ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 31/07/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

ما جدوى الحوار الوطني بظل غياب الثقة والمصداقية

السبت, 30 تمّوز, 2011

 د.خالد ممدوح العزي

حزب اللبنانيون الجدد

 يكثر الحديث والنقاش في تناول هذا الفكرة وتتصدر الصحف والتلفزيونات مساحة واسعة للبحث بهذا الموضع ونتائجه السلبية والايجابية .ويعيش لبنان صدى دعوة رئيس الجمهورية فخامة الرئيس ميشال سليمان بحث الأطراف اللبنانيين العودة إلى طاولة الحوا،لإعادة بث روح الحوار بين القوى المتصارعة من اجل الوصول إلى قواسم مشتركة تجنب لبنان من إشعال فتيل الفتنة والاقتتال الأهلي الداخلي.

ان العودة لطرح فكرة الحور بين الفرقين، بحد ذاتها خطوة عظيمة من فخامة الرئيس ومشكورا عليها في هذه الأيام الصعبة بالذات، في منطقة تلتهب كلها بالثورات وتسيطر عليها عواصف التغير العربي وتطالب بتغير أنظمتها ورحيل رؤساءها،هذا يعني بأن الرئيس سليمان لا يزال يتمتع بمصداقية عالية في بين الجماهير الشعبية، وقواعد القوى المختلفة، وبالتالي لا يزال يحافظ على وسطياته الفعلية داخل النسيج اللبناني المختلف . لقد بداء الحوار اللبناني في العام 2005 وترأسه الرئيس بري، فانعقد الحوار اللبناني،بظل الغضب الشعبي الذي سيطر على الشارع ، بعد اغتيال الشهيد الرئيس رفيق الحريري،وطرح في جولاته المتعددة عدة قضايا مختلفة، وتوصل فيها المجتمعون الاتفاق على مضمونها بالإجماع، عدى قضية سلاح حزب الله الذي رحلت لجولات لاحقة ،فالحوار الوطني تم بوجود الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وهو الذي وافق شخصيا على كل البنود الذي تم التوافق عليها في الجلسات . لكن فريق 8 آذار أو “شكرا سورية”، لم يلتزم بتنفيذ أي بند من بنود الحوار المتفق على تنفيذها في جلسات الحوار، لأنهم كانوا يهرب منها إلى الإمام، من خلال افتعال أزمات تعيق التنفيذ أو المطالبة بتنفيذ البنود.

ففي صيف العام 2006 عمد الحزب إلى إشعال حرب تموز مع العدو الصهيوني والذي شكل عاملا أساسيا بتعميق الأزمة اللبنانية، بسبب الأحداث الجسمية التي ترك العدوان أثارها على المجتمع اللبناني بكامل أقسامه.بعد هذه الحرب دخل لبنان بشقيه المتصارعان في أزمة ثقة ابتدأت بالتخوين والتشهير والتحليل والتحريم،انتهت برفع السلاح . لقد دخل لبنان في أزمة جديدة من أزمة الاستقالة المبتدعة للوزراء الشيعة،والدخول في اعتصام مفتوح لم يثمر عنه شيء، وإقفال قصري للبرلمان اللبناني من قبل راعي الحوار،مرورا بمعركة نهر البارد التي كانت خط احمر لفريق “شكرا سورية” ،لتتجه هذه القوى من جديد لرفع سلاحها التي تفتخر بأنه سلاح مقاومة وتقاوم به العدو الإسرائيلي، ليرفع في 7 أيار ضد الشعب اللبناني الذين أضحوا يرفضون هذا السلاح وإبقاءه خارج سلطة الدولة، لقد اعتبر احتلال أزقة بيروت ، يوم مجيد من أيام المقاومة الإسلامية في حربها ضد المحتل،لتدخل هذه القوى مجددا في أزمة جديدة وورطة عقيمة،بسبب وجوده في شوارع العاصمة. لكن مشيخة قطر عملت سريعا على لمها من الشارع ، وطرح مبادرة انقضت لبنان وفريق المعارضة من الدخول في حرب أهلية عبثية ، نتيجة تعنت فريق “شكرا سورية” الذي حاول الحسم بقوة سلاح المقاومة.

أنتجت قطر اتفاق الدوحة الذي يقوم على:” انتخابات برلمانية ورئيس للجمهورية وفك الاعتصام وفتح مجلس النواب،سحب المسلحين من الشوارع، عدم استخدام السلاح ضد المدنين، تشكيل حكومة الثلث الضامن،عدم الانقضاض عليه أو تعطيلها،متابعة طاولة الحوار التي تتضمن بند واحد فقط هو الإستراتيجية الدفاعية لسلاح حزب الله” .

 لقد انتخاب الرئيس ميشال سليمان في العام 2008 بعد فراغ دستوري دام لمدة 6 شهور، فورا دعا إلى تشكيل طاولة حوار وطني يتولى الرئيس إدارتها، لكن الحوار توقف بعد مدة صغيرة من خلال انسحاب المولاة الحالية عنها،فالحوار لم صل الطاولة حل فعلي أو نقاش موضوعي لمسائلة السلاح الذي لم يعد عليه إجماع لبناني وخاصة بعد المظاهرة المليونية التي خرجت في 14 آذار من العام 2011 المطالبة بإسقاط السلاح في الشارع .

فالرئيس اللبناني منذ اليوم الأول لتشكيل طاولة الحوار قالها بصراحة بأنه لا يستطيع وحده إنجاح طاولة الحوار إذا لم يكن تعاون معه من كل الإطراف، فالمجتمع اللبناني مقسوم عموديا.

طبعا حزب الله قدم إستراتجية وحيدة تعتمد على أن المقاومة تطرح إستراتيجية حرب تموز التي تعتمد على المقاومة والجيش والشعب،وهذا البند التي تضمنته بيانات الوزارات السابقة.ولقد إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في مؤتمره قبل الأخير الاستعداد للعودة لطاولة الحوار والنقاش مع القوى الأخرى ،ولكن على ماذا سوف يتم الحوار بنظر حزب الله وحلفاءه بعد 5 سنوات من الحوار والانقلاب على كل الاتفاقات والبنود التي لم تنفذ أبدا ،بل كان الاتفاق عليها من اجل كسب الوقت وامتصاص النقمة الشعبية وتحميل فريق 14 آذار المسؤولية الرسمية لعدم تنفيذها بسبب توليهم قيادة البلاد وجودهم على رأس الحكومة.

الحور يتطلب ثقة بين المتحاورين وبيئة حاضنة للحوار داخلية وخارجية، وهذان النقطتان مفقودتان من القاموس السياسي والإعلامي اللبناني وهذا ما شهدنه في جلسة مجلس النواب أثناء إعطاء الثقة لحكومة الرئيس ألميقاتي كيف كانت لهجة نواب حزب الله. الإعلام الجبهوي يشن الهجوم تلوى الهجوم فالإعلام اللبناني مريض وابتعد عن مهمته الموضعية المتعلقة بمصداقية الخبر وبثه للجمهور المشاهد ،بل تحول إلى صانع خبر سياسي، والسياسيين في لبنان لا يزالون يستعملون المصطلحات الكبيرة التي تخون البعض وتشتم الطرف الأخر.

