ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 14/08/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

المادتان 6 و 8 من الاتحاد السوفييتي الى سورية

د.طيب تيزيني

2011-08-13

العرب اليوم

كانت المراحل الثلاث من القرن المنصرم, السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات, من اهم المراحل حميمية ودفئا في تاريخ العلاقات الثنائية بين الإتحاد السو ييتي وسورية, وكذلك في تاريخ الحركات التحررية العربية; مما يشير الى التأثير المباشر الذي مارسه ذاك على معظم البلدان العربية, وقد جاء ذلك فيما اعتبر عصر نهوض الاشتراكية, ولعل ذلك التأثير افصح عن نفسه في معظم مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها. فتعاظمت عمليات التبادل العلمي خصوصا الى درجة ان عشرات الآلاف درسوا في الجامعات السو ييتية, وتخرجوا ليشغلوا مراكز مهمة في بلدانهم بعد عودتهم اليها.

ويهمنا هنا ما حدث على صعيد الإيديولوجيا السياسية, خصوصا ما اتصل بها من استحقاقات تنظيمية تمثّلت, تحديدا, بتشكيل أحزاب سياسية وتنظيمات نقابية وغيرها. وكانت الحركة اليسارية العالمية تضع نصب عينيها مسألة الثورة البروليتارية بقيادة الطبقة العاملة وحزبها الذي اعُتبر من »طراز جديد«. وبالمناسبة, كان هناك في البلد المذكور قيادات تنظر الى التعددية الحزبية والسياسية على انها ضرورة سياسية وثقافية من اجل تأسيس مجتمع انساني يسير بجهود كل أطرافه وأطيافه. ولكن هذه الفكرة لم تنجح في الاتحاد السو ييتي, رغم تنبّه تلك القيادات لأهميتها. فسيطر هناك حزب لم يكتشف ان احادية الحكم السياسي تمثل مدخلا خطيرا للاخفاقات. بل لانهاء الوطن.

على ذلك النحو, جاء الدستور السو ييتي ليعكس ذلك الخطأ الخطير, الذي عكس نفسه في النظام السياسي والقضائي هناك, ليتحول بعدئذ الى خطر شديد على البلد برمته. فلقد ظهرت المادة رقم (6) في الدستور المذكور, لتعلن: ان الحزب الحقيقي الوحيد هو الحزب الشيوعي السو ييتي الذي يبرز - والحال كذلك - بوصفه وحده المالك لحق التعبير عن الشعب أو لشعوب السو ييتية. وانطلاقا من ذلك وبالتوازي مع انتشار وتعاظم الفساد والإفساد والبيروقراطية, راح الحزب المذكور يختزل الوطن كله, واصبح الحزب نفسه مُختزلاً الى اللجنة المركزية فالمكتب السياسي, الذي يقف على رأسه مَنْ بيده قيادة دفة البلاد.

لقد سقط الاتحاد السو ييتي, التجربة الأولى الفريدة في التاريخ لإنتاج مجتمع عامل. فقد كانت المادة رقم (6) خصوصا من وراء ذلك, وكان على التعددية السياسية والأيديولوجية أن تتهاوى, ومع هذا تهاوتْ او ضَعُفت القدرة على محاسبة الفاسدين, وتعاظم وجود هؤلاء, من دون امكانية السماح بإعادة بناء الحزب والمجتمع. واذ حدث ذلك السقوط, فإن من دافع عن البلد كان قد تلّخص بفئات ضئيلة عاجزة عن القيام بإصلاح حقيقي ديمقراطي. فكان الثمن يعادل وجود البلد.

وقد تبنّت سورية في دستورها البعثي المادة (8) من الدستور السو ييتي. فكان عليها أن تدفع ثمناً غالياً: لقد غدا حزب البعث الوحيد في الساحة, حيث أنهى الديمقراطية المحتملة, وهذا تتوّج بنشوء ما وصلنا اليه في بحوثنا تحت عنوان: القانون الرباعي في الإستبداد ألمّ بالاستثئار بالسلطة وبالثروة وبالإعلام والمرجعية. فغابت الحوافز لإعادة بناء سورية على مدى أربعين عاماً, وغدا مَنْ يطالب بإصلاح حقيقي رجلاً يجري وراء »مؤامرة خارجية« ضد سورية. وهذا ما يدور حوله الصراع الحالي: إنه جُرمٌ وظلم خطير ان يُتهم من يدعو للإصلاح بما هبّ ودّب. ان العالم العربي يعيش - وسورية منه - تجربة هائلة. فإما وإما..?!!! .

============

الموقف الهندي من الأزمة السورية

تاريخ النشر: السبت 13 أغسطس 2011

الاتحاد

ذِكْرُ الرحمن

استأثرت سوريا مؤخراً باهتمام واسع في ضوء ورود تقارير عن أعمال عنف وقتل من كل محافظاتها الكبيرة تقريباًَ؛ غير أن بعضاً من أكثر المواجهات دموية تحدث في مدينة حماة، التي شهدت قمعاً وحشياً على أيدي القوات السورية قبل حوالي ثلاثين عاماً. ولا زلت أتذكر دخولي لهذه المدينة في الحادي والعشرين من فبراير 1982 عندما كانت الصدامات بين سرايا الدفاع بقيادة رفعت الأسد وسكان حماة المدنيين في أوجها. حينها كنت دبلوماسياً مبتدئاً في السفارة الهندية بدمشق، وكنا قلقين بشأن مصير العشرات من المواطنين الهنود الذين كانوا يعملون في عدد من المصانع بمدينة حماة الصناعية التي كانت قريبة من هذه المدينة العتيقة.

وسائل الاتصال الحديثة لم تكن موجودة في ذلك الوقت، ولم يكن لدينا اتصال مباشر بالجالية الهندية هناك. ورغم التحركات المتكررة في وزارتي الداخلية والخارجية، فإننا لم نكن نتلقى أخباراً حول سلامة الهنود أو أماكن وجودهم.

وبصفتها زعيمة لحركة عدم الانحياز، كانت للهند علاقات ممتازة مع الرئيس السابق حافظ الأسد، الذي كان يعتبر زعيماً تقدمياً إلى جانب العقيد الليبي معمر القذافي، والرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد، ورئيس اليمن الديمقراطي علي ناصر محمد. فوجه الرئيس الأسد تعليمات لمصطفى طلاس، وزير الدفاع وقتئذ، بالسماح للسفارة الهندية بإجلاء الهنود وعائلاتهم العالقين في مدينة حماة الممزقة. وكلفتني الحكومة الهندية بمهمة الذهاب إلى هناك لهذا الغرض. وفي ليلة العشرين من فبراير، اتصل بي رائد في الجيش السوري يدعى أبوعباس ليخبرني بأننا سنذهب إلى حماة في ساعة مبكرة من صباح اليوم التالي. وهكذا، وصل على متن مدرعة رباعية الدفع سوداء وغادرنا دمشق.

ولدى وصولنا إلى أطراف حماة، وجدت مدخل المدينة مقطوعاً بعشرات الدبابات. وداخل المدينة المحاصرة رأيت نتيجة القصف الذي حول المباني السكنية إلى أنقاض؛ وكانت رائحة الجثث المتفحمة تملأ الشوارع. كان المشهد مقززاً ومخيفاً في الوقت نفسه. وكانت حماة تبدو كمدينة أشباح حيث المركبات العسكرية فقط هي التي تجوب المنطقة.

قُدمت لعقيد في الجيش يدعى فؤاد إسماعيل، الذي أخذ قائمة بالعمال الهنود واستفسر عن المصانع التي يشتغلون فيها. وبعد أكثر من ثماني ساعات من الانتظار، فترة بالكاد استطعتُ الأكل أو الشرب فيها على الرغم من كرم مضيفي الجنرال علي حيدر، قائد القوات الخاصة، رأيتُ هنوداً مرعوبين يصلون على متن شاحنات. جميعهم تقريبا كانوا خائفين، ويبدون شاحبين ومتقززين ويتوقون للهرب من هناك. وقد حكوا لنا لاحقاً قصصاً مروعة حول ما عاشوه وشاهدوه وسمعوه من السكان المحليين، حيث قُتل ما بين 15 ألفا و20 ألف رجل وامرأة وطفل في مدينة حماة العتيقة وحدها، حسب بعض التقارير.

وفاة الرئيس حافظ الأسد في 2000 أفضت إلى خلافة فريدة من نوعها في تاريخ الدول العربية غير الملكية. ومع ذلك، يمكن القول بشكل عام إن تسليم الرئاسة السورية لطبيب العيون بشار لم يثر استغراب أحد، حيث كان الغرب حريصاً على تقديمه كإصلاحي محتمل على اعتبار أنه عاش وعمل في بريطانيا لسنوات. والحال أن مؤهلاته السياسية كانت وراثية فقط. ولكنه قدم وعوداً من النوع الذي يروق للغرب. وفي الوقت نفسه، كان يُنظر إليه من قبل زمرة الحكم العلوية/ البعثية في دمشق باعتباره أفضل المتاح لتعزيز سلطتهم؛ وكانوا واثقين من أن أي دافع أو حافز للإصلاح قد يمتلكه بشار يمكن كبحه. وقد كانوا محقين في ذلك. فاليوم، قد يكون مستوى القمع قد انخفض شيئاً ما، ولكن بشكل عام يمكن القول إن الاستمرارية تفوقت على التغيير.

الاحتجاجات الأولى التي عرفتها سوريا في أعقاب الانتفاضتين التونسية والمصرية كانت تميل إلى تصور الإصلاح. ولكن وعود النظام الفارغة السابقة، ورده القمعي الحالي يبدو أنهما جعلا السوريين يشعرون بأن أي تحول جدي يجب أن يشمل إسقاط التسلسل الهرمي التي يمسك بالسلطة منذ أربعة عقود.

وعلى الرغم من أن الحكومات الغربية ترغب اليوم في لعب دور نشط وفعال في خلع التحالف العلوي/البعثي، فإنها لن تستطيع القيام بذلك بسبب إساءة استعمالها لقرار مجلس الأمن الدولي بخصوص ليبيا. وعلى الرغم من أن الضغط الدبلوماسي على دمشق يزداد ويتكثف، فإنه لا يوجد مؤشر على أن الغرب سينجح في إصدار قرار من النوع نفسه.

الأسبوع الماضي، عندما طرحت القوى الغربية قراراً ضد سوريا بخصوص انتهاكات حقوق الإنسان واستعمال القوة ضد المدنيين، أُرسل نائب وزير الخارجية السوري فيصل مقداد إلى الهند كمبعوث ليطلب من الهند استعمال نفوذها في مجلس الأمن الدولي ومنع الغرب من الدفع في اتجاه استصدار القرار.

وقد كان السوريون يرغبون في إشراك الهند بخصوص هذا الموضوع نظرا لحقيقة أن الهند، وهي عضو غير دائم، تتولى حالياً الرئاسة الحالية لمجلس الأمن الدولي. وخلال لقاءاته مع وزير الخارجية الهندي ومسؤولين رفيعين آخرين، حاول مقداد أن يقنع مضيفيه بأن سوريا ضحية دعاية زائفة، رغم أنه في اليوم نفسه الذي وصل فيه إلى دلهي أفادت بعض التقارير بمقتل 135 شخصاً في الاحتجاجات. وبدلاً من الحديث حول الأزمة الداخلية في سوريا، اختار المبعوث السوري التركيز على الرد الخارجي على التطورات في بلده فأنحى باللوم على قنوات إخبارية دولية مثل "سي. إن. إن" و"بي. بي. سي" و"الجزيرة" و"العربية" وحملها مسؤولية تضليل وفبركة الأخبار ضد سوريا.

ولكن الرسالة من الهند كانت قوية وواضحة ومؤداها أن العنف الذي يتعرض له المدنيون غير مقبول، وأن استعمال القوة بشكل عشوائي لإخماد الاحتجاجات يجب أن ينتهي. وقد طُلب من بشار، الذي دعا الحكومة السورية إلى ممارسة ضبط النفس ونبذ العنف، التعجيل بتطبيق إصلاحات تأخذ في عين الاعتبار تطلعات الشعب السوري. بل إن حتى روسيا، التي تعد حليفاً لسوريا وتعارض أي قرار مناوئ لها، باتت تقول إن بشار سيلقى مصيراً حزيناًًً إن هو لم يطبق إصلاحات ويتصالح مع المعارضة. ولا بد من التشديد في الختام على أن قتل المدنيين، بالآلاف مرة أخرى في سوريا، أمر خطير جداً، وإذا لم يتم إيجاد مخرج للأزمة، فإن أصداء الفظاعات في درعة ودير الزور وحمص وحماة سيتم ملاحظة تداعياتها عبر العالم العربي.

=============

نحن أيضاً... صمتنا يقتلنا

د. حسن حنفي

تاريخ النشر: السبت 13 أغسطس 2011

الاتحاد

كان الشعار في إحدى الجُمعات الماضية في سوريا "صمتكم يقتلنا". وهي وخزة ضمير أيقظت فينا ما نشعر به وما لا نعبر عنه. ونستطيع أن نقول "ونحن أيضاً، صمتنا يقتلنا". وفي الوقت نفسه "صمتنا يقتلكم" لأنه يعني استمرار المذبحة في سوريا قلب العروبة النابض، وكأننا لم نعد شعباً عربيّاً واحداً. وقد وصل سوريا الربيع العربي من تونس إلى مصر، إلى ليبيا إلى اليمن إلى سوريا بعد أن ظن الناس أن النظام الحديدي السوري شبه المقدس لا يمكن تحديه أو تغييره أو الثورة عليه. ولما عُرف الشعب العربي بالكلام وبفن الخطاب وبأساليب البلاغة، حكاماً ومحكومين إلا أنه توقف هذه المرة وتحول إلى صمت مطبق. فالمقدس مقدس! وما لا يمكن لمسه أو حتى النظر إليه يظل كذلك أمام الصوت العربي. وأصبح الدم العربي السوري يسيل كل يوم واللسان العربي صامت، مقطوع من جذوره. لا تكفي مؤتمرات المعارضة في الخارج أو حتى في الداخل بل السؤال: أين "أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة"؟ أين الربيع العربي على مستوى الكلام بعد أن ظهر على مستوى الفعل؟ أصبحت سوريا ذبيحة وضحية أمامنا كل يوم ولا تحرك الدماء فينا اللسان، وقد تدخل الله سبحانه وتعالى لإنقاذ إسماعيل من الذبح (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ).

هل لأن سوريا قد تلحفت بأسطورة الممانعة واحتلال الجولان قائم منذ 1967 لم يتحرك إلا بزحزحته عن القنيطرة لتمرير كامب ديفيد؟ والجبهة السورية الإسرائيلية هادئة، والعائلات تتكلم عبر الأسلاك الشائكة. ولم تنتفض إلا أخيراً بعد الربيع العربي مما دفع إسرائيل إلى بناء سور إسمنتي شبيه بالسور بينها وبين الضفة الغربية. والمستوطنات الإسرائيلية تزيد في الجولان يوماً وراء يوم، والشعب السوري فيها ما زال متمسكاً بالوطن الأم. هل لأن سوريا قد تلحفت بأسطورة مناهضة أميركا وخططها في المنطقة وهي تحاورها وتدعوها للتوسط بينها وبين إسرائيل وتعمل على عودة العلاقات الطبيعية معها بتبادل الزيارات حتى تبادل السفراء؟ هل لأنها تدعم خيار المقاومة، وتفتح ذراعيها ل"حماس" في مقابل فتح مصر ذراعيها ل"فتح"؟ كان صوت المقاومة عاليّاً في دمشق. وإسرائيل مطمئنة على مدى أربعة عقود على هدوء الجبهة السورية على عكس الجبهات اللبنانية والأردنية والفلسطينية. هل لأنها الطريق لمد "حزب الله" بالسلاح من إيران؟ ولكن "حزب الله" يأتيه السلاح أيضاً عن طريق البحر وليس المنفذ السوري هو الطريق الوحيد. والنتيجة مناصرة إيران للنظام على حساب الشعب، دفاعاً عن مصالحها وآثارها في المنطقة العربية أكثر من دفاعها عن الشعب العربي وحريته. ربما لأننا لم نتصور ولم نتعود على نقد سوريا. فسوريا هي المحراب. نشأت فيها القومية العربية، وبها قامت الثورات العربية. ولدمشق أنشد شوقي "وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ".

