ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 01/08/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

حركات التغيير ومخاطر التهديد

تاريخ النشر: الأحد 31 يوليو 2011

د. رضوان السيد

الاتحاد

كان شعار التظاهرات الشعبية في سوريا لهذا الأسبوع: "أيها العرب، صمتكم يقتلنا!"، والواقع أنّ الصمت العربي لا يتناول الأنظمة فقط، بل يتناول الجماهير العربية أيضاً. فقد توقفت الزيارات العربية الرسمية للنظام السوري منذ مدة، وتوشك الاتصالات أن تتوقف. لكنّ جماهير الشارع العربي الثائرة ينشغل كلٌّ منها بنفسه وبلده، حتى في بلدانٍ مثل تونس ومصر، والتي من المفروض أنّ المرحلة الأولى الأساسية في نضالها قد أَثمرت، ما تزال منشغلةً بآليات التغيير وخطواته واستكمالاته. إنما في حالة سوريا بالذات، هناك ما هو أكثر من ذلك. فالإسلاميون في مصر وتونس بالذات، والذين شاركوا في حركات التغيير متأخِّرين، ما يزالون مترددين بشأن الثورة السورية تحديداً، بسبب علاقات زعمائهم سابقاً ولاحقاً بإيران، وإيران هي التي تُمسكُ بمفردها بعنق النظام في سوريا، وليس منذ قيام الثورة على النظام هناك، بل منذ ثماني سنواتٍ وأكثر!

قال لي دبلوماسيٌّ بارز: هناك اليوم- وعلى سبيل التوصيف- أربعة عناصر تؤثّر تأثيراتٍ كبرى في الموقف بالمنطقة: التأزُّم المتفاقم في بؤر النفوذ الإيرانية والامتدادات التي حققتْها إيران في العقد الماضي، وردّة الفعل الإيرانية: العنيفة على ذلك الآن والتي لن تفيدها كثيراً بل ستُسرّع في قطع تلك الامتدادات، من مثل ما يجري في العراق وسوريا ولبنان والبحرين. والعنصر الثاني: حالة السيولة السائدة في مصر، والتي لن تُتيح إعادة هيكلةٍ للدور المصري في العالم العربي وجواره قبل خمس إلى عشر سنوات. والعنصر الثالث: تحوُّل سوريا من طرفٍ صاحب دَورٍ أو وظيفة على الأقلّ إلى ساحةٍ تُشبهُ وضْع لبنان. والعنصر الرابع: المحاولات التركية للإفادة من الأوضاع والعناصر السالفة الذكر. وليس من الضروري قبول هذا التوصيف على عِلاّته، رغم أنّ هناك شواهد على هذا القدر أو ذاك من الصحة فيه. والذي أراهُ بالنسبة لمصر أنّ الأمر لن يستغرق هذا الزمن الطويل، لأنّ السلطات الجديدة التي ستتكوَّن خلال عامٍ على الأكثر لن تستطيع تحمُّله أو التسليم به. وفيما يتعلق بمصر ودورها في العالم العربي، ليست هناك إمكانية لإعادة صياغته بالتعاون مع إيران حتّى لو رغب "الإخوان" المصريون! إذ على ماذا سيتعاونون: على المزيد من تفكيك العراق؟ أم على إعانة النظام السوري على اضطهاد شعبه، أم على المزيد من التفرقة بين الشيعة والسنة في لبنان والبحرين والكويت.. إلخ. وفي هذا السياق؛ فلستُ أقصِد إلى تفضيل الشراكة أو التعاوُن مع تركيا، لكنّ تركيا على أيِّ حالٍ ما سعت في البلدان العربية المجاورة لها إلاّ إلى التسويات والمصالحات حتّى مع الأكراد بالعراق، ومع النظام السوري الذي ما تزال تنصحه بالتصالُح مع شعبه بإجراء إصلاحاتٍ جذرية!

وأجد نفسي مع التصور السالف الذكر بالنسبة لأزمات إيران في العالم العربي. فقد أنجزت بمعاونة "المحافظين الجدد" في عهد بوش امتداداتٍ بالعراق وأفغانستان، ووجدت تسهيلات في سوريا ولبنان واليمن. وكما يقول بول كنيدي في كتابه "صعود الإمبراطوريات وانهيارها"؛ فإنّ بين أسباب التداعي والتفكُّك في الإمبراطوريات الشاسعة: طول خطوط التمدد، وتعذُّر الإنفاق وثقل الأعباء. ثم لماذا يقبل شيعة العراق تفكيك دولتهم وشرذمتها؛ ولماذا سيستسلم اللبنانيون لعقائديات "حزب الله" وسلاحه؟ ولماذا سيتوقف السوريون عن ثورتهم؟ إنما، واستناداً إلى أوضاع الساحات السالفة الذكر، ليس من السهل إزالة هذه الامتدادات فقط لأنّ الولايات المتحدة ما عادت تدعمُها، أو ما عادت تُسَلِّمُ بها. ومعنى ما أذهب إليه أنّ العراقيين والسوريين واللبنانيين على الخصوص ينتظرهم نضالٌ شاقٌّ للتخلُّص من تلك الامتدادات، وحفظ تماسُك دُوَلهم.

والواقع أنّ موضع القلْب في هذا التوصيف هو المتصل بحالة سوريا، وأنها ستتحول إلى ساحةٍ بدلاً من الدور الذي كانت تلعبه بوصفها دولةً قوية. وأنا لا أُسَلِّم بأنه كانت لسوريا في مرحلة الرئيس حافظ الأسد أو ابنه أدوارٌ معتبرة، بل كانت لها "وظائف"، إنما من الذي أعطاها هذه الوظائف: الاتحاد السوفييتي أم الولايات المتحدة أم هما معاً؟ ثم ما هي مآلاتُ تلك الوظائف؟ ماذا فعلت سوريا بالمقاومة الفلسطينية، وماذا فعلت بلبنان والعراق؟ وهل من المنطقي أن يقال الآن إنّ الشعب السوري "يتآمر" على نظامه لأنه نظام مقاومةٍ ومُمانعة؟ هل من الطبيعي وقد كانت سوريا الأسد زعيمة العرب بالمشرق بعد غياب مصر، أن تقتصر واجباتُها على مقاتلة عرفات واتجاهاته "الاستسلامية"، وعلى دعم "حزب الله" في تحرير مزارع شبعا اللبنانية؟ وأين النظام السوري من تحرير الجولان المحتلّ بالحرب أو بالسلم؟! إنّ الشعب السوري الذي قاد التوجُّه العربي لن يتحول إلى ساحةٍ مثل لبنان. وحتى لبنان ما كان ليتحول إلى ساحةٍ لولا النظامان السوري والإيراني. ولنتأمَّل ماذا قال الجنرال عون- الذي سبق أن قاد مع اللوبي اليهودي بالولايات المتحدة الحملة بالكونجرس لإصدار قانون محاسبة سوريا- عندما شارك مع "حزب الله" والرئيس الأسد في المجيء بحكومة ميقاتي، قال الجنرال المنتصر ومن جنوب لبنان حيث فرش له "حزب الله" السجّاد الأحمر: لقد تلقت الولايات المتحدة منّا ضربة! وما نالت الضربة في الحقيقة إلاّ من العرب والعروبة في لبنان وسوريا. لقد ثار الشعب السوري من أجل حريته وكرامته وحرية وكرامة العرب أجمعين. ولذا فإنّ نضاله ودماءه هي من أجل هذه القيم العربية، وهذا الانتماء العربي، ويكون على العرب أن يقفوا بالفعل إلى جانبه، ومن حقّه أن يعتبر الصمْتَ عمّا يجري في سوريا قتلاً له، أو مشاركةً لنظامه في عمليات القمع والتدمير. وهكذا فمسألةُ الساحة، هي أملٌ لأعداء الشعب السوري والشعب العربي في لبنان والعراق والأردنّ وفلسطين وكلّ مكان!

إنّ الجمهوريات العربية الوراثية هي التي أنتجت نقيضها، أي الإسلامين الجهادي والسياسي. ونزول الجمهور العربي إلى شوارع مدننا وبلداتنا ضرب الجهاديين الانتحاريين ضربةً قاصمة، وهو في سبيله لشرذمة ما يُعرف بالإسلام السياسي. فها هُم شبان "الإخوان" والسلفيين يتمردون على قياداتهم وينضمُّون إلى الشبان المدنيين في ميدان التحرير وبتعبيرٍ آخر: إنّ سائر الفئات والحزبيات، والتي تمردت في المرحلة الماضية على الاستبداد والفساد وتضييع المصالح والأَولويات، يكونُ عليها أن تُراجع حساباتِها وأن تتلاءم مع ثورات الشعوب أو تزول. فلا داعي للخوف من أن "يسرق" الإسلاميون ثورات الأمة العربية بتونس أو بمصر أو بسوريا أو باليمن أو بليبيا.. إلخ. وأحسب أنّ العقلاء منهم يراجعون أنفُسَهُم. وكما سبق القول فإنّ شبانهم يتلاءمون بالتدريج مع الأجواء الجديدة، وينضمون إلى إخوانهم في الساحات والميادين.