في ظل غياب الثقة والتوتر السياسي المتصاعد في البلاد، وعدم الالتزام بتنفيذ البنود السابقة لطاولة الحوار، والانقلاب على اتفاق الدوحة وتشكيل حكومة كيده من طرف واحد مهمتها الأساسية المناكفة السياسية وتحاول التنصل الرسمي من الاتفاقات الدولية ومن أهمها المحكمة الدولية وطلبها بإلقاء القبض على المتهمين بجريمة اغتيال الرئيس الحريري ،وعدم الاستجابة لبند تمويل المحكمة من حصة لبنان، وعدم ضبط السلاح الفلسطيني خارج المخيمات الفلسطينية،وانتشاره الكثيف وسط السكان المدنين،مما سبب نفور واضح من هذا السلاح ومهمته التي تعدت قتال إسرائيل إلى تنفيذ مهام خاصة بجهات إقليمية والتي كانت أخرها حادثة اختطاف الاستونين السبعة والتي لم يتشف منفذيها حتى اليوم لأسبب عديدة.

فالسؤال الذي يطرح نفسه اليوم بقوة أمام الشعب اللبناني الذي يفكر دائما ،لماذا العودة إلى طاولة الحوار اللبناني التي لم تنتج سوى بعض الهدوء السياسي، وهذا الهدوء المرحلي لا يكفي أبدا في بلد يعني من مشاكل كبيرة ومتداخلة في مكوناته السياسية والاجتماعية والشعبية ،نتيجة تأثير الدول الخارجية والإقليمية على سير الأحداث اللبنانية، لان دول المحور أدخلت لبنان في أجنداتها المختلفة، والسياسيون اللبنانيون ربطوا مصيرهم ومصير بلدهم بتحالفاتهم الخارجية .

طبعا الحوار ضروري جدا في لبنان لكن في ظل ثقة وتوازن بين القوى المتحاورة ،فالتوازن مختل بين القوى المتحاورة لصالح السلاح ، والسلاح هو الذي يحاور والقوة الغالبة، والتهديد هو اللغة المتبعة في الحوار ، فغياب المصداقية بين الأطراف هي التي تعطل بنود الحوار، فالتهديد الذي يطرحه النائب نواف الموسوي من خلال مقولته القائمة على عدم الاستجابة للحوار يدخل البلاد في صراعات مختلفة ،فهذه العنجهية والتخوين وعدم احترام الرأي الأخر والإخلال بكل الاتفاقات وعدم تطبيقها لا يعني اخذ البلاد إلى الهاوية والدخول في صراعات مذهبية، بالوقت الذي يتحمل فريق النائب الموسوي مسؤولية كاملة عن فشل جلسة الحوار ومقطعتها في السابق.فان استغلال الدعوة التي طرحها الرئيس سليمان من قبل فريق الموالاة ، لإعادة الحوار من جديد بظل تغير التوازنات الداخلية التي نتجت عن الانقلاب النيابي الجديد والذي شكل حكومة لبنانية جديدة.

 لماذا يصر فريق النائب الموسوي بالجلوس على طاولة الحوار مجددا بعدما عمدوا إلى مقاطعتها ونعوا جلساته ورفضوا تطبيق بنودها المتفق عليها سابقا، فالمطالبة بالعودة لجلسات الحوار يأتي للتالي:

1- يحول فريق الموالاة خلط الأوراق مجددا من خلال الدخول في حوار جديد من اجل الحوار ليس التحاور،لتحميل المعارضة الجديدة مسؤولية فشل الحوار بظل حكومة جدية معرضة للضغوط الخارجية والداخلية.

2- التملص قانونين من المحكمة الدولية وتمويلها تحت حجة أعادة النقاش فيها وبقانونيتها من جديد على طاولة الحوار.

 3- كسب الوقت من خلال تركيب أجهزة أمنية ،وموظفي الدرجة الأولى التابعين مباشرة لفريق النائب الموسوي.

 4- محاولة أظاهر الوضع اللبناني وتقديمه للعالم الغربي والعربي على كونه جيد وممتاز، وكل الأمور تحل داخليا، بواسطة طاولة الحوار التي يشارك فيها كل الإطراف المتنازعة وعدم السماح للخارج في التدخل في الشؤون اللبنانية.

5- ترقب التغيرات العربية التي تعصف بالدول العربية وخاصة سورية، لكي تتمكن هذه القوى من اخذ المواقف المناسبة، الذي يفرزها المشهد السوري المتأزم ومدى انعكاساته الفعلية على هذا الطرف بالتحديد.

6- إعادة تنظيم الوضع الداخلي لهذه القوى وتحديدا “حزب الله” بعد الصدمات والارتباكات العديدة التي نزلت عليهم في الفترة الأخيرة المرتبطة بتطور الشأن الداخلي والخارجي.

7- بقاء النظام السوري أو رحيله يحدد استمرار هذه الحكومة والقوى التي تتألف منها.

8- تشريع قانون انتخابي جديد يخول هذا الفريق من الحصول على أكثرية نيابية مستقبلية بوجود هذه الحكومة .

الحوار لا يمكن أن يتم بناء على اتصال هاتفي من الأستاذ وليد جنبلاط بالرئيس سعد الحريري على كونه اتصال تصالحي،ولا تصريح رئيس الحكومة اللبنانية السيد نجيب ميقاتي” الذي يطالب بعودة الحور الوطني من اجل بث مناخ سياسي ووطني في البلاد يساعد القوى على التحاور،أو من خلال موافقة الموالاة الجديدة على الحوار يمكن أن يساعد على الجلوس على طاولة الحوار. الشعب اللبناني هو الوحيد الذي يفرض على المتحاورين الجلوس على طاولة الحوار، لكن نصف الشعب اللبناني قل كلمته النهائية لا للسلاح الغير شرعي، وهو يطلب قيادته التحاور فقط حول هذا الأساسي والوحيد في جدول أعمال طاولة الحوار، وليس التفاوض من اجل التفاوض والتحاور وتقطيع الوقت . إذا لا جدوى من أي حوار اليوم يقوم بين الموالاة الجديدة والمعارضة الحالية،لان الحوار لا يمكن يبدءا من جديد لأعطى الوقت واقتناص الفرص وترتيب الجبهة، بل إكماله من حيث توقف وعطل،وضرورة تطبيق البنود المتفق عليها سابقا من الجميع وعدم التنصل منها، والتحاور حول سلاح حزب الله والإستراتيجية الدفاعية.

لكن بصراحة لا يزال حزب الله حتى اليوم الأقوى عسكريا على الساحة اللبنانية،ولا يهتم لطاولة الحوار الوطني ألا وفقا لشروطه ومصلحته الخاصة ،وميزان القوى تصب في صالحه، بسبب السلاح الذي يملكه ويفرضه على المجتمعين في الجلسة، غياب التوازن في معادلة الحوار بين القوى المتحاورة هو الخلل في ميزان القوى ، وهذا ما يدل على عدم تنفيذ بنود الحوار الوطني سابقا وما أتبته الحزب في غزوة بيروت في أيار 2008 وفي إخلال توازن القوى عند تركيب حكومة الرئيس ألميقاتي باستعراض القمصان السود والتي كانت تهديد مباشر للنائب جنبلاط الذي يعمل جاهدا للحفاظ على زعامته الطائفية وطائفته الدرزية التي أضحت بوادي وهو بوادي. لكن الوضع يختلف مع جمهور وقواعد سعد الحريري المطالبة بتنفيذ بنود الحوار وتحقيق العدالة الدولية والتي لا تزال مصرة على كشف قتلت الرئيس الحريري وإسقاط السلاح الغير شرعي، بالرغم من الثمن الباهظ التي تدفعه هذه الفئة الكبيرة نتيجة إصرارها على تحقيق مطالبها،لكونها مقتنعة بان العدالة الدولية هي الضمان الحقيقي لاستقرار لبنان.