وينتظر العرب ماذا يفعل الغرب؟ وينقد الاتحاد الأوروبي لماذا تأخر عن إدانة المذبحة ولماذا لم يأخذ مواقف عملية لوقفها في حين فعل ذلك بليبيا وأطلق عليها طائرات حلف شمال الأطلسي؟ وينقدون الولايات المتحدة الأميركية على تباطئها في إدانة النظام السوري وصمتها أولًا ثم تحركها بالكلام ثانيّاً دون أن تفعل شيئاً لإيقاف المذبحة. ويعاتبون الأمم المتحدة لأنها لم تجتمع حتى الآن لأخذ موقف من جرائم النظام السوري التي تصل إلى حد جرائم ضد الإنسانية، والتي تقع تحت قانون العقوبات وجرائم الحرب ومحكمة الجنايات الدولية. وهل تكفي المقاطعة الاقتصادية أو منع كبار المسؤولين من السفر أو من التصرف في أموالهم المهربة إلى الخارج؟ وهل يكفي رفع الصوت والإدانة والتهديد باللجوء إلى الأمم المتحدة والنساء والأطفال والشيوخ والشباب يذبحون كل يوم، تدكهم الدبابات والمدافع وتطلق عليهم النار، وتهدم المنازل، وتعتقل الناشطين، والمظاهرات سلمية تواجه السلاح بالهتاف، وطلقات الرصاص بصوت الحناجر؟

وظهر أبشع ما في الإنسان منذ أن قتل أخاه الإنسان. وتكونت فرق "الشبيحة" المسلحة للعدوان على المدنيين بإطلاق الرصاص وبالسلاح الأبيض وبالضرب والتكتيف والاعتقال والتعذيب، وجر المواطنين بالحبال من الأعناق، وسحلهم فوق الأرض، والرقص فوقهم وهم مقيدو الأيدي وراء الظهر. فماذا يفعل المواطن بأخيه المواطن؟ ويستيقظ ضمير البعض فينشق على فرقته وقادته. ويكون جزاؤه القتل من الرفاق لعصيانه الأوامر. والنداء إلى الجيش السوري أن يتقدم كما فعل منذ أواخر الأربعينيات وبدأ ثورات الجيوش العربية منذ 1949 وقبل يوليو 1952 في مصر. وكيف يصبح المواطن السوري الشاعر الفنان، خليفة أبي العلاء المعري في معرة النعمان، قاتلًا أو مقتولاً؟ هل الطائفية هي السبب في ذلك؟ والمظاهرات وطنية وليست طائفية، تضم كل الطوائف والأجناس مطالبة بالحرية والديمقراطية والتعددية السياسية والمجتمع المدني. هل حكم العائلة هو السبب؟ فما زالت عائلة واحدة هي التي تحكم سوريا منذ أربعة عقود. وتحول الحكم الجمهوري إلى وراثية ملكية وتغير الدستور لهذا الغرض، ولا فرق بين الأب والابن. هل هو حكم رجال الأعمال الذين يدافعون عن الثروة وأساليب الفساد وتهريب الأموال؟ وهم معروفون بالاسم وبحجم الثروات. أم هو هذا كله معاً، العائلة والطائفة والقبيلة والشلة ورجال الأعمال، يدافعون عن مصالحهم؟ وبالتالي فالثورة ضد نظام قديم من أجل تأسيس نظام جديد.

إن ثورة الجماهير العربية السورية تعلن عن نهاية النظام الأمني وبداية النظام المدني، ونهاية دولة الاستخبارات وبداية دولة الوطن والمواطنة، ونهاية نظام الفرد الواحد، والوراثة في جمهورية من الأب إلى الابن، والعائلة، الأخ والصديق، وبداية نظام الشعوب الحرة التي تختار نظامها السياسي الديمقراطي. لقد تأخر العرب في فترة النصف قرن الأخيرة وتحرروا من الاستعمار في الخارج كي يبدأ القهر في الداخل، وتتحول الدولة الوطنية إلى الدولة الأمنية، ودولة الزعيم الأوحد إلى دولة الشعب المتعدد الطوائف والأعراق.

والتاريخ لا يسير إلى الوراء. وما بدأ يستمر. والشعب قد اكتسب مناعته، وكسر حاجز الخوف. وتعلم كيف يثور، وكيف يسقط الشهداء كل يوم. لقد امتدت الثورة الشعبية العربية من تونس ومصر، ومن ليبيا واليمن إلى الجمهورية العربية السورية.

صحيح أن كلًا منا مشغول بهمه، وأن ما فيه يكفيه، ومع ذلك سوريا في قلب كل مواطن عربي ليس كنظام سياسي أو دولة بل كصورة أو خيال. هي من بلاد الشام التي بها سرى النبي، صلى الله عليه وسلم، ومراقد الصحابة والشعراء. إن سوريا في القلب وإن صمت اللسان، وعجزت اليد. وهي قادرة وحدها على تحقيق الانتصار. ساعتها ترتفع الحناجر، وتكثر الخطب دونما حاجة إليها. فالخطاب العربي ما زال يأتي بعد الحدث وليس قبله صانعاً له. يأتي مهنئاً وليس مبادراً. واللسان العربي يصمت حين يجب الكلام. ويتكلم حين يجب الصمت. ونحن العرب يقتلنا صمتنا كما يقتل الآخرين. بل إن المثقفين العرب الذين طالما زاروا سوريا في مهرجاناتها الثقافية والفنية أيضاً صامتون. وربما من هول الصدمة يصمت آخرون. فماذا يقولون؟ فعذراً شعب سوريا على صمتنا الذي يقتلكم فأفعالكم تحييكم. ولا عذر لنا في صمتنا الذي يقتلنا ويقتل غيرنا، ولكن أفعالنا تحركنا في الشوارع والميادين. اصمدي يا سوريا سواء عم الصمت أو علا الصراخ.

=============

السياسة الروسية والسلطة السورية

حسين العودات

التاريخ: 13 أغسطس 2011

البيان

يبدو أن السياسة الروسية تشبه الدب الروسي الذي يتصف بأنه بطيء رد الفعل وصبور ويحتمل الاستفزازات لكنه عندما يبدأ رد فعله يحطم الأخضر واليابس ولا يستثني شيئاً، ويكاد المشاهد يندهش من وضعيته قبل رد الفعل البليدة المتخاذلة وبعدها تلك السريعة النارية.

لعل هذا هو موقف السياسة الروسية تجاه الأحداث في سورية طوال الأشهر الخمسة الماضية. حيث استمرت هذه السياسة في مهادنتها للسلطة السورية منذ بدء الأحداث، وكانت تصر على تبني السياسة السورية وخاصة القول بوجود عصابات مسلحة ومندسين وسلفيين وعملاء للخارج، وتقول إن الرئيس الأسد بدأ الإصلاحات وفي نفس الوقت منعت السياسة الروسية مجلس الأمن الدولي من اتخاذ أي قرار إدانة أو شجب أو حتى لوم للسلطة السورية أو مطالبتها بعدم استعمال القوة المفرطة ضد المحتجين والمتظاهرين رغم المحاولات الأميركية والأوروبية الحثيثة والكثيفة والمتكررة.

وفي الأسبوع الماضي ودفعة واحدة وافقت السياسة الروسية على صدور بيان من رئيس مجلس الأمن يستنكر سياسة السلطة السورية تجاه مظاهرات الاحتجاج وتجاه شعبها، ويطالبها بوقف العنف، ويكلف الأمين العام للأمم المتحدة تقديم تقرير خلال أسبوع من تاريخ صدور القرار إلى مجلس الأمن عن مدى استجابة الحكومة السورية لمعطيات البيان، وبعد يوم واحد من قرار مجلس الأمن صرح الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف (أن الأسد يحتاج إلى تنفيذ إصلاحات بصورة عاجلة والتصالح مع المعارضة واستعادة السلام وإقامة دولة حديثة وإذا لم يفعل ذلك فسيواجه مصيراً حزيناً).

من الملاحظ أن هذا الموقف بعيد نسبياً عن تقاليد التخاطب بين رؤساء الدول، بل وبين الدبلوماسيين، ولا يختلف عن موقف سياسة الإدارة الأميركية إلا بأن الأخيرة اعتبرت الرئيس الأسد لم تعد له الشرعية اللازمة ويمكن الاستغناء عنه وأن وضع المنطقة سيكون أفضل بدونه، وقد تسرب أن اتفاقاً أميركياً روسياً عُقد حول موقف مجلس الأمن من السلطة السورية تضمن أن تقوم روسيا بإنذار الرئيس الأسد خلال أسبوع كي يوقف العنف ويبدأ إصلاحات حقيقية مقابل أن لا يتخذ مجلس الأمن قراراً بهذا الشأن ويكتفي ببيان رئاسي، ولذلك كانت الفقرة الأخيرة من البيان تنص على مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة بتقديم تقرير إلى مجلس الأمن خلال سبعة أيام يبين مدى استجابة الحكومة السورية إلى مطالب المجلس، وقد رشح أن روسيا أنذرت السلطة السورية فعلاً بهذا الموقف الجديد.

ترى أوساط دبلوماسية في دمشق أن الموقف الروسي الداعم لممارسات السلطة السورية وسياساتها يعود لأسباب (براغماتية)، منها وعد إيران لروسيا بشراء أسلحة روسية لصالح سورية بملياري دولار، فضلاً عن الضغوط الإيرانية الدبلوماسية والاقتصادية إضافة إلى أن السياسة الروسية كانت تتطلع إلى تطور العلاقات الاقتصادية مع سورية وتأخذ في اعتبارها خاصة الخدمات البحرية التي تقدمها سورية لأسطولها العسكري وتسهيل تواجدها في المياه الدافئة وغير ذلك. ويرون أن هذه هي الأسباب التي جعلت الموقف الروسي متواضعاً بشدته تجاه الممارسات السورية، أما أسباب موقفها في الأسبوع الأخير وموافقتها على قرار مجلس الأمن وتصريحات الرئيس الروسي ميدفيديف المتشددة واحتمال موافقتها على أن يُقر المجلس في جلساته المقبلة عقوبات ضد السلطة السورية فإن هذا يعود لأسباب عديدة منها أسباب داخلية .

حيث تعاظم نقد الصحف الروسية لسياسة بلادها في هذا الأمر وتكررت إشاراتها إلى الصداقة التاريخية بين الشعبين الروسي والسوري ومطالبتها حكومتها باتخاذ موقف آخر أكثر تصلباً وردعاً، فضلاً عن مواقف أوساط المجتمع المدني الروسي والأحزاب السياسية المماثل لموقف الصحف، وعلى النطاق الدولي يقال إنه قد تم التوصل إلى اتفاق أميركي روسي تساعد فيه الإدارة الأميركية السياسة الروسية جزئياً في جورجيا وأوكرانيا مقابل تغيير الموقف الروسي من الأحداث السورية.

يتوقع المراقبون أن يكون للموقف الروسي تجاه السياسة السورية الداخلية تأثيراً كبيراً، ذلك أن روسيا هي المورّد الوحيد للأسلحة وقطع التبديل إلى سورية، ومازال الجيش السوري يتبنى العقيدة الروسية في القتال، إضافة إلى تسلحه الكامل بالسلاح الروسي، وقد زودت روسيا سورية في السنوات الأخيرة بصواريخ أرض-أرض دفاعية قصيرة المدى قادرة على ردع إسرائيل، ويقال إنها زودتها بصواريخ بعيدة المدى. وطالما كانت سورية دائماً، وحتى بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، تستقوي عسكرياً بروسيا، مما كان يعمّق الحذر لدى إسرائيل.

هذا إضافة للعلاقات الاقتصادية بين البلدين فروسيا هي التي بنت المشاريع الكبرى في سورية كسد الفرات والسكك الحديدية والعديد من المشاريع. ومن هنا يأخذ الموقف الروسي أهميته، إلا إذا كانت السلطة السورية قد أحرقت سفنها وسافرت في طريق اللاعودة داخلياً وخارجياً، وهذا ما يتوقعه قسم كبير من المراقبين، منطلقين من أن السياسة السورية لم تتراجع قيد أنملة عن ممارساتها خلال الأشهر الخمسة الماضية، ولم تهتم لا بالرأي العام الدولي ولا بالعقوبات الدولية.

يغلق الموقف الروسي الجديد الطوق حول سياسة السلطة السورية الذي رسمته المواقف الأميركية والأوروبية والتركية وموقف دول مجلس التعاون الخليجي، وأخيراً موقف الجامعة العربية، ولا شك أن السلطة السورية لم تكن سعيدة بهذا الموقف ولا بالمواقف الأخرى، إلا أنها كما يبدو تؤمن بقدرتها على مواجهة هذه المواقف كلها والتغلب عليها.

=============

زاوية مستقيمة / إنها ثورة سلمية

د.عبداللطيف الصريخ

الرأي العام

13-8-2011

الثورة السورية كما هي الثورة المصرية، ثورة شعبية باقتدار، ثورة لم يحركها النفس الطائفي، أو التوجه السياسي، أو الأحقاد الشخصية مع أفراد النظام الحاكم بشكل محدد، هي ثورة كل أطياف الشعب بكل فئاتهم ضد الظلم والاستبداد.

الثورة السورية لم تُرفَع فيها لافتات فئوية، ولم يستعن محركوها بقوى خارجية لإنقاذهم رغم الوحشية التي يمارسها النظام «البعثي» ضدهم، ثورة سلمية حقيقية خرجت من رحم شعب مقهور، لم يطالب في بداية تحركه إلا بالإصلاحات السياسية والمزيد من الحريات، وإذا به يواجه بالحديد والنار، والرشاشات والمدفعية، والشبيحة التي لا تبقي ولا تذر، فارتفع سقف المطالب الشعبية إلى طلب رحيل النظام بأكمله.

الثورة السورية كشفت لديَّ كثيراً من الأقنعة، التي سكتت ومازالت صامتة عما يجري في سورية، وقد تجاوز عدد الذين قضوا في ساحات الحرية ألفي شهيد، أما الجرحى والمعتقلون فهم بالآلاف، هل الدم السوري رخيص إلى هذي الدرجة عند هؤلاء القوم، أم أن مقاييسهم مختلفة؟

الثورة السورية كما الثورة المصرية لم تحركها طائفة أو دين، بينما يحاول من هم خارج سورية استثمار تلك الثورة الشعبية الخالصة ضد الظلم والاستبداد والقهر بتصويرها على أنها ثورة الطائفة السنية ضد الطائفة العلوية، رغم أن الكثير من العلويين خرجوا في المظاهرات المنددة بالنظام، كما طالب بعض المثقفين منهم كالشاعر أدونيس بالاستجابة لمطالب الجماهير الغاضبة.

الثورة السورية كما الثورة المصرية قسمت الشارع الكويتي إلى صنفين: مع وضد، ولكن في الثورة المصرية كان بعضنا متعاطفاً مع شخص الرئيس المخلوع حسني مبارك لموقفه من الحق الكويتي إبّان الغزو العراقي الغاشم، بينما وقف بعضنا، وهم قليل جداً، مع النظام السوري لمصالح شخصية.