لقد خفنا وتردَّدْنا أربعين سنةً وأكثر، فماذا نفعنا الخوف؟ الخوفُ لا يحرّر أرضاً، ولا يبني دولة. لقد كان بين مَنْ خافوا وترددوا، كثير من كبار المثقفين الذين يتسمون بالنزاهة، وقد قالوا من قبل: الاستقرار هو الأهمُّ في أزمنة الخمود والجمود والتفكُّك. وهؤلاء أنفسهم يقولون الآن: بل إنّ النزاهة لا تنفع إن لم تقترن بالشجاعة، وقد استفاد الاستبداديون من نزاهتنا ومُسالمتنا وجُبننا، فما اكتفوا بالسيطرة علينا عقوداً وعقوداً، بل ورّثونا أيضاً لأبنائهم؟ ولذلك لن نشارك في الصمت، وشعوبنا الثائرة لن تسمح بتحول بلدانها إلى ساحات!

=============

رهانات الثورة السورية

المستقبل - الاحد 31 تموز 2011

العدد 4072 - نوافذ - صفحة 11

دمشق غازي دحمان

بعد الإجراءات الأخيرة للنظام السوري، استقر في ذهن الثوار السوريين أن لا جديد لدى النظام ليقدمه، بل إن هذا النظام، بتركيبته الأمنية العسكرية، ربما تجاوز حدود قدراته على الإصلاح والتغيير. فباستثناء مسودات القوانين وقرارات تشكيل اللجان ودعوات الحوار المائعة، ليس لديه أي ممكنات سياسية تخرج البلاد من أزمتها الوطنية... لذا كان قرار الخروج بالملايين في الجمعات الأخيرة.

النظام أعاد عملية تموضعه من الثورة التي تضرب البلاد في أربعة أركانها، وحدد شكل استجابته النهائية لهذه الظاهرة السياسية، واستتباعاً، جرى تقسيم الشعب السوري إلى مواطنين، وهم قلة، لهم مطالب مشروعة تتلخص في تقديم بعض الخدمات، أما البقية فهم خصوم: إما تكفيريون، وإما فارون من العدالة، وهؤلاء يجب مواجهتهم لا الحوار معهم.

عند هذه الحدود يبدو أن الأزمة السورية دخلت في مرحلة انسداد للأفق واضحة للعيان، تتبدى معالمها من خلال كثافة استمرار مسلسل القتل والتهجير والاعتقالات، وإغلاق الباب أمام أي مبادرات جادة لحل الأزمة، الأمر الذي يدفع للتساؤل عن طبيعة الرهانات التي تتمترس خلفها قوى الثورة السورية.

لعل الرهان الأهم لقوى الثورة السورية ينطلق من واقع المعطيات الحاصلة على الأرض. فثمة من يرى أن التغيير في المشهد السياسي السوري ترسخ نهائياً، ولا عودة الى الوراء مهما صار، وأن أمام الثورة هوامش شعبية وجغرافية كبيرة للتوسع. وما يزيد من قوة هذا المعطى في المشهد السوري، الاعتقاد بأن أوان انخراط الكتلة الكبيرة قد اقترب، ويربطون ذلك بتسارع خطى النظام نحو المنحدر الاقتصادي والمالي، فالأزمة آتية بأسرع مما يُعتقد، وخلال فترة قصيرة ستجف موارد الدولة بما يهدد انفراط عقد فريقين كبيرين يعول عليهما: الإدارة الرسمية التي تضم مئات آلاف الموظفين، مدنيين وعسكريين، وطبقة التجار في المدن غير المتحمسة للتغيير تعريفاً. فالضغوط الاقتصادية المتصاعدة قد تدفع الشرائح التجارية الوسطى والعليا لإعادة حساباتها، ما ينذر بتصدع التحالف معها والذي لن يبقي بدوره المدينتين الرئيستين (دمشق وحلب) خارج الحراك الاجتماعي. من المرجح وقتها أن تضع محاولة سحقه داخلهما البلادَ أمام كارثةٍ حقيقية.

وفي ظل ذلك، تراهن قوى الثورة في سوريا على صمودها في وجه آلة النظام القمعية، وهي تصرّ علانية وبشكل صريح على سلمية تحرّكها ونبل أهدافها ومقاصدها، وترفض بشكل لا لبس فيه التدخّلات الخارجية، كما أنها لا تنطوي على أي توجّهٍ طائفيٍّ أو مذهبي أو إثني يدفع نحو اقتتالٍ أهلي أو تقسيمٍ للتراب الوطني، وتستنكر بوضوحٍ ما يترافق معه من تحريضٍ أياً كان مصدره، وهذه هي الأخطار الرئيسية التي كانت تواجه الثورة في بداياتها واستطاعت تجاوزها والعبور منها إلى مرحلة أكثر أماناً وثقة.

وفي قلب رهانات المعارضة، ثمة رهان، وإن بدا مستغرباً، على تفكك آلة القمع الأمنية أمام زخم الثورة المتصاعدة. ما يعزز هذا الرهان حقيقة أنه كلما زاد دفع جماهير الثورة بدت الجهود الأمنية أقل تأثيراً، أقله لجهة القدرة على الانتشار والتغطية، وقد كان واضحاً أن جزءاً من استراتيجية الثورة قام على أساس العمل على تشتيت جهود الأمن عبر الانتشار الجغرافي الواسع لفعاليات الثورة. وبالفعل فقد استفادت مناطق عديدة من حالة تشتت الجهود الأمنية، وعلى العكس من ذلك كان الوضع كارثياً عندما انحصرت الثورة في درعا وحدها.

=============

في سوريا: التغيير حتميّ فمن سيشارك فيه؟

المستقبل - الاحد 31 تموز 2011

العدد 4072 - نوافذ - صفحة 11

عمر قدور()

بعد انقضاء ما يزيد عن أربعة أشهر من عمر الانتفاضة في سوريا بات بالإمكان القول إن مسار الأحداث قد اتضح بشكل يصعب معه أي تصور للعودة إلى الوراء، فرقعة المظاهرات آخذة بالتوسع رغم فظاعة ما تُجابه به، والكتلة التي ما تزال صامتة من المجتمع السوري راحت تتناقص، ومن تبقى منها سيجد نفسه قريباً أمام استحقاق الحسم. ومع أن هذه المقدمة لا تعني بالضرورة حصول تحول دراماتيكي آني إلا أن التغيير بات مسألة وقت ليس إلا، ولن يكون بوسع القوى الممانعة له أن تقاوم حركةً أصبحت بمثابة الضرورة الملحة، بل إن جزءاً على الأقل من القوى الممانعة هو الذي ساهم في إيصال الحالة السياسية إلى انسداد في الأفق ميز العقود الثلاثة الأخيرة من عمر النظام، ولن يكون بوسعه الاستمرار بعد الآن.

من المألوف تاريخياً أن تلجأ القوى المضادة للتغيير إلى العنف كسلاح أخير للحفاظ على مواقعها، ومن المعهود أيضاً أن يكون اللجوء إلى العنف دلالة على الإفلاس السياسي والاجتماعي إذ تكون القوى المسيطرة القديمة قد استنفذت دورها التاريخي، وأصبحت بمثابة عبء على الحراك الاجتماعي بدلاً من قيادته أو تمثيله. وفي الوقائع لا نجد نسبة معتبرة بين الفئات القديمة المهيمنة من الذين التقطوا حركة التغيير فتماشوا معها، وجنّبوا المجتمع ويلات العنف، لأن البنى المستبدة تميل بطبعها إلى التشبث بمكتسباتها حتى النهاية، ولا تتقبل الدخول في علاقة مشاركة وتداول للسلطة بدلاً من علاقة السيطرة والإخضاع التي ألِفتها طويلاً. عندما تستشعر القوى المسيطرة تاريخيةَ التغيير تدرك أن لا مجال للمساومة في هذه اللحظة، فتأخذ المعركة طابعاً نهائياً، ومن جهتها تدرك القوى الحاملة للتغيير أهمية اللحظة التاريخية فتسعى إلى عدم التفريط بها أو بأي من مكتسباتها.

مع ذلك لا ينفي وصول التغيير إلى مرتبة الحتمية التاريخية وجوداً وازناً للقوى الممانعة له، خصوصاً مع الأخذ بالحسبان مظاهر الخوف الجماعي من التغيير عند أشخاص وفئات يهابون مخاطر التغيير وإن كان الوضع الحالي لا يلبي مصالحهم أيضاً، وليس من المستبعد في هذه الحالة بروز نزعات محافظة لديهم لم تكن ملحوظة من قبل. تفرض هذه التعقيدات نفسها في الانتفاضة السورية، فالفئات المشاركة فيها متعددة المشارب والأهواء الفكرية وإن اتفقت على مطالب انتقالية عامة، بينما تفتقر الفئات الممانعة للتغيير إلى البدائل الممكنة، ما يضعها في موقع الإعاقة إن لم يكن في موقع العداء. وإذا أضفنا إلى ذلك طبيعة الاصطفافات الاجتماعية والطائفية القائمة فهذا ما سيجعل التغيير يبدو مطلباً فئوياً، حتى إن أصرت الفئات الحاملة له على كونه وطنياً عاماً، وحتى إن كان الأمر كذلك فعلاً.

الشعارات وحدها لا تكفي، ولطالما عانى السوريون من الهوة السحيقة بين الواقع والشعار، فتحت الشعارات الطنانة ارتُكبت الفظائع، وتحت الشعارات القومية تمت تجزئة الاجتماع الوطني، لذا ليس من المتوقع إقناع معارضي التغيير، خصوصاً أولئك الذين ينظرون إليه كحركة طائفية سنية، بالشعارات الوطنية وحدها. لا بد من الاعتراف بوجود مساحة من الشك والريبة بين مجموعات لا يُستهان بها من السوريين، ولا يساعد عامل الوقت الآن على بناء الثقة في حال توفرت النوايا والإرادات، خصوصاً بوجود ضخ إعلامي يغذي الاحتقان الطائفي بشكل شبه مكشوف أحياناً وسافر أحياناً أخرى.