فالجلوس على طاولة الحوار يأتي من خلال فهم كامل للموالاة الجديدة بأنه لا بديل من حوار وطني شامل يهدف إلى أنقاض البلد من خلال تقديم تنازلات متبادلة من الطرفين وليس من طرف جماعة الحريري فقط ، فالمناخ الملائم والثقة بين الجميع مفقودة ،ومنطق القوة سائد والافتخار بتحقيق النصر على الفريق الأمريكي والإسرائيلي هو الراجح ،وهذا يعني لا وجود لأي حوار أو التكلم عنه في ظل هذا الجو السائد .

فالحوار يأتي من التوازن بين القوى على ارض الواقع، وهذا التوازن يأتي فقط من خلال سقوط النظام السوري وإحلال نظام ديمقراطي مكانه، عندها يمكن التحاور الفعلي من خلال توازن القوى السياسية في لبنان، وأي حوار يكون اليوم في لبنان لا جدوى له لن يكتب له النجاح، وهدفه الوحيد تقطيع الوقت.

لقد كتب شهيد الربيع العربي سمير قصير قبل اغتياله، بأنه لا يمكن للدولة اللبنانية أن تنعم بالاستقرار قبل ديمقراطية سورية.

=============

الشعب يريد إسقاط النظام والنظام يريد وقف التظاهرات

السبت, 30 يوليو 2011

بكر صدقي *

الحياة

«... التظاهر غير المرخص يؤدي إلى عنف غير مبرر». «... لا بديل عن الحوار إلا النزيف الدموي والاقتصادي والتدمير الذاتي».

بهذه الكلمات المفهومة، رمى فاروق الشرع الكرة في وجه الانتفاضة الشعبية المستمرة منذ أربعة أشهر: توقفوا عن التظاهرات لنتوقف عن قتلكم. نسي نائب الرئيس، في غمرة عواطفه الحوارية الجياشة، قصص المندسين والعصابات المسلحة المغفلة والإمارات الإسلامية السلفية. لكن كلمة البعثي الدرعاوي المخضرم كانت مثقلة برهاب التدخل الخارجي، كأنما توجس بما سيحدث بعد يومين، حين ستقرر هيلاري كلينتون أخيراً انتهاء شرعية النظام السوري، بعد مماطلة استمرت شهرين، فانتهى الرهان الأميركي على بشار الأسد في أن يقضي على الانتفاضة الشعبية ويبدأ بإصلاحاته الموعودة منذ لحظة التوريث.

وماذا إذا رفض المتظاهرون السوريون هذه الصفقة الفاسدة؟

«التدمير الذاتي» أجاب الرجل بوضوح. لن نتخلى عن الحكم، سننحر سورية وننتحر وضمائرنا مرتاحة إلى أنه لم يعد هناك شيء اسمه سورية من بعدنا. وكما محا خَلَفُهُ في الخارجية وليد المعلم، ببضع كلمات بسيطة، أي بصورة رمزية، أوروبا من الخريطة، أخبرنا الشرع أنهم يعدون العدة لتدمير سورية «ذاتياً» ولكن بصورة فعلية. ونفهم من الذاتية: سنقضي على السوريين بواسطة السوريين. سنجعل بعضكم يقتل بعضكم، فننتهي من هذه القصة الحزينة التي (كان) اسمها سورية.

لا يتعلق الأمر بزلات لسان أو فشل في التعبير اللغوي. لم يبذل النظام منذ بداية الانتفاضة الشعبية السلمية، أي جهد لإقناع السوريين بقصصه الخيالية عن المخربين والمسلحين والسلفيين. لم تحاول أجهزة الاستخبارات التي تحكم سورية بدلاً من الحكومات، أن تقنع أحداً بروايتها الإعلامية لما يحدث في سورية. ففي الوقت الذي يَعِدُ الرئيس بعدم إطلاق النار على المتظاهرين السلميين «حتى دفاعاً عن النفس» (أي سخاء!) يتمركز القناصة المحترفون فوق أسطح البنايات ليصطادوا مطلقي الهتافات ومصوري التظاهرات بكاميرا الهاتف النقال وعدداً من المتظاهرين بلا تعيين. وفي الوقت الذي أوشك بعض السوريين المتخوفين على نمط حياتهم من بحر الأكثرية المذهبية، على تصديق وجود الإمارة السلفية التي تخزن الأسلحة داخل الجامع العمري في درعا، يطل أحد أبواق أجهزة الاستخبارات على السوريين من شاشة قناة الجزيرة «المتآمرة» ليزف لنا النبأ السعيد: رياض الترك مختبئ في دهاليز أقبية الجامع، يقود منها ثورته المضادة.

كان من المحتمل أن يضيع أثر الطفل الشهيد حمزة الخطيب في أحد المقابر الجماعية وينساه الناس. لكن الأجهزة حرصت على تسليم جثته المشوهة لذويه، في رسالة منها إلى جميع السوريين. وبالمثل صورت تلك الأجهزة بنفسها مشهد التنكيل بمئات الرجال في ساحة قرية البيضة وجعلت الفيديو في متناول قناة الجزيرة ليشاهده أكبر عدد من السوريين ويتعظوا: هكذا سأحكمكم بالنعال فوق رؤوسكم، كما فعلتُ دائماً. وكان آخر الرسائل الدموية في هذا السياق اجتثاث حنجرة الشهيد إبراهيم القاشوش الذي غنى للحرية في ليالي ساحة العاصي بحماه: من تكلم أو غنى قتلت صوته!

لماذا كل هذا الحرص الرسمي على إظهار تهافت الرواية الرسمية؟

لأن النظام لا يريد لأحد أن يتوهم للحظة واحدة بأنه في سبيله إلى إصلاح شأنه وهندامه بما يتناسب وتوازن القوى الجديد الذي فرضه الشعب على المشهد السياسي: لن أقدم لكم أي تنازلات. أنتم لا تستحقون أي شيء غير عظمة أرميها لكم لتبقوا على قيد الحياة لتستمروا في التصفيق لي فيما أدوس على رؤوسكم. أنا وأنتم تعرفون أن قصص المجموعات السلفية والمخربين والمؤامرات الخارجية أكاذيب. أريدكم بالضبط أن تعرفوا أنها أكاذيب. ومثلها وعودي لكم بالإصلاح والحوار وما إلى ذلك من ترهات. فمن شأن تصديق بعضكم لكذبة الإصلاح مثلاً أن تدفعه، بعد إجهازي على الفئة المتمردة منكم، إلى مطالبتي بالوفاء بتعهداتي، في حين أنكم لا تملكون حق المطالبة. عليكم أن تفهموا أن ولاءكم لي هو بلا مقابل. فما قيمة ولاء أشتريه منكم في صفقة تعني ندية الطرفين «في السوق»!

في الوقت الذي التأمت فيه طاولة الحوار المستديرة في فندق صحارى وسط دمشق، كانت المسيرات «المليونية» في حلب واللاذقية تهتف «بالروح بالدم نفديك يا بشار» و «الله سورية وبشار وبس» في رد «جماهيري عفوي» على كلام فاروق الشرع الغامض عن الانتقال إلى «نظام ديموقراطي تعددي». وما زلتُ منذ سنوات أتساءل ما إذا كان الهاتفون بافتداء بشار بأرواحهم ودمهم، جادين فيما يعلنون استعدادهم له، وما زلت أتساءل عن أي قضية يدافع أولئك الذين ارتضوا لأنفسهم العبودية، و «يناضلون» لاستمرارها بشراسة ضد خطر الحرية.