الثورة السورية كما الثورة المصرية كشفت ألاعيب الأنظمة العربية التي تستثمر الدين لقمع الحريات، وقتل البشر، واعتقال الآلاف، من دون ذنب، إلا حجة المحافظة على النظام العام، وما أفسد النظام العام إلا تلك الممارسات الاستفزازية التي مارسها النظام «البعثي» سابقاً، وكذلك استباحته للأرواح والدماء من دون وجه حق.

ختاماً... وإلى من انتفض بشأن كلام النائب محمد هايف عندما وجّه سؤاله لأهل العلم بشأن إهدار دم السفير السوري: جميل أن تنتفضوا لحق إنسان واحد في الحياة، وكان الأولى والأجدر والأجمل أن تنتفضوا بصورة أكبر وتتحركوا بشكل أوسع لحماية حقوق الملايين من السوريين في الحياة والعيش بكرامة بعد أن أهدرها النظام «البعثي».

=============

نظام إقليمي يتبلور

سميح صعب

النهار

13-8-2011

 من الواضح ان الولايات المتحدة فوضت الى تركيا تزعم النظام الاقليمي في مرحلة ما بعد الانسحاب العسكري الاميركي من العراق بحلول نهاية السنة الجارية. ولا يمكن فصل الدور التركي المتعاظم حيال الازمة السورية عن هذا المسار.

وتركيا هي نواة هذا النظام الذي يضم مصر ودول الخليج العربية التي ستضطلع بدور الوازن للنفوذ الايراني المرشح للتصاعد بعد الانسحاب الاميركي. وليس مصادفة ان تكون معركة النفوذ مركزة الان على الساحة السورية. إذ ان المحور الاقليمي الناشىء في حاجة الى كسب سوريا الى جانبه لأن بقاءها في محور ايران والعراق مستقبلاً يجعل لطهران اليد العليا في المنطقة.

 من هنا إن الاحداث الجارية في سوريا تتسم بميزة لم تكن متوافرة في الاحداث التي شهدتها تونس ومصر واليمن وليبيا. فإلى المطالبة بالاصلاح الذي بات الجميع يسلمون به. يدور الصراع الان على الموقع الجيوسياسي لسوريا الذي من شأنه ان ينعكس مباشرة على ساحة الصراع العربي - الاسرائيلي. ولم تكتم واشنطن أكثر من مرة رغبتها في ان تتمخض الاحداث عن ظهور سوريا بعيدة من ايران و"حزب الله". وهذا مطلب تلح عليه اميركا بقدر ما تلح على المطالبة بإجراء الاصلاحات، لأن من شأنه ان ينقل المنطقة من خيار الى خيار آخر.

والولايات المتحدة لن تنتظر عقوداً أخرى، كي تحاول فك التحالف بين ايران وسوريا. فهي تجد نفسها الان أمام فرصة فريدة. لذلك فانها تدفع تركيا الى الامساك بالورقة السورية، في حين تلاقي أنقرة تشجيعاً من مجلس التعاون الخليجي ومصر التي ليست مؤهلة الان لتنكب دور ريادي على الساحة الاقليمية نظرا الى إنشغالها بترتيب أوضاعها الداخلية بعد إطاحة حسني مبارك.

ومن وجهة النظر الاميركية تبدو تركيا هي الدولة الوحيدة المؤهلة لقيادة نظام اقليمي متجانس يستطيع ان يحقق توازناً فعلياً مع ايران اذا ما خسرت الاخيرة حليفتها سوريا.

وهذا واحد من الاسباب التي تجعل من الصعب الفصل بين المطالبة بالاصلاح والتغيير في سوريا والموضوع القومي والاقليمي، بينما كان هذا الفصل متاحاً في حالات تونس ومصر وليبيا واليمن.

وبعدما أملت الظروف السياسية والعسكرية والاقتصادية على الولايات المتحدة الخروج من العراق والاستعداد للخروج من أفغانستان، فهي لا تريد ان تترك فراغاً سياسياً وعسكرياً ينتج منه مزيد من توسع النفوذ الايراني اقليمياً.

ويستتبع ذلك تفكير منطقي يقود الى الاستنتاج أن أحداث سوريا هي في واحد من أوجهها معركة على حرمان ايران حليفا مهما كان بوابتها العربية طوال اكثر من 30 سنة.

=============

تركيا نفّذت خطوة من خمس... حتى الآن!

سركيس نعوم

النهار

13-8-2011

بعد تخلي سوريا الاسد عام 1998 عن حزب العمال الكردستاني التركي الانفصالي وزعيمه نتيجة تهديد تركيا باجتياح اراضيها، شهدت العلاقات بين دمشق وانقرة الكثير من الدفء، اذ تعاونتا في الامن والسياسة والاقتصاد. وقد ازداد تعاونهما بعد وصول حزب العدالة والتنمية الاسلامي الى الحكم في تركيا بطريقة كوّنت انطباعاً راسخاً عند حكام المنطقة وابنائها ان "حلفاً" سورياً – تركياً هو قيد الانشاء، وهو يؤمّن لدمشق حليفاً اسلامياً وقريباً من الغرب يمكّنها من تلافي اخطار حلفها الاستراتيجي مع ايران الاسلامية، ويوفّر لتركيا نقطة انطلاق لنفوذها في العالم العربي. في اختصار، دفع التطور الايجابي في العلاقة السورية – التركية الى تخلّي انقرة عن اعتبار سوريا خطراً عليها، كما دفع دمشق الى الاقتناع بتركيا لاعباً اقليمياً واقعياً و"مركانتيلياً" اي يأخذ ويعطي وربما "يبيع ويشتري". إلا ان الحوادث التي بدأت في سوريا في 15 آذار الماضي والتي تحولت انتفاضة شعبية اقلقت تركيا بسبب آثارها السلبية المحتملة عليها، وأقلقت سوريا بسبب الاحتمالات القوية لتعاطف جدي بين الثوار والاتراك، كما أرخت بظلالها على العلاقة بين الدولتين، اذ ترجَّحت وخلال الاشهر الخمسة الاخيرة بين التوتر وتبادل التهديدات والانتقادات وبين التعقّل ومحاولة البحث معاً عن حلول للمأزق السوري الراهن. وفي ظل هذا الوضع تحرّك المسؤولون الاتراك لدرس احتمالات تطوره ولتحديد السياسة التي عليهم اتباعها لحماية امن بلادهم ومصالحها ووسائل تنفيذها. وعلى رغم ان احداً لا يتحدث علانية عن هذا الامر، فإن المتابعين في انقرة يعتقدون ان هؤلاء بحثوا في خطوات متدرجة خمسة لمواجهة حوادث سوريا هي الآتية:

1- اجراء تركيا اتصالات بالمعارضات السورية على تنوع انتماءاتها ومحاولة معرفة ما يجري في سوريا واهدافه النهائية ومدى القدرة على تحقيقها، والاحتفاظ في الوقت نفسه بعلاقة وإن بالحد الادنى مع النظام السوري تسمح باقناعه بتقديم تنازلات معينة للشعب المستمرة ثورته. ومن شأن ذلك اقناع الشعب التركي ان حكومته هي مع سوريا كلها اي سوريا الشعب وليست علاقة حصرية بنظام معين.

2- اقامة تركيا شريطاً حدودياً داخل الاراضي السورية في حال ساد العنف، وفي حال تدفق مئات آلاف اللاجئين الى تركيا. ذلك انها تخاف ان يتسلل مع هؤلاء عناصر "القاعدة" واكرادها المتمردين. كما تخاف ان يجرها عدم اقامة شريط كهذا الى عمليات عسكرية داخل اراضي سوريا وضد جيشها.

3- فرض تركيا عقوبات اقتصادية على سوريا لدفعها الى التنازل لشعبها الثائر. وميزان العلاقة الاقتصادية والتجارية بين الدولتين يشير الى ان الاذى الذي ستتسبب به العقوبات لدمشق ونظامها اقسى وبكثير من الاذى الذي ستتسبب به لتركيا.

4- ممارسة تركيا ردعاً عسكرياً لسوريا، وقد يكون ذلك تهديد سوريا بتنفيذ عمليات عسكرية ضدها في حال استمرت في قمع شعبها، وفي حال ادى ذلك الى هياج كبير في اوساط الشعب التركي. وما قد يشجعها على ذلك التهديد الناجح بالاجتياح الذي وجهته انقرة الى دمشق عام 1998 بسبب اوجلان.

5- التدخل العسكري التركي المباشر وذلك في حال اخفاق الردع المشار اليه واقتراب سوريا من الانهيار. طبعاً قد تفضّل انقرة قراراً من مجلس الامن بذلك، وقد تحاول إقناع حلف شمال الاطلسي واميركا بتحرك عسكري مستقل لها كي لا ينظر اليها مسلموها ومسلمو العرب على انها رجل الغرب. علماً ان ذلك في حال حصوله لن يمنع التنسيق الوثيق بين انقرة وواشنطن.

اين تركيا الآن من الخطوات الخمسة المفصلة اعلاه؟

نفّذت الاولى باستضافتها اكثر من مرة المعارضات السورية. لكنها لم تنتقل الى الخطوات الاخرى، كما انها تحاول ان تنفي اللجوء اليها عند الحاجة. وقد يكون ذلك تكتيكاً سياسياً، الا ان انتقالها اليها سيحدده لاحقاً، عاجلاً او آجلاً، تطور اوضاع سوريا وخصوصاً بعد "مهلة" الاسبوعين التي اعطتها تركيا اخيراً لسوريا الاسد قبل ايام. وفي الانتظار تحاول اميركا اقناع مجلس الامن بقرار جدي حيال سوريا. وسواء فشلت او نجحت فان اعتمادها في معالجة الوضع السوري سيكون في النهاية على حليفين هما الاتحاد الاوروبي وتركيا. علماً ان على الثلاثة التضامن المستمر كي لا تنجح دمشق النظام في ذر الخلافات بينها.

=============

«سوريا الله حاميها» : الأزمة والمصائر والتحولات

د. مهند مبيضين

 الدستور

13-8-2011

لطالما ردد السوريون جملة ‹›سورية الله حاميها››، وهي جملة كان يراها الزائر لدمشق ومدن سورية أخرى، وغالبا ما كانت مقرونة بصورة كبيرة أسفل منها للرئيس الراحل حافظ الأسد، ولكنها في سنوات الحكم السوري تبدلت وأضحت الصورة لرئيس جديد كان كل ما تقدم بالحكم يفقد القدرة على القرار، وتشتبك حوله خيوط الحكم وتتعقد، ويزداد النافذون وعصبة رجال المال من الأقارب الذين جعلوا المواطن السوري يكد ويتعب لأجل تنامي ثروتهم، وفي المقابل لم يفعل الأسد لتجاوز تركة والده الثقيلة من الرجال المحافظين، في ظل مجاميع سورية ظلت ذاكرة سرايا الدفاع وهي تقتحم حماه العام 1980 حاضرة في وعيها، وقد صعدت هذه الذاكرة ووظفت جيدا في رواية مديح الكراهية للروائي خالد خليفة الذي استعاد احداث حماه في قالب روائي، لكن الرواية التي طبعت في دمشق ما لبثت ان سحبت من السوق العام 2008.

في الراوية مشهد يظهر فيه الرئيس عقب اجتياح حلب وحماه، امام شاشات التلفاز وهو يرتجف، ويكاد المشهد يتكرر اليوم في دولة ظن الحزب انه أهلك كل الانتماءات الثقافية للهويات الفرعية السورية فيها، وكان الرهان خاسرا، فبرغم انسجام المكون السوري على وحدة الهوية إلا أن البنى التقليدية للمجتمع السوري من رجال حرف ورجال دين وقوى بازار وعشائر في منطقة سيف البادية الممتد من درعا إلى القامشلي، ظلت متماسكة، وقوية وملتحمة في رد الفعل لابنائها ومنتسبيها, وفي مقابل هذه البنى صعدت نخب سياسية في خدمة النظام ومتحالفة معه في عهد الاب لاجل النفوذ والمكانة، أو مستفيدة وشريكة معه في عهد الابن الذي اراد ان يكون في بداية عهده اصلاحيا، إلا أن مصالح العائلة والاقارب انتصرت على مصالح الوطن.

ووفق نهج غريب في تكوين النظام والبنية السياسية لاجهز الدولة التي تتعدد المرجعيات داخل مكونها الهرمي، كانت بداية الغضب معاشية اقتصادية في دولة لا يغيب فيها الثأر بسهولة، وقد ارتدت نساء حمه منذ ثلاثون عاما السواد بانتظار لحظة السداد، وهو سداد حساب الغائبين إما بالقتل الجماعي أو الإخفاء أو ابقاء المصير مجهول أمام ألاف المختفيين، والذين تزيد اعداداهم على اكثر من مئة وخمسين الف مختفي مجهول المصير منذ عهد الأب الأسد.

منذ العام 1996 وانا ادرس المجتمع الدمشقي وحتى اليوم، وكانت في كل مرة اسئأل فيها عن الوضع في سوريا في الأوانة الاخيرة ومنذ العام 2008 اقول ان الدمشقيين لأول مرة يظهرون فقرهم وعوزهم وانزاعجهم من الضيوف خاصة بعد تدفق مئات آلاف العراقيين لمدن سورية مختلفة، وحدثت مواجهات كان مسرحها الأول حي جرمانا، آنذاك نجح النظام باخفاء التداعيات وغلفها بطابع «صراع الأهل مع الأغراب» وفي حقيقتها كان سخطا من أفقر الأحياء في دمشق في «جرمانا و دويلعة» وغيرها على فارق طبقي كبير وفقر متنامٍ.

ومنذ خمس سنوات نجح النظام السوري باستخدام نخب فكرية وسياسية واقتصادية مشت معه وشاركت بإقناع الناس في سورية بأنها لن تذهب نحو الانفتاح الاقتصادي وفق النهج الليبرالي الرأسمالي؛ بحجة أنه شر وبضاعة أمريكية، وأن الحل في إعادة الاعتبار لنهج اقتصاد السوق الاجتماعي الذي يقوم على إطلاق حرية المنافسة ومراقبة تطور الاحتكارات، وخلق حالة من تكافؤ الفرص بين الهيئات والفعاليات الاقتصادية عبر استمرار دور الدولة في مراقبة آليات السوق والتدخل عندما يعجز الاقتصاد الحر عن تأدية مهمته بما في ذلك تسوية المشكلات الاجتماعية، لكن الحال الذي نتج من جوقة أعوان الاستبداد السوري أن إطلاق اليد لم يتم للمنافسة بل لتعزيز الكسب غير المشروع ومنح الفرص لأفراد من العائلة العلوية، وبالتالي لم تتحقق الغاية من هذا النهج وهي خلق مجتمع الرفاه، وإنما خلق مجتمع مرتهن في انتاجه إلى مصالح فئة صغيرة تحكم الدولة وتسيطر على موارد الدولة.

التوجه لاقتصاد السوق الاجتماعي كان آخر سهم في كنانة النظام السوري، بعد سنوات من التجريب والفشل في إخراج المجتمع السوري من أزمته المتراكمة، وكان ذلك التوجه نتيجة لأحد مخرجات المؤتمر العاشر لحزب البعث الحاكم بخطة جديدة التي حملت اسم ‹›اقتصاد السوق الاجتماعي›› للتحديث والتطوير ومعالجة حال الركود والتردي الاقتصادي في البلاد، لكن النتيجة كما قلنا كانت عكس ذلك، فقد تعمقت الفوارق بين الناس بما هدد السلم الاجتماعي وزاد التجاوز على القانون وعم الفساد في القضاء وانتشرت الرشوة بشكل يفوق كل التصورات، وهو ما أهّل البلاد للثورة، وقاد الناس للشارع، ولم تعد سورية محمية ربانيا، بل إنها كانت تسير للهدم بفعل سياسات نظامها، كما أن الصور التي كانت تشكل قاعدة لعبارة ‹›سورية الله حاميها›› لم تعد للأسد الأب وأبنائه وإنما لبشار وأحمدي نجاد وحسن نصر الله، وهو ما يشف عن معنى فقدان استقلال القرار السوري وتحول سورية إلى ورقة بيد إيران وليس العكس كما كانت أيام حافظ الأسد.

