فكانت سيدة الهتافات وصاحبة الشعار الأبلغ تعبيرا، والأوسع انتشارا، وهو ينطلق من على عتبات مقر نقابة المحامين: « الشعب يريد إسقاط النظام». ورغم بريق الشعار وجاذبيته؛ يبقى القول أن لكل ثورة إبداعاتها فيما رفعته من شعارات تميزها .. تميز يعكس مبعث الثورة إنْ كانت رغبة في الكرامة ( تونس) أو تعبيرا عن الغضب ( مصر) أو انعكاسا لواقع فاسد ( اليمن) أو ثأرا من مسخ استبد بكل حي وميت ( ليبيا).

 

 وفيما خلا الشعارات التقليدية والأناشيد المميزة التي رفعتها الثورة السورية، إلا أن أمْيَز الشعارات أو الهتافات كانت تلك المتصلة بالتوحيد. فما من ثورة عربية دفعت المحتجين فيها إلى الصدح بشعارات توحيدية صريحة أو مرتبطة بالتوحيد ارتباطا مباشرا كما فعلت الثورة السورية .. شعارات وهتافات لم يبدعها الشعب بقدر ما فرضت نفسها عليه فرضا، وشقت طريقها إلى العلن دون أية عقبات إلا من المتنطعين الذين رأوا الطائفية فيها ولم يروها في النظام وشعاراته.

 

 أما أولها فصاحت عاليا: « الله .. سوريا .. حرية وبس»!! وثانيها نادى أن: « لا إله إلا الله»!! وثالثها هتف: « واحد واحد واحد الله واحد»!! وآخرها أعلن متحديا: « لن نركع لغير لله»!! هتافات تعبر عن عقيدة أمة تؤمن بوحدانية الله، وتعظم خالقها، ولا ترى في غيره ملاذا تلجأ إليه أو تحتمي به .. هتافات شعبية فطرية، ليست مؤطرة في أية سياقات سياسية أو حركية أو أيديولوجية، بحيث يمكن توظيفها، من قبل النظام أو من أية جهة خصيمة أو مغرضة، لرمي الثورة بالطائفية أو التطرف.

 

 بالمقارنة؛ فإن إعلام النظام، وهتافات مناصريه، ولغة أبواقه الإعلامية، لا يمكن تصنيفها إلا في سياق الدرك الأسفل من الطائفية المنحطة، كتلك التي نقلتها صحيفة « كريستيانس ساينز مونيتور 14/8/2011» الأمريكية، في مقالة لها بعنوان: « الإسلاميون والعلمانيون بالإعلام الأميركي ». وكغيرها من وسائل الإعلام والشرائط المرئية نقلت الصحيفة عن « الشبيحة» وجنود النظام خلال مهاجمتهم لمدينة حماة، هتافات تنادي بأنْ: « لا إله إلا بشار»!!! أو « يسقط الله ويحيى الأسد» .. هتافات صنفتها الصحيفة في إطار « التطرف العلماني»!!! فأي علمانية هذه التي تتجرأ، في بلد إسلامي، على الله عز وجل بما هو أوقع على النفس أثرا من الكفر ذاته؟

 

 ليس غريبا على صحيفة، لا تتسع لغتها لغير مفردات اللبرالية والعلمانية والمصالح، ألاّ تستمع إلى « الشبيحة» وهم يتغنون شعرا بربوبية الأسد على فضائيات النظام السوري، حين قال أحدهم: « البعث ديني وربي بشار الأسد» !! وألاّ تلقي لهم بألاّ وهم يتسابقون إلى سجود جماعي على صور الرئيس السوري، وألاّ تتوقف عند تدمير المساجد وتدنيسها وكتابة عبارات الكفر الصريح على جدرانها، وألاّ تعاين المدن السورية وساحاتها وميادينها وطرقها وهي تعج بالصور الضخمة للرئيس وتماثيل والده من قبل.

 

 ليس غريبا أبدا!!! فما لا تعرفه الصحفية أن ما نقلته عن « الشبيحة» وأمثالهم ليس سوى شعارات طائفية تعكس، في الصميم، عقائد طائفة معادية للإسلام منذ نشوئها وإلى يومنا هذا، فضلا عن أن الطائفية، بخلاف حال النظم الأخرى، هي الهوية الوحيدة للاستبداد المستوطن في سوريا .. فيا « كريستيان ساينس مونيتور»: اعلمي أن المسلمين عامة والشعب السوري خاصة يعلمون علم اليقين أن كل ممارسات النظام طائفية من الألف إلى الياء. وكل تصرفات أدواته ومجرميه وحلفائه من الفرس وأمثالهم طائفية حتى النخاع .. حقيقة لا تتغير حتى لو تبرأت فئات من الطائفة من استبداد النظام. إذ أن موقف الطائفة يُحْمَل على انحياز العامة منها للنظام أو صمتها عليه، وليس على من أدانه أو نأى بنفسه عنه.

 

 أما لماذا كل هذه الكراهية والتطاول على الله عز وجل، وقتل الناس بأوحش الأساليب والصور؟ فالجواب، كما سبق وأشرنا في تأملات الفاضحة، يقع في صلب العقيدة. إذ أن النصيرية، عند أهلها، عقيدةً وليست أيديولوجيا أو تطرفاً علمانياً. فالطائفة لا تؤمن بالله ولا بالجنة ولا بالنار ولا بالبعث ولا بحلال أو بحرام .. وفي مثل هذه العقائد تستوطن وحشية النظام وأدواته القاتلة، لاسيما وأنهم يعتبرون الدنيا هي الجنة والنار .. أي لا حسيب ولا رقيب.

 

 القول الصريح في الشعارات التي رددها أهل السنة؛ أنها التعبير الوحيد الذي لا يمكن أن تستحضره فطرة أمة إلا لتؤكد على عقيدة التوحيد في مقابل عقيدة الكفر، لطائفة أكثر ما يستفزها في هتافات الثورة السورية صيحات التكبير!!! فإنْ كانت النصيرية تؤله بشاراً، وتسجد له، فلا تتوقع أن تسمع من المسلمين إلا ما يصم الآذان: « واحد واحد واحد الله واحد»، أو يغيظ القلوب: « الله أكبر»، أو يربط اللسان عن: « لا إله إلا الله» وحده لا شريك له. وإنْ كانت تصرّ على حمْل المسلمين على شرائعها بالقوة المسلحة، فلن تجد إلا جوابا واحدا: « لن نركع لغير لله». أما إذا كانت مثل هذه الهتافات، التي تعكس حقائق صراع مرير يعيشه مسلمو سوريا منذ عقود طويلة، دعوات طائفية وليست مطالب سياسية، كما يرى أحد أبواق النظام، فليقل لنا ماذا يكون الكفر بها إذن؟

 

 العجيب ليس ما جاءت به الصحيفة الأمريكية، على جهل منها، بل ما يقول به البلهاء، على علم منهم، وهم يتبجحون على الفضائيات في حوارات عقيمة، تحذر من الهتافات الدينية باعتبارها دعوات طائفية تؤثر في مسار الثورة وحشد التأييد الدولي لها!!! سبحان الله!!! هؤلاء وأمثالهم يستكثرون على المسلمين فطرتهم، وفي نفس الوقت يَعُز عليهم الاعتراف بوحشية الطائفة إكراما لبعض المعارضين منها للنظام، بينما يهون عليهم جرائم نظام طائفي يطعن بالتوحيد على الفضائيات بلا أي رادع يذكر.

 

 لهؤلاء وللنظام وأدواته الطائفية وحلفائه نقول بصراحة: المجتمع السوري ليس طائفيا، وأهل السنة بالذات لا يمكن أن يكونوا كذلك. لذا لن نقول لكم إلا ما قاله رب العزة: « قل موتوا بغيظكم»، فلن نؤمن إلا بما آمن به الشعب السوري، وردد: « واحد واحد واحد الله واحد»، و « لا إله إلا الله»، و « الله أكبر» وإن رغمت أنوف.

======================

بعد الجنون وقبل السقوط !

جواد البشيتي

العرب اليوم

2011-08-18

الفلسطينيون, وعلى وجه العموم, لا يحتاجون إلى من يؤلِّبهم على نظام حكم الأسد (حافظ وبشار) أو يحرِّضهم على معاداته, أي على أنْ يبادلوه عداءً بعداء; فهو تكفَّل دائماً بالإتيان بكل ما من شأنه جَعْلِهم يُضاهون أشقَّاءهم السوريين في العداء له, المستتر تارةً, والظاهر طوراً; ولقد أساء إليهم, وإلى قضيتهم القومية, وناصبهم العداء, وارتكب في حقهم من الجرائم, وفي مخيَّماتهم اللبنانية على وجه الخصوص, ما جعله ثاني عَدُوٍّ لهم بعد إسرائيل; أمَّا النافعة في هذه الضارة فهي جَعْلِه الفلسطينيين أوَّل وأقْدَم العرب في كَشْف, واكتشاف, زيف عدائه القومي لإسرائيل.

والفلسطينيون الذين لن ينسوا أبداً ما ارتكبه شارون في حق أبناء مخيمي صبرا وشاتيلا في لبنان من مجازر وجرائم ما زالوا يَذْكرون حافظ الأسد بصفة كونه جزَّار مخيم تل الزعتر, ومحاصِر ومُدمِّر مخيماتهم في شمال لبنان, والمتحالف مع حلفاء إسرائيل من اللبنانيين في الحرب ضدَّهم, وضدَّ حلفائهم من اللبنانيين; وإنَّ أحداً من المتضامنين, حتى الآن, مع نظام الحكم البعثي الأسدي, تضامُناً لا أخلاقياً, ولا إنسانياً, لن يستطيع أبداً أنْ يُنْكِر أنَّ جيش حافظ الأسد لم يُرْسَل إلى لبنان إلاَّ بموافقة الولايات المتحدة وإسرائيل.

وها هو نجله بشار يُثْبِت للفلسطينيين, وللاجئين الفلسطينيين في سورية, وفي مخيَّمهم في اللاذقية على وجه الخصوص, أنَّه الشِّبل لذاك الأسد, بمعنى واحد فحسب, هو التأسُّد على اللاجئين الفلسطينيين العزَّل, وتقتيلهم وتهجيرهم بنيران زوارقه الحربية; وكأنَّه يريد أنْ يقول لهم, وللشعب السوري, وللعالم أجمع, إنَّه الآن في سعيٍ إلى الاحتماء بعصبية بغيضة كريهة, وإنَّه ما عاد, بسبب عصبيته تلك, يستطيع تمييز "المواطن السوري" من "اللاجئ الفلسطيني"; فكلاهما ينتمي إلى جنسٍ واحد!

اللاجئون الفلسطينيون في سورية, ولو وُجِدَ بين ظهرانيهم العشرات من ضعاف النفوس من أمثال أحمد جبريل, لن يكونوا جُنْداً لبشار في حربه على شعبه; لقد رفضوا وأبوا, فما كان منه إلاَّ أنْ عاملهم كما عامل ويُعامِل الجنود السوريين الذين رفضوا وأبوا أنْ يكونوا قَتَلَة لشعبهم الثائر على هذا الدكتاتور, فَقَتَلَهُم, مُصوِّراً (في إعلامه) ما ارتكبه من جرائم في حقِّ هؤلاء الجنود الشرفاء على أنَّه من عمل وتدبير قوى إرهابية مندسَّة في جموع الشعب الثائرة عليه; ولن نَسْتَغْرِب أنْ يُخْبِرنا إعلام بشار أنَّ زوارق حربية تعود ملكيتها إلى قوى إرهابية مندسَّة هي التي ضربت بقذائفها اللاذقية ومخيَّم اللاجئين الفلسطينيين فيها.

الفلسطينيون في الضفة الغربية, وفي رام الله على وجه الخصوص, والذين هُمْ في صراعٍ يومي ضدَّ عدوِّهم القومي الأوَّل, وهو إسرائيل, تظاهروا تضامناً مع أشقائهم السوريين ضدَّ نظام الحكم البعثي الأسدي الذي أوغل في تقتيلهم, فما كان منه إلاَّ أن انتقم منهم بقتل وتشريد أشقائهم في مخيَّم للاجئين الفلسطينيين في الرمل في منطقة اللاذقية.