لا تملك الفئات الاجتماعية الموالية للنظام الآفل أي قضية إيجابية أخلاقية أو سياسية. ففي الوقت الذي تعلن «دعمها للإصلاح» بالقول: كلنا مع الإصلاح ولكن...، لا تهتف في مسيرات التأييد إلا لديمومة عبوديتها. وفي الوقت الذي تعلن تمسكها بـ «سقف الوطن»، تحض أجهزةُ الاستخبارات المتظاهرينَ في بلدة عين العرب قرب حلب، على حمل علم كردستان بدلاً من العلم السوري، وعلى الهتاف لكردستان بدلاً من درعا وتلبيسة وبانياس وغيرها من المدن السورية (ويرد المتظاهرون الكورد بالإصرار على شعارهم الجديد: واحد واحد واحد! الشعب السوري واحد!)

تبقى نقطة مهمة تجب الإشارة إليها: تارة بالكلام المعسول، وغالباً بالعنف العاري، يصرخ لسان حال النظام طالباً من الشعب التوقف عن التظاهر. فقد أدرك منذ وقت طويل أن القتل والتنكيل والاعتقالات والحوار ووعود الإصلاح جميعاً لن تجدي في وقف التظاهرات المطالبة بإسقاطه. فهو للمرة الأولى يواجه عدواً شبحياً بلا قوام محدد يمكن الإجهاز عليه أو مخادعته بالوعود أو غيرها من الأساليب المألوفة. إنه الشعب الذي لم يعترف به يوماً ولم يره يوماً.

=============

سوريا وحزب «البعث»: عبء سياسي ثقيّل

فاروق حجّي مصطفى - كاتب سوري

ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»

تاريخ النشر: السبت 30 يوليو 2011

الاتحاد

في البدء، يمكن القول بأنّه خسارة "البعث" للسلطة لا تشكل كارثة بالنسبة له، وهو الحزب الذي صادر كل شيء من الشعب، وكانت امتيازات قيادته ومناصريه لا تعدّ ولا تحصّى. ومن يدري ربما يستطيع إعادة السيطرة من خلال الانتخابات الحرة والديمقراطية التي يشتغل عليها كل السوريين لتكون بوابة لسورية الجديدة، ألم يقل "البعثيون" بأنهم يشكلون الأغلبيّة؟

ولعل مردّ إخفاقه في القيادة يعود إلى أنّ حزب "البعث" لم يكلف نفسه عناء البحث في طموح المجتمع ومسؤوليته عن كل ما يجري في البلاد، وهو الذي وضع البلاد في حال ضمور اجتماعي وسياسي وحتى حزبي. فالفترة التي انصرمت كانت فترة عقم بالنسبة إلى الحياة السياسيّة والحزبيّة في سوريا، ويستند هذا التحليل إلى الأسلوب الذي كان يتعامل فيه مع الجزء ضمن الفضاء الكلي. بمعنى آخر، حزب“البعث” اختزل الكل في نفسه، وكان يفكر ويناضل عن الكل، حيث اللاتوازن بين الواجبات والحقوق. وكان المفروض على المجتمع أن يقوم بواجباته، أما مسألة الحقوق فهي مسألة أخرى. الحقوق كانت مباحة للبعث ورفقائه ومؤيديه، وهو ما سببّ المعاناة لفئات الشعب المختلفة.

والحق صارت مسألة إلغاء المادة الثامنة من الدستور قاب قوسين أو أدنى، وأنّ صفحته كمورد لكل شيء في سوريا ستطوى. هذا الحزب “البعث “، الذي استمر في قيادة الدولة والمجتمع لعقود طويلّة وبشكل مُحكَم، وضع البلاد كلّها تحت رحمة السلطة الأمنيّة المطلقة من طراز حديد، أوصل البلاد والمجتمع إلى حالة شبه اختناق، الأمر الذي أدى إلى فرز مرحلة اتسمت بثقافة الخوف.

ومردّ قناعتنا لإلغاء المادة الثامنة من الدستور السوري يعود إلى عاملين،الأول: الوقائع التي فرضتها حركة الشارع السوري على الأرض من خلال حركة الاحتجاجات التي لم تقف ليل نهار، انخرطت فيه كل الشرائِح المجتمعيّة، خصوصاً بعد أن تكابَرت السلطة على ما يجري، ولم تكلف نفسها عناء تهيئة الظروف المناسبة لإجراء حوار جديّ مع المعارضة وممثلي الفعاليّات السياسيّة الذين طالما نادوا بالتغيير وببناء عقد اجتماعي جديد.

والعامل الثاني: قناعة غالبيّة الحزبيين نفسها بأن هذا الحزب أصبح عبئاً ثقيلاً على البلاد والسلطة، وهذا ما تفوهت بعض الأصوات في مؤتمر ما سمي بـ” اللقاء التشاوري”، وواضح من خلال البيان الختامي له بأنه لن يملك العصا السحرية لتحويل الكلمات إلى الأفعال.

والحقّ أن ما تصرّ عليه حركة الاحتجاجات وفاعلو السياسة في سوريا من مطالب ليس نتاج اليوم، إنّما هي مطالب ظهرت على السطح منذ ما يسمى بمرحلة “ربيع دمشق”، وهي تسمية للمرحلة التي شهدت سجالات ونقاشات، وتأسيس المنتديات ومنظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان. وفي كثير من الأحيان يُنظَر إلى تلك المرحلة بأنها سابقة في حياة سوريا، وربما تستوجب تلك المرحلة إعادة قراءة باعتبارها تجربة لحراك ثقافي ومدني عميق.

والحال.. أصبحت مسألة شراكة حزب “البعث” للحالة السياسيّة في المرحلة القادمة مشكوكاً فيها، كون الحزب مازال متمسكاً بالسلطة أكثر من السلطة نفسها، وهو الذي يقدم مبررات الحل الأمني، ولهذا فإن احتمال عدم خسارته للسلطة بشكل مطلق في المرحلة المقبلة وارد، مع أن هذا الحزب الذي يقاتل اليوم لكي يبقى مستمرّاً في احتكار السلطة والسياسة حتى اليوم، رغم فقدانه للكثير من جماهيره، يحتكر ساحات وميادين المدن الكبرى لنفسه. فالسلطة التي تمنع المتظاهرين من الوصول إلى الساحات تفتحها للمواليين حتى وإن تم إقفال حركة السير والمجتمع ومصالح الناس.

"البعث" الذي نتحدث عنه ما زال ينظر إلى الحركة الاحتجاجيّة، كما المعارضة السياسيّة، على أنهم حفنة من المخربين والتكفيريين والعملاء للخارج وضامري الشرّ للبلاد، مصرّ على نهجه واحتكاره للسلطة والساحات حتى في ظل الضغوط والأوضاع الصعبة التي تمر بها البلاد، قافزاً على هواجس المجتمع وقواه السياسيّة. وما يدور من نقاشات حول دوره في توريط البلاد في الأزمة الوطنيّة والمجتمعية، ومدى شرعيته وقدرته على إدارة أزمات البلاد، هو إثبات لمدى حاجة الشعب السوري إلى توديع سنين الاستبداد والتفرد بمصائر الناس ومصادرة فكرهم وتطلعاتهم لمصلحة إيديولوجيّة عقيمة لم يعد الناس بحاجة لها.

ولعلّ دعوات ترك الخيار الأمني وخلق بيئة مناسبة لعقد مؤتمر وطني شامل يكون كفيلاً بخلق مدخل لأرضيّة اللحمّة المجتمعيّة وتراص الصفوف لم تلق أذاناً صاغية من قبل السلطة، مع أنّ مثل هذه الدعوات هي من استحقاقات المرحلة، وهي ضرورة وطنيّة إستراتيجية قبل أن تكون موقفاً سياسيّاً تكتيكيّاً “لحظيّاً”.