بالنتيجة جرّت السياسات السورية الوبال على المجتمع جراء التبعية وفقدان الكرامة وانعدام والوصاية السياسية على الاقتصاد واستمرار ضعف النمو، وباختصار سورية حافظ الأسد لم تعد سورية بشار، فبعد العام 1984 والاتفاق بين الأسد الأب وحركة أمل بالتحالف التاريخي مع العلويين باعتبارهم شيعة، ظل الأسد الأب على الرغم من الشرعية التي منحته إياها حركة أمل ثم إيران ما بعد الثورة، قادرا على ضبط التوازن بين العلاقة مع إيران وحلفائها وبين الجوار العربي، وهنا يتحدث السوريون عن قدرة حافظ الأسد على صون الكرامة للمواطن السوري وقدرته على ضبط أركان العلويين وعدم إطلاق يديهم في سورية، وهو على خلاف ما سار عليه بشار الذي انحنى كثيرا لإيران وحلفائها في لبنان وعلى رأسهم حزب الله. فانكسرت الكرامة السورية وتوغلت الطائفة العلوية وأصبحت الأولوية للعلويين للتوظيف في المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية، وفي عام 2009 عين رؤساء الأجهزة المخابرات الأربعة (العسكرية والسياسية والجوية والمخابرات العامة، من أصول علوية، هذا إلى جانب النفوذ الاقتصادي والخصخصة في قطاعات الدولة والرخص التي منحت لمحاسيب وأقارب بشار الأسد، وهو ما جعل سورية تتحول إلى مزرعة بيد آل الأسد وأنسابهم، وهو ما جعل المواطن السوري يشعر بأن كرامته كسرت.

مع ذلك، تحمل السوريون مقولة الصمود من أجل المقاومة، وصبروا على بشار الأسد ونظامه كثيرا، والإنسان السوري يجعله حبه للحياة أحيانا قادرا على الصبر لدرجات قسوى، لكنه حين رأى دولته بلا قيادة وإنما بيد طهران، وحين وجد أن رزقه وضرائبه ورسومها التي يدفعها تذهب لطبقة من رجال الأعمال الأقارب للرئيس، وحين وجد أهل القرى والأرياف والمدن السورية الدبابات تقصف وتحاصر مدنهم ويصر الرئيس على أنه يواجه العصابات المسلحة الخارجة على القانون، فإنه من غير الممكن للمواطن السوري العودة للبيت إلا إذا غادر الأسد موقعه وحوكم كل من تلطخت يده بالقتل والترويع للناس.

كل ذلك قاد الناس للمواجهة، مع الفشل والتفرد والاستبداد، ومن جهته النظام قاوم كل محاولات الإصلاح والتغيير، ورفض الشراكة مع المجتمع ونخبه، فتأسست حالة من الحنق والغضب التي بدأت في أعقاب المشهد التونسي والمصري تزداد، ولم يفلح النظام السوري في استثمار الموقف العربي المحافظ في بداية الأزمة السورية وبعد مرور أشهر عليه؛ كون سورية تتوجس ريبة وتستفز من أي تدخل في شأنها، لكن الصمت العربي لم يكن يعني إقرارا بما يجري هنا بقدر ما كان صمتا من القلق على ألا يكون السقوط في سورية سقوطا للنظام بقدر ما سيكون سقوطا للدولة.

في حال سقطت الدولة يسأل الكثيرون عن خيار ما بعد الأسد، وهي سيتكرر النموذج العراقي، وهل تحتمل المنطقة حالة زكام اخرى مثل الزكام العراقي الذي ارهق المنطقة بعد احتلال العراق؟ الجواب يكمن في الفارق بين الحالة العراقية وحتى اللييية، فالسوريون مجتمع تجار بالدرجة الأولى ولا يحتملون تعطل الاقتصاد كثيرا، كما انهم لا يفضلون خيار النزوح لمواجهة الأزمة، فحتى حين يخرجون هم يفضلون البقاء على مدّ البصر من وطنهم. وفي حال وجهت ضربة عسكرية خاطفة لقواعد جيش الأسد، فإن من المتوقع حدوث تحول في الازمة وانهاء النظام بشكل سريع لأعتبارات عدة: أولها أن الرئيس لا يقوى على المواجهة وضعيف وسط الدائرة الغابة على مصائر القرار السوري، وثانيها احتمال هرب او تهريب دائرته المحيطة به عبر الحدود مع لبنان إلى ايران ودول حليفة اخرى، وثالثها البقاء في القصر الرئاسي المحصن في دمشق بانتظار مبادرة دولية او عربية لانهاء وجود الأسد، وهناك معلومات تشير إلى التفكير بمبادرة على غرار التحرك الخليجي لليمن، لكن عناد الرفاق البعثيين يجعلهم لا يقون على القبول بان تأتي الحكمة لدمشق من الخارج، ويبدو أن مصير الرئيس اليمني لن يكون عبرة للأسد، في انزلاقه الصاخب المغاير للحالة اليمنية التي كانت سلمية وبقيت برغم ان السلاح والبارود حاظر كالياسمين الدمشقي.

السوريون في ثقافتهم وبنيتهم يكرهون العنف، لكن النظام الذي اقترن طغيانه بظلمه، ضاق الناس بوجوده وهم يعرفون ان مصدر الفعل المروع قد لا يكون الرئيس الأسد، بقدر ما هو نتيجة لتعليمات دائرة صغيرة محيطة به، لكن الإصرار على مقولة المؤامرة او الاختراق لجبهة الممانعة لم تعد مقولة تلقى الصمود حتى عند حلفاء الأسد. كما ان اجراءات الأسد ومبادراته الإصلاحية التي حاول تحقيق جزء منها يوم جاء للحكم وكان نظيفا لم تعد تشكل اليوم سقفا للمعارضة للتفاوض على الإصلاح، بل صار المطلب رحيله.

اليوم ومنذ احداث درعا، بداية الاشتباك، تدفق الكثير من الماء في جدول الماء السوري، لكن وبمثل ما النظام غير واضح في قراءة مصائرة، لا يبدو ان هناك تصورا واضحا لمستقبل سوريا عند المعارضة التي هي مطالبة أكثر من أي وقت برسم خطة ما بعد الأسد كي لا تسقط الدولة بسقوط الرئيس وتعم الفوضى في المنطقة.

ختاما، يظل للرئيس المرحوم حافظ الأسد برغم اختلاف الناس معه أو اتفاقهم معه أو تفاوتهم في حبه او كراهيته فإنه يستحضر اليوم، ولكن الرجل الذي ساهم بالامساك جيدا بلعبة التوازن في المنطقة والرجل الذي وقف مواقف جيده ومتناقضة احيانا مع جيرانه سواء في الأردن وفي لبنان والعراق، والرجل الذي تحالف مع ايران ودشن الخط التاريخي بين طهران ودمشق وجبل عامل، والرجل الذي كان دوما يحضر كرقم صعب في أي معادلة في المنطقة، والرجل الذي اتقن المرواغة مستعينا بخبرته كطيار مقاتل يبدو انه وكأنه لم يترك لولده شيئا من دهاء الحكم او فقه المُلك، وسظل الابن تلاحقه رائحة الثأر في حماة ودير الزور وغيرها حتى لو تجاوز ازمته اليوم.

=============

مناخات الأزمة السورية في الفضاء العربي

سامح المحاريق

الرأي الاردنية

13-8-2011

خرجت الرياض عن تحفظها التقليدي في علاقتها مع دمشق، وأتت تصريحات الملك عبد الله بن عبد العزيز لتؤكد على وجود نية حقيقية للبدء في مرحلة جديدة تتخطى الدبلوماسية الباردة التي تربط المحاور السياسية في العالم العربي باتجاه الشعور بالمسؤولية الجمعية تجاه التحولات التي تمر بها المنطقة.

هذه الخطوة السعودية تأتي في إطار التشاغل المصري عن أداء دور حيوي في الفضاء العربي بسبب الظروف الداخلية، وضمن اختراق استراتيجي يحاول الرد على التوغل التركي المرشح لأن يصبح تغولا في الشؤون العربية في مرحلة قريبة.

لا يوجد أي منطق في أن تضع دمشق العاملين التركي والإيراني في حساباتها أكثر من اهتمامها ببقية الآراء العربية التي تسعى لمنح النظام السوري طوق النجاة، وتمكين السوريين من تجنب مصير مشابه لما يجري في العراق، فالأسوأ في الأزمة السورية، في حالة وقوعه، سيمتد بآثاره السلبية لجميع أنحاء المشرق العربي دون استثناء.

الأردن في الملف السوري ليس من مصلحته أن يتخذ مواقف متقدمة باتجاه أي من أطراف الصراع القائم داخل سوريا، وذلك بناء على ظروف محلية ترتبها طبيعة العلاقة التاريخية ووجود حدود مشتركة واسعة يقطن على طرفيها عائلات تمتد في الطرف السوري والأردني، إلا أن تواجد الأردن على مقربة من التوجهات السعودية مسألة ضرورية، فالتصريحات السعودية تتضمن جانبا أخلاقيا لا يمكن التغافل عنه، كما أن الأردن يجب أن يتحسب لحاجة السعودية، وغيرها من دول الخليج العربي، وحاجة سوريا أيضا، إلى وساطة في مرحلة لاحقة، وبحيث لا تصبح هذه الوساطة من اختصاص أطراف أخرى غير عربية.

لا الرياض ولا عمان لديهما الرغبة في مشاهدة تدهور الأوضاع في سوريا بما ينذر بكارثة جديدة على المستوى القومي، فسوريا تختلف عن مصر، في العديد من المسائل الجوهرية.

المصريون يواجهون إسرائيل مباشرة، شبه متعادلين في موازين القوى، وهم أقوى من جميع جيرانهم الآخرين، وربما أقوى من جميع دول حوض النيل مجتمعة، بينما سوريا فهي في مواجهة إسرائيل وفي مدارات تركيا وإيران، ودائما كطرف أضعف في العلاقة مع أي من هذه الدول، وبينما في مصر تشكل الطائفية ظاهرة عارضة على امتداد أكثر من خمسة عشر قرنا من التعايش، فإن الوضعية الطائفية في سوريا وإن كانت خامدة لسنوات مضت مرشحة دائما لأن تتفجر بعنف، وأخيرا فالجيش السوري يختلف في تركيبته وعقيدته عن الجيش المصري، وبالتالي يختلف موقفهما الحالي والمتوقع من مجريات الأحداث.

الاستقرار في عمان والرياض وغيرهما من العواصم ليس قابلا للتصدير، ويجب على الأقل أن تكون هناك نية للوقوف أمام أي محاولات لاستيراد الأزمات والتوتر، والوصول إلى حلول حقيقية وعادلة هو أحد خطوط المواجهة التي انطلقت تجاهها الرياض في التصريحات الأخيرة التي فاجأت البعض.

=============

تعاظم القلق العالمي على الحالة السورية

د . عبدالله تركماني

2011-08-12

القدس العربي

 أضحت احتمالات تدويل الحالة السورية قاب قوسين أو أدنى، فبعد أن أصبح احترام حقوق الإنسان أحد أهم المعايير الدولية لقياس تقدم الدول، فإنّ أي انتهاك لها يعرّض الدولة المدانة لضغوط وإدانة المنظمات العالمية والمجتمع الدولي.

وفي سورية تثير مجازر قوات الأمن في عدة مدن، خاصة بعد استخدامها رشاشات المروحيات والدبابات ضد المواطنين السوريين، عدة إشكاليات قانونية تتصل بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان. إذ يشكل العنف وما سببه من خسائر بشرية فادحة، وتهجير المدنيين، وما ألحقه بهم من أضرار مادية ومعنوية، خرقاً خطيراً للقانون الدولي.

لقد أخذ الوضع في سورية منحى دولياً وإقليمياً جديداً، إذ يبدو أنّ العالم، مع نهاية الشهر الخامس للانتفاضة السورية المجيدة التي قدمت صورة متحضرة عن الشعب السوري الذي أصر على سلميتها ووطنيتها الجامعة، بدأ يرتب لمرحلة ما بعد الأسد، والكل بدأ يدرس الخيارات المطروحة لتلك المرحلة. وربما ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يعكس الأجواء الدولية والإقليمية العامة، عندما قال لبشار الأسد: 'أرجوك الاستماع بانتباه'، وإنّ 'الوضع الراهن لا يمكن استمراره'، و 'لا يجوز له ولهم المضي هكذا بقتل شعبهم'. وفي هذا السياق جاءت إدانة مجلس الأمن الدولي في 3 آب/اغسطس الجاري لحملة القمع الدامية التي تشنها الحكومة السورية ضد المتظاهرين، ودعوتها إلى 'الاحترام الكامل لحقوق الإنسان وتنفيذ التزاماتها بموجب القانون الدولي ومحاسبة المسؤولين عن العنف'، لتعبر عن بداية تحول في المجتمع الدولي.

وليس ثمة شك في أنّ تصاعد مستويات انتهاكات أجهزة الأمن السورية لحقوق الإنسان سيضعف الموقف الروسي - الصيني، ويجعل من الصعب التصدي للقرارات الدولية الملزمة المحتملة ضد النظام وقادته، لاسيما بعد تحرك القوى العربية الشعبية والرسمية لمساندة الشعب السوري.

لقد وسّع زمن الربيع الديمقراطي العربي دائرة التيار الشعبي الداعي إلى اللجوء للقضاء الدولي والمحكمة الجنائية الدولية، عبر توثيق الجرائم البشعة التي يرتكبها حكام ليبيا واليمن وسورية ضد الحركات الشعبية المطالبة بالحرية والكرامة والمواطنة، حيث تتعزز ثقافة اللجوء إلى القضاء الدولي لمنع الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في العالم العربي.

وفي هذا السياق جاءت دعوة اتحاد تنسيقيات الثورة السورية كافة الدول وهيئات المجتمع الدولي والمعارضة السياسية إلى العمل على فرض العزلة الكاملة على النظام، وسحب أي تمثيل أو تواصل أو حتى تفاوض معه، إلا في المرحلة التي يكون فيها مستعداً لوضع نفسه في تصرف الشعب السوري الحر متخلياً عن السلطة لهيئة انتقالية يرتضيها الشعب السوري، تكون مهمتها الانتقال بسورية إلى وضع مستقر تستطيع فيه العمل على تأسيس دولة مدنية حرة وديمقراطية.

إنّ سورية عضو في الأمم المتحدة وعليها التزامات، بموجب القوانين والمعاهدات الدولية التي دخلت طرفاً فيها، يجب أن يؤدي الإخلال بها إلى مساءلة ومحاسبة. هذا واجب المجتمع الدولي تجاه السوريين، وحقنا عليهم، حسب تعبير الناشطة الحقوقية رزان زيتونة، ومن شأن صدور موقف واضح من المجتمع الدولي تجاه النظام أن يشجع مزيداً من الشرائح التي لا تزال مترددة بالانضمام للثورة بأن تحسم أمرها، وأخيراً من شأن إحساس السوريين بأنهم لن يُترَكوا وحدهم في مواجهة العنف العاري للنظام، أن يساعد في تجنب خيارات قد تدفع بالبلاد إلى المجهول.