ومن قبل, رأيْنا أحمد جبريل (الأمين العام للجبهة الشعبية القيادة العامة) يأمر المدافعين عنه, وعن مقرِّه, في مخيَّم اليرموك في دمشق, بإطلاق النار على فلسطينيين متظاهرين حاولوا, على ما زُعِم, اقتحامه; ولقد تظاهر هؤلاء ضدَّ "الفساد السياسي" لهذا الرجل, فهو مارَس سياسة من نمط "كلمة حقٍّ أريد بها باطل", إذ سعى في توظيف مشاعر العداء الشعبي الفلسطيني لإسرائيل بما يخدم مآرب أسياده (الأبديين) الذين يصارِعون من أجل البقاء ولو بوسائل وأساليب يكفي أنْ يستعملها ويأخذ بها "رجل الدولة", ضدَّ شعبه, حتى يمَّحي الفَرْق بينه وبين زعيم عصابة من المجرمين والقَتَلَة.

والآن, حيث أظْهَر نظام الحكم البعثي الأسدي, وأكَّد, أنَّ عداءه للشعب الفلسطيني, وللاجئين الفلسطينيين في سورية, لا يقلُّ عن عدائه لشعبه, ما عاد ممكناً, ولا مقبولاً فلسطينياً, أنْ تظل منظمات فلسطينية ("حماس", و"الجهاد الإسلامي", و"الجبهة الشعبية", و"الجبهة الديمقراطية") على مواقفها القديمة من نظام الحكم السوري الزائل حتماً, وعمَّا قريب; ولقد حان لها أنْ تحسم أمرها, وتَقِف مع الشعب السوري وثورته, تاركةٌ له "حلفاء" من أمثال أحمد جبريل.

===============

هل تبقى الاحتجاجات السورية سلمية؟

د. وحيد عبد المجيد

تاريخ النشر: الخميس 18 أغسطس 2011

الاتحاد

عظيمة هي التحديات التي تواجه الاحتجاجات الشعبية في سوريا بعد أكثر من خمسة أشهر على بدايتها. غير أن التحدي الأعظم هو أن تبقى هذه الاحتجاجات سلمية مثلما بدأت، وأن تبذل لجان التنسيق وغيرها من القوى السياسية المعارضة أقصى ما لديها من جهد لتجنب الانجرار إلى العنف ووضع حد للأصوات التي بدأت تشجع على استخدام السلاح بعد مذبحة حماة الجديدة التي بدأت في أول أغسطس الماضي. فعندما ينذر بعض شباب الثورة باللجوء إلى السلاح دفاعاً عن النفس أو ردّاً على الاستخدام المفرط للعنف ضد المحتجين، لابد أن يكون هناك من يتحرك بسرعة للتنبيه إلى أخطار هذا التوجه.

فالرد على العنف المفرط الذي تستخدمه قوات الأمن والجيش بأساليب غير سلمية يعني استدراج الاحتجاجات الشعبية إلى دوامة المواجهة المسلحة. ولا نتيجة لذلك إلا عزلها وإضعاف شرعية مطالبها وإفساح المجال أمام عناصر ذات "أجندات" خاصة للدخول إلى الساحة.

فما كان للاحتجاجات الشعبية أن تتواصل وتنتشر وتمثل تحديّاً للنظام، بمقدار ما تواجه هي تحديات لا تقل أهمية، إلا لأنها حافظت على طابعها السلمي في اتجاهها الرئيسي. ولذلك لم تفلح محاولة خلط الأوراق وتشويه الاحتجاجات، ورميها بما هي منه براء. ولا تزال قوتها الأساسية كامنة في سلميتها التي حافظت عليها منذ شرارتها الأولى في درعا. بدأت تلك الاحتجاجات عفوية احتجاجاً على اعتقال 15 تلميذاً كتبوا شعارات على الجدران استلهموها مما حدث في تونس ومصر. فقد كانت الأجواء مهيأة لاحتجاجات قابلة للتصاعد والانتشار بفعل رياح التغيير التي هبَّت في بلاد عربية أخرى. كما كان شباب سوريون يحثون غيرهم على السعي إلى التغيير عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

غير أن أحداً لم يحرك احتجاجاً منظماً بخلاف ما حدث في مصر. كانت الشرارة في سوريا عفوية بالأساس على النحو الذي حدث من قبل في تونس عندما خرجت مظاهرات محدودة عقب انتحار الشاب محمد البوعزيزي تضامناً معه واحتجاجاً على البطالة والتهميش والإقصاء.

كان اعتقال تلاميذ صغار في 15 مارس وتعذيبهم وقلع أظافرهم مستفزاً للغاية، وخصوصاً في أجواء متأثرة برياح جديدة في المنطقة. ولم يقتصر الاستفزاز على عائلاتهم وقبائلهم في درعا فقط، بل امتد إلى أنحاء أخرى في سوريا وصولاً إلى دمشق حيث تظاهر بعض ذويهم ومئات من الحقوقيين والمثقفين في اليوم التالي (16 مارس) أمام وزارة الداخلية في ساحة المرجة للمطالبة بالإفراج عنهم فقامت قوات الأمن بتفريقهم واعتقلت 37 من بينهم المفكر الطيب تيزيني وحقوقيون وناشطون وغيرهم.

وعلى رغم إعلان نائب الرئيس فاروق الشرع في اليوم التالي (17 مارس) أن "ارتفاع وتيرة النقد بعد ما حصل في تونس ومصر يحفز بشكل أو بآخر على الإسراع في عملية التطوير والتحديث التي أطلقها الرئيس بشار الأسد منذ عام 2001"، لم يتم الإفراج سوى عن خمسة من معتقلي تظاهرة اليوم السابق. كما أُطلق الرصاص في اليوم التالي على تظاهرة أخرى خرجت في درعا مما أدى إلى مقتل أربعة أشخاص.

وهكذا أحدث الإفراط في استخدام القوة شرارة أشعلت الاحتجاجات التي أخذت في الانتشار يوماً بعد يوم، ولكنها حافظت على طابعها السلمي. وكان هذا واضحاً منذ يوم 19 مارس خلال تشييع جثامين الشباب الأربعة في درعا، إذ تحولت جنازة اثنين منهم إلى تظاهرة كبيرة شارك فيها نحو عشرة آلاف في أكبر حشد احتجاجي في سوريا منذ عقود.

وحافظ المتظاهرون على سلمية التظاهر. وحدث مثل ذلك في الاحتجاجات التي توسع نطاقها وامتدت إلى كثير من البلدات والمدن الأخرى، على رغم أن الإفراط في استخدام القوة ضدها فاق ما حدث في البلاد العربية الأخرى فيما عدا ليبيا التي تجاوز نظام الحكم فيها كل سقف في قمع الاحتجاجات حين بدأت في شرق البلاد في 17 فبراير. ولكن قوات القذافي نجحت في استدراج المحتجين إلى الرد على عنفها اللامحدود بما يتيسر لهم وهو بالضرورة محدود، فتحولت الاحتجاجات التي بدأت أيضاً سلمية إلى معركة مسلحة يصعب توقع ما يمكن أن تنتهي إليه.

وهذا درس ينبغي أن يستوعبه المحتجون في سوريا جيداً لأن الانجرار إلى أي شكل من أشكال العنف لن يجعلهم في مركز أقوى. فأقصى ما سيتيسر لهم من قوة يظل محدوداً، ويفقدهم قوتهم الأخلاقية والمعنوية المستمدة من سلمية احتجاجاتهم. وهذه هي القوة التي اعتمد عليها المحتجون في تونس ومصر، ويصر عليها المتظاهرون في اليمن على رغم أن انتشار السلاح في هذا البلد وحصولهم على تأييد قبائل كبيرة تملك الكثير منه يغري باستخدامه.

غير أن القوة المعنوية والأخلاقية النابعة من شرعية المطالب وضرورة الإصلاح هي أقوى ما يملكه المحتجون في سوريا. كما أنها هي التي مكنت المحتجين في تونس ومصر من تحقيق التغيير. فقد مضت الاحتجاجات في تونس في طريق سلمي منذ يومها الأول عندما تظاهر مئات الشبان في ولاية سيدي بوزيد في 18 ديسمبر 2010، وهو اليوم التالي لإضرام الشاب محمد البوعزيزي النار في نفسه احتجاجاً على مصادرة السلطات عربة يبيع عليها خضاراً وفاكهة ورفضها قبول شكوى في حق شرطية قال إنها صفعته ثم برأها القضاء بعد ذلك من هذا الاتهام.

وانتقلت الاحتجاجات إلى البلدات والمدن المجاورة لمدينة سيدى بوزيد، ثم وصلت إلى العاصمة للمرة الأولى في 25 ديسمبر وأخذت في التصاعد سلميّاً إلى أن حققت التغيير.

وقد حدث مثل ذلك في مصر مع اختلاف في التفاصيل. غير أن هذا الاختلاف لا يشمل سلمية الاحتجاجات التي ظهر الحرص عليها واضحاً تماماً. كان شعار "سلمية .. سلمية" أحد أبرز الشعارات الأولى في هذه الاحتجاجات، بل أبرزها على الإطلاق منذ اليوم الأول 25 يناير والأيام التالية.

فلم تكن تظاهرات ذلك اليوم عفوية بخلاف ما حدث في تونس يوم 18 ديسمبر. كانت الدعوة إليها سابقة على انتصار الثورة التونسية بعد أن بلغ بطش جهاز الشرطة مبلغاً غير مسبوق، وفاض الكيل بكثير من المصريين وخصوصاً الشباب. وحافظت الاحتجاجات على سلميتها حتى في يوم جمعة الغضب (28 يناير) الذي سقط فيه معظم القتلى والمصابين. فكان الهتاف "سلمية.. سلمية" يأتي سريعاً كلما اشتد عنف قوات الأمن حتى لا يتورط أحد من المتظاهرين أو الأهالي المتعاطفين معهم في الرد.

وحدث مثل ذلك في مواقع عدة شهدت أشكالاً من الكر والفر بين المتظاهرين الذين أرادوا شق طريقهم إلى ميدان التحرير وقوات الأمن التي حاولت محاصرتهم. وكانت سلمية الاحتجاجات المصرية هي أحد أهم أسباب نجاحها، مثلما حدث في تونس. وهذا هو التحدي الأكبر الذي يواجه المحتجين في سوريا الآن بعد أن بلغ العنف ضدهم مبلغاً قد يدفع إلى تحرك عربي فاعل في الفترة المقبلة.

===============

حدود التأثير التركي في الأزمة السورية

خالد السرجاني

التاريخ: 18 أغسطس 2011

البيان

كثفت تركيا تحركاتها لإيجاد مخرج للأزمة في سوريا، وهذه التحركات تسير في اتجاهين؛ الأول اتصالات مع حركات المعارضة السورية وتنظيم مؤتمرات ولقاءات لها في تركيا، من أجل تنظيم صفوفها والبحث عن أرضية مشتركة بينها حول الخروج من الأزمة، والثاني الاتصال بالنظام في سوريا وحثه على القيام بإصلاحات سياسية، والضغط عليه أحياناً من أجل القيام بهذه الإصلاحات.

والمرجح أن تركيا تتحرك في ظل تنسيق ما مع الولايات المتحدة، التي لم تكن تريد في بداية الانتفاضة السورية أن تظهر في الصورة حتى لا تزيد الأمور تعقيداً. وبالطبع فإن تركيا تحركت حتى لا تتدخل الولايات المتحدة في الأزمة السورية، بما يجعل المنطقة المحيطة بها موضعاً لحرب باردة جديدة.

 كذلك فإن تركيا تريد أن تحافظ على نفس المسافة بين أطراف الأزمة السورية، حتى تكون في مرحلة ما وسيطاً مقبولاً من هذه الأطراف، فضلاً عن أن التطورات على الأرض يمكن أن تحسم لصالح أي من هذه الأطراف، وتتطلب ظروف الجوار بين تركيا وسوريا ألا تتأزم العلاقة بين الدولتين، وذلك يتطلب علاقة متميزة أو طبيعية بين تركيا والطرف الذي ستحسم الأزمة لصالحه.