يقتضي التحلي بالواقعية من المعارضة الإقرار بأن إصرارها على وطنية الانتفاضة وعدم الانزلاق إلى الفخ الطائفي لم يؤتِ ثماره جيداً، وما حدث في بعض مناطق الاحتكاك الطائفي من تقوقع وانعزال ينافي التطلع إلى التغيير المنشود، ولا فائدة من تحميل الحكم مسؤولية تصعيد المخاوف الطائفية أو استثمارها، فالمخاوف في أوقات الأزمات القصوى قد تكتسب طابعاً غرائزياً يستعصي على النقاش العقلاني الهادئ. في المقابل؛ لا يجوز من الناحية الأخلاقية تحميل المعارضة مسؤولية سياسات استمرت لعقود، لكن هذا لن يعفيها من تحمل التبعات السياسية الراهنة والمستقبلية لمجمل سياسات الحكم.

بخلاف الخطاب الرسمي للحكم الذي لا يخفي التلميح إلى الشأن الطائفي تواظب محطة تلفزيونية مقربة منه جداً على ضخ التحريض الطائفي بشكل سافر، وتمتلئ الشوارع بإعلانات رسمية أو شبه رسمية تحذر من الفتنة، وكأن البلاد في أتون حرب أهلية أو مقبلة عليها. ليس جديداً أن تُترك للإعلام الموازي للإعلام الحكومي مهمةُ شرح وتفسير ما يتحرج الأخير من الإفصاح عنه، أما الجديد فهو نزول الخطاب الإعلامي إلى مستوى الإيحاء أو التصريح بأن الحكم هو الضامن لحضور ومشاركة "الأقليات" في الحياة العامة في وجه "أغلبية" طائفية أصولية تستعد لإقصائها. في هذه الحمى تخطئ المعارضة إذ تصور ما يروجه الإعلام السوري على أنه مجرد أكاذيب وأضاليل بلا أثر، لأن هذا الخطاب الإعلامي يضع نصب عينه استقطاب أو تحييد فئات محددة، وينبغي الاعتراف بأنه نجح ضمن هذه الحدود، فقامت بعض الطوائف بدور الكابح لشبابها المتحفز للتغيير. وينبغي الاعتراف بشجاعة أيضاً بأن بعض الأفراد أو الفئات أسهموا في إعطاء مصداقية للخطاب الرسمي التحريضي، فقد حدثت أعمال عنف انتقامية فردية من قبل مناوئين للسلطة واتخذ جزء من هذه الأعمال طابعاً طائفياً، أو على الأقل تم استغلالها إعلامياً على هذا النحو. شهدت بعض مناطق الاحتكاك الطائفي حوادث تهجير شبه قسري أو طوعي من الطرفين، وهذا نوع من العنف الطائفي المعنوي الذي لم يتوقف عنده الكثيرون مع أنه يؤذن بسهولة التحول إلى العنف المباشر الفظ.

منذ البداية يدرك الكثير من السوريين مخاطر التغيير والمعوقات المتوقعة، ومن ضمنها الوضع الطائفي الحساس، لذا توجه بعض المعارضين برسائل علنية تطالب الحكم بقيادة عملية الإصلاح وتجنيب البلاد الثمن الباهظ المتوقع، وحتى مع سقوط عدد غير قليل من الضحايا استمرت الرسائل الداخلية والخارجية التي تطالب طرفاً من الحكم بالمشاركة في عملية التغيير. ورغم التباينات فإن الإصلاحات المتواضعة التي يلوح بها الحكم تُعد إقراراً منه بحتمية التغيير مهما طال الابتعاد عن تجرع مرارته، إلا أن ما يبدو واضحاً هو عدم إدراكه لأهمية الوقت، ما يجعله يبتعد عن حركة الشارع التي تتقدم بالمواكبة مع مطالبه الثورية.

اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، بات التغيير واقعاً، ولن يكون مفيداً إنكار الواقع، أو استمرار إعاقته بمزيد من العنف. قد لا تروق هذه الخلاصة للبعض، وقد تكون قاسية على البعض الآخر، لكن الوقائع على الأرض لن تتوقف عند تحفظ البعض أو عدم اقتناعه، ولا يخفى أن بعض القوى السياسية بدأت تنظم صفوفها استعداداً للمرحلة اللاحقة. وبعيداً عن الشعارات سيكون من الواقعية السياسية أن تتحفز القوى صاحبة المصلحة بالتغيير لقطف ثماره، وأن تحاول القوى الأكثر استعداداً له رسمَ المستقبل الذي تريده. بتوافق الجميع عليه يكتسب التحول زخماً ومشروعية وطنية عامة، لذا تكتسب المشاركة الفعالة من بعض الطوائف أهمية قصوى تصل إلى مرتبة كونها مطلباً وطنياً يعلو على الحساسيات والحسابات المؤقتة؛ إن استيعاب هذه الوقائع ضروري من قبل القوى الممانعة أو الصامتة إذا أرادت أن يكون لها نصيب في صنع المستقبل، ولعل المشاركة في صنع التغيير باتت الطريقة الوحيدة للتخلص من مخاوف الآتي.

=============

الثورة والنظام ومفارقة التاريخ؟

علي حماده

النهار

31-7-2011

 شكّل الموقف الذي أطلقه الامين العام للجامعة العربية نبيل العربي خلال زيارته دمشق قبل ثلاثة اسابيع صدمة للرأي العام العربي، ولا سيما عندما أتت تصريحاته خالية من كل اشارة الى حمام الدم في سوريا، وقد اكتفى بأن اكد ان الرئيس السوري بشار الاسد يسير قدما بالاصلاحات... فالعربي كان يقوم بجولة تعارف بروتوكولية على اثر تعيينه امينا عاما للجامعة العربية خلفا لعمر موسى، بدا من خلال هذا الموقف الذي لاقى استهجان ملايين السوريين والعرب، عاد وقال انه تحدث مع الاسد عن الاصلاحات وعن امور اخرى فضل عدم الافصاح عنها. وكأنه كان يريد الايحاء ان الحديث شمل ايضا موضوع الحل الامني في سوريا. ولكن العربي لم يذهب الى ابعد من ذلك.

من حيث المبدأ، تمثل الجامعة العربية النظام العربي الرسمي، أي الانظمة. وتصاغ ارادتها من خلال قرارات الحكومات المشاركة فيها. ومع انها نسخة مصغرة من الامم المتحدة إلا ان طغيان عامل الاستبداد على معظم الانظمة العربية يجعل من المستحيل على الجامعة ان تنطق بغير ما تقرره الانظمة ولا سيما الكبرى منها، وهي معدودة. ومع أن قضية ليبيا شكلت استثناء في تاريخ الجامعة العربية عندما دعت الاخيرة الى تدخل لمنع قتل الشعب الليبي الثائر، وجرى تعليق عضوية حكومة القذافي، فقد فتحت الطريق أمام قرار من مجلس الامن ادى الى تدخل حلف الناتو عسكريا. عدا هذا الاستثناء لا شيء، مع ان النظام في سوريا تجاوز في "معالجاته" الدموية ما فعله القذافي، فقد قتل الى اليوم ما يقارب الالفي مواطن، وجرح أكثر من خمسة عشر الفا، واعتقل ما يربو على الاثني عشر الفا، فضلا عن الاعتداءات المنهجية على املاك المواطنين وارزاقهم، والتضييق والاغلاق الدائم لعشرات المدن والقرى. ففي عمل يذكر بالاجراءات التي يتخذها الاسرائيليون ضد ابناء القدس وجوارها ايام الجمعة، قامت أجهزة المخابرات السورية المؤتمرة بأوامر القيادة طبعا، بسدّ الطرق الى العديد من الجوامع في مدن عدة، ومنع المصلين الذين تبلغ اعمارهم دون الخمسين عاما من الصلاة في الجوامع. الامر يستدعي سؤالا بديهيا: ايهما أشد ظلما، اسرائيل ام النظام؟ سؤال برسم الجامعة العربية!

أكثر من ذلك، فإن من يتوقف قليلا عن قتل الاطفال، واطلاق النار على النساء، وقتل الفنانين بإقتلاع حناجرهم، لا بد أن يمعن التفكير في مآل الستالينيات العربية، والنظام في سوريا نموذجها الصارخ، عندما توشك أن تخرج من التاريخ فيلجأ اصحابها الى الدم املا بإيقاف عجلة التاريخ.

قبل ان يتوفاه الله ببضعة أسابيع كنت أتحدث مع زميلي الذي رحل عنا قبل ايام سهيل عبود عن الوضع في سوريا، فقال لي ما لن انساه ابدا، قال: ان مشكلة النظام في سوريا ان الموجة (من امواج) انقلبت عليه بحيث صار كل ما يأتي به في غير مصلحته، وفي النهاية لن ينجو. انها مفارقات التاريخ.

=============

ما أفلحت دولة تولت أمورَها المخابرات

الأحد، 31 تموز 2011 00:16

 د. فيصل القاسم

السبيل

"إن الحرب قضية في غاية الأهمية والخطورة، بحيث يجب أن لا تترك للجنرالات".