لقد أقامت السلطة السورية خطابها الشعبوي الديماغوجي على تقبيح فكرة تدخل المجتمع الدولي عند الرأي العام السوري، ونجحت في ذلك واطمأنت إلى أنه صار بإمكانها العبث كما شاءت بشعبها دون خوف من أن يتوجه إلى طلب النجدة والمساعدة من الخارج. وينبع هذا الخطاب من الادعاء بأنّ تدخل المجتمع الدولي، خاصة منظماته الإنسانية، يشكل خرقاً لمبادئ السيادة الوطنية، في حين أنّ السيادة الوطنية الحقة هي سيادة الشعب والمؤسسات الوطنية المنتخبة والمستندة للإرادة الشعبية الحرة والملتزمة بمبادئ حقوق الإنسان، ولا يمكن بأي حال تقليص مفهوم السيادة ليقتصر على سيادة الحاكم السوري، فاقد الشرعية الدستورية، وتحويلها شعاراً للاستبداد السياسي وكبت الحريات العامة.

إنّ وقف قتل الأبرياء لا يتم إلا بتصعيد الضغط الدولي، بما فيه الإقليمي والعربي، على النظام وعزله، بما يتناسب مع هول الفظائع التي تشهدها كل المناطق السورية، لاسيما المدن الخاضعة لحصار واحتلال قواته (حماه، دير الزور، أدلب، حمص ..) التي يستخدم فيها أسلحته الثقيلة ضد ما لا يحمل حتى حجراً، بل ويستهدف حتى الفارين من جحيم آلته الفتاكة، ويمنع عنها وصول الخبز، ويقطع المياه والكهرباء والاتصالات.

إنّ الوضع الراهن في سورية يتطلب قراراً صادراً عن مجلس الأمن الدولي، أكثر من بيان يدين 'انتهاكات حقوق الإنسان ويعبر عن القلق'، بعدما ضرب النظام الفاقد للشرعية عرض الحائط مناشدات ومطالبات وتحذيرات المجتمع الدولي، وبعدما أكد محققون متخصصون في حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، في 5 آب/اغسطس، إنّ على القوات السورية أن تكف عن 'الاستخدام المفرط للقوة ضد المحتجين السلميين شملت تنفيذ أحكام إعدام وجرائم أخرى يعاقب عليها القانون الدولي'.

نحن ضد التدخل العسكري الأجنبي في سورية، جملة وتفصيلاً، لأننا واثقون تماماً من أنه سوف يعقّد المسألة، ولن يحلها، وواثقون تماماً أنّ الشعب السوري قادر على تحقيق أهدافه بطريقة سلمية، لكن في الوقت نفسه لن يتوقف الناشطون الحقوقيون السوريون عن استخدام كل الآليات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان من أجل المحاسبة الدولية لأركان النظام الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية في حق الشعب السوري.

إنّ بنية النظام الأمني السوري، كما هي عصية على الإصلاح الحقيقي الداخلي، فإنها عصية أيضاً عن مواكبة التحولات العميقة في العلاقات الدولية بعد نهاية الحرب الباردة، والتي تستوجب تقويض بعض ركائز هذه البنية في ميادين حقوق الإنسان وأنساق قمع الحريات العامة.

إنّ المطلوب، وقد وصلت الأمور في سورية إلى الحد الذي بلغته من الخطورة، أن يبدي أعضاء مجلس الأمن الدولي قدراً أكبر من المسؤولية فيتخلوا عن التسويات غير المثمرة ويتوجهوا نحو اتخاذ مواقف أكثر فاعلية ونجاعة، وذلك من خلال العمل على استصدار قرارات دولية لا تكتفي بالإدانة اللفظية للمذابح المقترفة عن سابق تخطيط وتصميم ضد المتظاهرين المسالمين، بل تتجاوزها إلى إقرار عقوبات دولية مؤثرة على النظام السوري، بما في ذلك تقديم رأس النظام إلى المحكمة الجنائية الدولية. فبدون ذلك، ستستمر المذبحة حتماً ويتفاقم عدد ضحاياها، وسيكون العالم شريكاً في الجريمة.

وإذ كانت اللجان التنسيقية للثورة السورية أطلقت على تظاهرات الجمعتين الماضيتين اسم 'صمتكم يقتلنا' و 'الله معنا'، للتعبير عن العتب على الصمت العربي، فلعل مواقف القلق المستجدة لمجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية تتطور في اتجاه التضامن مع الشعب السوري ورفع المظلة العربية عن النظام.

=============

تكلم السوريون فرآهم العالم

الجمعة, 12 أغسطس 2011

غالية قباني *

الحياة

صار للشعب السوري حضور عندما تكلم، وباتت له أسماء واضحة بعد أن كانت بعيدة مرمية خلف غلالة اسم الحاكم وأسماء بطانته. كل يوم ومنذ قرابة الشهور الخمسة تبرز أسماء السوريين، أفراداً، شهداء ومعتقلين، شهود عيان ومعلقين، لا تنتهي الأسماء وهي تولد بروح جديدة منذ الانطلاقة الأولى للتغيير، وباتت مسموعة مقروءة مرئية مع أصحابها.

لقد حكى الشعب السوري بعد صمت عقود، فرآه العالم، أخيراً. نعم، الشعب السوري كان غائباً مغيّباً، تم تحويله إلى كتلة مسمطة ألهاها التكاثر فما عادت تظهر إلا كرقم تعداد سكاني في بيانات الإحصاء، علها في التكاثر تعوّض القتلى والمفقودين في سجون القهر، تنسى همّها أو تنسى خوفها من تكرار مجازر أخرى وتكميم أفواه الأجيال اللاحقة.

يتعلم الفرد قمع نفسه بعد أن يتم تدريبه في المجتمع على ذلك، في البيت والمدرسة والإعلام، وفي سورية كان الحزب يلقم الكلام البديل الجاهز المعلّب من شعارات وخطابات وهتافات ورأي في القضايا والأحداث الداخلية والإقليمية والعالمية، لا يجوز للأفراد تجاوزها، فرأي الحزب وكلام القائد يحلان محل التفكير الحرّ. لذا، رأينا السوريين في عامتهم في بداية هذا الحراك متلعثمين لا يدرون ما يجب أن يقال في مواقف نقد السلطة، لقد نسوا خلال أربعة عقود ونيف كيف يجادلون ويتجادلون، كيف يرتبون أفكارهم وهم يتحدثون عن قضاياهم وكيف يعترضون أمام الحاكم.

لن تندهش إن رأيتهم الآن في بعض مؤتمراتهم وملتقياتهم يتصارخون لا يسمعون إلا أصواتهم، كانوا مخطوفين في قبو افتراضي معتم تمرر لهم فيه المصطلحات والعبارات والمعاني، والخطاب الذي لا يجب أن يخرجوا عنه، والقاموس الذي يجب أن يغرفوا من مصطلحاته.

أي قبو لم يتحرر منه الأغلبية فحملوه في دواخلهم إلى المهاجر والمنافي، فإن تجمعوا رددوا ما تم تلقينهم إياه من بنية ذهنية، يفرغونها من المفردات ليضعوا بدلاً منها مفردات أخرى من غير أن يغيروا منطقها. وإن اختلفوا استعاروا من ذلك القاموس ليعبروا عن تناقضاهم. لغو هو وليس كلاماً كاشفاً مانحاً الهوية الحقيقية، أو الهوية التي يمكن أن يكونوا عليها لو تحرروا من عتمة ذلك القبو.

حتى الغناء السياسي لم ينتعش في سورية لأنه قول لا يتماشى مع خطاب الأخ الأكبر، ولم تنتعش في سورية ظاهرة مثل ظاهرة الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم والمجموعات التي ازدهرت في مصر والمغرب مثلاً، لأن السلطة احتقرت العامية لغة الوجدان والتواصل الحقيقي الصادق بين البشر، كما احتقرت اللغات الأخرى في سورية من خارج العربية الفصحى التي يدبج فيها القائد خطاباته والبعث أدبياته.

وتربى الأفراد على هذا الاحتقار في لاوعيهم، وربما يفسر هذا ضعف إنتاج الأغنية السورية أيضاً، ولم تحمل السلطة إلى اللغة الفصحى أي إبداع، بل قهرتها هي الأخرى لتصبح لغة مفرغة إنشائية لا تقول شيئاً مهماً غير التكرار الذي يحيل إلى الولاء المطلق.

«تكلم لكي أراك»... عبارة عميقة المعنى استفز فيها الفيلسوف الإغريقي سقراط قبل أكثر من ألفي سنة واحداً صامتاً وخجولاً من تلامذته في الدرس، قالها له لكي يعرف بما يفكر. التعبير عن الرأي يحدد هوية الإنسان ويجعله منظوراً ملفتاً للانتباه في وسطه. لولا الكلام الذي يترجم ما يدور في النفس، لن يحدث حوار بين البشر ولن تزدهر المجتمعات ولن يتقدم الأفراد. تقدم البشر عندما حولوا أصواتهم المبهمة إلى مفردات ثم إلى جمل كاملة منطوقة، وحققوا قفزة أكبر عندما توصلوا إلى اختراع الحرف الذي سيكتبون فيه ويتواصلون ويمررون من خلاله أفكارهم. بذلك يكون الكلام منطوقاً أو مكتوباً صورة من صور الحضور في هذا العالم.

غاب السوريون عن العالم، إلا عن بضعة مبدعين في المهن والكتابة. صمتوا مثل ذلك التلميذ الخجول المتردد في الحكي، غير أن تلعثمهم في الكلام الحرّ لسبب أن ألسنتهم ربطت منذ الولادة، فكان القول قول السلطان، لا يضاف إليه ولا ينتقص منه. غيّبوا الكلام الحقيقي لمصلحة كلام ناجز، لم يتكلموا لكي يراهم أحد، فلا أبدعوا حواراً رأسياً مع السلطة ولا تبادلوا كلاماً أفقياً مع بعضهم بعضاً. من تجرأ وتكلم من نخبة مثقفة مسيّسة ذاق من العقاب ما لا تقبله مدنية أو حتى إنسانية بسيطة.

ثم حضر الشعب منذ منتصف آذار (مارس) الماضي عندما انتفض على الظلم، دفع ثمناً باهظاً مقابل أن يراه العالم، ومثال مغني الثورة إبرهيم القاشوش مثال غير أوحد يُبنى عليه ما لا يعد من أمثلة، المغني الذي اقتلعت حنجرته لأنه كتب ولحن أغنية كسر فيها كل التابوات دفعة واحدة، تكلم فرآه الناس، قال كلاماً كسر المحرمات كلها، بلهجة بسيطة يحكيها الناس يومياً حتى صارت الأغنية الأكثر ترديداً في كل التظاهرات داخل البلاد وخارجها.

تكلم السوريون، ابتدعوا الشعارات والهتافات والأغاني، صارت لهم أسماء كثيرة تعرّف بهم كشعب في مقابل سيطرة الاسم الأوحد والمطلق للحاكم، ظهرت أسماء المعتقلين، المتظاهرين، الجرحى، الشهداء، المغنين، قادة تظاهرات والموقعين على بيانات. ظهرت أسماء قراهم وبلداتهم وحواريهم ومدنهم المغيبة لمصلحة العاصمة الحاكمة. لم يعد السوريون مجرد رقم وكتلة مجهولة تحسب على بلد مختطف منذ أكثر من أربعة عقود.

ذهبت عبارة سقراط لتلميذه مثلاً في التاريخ عن سلبية الصمت وأهمية الكلام بعلنية، كي يكون للمرء حضور يراه الآخرون من خلاله. الغريب أن التلاميذ في الحالة السورية، المراهقين الصغار والشباب، هم الذين طلبوا من المعلمين، الجيل الذي هرم روحاً وذهنية، أن يتكلموا، حرضوهم بأن كتبوها بالخط العريض الواضح والمباشر على الجدران، ليراهم الوطن بأكمله، بل ليراهم العالم.

* كاتبة سورية

=============

سبل وقف «آلة القتل» السورية... اختيارات كلها مرة

السبت, 13 أغسطس 2011

جمال أحمد خاشقجي *

الحياة

ما الذي يمكن أن يفعله النظام السوري بعد أن يعيد قراءة كلمة العاهل السعودي الملك عبدالله مرات عدة، وبعد تأمل ما جرى خلال حوار الساعات الثلاث الطوال بين وزير الخارجية التركي داود أوغلو والرئيس بشار الأسد وأعوانه؟ وما الذي يمكن أن يفعله العالم حيال النظام السوري بعد أن يتخذ الأخير القرار الخطأ وهذا هو المتوقع؟

رد الفعل الأول للنظام أنه سيمضي في حربه ضد العصابات المسلحة (المزعومة) من دون هوادة، ما يعني استمراره في حماقة الحل الأمني الذي حوّله إلى قوة احتلال ضد شعبه. ولكن هل يستطيع الاستمرار في ذلك؟ أتوقع أن المقياس الذي سترتب عليه السعودية وتركيا خطواتهما التالية مع العالم هو معدل عدد القتلى اليومي الذي بات يقارب الرقم 50 يومياً، وهو رقم مرتفع في العرف الدولي، ومتواضع في عرف نظام قمعي.

المعضلة أن النظام لا يستطيع أن يستمر من غير قمع. العالم يطالبه بوقف العنف. الملك عبدالله قدم له توصيفاً دقيقاً، إذ سماه «آلة القتل»، وهو ما تؤكده تقارير من داخل سورية قدمت وصفاً لعنف ممنهج يتكرر حيثما حل الجيش و «شبيحة» النظام في ممارسة قبيحة تدربوا عليها تقوم على بث «الرعب» بين المواطنين، قوامها الإعدام علناً، الخطف والاغتصاب والترويع، مع الحرص أن يصل خبر ممارستهم لأهالي الحي أو القرية، للتحذير من عدم العودة للتظاهر والنشاط المعارض.

وقف «آلة القتل» يعني السماح بالتظاهر السلمي، فالسوري الثائر الذي تخلص من الخوف، يعلم أن هذا هو سلاحه الوحيد، وفرصته التي لن تتكرر للانعتاق والحصول على حريته. فالتظاهر السلمي سيخلق «ميدان التحرير» في كل مدينة سورية. الكارثة للنظام أن ذلك سيؤدي إلى نقل التظاهر وميدان التحرير إلى قلب دمشق وحلب، ولو حصل ذلك لن يترك السوريون ميدانهم حتى إسقاط النظام، سيصرخ الشاميون حينها شيئاً شبيهاً بالعبارة المصرية الشهيرة «مشى حنمشي، هو حيمشي»، والمقصود هنا هو الرئيس بشار الأسد، وهو ما لن يحتمله. إنه ليس مبارك ودائرته الحاكمة التي مهما كبرت تظل دون دائرة الأسد الأوسع التي تتجاوز المنتفعين إلى شتى الأجهزة الأمنية، والطبقة الحاكمة المتداخلة مع الطائفة التي باتت جذورها عميقة بعدما انفردت 40 عاماً بالحكم المطلق.

إنها معضلة للنظام وكذلك للمجتمع الدولي الذي يطالب النظام بالإصلاح. العاهل السعودي مرة أخرى يقدم توصيفاً محدداً له «إصلاحات لا تغلفها الوعود، بل يحققها الواقع، ليستشعرها إخواننا المواطنون في سورية في حياتهم... كرامة وعزة وكبرياء». مصادر تركية تقول إن أوغلو قدم وصفة محددة للإصلاح هي تحديد موعد لانتخابات حرة يختار فيها السوريون رئيسهم وبرلمانهم، فهل يستطيع النظام تقديم ذلك؟ هل بشار الأسد مستعد للتنافس في انتخابات لا يضمن الفوز بها؟ بالطبع لا.