ومن يدقق في التفاصيل ولا يشغل باله كثيراً بالسياسة وهموم أصحابها، إلا أن ثمة ذاكرة اجتماعية تظل حاضرة في ذهنه، ليس بوسع السنين أن تمحيها، فمثلاً لم يكن بوسع أحد أن يسجل في الكليّة التي يريدها، في حين يسجل زميله فيها وبعلامات أقلّ، إلّا أنّ ما يميّزه عن الطالب غير "البعثي" بأنّه خضع لدورة حزبيّة. وكذلك من عانى من الحصول على وظيفة كونه غير بعثي، رغم الإغراءات التي قدّمت له كي يصبح بعثياً . فكم للبعثيّ من امتيازات!

في الحقيقة هناك حزمة من المعاناة الاجتماعيّة لاحتكار "البعث" للامتيازات، فحتى زمن قريب لم يكن بوسع أحد غير "البعثي" التسجيل في كليّة العلوم السياسيّة، حتى تبقى النخبّة السياسيّة في البلاد كلها من "البعثيين"، وبشكل أدق لم يفتح حزب "البعث" المجال أمام غير البعثيين في الدراسة في هذه الكليّة حتى يتعلم السياسة كعلم، مثلما كان حال كلية الإعلام في السابق، الأمر الذي خلق – شئنا أم أبينا – ضحالة لدى خريجي أقسام العلوم السياسيّة وحتى الصحافة. وهنا سؤال يطرح نفسه، هل تطوى صفحة ” البعث ” كقائد للدولة والمجتمع ؟ وهل فعلاً ستنتقل سوريا كبلد وكقوى سياسيّة إلى حالة أخرى تسود فيها المساواة بعيداً عن احتكار السلطة؟.

=============

تهافت اللعب بالورقة الطائفية

حسين العودات

التاريخ: 30 يوليو 2011

البيان

شهدت مدينة حمص، ثالث المدن السورية سكاناً، في الأسبوع الماضي أحداثاً بدت وكأنها أحداث طائفية، تمثلت في وجود قتلى من إحدى الطوائف ألقوا في الشارع، مما أدى إلى رد فعل ضد طائفة أخرى، حرقت فيه محلات وسقط جرحى، وامتلأت جدران الأسواق التي تعود لكلتا الطائفتين بالشعارات الاستفزازية المعادية ( ويقال ان الخط الذي كتبت به الشعارات على جدران الجهتين هو نفسه، مما يؤكد أن الكاتب واحد).

وأن الأمر مفتعل، وأنه بداية تحريض واستفزاز من شأنه إشعال فتنة طائفية في المدينة، وهي مدينة متعددة الطوائف، بغض النظر عن نسبة كل طائفة لعدد السكان، ففيها مسلمون سنة ومسلمون علويون ومسيحيون وأفراد من طوائف أخرى صغيرة، وبالمحصلة فالمدينة (موزاييك) طائفي، وقابلة أكثر من غيرها لإشعال الفتنة فيها، وإطلاق شرارة العنف وحقن سموم التقاتل.

سارعت بعض الجهات السورية إلى اتهام السلطة السياسية بالقيام بهذا العمل لإشعال الفتنة الطائفية، التي ـ حسب رأي هذه الجهات ـ تعطي مبررات للسلطة للتدخل العنيف، وتغطي على خطة ما تسميه حسم الموقف وإسكات التظاهر والاحتجاج، حيث يضطر الجميع عندها للعودة إلى هذه السلطة والطلب منها أن تكون حكماً. أما المنتفضون والمحتجون الذين يخرجون بمظاهرات يومية، ويكتوون باستخدام العنف ضدهم، فقد رفعوا أصواتهم بشعاراتهم التي تدعو للوحدة الوطنية، وتنبذ الطائفية وتؤكد الأخوة بين أبناء المدينة وبين السوريين عامة.

وقد اتهمت السلطة بدورها (العصابات المسلحة) و(السلفيين) و(المتآمرين) بأنهم وراء هذا العنف، الذي يشكل مقدمات لحرب طائفية يريدون إشعالها، وقد أوقعت أحداث حمص الرعب لدى جميع الطوائف الدينية السورية، كبيرها وصغيرها، واستنكرها الجميع بدون استثناء، وكانت الدهشة بادية في أحاديثهم وشعاراتهم وفرضياتهم على اعتبار أن سورية لم تقتحم تاريخياً وحل الطائفية، وكان تعايش طوائفها دائماً مثالاً يحتذى، وأخذ السوريون يتذكرون أن رئيس وزرائهم كان مسيحياً في أربعينات القرن الماضي.

وكان يملك كل السلطة حسب الدستور، وكذلك رئيس مجلسهم النيابي وكان مجلساً تمثيلياً بحق، ولم يحتج أحد في حينه على ذلك، وطالما كان رئيس أركان الجيش علوياً أو مسيحياً وكان أحد كبار ضباطه أرمينياً، وحصل أكثر من مرة أن كان رئيس الجمهورية كردياً، وفي الخلاصة استذكر السوريون أن الاستفزازات الطائفية والفئوية والفتن والنداء الطائفي، هي أمور غريبة على تعايش السوريين، فنسيجهم الوطني أقوى تماسكاً من كل هذه المحاولات، ولهذا كله سرعان ما تم وأد الفتنة في مهدها.

منذ بدء الاحتجاجات والتظاهرات في شهر مارس الماضي، اعتمدت سياسة محددة تجاه المتظاهرين فحواها أن هذه الاحتجاجات يقودها سلفيون وعصابات مسلحة وعملاء ومتآمرون، وأنهم يسعون لإقامة إمارة أو إمارات إسلامية حيثما أمكنهم ذلك، وأجرت وسائل الإعلام السورية مقابلات مع معتقلين (اعترفوا) بأنهم تسلموا سلاحاً وتقاضوا أموالاً من أجل القيام بالثورة تمهيداً لتأسيس إمارات إسلامية، وقامت أجهزة الأمن بإبلاغ الكنائس ورجالها أنهم مهددون، وتم توزيع (مناشير) على الكنائس بهذا المعنى.

كما أُطلقت شعارات معادية للطائفة العلوية لم يعرف أحد مصدرها، وفي الخلاصة حققت هذه الشائعات أهدافها، وزرعت الخوف في نفوس الطوائف الصغيرة، فبقيت صامتة وعلى الحياد بين السلطة والمنتفضين، ولم يساند الانتفاضة سوى مثقفي هذه الطوائف وفي الحقيقة معظم مثقفيها، إلا أن الخوف والتحسب بقيا أساسيين. ولم يلغ هذا الخوف تأكيدات المنتفضين على وحدة الشعب السوري ولا تطمينات أبناء الطائفة السنية وهي ذات النسبة العالية جداً (70%) للطوائف الأخرى الصغيرة.

من الشروط الموضوعية التي تقضي باستبعاد أية فتنة طائفية في سورية بل واستحالتها التعايش التاريخي بين الطوائف في سوريا، وتداخلها وتشكيلها معاً نسيجاً اجتماعياً واحداً، إضافة إلى أن نسب الطوائف الصغيرة هي نسب متواضعة قياساً إلى مجموع الشعب السوري، بحيث لا تزيد نسبة أية طائفة منها على (10%) من مجموع السكان، ينطبق هذا على المسيحيين والعلويين وحتى قومياً ينطبق على الأكراد، أما الدروز فلا تزيد نسبتهم على (3%) من السكان، ويحتل الإسماعيليون نسبة أقل وزناً (وقد شارك الإسماعيليون بالانتفاضة مشاركة كاملة منذ أيامها الأولى)، ولأن المسلمين السنة يشكلون الأكثرية الساحقة فبديهي أن لا يكونوا متعصبين، بل العكس هو الذي كان يحدث، ذلك لأن التعصب هو نوع من أنواع الدفاع عن النفس.