وبالطبع فإن الحل المثالي بالنسبة لتركيا، هو أن تحسم الأزمة عبر صفقة تعقد بين الأطراف المتنازعة، تكون تركيا طرفاً فيها. والصيغة المتوقعة في هذه الحالة، هي أن يجري السلطات السورية إصلاحات جوهرية على النظام السياسي، تكون مرضية للمعارضة، ويستمر النظام الذي تجمعه علاقة قوية مع تركيا ليشرف على عملية تداول سلمي للسلطة، عبر انتخابات تعددية نزيهة وشفافة.

وتركيا تتحرك في الأزمة السورية كمن يسير على حبل مشدود، لأن موقفها معقد وحساس، وهناك اعتبارات متعددة تحد من تحركها، منها ما هو متعلق بقضايا داخلية خاصة بها، ومنها ما هو متعلق بعلاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية، ومنها ما هو متعلق بعلاقاتها مع النظام السوري، ومنها اعتبارات أخلاقية وأخرى حسب تصورها للإقليم المحيط بها واستقراره، ومنها بالطبع ما هو متعلق بعلاقاتها مع فصائل المعارضة السورية وفي مقدمتها حركة الإخوان المسلمين.

وهذه الحساسية وتعقيد الموقف تطرح تساؤلات حول ما إذا كانت تركيا تستطيع التأثير في الأحداث التي تشهدها سوريا حالياً؟ والإجابة عن هذا السؤال تعد صعبة، مثلها مثل الموقف التركي من الأحداث، خاصة وأن الأزمة السورية لها تداعيات على الداخل التركي، فضلاً عن أنها تؤثر في الإقليم المحيط بتركيا، وهي تسعى لأن تصبح دولة مركزية في هذا الإقليم.

ويمكن القول إن تأثير تركيا على الأحداث في سوريا بدا في عدة محاور أساسية، أولها أنها استطاعت عبر جهودها المتعددة وعبر علاقاتها المتميزة مع القوى الدولية، أن تعطل تدويل الأزمة السورية. فمقارنة بسيطة بين ما تشهده سوريا وما تشهده ليبيا، تؤكد أن اهتمام مجلس الأمن بكلتا الأزمتين مختلف بصورة ملحوظة.

ولا نستطيع أن ننكر أن وجود تركيا على خط الأزمة السورية بصورة أكثر وضوحاً، لعب دوراً كبيراً في هذا الأمر. كذلك فإن تركيا عبر احتفاظها بعلاقات على نفس المسافة من أطراف الأزمة، استطاعت أن تدير حوارا مع النظام السوري بهدف إقناعه بإجراء الإصلاحات اللازمة، وإن كانت الإصلاحات التي نفذها حتى الآن أو تلك التي وعد بها لم ترض المعارضة، فضلاً عن أنها إصلاحات جزئية وبطيئة.

ومن المتوقع أنه في مرحلة ما، وبعد أن يقدم النظام السوري الحد الأدنى من الإصلاحات المطلوبة من قبل تركيا، فإن الأخيرة سوف تبدأ في محاولة إقناع المعارضة السورية بهذه الإصلاحات، باعتبارها مرحلة أولى سوف تتلوها مراحل أخرى، بما يحقق الإصلاح الشامل خلال فترة زمنية معقولة.

أي أن التأثير التركي سوف يقتصر فقط على محاولة التقريب بين الأطراف السورية المتنازعة، بما يعيد الاستقرار إلى سوريا وأيضا إلى المنطقة المحيطة بتركيا.

ولابد أن تلي هذه الخطوات خطوة أخرى تتعلق بأن تقنع تركيا العالم الخارجي الذي فرض عقوبات على النظام السوري، بأن هناك تغييراً قد حدث وأن إصلاحاً قد بدأ، وبالتالي هناك حاجة للبدء في رفع العقوبات حتى تصبح مثل المكافأة التي تقدم للنظام مقابل خطواته الإصلاحية، ويمكن أن يتم ذلك تدريجيا أي أن ترفع حزمة من العقوبات مقابل مجموعة من الإصلاحات التي يقوم بها النظام السوري.. وهكذا حتى ترفع العقوبات كاملة مع تنفيذ الإصلاحات كاملة.

وفي كل الأحوال فإن تأثير تركيا في الأحداث السورية ليس مطلقاً، وإنما هو مرتبط بأطراف أخرى ومدى موافقتها أو رفض لما يحدث على الأرض، وكل ما تستطيع أن تقوم به تركيا لا يتعدى تقريب المواقف والتوسط بين الأطراف المختلفة، خاصة وأن هناك عوامل تجعل التأثير الخارجي على الأزمة السورية في حده الأدنى.

فالأحداث متلاحقة، وهو ما يجبر كافة الأطراف على إحداث تعديلات في مواقفها، بصورة دورية تربك حسابات أي وسيط.

والسؤال الذي يرد إلى الذهن، هو طالما أن تركيا تدرك أن تأثيرها في الأزمة السورية محدود، فبماذا نفسر الاهتمام المبالغ فيه بهذه الأزمة، فضلاً عن الخطاب الحاد الذي تتحدث به حولها؟ والإجابة غاية في البساطة، ذلك أن خطابها هو بمثابة تحذير للنظام من مغبة ما سيحدث.

نظراً لأن علاقاتها القوية بالقوى الدولية أعطتها مؤشرات حول ما يمكن أن تتطور إليه الأزمة في المراحل المقبلة. وهي هنا يتحول دورها من الوسيط، إلى دور من يسعى إلى لملمة الأمور قبل أن تتطور، وهذا يحافظ إلى حد كبير على المصالح الإقليمية لتركيا.

===============

سوريا: النظام انتهى في كل الأحوال

علي حماده

النهار

18-8-2011

مع توغل النظام في سوريا في العمل العسكري المنظم والشامل ضد الشعب الثائر، ومع ارتفاع عدد الشهداء والمصابين، وتوسع النطاق الجغرافي للمواجهة بين الآلة العسكرية والشعب الاعزل، ومع تحرك المجتمع الدولي في مجلس الامن وبالتشاور مع دول الاقليم العربي، لا بد من التوقف قليلا مع بعض الخيارات المتاحة في المرحلة القريبة المقبلة: بلغ الوضع في سوريا حقيقة نقطة اللاعودة بين النظام والشعب، وهذا ما يعرفه بشار الاسد الذي ما كان ليجيز بعمليات عسكرية واسعة النطاق ضد المدن والقرى الثائرة لولا معرفته انه وصل الى حائط مسدود داخليا وحتى خارجيا.

اولا - لقد مضى على انفجار الثورة في سوريا اكثر من خمسة اشهر ولم تتراجع، بل تفاقمت الازمة بين النظام والشعب، وقد تطورت الشعارات المرفوعة من المطالبة بالاصلاحات الى المطالبة برحيل الاسد وسقوط النظام وحتى محاكمة الرئيس.

ثانيا - مع توغل النظام في الحل الدموي ماتت العملية السياسية التي كان يؤمل ان تكون طريقا للتغيير السلمي بحيث يتحول بشار الاسد قائدا لعملية الاصلاح التي تنهي جمهورية حافظ الاسد بشكل لا عنفي يفتح آفاقا سياسية في البلد.

ثالثا - مع ارتفاع عدد الشهداء وتوسع الاعمال الدموية والتخريبية والقمع الوحشي في سوريا انتهى الحديث عن اصلاحات حتى لو كانت فورية، لأن الاسد الابن غرق في بحر من دماء السوريين، وبات معرضا لملاحقات امام المحاكم الدولية بجرائم ضد الانسانية. وفي هذا الاطار يتوقع ان يزداد الضغط على مجلس الامن بإحالة ملف مثقل بأدلة تدين النظام في سوريا الى محكمة الجنايات الدولية.

رابعا - انتهى النظام في سوريا بالمقومات وبعناصر القوة التي كان يتمتع بها في المرحلة التي سبقت اشتعال الثورة، او بالأوراق التي كان يمتلكها بمعزل عن ايران، وصارت المرحلة الاخيرة التي تسبق سقوطه مؤلمة، لكنها طبيعية اذا ما قورنت بالمخاضات التي تعيشها البلدان التي تنزع عن نفسها ثقل ماض أليم.

خامسا - يبدو ان جبهة عربية – دولية هي في طور التشكل من أجل محاصرة النظام في سوريا، والتعجيل في التغيير من دون بشار الاسد. فالاقليم العربي ( السعودية – مصر – الاردن) بالتفاهم مع تركيا، وبتغطية أوروبية – أميركية تحرك أخيراً مانحاً التحركات المقبلة غطاءها العربي – الاسلامي بما ينزع عن الاسد الابن كل إمكان للاعتماد على فكرة تحييد العرب.

في الخلاصة، يمكن القول إنه بالرغم من شدة العملية العسكرية الدموية التي يقوم بها الاسد الابن ضد شعبه، فإن البلاد خرجت عن سيطرته بالمعنى التقليدي، ولن تعود قبل سقوط النظام. والنظام سيسقط إما بالتفكك واما بلجوئه الى حرب أهلية كسباً للوقت. وفي كلتا الحالتين انتهى النظام وماتت "جمهورية حافظ الاسد".

===============

سوريا إلى أين؟!

صالح القلاب

الرأي الاردنية

18-8-2011

الاحتجاجات السورية المتصاعدة ,كما هو واضح, مستمرة ومتواصلة بعد أن كسر السوريون حاجز الخوف وأصبحوا مستعدين لبذل المزيد من التضحيات الجسيمة فعلاً والوحدات العسكرية المنتقاة ,التي ظلماً للجيش العربي السوري ومناقبيته أن يطلق عليها اسمه, ومعها زمر «الشبيحة» الذين هم وحدات مغاوير ولكن بألبسة مدنية تزداد شراسة ودموية مع الوقت وكأن الشعار الذي وضع لها سلفاً هو: «إما قاتل أو مقتول ولا مجال لأي حلول وسطية».

وكل هذا والعرب كما يبدو ,يتابعون بلا حول ولا قوة وليس لديهم أي تصور مبني على المعلومات ,التي من المفترض أنها دقيقة, عما ستنتهي إليه الأمور ولا كيف ستصبح الأوضاع في هذا البلد الشقيق الهام جداً, موقعاً وشعباً وتاريخاً وحاضراً ومكانة, في حال انتصار «الثورة» وأيضاً في حال صمود النظام وقمع هذه الاحتجاجات ووضع حدًّ لها بالعنف والقوة.

كان الاعتقاد في البدايات ,في الخامس عشر من آذار (مارس) الماضي, أن المسألة مجرد هبة آنية تأثراً بما جرى في تونس ومصر وليبيا وأن نزق الشبان لن يلبث أن يفتر وبخاصة وأن النظام بادر فوراً وبناء على تخطيطات مسبقة وعلى قرار اتُّخذ ,خلال سلسلة اجتماعات سرية شارك فيها الذين يقبضون على مقاليد الأمور الآن, يقضي بالحزم والصرامة والرد بالضرب بيد من حديد على يد كل من تسول له نفسه التظاهر أو الاحتجاج أو رفع رأسه ولو قليلاً بعد طأطأة بقيت مستمرة منذ «الحركة التصحيحية» في 1970 بل في الحقيقة ,حتى نكون منصفين, منذ انقلاب الثامن من آذار (مارس) 1963. وهكذا فقد بات واضحاً أن المحتجين أو الثوار مصممون على الذهاب بالشوط حتى آخره ومهما سال من دماء ومهما كانت التضحيات فهؤلاء كسروا حاجز الخوف وأصبحوا يتمتعون بعمق شعبي وبتأييد عام من الشعب السوري بمعظمه كما أصبحوا يحظون بتعاطف عربي وعالمي ثم والأهم من كل هذا أنهم أصبحوا يشعرون بأن النظام اقترب من أن تخور قواه وأن انهياره بات مسألة وقت ومسألة المزيد من الصمود والمزيد من العطاء وسقوط الشهداء.