إذاً، لا مناص من «التدخل الخارجي»، ولكن كيف؟ ومتى؟ ومَنْ؟ وأين؟ العالم متجه نحو ذلك، والاتصالات الحثيثة التي نشطت حول دمشق بين الرياض وأنقرة والعواصم العالمية لا بد من أنها ستحاول الإجابة عن هذا السؤال الصعب، بعد أن تعلن العواصم المعنية أن دمشق لم تتجاوب مع الفرصة الأخيرة التي لوّح بها العاهل السعودي ورئيس الوزراء التركي الذي «بدأ صبره ينفد».

سحب السفراء بدأ، الخطوة التالية قد تكون في إعلان التأييد العلني للمعارضة، والقول الصريح بضرورة رحيل النظام وبشكل علني، ثم تأتي الخطوات الأصعب في زمن صعب، فالدول العظمى منشغلة بتداعيات أزمة اقتصادية عالمية تلوح في الأفق، مثل فرض حصار على سورية، لمنع الإمدادات عن النظام، مراقبة الأجواء السورية لمنع الطائرات الإيرانية من السفر إلى دمشق محملة بالسلاح والعتاد وربما الأفراد. يتطور ذلك إلى منع الطيران تماماً من دمشق وإليها، يتواكب ذلك مع مراقبة للحدود السورية - العراقية، ومنع العراق من تصدير هباته النفطية المتمثلة في 300 ألف برميل يومياً للنظام. الولايات المتحدة لا تزال صاحبة اليد الطولى في العراق، وينبغي أن تكون قادرة على تنفيذ حظر كهذا.

إذا لم يترنح النظام بعد كل ذلك، فإنه سيتأثر سلباً، وكذلك الاقتصاد السوري، ولكن ستشتعل أيضاً حماسة الشعب ويتشجع على الاستمرار في تظاهراته اليومية، وقد اطمأن إلى أن العالم وجيرانه العرب والأتراك باتوا مهتمين بأمره ومعاناته بعد أربعة أشهر رأى أن الصمت خلالها شجع النظام على المضي في غيّه. رد فعل النظام سيكون متوقعاً، فهو لا يجيد ولا يطمئن لغير «آلة القتل» التي يتقن استخدامها، ولكنها تغضب العالم.

وقتها لا بد من آخر دواء، القوة والتدخل المباشر، وهذا يستلزم قراراً أممياً، والاتفاق على خطة وقواعد للتدخل في بلد تحوّل جيشه إلى قوة احتلال داخل المدن والأحياء والأرياف، فكيف تقصف طائرة ل «الناتو» لديها التفويض اللازم دبابةً داخل حي مكتظ بالسكان في حماة أو دير الزور؟

إنها أيام واختيارات صعبة تنتظر العالم وجيران سورية، ولكنها ستكون أصعب على سوري يريد الحرية.

* كاتب سعودي

=============

انتفاضة سوريّة وتناقضات لبنان

السبت, 13 أغسطس 2011

حازم صاغيّة

الحياة

الذين تسرّعوا وقالوا إنّ الانتفاضة السوريّة بدأت في 14 شباط ثمّ 14 آذار اللبنانيّين، جلبوا على أنفسهم سخرية في محلّها، فيما كشفوا عن «أنا» يتنافس فيها التضخّم والخفّة. وقد كان حجم هذا الارتكاب التأويليّ من الضخامة بحيث أنّه لم ينجح في الإضرار بالانتفاضة السوريّة.

طبعاً حاولت الدعاية الرسميّة في دمشق وأبواقها اللبنانيّون، بكلّ الطرق الرديئة المعهودة فيهم، أن تعزف على الوتر هذا للوصول إلى أغراض معاكسة وتآمريّة من الدرجة الخامسة. لكنّ الذين حملوا تلك الدعاية على محمل الجدّ كانوا دائماً أقلّ من الذين صنعوها وصنّعوها.

بيد أنّه من السيّء، في المقابل، نزوع بعض السوريّين واللبنانيّين إلى التبرّؤ من الحركة الاستقلاليّة اللبنانيّة التي ضربت النظام الأمنيّ في توسّعه الامبراطوريّ. وهذا التبرّؤ حين يصدر عن لبنانيّين يأتي محمّلاً بكراهية النفس، التي لا يبرّرها المصير الذي آلت إليه الحركة، ولا طبيعة قياداتها التي تدعو إلى ما يتراوح بين الهجاء والرثاء. أمّا حين يصدر عن سوريّين فينمّ عن شبهة قوميّة عربيّة بالية كانت ترجمتها العمليّة الوحيدة تمكين السيطرة «الأخويّة» على لبنان.

وعلى هوامش المسألة هذه، ومن مواقع ليست كلّها ناصعة التأييد للانتفاضة السوريّة، تظهر أصوات تقول: لكنّ الحركة الاستقلاليّة اللبنانيّة كانت عنصريّة بالمطلق ومن دون تمييز ضدّ السوريّين. وهو قول فيه الكثير من الصحّة، ويستدعي دوماً الإدانة والتنديد. إلاّ أنّ فيه أيضاً الكثير من التعميم. فأين هي الحركة الاستقلاليّة في العالم كلّه التي لم تتعال فيها أصوات القطاعات الأشدّ تخلّفاً وعنصريّة؟ ولو قُلب الأمر وحصل تبادل في الأدوار، أما كنّا لنسمع أصواتاً سوريّة عنصريّة بحقّ اللبنانيّين من طينة الأصوات اللبنانيّة العنصريّة بحقّ السوريّين. وهذا ليس مقصوداً به عذر العنصريّين بتاتاً، لكنّ الميل إلى اعتبار العنصريّة جوهراً لبنانيّاً راسخاً وحصريّاً ليس صحّيّاً على الإطلاق، ومن علامات مَرَضيّته أنّه يضيّع المسألة الأساسيّة، وهي الشراكة الموضوعيّة في التصدّي للنظام نفسه.

فالانتفاض السوريّ له بالتأكيد تاريخه الوطنيّ الخاصّ الذي يبدأ مع حركة المنتديات وهيئات المجتمع المدنيّ التي ظهرت بُعيد وراثة بشّار الأسد والده في 2000. لكنّ ذلك لا يلغي التقاطُع الضخم، حتّى لو لم يكن مُوعى من طرفيه، مع نتائج الحدث اللبنانيّ الكبير في 2005. فآنذاك سُحب الجيش الامبراطوريّ من درّة تاج الامبراطوريّة، وبدأ النظام يواجه عزلته التي حاول الالتفاف عليها ب «اقتصاد السوق الاجتماعيّ»، متسبّباً بالمزيد من الفقر للسوريّين. وهو في هذا إنّما قصّر عمره على النحو الذي لم تسعفه الشطارة الديبلوماسيّة التي تأدّى عنها كسر العزلة خلال 2007-2008.

في تلك الفترة كان من هم «غير عنصريّين» حيال الشعب السوريّ مفتونين بالمقاومة التي تبدّى (فجأة!؟) أنّها حليف آلة القتل في سوريّة. وإذا كان معظم هؤلاء لا زالوا مبهورين بتلك الفتنة، فإنّ قلّتهم الصادقة تزاوج اليوم بين تأييد الانتفاضة السوريّة وتأييد مبدأ المقاومة. وهذا سلوك غير مؤذٍ في آخر المطاف، ترجمته الفعليّة أنّ انتقال المقاومة من مبدأ إلى واقع سوف يصطدم حكماً وحتماً بالانتفاضة السوريّة وبكلّ انتفاضة تطلب الحرّيّة لشعبها.

وقصارى القول إنّ من الصعب تجنّب الانقسام اللبنانيّ في المسألة السوريّة للسبب البسيط إيّاه وهو وقوع تلك المسألة في قلب ذاك الانقسام، ووقوع ذاك الانقسام في قلب تلك المسألة. أمّا الاختيار بين مناهضي النظام البعثيّ، وإن كانت أطرافهم الأشدّ تخلّفاً عنصريّة، وبين مؤيّدي النظام ذاته مصحوبين بالتشدّق اللفظيّ ب»الأخوّة» و»القوميّة»، فيبقى أقرب إلى مزاح سمج.

=============

عن أي مقاومة تتحدثون؟

الغد الاردنية

غازي حسن الذيبة

نشر : 12/08/2011

بعض المبشرين ب"مقاومة النظام السوري"، بوغتوا بردة فعل المواطنين العاديين على تصرفاتهم وسلوكياتهم التي يندى لها أي جبين حر وشريف. وأصيب المواطنون بخيبة أمل في شخصيات من بين هؤلاء، كانوا يحتفون بمصداقيتها ونضالاتها.

بيد أن مثل هذه اللحظات الفاصلة في تاريخنا، لا يمكن التعاطي معها وفق منظور الخيبة والمباغتة، لأن التاريخ لن يرحم من لا يفهمه، وموازنته تحتاج إلى ميزان ذهب.

مبشرو النظام السوري يتخبطون، فمن سجالات مع بعضهم، تتكشف لك الهيئة التي رُوضوا عليها، وأضحوا فيها محترفي شتائم، وتلبيس تهم، ومروجي إشاعات، ومتاجرين بالدم، وصُراخيين، لا يأبهون بقيم الحق ولا بمشاعر الشعب السوري، ولا يثقون حتى بأنفسهم، إذ إن هناك اختلالات واضحة في أفهامهم لما يمكن أن تكون عليه الحالة السورية اليوم وغدا، ولما يمكن أن يكونوا هم عليه من اختلافات ستجعلهم يفترقون عما هم عليه قريبا.

ورغم تمسِّح بعضهم بحكايات غيبية عن علاقات لهم بمعارضين سوريين رأوهم أو تحدثوا معهم، ليثبتوا بأنهم منهمكون بالشأن السوري بكل اختلافاته، وأن علاقاتهم ليست مقصورة على النظام فقط، إلا أن دحض كذبهم وافتراءاتهم بسيط للمعاين، ممن يرى ويسمع ولم يفقد حاسة الشم بعد.

إنهم يرتكزون على معطى نضالي طاهر في تبرير نجاستهم، حين يدّعون أن سورية، الدولة العربية التي لم تضع يدها بيد العدوة إسرائيل، وأنها الوحيدة التي دعمت حزب الله في حرب تموز، والوحيدة التي منحت فصائل فلسطينية مكانا تلوذ به على أرضها. لكن كل هذه المرتكزات تغدو واهية، إذا ما قرئت من بوابة خروج الجمهور السوري إلى الشوارع محتجا على الاستبداد الذي يعيشه منذ عقود، حتى في دمشق التي زاروها ولم يسمعوا في أرباضها أصوات رصاص، ولم يروا ما يشبه تلك الصور التي تبثها قنوات كانوا هم (أي المبشرين) يظهرون عليها، بل يتوسلون الظهور عليها، ليحققوا نجوميات مطفأة.

فأمام ما يدعى مقاومة للنظام السوري، يسقط كل يوم عشرات الشهداء من الشعب السوري المطالبين بالحرية وبتغيير نظام جرى تركيبه عليهم بانقلابات عسكرية وبتوريث فاضح.

وأمام مقاومة هذا النظام، تفصح معلومات هم يعرفونها، تقول إن النظام في سورية لم يكن أفضل من أي نظام عربي في حفر قني خلفية لخلق معاهدات سلام مع عدو يتبجح بمقاومته. لكن تلك القني الآسنة، كانت تسد لأن الحاجة إلى سلام مع نظام يؤمن للعدو كل ما يبتغيه من برود، لم تكن ولن تكون ضرورية، ما دام يخدم العدو بدون ثمن، وجبهة جولانه المحتل منذ العام 1973 فاقدة لأي عنصر مقاومة.

وأمام مقاومة يطلق عليها المقاومة الباردة، يستطيع أي مواطن عادي، وليس من الضالعين في السياسة، إدراك أن الفصائل الفلسطينية منذ لحظة بياتها الشتوي الطويل في دمشق، لم تقم بعملية مقاومة واحدة ضد العدو الإسرائيلي، بل إن الانقسام الفلسطيني تعزز، جراء التدخلات السورية التي ترتد الى الدور السوري المشبوه منذ العام 1976، حين منح الجيش السوري الإذن لدخول لبنان من الولايات المتحدة الأميركية، لا لسواد عيون توحيد سورية ولبنان، بل للقضاء على المقاومة الفلسطينية، كما يفصح باتريك سيل في كتابه عن حافظ الأسد.

أما دعم حزب الله، فلم يكن للنظام السوري من سعة إلا الإغضاء عن تحركاته على حدود سورية، والخروج كل يوم في حرب تموز بتصريحات مهينة، تؤكد أنه لا يدعم هذا الحزب، ويمكن الرجوع إلى وكالة سانا السورية الرسمية للأنباء للتأكد من تصريحات النظام في هذا الجانب.

هل بقي ثمة شيء يمكن توصيف نظام سورية فيه بأنه مقاوم، حتى يتمكن المبشرون به من القول إنه ما يزال صالحا. وحتى لو افترضنا جدلا أنه سيكون صالحا ذات قحط، فهل يغفر له ما فعله بشعبه الذي يرفضه؟

=============

نحو قيادة إبداعية للثورة السورية

الغد الاردنية

ياسر أبو هلالة

نشر : 12/08/2011

تفجرت الثورة في سورية عفوا، بدون سابق تخطيط وتنظيم وإن اعتمدت على تراكم من التضحيات. واستفادت من ثورة الاتصالات في إبداع قيادات ميدانية تتواصل بشكل "شبكي" لا هرمي، يحكمها مزاج عام لا قرارات واحدة. ومن حسن حظ الثورة أنها بلا خميني يفرض عليها تصوراته ويطبعها بطابعه، بل هي ثورة الشعب بكل ألوانه.

بعد كل هذه التضحيات، على المعارضة السورية في الداخل والخارج أن تبدع مؤسسة قيادة جديدة تليق بحجم تضحيات الشعب السوري البطل، تكون مؤهلة لقيادة البلاد في مرحلة انتقالية. في سورية اليوم آلاف من القادة الشباب، أطفال درعا الذين فجروا الثورة قادة فضلا عن وقودها اليومي من خيرة شباب سورية. وفي الخارج مثلهم ممن شردوا خارج وطنهم، سواء من شابوا في الخارج أو ولدوا بعيدا عن ديارهم.

على المعارضة في الخارج أن تكون بمستوى تضحيات الشعب السوري. وهي ليست بحاجة إلى قيادة تاريخية ملهمة، تحتاج قيادة عادية مؤقتة تعبر المرحلة الانتقالية بأمان، وبعدها يختار الشعب السوري ككل شعوب العالم من يحكمه أربع سنوات، لا يحكمه إلى الأبد.

ليست مناسبة للتنافس على مكاسب ضيقة، بل لحظة التنافس في التضحية، وفي شباب سورية الذين يتسابقون على الشهادة أسوة حسنة. النصر قريب، وباختيار قيادة إبداعية يكون أقرب.