ليت الشعوب العربية تعيد قراءة ذلك القول المأثور، فقد تجد فيه الحل للكثير من أزماتها. لقد علمنا التاريخ أن العسكر لا يمكن أن يؤتمنوا حتى على إدارة الحروب، وهي من صلب اختصاصهم، فما بالك أن نأتمنهم على إدارة الدول، كما هو حاصل في معظم الدول العربية؟ لكن من سوء حظ العديد من الشعوب العربية أنها ترزح منذ زمن بعيد ليس فقط تحت ربقة العسكر وأحذيتهم الثقيلة، بل تحت أحد أعتى تجلياتهم، ألا وهو الحكم المخابراتي أو الأمني الذي أمم الحياة وما عليها، وجعل نفسه المرجع الأول والأخير للسياسيين والشعوب على حد سواء، فلا تتحرك نملة إلا بأمر "المكتب الثاني" ولا تمر معاملة مهما تدنى شأنها إلا بإيماءة أمنية.

كل الدول طبعاً تمتلك أجهزة أمنية عملاقة بما فيها الدول الديمقراطية العتيدة، لا بل إن ميزانيات الأجهزة الغربية كوكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي أيه) و"وكالة الأمن القومي" (أن أس أي) تصل إلى حدود فلكية، بحيث ربما تزيد عن ميزانيات دول عربية بأكملها.

وأرجو أن لا يظن البعض أن الدول الغربية ليست دولاً بوليسية، فكل دولة مهما كان نوعها دولة بوليسية، وقد زاد الوضع سوءاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. لكن الفرق بيننا وبينهم أن أجهزتهم الأخطبوطية الرهيبة التي تستطيع مراقبة دبيب النمل، وربما تعرف عن المواطنين أكثر مما يعرفون عن أنفسهم بفضل التكنولوجيا الحديثة المرعبة، لها اختصاصات محددة للغاية، ولا يمكن أن تتجاوزها قيد أنملة. فبالرغم من سطوتها العالمية المخيفة إلا أن وكالة الاستخبارات الأمريكية مثلاً ليس من صلاحياتها أن تتدخل في أمر أي مواطن أمريكي في الداخل، وتنحصر مهماتها في العمليات الخارجية فقط. أما الأجهزة الأمنية الغربية المنوطة بحماية الأمن في الداخل فهي مجرد أدوات بيد السلطات السياسية تنفذ المطلوب منها حصراً، ولا تتدخل فيما لا يعنيها، ولا تصنع لنفسها هالة خرافية، بحيث تصبح أهم من رأس السلطة ذاته، لا بل أهم من الحاكم والوطن والشعب.

أما الأجهزة الأمنية في الكثير من الدول العربية فهي الحاكمة بأمرها، وهي الآمر الناهي في كل شيء، وبدلاً من أن تكون مجرد أدوات في أيدي السلطة التنفيذية لتحقيق الأمن والنظام فهي تتحكم بكل السلطات في آن واحد، وليس لها صلاحيات محددة، لا بل إنها فوق القانون بفضل تشريعات دستورية تحميها من الملاحقة القضائية، حتى لو داست العباد، وخربت البلاد، فالبرلمان يخافها شر خوف، والحكومة ترتعد منها أوصالها، والقضاء يرتعب من مجرد ذكر اسم مخبر لديها. وحتى إن بعض الرؤوساء يخشونها. كيف لا وهي مخولة باعتقال حتى القضاة ورجال العدل. إنها نكتة فعلاً أن يودع بعض رجال القضاء السجن، ويتعرضوا لعذاب أليم على أيدي أجهزة الأمن. ولو قلت هذا الكلام لرجل غربي لربما فطس من الضحك، لأنه أغرب من الخيال بمفهوم الحكم الديموقراطي الحديث.

ولا أدري كيف يكون هناك قضاء عادل، أو حكومة صاحبة مبادرة خلاقة، أو برلمان يراقب، ويحاسب، ويشرّع حسب المصلحة العامة إذا كانت كل تلك السلطات مخصية ومشلولة ومصادرة ومدارة من قبل الجهاز الأمني الذي يتلاعب بها كما يحلو له. إنه تخريب مقصود ومتعمد للبلاد بشكل مباشر أو غير مباشر. ويتساءلون لماذا نحن متخلفون عن ركب الحضارة!

وبينما تلتزم أجهزة الأمن الغربية بمهام محددة، كأن يكون هناك فصل تام بين الأجهزة المدنية والعسكرية والداخلية والخارجية، نجد أن الفارق يكاد يكون معدوماً بين صلاحيات ومهام الأجهزة العربية، فكلها في المخابرات شرق. فجهاز أمن "المزابل والمراحيض العامة والصرف الصحي" مثلاً يستطيع أن يفتي في الشؤون السياسية والاقتصادية والعلمية والتجارية والقضائية والتكنولوجية والعلمية والجامعية والطلابية وحتى في ظاهرة الاحتباس الحراري. إن الأجهزة الأمنية في بعض بلادنا العربية مخولة بالتدخل في كل ما لا يعنيها. ليس هناك مجال محدد لها، فالأمن العسكري مثلاً له من الصلاحيات ما يؤهله دس أنفه في أسخف وأتفه القضايا التجارية والطبية. فمن دون موافقته لا يستطيع الناس مثلاً إقامة منشأة صناعية بسيطة لصنع النعال. ولا أدري ما علاقة أمن الجيوش بتصنيع الأحذية، فكل ما يمكن أن يفكر به العقل السليم أن مهنة كتلك بحاجة فقط لموافقة وزارة الصناعة والبيئة على أبعد تقدير. أما أن تكون بحاجة لموافقة العديد من الأجهزة الأمنية التي لا علاقة لها بالموضوع لا من بعيد ولا من قريب، فهذه محاولة مفضوحة لعرقلة شؤون البلاد والعباد وإحباط أي نهضة صناعية أو تجارية من شأنها أن ترتقي بالأوطان إلى مصاف العالم المحترم.

هل تعلمون لماذا بلدياتنا فاسدة؟ هل تعلمون لماذا صناعاتنا بدائية وسخيفة وذات نوعية رديئة؟ هل تعلمون لماذا تجارتنا بائرة؟ هل تعلمون لماذا اقتصادنا مترهل؟ هل تعلمون لماذا مثقفونا منعزلون وحياتنا الثقافية خاوية على عروشها؟ هل تعلمون لماذا مدارسنا سيئة وجامعاتنا في الحضيض؟ هل تعلمون لماذا إعلامنا العربي متخلف وهزيل؟هل تعلمون لماذا ليس لدينا أي روح مبادرة لفعل أي شيء؟ هل تعلمون لماذا تغلب اللامبالاة على عموم الشعب العربي؟ هل تعلمون لماذا يسيطر الفساد على الحياة العربية بمختلف جوانبها؟ هل تعلمون لماذا يتحكم الروتين بكل مفاصل الحياة العربية؟ هل تعلمون لماذا الشرطي في بعض البلدان العربية يثير السخرية والتهكم؟ هل تعلمون لماذا غدونا في مؤخرة الحضارة؟ الجواب بسيط جداً. كل ذلك حدث بسبب الهيمنة الأمنية على الحياة العربية؟

كيف نتوقع أن يكون لدينا مجالس بلدية ودوائر حكومية تخدم المواطنين باحترام وإخلاص، وتخلص معاملاتهم بيسر إذا كان معظم رؤساء البلديات ورؤوساء الدوائر الرسمية في بعض الدول العربية مجرد خدم، إن لم نقل مخبرين أو مستخدمين لدى رجال الأمن الذين عينوهم في مناصبهم؟ بعبارة أخرى فهم مسؤولون أمام الأمن وليس أمام الشعب. هل من العجب أن يمارسوا أبشع أنواع الفساد طالما أنهم محميون من المخابرات؟ إن أبسط وظيفة في بعض الدول العربية بحاجة إلى موافقة ومباركة أمنية حتى لو كانت في مصلحة جمع القمامة وتنظيف دورات المياه وتربية الدواجن وتوزيع الأعلاف. فما بالك أن يتعلق الأمر برئيس بلدية تمنح الرخص وتتوفر على ميزانيات كبيرة؟

كيف نتوقع أن تزدهر صناعتنا إذا كانت أبسط منشأة صناعية تحتاج لموافقة كل فروع الأمن والمخابرات مجتمعة؟ وإذا رفض جهاز واحد من عشرات الأجهزة إعطاء موافقته لصاحب المشروع الصناعي، فهذا يعني أن المشروع أصبح في خبر كان. وغالباً ما تجد أن رؤوساء قطاعات صناعية عديدة لديهم مرجعية أمنية معينة يعودون إليها في كل شاردة وواردة. فحتى الصناعة تدار بعقلية أمنية. وقد اشتكى أحد وزراء التخطيط والصناعة العرب من أنه لم يكن بمقدوره تعيين رئيس شركة بسيطة لأن منصبه لا يخوله ذلك!

ولا يختلف الأمر بالنسبة للتجارة، فبعض غرف التجارة العربية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بهذا الجهاز الأمني أو ذاك. وليس من الممكن أن يكون هناك تاجر أو تجارة مهمة من دون أن تخضع لجهة أمنية معينة، وإلا لا تكون موجودة أصلاً.