وبالمقابل فقد بات واضحاً أيضاً أن النظام ,بعد أن ارتكب كل هذه المجازر وأسال كل هذه الدماء وقطع على هذا الطريق المكلف كل هذه المسافة, لم يعد بإمكانه التراجع إطلاقاً على أساس أن التراجع بعد هذا الذي جرى كله يعني الانهيار والنهاية ولهذا فأغلب الظن أنه سيبقى متمسكاً بقراره الذي كان قد اتُّخذ مسبقاً حتى قبل أن تنطلق شرارة هذه الثورة من درعا في الخامس عشر من آذار (مارس) الماضي وهو: القتال والقتال والذبح والذبح حتى النهاية.

إن هذا واقع الحال وأن ما يجب أخذه بعين الاعتبار ,دائماً وأبداً, لدى الحديث عما يجري في سوريا هو أن ما جرى في تونس وفي مصر يختلف عن هذا الذي يجري في سوريا في أن الجيش التونسي قد بادر إلى حسم الأمور بسرعة وحال دون تحول الاحتجاجات إلى حرب أهلية وهذا ما حدث في مصر إذْ لولا تدخل القوات المسلحة لطالت المواجهات ولربما استطاع نظام الرئيس مبارك الصمود كصمود علي عبد الله صالح وصمود القذافي على الأقل ولذلك فإن كل التقديرات تشير إلى أن الأوضاع في سوريا قد تذهب إلى الفوضى إن لم تتحرك فجأة مجموعة من الضباط وتسيطر على الأمور وتشكل مجلساً عسكرياً أعلى كالمجلس العسكري المصري الأعلى يتولى مسؤوليات البلاد لفترة انتقالية تجري بعدها انتخابات تشريعية ورئاسية ليبدأ هذا بالبلد العربي مرحلة جديدة تختلف عن ظلام وويلات المراحل السابقة منذ أول انقلاب عسكري في نهايات أربعينات القرن الماضي وحتى الآن.

===============

في اللاذقية ما يكفي من الغار

إكرام الزعبي

الرأي الاردنية

18-8-2011

يكفيكِ يا حارسة الأبجدية وجارة أوغاريت بأن فيك مُفتتح الكتابة وختامها،وبأن رأس شمرا ما زال شامخاً بجانبك. ولتطمنئني أيتها اللاذقية لأنك تغتسلين كل يوم بماء المتوسط الذي جلب لكِ كل غرباء الدنيا... وما هزموكِ. ارتبطتِ بخيال كل من زارك واستمتَعَ بشواطئك الذهبية بالرحلات الممتعة، فما زلت أذكر أول رحلة بالباص إليكِ، والسعادة الغامرة أثناء الرحلة، واستغربت كيف استطعتِ إسعاد زوّارك بذلك القدر وأنت المدينة المُهملة وأهلك الفقراء المهمّشين على عكس أهالي المدن المحاذية للشواطئ!

استهجنت عندما رأيت اللاذقية أول مرة كيف أن فيها فندقين فقط على الشاطئ،مع أنه يعتبر من أطول شواطئ المتوسط الرملية! واندهشتُ لافتقاد المدينة كلياً إلى المرافق السياحية التي تتواجد عادةً في المدن الساحلية؛ الأمر الذي ولّد في بالي سؤالاً -آنذاك - لماذا لا تستغل الحكومة ذلك الكنز وتنشئ فيه أطول سلسلة فنادق على المتوسط يكون من شأنها تنمية تلك المدينة الفقيرة البائسة ؟

الآن، ومع هذا القصف الذي يأتي من البحر والبر والسماء على رأس أهل اللاذقية، حصلت على إجابة لسؤالي: فكيف يكترث أي نظام مُتضخّم: مُتمركز حول ذاته لتنمية بلده أو تطوير المشاريع التي من شأنها تحسين مستوى حياة الشعب ؟اليوم نتأكّد أن الشعب السوري لم يعد يملك شيئاً ليخسره أمام هذا الإهمال والإفقار المقصود لذاته والذي أنزل الناس إلى الشارع وتحت وابل القصف :فلا يستطيع أي نظام أن يحرم الناس من حريتهم وأرزاقهم وفوق ذلك أن يطلب منهم الولاء ! لم يعودوا يبالون بقناصة أو (شبيحة):» فما لجرحٍ بميتٍ إيلام.»

بدلاً من أن يجعل النظام السوري مدينة اللاذقية (شرم شيخ) ثانية - بفارق جو اللاذقية المنعش أغلب أيام السنة- يبدو أنه ركّز بشكل مقصود على أن تكون أحوال الناس :أضيق ما يكون. فعلاً :حيث يعيش اللاذقيون في بيوت ضيّقة أشبه بالخرابات، ويكسبون أرزاقهم بأدوات بدائية للغاية. لا أحد يأخذ بيدهم، ولا يستفيدون من ذلك الشاطئ الرملي الساحر سوى الشكوى للبحرعلى طريقة شخصيات حنا مينة!

مسكين هذا الشعب السوري الذي تحمّل ما لا يُحتمل، وصبَر حتى انفجر. محزن للغاية الإنسان السوري الذي عندما يأتي الى بلادنا تراه يندهش بكل شيء نملكه، فالمحترف يعرف أكثر من غيره قيمة ومعنى الإنجاز، والشعب السوري شعب محترف بكل المعاني، ليس ابتداءً من احترافهم بالدراما السورية التي أنقذت التلفزة العربية، ولا انتهاءً بالقُطنيات والحلويات السورية التي اكتسحت كل الدنيا. من حق هذا الشعب الوسيم الشغّيل أن يحصل على الحرية والدعم، ويستفيد من خيرات بلده المتنوعة والحبيسة هي الأخرى.

في هذا الرمضان الملتهب ليس لنا سوى أن نبث الأمل في نفوس أهل اللاذقية الأشد ظلماً،وفي باقي الأشقاء السوريين بأنهم سيتمكنون في يوم قريب من التحرر والإستفادة من التنوّع الطبيعي في بلادهم كثيرة الخيرات. نقول لكل الشهداء الذين سقطوا والذين سوف يلحقون بهم: «لا تقلقوا فتضحيتكم لن تضيع سُدى، وناموا مطمئنين كثيراً ففي اللاذقية ما يكفي من الغار» ! د. عبد الحميد مسلم المجالي

===============

السوريون يقتلون.. اين امريكا والغرب؟

صحف عبرية

2011-08-17

القدس العربي

كم من الوقت سينتظر المتظاهرون السوريون الى أن تتفضل الولايات المتحدة وحليفاتها في الغرب بالتدخل في المجزرة البطيئة؟ ما هي تلك الكتلة الحرجة من القتلى التي ستقرر 'الجماعة الدولية' بعدها العمل؟ حينما يكون الحديث عن زلزال، تُدفع كل دولة الى مقدمة الصف لتسجل لنفسها أن قواتها ساعدت في انقاذ مصابين؛ وحينما كان الحديث عن آلاف قتلوا في دارفور دخلت تلك 'الجماعة' في سبات عميق الى أن هبت للمساعدة.

وفي سورية ما يزال مقياس الدم لا يثير الاهتمام. إن التنديد والتوبيخ والقليل من العقوبات الضعيفة كل ذلك يُبين لبشار الاسد انه ما يزال بعيدا عن الخطر. سارعت واشنطن الى تجنيد تحالف عسكري على معمر القذافي، ودعت حسني مبارك الى ترك كرسيه، وهي تُدبر في اليمن لمنع عودة علي عبد الله صالح الى صنعاء. وماذا في سورية؟ ما تزال الجملة الرئيسة 'يجب على الاسد أن يمضي' ناشبة في حلقها.

ليست التفسيرات العقلانية لضبط النفس الامريكي وهي: الخوف من رد ايران، والطموح الى الامتناع عن منح ثورة شعبية مظلة غربية لئلا تُمس شرعية الثوار، والاهتمام بمكانة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط اذا دُفعت الى جبهة جديدة بعد العراق وافغانستان ليست بلا قيمة. لانه يجب على واشنطن في الحقيقة أن تفكر ايضا في 'اليوم التالي'. لكن تفهم تقديرات 'اليوم التالي' يُحل 'يوم الحاضر' الفتاك.

ليس السوريون وحدهم هم الذين أدركوا جيدا أن واشنطن تفضل موقف المراقب. فاعلان محمود عباس بأنه ينوي أن يقدم في العشرين من ايلول طلبا رسميا الى الامم المتحدة للاعتراف بفلسطين على انها دولة مستقلة، يشهد مثل ألف شاهد بأن الفلسطينيين يئسوا من تدخل امريكي فعال ينقل اسرائيل عن مواقفها. ولم ينجح الفلسطينيون في أن يستخلصوا أي خطوة عملية من خطب رؤيا باراك اوباما لا تجميد المستوطنات ولا رسم حدود حتى ولا دعوة الى البيت الابيض، فيبدو أن عباس يدرك مثل سورية أن واشنطن ستترك للواقع أن يفعل فعله في حين تنتظر 'اليوم التالي'.

قرر عباس وبحق أن يتجه الى الامم المتحدة. فقد أدرك ان التصرف الأحادي لا يمكن ان يبقى حكرا على اسرائيل. وهذه الخطوة قد تضطر واشنطن الى اتخاذ قرارات نجحت في التهرب منها حتى الآن، فضلا عن أنه لا يوجد لديه ما يخسره. فعلى سبيل المثال هل تستطيع أن تواجه قرار أكثرية كبيرة من اعضاء الامم المتحدة على الاعتراف بدولة فلسطينية؟ وكيف ستُفسر ادعاءها أن دولة بالتفاوض أفضل من دولة بمبادرة من طرف واحد؟ وماذا فعلت الولايات المتحدة حتى الآن كي يُجرى هذا التفاوض؟.

ولنفرض أن الولايات المتحدة استمرت في التمسك بتوجه يناقض سياستها تلك التي ترفع علم 'دولتين للشعبين' وعارضت الاعتراف بدولة فلسطينية. فهل ستؤيد ايضا عقوبات تفرضها اسرائيل على تلك الدولة؟ وهل ستستطيع في المقابل ايضا أن تحمي اسرائيل من عقوبات تُفرض عليها؟ هذا هو 'اليوم التالي' المتوقع لواشنطن اذا لم تعترف بدولة فلسطينية، ولم نقل شيئا حتى الآن عن الانتفاضة المتوقعة في فلسطين اذا رُفض الاستقلال.

ان واشنطن، التي جُرت حتى الآن وراء اسرائيل، غيرت وجهها وهي تجد نفسها ملزمة أن ترد على مبادرة فلسطينية ترمي الى سلب الولايات المتحدة تفردها في علاج الصراع الاسرائيلي العربي. وفي نفس الوقت تتلقى الامم المتحدة التي لم تلعب قط دورا ذا شأن في حل الصراع حبة بطاطا ملتهبة، وهي بالقرار الذي ستتخذه ستلزم الولايات المتحدة سواء أرادت ذلك أم لم تُرد.

إن اسرائيل، التي لا ترى إزاء ناظريها سوى سيناريو يقوم به الفلسطينيون بانتفاضة ثالثة، تستعد لذلك كما يتم الاستعداد لمظاهرات جماعية. والجيش الاسرائيلي، لا الساسة، مستعد كالعادة لكل امكانية. لكن الانتفاضة التي يُشك في ان تحدث ستكون أقل اهتمامات اسرائيل فقط. فمجرد قدرة سلطة فلسطينية، ليست دولة على الالتفاف على القوة العظمى وأن تفرض عليها 'اليوم التالي' ستحدد في نهاية الامر ايضا مكانة اسرائيل من الولايات المتحدة ومكانة واشنطن في المنطقة. إن العملاق الامريكي الذي يرفض علاج سورية، والذي يبدي عدم اكتراث لما يحدث في المناطق، أخذ يفقد حديقته.