لا نعدم رموزا محترمة يختار واحد منها. ولا يستثنى هنا غير من كان له سجل فساد أو إجرام مثل عبدالحليم خدام ورفعت الأسد. هنا نحتاج شيبة يوازن مع كفة الشباب الراجحة، مثل هيثم المالح أو برهان غليون أو عصام العطار. وإن غاب الأخير عن وسائل الإعلام فهو تجسيد لقيم التضحية والتسامح في آن؛ كتبت عنه قبل سنوات عندما عفا عن قاتل زوجته بعد انتهاء مدة السجن للحق العام: "عفا عن قاتل زوجته بنان الطنطاوي بعد أن اعتقلته السلطات الألمانية. عفا وهو المبعد من بلاده منذ عقود. كانت فرصة ذهبية للانتقام. فالقاتل، وهو من المخابرات السورية، جاء ليصفي العائلة المقيمة في "آخن" كاملة، فلم يجد إلا الزوجة العزلاء فقتلها بدم بارد. وبنان هي ابنة أديب الشام العلامة علي الطنطاوي الذي توفي ودفن في مكة غريبا عن وطنه الذي أبعد عنه أيضا". سورية أحوج ما تكون إلى قيادة تتحلى بمثل هذا السمو الروحي وسط هذا الجو الوحشي البدائي. ومن يذهب ليقتل امرأة وأطفالها في ألمانيا ماذا سيفعل بمن تحت يده؟

وشخصية العطار لا تحتاج برهانا على ديمقراطيتها فكرا وممارسة. خطب العطار بعد انقلاب البعث في جامعة دمشق العام 1963، في نبوءة تصف اللحظة الراهنة "إنّني أُعلن لكم، ولشعبنا كله، بغاية الصراحة والوضوح، رفضيَ لهذا الانقلاب، ولأيّ حكم ديكتاتوريّ عسكريّ أو مدنيّ ينشأ عنه، واستمساكي بالحكم الديمقراطي الدستوري. وأقول لأصحاب الانقلاب القائم ومَنْ وراءهم، ولكل مواطن عاقل شريف: إنّ الذين يسلبون شعوبهم حريّتها وإرادتَها وقرارَها يسلبونَها روحَها وحياتَها وكرامَتها وقدرتَها على التحرّر والتقدّم وبناء أيّ مستقبلٍ كريم، ويقتلونَها، ويقتلون حاضرَها ومستقبلها، وإن ادّعَوْا -واهمين أو كاذبين مخادعين- أنهم يُريدون لها الحياة".

أي واحد من الثلاثة أو غيرهم، سيكون أفضل بما لا يقاس من حكم بشار. المهم أن لا يترك فراغ قيادي تملؤه الفوضى.

=============

فرعون سوريا!

طارق الحميد

الشرق الاوسط

13-8-2011

بجوار منزلي في جدة مسجد يؤم فيه إمام ذو صوت عذب، وبينما كنت أَهمُّ بالنزول من سيارتي لدخول المنزل كان الإمام يتلو آيات من سورة القصص أثناء صلاة التراويح، ومنها: «إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ».

وأول ما تبادر إلى ذهني هو ما يفعله بشار الأسد بسوريا، حيث يقتل البشر، وينكل بهم، وتهدم دور العبادة، وأبسط مثال صورة مئذنة مسجد عثمان بن عفان وهي تقصف أمام العالم دون مراعاة لحرمة المساجد، أو الشهر الفضيل، حيث إننا أمام نظام يريد حكم شعبه ولو بالنار والحديد.

نعم إن الأسد هو فرعون سوريا، وهو من أشد المفسدين في الأرض، حيث لم يفسد على السوريين حياتهم وحسب، بل وأفسد على المنطقة أمنها، واستقرارها، منذ عقود، وبشعارات زائفة لم تنطلِ إلا على المفسدين من أمثاله. ولذا فإن السؤال اليوم للجميع، وخصوصا من يناصرون النظام، في لبنان وإيران: أهذا هو النظام الذي تتحالفون معه؟! أهذا هو حليفكم أيها المتشدقون بالإسلام، والكرامة، والممانعة؟!

ولنسمي الأشياء بأسمائها، فإن السؤال هو لعقلاء الشيعة في منطقتنا: أهذا هو حليفكم، والمحسوب عليكم في منطقتنا؟! فمتى يخرج من الشيعة مثل من خرج من السنة وأنكر على «القاعدة» إرهابها، وأنكر على بعض المحسوبين على الدين من رجال السنة وتصدى لهم طوال العشر سنوات الماضية؟! فإذا كان موظفو النظام يكذبون على الناس بدافع الولاء الأعمى، والتبعية الطائفية المقيتة، مثل مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة الذي يقول إن بشار الأسد أكثر الحريصين على أبناء الشعب السوري، فما عذركم أنتم؟! ولماذا يطول صمتكم؟!

أنكر السنة على «القاعدة» إرهابها، وعلى بعض الأنظمة العربية قمعها، كما أنكروا على معظم الأنظمة العربية ترددها في الإصلاح، مثلما أنكر السنة أيضا على حماس جنوحها عن خط المصلحة الفلسطينية، وانشقاقها وتشرذمها، وأنكر السنة على نظام صدام حسين قمعه، والأمثلة كثيرة، حيث بات السنة بحرا من جزر ومد في كل نازلة، وكل ما يشغل الأمة، فأين أنتم يا عقلاء الشيعة من خبث النظام الإيراني، في كل مكان، سواء في إيران أو المنطقة؟! وأين أنتم من الفرقة التي يبثها حزب الله في لبنان؟! وأين أنتم من فساد وإفساد نظام بشار الأسد في سوريا؟! أين أنتم من قول المحسوبين عليه بأنه سيدعم الشيعة ضد الأنظمة الخليجية، في السعودية، والبحرين، والكويت؟! فأي إهانة بعد هذه، وأي تخوين؟!

ليس الحديث هنا حديث طائفية، لكنه لغة واقع الحال للأسف، فحين ارتكب ميلوسوفيتش جرائمه في قلب أوروبا، هبّ الغرب، ومنه أوروبا بالطبع، لإنهاء قمعه، وإنقاذ المسلمين، واليوم تتوسل هيلاري كلينتون إلى العالم، والبعض بمنطقتنا للأسف، من أجل أن يقفوا موقفا حازما ضد الأسد، بينما بيننا من هم صامتون، ومن هم مبررون، والأسوأ من كل ذلك من هم متلحفون بعباءة الطائفية دون أن يقولوا كلمة حق في كل مصائب المنطقة، وآخرها، وأسوؤها، فرعون سوريا بشار الأسد!

=============

للنظام السوري: الدولة «من أجل الإنسان».. لا العكس

زين العابدين الركابي

الشرق الاوسط

13-8-2011

في الأزمة السورية: تزامنت ظاهرتان: ظاهرة الوعود بالإصلاح بإسراف، وظاهرة إراقة الدماء بكثافة، ومع مرور الأيام اثاقلت خطوات الإصلاح، بينما نشطت وتقدمت خطوات الضرب والقتل والفتك. وهذا هو السبب الجوهري في اتساع نطاق المظاهرات والاحتجاجات وتتابعها بمعدلات تصاعدية.. نعم. لقد كثرت الأقوال والوعود بالإصلاح، بل تمثلت - نظريا - في عناوين لقوانين عديدة، لكن «الأفعال» الإصلاحية قلت أو انعدمت. وهذه مفارقات حادة حملت الناس على فقدان الثقة بالوعود، وهو فقدان له موجباته الموضوعية، ومنها:

أولا: أنه منذ بدء الأزمة تدفقت الوعود الإصلاحية، ولكن حتى الآن لم يحصل شيء جدي «!!!»، على حين أنه خلال المدى الزمني للأزمة، كان يمكن أن تنجز خطوات إصلاحية حقيقية.. وليس صحيحا: أنه من الضروري وجود مناخ هادئ كشرط لازم لكل إصلاح، ذلك أن الأجواء الملتهبة هي فرصة مواتية أيضا للإصلاح حين تتوافر الإرادة الجازمة في هذا الاتجاه.. يضم إلى ذلك: أن إنجاز الإصلاح هو ذاته عامل مهم وحاسم من عوامل خفض التوتر والغليان.. وكثير من الإصلاحات - في تاريخ الأمم - جرى في أجواء ملتهبة فنجحت.

ثانيا: إن العقود الأربعة التي حكم فيها النظام السوري الراهن: سوريا: سبب من أسباب فقدان الثقة. فلو أنه في كل عام من الأعوام الأربعين حصل «نصف إصلاح» في هذا الملف أو ذاك لكان حاصل الجمع «عشرين إصلاحا» تاما على المستويات كافة.. والملفات المهمة التي تنتظر الإصلاح في سوريا ليست أكثر من عشرين ملفا حيويا، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو أمنية.

إن هذا الإصلاح ب«التقسيط» لم يحصل مما يدل على غياب إرادة الإصلاح، وهو غياب راكم المشكلات وعقدها تعقيدا.. من هنا، فإن من أسباب ما تتخبط فيه سوريا ترك أو إهمال ما هو «اختياري» من الخطط والقرارات والأفعال الإصلاحية: تركا يؤدي إلى ما هو «اضطراري»، أي مباشرة هذه القرارات والأفعال تحت ضغط الاضطرار، وهو اضطرار مثقل بالحرج، وقلة الجدوى، وقسوة المعاناة، وفداحة التكاليف السياسية والأمنية والاجتماعية.. ولقد تردد كثيرا في الإعلام السياسي السوري: أن وراء ما يجري في هذا البلد العربي «مؤامرة خارجية».. وإذا سلمنا بهذه المقولة، فإن السؤال البدهي - ها هنا - هو: وهل تؤدي المؤامرات الخارجية عملها ووظيفتها إلا من خلال «فتوق» في الجبهة الداخلية، لا نقصد بالفتوق «شراذم عملاء»، بل نعني: أخطاء النظام وخطاياه.. ومن هذه الخطايا: كبت الحريات.. وقسوة التعامل مع المخالفين.. وتعطيل الإصلاح الذي لا تعيش دولة، ولا يعمّر نظام من دونه.. ومن البراهين العملية على ذلك: أن القمع الشديد للمطالبين بحقوقهم: حرك العالم كله ضد النظام السوري، ولا سيما أنه قمع قد طال مداه وتكاثرت ضحاياه.. ولنقل بصراحة جازمة مكررة مؤصلة: إننا ضد كل تدخل أجنبي أو خارجي في أي بلد عربي، خاصة تدخل الغرب باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان. فنحن لا نثق في حرص الغرب الصادق على بسط الديمقراطية والحريات العامة في الوطن العربي. فتناقضه في هذا المجال يحفز كل ذي عقل وضمير على رفض دعاواه الكذوب هذه.. أليس هذا الغرب - أميركا خاصة - هو الذي صنع الديكتاتوريات العسكرية والمدنية في منطقتنا هذه، ثم أمدها بأسباب الحياة والحماية نحو نصف قرن مريب كئيب معيب؟.. أليس الغرب نفسه هو الذي تعامل مع هذا النظام السوري نفسه منذ أن وجد، وهو يعلم بيقين أنه نظام غير ديمقراطي؟!.. نعم. نحن ضد أي نوع من التدخلات الأجنبية في الأوطان العربية: بذريعة نشر الديمقراطية، أو بذريعة الشفقة بالشعوب العربية!!. فلو كان عند الغرب شفقة من هذا النوع: لما قسا على شعب عربي كامل وهو الشعب الفلسطيني: قسا عليه بتمكين إسرائيل من احتلال أرضه، وقسا عليه بدعم إسرائيل سياسيا وأدبيا وماديا ضد حقوق الشعب الفلسطيني وأمانيه في حياة حرة كريمة كسائر شعوب الأرض.. نعم.. نحن ضد كل تدخل خارجي في أي قطر عربي. ولقد كتبنا - في هذه الصحيفة - 57 مقالا ضد الغزو الغربي - بقيادة أميركا - للعراق. بيد أننا ضد «العوامل الداخلية المريضة» التي تتسبب في التدخلات الأجنبية.. وتمام هذه النقطة: أن النظام السوري إذا كان جادا أو صادقا في حكاية المؤامرة الأجنبية، فإن الموقف الصحيح القوي الشريف الصدوق الذي يسد كل طريق على كل تدخل أو مؤامرة أجنبية هو: الإسراع بتجريد «العدو المفترض» من كل ذريعة وتعلة، وذلك بتحقيق ناجز لمطالب الشعب السوري في الحريات العامة، والأمن، والكرامة، وسائر الحقوق التي للآدميين.. وأول هذه الحقوق وأولاها بالتقديم والتحقيق: الكف الناجز عن إراقة دماء الناس.

إن للإنسان حقوقا كثيرة، بيد أن محورها الأساس هو «حق الحياة». فإذا أهدر هذا الحق بالقتل: أهدرت - من ثم - الحقوق الأخرى كافة، لأنه لا يستطيع مقتول أو ميت أن يتمتع بحق الحرية مثلا.. وهل بلغكم أن موتى خرجوا من قبورهم يتظاهرون مطالبين بالحرية والكرامة؟!.

ومن أجل ماذا يقتل الإنسان ظلما؟.. من أجل الحزب؟.. أم من أجل الدولة؟. ولكن الدولة ذاتها - في المفهوم الصحيح - هي من أجل الإنسان. وليس العكس، بمعنى أن الدولة إنما وجدت لتحافظ - بادئ ذي بدء - على «حياة الإنسان»، فإذا قتلته لكي تبقى فإنها تفقد - بهذا السلوك الباغي - مسوغ وجودها، وأصل وظيفتها.. والإنسان الواحد الفرد يمثل النوع كله.. قد لا يستطيع طاغية سفاح أن يقتل 7 مليارات إنسان هم سكان الكوكب الآن، ولكنه بقتل واحد منهم ظلما، يقتلهم جميعا بنص الآية التي أنزلها خالق الإنسان جل ثناؤه: «من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا»، ذلك أن الاستهتار بحياة إنسان فرد: ذريعة فكرية وعملية للاستهتار بحياة الناس جميعا.

إن الدم البشري عالي القيمة، مهيب الحرمة. ولذلك كان «أول ما يقضى بين الناس في الدماء» يوم القيامة كما نص على ذلك هذا الحديث النبوي الشريف.

=========================

ألموت جوعا

ذكرى محمد نادر

كتاب من أجل الحرية

الجمعة, 12 أغسطس 2011

أهي أزمة مختلقة وجديدة للسيطرة على القرن الافريقي؟

 أهي محاولة أخرى للالتفاف حول الصومال لادخال القوى الغربية الراغبة بالهيمنة , ومن خلال" قواها الناعمة" المتمثلة بالمنظمات الانسانية الغذائية أو الطبية؟ أهو تهويل للمشهد كما يدعي مسؤولو" حركة الشباب المجاهدين", الذين طردوا من أرض الصومال, آخر فرد متواجد للمنظمات الانسانية عام 2010 تحت التهديد بقتلهم! فيما تتحدث تسريبات أخبارية عن صفقات مساومة طلب فيها الشباب المجاهد فدية 20 الف دولار "أتاوة" لكل 6 أشهر لحماية الطواقم الاممية من الهجوم عليها, أضافة للمطالبة بأقالة العنصر النسوي العامل بمنظماتها , وهو ما رفضته أدارات المنظمات الاممية.. فغادرت جميعها!

 أهي حركة التفاف غربية على أرض العرب والامساك بقرنها الافريقي , بموطأ قدم جديد ينطلق من الصومال الذي رفضهم منذ محاولات تواجدهم على أرضه بدايات تسعينات القرن الماضي؟ وأنه كما يروجون له, جفاف بيئي مصطنع , لا يكترث بمسيرة زحفه بموت 3.7 مليون صومالي وتعرض 780 الف طفل منهم بالمسغبة, والموت جوعا بغضون الساعات القادمة..

 منهكون.. جائعون.. خائفون.. يصلون بعد رحلة عناء طويلة, يتساقط المئات منهم بمسيرهم الشاق نحو مخيمات اللجوء, فيتركونهم بالبراري, تنهش بقاياهم الجوارح, وأنياب الضواري, فلا قوة لديهم لدفن موتاهم! هكذا تصف الصحافة, رحلتهم نحو ملجأ ولقمة..

 ولكن المخيمات التي يصلونها غير قادرة على تقديم الكثير من المساعدات لهم فالاعانات شحيحة!

 منظمة أطباء بلا حدود صرحت بلسان مسؤوليها: لا نستطيع تقديم المساعدات في مخيم داداب, أكبر مخيم للاجئين في العالم.. أنهم يموتون بيننا ولا حيلة لنا بالامر"!!

 المفوضية العليا للاجئين نوهت: أن الاف الصوماليين فروا خلال شهر يونيو الماضي, ولا ندري أين يمكننا الذهاب بكل هذا العدد الذي يتزايد !