كيف تتوقع أن يكون لديك اقتصاد مواكب للاقتصاد العالمي إذا كان وزير الاقتصاد وكل الاقتصاديين في بلدان عربية عديدة يؤمرون ويوجهون من ضابط أمني يفهم بالاقتصاد كما أفهم أنا بالانشطار النووي العنقودي ما بعد الحداثي؟

كيف تكون لدينا حياة ثقافية نشطة ومثقفون مبدعون إذا كانت الثقافة والمثقفون يقبعون تحت عباءة ضابط أمن يفهم في الثقافة والإبداع كما أفهم أنا بالنظرية النسبية أو الخلايا الجذعية؟ كيف يزدهر الإبداع إذا كان المثقفون يحتاجون إلى عشرات الموافقات الأمنية لتنظيم محاضرة؟ كيف تنتعش الثقافة في العالم العربي إذا كان رئيس اتحاد الكتاب والأدباء يجشم فوق صدر الاتحاد عشرات السنين لمجرد أنه مدعوم أمنياً؟ ألم يشتكي وزير ثقافة عربي قبل فترة من أنه لا يستطيع تعيين "فرّاش" في وزارته؟ ألم يتفاخر مدير عام دور السينما في إحدى الدول العربية بأن ضابطاً أمنياً عينه في منصبه، وليس وزير الثقافة؟

كيف تتوقع أن يكون لدينا إعلام متقدم إذا كان رجل الأمن أو وزير الداخلية هو وزير الإعلام في بعض الدول العربية وإذا كان وزير الإعلام في الحكومة يخاف من أصغر ضابط أمن؟ ألم يتلق أحد رؤساء تحرير الصحف خبر إقالته قبل فترة من ضابط أمني، وليس من وزير الإعلام؟

كيف تتوقع أن يكون لدينا جامعات محترمة إذا كان بعض رؤوساء الجامعات وعمداء الكليات وكبار الأساتذة يخشون على لقمة عيشهم من مخبر حقير لا يساوي كعب حذاء مهترىء؟

إن تقدم الشعوب والمجتمعات يرتبط ارتباطا وثيقاً بمدى قدرتها على المبادرة الخلاقة. كيف تكون شعوبنا مبادرة إذا كان النظام الأمني التخويفي قد أخمد داخلها لا بل قتل أي روح للمبادرة بتسلطه الفظيع وإرهابه المنظم؟

هل بقي أمام الشعوب المغلوبة على أمرها غير اللامبالاة ورفع شعار "بطيخ يكسر بعضه" بسبب التسلط الأمني؟

كيف لا تتوقع أن يكون الفساد سيد الموقف إذا كان باستطاعة أي شخص أن يرتكب كل الموبقات وينجو بجلده لمجرد أنه مسنود أمنياً؟

كيف لا يسود الروتين والمحسوبية والتنكيل الإداري إذا كانت أبسط المعاملات مرتبطة بقرار أمني؟

كيف يكون الشرطي محترماً إذا كانت السلطة قد اغتصبت الدولة، وغدا رجل الأمن أهم وأقوى من ألف شرطي بدليل أن أجهزة الأمن على أنواعها هي التي تتولى إخماد الثورات العربية بوحشية وهمجية عز نظيرهما، وليست قوات مكافحة الشغب؟

وأخيراً كيف يكون لديك سياسات داخلية وخارجية ناجحة وخلاقة إذا كان بعض الزعماء جاء إلى الحكم من وزارة الداخلية، أو كان بالأصل ضابط أمن سفاحاً كبيراً؟ متي يوقنون أن السياسة أهم وأخطر من أن تترك لرجال المخابرات؟

متى تدرك الأنظمة العربية إذن أن آفة بلداننا هي الحكم الأمني الذي راح ينوب عن الجميع في إدارة البلاد، ويخصي كل طاقات المجتمع ومكوناته؟ وبعد كل ذلك يا ترى أليس من حقنا أن نتساءل فيما إذا كانت مهمة النظام الأمني الأصلية هي تدمير المجتمعات أو شل حركتها كي تكون لقمة سائغة في فم الأعداء عن قصد؟ متى يدرك حكامنا أن ما أفلحت دولة ولت أمورَها المخابرات؟

=============

أبلغ من الصمت القاتل يا يوسف الحموي

عيسى الشعيبي

نشر : 30/07/2011

الغد الاردنية

على نحو ما كانت عليه استغاثة يوسف في قلب الجب المهجور، وكانت شكواه لأبيه من الفعلة النكراء لإخوته الضالين، خرج أحرار ثورة الكرامة السورية يوم الجمعة الأخيرة، عن تقاليد ما درجوا عليه طوال نحو عشرين جمعة سابقة، حين وجهوا للمرة الأولى نداءهم المفعم بالدهشة والألم إلى ما وراء جدران سجنهم الكبير، وأرسلوا ما يشبه طلب النخوة إلى الشعوب العربية الصامتة عما يتعرضون له من قمع فاق كل الحدود، وذلك على عكس ما كانت عليه كل النداءات الأسبوعية الماضية الموجهة إلى الداخل السوري حصراً.

 وهكذا فقد جاءت تسمية جمعة "صمتكم يقتلنا" المدوية في ضمائر المتفرجين، محملة بمشاعر خيبة الأمل والوجع والمرارة، إزاء عالم عربي واسع، أدارت عواصمه وجوهها، وأقفلت حكوماته أسماعها، عما يعاني منه شعب، كان على مدى التاريخ العربي الحديث أكثر شعوب هذه الأمة انفعالاً بحداء الوحدة القومية، وتفاعلاً مع كل مأساة أو عدوان يحيق بهذا البلد العربي أو ذاك، الأمر الذي نالت معه سورية بحق اسم قلب العروبة النابض عن جدارة واستحقاق تامين.

 وعليه، تبدو مرارات السوريين وخيبة آمالهم مبررة تماماً، ومفهومة إلى حد بعيد إزاء هذا الصمت العربي القاتل، الذي لم يخرق سقفه السميك سوى وسائل الإعلام المرئي، وأقلام عدد من الكتاب، وأصوات بعض القوى والأحزاب، التي قدمت بانحيازها البائن إلى هتاف الحرية، شيئاً من العزاء لأقران الطفل حمزة الخطيب، وأظهرت قسطاً طيباً من التماثل مع أوجاع عشرات آلاف الشهداء والمعتقلين والمفقودين واللاجئين من أبناء هذا الشعب الذي يواصل بسخاء منقطع النظير دفع مهر حريته بدماء شاباته الجميلات وشبابه الغر الميامين.

 وأحسب أن هذا العتاب الذي يخالطه الغضب واللوم والحس بالخذلان، الفائض من رمزية شعار جمعة "صمتكم يقتلنا" يخاطب الدول والحكومات العربية أكثر مما يخاطب الشعوب المغلوبة على أمرها، خصوصاً وأن هذه الحكومات سبق لها أن تحركت بسرعة فائقة، وعملت على إنقاذ الشعب الليبي من جنون القذافي بكل وسيلة ممكنة، بما في ذلك حلف الناتو، فيما راحت تغض البصر وتصمت صمتاً مريباً عن آلة الموت المتنقلة يومياً بين مختلف المدن والأحياء والبلدات السورية، في سابقة أخرى تكرر فيها عار المعايير العربية المزدوجة.

 ولو كان لهذه الكلمات التضامنية أن تصل إلى مسامع أوساط سورية ثائرة، وهي تصل أحياناً عبر إعادة النشر في بعض المواقع الإلكترونية المعارضة، لقالت للمخذولين والمتروكين هؤلاء، المفجوعين بهذا الخواء المديد، إن ما هو أبلغ من الصمت فظاظة، وأشد على النفوس الأبية مضاضة، ليس هذا التجاهل الرسمي المعيب لآلامكم، وإنما هو هذا النفاق الشعبوي الكريه من جانب هوامش اجتماعية ضئيلة مسبحة بعد بحمد النظام الممانع، وهذا الدفاع المتهافت عن رواية دمشق الرائجة حول نظرية المؤامرة الخارجية، التي باتت كالحلوى المكشوفة، لا يقبل عليها إلا الذباب.

 إذ عندما يشاهد المرء أحياناً أحد الضيوف على الشاشة الرسمية السورية، وأغلب هؤلاء لبنانيون مع الأسف، وهو ينافح عن النظام المتفلت من عقاله، ويقدم التحليلات الهمايونية عن قرب انقضاء الأزمة وعن عودة الحكم أقوى مما كان عليه، يقول في نفسه لو أن هؤلاء الانتهازيين يعيروننا سكوتهم برهة، ويكفون عن رش الملح على جروح إخوانهم مرة، فالصمت ينطوي على رسائل أشد بلاغة من كل هذا الهذر في عقد المقاربات الفجة، وبعث التطمينات المغشوشة لنظام فقد رشده وراح يغذ الخطى نحو حتفه.

 إزاء ذلك، فإن هذا الصمت العربي الثقيل على فعاليات الثورة وتنسيقاتها الميدانية، قد يكون أقل ضرراً من بعض اللغو واللغط والأضاليل التي تتسلل في زاوية صحيفة لقومجي هنا، أو عبر ثرثرة ساذجة لمنظّر يسراوي على شاشة لا صدقية لها هناك، بل لعمري إن هذا الصمت هو أقل فداحة من موقف يتورط به مسؤول عربي رفيع، على نحو ما حدث مع أمين الجامعة العربية الجديد، الأمر الذي يدفعنا والحالة هذه إلى دعوة الثوار السوريين للكف عن إطلاق مثل هذا النداء المكلوم، والمبادرة من ثم إلى تنظيم يوم جمعة خاص بتمجيد هذا الصمت وتقديس سره المكنون.