===============

من أجل سورية المستقبل

الخميس, 18 أغسطس 2011

عبدالعزيز التويجري *

الحياة

ما يجري في سورية منذ خمسة شهور، من مواجهات قمعية للمتظاهرين السوريين يسقط ضحيتها المئات من القتلى والآلاف من المصابين والمعتقلين ومجهولي المصير، حالة لم يسبق لها مثيل، تحزّ في النفس وتدمي القلب، وتدعو إلى الخوف على مستقبل سورية. ولقد كان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رائداً في المبادرة التي اتخذها بتوجيه خطاب صريح جداً إلى الشعب السوري، طلب فيه من القيادة السورية وقف نزيف الدم فوراً ودعاها إلى الشروع في تطبيق إصلاحات شاملة سريعة. وقد تزامن هذا الخطاب التاريخي بحق، مع النداءات التي صدرت عن الأمين العام للأمم المتحدة، وعن الاتحاد الأوروبي، وعن الإدارة الأميركية وعن الحكومة الروسية. ثم بعد خطاب الملك عبدالله، توالت ردود الفعل من جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وعدد من دول الخليج العربية والمغرب العربي، في حركة تصاعدية تستنكر بقوة وصراحة ووضوح، ما يتعرض له الشعب السوري الذي خرج للشوارع والميادين، ولا يزال، يطالب بالحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية والحق في الحكم الرشيد. وهي مطالب سبق وأن وصفها الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد، ونائبه السيد فاروق الشرع، والمستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية السيدة بثينة شعبان، ووزير الخارجية السيد وليد المعلم، بأنها مطالب محقة، أي مطالب مشروعة لا شك في شرعيتها ولا طعن في مشروعيتها.

إن العالم كله يستنكر بشدة ما يجري في سورية اليوم من أحداث بالغة الخطورة، من جراء ارتكاب جرائم وصفها أكثر من طرف من الأطراف الدولية، بأنها جرائم ضد الإنسانية.

والموقف الذي تتخذه دمشق من هذه الحملة الدولية التي تستنكر ما يجري في سورية، أقل ما يقال عنه أنه هروب من الحقيقة. وهذا يأتي في الوقت الذي تشهد المنطقة أحداثاً عاصفة كان من المفترض أن تكون موضع اعتبار ومبعثاً للتفكير في عواقب الأمور ولمراجعة السياسات المعتمدة التي ثبت فشلها في مواجهة مطالب الشعوب بالقتل والقمع والتنكيل، والمبادرة إلى الحوار الجدي والتفاوض المسؤول والإصغاء إلى صوت العقل ونداء الحكمة. ذلك أن المنطقة تغلي، بل العالم كله يغلي في هذه المرحلة، نتيجة للأزمة المالية العالمية التي انطلقت من الولايات المتحدة الأميركية، وانتقلت إلى أوروبا، وألقت بظلالها القاتمة على اقتصادات دول العالم أجمع، ومنها بطبيعة الحال الدول العربية. ولذلك فقد كان من الحكمة السياسية، أن تضع القيادة السورية هذه التطورات الخطيرة الإقليمية والدولية، في الاعتبار عند التعامل مع الأزمات التي تفتك بالبلاد وتهدد حاضرها ومستقبلها، سعياً وراء إيجاد حلول مقنعة وفاعلة، وتسويات مرضية تضع حدّاً للانفجارات المشتعلة القائمة، وللمشاكل الخطيرة التي تؤثر تأثيراً سلبياً على التنمية الشاملة المستدامة، وعلى حاضر سورية ومستقبلها.

ولكن دمشق لم تبد قدراً من الاستجابة للنداءات التي وجهت إليها للخروج من الأزمة الخطيرة التي تتفاقم وتتعاظم، وكان حرياً بها أن تولي خطاب الملك عبدالله بن عبدالعزيز اهتماماً خاصاً، وتدرسه بعناية. فهو أتاح الفرصة أمام القيادة السورية للتحرك السريع في الاتجاه الصحيح، وهو مبادرة سبقت المبادرة التركية التي لا يبدو في الأفق أنها ستنجح في تحقيق أهدافها. وتعرف سورية إخلاص الملك عبدالله بن عبدالعزيز في القول والعمل، ودعمه المتواصل لها على مدى عقود، منذ أن كان ولياً للعهد ورئيساً للحرس الوطني، وتعرف حرصه الشديد على سلامتها وأمنها واستقرارها.

ان من ينصح القيادة السورية في هذا الوقت العصيب، لا يتدخل في شؤونها الداخلية، ولكنه يقف إلى جانب الحق والعدل ومصلحة سورية والشعب السوري الذي يعيش محنة قاسية وتحاصره أزمة خطيرة للغاية من كل جانب، كما يحرص على سلامة الوطن واستقلاله ووحدة مواطنيه. والخطر كل الخطر من أولئك الذين يدفعون سورية نحو المزيد من القمع والقتل، ويستخدمون الورقة الطائفية خدمة لمصالحهم الإقليمية وتطلعاتهم التوسعية التي أصبحت واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار.

إن سورية العروبة والإسلام، موطن الحضارات والثقافات، ومنبت العقول المبدعة في جميع فروع المعرفة في الماضي والحاضر، لا يمكن أن تستمر الأوضاع فيها على هذا النحو الخطير. ولقد آن للقيادة السورية أن تصغي لنداء الحكمة، وأن تراعي المصلحة العليا للوطن ولهذا الشعب صانع الحضارات، وأن تستجيب فوراً للإرادة الشعبية، وتذعن لمنطق الحق والعدل والقانون. فليس من مصلحة النظام السوري، بأي حال من الأحوال، أن تستمر هذه المجازر التي يرتكبها ضد الشعب، وأن يواصل ترديد المبررات التي لا يقتنع بها أحد، والتي يعرف العالم أجمع، ويعرف الشعب السوري قبل غيره، أنها مبررات تستند إلى ادعاءات باطلة وحجج متهافتة. فهذه هي الوسيلة الوحيدة، التي لا توجد وسيلة غيرها، لإنقاذ سورية من الكوارث الخطيرة المحدقة بها.

لقد آلمني أن أرى الدبابات والمدافع العسكرية والميليشيات المسلحة تقتل المواطنين الأبرياء وهم خارجون من المساجد في ليالي رمضان المبارك، في العديد من المدن السورية، وأن أرى المدافع تقصف مئذنة جامع عثمان بن عفان، رضي الله عنه، في دير الزور، في انتهاك فاضح لحرمة النفس المسلمة، وحرمة بيت من بيوت الله، وحرمة هذا الشهر العظيم.

لو استجابت القيادة السورية للنداء الذي وجهه إليها خادم الحرمين الشريفين، لكفت نفسها وبلدها وشعبها تجرع الغصص ومكابدة المشاق ومعاناة الآلام من جراء تفاقم المأساة المروعة التي يخشى أشد الخشية أن يتعاظم خطرها، لتنقلب إلى شبيه بما جرى في العراق وما يجري في ليبيا. وهذا هو المصير الذي لا يريده أحد من محبي سورية والحريصين على سلامة الوطن والشعب. إن كل ذي ضمير حي وانتماء حقيقي لهذه الأمة، يتطلع اليوم إلى وقف هذا الانهيار الذي لا تستحقه سورية، سورية المجد والتاريخ والعطاء الكبير.

===============

استراتيجية البقاء في صراعات المنطقة

الخميس, 18 أغسطس 2011

عبدالوهاب بدرخان *

الحياة

من المؤكد أن أحمد داود أوغلو لم يقصد دمشق ليبلغ النظام أن لديه مهلة أقصاها خمسة عشر يوماً لينهي القمع الدموي ثم يبدأ عملية الاصلاح السياسي، وإلا تكون تركيا ارتكبت خطأً جسيماً لا ينمّ عن أي حنكة. فخلال الساعات الست التي استغرقتها محادثاته انضم عشرات القتلى والجرحى الى قافلة تضحيات الانتفاضة الشعبية. وخلالها كذلك أغرقه محاوروه السوريون بسيل فيديوات وتقارير ولوائح ليثبتوا أنهم يواجهون «عصابات مسلحة» ومجموعات «خارجة عن القانون»، ولا يمكنهم مباشرة أي حل سياسي قبل انجاز ما يستوجبه الحل الأمني. ما العمل اذاً فالمجتمع الدولي طلب وقفاً فورياً لاستخدام العنف وإراقة الدماء، ونفد صبره بعدما تغاضى عن بطش النظام أكثر من خمسة شهور؟ اعتبر أوغلو أن الأفضل أن يرى العالم ويلمس تغييراً في ممارسات النظام خلال الأيام المقبلة. وقال السوريون أنهم يحتاجون الى الى اسبوعين. لذا تحدث الوزير التركي عن هذين الموعدين، مع الفارق بينهما، ولم يكن مقنعاً ولا مقتنعاً، لذا أوضح - وكررت واشنطن – ان الوضع سيبقى تحت المراقبة.

لعل هذه المراقبة هي التي عجّلت بتغيير الموقف الدولي من الرهان على المسعى التركي الى التركيز على التحرك الاميركي، إذ ينبغي ألا يفهم النظام أنه نال ترخيصاً للاستمرار في القتل مدة اسبوعين سيتمكن لاحقاً من تمديدها. صار مفهوماً ان الخطوة التالية اتباع سياسة عنوانها «على الأسد أن يتنحى». سقطت أفضلية السيناريو «الأسلم»: عملية سياسية يقودها النظام وتتوفر ضمانات لمشاركة المعارضة ويكون مفهوماً أن أفقها وهدفها القريبين «نقل سلمي للسلطة». طُرحت فكرة حكومة تضم المعارضة وتشرف على تنظيم انتخابات قبل نهاية السنة. نوقش مجدداً موضوع تعديل الدستور. أُعيد التذكير بالقوانين الجديدة للأحزاب والاعلام، وبرفع حال الطوارئ واتاحة التظاهر السلمي، وبلجنة الحوار وإمكان تنشيطها. لكن كل ذلك، بمعزل عن صدقيّته، بدا كأن الزمن تجاوزه. فالخطوة الأولى لتغيير مجرى الأحداث لا تتعلق بما يمكن أو لا يمكن النظام أن يمنحه، وانما بضبطه آلة القتل.

القضية في «الاصلاح» أن على النظام، اذا أراده فعلاً، أن يتأهل للإقدام عليه في الوقت المناسب. ولا بدّ من أن تكون البداية بسحب وحدات الأمن وميليشيا «الشبيحة» النظامية – غير النظامية. لم يعترف النظام بالرسائل الأولى الآتية من الشارع، ولم يعرف متى الوقت المناسب ولا الطريقة الملائمة. بل أفلت العنان للأجهزة وبات يرى خطراً مباشراً عليه إن هو سحبها، على افتراض أنه يريد ذلك أصلاً. ثم أنه استخفّ بالكلام الخارجي عن «الفرص المتاحة أمامه» أو اعتقد أنها املاءات أطراف «المؤامرة» إلا أنها كانت تحذّره بأنه كلما أوغل في الدم كلما تعقّد وضعه وتناقصت خياراته فيصبح وجهاً لوجه مع نهايته.

طوال أربعين عاماً تصرف النظام وكأن لا شأن داخلياً لديه، وأن وظيفته أن يلعب بالأوراق الاقليمية المتوفرة لديه. تُرك الوضع الداخلي للأجهزة ولحزب حاكم يعمل في خدمتها. كان معترفاً لهذه الأجهزة بالقوة والاقتدار، ومع ذلك سجلت لتوّها فشلها التاريخي بعدم توقع الانتفاضة ومدى استعداد الشعب للتضحية والثبات. وهكذا وجد النظام أنه بلا سياسة داخلية، بلا تواصل مع الشعب ولا قدرة على المواءمة بين تحركاته السياسية والأمنية. كان يستند الى صلابة وضعه الداخلي لينطلق الى مناوراته الخارجية، فيصل فيها أحياناً الى حافة الهاوية ويتخلص أحياناً اخرى من محاولات لزعزعته وينجح دائماً في ابتكار «تفاهمات» ضمنية أو معلنة سواء مع الولايات المتحدة أو اسرائيل.