 المتحدث بأسم اليونيسسف يخمن من مقره المريح بجنييف: 2.3 مليون طفل مرشح للموت سريعا!

 برنامج الاغذية العالمي يعترف: لانستطيع الوصول لملايين الجياع, فطواقمنا مهددة بالقتل هناك.. من قبل مقاتلي الصومال.. ونفكر برمي الغذاء بواسطة الطائرات !

 تقارير طبية تستغرب كيف يحصد الموت الاطفال بالصومال , بما يصل الى 3 أضعاف مثيله بأوضاع وظروف مماثلة , وبأستغراب يتساءلون: لماذا يموتون !!

 اللعنة : أنه الجوع.

 الامهات اللواتي يسبلن عيون الصغار المبيضة , لا يجدن دمعة واحدة للبكاء عليهم, ولكنهن بصمت المتحسر والمفارق يتأوهنّ.. فأخيرا أرتاح بالموت ملائكتهن من ألم جوعهم, وسيحملون رسائل شكواهم, لرب السماوات العلا .

 الامهات لا يفقهن, ضرورات صراع المتخمين , وخصومات الساسة, الذين قد يلتقون بعد كل خصام على مائد صلح تكفي لتأجيل موتهم شهرا آخر !

 مات صغارهن وجفت نظراتهم الفزعة المتشكية من جوع.. وبقيت الحسرة وحدها ناطقة بوجوههنّ!

 فهل هناك أسوأ من أن ترى صغيرك يذوي بين يديك , تراقب المحبوب لافظا أنفاسه الحرى, حالما بمضغة خبز.. أو قطرة ماء.. قطرة أخيرة, لريق ناشفٍ عطشٍ, يا رب السماء!

 الصومال بلد عربي ..

 هل نتذكر هذا؟

 من يتساقط من الجوع موتى , هم أخوة لنا.. هل فاتتنا هذه المعلومة.. نحن في شهر صيامنا نتفنن بأعداد موائدنا.. طالبين الضراعة برحمة من الله ورضوانه لتكفير ذنوبنا.. نصوم لنشعر بهموم الجائعين.. ترى هل يذكرنا جوعنا المؤقت بهم؟ أنهم يستجدوننا أكياس نايلون لتقيهم رمضاء شمس قائظ..

 يتوسلوننا: أعطونا خبزا لسد رمق طفل.. فأن كان محتما عليه موته , ليمت وفي فمه طعم أخر مضغة !

 ثم.. توصف أوطاننا بالاغنى بين دول العالم, هل نحن كذلك حقا؟ فلماذا تموت شعوبنا جوعى ؟ ولماذا خيام اللجوء تعد لنا وحسب.

 .. نصف أنفسنا بالاطيب بين شعوب الارض, هل نحن فعلا كذلك ؟ فكيف نتركهم يموتون بأسوأ طريقة للموت ! نوصف بأننا الاكرم.. أحقا؟ نبادر بألقاء موائدنا الى القمامة ثم نأنف التفريط بلقمة من صحون التخمة لاجل الجياع !

 نتبارى جميعا للتقرب لصحبة الرحمن, هل نستحق أن نكون فيها , والناس فينا تموت بالاف جوعا؟

 كتب, محمود درويش ذات حزن, قصيدة:

وأنت تعد فطورك, فكر بغيرك..

 لاتنس قوت الحمام..

وأنت تعود الى البيت.. بيتك

 لاتنس شعب الخيام !

 كتبها لفلسطينيي المخيمات

 ومات قبل أن يسمع بأن شعب الصومال ,سيستجدي أكياسا لبناء خيامه ..ثم لا يجدها!! وكأن قدر الشعوب العربية مخيمات اللجوء!

 سواء كانت أزمة سياسية مفتعلة أم لا.. الحقيقة التي لا شك بها :أنه في هذه اللحظة أطفال تُفرفح أرواحهم بالغرغرة , مغادرين نحو وجه الله تاركين أيانا, بأثم جوعهم.. وهو أثم لا أظنه مُغتفر! سيطير عنا الحمام .. فيا ويحنا

========================

صبر اردوغان

السياسة الكويتية 12/8/2011

درويش محمي

ما الذي جرى خلف الابواب المغلقة من حديث بين السيد أحمد داود اوغلو وبشار الاسد, وايهما كان اكثر حزماً من الاخر, امر من الصعب معرفته اليوم, لكن الامر المؤكد, ان تصريحات اردوغان النارية ضد دمشق بين فترة واخرى, اصبحت مشكوكة في امرها, ولا نفاذ صبر الرجل من عدمه يحظى اليوم بالاهمية نفسها.

عقب مغادرة اوغلو دمشق, وفي اتصال هاتفي لاحد شهود العيان من حماة, المدينة التي رفع ابناؤها صور اردوغان طوال ايام الثورة السورية, قال الشاهد :"هل السيد اردوغان راض عن سحب بعض الدبابات فقط من داخل حماة وبقية الاسلحة شغالة?" وشاهد اخر من حمص, المدينة التي رفع ابناؤها العلم التركي جنبا الى جنب مع العلم السوري لاشهر طويلة وقاسية من عمر الثورة السورية, قال :" ان قتلى مدينة حمص اليوم, هم هدية من النظام السوري للسيد اردوغان وسفيره".

بعد ساعات فقط من مغادرة احمد داود اوغلو دمشق, سقط العشرات من الشباب السوري برصاص قوات الاسد, والخط الاحمر لاردوغان في حماة, اصبح بمرور الايام مجرد خط رمادي لا اكثر ولا اقل, اما زيارة سفيره لمدينة حماة, فهي لا تشبه بقية الزيارات للمدينة الجريحة, فقد خرج منها راضياً مرضياً على عكس السفيرين الاميركي والفرنسي, وحتى مواقف السيد اردوغان نفسه, فهي لا تشبه المواقف الهادئة والفعالة لخادم الحرمين الشريفين وأمير الكويت الشيخ صباح الاحمد, وملك البحرين الذين استدعوا سفرائهم من دمشق, تعبيرا عن رفضهم لالة القتل السورية.

 ويبدو ان السيد اردوغان بصدد ارتكاب اكبر فشل في سياسته الخارجية, وفي كل الاحوال, فهو يكاد ان يفقد مصداقيته لدى الشعب السوري, وربما يكون قد فقدها.

خمسة اشهر يا رجل, خمسة اشهر من القتل والتدمير و»التشبيح« والتهجير والحصار, ونحن نسمع ضجيجا وجعجعة ولا نرى طحينا, واليوم تعطيه اسبوعين من جديد, اسبوعان للطاغية بشار الاسد و»شبيحته« كفرصة للاجهاز على الثورة السورية,"مو قليل اسبوعين?", فعلا صبرك صبر ايوب سيادة الرئيس اردوغان, وانا ولشدة غضبي اكاد ان افقد صبري, بل صبري بدأ ينفد, وكذلك ثقتي بتصريحاتك نفذت او تكاد ان تنفد, ونحن بانتظار نفاد صبرك.

=======================

حزب الله يريدنا أن نتجاهل مشاعرنا الإنسانية تجاه أهلنا في سوريا

حسان القطب

الجمعة 12 آب 2011

المصدر: موقع بيروت أوبزرفر

منذ أن بدا تحرك الأقلية الشيعية في دولة البحرين ضد الدولة البحرينية وإعلام حزب الله يمارس حملة تحريض واسعة ضد دولة البحرين، واستنفر جمهوره للقيام بتظاهرة مؤيدة لشيعة البحرين، وطبعاً كان لا بد من تزيين التظاهرة ببعض العمائم السنية التي تتلقى رواتبها من حزب الله ومؤسساته الرديفة في لبنان، وذلك حين نشر الإعلام اللبناني ما يلي:( "حزب الله" ولقاء الأحزاب يدعوان لاعتصام أمام الاسكوا نصرة للبحرينيين )...كما دأب هذا الإعلام على نشر مقالات وتحليلات ومعلومات ودعوات مناهضة لنظام البحرين وهي دولة شقيقة وتحتضن العديد من العائلات اللبنانية العاملة في مملكة البحرين الشقيقة، ولم يعتبر حزب الله أن ما يجري في البحرين هو شأن داخلي وأن لا علاقة لنا نحن في لبنان بهذا الأمر بل اعتبر إعلامه وسياسيه وقادته أن المعركة معركتهم وتدخل نصرالله مباشرةً في الشأن البحريني مما استدعى وقف الرحلات الجوية من البحرين وإليها.. فقد خصص إعلام حزب الله جزءاً من منظومته الإعلامية لخدمة الأقلية الشيعية في البحرين، ولم يعتبر قادة هذا الحزب أن هذه الحملة هي لخدمة مشروع مذهبي طائفي يمتد من لبنان إلى العراق والبحرين انطلاقا من إيران.. أما أن يتظاهر جمهور لبناني واسع الانتماء ومتعدد المذاهب والطوائف في ساحة الشهداء تأييداً لشعب سوريا المظلوم الذي يشاهد العالم أجمع حجم الإجرام الرسمي الذي يمارسه النظام السوري بحق شعبه، فهو تحرك مذهبي وعندما يتحدث حزب الله عن هذا الأمر فإنما يقصد الطائفة الإسلامية السنية في لبنان باعتبارها حجر العثرة الأساسي أمام استكمال مشروعه في السيطرة على لبنان ومقدراته وأجهزته الرسمية.. بشار الأسد يعترف بارتكاب الأخطاء في معالجة المشكلة الداخلية ومندوب البرازيل الذي جاء إلى سوريا موفداً من الأمم المتحدة قال: «هناك تناقض بين الإصلاحات التي وعد بها الرئيس والعنف الممارس في الشارع. الحكومة تقول: إنها قوى غير نظامية مسلحة، ولكن انتشار الدبابات في المدن وإطلاق النار عشوائيا أمور ليست مقبولة».مع ذلك لا زال إعلام حزب الله وحركة أمل الشيعيين يتحدثان عن عصابات ومسلحين وتهريب سلاح ومندسين، وصراع طائفي ومذهبي وسوى ذلك من العبارات والشعارات غير الواقعية، وعندما يتهم قادة حزب الله المعممين والمرتبطين بمشروع ولاية الفقيه في إيران القوى اللبنانية والسورية وغيرها بالفكر الديني والتحريض المذهبي، يظن المرء أن حزب الله هو حزب علماني لا ديني..؟؟

فقد نشر موقع إعلامي قريب من حزب الله مقالاً تحت عنوان: تظاهرات صلاة التراويح في طرابلس: (بداية التصعيد المذهبي ل" المستقبل").. فقد أصبح تيار المستقبل الذي يضم في صفوفه علمانيين كثر، حزباً مذهبياً يحرض على الفتنة، وأصبح التحرك الشعبي المؤيد لمطالب الشعب السوري في الحرية الكرامة وتداول السلطة مطلباً فئوياً مذهبياً، في حين أن التظاهر تأييداً للأقلية البحرينية الشيعية قمة الممارسة الديمقراطية غير المذهبية وغير الطائفية.. تناقض ما بعده تناقض، ربما افترض حزب الله انه في حال استصرح بعض المعممين من السنة المرتبطين بمشروعه وبتمويله وبالتالي بسياساته يعطيه الحرية والحق في إضفاء الألقاب والتوصيفات التي يريد على هذه الثورة أو تلك..وبعيداً عن هذا التوصيف ألا يرى قادة حزب الله في المشاهد المروعة التي تنشر عن الجرائم التي يرتكبها جيش الأسد في سوريا بحق المتظاهرين ما يستحق الإدانة والاستنكار أو على الأقل توجيه النصيحة لهذا الديكتاتور بأن يكون أكثر رحمةً بشعبه..؟؟ وأكثر شدةً وبأساً مع من يحتل أرضه منذ ما يقرب من 50 عاماً دون أن يحرك ساكناً..؟؟ فقد ورد في مقال تم نشره ما يلي: (منذ انطلاق الاضطرابات في سوريا، والساحة اللبنانية تحفل بفعاليات ونشاطات مشبوهة لتزكية هذه الاضطرابات وتحويلها إلى انفجار كبير يحرق سوريا ولبنان والمنطقة، فكان تهريب الأسلحة، وكانت الخطب التحريضية، وكان افتعال أزمة النازحين، واليوم صلاة التراويح)..فالتظاهر السلمي في سوريا اضطرابات وليس تظاهر أو على الأقل تعبير عن رفض واقع معين والمطالبة بتغييره..؟ أما في البحرين فهي ثورة وانتفاضة..؟؟ أما قضية تهريب الأسلحة من لبنان إلى سوريا التي يتحدث عنها حزب الله، فهي معكوسة تماماً كان أجدى بحزب الله أن يحدثنا عن كيفية تهريبه الأسلحة، أو بالأحرى نقلها من سوريا إلى لبنان بكميات وافرة ولمختلف أنواع الأسلحة، برعاية سورية رسمية وبغض طرف محلي.؟؟ الحديث عن تهريب الأسلحة من لبنان إلى سوريا هو بهدف تبرير القتل العشوائي الذي يمارس ضد المتظاهرين السوريين ولتبرير تصرف ما يتم التحضير له في لبنان على غرار ما جرى في السابع من أيار/مايو من عام 2008، على يد ميليشيات حزب الله وأتباعه وحلفائه وبشكل خاص حركة أمل والحزب السوري القومي..

2600، شهيد سوري سقطوا على يد الأمن والجيش السوري ومع ذلك يطلب منا حزب الله ونبيه بري أن لا نعبر عن رفضنا واستنكارنا لهذا الإجرام تحت طائلة التهديد بالمذهبية والطائفية..؟؟ ترى لماذا لا يكون تأييدهم للنظام السوري هو تصرف وممارسة مذهبية وطائفية بامتياز، وأن هذا هو واقع التحالف الحقيقي بينهما والترابط الواقعي بين مشروع النظام السوري وحزب الله وحلفائه في لبنان وفي سوريا على حد سواء ومن الذي لا يدأب يكتب ويروج عبر إعلامه عن خوف الأقليات في المنطقة من قادم الأيام في حال سقط النظام السوري الحالي الذي لم يراع يوماً بل لم يحترم أقلية أو أكثرية..؟؟ وإلا لماذا هذه الاستماتة في الدفاع عن نظام سوريا رغم التنديد الدولي والعربي فيما يشبه الإجماع، والتغاضي عن كافة ما يرتكبه هذا النظام بحق شعبه وشعوب الدول المجاورة ومنها فلسطين ولبنان والعراق..؟؟

نحن لسنا دون أحاسيس ومشاعر، وكما وقفنا إلى جانب كل مظلوم ومقهور ومضطهد في هذا العالم، وكما انتفضنا على الوصاية السورية على لبنان التي استمرت زهاء 30 عاماً ولم ترحم حينها حجراً ولا بشراً، لذلك نرى أن معظم المواطنين اللبنانيين من مختلف الطوائف والمذاهب يؤيدون ويساندون الشعب السوري في مطالبه المحقة، ويرفضون اتخاذ العصبيات المذهبية والدينية ستاراً لإخفاء أطماع سياسية أو للتهديد بخطرها وتداعياتها لإبقاء هذا النظام على رأس السلطة في سوريا.. إن سوريا الآمنة المستقرة سياسياً واقتصادياً وأمنياً هي حاجة لكل العرب وليس للبنان فقط، وإذا كان هذا النظام المتسلط فاشلاً حتى الساعة في تحقيق طموحات الشعب السوري وتطلعاته فمن حق هذا الشعب الانتفاض لتغييره واستبداله، ولا يحق لأي فريق لبناني أو غيره أن يتدخل لينعت الانتفاضة الشعبية بالعصابات أو المندسين أو أن يعطل قرار مجلس الأمن خدمةً لديكتاتور ورث السلطة بقوة السلاح ..

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