إن وعي الشعب السوري الذي تشكل خلال مئات السنين هو وعي مؤمن بالمساواة والمشاركة والتعاون بين الطوائف واعتراف كل منها بحقوق الطائفة الأخرى، هذا فضلاً عن الاختلاط الاجتماعي، والتعاون المثمر وحتى الاحتفال المشترك بالأعياد والمناسبات، والمشاركة في السراء والضراء، خاصة أن أصل معظم مسيحي سوريا من القبائل العربية التي قدمت إليها قبل الإسلام، قبائل غسان وكلب وتغلب وتنوخ وربيعة ومضر وبكر وغيرها.. وقد ساعدوا المسلمين أثناء الفتوحات وخاضوا معهم الحروب ضد البيزنطيين.

كما أن معظم العلويين من القبائل العربية المشهورة، وهم قوم سيف الدولة الحمداني الذين رحلوا أو رُحّلوا إلى الجبال المسمّاة باسمهم، والأمر نفسه ينطبق على الدروز (بني معروف) وعلى غيرهم من الطوائف الصغيرة الأخرى، ولعل هذا الأصل العربي المشترك الذي يحمل معه وفي أعماقه الثقافة العربية، هو الذي عزز التعايش بين طوائف سورية.

=============

تظاهرة القائد... تظاهرة الحرية

زين الشامي

الرأي العام

30-7-2011

«إلى روح الشهيد وجدي عبد الحليم الصادق... حملته طفلاً رضيعاً وأذكر أن وجهه كان مثل القمر، كبر وجدي وصار شاباً، يوم سقط في تلك التظاهرة... رأيت صورة موته، بقي وجهه مثل قمر».

بالتأكيد هناك فرق كبير بين أن يطلب من الموظفين وطلبة الجامعات وطلاب المدارس، وأعضاء «حزب البعث» الحاكم وعناصر الأمن، الخروج الى التظاهرات «المليونية» للتعبير عن «الحب والولاء للقائد»، وبين تظاهرة عفوية غير منظمة يخرج فيها الناس بدعوات جوانية من دواخلهم، تحثهم على التظاهر والهتاف للحرية والعدالة والكرامة والمساواة.

هناك فرق كبير بين أن يحمل الموالون بالباصات المكيفة المريحة إلى الشوارع العريضة، معززين بموافقة ورضا مدير عملهم، تاركين مكاتبهم وعملهم في الدوائر الحكومية وراءهم، موعودين بمكافأة مالية، محروسين بالقوات الأمنية، تغطيهم قنوات التلفزة المحلية، فيما اولئك المتظاهرون الذين خرجوا لمظاهرة الحرية، يخروجون خائفين من القوات الأمنية والشبيحة والجيش والدبابات والقناصة المنتشرين على الأسطح، يحملون دمهم على أكفهم، يصورون بأيديهم الخائفة المرتجفة، من خلال أجهزة موبايل صغيرة مزودة بكاميرا، تظاهراتهم، ويبثونها على «يوتيوب»، فتأتي الصور بائسة تقنياً وفنياً، تغيب عنها ملامح الوجوه والأمكنة، لكنها مفعمة بالصدق والواقعية. مفعمة بالصدق والواقعية لأن هوية المصور ودوافعه مختلفة، لأنها صور مليئة بالدم، وغالباً ما كان الدم الأحمر صادماً حقيقياً، لا يمكن تأويل نزفه، أو الاجتهاد في مادته وطبيعته، خاصة حين يخرج من القلب، أو الرأس أو الوجه، وأحياناً الرقبة والعين أو الصدر، أو أي مكان في جسد المتظاهر الجريح أو القتيل، كتلك الصور التي شاهدتها للشهيد «وجدي عبد الحليم الصادق» الذي أصابته رصاصة قناص غادرة في صدره حين كان يتظاهر في حي القابون بدمشق في جمعة «أسرى الحرية». وكتلك المئات من الصور التي شاهدتها للشهداء في غالبية شوارع سورية منذ أربعة أشهر تقريباً.

صور المتظاهرين، صادقة، لأنها تصور الموت، الاصابة، التعذيب، الجنازات والدفن، والرصاص الذي يستهدف المشيعين في الجنازات، النحيب و البكاء على الراحلين، والهتاف المتوعد بالاستمرار وعدم التراجع... هذا كله لا يمكن تأويله او الشك به. هذا كله، يبعث المتلقي أو المشاهد للصور للتضامن مع هؤلاء الأشخاص، أكثر بكثير من تلك الصور المعلبة الجاهزة التي ينقلها التلفزيون الرسمي للتظاهرة المليونية، تلك التظاهرة التي تكلف الحكومة الملايين، لكنها تصل إلى الجمهور، باردة، غبية، مملة، مصطنعة، بلاستيكية، فيها المتظاهرون لا يتظاهرون، لا يهتفون، لا يقولون شيئا مثيراً، لأن الكلمات لا تخرج من قلوبهم أو حناجرهم، بل هي كلمات نعرف أنها معدة مسبقاً تخرج من الشفاه فقط، لا موضوع لها إلا «تحية القائد»...

ورغم أن الصور التي يبثها التلفزيون الرسمي للتظاهرة المليونية، هي صور أفضل من الناحية الفنية من حيث الدقة والصلاحية للعرض في كل زمان ومكان، ورغم أن تلك اللقطات مأخوذة من كاميرات كبيرة ثابتة غالية الثمن، إلا أننا دائماً ما نتركها ونشيح بوجوهنا عنها ونذهب إلى تلك اللقطات المقتطعة، الغائمة، الفوضوية،

المرتعشة، المعتمة، المرتجة، المأخوذة من الهواتف المحمولة للشبان المتظاهرين، ذلك أننا بتنا نعلم أن هؤلاء الشبان، كانوا يهتفون ويتظاهرون ويصورون بالوقت نفسه، ربما يصورون تظاهرتهم، أو لحظة هي الأثمن في حياتهم، حيث ذاقوا طعم الحرية.

في «التظاهرة المليونية» أو تظاهرة التعبير عن الولاء للقائد، يقف خلف الكاميرات الكبيرة الغالية الثمن مصورون محترفون، يتناولون «ساندويشاتهم» بيد وفي اليد الأخرى يحتسون «الكوكا كولا» أو زجاجة مياه معدنية. أما في التظاهرة التي يخرج فيها الشبان هاتفين للحرية، فهم غالبا ما يصورون موتهم، ولقد رأينا

أكثر من فيديو على «اليوتيوب» لشبان سوريين، سقطوا فيما كانوا يصورون تظاهرتهم وموت أصدقائهم وأقاربهم. إن ذلك يحصل للمرة الأولى في العالم والتاريخ، أن يصور المتظاهر موته.

في التظاهرة المليونية يخرج الآلاف، مجبرين، كالقطيع، كالصيصان في المداجن، يرددون هتافات واحدة، مملة، عن القائد و«البعث»... ثم يعودون إلى البيت موعودين برضا المدير او القائد او مكافأة مالية. فيما في تظاهرة الشبان، نسمع هتافات وأغاني تمجد الحرية، الحرية فقط، في تلك التظاهرات أخبرني أحد المشاركين أن هناك احساساً عذباً، يشبه نسمة الهواء العليلة الذي تدخل الصدر في يوم قائظ من أيام شهر أغسطس، في تظاهرة الشبان من أجل الحرية قد يعود المتظاهرون إلى بيوتهم، أو قد لا يعودون.