تغيّرت أحوال النظام ولم يعد يجد من يرغب في التفاهم معه. فالأشقاء والأصدقاء أمعن في تعجيزهم، أما الخصوم فيفضلون استمراره متورطاً وضعيفاً، على رغم أنهم يخشون بدائله. انهم يعاملونه بطريقته، اذ كان دائم المقايضة، يعطي متى ضمن الحصول على ما يريد أو على معظمه. لم يبدِ جاهزية للتنازل، لا للشعب ولا للخارج، فجازف بالانهيار وقد يدفع بالمجازفة الى اقصاها. ذاك أن ورطته الحقيقية هي في داخله، تحديداً في تركيبة النظام التي لم يفطن الى أن دوام سيطرته يوجب تهوئتها واعادة النظر فيها. ذهب في الانفتاح مع تركيا الى أبعد مدى، ولم يجد في تجربتها ما يدعوه الى التفكير في مساره، لا من أجل الدمقرطة وانما أقله بدافع المصلحة. لم يعنِ له شيئاً ذلك الصعود التاريخي لحزب العدالة والتنمية ولا القوة الثابتة والهادئة التي منحتها صناديق الاقتراع الى حليفه رجب طيب اردوغان. قرأ في غضب الاخير حيال اسرائيل انتصاراً فريداً لسورية في تغيير وجهة انحياز تركيا، ولم يقرأ أن أنقرة تجمّع بدورها اوراقاً لتعزيز موقفها الاقليمي. وعندما وقعت الواقعة لم ينحز اردوغان الى النظام وإلا لغامر بصدقيّته في تركيا ذاتها.

لم يبق للنظام السوري سوى ايران. وقد أدى اندماجه في سياساتها وأساليبها الى فراق بينه وبين براغماتيّته المعهودة. وتصادف ان هذا «الصديق» المتبقّي لا يحسن النصح أو المساعدة إلا في فنون القمع. لا شك في أن الأزمة دهمت دمشق ووضعتها سريعاً امام خيار التخلي عن تحالفها مع ايران، لكنها لم تجد السبيل ولا الوقت لهندسة ذاك التخلّي، على افتراض انه راودها. كما أنها لم تتعرف الى مكاسبها في المقابل، بل أفسدت مسبقاً أي صفقة قد تعرض عليها. كان هناك ما يمكن ان يعوّضها بانتهاز اللحظة للعودة الى الكنف العربي والاحتفاظ بعلاقة جيدة مع تركيا، فضلاً عن انفتاح اوروبي – اميركي قابل للتطوير. لكن خياراً كهذا ربما فات أوانه، ثم أن الظروف لم تتح طرحه مع استمرار القتل المنهجي.

لم يكن انكسار الصمت العربي مجرد ردّ فعل اخلاقي لأن النظام تجاوز الحدّ في سفك الدماء، كان أيضاً وخصوصاً مؤشراً الى أن اعتماد النظام على ايران لم يعد يفيده في استراتيجية البقاء التي يخوضها. وبالنسبة الى دمشق وطهران معاً ثمة خيار وحيد: أن يبقى النظام ويخرج من الأزمة «أقوى شكيمة» ويستعيد دوره. فأي وضع أقلّ من هذا يشكل خسارة لايران على المدى الطويل وينبغي أن تتداركها. واستطراداً، فأي شروع في خطوات اصلاحية جادة يعني ان يضع النظام نفسه على سكة الوداع.

===============

إلى متى يا قاتل شعبه؟

أسامة الرنتيسي

نشر : 18/08/2011

الغد الاردنية

بين حي الرمل (اللاذقاني) الذي تقوم القوات الباسلة المسلحة السورية "بتطهيره من العصابات والمندسين"، وغزة المذبوحة، أوجه تشابه كبيرة ونقطة اختلاف واحدة. فمن أوجه التشابه الموجودة بين المنطقتين ذلك الحشد السكاني الكبير، والذي تزيد فيه كثافة السكان عن أي بقعة أخرى على وجه الأرض، والوقوع على ضفة البحر المتوسط الشرقية، بما فيها من عوامل جوية معروفة بقساوتها شتاءً ورطوبتها صيفاً. كذلك، فإن سكان كلتا المنطقتين فلسطينيون، وهم يعانون الأمرّين في تأمين معاشهم، وذلك لوقوع غزة تحت الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 5 سنوات، ووقوع حي الرمل في منطقة اكتشف العالم أنها محسوبة على نظام يستعين بشبيحته. أما وجه الخلاف الوحيد بين المنطقتين، فهو أن حي الرمل تقوم بتدميره قوات عربية سورية واحدة ذات رسالة خالدة، فيما قطاع غزة تقوم بذبحه قوات احتلالية غازية غاشمة ذات رسالة قاتلة.

عندما بدأت قوات حلف الأطلسي بتهديد القذافي بضربه جوياً، قال لهم: ما شأنكم معنا؟ هل رأيتمونا نتدخل بشؤونكم؟ هكذا يفكر المجانين، حتى وصل الأمر بليبيا إلى تدمير شبه تام، تحتاج معه إلى كل شركات العالم لإعادة إعمار وإصلاح ما خربته يد ال"معمّر". وعندما ازدادت الضغوط على الرئيس اليمني لحل أزمة الحكم في اليمن "التعيس بحاكمه"، خضع صالح للمبادرة الخليجية بكل مكر، وقال: أوقّع عليها، ثم نكص على عقبيه لحظة حضور الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي لتوقيع المبادرة، وانتهى الأمر بصالح إلى مستشفى في الرياض على ما رأيتموه من "سواد الوجه"، وربما سيلحق بأخيه في الجنون فيما بعد، حيث قال منذ يومين للمعارضة إن الفيصل بينه وبينهم صناديق الانتخابات.

المعطيات في سورية مختلفة تماماً، فلا الأسد وافق على مبادرات الأتراك واقتراحات الإسبان ونصائح العرب و"ضحك" عليهم أثناء التوقيع، ولا هو بالذي رفض التدخل الخارجي دبلوماسياً، بل كانت عنقه مشرئبة إلى أكثر من ذلك، حيث قام وزير خارجيته وليد المعلم بمسح أوروبا عن الخريطة، واتهم دول مجلس التعاون الخليجي بالانضمام إلى المؤامرة التي تحاك ضد سورية وشعبها، وأوجد لنفسه منفذاً بالتوجه شرقاً، وكأنه في الأساس لم يعرف أبداً الوجهة الإيرانية أبداً، وأنه لأول مرة سيبحث عن حلفاء جدد في الجهة الشرقية، وهو الذي قبض في يده اليسرى 6 مليارات دولار دعماً من إيران وسلمها بيده اليمنى لوزير الدفاع "المنتحر ب3 طلقات في الرأس!"، ليحولها إلى رصاص وقذائف وقنابل يقتل بها الشعب السوري الأعزل جواً وبحراً وبراً.نحن لأول مرة نسمع أن دولة تقوم فيها "عصابات وجماعات إرهابية مندسة" بالتخريب، فتواجهها الدولة ببوارجها البحرية وأسطولها الذي يفترض أنه مجهز للمعركة المصيرية مع العدو الصهيوني، فكيف لهذه البوارج أن تنال من الجماعات الإرهابية فقط في حي كحي الرمل، الذي توصف شوارعه بأنها لا تتسع حتى لسيارتين تلتقيان وجهاً لوجه، وذلك من دون تدمير البيوت على أصحابها -إن ظلوا فيها قبل التهجير طبعاً- ثم يخرج علينا التلفزيون الرسمي السوري ليقول عبارته التي أصبحت تسبب المغص في البطن والنفخة في القولون: "الأهالي يطلبون من الجيش حمايتهم من الجماعات المسلحة بقصف مناطق تواجدها بينهم"!

قصف المآذن أصبح شيئاً مألوفاً في سورية، وعندنا نحن المتابعين عبر الشاشات. ومناظر الرؤوس المتشظية بطلقات مدفعية متوسطة صارت شيئاً معتاداً، وأعداد القتلى -التي تذاع عبر قنوات "الفتنة" على حد زعم النظام السوري- في ازدياد مستمر، وداوود أوغلو ورئيسه "الأسطوري" أردوغان ما يزالان يعطيان آلة القتل السورية فرصاً وأياماً أخرى لتنفيذ الإصلاحات الموعودة. وعبارة "الأسد فقد شرعيته" فقدت بريقها بعدما كررها أوباما ووزيرة خارجيته كلينتون في كل محفل، وصبر ساركوزي نفد منذ مدة ولكن ليس "له حدود" بعد نفاده حتى الآن، وسفراء كثير من الدول جهزوا حقائبهم ولم يحجزوا على طائرة المغادرة إلى بلادهم بعد.. فمتى سيكون كل ذلك واقعاً؟ هل بعد أن يصدّقوا الإحصاءات الواردة من دمشق بأن أعداد القتلى 3 آلاف، والمفقودين 4 آلاف، والمعتقلين 18 ألفاً، والمهجرين خارج سورية 25 ألفاً، والجرحى 30 ألفاً، والمطلوبين لأجهزة الأمن 70 ألفاً، والمهجرين داخل سورية مليونان؟ إننا ننتظر.

===============

علام يراهن النظام السياسي في سورية؟

إبراهيم غرايبة

الغد الاردنية

نشر : 18/08/2011

النظام السياسي في سورية يمعن في قتل المدنيين وقصف المدن والأحياء وقمع المظاهرات السياسية بوحشية، ويرتكب المجازر والجرائم بحق الإنسانية. كل ذلك يجري علنا وأمام العالم ووسائل الإعلام، هل يقدّر العقل المفكر للنظام السياسي في سورية أنه سيكون بمقدوره أن يواصل جرائمه وانتهاكاته إلى أن يبيد الشعب السوري أو يسكت المظاهرات، من دون تدخل دولي؟ هل يظن أن العالم سيواصل التفرج عليه بسلبية وحياد؟ هل يتوقع أن روسيا والصين وإيران ستقف إلى جانبه وتحميه وتمنع تدخلا دوليا ضده، ومن ثم ستبقى يده طليقة في الإبادة والاعتقال والتعذيب ومواصلة الاضطهاد والاستبداد الخرافي غير المسبوق؟ هل يتوقع أن الشعب السوري سيخضع في النهاية ويقبل بحكم عصابة عائلية مغلقة تستولي على كل مقدرات البلد ومؤسساته وتسوم الناس الخسف؟ ولا فائدة أو أهمية للحديث عن الخطاب الإعلامي والسياسي الرسمي في سورية الذي يبدو في عزلة عن الواقع، ولا يعلم عن وجود الفضائيات والإنترنت والموبايلات. هل يصدق هذا الإعلام أنه يمكن لأحد أن يصدقه؟ ستكون المشكلة حينئذ طبية وليست سياسية.

ولكن إذا كان النظام السياسي في سورية يدرك ما يبدو بديهيا اليوم، وهو أن العالم سيجبره على الرحيل، وربما تقديمه إلى المحاكمة، فلماذا لا يستبق ذلك بتسويات ومبادرات قد تفيده وتنجيه من الزوال؟ النظام السياسي السوري يدرك جديا أنه مهدد منذ أواخر الثمانينيات، منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، وكان يفترض أن يفكك وتعاد صياغته كما حدث في اليمن الجنوبي والعراق، ولكن الحظ أسعفه مرات عدة في إطالة عمره، عندما احتل النظام السياسي العراقي الكويت، ووقف النظام السوري إلى جانب التحالف الدولي ضد العراق؛ ثم أدرك النظام السياسي السوري أنه مطلوب عندما احتلت الولايات المتحدة العراق، وبادر وبسرعة إلى الانسحاب من لبنان ومحاولة تكييف أوضاعه مع الظروف المستجدة، ولكن الفشل الأميركي في العراق منح النظام الحاكم في سورية فرصة جديدة، بل وأغراه هذا الفشل الأميركي بالعودة مرة أخرى إلى لبنان وتصفية حساباته مع مجموعة من الشخصيات والقوى السياسية والإعلامية.

يقول البعض إن النظام الحاكم في سورية يراهن على أنه قدم خدمات عظيمة عسكرية واستخبارية للولايات المتحدة، وأنه يشكل ضمانة أمنية لإسرائيل. ولذلك، فإن الولايات المتحدة وإن كانت تنتقده سياسيا وتحرّض عليه إعلاميا، فإنها في الحقيقة تعتمد عليه وتحتاج إليه. ولكن حتى لو كان هذا التفسير صحيحا، وربما كان كذلك في فترة ماضية، فليس ثمة أصدقاء دائمون ولكن هناك مصالح دائمة، وليس متوقعا أبدا أن تظل الولايات المتحدة وأوروبا ترى مصالحها كما كانت قبل الربيع العربي. هل يلعب النظام الحاكم في سورية في الوقت الضائع، ويمارس لعبة الأرض المحروقة وينتقم من الشعب السوري قبل رحيله؟

===============

بعد تجاوز إيران الحدود كلها.. لا بد من تحرك عربي عاجل!