=============

ثمن الحرية والكرامة الغالي

باسم الجسر

الشرق الاوسط

31-7-2011

ما يحدث في ليبيا واليمن وسوريا، وإن لم يصل، بعد، إلى حرب أهلية، قد يمهد لها. كما أن التجاذبات السياسية الحادة في مصر وتونس، بين «شبان الثورة» والقائمين على المرحلة الانتقالية، لا يحمل على التفاؤل. ولكن هذا هو منطق الثورات والانتفاضات الشعبية التاريخية التي «غيرت وجه التاريخ»، كما يقولون، وهو منطق عجيب، لا يخضع لأي قاعدة ثابتة أو صالحة لكل الشعوب والأزمان. اللهم سوى أن من «يقومون بالثورة» لا يقطفون دائما ثمارها، بل غالبا ما يقطف هذه الثمار - أي الحكم الجديد - طرف أو فريق ثالث. قد يكون قائدا عسكريا أو الحزب الأكثر تنظيما، أو الطرف الذي تدعمه قوى خارجية فاعلة.

لقد رحبت الدول الكبرى والمجتمع الدولي، والرأي العام العربي بما سمي بالربيع العربي. ولا عجب. ففي معظم الدول العربية كان الشعب يعاني أوضاعا ومشاكل لا تنتظر سوى شرارة لتنفجر: حكم سلطوي متماد منذ ثلاثين أو أربعين عاما، كبت للحريات، بطالة متفشية، أوضاع اقتصادية صعبة، وفساد حكومي وإداري مستشر. ولكن بعد الترحيب المبدئي والحرص على عدم التدخل المباشر، تلافيا لأخطاء سابقة، راحت الدول الكبرى وبعض الدول العربية تتدخل بشكل أو بآخر، سياسيا واقتصاديا هنا، وعسكريا وإعلاميا هناك. حتى بات من حق المراقب أن يتساءل: ما الذي يريده هذا المجتمع الدولي من العرب؟ وماذا، أيضا، تريد الشعوب العربية من العالم؟ ومن المرشحين أنفسهم لحكمها؟

إن المجتمع الدولي يدعو إلى انتشار الديمقراطية في كل الدول العربية والإسلامية لأنها تتوافق مع المبادئ التي يرفعها ولأنه، ربما، يعتقد بأنها تحمل معها السلام والاستقرار والإنماء، وتسهل العلاقات بين الشرق والغرب. هذا في الظاهر، وربما على المدى الاستراتيجي البعيد. أما في الواقع فإن الحسابات التكتيكية وخدمة مصالحها الراهنة تفرض على الدول الكبرى اتباع سياسات أو اتخاذ مواقف متباينة بالنسبة لكل من سوريا وليبيا واليمن وغيرها من الدول العربية التي انتفضت شعوبها. فمن الحسابات، مثلا، التساؤل عمن سيؤول إليه الحكم بعد الربيع العربي؟ أللإسلاميين الراديكاليين، أم للإسلاميين المعتدلين (النموذج التركي) أم للديمقراطيين المدنيين؟ وهل ستعزز هذه الانتفاضات ومآلاتها مكانة إيران ودورها في المنطقة؟ وماذا سيكون الموقف العربي القومي من إسرائيل إذا قامت أنظمة حكم جديدة في الدول العربية؟ لا سيما في مصر وسوريا؟

كثيرون من المنظرين السياسيين، العرب والغربيين، اعتبروا هذا الذي حدث ويحدث في العالم العربي منذ ستة أشهر، «ثورة من أهم الثورات لا في تاريخ العرب الحديث فحسب، بل في تاريخ العالم». بعضهم شبه هذا الربيع العربي بثورة 1789 الفرنسية، وآخرون بثورة أكتوبر (تشرين الأول) 1917 الروسية. وعلى الرغم من أنه من الصعب تبصر ما ستؤول إليه هذه الانتفاضات، فإنه من الراهن أن العالم العربي بعد اليوم لن يكون مثله قبل يناير (كانون الثاني) 2011.

إذا نظرنا إلى ما آلت إليه الثورة الفرنسية قبل أن يطوي نابليون بونابرت صفحاتها الدامية، أو ما آلت إليه الثورة الروسية والصينية والكوبية وغيرها من الثورات التي رفعت أجمل الشعارات الإنسانية عند قيامها، وانتهت سجنا كبيرا لشعب محروم من الأمل، لأدركنا أن موسم قطف ثمار هذه الثورات العربية ليس قريبا. وأن دماء كثيرة سوف تسيل وقيادات عدة سوف تفرزها الأحداث ثم تحطمها، لتفرز غيرها. إلا أن الفرق بين الثورات العربية المشتعلة اليوم، وثورات القرنين التاسع عشر وبدايات العشرين، هو أن العالم يومذاك كان يختلف كثيرا عما هو عليه اليوم. لم يكن هناك تشابك وترابط بين مصالح الدول الكبرى والدول الصغرى، كما هو قائم، اليوم. لم يكن هناك رأي عام عالمي ومجتمع دولي يشرعن التدخل في النزاعات الداخلية للدول إذا هددت السلام أو تجاوزت حدا معينا من القساوة وسفك الدماء.

لقد حرصت بعض قيادات الشعوب العربية الثائرة على أن لا تتدخل الدول الكبرى في ثورتها، سلبا أو إيجابا. ولكن بعض القيادات الأخرى لامت الدول الكبرى والدول الشقيقة على مواقفها السلبية، أو دعمها غير الكافي. ولعلها تناست أن الدول الكبرى تتنافس على خيرات الشرق الأوسط، وتصفي الحسابات بينها على حسابه (إبان الحرب الباردة، مثلا). وأن ملفات العراق وأفغانستان (وباكستان) لم تغلق بعد. وأن هناك دولة إسرائيل التي استطاعت، حتى الآن، تقديم مصالحها على المصالح العربية في العواصم الكبرى.. وأن هناك إيران التي لا تخفي رغبتها في إعلاء كلمتها في هذه المنطقة من العالم، كي لا نقول فرض إرادتها. وأنه، في هذه المعمعة من المصالح والنزاعات المتشابكة، ليس من السهل تبصر صوابية أو خطأ أي خطوة سياسية. لا سيما إذا كانت سريعة كما يطالب بها الشبان الثائرون في الساحات العامة.

هل يعني كل ذلك أن الربيع العربي قد يطول فصولا ويمتد سنوات؟ وأن المجتمع الدولي، من أمم متحدة إلى منظمات إقليمية، سوف تترك الثورات والانتفاضات العربية تجري في أعنتها، حتى نهايتها، لتعترف بالمنتصرين فيها؟ لسوء الحظ، هذا هو المرجح. ولا تسأل عن الدماء التي ستسيل. ولا عن الخسائر الاقتصادية التي سيتكبدها العالم العربي في الأشهر أو السنوات المقبلة؟

ولكنه ثمن الحرية والكرامة والعدالة. وقد دفعته شعوب كثيرة قبلنا، وقد تدفعه، بعدنا.

=============

في خلفية المؤتمرات واللقاءات السورية

فايز سارة

الشرق الاوسط

31-7-2011

كانت المؤتمرات واللقاءات العامة، بين أبرز ما رافق الحراك الشعبي في سوريا عبر الأشهر الخمسة الماضية. وفي هذا السياق عقدت مؤتمرات ولقاءات للمعارضة داخل سوريا وخارجها، بينها مؤتمرات أنطاليا وإسطنبول في تركيا ومؤتمر بروكسل ولقاءا هيئة تنسيق المعارضة السورية ولقاء سميراميس (1) للمثقفين في دمشق، كما عقدت السلطة اللقاء التشاوري للحوار الوطني برئاسة نائب الرئيس فاروق الشرع، ولقاء سميراميس (2) الذي عقده مقربون من النظام في دمشق قبل اللقاء التشاوري بقليل.

ورغم اختلاف شكل ومرجعية وأهداف كل واحد من هذه المؤتمرات واللقاءات، فإنها تعكس روحا سورية جديدة، أساسها اهتمام السوريين بواقع ومستقبل بلدهم، ذلك أن هدفها جميعا كان البحث في واقع الأزمة السورية ومستقبلها، أو في أحد العناوين الفرعية المتصلة بالموضوع الأساسي، وهو أمر يمثل تحولا إيجابيا في تعامل السوريين مع شأنهم الوطني العام بغض النظر عن رؤية كل طرف أو مجموعة ونظرتها إلى الشأن الوطني الذي يعاني اليوم من انشقاق أساسي بين السلطة والحراك الشعبي، فيما يعاني من اختلافات وافتراقات داخل كل واحد من الفريقين في حراكهما السياسي.

أهمية المؤتمرات واللقاءات في جانب آخر، أنها تعبير عن خيار سوري مختلف عن الخيار الذي تتابعه السلطات السورية في تعاملها مع الوضع الحالي وتطوراته باعتمادها الخيار الأمني - العسكري الذي قام على العنف والقوة الأمنية قبل أن يتطور لاحقا باتجاه الأقصى عبر إدخال الجيش وقوى مدنية تمثل جماعات الشبيحة على خطه، مما زاد في استخدام العنف والقوة بإضافة حالات الحصار واجتياح المناطق والاعتقالات الواسعة وتهجير بعض السكان إلى تركيا ولبنان، وفي الحالتين وقع قتلى وجرحى وارتفعت أعداد المعتقلين والمطلوبين. والتقديرات أن عشرات آلاف الأشخاص هم في عداد ضحايا الخيار الأمني - العسكري، باستثناء ما ترتب على ذلك من خسائر مادية واجتماعية ونفسية، تركت آثارها على عموم السوريين وبلدهم، وكلها مقدمات تضع سوريا أمام منزلقات خطيرة.