«التظاهرة المليونية» يطلبها رجل الأمن أو «رفيق مسؤول» في «حزب البعث»، ويشارك فيها منافقون وانتهازيون يبحثون عن مكسب منها، أو لتأكيد عبوديتهم وذلهم، فيما تظاهرة الشبان، لا يطلب أحد من أحد المشاركة فيها... شيء ما داخل الإنسان الحر يلح عليه للخروج، إنه التوق الأبدي الإنساني للانعتاق والحرية وتكسير أصفاد الذل والسجون والقهر. توق وعيون ترنو إلى البعيد، إلى الشمس وضوء النهار.

=============

هل تنحو السلطة السورية نحو التشدد بحلول رمضان؟

زياد حيدر

السفير

30-7-2011

لا توحي المؤشرات الحالية في سوريا بأن المسار السياسي لحل الأزمة هو الذي يسير في المقدمة، إذ تكوّن انطباع لدى السلطة بأنها تمتلك زمام السيطرة النسبية على وتيرة الأحداث، وأن الارتباك الذي ساد في الفترة الأولى من الأحداث، ولاسيما في آذار ونيسان الماضيين، أصبح خلفها.

وقد سارت القيادة السورية في خطين شبه متوازيين منذ نهاية نيسان وحتى الآن، الأول يركز على الإصلاح السياسي المتمثل بإصدار حزمة من القوانين، جزء منها مطلب شعبي، والإصلاح الاقتصادي المتمثل برفع «ثقل» السياسة الاقتصادية التي اتخذت في المرحلة الماضية وأثّرت على حياة الطبقة الوسطى من الناس، كما الفقراء. فيما كان المسار الثاني يسير أيضا من دون توقف، ويتمثل في التعاطي الأمني مع المشكلة، وما تبعه من تعامل عسكري في مناطق بدت وكأنها خرجت عن نطاق سيطرة الدولة.

والآن، ومع حلول شهر رمضان على الأبواب، لا ترغب الدولة في جعل يومياته مثار تهديد للاستقرار الحياتي، خصوصا أن المعارضة المتمثلة بالتنسيقيات تكثر من التهديد، لا سيما في ليالي رمضان. وتكثر الدعوات من ممثلي هذه المعارضة على «فيسبوك» وقنوات الاعلام الأخرى، وبعضها بأسماء وهمية، لعدم التعامل مع الدولة ومؤسساتها على اختلافها، وحتى المؤسسات التي تبيع خبزا أو تنقل المواطنين، فيما يتبدى واضحا على الجانب الآخر عمل المجتمع المدني والفعاليات الاقتصادية في الاتجاه المعاكس عبر حجز الفنادق في المناطق السياحية، وإقامة النشاطات الفنية والترفيهية في محافظات ذات الوزن الاقتصادي، ولاسيما خلال رمضان.

في ظل هذه المنافسة على الحضور الاقتصادي، وقوته الفعلية حتى اللحظة للموالاة، يبقى الحل السياسي موضع تجاذبات، إذ تأتي تصريحات الأمين القطري المساعد لحزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا محمد سعيد بخيتان الأخيرة، منسجمة مع روح تصريحات له في السابق، ودعا فيها المعارضة إلى احتلال مواقع الأغلبية في مجلس الشعب في الانتخابات، ومن ثم القيام بتعديل الدستور عبر تصويت الأغلبية.

ونقل عن بخيتان، الذي يعتبر من أبرز وجوه إدارة الأزمة الحالية، أن العمل جار الآن «لعقد مؤتمر قطري للحزب قبل نهاية العام على أبعد تقدير لبحث إستراتيجية الحزب ورؤاه حيال متطلبات المرحلة الحالية». وأضاف، في لقاء حزبي، أن «مجلس الشعب سيكون مدعواً للانعقاد خلال الأيام المقبلة، وبحكم القانون، لمناقشة جملة من القرارات والقوانين التي تدعم مسيرة الإصلاح، ومن بينها خصوصاً قانون الانتخابات العامة، ومن ثم يصدر الرئيس بشار الأسد مرسوماً جمهورياً بحل المجلس والدعوة لانتخابات تشريعية قبل نهاية العام».

ولم يشر بخيتان في ما نقل عنه من تصريحات إلى إمكانية تعديل الدستور في جلسات مجلس الشعب المقبلة، الأمر الذي أثار تساؤلات في ما إذا كان التوجه للتعديل ما زال قائما، خصوصا في ضوء الانتقادات التي وجهتها المعارضة لكل من قانوني الأحزاب والانتخابات بعد إقرارهما من قبل الحكومة، وفي ظل غياب الحديث تماما عن تغيير الدستور.

ووصف بخيتان بتصريحاته الانتخابات التشريعية المقبلة بأنها ستكون «مهمة ومفصلية لجهة تعويل الحزب على صناديق الاقتراع لتأكيد مصداقيته التي نالها من ثقة الجماهير به ودفاعه المستميت عن مبادئها وقضاياها الوطنية والقومية»، وهو ما يشير إلى حوار داخل الحزب للتركيز على الأكثر فعالية بين البعثيين الذين يبلغ تعدادهم كمنتسبين حوالى 2،8 مليون منتسب.

من جهة أخرى، تستمر العملية العسكرية في سوريا في تثبيت وجودها على الأرض، وتجري بالتزامن مع لقاءات بين القاعدة والقيادة لبحث المشاكل الخدمية والمعيشية، كما الأمنية، وآخرها ما تردد عن لقاء بين الأسد ووفد من أهالي مدينة حمص، يضم في أغلبيته أهالي الضحايا المدنيين، لاسيما الذين قتلوا نتيجة عنف مذهبي. كما يجري هذا المسار متقاطعا مع اجتماعات أهلية ورسمية أشبه بالمفاوضات تجري في كل منطقة على حدة، وتطالب فيها السلطات الفعاليات المحلية بتسهيل مهماتها في مقابل عدم الحسم العسكري، لا سيما من جهة تسليم مطلوبين أو رمي السلاح ومصادرته.

كما يتزامن الحل العسكري مع معطيات أمنية لدى قيادة الدولة بالسيطرة على حدة الاحتجاج، لاسيما في المناطق التي تشكل خطورة على الأمن العام للبلاد، في إشارة إلى المناطق الحدودية. كما يأتي هذا مع الحديث عن قواعد معلومات أكثر وفرة ووضوحا عن نشاط المعارضة السرية، والتي تدعي إدارة الاحتجاجات على الأرض.

من جهتها تراهن المعارضة العلنية، المتمثلة بالنخب الفكرية والسياسية والأحزاب غير المرخصة، على «تعويم» عامل الحل السياسي مجددا، عبر الحديث عن مخارج للأزمة وسبل الانتقال إلى دولة «مدنية ديموقراطية»، وذلك في مؤتمر ثان لها متوقع في آب المقبل، كما يقول الكاتب المعارض لؤي حسين بحيث تجتمع عناصر اللقاء الـ300 في قلب دمشق مجددا، في موعد متوقع في الأسبوع الثاني من آب، وذلك رغم حصول اعتقالات طالت معارضين من المستوى الثاني في صفوف هذه المعارضة خلال الأسبوعين الماضيين، في الوقت الذي يؤكد حسين أن السلطة لم تبد حتى اللحظة مؤشرات على رفض انعقاد اللقاء.