صالح القلاب

الشرق الاوسط

18-8-2011

منذ اليوم الأول لانطلاقة شرارة الثورة السورية، التي هي جوهرة ثورات الربيع العربي، كان يجب إدراك، والتصرف على هذا الأساس، أن هذه المعركة بالنسبة للبعد الإقليمي منها، وهو بعد رئيسي، هي معركة إيران التي اخترعت حكاية «فسطاط الممانعة والمقاومة» واستخدمت سوريا هذا النظام ومعها حزب الله وحركة حماس، قبل أن تكتشف حجم خطيئتها وتثوب إلى رشدها وتتراجع، غطاء لترويج مشروعها الاستراتيجي لإحياء نفوذ الإمبراطورية الفارسية القديم في الشرق الأوسط والمنطقة العربية.

لقد أدركت إيران، التي كانت قد لعبت على العامل الطائفي بعد انتصار الثورة الخمينية مباشرة لإدخال سوريا في منظومتها ولجعلها شريكا في مشروعها الشرق أوسطي لاستعادة «مجد» الإمبراطورية الفارسية بعد انتزاعها من إطارها العربي، ومنذ انطلاقة شرارة هذه الثورة المباركة الواعدة من درعا في 15 مارس (آذار) الماضي، أن هذه المعركة هي معركتها، وأن انهيار نظام بشار الأسد سيشكل نهاية للنفوذ الحيوي الذي تسعى إليه في هذه المنطقة الحيوية.

ولهذا فإن إيران - بالإضافة إلى وجودها الأمني و«الطائفي» السابق، وللأسف أن نتحدث بهذه اللغة - قد بادرت بسرعة، ومنذ اللحظة الأولى، إلى مشاركة قوات نظام بشار الأسد وأخواله وبعض أعمامه استخدام القوة الغاشمة لإخماد نيران ثورة الشعب السوري، وجاءت هذه المشاركة بالمال والسلاح وخبراء القمع وألوية «عاشوراء»، التي أثبتت كفاءتها في تحطيم الثورة الخضراء التي قادها موسوي وكروبي ومحمد خاتمي، وبضباط فيلق القدس بقيادة قاسم سليماني الذي بات يوجد في دمشق أكثر من وجوده في العاصمة الإيرانية.

حتى قبل كشف صحيفة ال«تليغراف» البريطانية عن عزم إيران إقامة قاعدة بحرية على شواطئ البحر الأبيض المتوسط في ضواحي مدينة اللاذقية، وسكوت إسرائيل على هذا التطور الذي يحمل دلالات كثيرة، فإن التدخل الإيراني، بالأموال والأسلحة والخبراء والنفط، كان واضحا ومعروفا لكل الدول المعنية بهذه المسألة وبمستجدات الوضع السوري بعد 15 مارس الماضي، وكان المفترض أن تكون هناك وقفة عربية جادة سريعة إزاء هذا كله، وذلك لأن المستهدف بإخماد نيران هذه الثورة هو عودة سوريا إلى بعدها العربي وإخراجها من هذا الذي يسمى «فسطاط الممانعة والمقاومة» الذي لم يعد هناك شك، إلا لأعمى البصيرة، أنه ليس أكثر من مجرد غطاء للتطلعات الإيرانية لنفوذ إمبراطوري في الشرق الأوسط والمنطقة العربية.

والآن، وقد أصبحت المواجهة واضحة ومكشوفة، وأصبح الدور الإيراني رئيسيا في قمع الشعب السوري والإصرار على إعادته بالتقتيل والعنف وسفك الدماء إلى بيت طاعة هذا النظام، الذي حوَّل دولة عربية محورية وأساسية إلى مجرد بيدق صغير على رقعة الشطرنج الإيرانية، وإلى مجرد رقم في المعادلة «الصفوية» الجديدة، فإنه لا بد من أن يكون هناك تنسيق عربي عاجل وسريع، إن ليس من قبل العرب كلهم فمن قبل المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومن أراد من الآخرين، ولا بد من أن يكون هناك تدخل، نعم تدخل؛ لأن الشأن السوري الداخلي في هذه الحالة هو شأن داخلي لكل الدول المجاورة والمجاورة للمجاورة لمنع ذبح السوريين ولو باللجوء إلى القوة.

لا تجوز إضاعة الوقت بالتردد وبالحسابات الزائدة على اللزوم، بينما تواصل الآلة العسكرية، التي لإيران دور رئيسي فيها، طحن الشعب السوري وإبادته، وهنا فإنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار، دائما وأبدا وقبل اتخاذ أي موقف، أن نتائج هذه المواجهة ستحدد مستقبل المنطقة العربية كلها ولسنوات طويلة، ففوز نظام الرئيس بشار الأسد هو فوز لإيران التي ارتقت حلبة المواجهة ومنذ اللحظة الأولى بالطول وبالعرض وبكل إمكاناتها وبأفق أنها معركتها ومعركة نفوذها المنشود في الشرق الأوسط كله.

يجب عدم التردد على الإطلاق؛ فالأحداث تتلاحق بسرعة، وعلى العرب الذين يعرفون أنه ستترتب على نتائج هذا الذي يجري في سوريا معادلات سياسية كثيرة، وأنه إذا تمكن هذا النظام، الذي لجأ إلى القوة العسكرية الغاشمة منذ اللحظة الأولى ولم يستمع لنصائح الذين نصحوه بأن يبتعد عن حلول العنف والسلاح، من إخماد ثورة الشعب السوري، فإن الحضور الإيراني سيظهر، على الفور، في أكثر من دولة عربية، وبخاصة الدول التي تعتبرها «الصفوية» الجديدة مجالا حيويا لإمبراطورية إيران المنشودة، ومن بينها حتى مصر، التي يراهن الإيرانيون وسماسرتهم المحليون على إبعادها عن دورها العربي وإلحاقها بهذا المشروع الذي يرتدي ثوب «فسطاط الممانعة والمقاومة».

إيران وهي ترمي بكل ثقلها المالي والاستخباري والعسكري على هذا النحو، إلى جانب نظام عائلة الأسد، فإنها في حقيقة الأمر تتصرف على أساس أنها في سباق مع الزمن، وأنه يجب حسم الأمور بسرعة قبل أن يستجد موقف إقليمي ودولي فعلي وفاعل يجعل إمكانية استيعاب هذه الثورة وإنهائها مكلفة وفي غاية الصعوبة، إن لم نقل مستحيلة.

وهنا فإن ما يجب أخذه بعين الاعتبار، بينما الأمور تتلاحق بهذه السرعة كلها، أن نظام الرئيس بشار الأسد، الذي لم يعطِ، منذ اللحظة الأولى، أي فرصة، وإن محدودة، لمعالجة الأمور سلميا وبالعقل والحكمة، بات، ومعه إيران، يتحرك وفقا لخيارين؛ فإما إحباط هذه الاحتجاجات وإفشال هذه الثورة وإطلاق المشروع الإمبراطوري الإيراني، الذي هو مشروعه ومشروع نظامه، ليلتهم الشرق الأوسط والمنطقة العربية كلها، وإما الاستمرار بالذبح والتقتيل لتمزيق سوريا وتوفير مبررات إنشاء دويلات طائفية على أنقاض دولتها الحالية، من بينها الدويلة «العلوية» التي استبقت طهران قيامها بإنشاء قاعدة اللاذقية البحرية التي لعدم اعتراض إسرائيل على إنشائها دلالات كثيرة.

لذلك، وفي ضوء هذا كله، فإنه غير جائز النظر إلى ما يجري في سوريا من زاوية ما جرى في تونس وفي مصر ولا من زاوية ما يجري في ليبيا واليمن. فسوريا مسألة أخرى، لذا فالتعاطي مع ما يجري في سوريا يجب أن يكون على أساس أن هذه المعركة هي معركة المشروع الإمبراطوري الفارسي الجديد في هذه المنطقة كلها، وهي معركة «الصفوية» الجديدة في الإقليم كله، والدليل هو انفجارات العراق الأخيرة التي لا يمكن إلا اعتبارها جبهة رئيسية في هذه المعركة السورية المحتدمة.

الوقت يمضي بسرعة، وما يجري في سوريا لم يعد بالإمكان احتماله، لا أخلاقيا ولا سياسيا، وبخاصة أن إيران، ذات الأطماع المعروفة والمكشوفة، قد بادرت إلى التدخل، بكل أشكال التدخل، في الشأن الداخلي السوري الذي أصبح شأنا داخليا لكل الدول المجاورة والمعنية، إن بصورة مباشرة أو غير مباشرة. فالشعب السوري يُذبح في وضح النهار، وبيانات رفع العتب إن كانت مقبولة في مراحل سابقة فإنها غدت غير مقبولة على الإطلاق بعدما تمادى نظام بشار الأسد في استخدام القوة الغاشمة وزرع الموت والدمار في كل مدينة وقرية سورية.

لا يوجد أي بصيص أمل في أن تفلح الضغوط المتصاعدة التي لجأ إليها الأميركيون والأوروبيون لثني النظام السوري عمَّا هو ماض به؛ لذلك فإنه لا بد من الإسراع في الاتفاق على الخيار البديل بالتشاور والتنسيق أساسا مع تركيا التي هي بدورها، كما قال رجب طيب أردوغان، غدا الشأن الداخلي السوري شأنا داخليا لها، والتي من المؤكد أن المشروع الإمبراطوري الإيراني يستهدفها كما يستهدف المنطقة العربية.

===============

موازين القوى بين النظام السوري ومعارضيه

منذر خدام

الشرق الاوسط

18-8-2011

لقد ورث الدكتور بشار الأسد عن والده نظاما سياسيا شديد الجمود والمحافظة، ومجتمعا خائفا شديد السلبية، واقتصادا ضعيفا على حافة الانهيار.. لذلك ومنذ اللحظة الأولى حاول تقديم نفسه كمنقذ للبلاد من خلال خطاب إصلاحي منفتح، فاعترف بوجود أخطاء، وأعلن برنامجا للإصلاح الاقتصادي على الطريقة الليبرالية، لكنه سرعان ما اكتشف أن الجهاز الإداري القائم لا يستطيع إدارة عملية الإصلاح، فأعلن عن برنامج للإصلاح الإداري، وترافق ذلك مع صدور العديد من التشريعات والقوانين المساعدة على ذلك. وأكثر من ذلك فقد تم تشكيل العديد من الفرق البحثية لتقديم رؤيتها لعملية الإصلاح وأولوياتها، فتشكل فريق عمل مهم لدراسة المسألة السكانية، وآخر لدراسة مسألة التعليم، وثالث لدراسة مسارات التنمية في سوريا حتى 2025، وغيرها كثير، لكن جميع هذه الدراسات التي أنجزها الباحثون وضعت في الأدراج وأهملت. لقد كنت من الذين شاركوا في هذه المشاريع البحثية، وكنت دائما أردد أمام الباحثين الآخرين أن الإصلاح في سوريا إما أن يكون شاملا أو لا يكون. ولكي ينجح الإصلاح الشامل ينبغي أن يبدأ بالإصلاح السياسي أولا.

لقد صُرفت أموال طائلة في سياق تنفيذ الخطة الخمسية العاشرة، ذهبت في أغلبها إلى جيوب الطغمة المالية الأمنية الحاكمة، بحسب ما صرح بذلك رئيس هيئة تخطيط الدولة في حينه (الرداوي) فكلفه ذلك أن أقيل من منصبه في اليوم التالي. في حقيقة الأمر لم يكن النظام جادا في الإصلاح الحقيقي خوفا على تهديم دعائم سلطته، فارتد على هامش الحرية النسبية التي سمح بها في بداية عهده (ربيع دمشق) وأغلق جميع المنتديات الحوارية التي انتشرت في جميع المدن السورية في حينه، وبدأت تشكل حاضنة لتوليد وعي سياسي جديد، على الضد مما تريده السلطة.