لقد زادت الظروف المحيطة بخيار الحل الأمني - العسكري من الحاجة إلى ذهاب السوريين إلى خيار سياسي لمعالجة الوضع القائم ومحاصرة احتمالات انزلاقاته سواء باتجاه الصراعات الداخلية أو التدخلات الخارجية، أو الاثنين معا، ومما لا شك فيه، أن المؤتمرات واللقاءات تشكل محورا أساسيا في خيار الحل السياسي، ولا سيما في ظل حقيقة أن الخيار الأمني لم يؤد إلى النتيجة المطلوبة، وأنه أثبت فشله في ظل توسع حركة التظاهر وزيادة عدد المشاركين فيها إلى جانب تشدد متزايد في شعارات وهتافات المتظاهرين والمحتجين.

غير أن أهمية وضرورة انعقاد المؤتمرات واللقاء في إطار الواقع السوري، لا يعني أنها تتم دون مشاكل جدية، والأساس في هذه المشاكل أمران؛ الأمر الأول أنها سلوك وممارسات غير دارجة في الحياة السورية ولا سيما في كثافتها وتعددها الحاليين أو في الموضوع الذي تعالجه أو هي تتصدى لبعض تفصيلاته. والأمر الثاني، عدم وجود إرث لهذه الظاهرة في الحياة السورية، وبالتالي فإن ثمة غموضا وحذرا من الناحيتين الرسمية والشعبية حيال هذه الظاهرة بمجرياتها ونتائجها، ويندرج في هذا الإطار موقف الجماعات السياسية بما فيها جماعات وأحزاب المعارضة، التي تنضم إلى سابقيها الرسمي والشعبي في اتخاذ موقف حذر وناقد إزاء ما أقيم من مؤتمرات ولقاءات في الأشهر الماضية. وبصورة عامة، فإن السوريين، وهم يسعون إلى فهم ومعالجة الوضع في بلادهم من خلال المؤتمرات واللقاءات، إنما يؤكدون ميلهم إلى معالجة سياسية تخرج ببلادهم من أزمتها ومن مسار الحل الأمني - العسكري الذي يجري تطبيقه، ولا يقلل من أهمية هذه الأنشطة ما يحيط بها من مشاكل التنظيم والإعداد وسوء الإدارة التي تحيط بها، ومن ردود فعل ومواقف شديدة القسوة والعنف تصدر عن أطراف مختلفة بدرجات متفاوتة، ذلك أن هذه التجربة بجدتها ومحتوياتها ونتائجها، تمثل تمرينا عمليا على نهج جديد وتمرينا على الحوار والتوافق للوصول إلى معالجات تتعلق بالمسألة الوطنية بخلاف ما ساد في الحياة السورية من نفي وتغييب للأطراف الأخرى التي تملك مواقف ووجهات نظر وصولا إلى استخدام للعنف والقوة ضدها خاصة، وفي معالجة الأمور عامة.

* معارض سوري

=============

سوريا عشية شهر رمضان:النظام يتحسب ويراهن.. والمحتجون في الشارع كل يوم

 القبس

13-7-2-2011

غسان سعود

«طالعين اليوم وبكرا والبعدو»، يقول الرسم الذي لون به المحتجون عشرات الجدران الدمشقية. العبارة طبعت على قطعة من الحديد، مربعة الشكل، يثبتها ناشط على الحائط، فيما يرشها ناشط آخر ب «سبراي» ملون ليحصلا خلال دقيقتين على إعلان ثوري تضطر أجهزة الأمن لترتيب ورشة دهن للحائط، إذا ما أرادت التخلص منه، أو تدمير الحائط بأكمله. مرة أخرى: ينشط المحتجون أربع دقائق، فتحتاج السلطة إلى أربع ساعات لمعالجة ما فعلوه.

في «خميس توزيع المناشير»، الأسبوع الماضي، كانت المبادرات شخصية أيضا: «اطبعها في بيتك، انشرها في مدينتك»! يعجز عمال النظافة في المحافظة عن جمع جميع المناشير، رغم عشر ساعات من العمل المتواصل، نثرتها خلال دقائق قليلة سيارة جابت العاصمة السورية بعد منتصف الليل، وفيها انتقادات للشيخ محمد سعيد البوطي، ردا على فتواه ب «جواز السجود على صور الأسد»، مع العلم أن البوطي كان اعتبر أخيرا أنه لا يجوز للجنود الاستجابة لمن يأمرهم بالقتل حتى ولو علموا أنهم سيتعرضون للقتل، إن لم يستجيبوا للأوامر. واعتبر البوطي أن لا حق للجندي تفضيل حياته على حياة بريء مثله.

وحدة المتظاهرين والمطالب

أضيفوا إلى يوميات «الثورة» السورية اسمين جديدين: زنكوس وكناكر. محرك غوغل لم يسمع ب «زنكوس»، فما حال غالبية السوريين. هناك كان عناصر الأمن يشنون حملة كبيرة أول من أمس لاعتقال أولئك الذين يخرجون كل مساء، منذ أربعة أشهر، في تظاهرات. أما كناكر فالاسم يصاحب الاحتجاجات منذ خرجت تتضامن مع جارتها درعا أيام الحصار. الكسوة بقربها بلا ماء وكهرباء منذ ثلاثة أشهر. في قنينص (أضيفوا اسما آخر إلى يوميات الثورة) انتهت «مونة» إحدى النساء من الأرز فرشت المتظاهرين بالعدس قبل يومين. وكان المحتجون يهتفون للحرية ضد قانوني الأحزاب والانتخابات، مطالبين بإسقاط النظام. اليوم لم يعد أحد من المحتجين يطالب بشيء، فالوقت والعنف تكفلا بتوحيد المتظاهرين ومطالبهم: الشعب يريد إسقاط النظام.

وهنا غير تونس ومصر. هنا الشعب يدرك أن الأمر لا يتعلق بتاتا بإسقاط الرئيس، وإنما بالنظام كله. فالرئيس بشار الأسد وشقيقه ماهر وقريبهما رامي مخلوف ليسوا إلا جزءا صغيرا من المشكلة. المشكلة تكمن في «نظام أخطبوطي يخنق المجتمع»، يقول أحد الناشطين في تنسيقية الثورة في برزة. في الزبداني دمر بعض عناصر الأمن المولدات الكهربائية التي تستخدم في ضخ المياه لري الأراضي الزراعية قبيل اعتقال كل رجال المدينة بغض النظر عن أعمارهم. بدأ الناشطون في غالبية المحافظات السورية التحسب قبل بضعة أيام لارتفاع أسعار المواد الغذائية في شهر رمضان، واتصلوا ببعض كبار التجار في المدن الرئيسية للحؤول دون تأثير الاحتجاجات في حياة المواطن العادي.

المسجد صار سجنا

من سجن إلى آخر تتنقل الانتفاضة، آخر المطاف كان في سجن الحسكة، حيث تظاهر المواطنون مطالبين بتطبيق مرسوم العفو الرئاسي. ينقل آمر السجن ومساعداه أجواء إيجابية للمساجين ترفع معنوياتهم. مسجد السلام في برزة، التي سبق ل القبس أن زارتها، صار سجنا. في حلب حالت تفاهمات السلطة مع فعاليات المدينة دون قيام تظاهرات جدية حتى الآن، لكن اجتماع النقابيين الذين يعتصمون في مراكز متفرقة من المدينة- مرة كمحامين، ومرة كأطباء، ومرة كمهندسين مدنيين- في تظاهرة واحدة سيمثل مفاجأة كبيرة، مع العلم أن بعض النقابيين يحاولون منذ عدة أسابيع تكرار الظاهرة الحلبية المتمثلة بتظاهر النقابيين.

أما حماة، فتحاول تنسيقياتها الانتهاء من المظاهر المليشياوية، حيث اضطر بعض أبناء المدينة إلى التحصن خلف حواجز ومظاهر حربية سهلت للنظام مهمة شل المدينة، والفتن بين المحتجين وأهاليها.

إنشاء «تنسيقية للثورة» في بلدتك أو حيك أمر سهل: كونوا في الاجتماع الأول نحو عشرة تعرفون بعضكم البعض جيدا! حددوا مسؤولا عن التظاهرة تثقون بقدرته على اختيار الوقت المناسب لفض التظاهرة! حددوا مراقبا عاما لمجريات التظاهرة يكون مسؤولا عن هوية المنضمين للتظاهرة، والحركات غير الاعتيادية! كلفوا اثنين بتصوير التظاهرة من الخلف! شددوا على وجوب إخفاء الناشطين الأساسيين لوجوههم! كلفوا أشخاصا بمراقبة مداخل الحي، حيث تتظاهرون لفض التظاهرة قبيل وصول الأمن! حضروا اللافتات مسبقا! ادرسوا مسار التظاهرة آخذين بالاعتبار حاجتكم إلى نقاط هروب! كلفوا اثنين بتوفير الإسعافات الأولية، واتفقوا مع طبيب قادر على استقبال المصابين ومعالجتهم!

التغيير حتمي

الشارع تختصره عبارة: «طالعين اليوم وبكرا والبعده»، والمشاهدات لا تنتهي. أما في السياسة فيسود التصعيد أيضا. وفق منسق لقاء سميراميس، لؤي حسين، فان لا معنى لإصدار قانون الأحزاب قبل إعتاق الحريات العامة والسياسية. وحسين يسأل عن الهدف من قانون يهدف إلى تنظيم حياة سياسية غير موجودة أصلا. وكان لافتا أن حسين وبعض زملائه في المعارضة عقدوا في الأيام القليلة الماضية لقاء تحضيريا لمؤتمر يناقش مستقبل سوريا، منطلقين من أن التغيير أو تداول السلطة هما أمران حتميان.

ووفق هؤلاء فإن «الانتفاضة الشعبية مستمرة وتزداد اتساعا لتشمل قطاعات أوسع من المثقفين والمغتربين، وتزداد تجذرا بإصرار شعبنا على المضي قدما حتى إنهاء الاستبداد، وتعميم الحريات وإقرار الحقوق لجميع السوريين».

ووفق معلومات استقصتها القبس، ثمة اتصالات جدية ب «تنسيقيات الثورة» في مختلف المناطق السورية، لتكون ممثلة في هذا المؤتمر الذي تحدد موعدا أوليا له في الثاني من الشهر المقبل. ووفق المعارض حازم نهار فإن النظام عاجز عن السير في طريق حل سياسي فعلي، ولا يضع هكذا احتمال على جدول اهتماماته، معتبرا أن النظام «لا يسمع إلا صوته، ولا يحاور إلا ذاته، ولا يرى إلا صورته، ولا يعترف إلا بوجوده». ووفقا لهذا المعارض، الذي أطلق سراحه أخيرا، فإن الحركة الشعبية ستغربل المبادرات المتعددة للمعارضة، وتوفق بينها وتبلور الأنضج والأفضل للشعب السوري، مشيرا إلى أن المعارضة الحالية هي مجرد حالة مؤقتة، ريثما تتبلور القوى الجديدة في المجتمع السوري.

كل الأسبوع تظاهرات

بهكذا أجواء يطل شهر رمضان. في اليومين الماضيين ضغطت السلطة لاعتقال الآلاف ممن تعتبرهم «محركين أساسيين للشارع». لكن كل المعطيات تشير إلى أن هجوم النظام سيحث المحتجين على تنظيم أنفسهم أكثر، والتظاهر للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين أيضا. ومن الاثنين المقبل يبدأ تحد كبير أمام النظام السوري، سيحافظ على تماسكه الاستثنائي، أو سيبدأ بالترنح؟ فخلال مائة يوم، كان المحتجون يثورون أيام الجمعة والسبت والأحد، ثم يهدأون أربعة أيام تستعيد خلالها السلطة أنفاسها وتريح جنودها، ووسائل إعلامها وأعصابها. أما في رمضان فيفترض أن يكون للمطالبين بإسقاط النظام سبعة أيام في الأسبوع من الضغط المتواصل، وهو ما يفترض المعارضون أنه سينهك الجيش، وعناصر الأمن، وبالتالي النظام.

النظام يتحسب جيدا للشهر الفضيل، معتبرا أن صموده هذا الشهر يمثل خطوة أساسية جدا في طريق نجاته. وقد عقد مسؤولو الأجهزة الأمنية اجتماعا مطولا قبل نحو أسبوعين، خصص لبحث هذا الأمر، تبعه اجتماع آخر عصر الثلاثاء الماضي في مقر فرع أمن الدولة في كفرسوسة. ووفق المعلومات تحيط السلطة اليوم بعض المناطق في ما يشبه الخطوط الحمراء التي لا يجوز اهتزاز نفوذها فيها. فيمكن للمحتجين أن يطوروا نشاطهم وينموا ويتظاهروا كما يشاؤون في دير الزور، والقامشلي، والبوكمال، وحماة، وتلكلخ بعد العملية العسكرية، لكن المنع سيكون أكثر جدية بكثير في حلب وريفها، ودمشق وريفها، ودرعا، وحمص. وهو ما يدفع الأجهزة الأمنية إلى التركيز على بعض المناطق أكثر من غيرها بكثير. وعلمت القبس في هذا السياق أن السلطة ستعمل هذا الشهر في اتجاهات ثلاثة:

إفطار دسم للجنود

أولها: ضمان تماسك الجيش وأجهزة الأمن. فالاطمئنان على مستوى رأس الهرم، يدفع قادة الأجهزة إلى الاهتمام أكثر بالقاعدة من خلال التشديد على إيلاء الجنود وعناصر الأمن اهتماما خاصا في هذا الشهر، بحيث يكون الإفطار دسما جدا، وتحفيز هؤلاء على بذل جهد أكبر من خلال مجموعة تقديمات جتماعية واقتصادية. بعد أن فوجئ الضباط بجنودهم في أكثر من منطقة يتفاعلون بإيجابية مع المحتجين، بمجرد أن يقدم لهم الأهالي بعض الطعام ويظهرون تعاطفا معهم وتفهما لأوضاعهم. وتقضي الخطة بإبقاء هؤلاء في المناطق الساخنة طيلة شهر رمضان لضمان عدم تأثرهم بالأجواء العامة في بلداتهم ومدنهم. مع العلم أن الأجهزة الأمنية تنسق مع بعضها البعض لعدم إبقاء العناصر أنفسهم في منطقة واحدة أكثر من أربعة أيام، لخشيتها من قيام علاقات ودية بين العناصر وأهالي المنطقة.

ثانيها: استباقي بدأ فعلا من خلال تكثيف حملات المداهمة على نحو غير مسبوق، لاعتقال أبرز الناشطين في الاحتجاجات الشعبية، ولا سيما في دمشق وريف دمشق ودرعا وحمص. ويشار هنا إلى نقطة أساسية تحتاج علاجا من التنسيقيات: غالبية الذين يعتقلون يخرجون من السجن بنفسية تعبة جدا، ومعظمهم يفضل لاحقا الاعتكاف في منزله. مع العلم أن السلطة لن تطلق وفق المعلومات سراح من تعتقلهم اليوم قبل انتهاء رمضان. وفي السياق نفسه، ستحاول السلطة إغلاق بعض الجوامع فجأة في أوجه المصلين، حين تشعر أن التحرك سيتجاوز قدرتها على محاصرته. وقد أعدت أجهزة الأمن في هذا السياق لوائح بالجوامع التي هي تحت سيطرتها، والجوامع التي تفترض أنها سببا لوجع الرأس الذي تعانيه. وقد تكثفت الاجتماعات الأمنية في دمشق والمناطق مع رجال الدين، وتم تنحية عشرات الأئمة الذين ثبت تعاطفهم الشديد مع المحتجين. ووفق المعلومات لن تتردد أجهزة الأمن في إيقاف بعض الأئمة في جوامع محددة، فورا وخلال تأديتهم الصلاة إذا وجهوا في عظاتهم انتقادات للنظام. وضمن الخطة الأمنية ثمة تشديد على ضبط النفس وبذل الجهد للحد من القتل، وتقضي التعليمات بالتفرج على التظاهرات من بعيد في دير الزور، والقامشلي، وبو كمال وغيرها من المناطق البعيدة، إضافة إلى مدينة حماة، من دون تصادم مباشر، إلا في حال الاقتراب من الأجهزة الأمنية (كما حصل في دير الزور أول من أمس). أما في دمشق، وحلب، وحمص وأريافها فتقضي التعليمات بمنع المحتجين من السيطرة على أية ساحة عامة، وإحاطة التظاهرات المعارضة للنظام بتظاهرات أكبر مؤيدة له. وقد استنفرت الأجهزة في هذا السياق أنصار النظام في مختلف المناطق السورية، والإدارات الرسمية والأجهزة ليكونوا على استعداد للتدخل السريع، ولا سيما في دمشق وحلب، طوال الشهر الفضيل.

تفضيل محافظات على أخرى

أما ثالث اتجاهات العمل السلطوي، فيقضي بتوفير فائض من المواد الغذائية في السوق، سواء الأساسية منها أو الكماليات، وذلك طوال شهر رمضان. وقد استوردت السلطات في الأيام القليلة الماضية أطنانا كثيرة من القمح ومواد غذائية متنوعة. وتفيد بعض المعلومات عن اجتماعات عقدها الرئيس الأسد شخصيا مع بعض التجار الدمشقيين والحلبيين، ليطلب منهم تقديم خدمة أساسية للنظام تتمثل بمنع الاحتكار أو ارتفاع الأسعار. وتهدف السلطة من كل ذلك إلى الحؤول دون مراكمة الغضب عليها أو توفير مبرر للمحتجين لتقليب الرأي العام ضدها. إضافة إلى ذلك، ستكون الكهرباء والاتصالات والانترنت متوافرة للمناطق المؤيدة للنظام، لينعم أهاليها بليال رمضانية هانئة، في حين ستنقطع هذه جميعها عن مناطق إقلاق النظام، وسيدفع أهاليها بحسب عقل النظام ثمن سكوتهم عن المحتجين وتأييدهم الضمني لهم.

في النتيجة، يمثل شهر رمضان تحديا أساسيا أمام النظام. والخلاصة التقليدية تصح هنا: لا شك في أنه بعد عيد الفطر لن يكون في سوريا كما قبله، سواء صمد النظام أو لا.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