وبالتزامن مع الفشل الواضح في عملية إصلاح النظام حرصت السلطة على تماسك القوى الداعمة لها والتي تضم قوى النظام الأمنية، وأحزاب جبهته، ونقاباته على اختلافها، وتحالف البورجوازية البيروقراطية والطفيلية والكمبرادورية، والزعامات الدينية والعشائرية، وقوى الفساد على اختلافها. من بين هذه القوى فإن تحالف قوى النظام الأمنية مع شرائح البورجوازية المشار إليها هو الأقوى، وهو الذي سوف يمشي مع النظام إلى النهاية. أما البورجوازية التقليدية التي تضررت كثيرا من طبيعة النظام الطغموية، وسكتت طويلا على ممارساته الاقتصادية، فإنها يمكن أن ترتد عليه مستفيدة من الحراك الشعبي، ومن الظروف الدولية الملائمة لها. أما بالنسبة للقاعدة الاجتماعية للبعث والنقابات وهيئات المجتمع المدني والأهلي فإن مواقفها الفعلية هي أقرب إلى الحياد السلبي المتحفز لترك جبهة النظام في حال فشل الحل الأمني أو تراجع كما حصل في حماه ودير الزور ودرعا.

إلى جانب ذلك تحاول السلطة استثمار المواقف الخاطئة لبعض المعارضين السوريين في الخارج والاستفادة منها لتخويف وتحييد قطاعات مهمة من الشعب السوري لا تزال صامتة. نذكر منها تلك التصريحات التي تدعو للعنف، وإلى الطائفية، وتشجع على انقسام الجيش، وعلى تدخل القوى الدولية في الشأن الداخلي السوري، وكانت آخرها مقابلة عبد الحليم خدام مع التلفزيون الإسرائيلي.

يستفيد النظام أيضا من عمق الخوف المتراكم في نفوس قطاعات واسعة من الناس (فلا تزال أحداث أوائل الثمانينات حاضرة في الذاكرة)، وهو يعمل على ترسيخه من خلال التذكير دائما بما حصل في العراق بعد الغزو الأميركي له، وما يحصل في ليبيا اليوم من جراء تدخل حلف الناتو. وفي هذا المجال حاول النظام الاستفادة من ظهور بعض العناصر العنفية في الشارع، ومن بعض الشعارات الطائفية التي ظهرت هنا وهناك كحالات عرضية للحراك الشعبي، بغض النظر عمن يقف وراءها، لتمرير فكرة المؤامرة إلى وعي الكثيرين، وبالتالي لتعميق الخوف والسلبية لديهم.

يراهن النظام أيضا على استمرار سلبية وحيادية أغلبية الجماهير في الريف، ويعمل على تغذيتها لدى بعض المكونات الطائفية في المجتمع. ويستفيد النظام أيضا من تأييد فئات واسعة من الشعب السوري لبعض المواقف الوطنية للنظام في مجال السياسة الخارجية، وفي مقدمتها الموقف من القضية الفلسطينية ودعم المقاومات العربية، والمفاوضات مع إسرائيل بغض النظر عن كونها تعبر عن مواقف مبدئية أو أنها مجرد تكتيكات تؤمن له غطاء سياسيا لتحسين وضعه التفاوضي مع إسرائيل.ومن المهم في هذا المجال أيضا التذكير بالقبول الواسع لشخصية الرئيس في أوساط معينة من الشعب، والتفريق بينه وبين النظام، أو بينه وبين بعض الحاشية، لذلك عندما يجري الحديث عن الرئيس يذكر دائما بالإيجابية، اقتناعا أو خوفا، أما نقد الحاشية فبدأ يخرج عن نطاق الهمس.. لذلك كثيرا ما نسمع على مستوى الشارع من يقول أعطوا الرئيس فرصة، فهو جاد بالإصلاح، وهو ليس مسؤولا عن كل ما تعاني منه سوريا.

في مواجهة قوى النظام ينتفض بعض الشعب السوري متسلحا بعناصر قوة عديدة متنامية. بداية فهو ينظر إلى حراكه على أنه جزء من الثورات العربية، وقد جاء في سياقها، يستمد منها العزم على التظاهر السلمي، مقاوما خوفه، متحديا أجهزة أمنية لطالما أرهبته. الشجاعة والجرأة المستجدة هي عامل قوة لا يقهر.

ويرى، ثانيا، أن قضيته هي قضية عادلة، إنه يريد الحرية والكرامة، وأن يحكم نفسه بنفسه في إطار نظام ديمقراطي يختاره بإرادته. إنه يريد أن يكون جزءا من العصر، فاعلا فيه، لا متخلفا عنه، وعبئا عليه.

ويعتقد، ثالثا، أن الغالبية الساحقة من الشعب السوري تريد التغيير، وقد سئمت من النظام وفساده، لكنها لا تستطيع التعبير عن رغبتها هذه، لأسباب عديدة منها الخوف من النظام.

ورابعا؛ فهو يؤمن بأن انتفاضته في الشارع هي انتفاضة شعبية في حقيقتها، وفي دلالتها، وفي أهدافها، رغم محدودية المشاركين فيها، فهي لم تتحول إلى مظاهرات جماهيرية بعد، باستثناء مدينة حماه ومدينة دير الزور، مع ذلك فإن الرمزية العادلة لهذه المظاهرات تشكل عنصر قوة في مواجه قوة النظام الغاشمة.

ومع أن الظروف الدولية، ومواقف الأطراف الفاعلة فيها، على اختلاف اتجاهاتها، تؤيد عملية التغيير بتحفظ، خوفا مما يمكن أن يتسبب فيه سقوط النظام من فوضى عارمة في المنطقة، إلا أنه يعتقد أن القوى الدولية سوف تؤيد في النهاية عملية تغيير النظام. بطبيعة الحال يحاول النظام الاستفادة من حساسية الشعب السوري تجاه تدخل القوى الخارجية في شؤونه الداخلية لتخويف قطاعات منه وشل إرادتها عن النزول إلى الشارع والمطالبة بالتغيير.

لدينا إذن المعادلة الآتية بين القوى الفاعلة على الأرض: النظام وأجهزته الأمنية من جهة، في مواجهة انتفاضة بعض جماهير الشعب في الشارع مدعومة من القوى السياسية المعارضة وبعض النخب الثقافية، من الجهة الأخرى، مع بقاء الكتلة الرئيسية من الشعب صامتة. تتعرض هذه المعادلة لتغيرات مستمرة سوف تتسارع بلا شك بعد محاولة اجتياح حماه، المدينة ذات الرمزية الخاصة في الوجدان السوري. فاستخدام القمع وسقوط مزيد من الشهداء يشجع كثيرين على النزول إلى الشارع كاسرين حاجز الخوف. من جهة أخرى سحب الخيار الأمني من الشارع سوف يسرع كثيرا من نزول الناس إليه. هذا يعني أن النظام يبدو كبالع الموس، وهذا شيء طبيعي فهو المسؤول الأول والأخير عما آلت إليه الأوضاع في البلاد. في هذه المعادلة سوف يخسر النظام في النهاية وينهزم، لكن السؤال يدور حول الثمن الذي سوف يتم دفعه لقاء هزيمته، وهل ثمة قدرة على تحمله؟!

===============

تركيا والخوف من إيران في سوريا

عبدالرحمن الراشد

الشرق الاوسط

18-8-2011

على مدى يومين، شاب علاقة تركيا بإيران شيء من الاضطراب، بعد أن أوردت وكالة أنباء «فارس» الإيرانية الرسمية نبأ اعتقال مراد كارايلان، قائد الحركة الكردية التركية الانفصالية المسلحة.

وردد النبأ رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الإيراني، علاء الدين بروجردي، لوكالة «مهر» الإيرانية للأنباء، في وقت سابق، بقوله: «نفذت قوات مخابرات بلادنا عملية مهمة، واعتقلت الشخص الثاني في حزب العمال الكردستاني». وكارايلان بالنسبة لتركيا مثل زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري بالنسبة للولايات المتحدة التي تسعى للقبض عليه أو قتله. فورا، سارع وزير الخارجية داود أوغلو، كما يقول، بالاتصال بنظيره الإيراني وزير الخارجية، الذي نفى الرواية، وفي الليلة التالية أصدر زعيم الحركة الكردية نفيا وسخر من الخبر.

أهمية الخبر أو الإشاعة الكاذبة أنها تضيء طبيعة الصراع الخفي بين تركيا وإيران، الذي طالما تبنى مظهرا محترما، لكن في داخله إرث عميق من النزاعات وحاضر مليء بالشكوك والترقب. وسوريا اليوم هي أعظم ساحات الصراع بين القوتين الإقليميتين. ومع أننا لا نستطيع أن نجزم بأن تركيا تريد حقا التخلص من نظام البعث السوري، فإن إيران صريحة جدا في تبنيها حماية النظام إلى النهاية.

تركيا ربما تعتزم حقا نجدة الشعب السوري وانتهاز الفرصة التاريخية النادرة لتقديم نفسها بصورة أخلاقية وسياسية إيجابية للشعوب العربية التي اختلفت معهم في مطلع القرن العشرين، وكانوا ينظرون إليها كقوة استعمارية. وسوريا بالنسبة لها هي البوابة الكبرى للولوج إلى أكثر من مائتي مليون عربي، ونجدة الشعب السوري من المذبحة المروعة التي ينفذها نظامه قضية ضمير حقيقية في عرض العالم من جانب، وتمثل فرصة نادرة لتغيير موازين القوى في المنطقة. فإيران استخدمت سوريا ذراعها الطويلة في العراق ولبنان وفلسطين، والتأثير على بقية دول المنطقة بالإرهاب والسياسة والدعاية الإعلامية. من دون نظام الأسد ستحاصر إيران.

والعلاقة بين طهران وأنقرة في معظم تاريخ القرن العشرين تميزت عن بقية القرون بعلاقة دافئة وهادئة وتحديدا بعد نجاح الثورة الأتاتوركية التركية، وحتى نجاح الثورة الخمينية الإيرانية، منهية زمنا طويلا من التنافس الصفوي الإيراني والعثماني التركي. تركيا التي سطع نجمها في المنطقة من دون نفط ومن دون عضوية الاتحاد الأوروبي وجدت إعجابا عند جيرانها العرب، خاصة بعد مواقفها السياسية الأخلاقية في مواجهة إسرائيل ومع الثورات، والآن ضد القمع الأمني في سوريا.

أيضا لتركيا مبررات قوية تهم أمنها القومي في التعامل مع الحدث السوري بوجود خمسمائة كيلومتر من الحدود وجماعات كردية انفصالية تستهدف تركيا كانت في السابق تتمركز في سوريا، وليس مستبعدا أن بعضها في سوريا والبقية في العراق وإيران.

وهذا ما جعل خبر القبض على الزعيم الكردي التركي الانفصالي يوحي بأن إيران تهدد تركيا، ولم تكن مجرد زلة لسان أو خبر مغلوط. ولإيران ممارسات تخويف مماثلة، فهي تستضيف جناحا مهما من «القاعدة» بزعامة سيف العدل، وكان هناك بضعة من أبناء أسامة بن لادن، منهم الابن الأكبر سعد الذي قُتِل سابقا.

وقد استخدمت إيران هذه الجماعة في تنفيذ عمليات إرهابية في السعودية وغيرها، وهي ترفض تسليمهم أو اعتقالهم.

إيران تريد تذكير تركيا بأنها قادرة على إيذائها إن أسهمت في إسقاط نظام الأسد، لكن الحقيقة أن نظام الأسد نفسه مهيأ للسقوط بسبب ما ترتكبه أجهزة أمنه وجيشه من جرائم ضد شعبه بصورة يومية، وبات من الصعب التصديق أن النظام يستطيع البقاء وهو يسبح في هذا الكم الهائل من الدماء.

وسقوط النظام من دون إدارة أو مشاركة في إدارة الحدث من قبل تركيا أيضا قد يهدد مصالح تركيا وأمنها مستقبلا، وبالتالي على تركيا أن تختار بين الخوف من النظام الإيراني وترك الأمور للمجهول، أو التعامل بحزم لما فيه مصلحة الجارين التركي والسوري معا.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