=============

بين مطرقة الظواهري وسندان فيلتمان ؟!

عريب الرنتاوي

الدستور

30-7-2011

بدا أيمن الظواهري في «حُلّة بيضاء قشيبة»، وهو يتلو «بيان المناصرة» للثورة السورية، ويحث «المجاهدين» في درعا وجسر الشغور و»حماة الشهادة» وحمص الصحابة والأولياء الطاهرين، على المضي في طريقهم المبارك حتى إسقاط النظام الكافر والعميل...لا شيء في مظهر الظواهري يشف عن صلته بـ»الكهوف» إلا أفكاره ولغته، فثيابه عادت للتو «الدراي كلين» على ما يبدو، والرجل يتّبع سيرة زعيمه الراحل الذي كنّا نظن أنه أفنى ما تبقى من حياته في الخنادق والكهوف، فإذا به يبتني لنفسه قصراً منيفا في أبوت آباد، حار «الخلق» في معرفة هوية ساكنه أو تقدير ثروته.

الظواهري أراد أن يوحي بأن ما يجري في سوريا هو امتداد لحركة القاعدة وفكرها السياسي ومشروعها «الإسلاموي»، تماماً مثلما فعل في خطابات سابقة زمن احتدام الثورتين المصرية والتونسية، ليثبت بالدليل القاطع، أن الرجل يسعى في «لي عنق الحقائق» و»يجاهد» للخروج من طيّات النسيان، بعد أن تهمّش دور تنظيمه وتضاءل، وبعد أن جاء «ربيع العرب» مصداقاً لكل ما هو معاكس لخطاب القاعدة وومتناقض مع أدوات عملها وأساليبها.

شخص آخر، حاول أن يفعل شيئاَ مماثلاُ، في الوقت ذاته، وحول الموضوع ذاته، ولكن من على مبعدة آلاف الأميال، ومن أروقة الكونغرس الأمريكي بالذات، إنه جيفري فيلتمان، الذي ترتبط باسمه، المدرسة الأكثر تشدداً في العداء لسوريا وإيران وحلفائهما في المنطقة، حيث كان هذا الأخير يدلي بشهادته حول الوضع في سوريا، أمام لجنة فرعية في الكونغرس، في توقيت متزامن مع بث رسالة الظواهري للمجاهدين في سوريا.

فيلتمان، كالظواهري، بدا واثقاً من أن الثورة السورية ستنتصر، وأن الرئيس الأسد لن يربح الرهان في نهاية المطاف...فيلتمان، بخلاف الظواهري، كان واثقاً من أن سوريا لن تغرق في الفوضى والأصولية التي يبشر بها الظواهري، وأنها – أي سوريا – ستتقدم على دروب الحرية والديمقراطية...فيلتمان يبشر بخطاب الدولة المدنية الذي تنطق به بعض المعارضة، والظواهري ينطق بخطاب «الشريعة ودولة الشريعة» الذي تتحدث به أطياف من المعارضة وليس المعارضة كلها...الرجلان متحمسان، الرجلان واثقان من النتيجة، كلاهما يحاول امتطاء الموجة، مع أننا بإزاء مشروعين سيأكل أحدهما الآخر لا محالة.

ليس للظواهري والقاعدة نفوذ في الثورة السورية يجعله يظهر بمظهر «المرشد الأعلى»، الذي يوجه الجموع الغفيرة من خلال «الكاسيت» أو «اليوتيوب»...الظواهري في سوريا ليس كما الخميني في إيران 1978 -1979...أنصاره ليسوا سوى جماعات عنفية مسلحة، تسيء للثورة السورية أكثر مما تساعدها...وخطاب الظواهري ذاته بالأمس، لم يكن إلا إساءة صافية للثورة السورية.

أما فيلتمان، وصقور الإدارة الأمريكية، الذين يذكرونك ببولتون وبيرل ورامسفيلد زمن الحرب على العراق، فليس له تأثير بدوره على حراك الشارع، يتعدى تأثير بعض الشخصيات السورية الهزيلة المقيمة في واشنطن وباريس، المتدثرة بلبوس أكاديمي وحقوقي معارض، التي تنظر لأحمد الجلبي، بوصفه قامة وقيمة، مثالاً يحتذى، وإنموذجاً ملهماً...وفي ظني أن تصريحات فيتلمان، وبعض مواقف الإدارة الأمريكية الفجّة، من شأنها أن توفر دعماً غير مباشر، للنظام في مواجهة الثورة، تماماً مثلما هو حال الظواهري وخطاباته البائسة.

وثمة دلالة هامة تتكشف عنها تصريحات الظواهري وفيلتمان، تتخطى «توقيتها المتزامن»، إلى الإلتقاء النادر في الأهداف بين واشنطن والقاعدة، حيث الطرفان يريدان إسقاط النظام كذلك...وهو التقاء يستدعي التأمل، ويثير الالتباس...لقد حاول الظواهري فكفكة هذه العقدة، وتفسير هذه المفارقة، حين قال أن واشنطن انتقلت إلى تبني إسقاط النظام، بعد أن أيقنت أنه ساقط لا محالة، وأنها بمحاولتها «تخليق» نظام بديل عن نظام الأسد، يكون على شكالته ومثاله، تسعى به، ومن خلاله، إلى تقطيع الطرق والسبل على ثورة المجاهدين في سوريا...هكذا فسّر الظواهري المسألة...لكننا للآن لم نعرف كيف ستفسر واشنطن، مفارقة التقائها والقاعدة على هدف واحد: إسقاط النظام.

ما شهدناه أمس الأول، واستمعنا إليه، على لساني الظواهري وفيلتمان، إنما يؤكد ما كنا ذهبنا إليه منذ الأيام الأولى للثورة السورية، حين شددنا على الحاجة لأن تحفظ هذه الثورة استقلاليتها، لكي تحفظ استقلال سوريا وسيادتها وتعززهما، ولكي تضمن عدم اختطافها وامتطائها وتجييرها...صحيح أن أوزان هذه القوى في الشارع السوري، وقدرتها على التأثير عليها ما زالت محدودة حتى الآن، لكن الصحيح كذلك، أن التقليل من خطر هذه التدخلات، أو الرهان على ضعفها المُستدام، أمر ينطوي على قدر كبير من الخطورة والمجازفة، على أن الأخطر من هذا وذاك، هو محاولة الإستقواء بأي منهما، فالحذر الحذر.

=============

سوريا.. وانفصام العرب الأخلاقي

حسبن شبكشي

الشرق الاوسط

30-7-2011

كنت في جلسة مع إعلامي غربي يناقش آخرين في تطورات الوضع الإسرائيلي والفلسطيني ومستقبل عملية السلام والواقع الاستيطاني وحصار غزة، وغيرها من المسائل المحزنة للقضية الفلسطينية. وقال أحد الجالسين من العرب المتحمسين وهو يصيح في وجه الصحافي الغربي «إنكم تمكنون إسرائيل من قتل الفلسطينيين بدم بارد بصمتكم على كل جرائمهم وعدم اعتراضكم عليها ولا حتى شجبكم أو تنديدكم بما يحدث». وابتسم الصحافي الغربي ابتسامة هادئة وأجاب الرجل بنبرة هادئة «أعتقد أنك الآن ولوهلة ظننت أنك تحدثني عن موقف العرب والمسلمين مما يحدث في سوريا، وموقف الحكومات مقابل مجازر النظام السوري بحق أبنائه وشعبه.. لماذا تعتقدون أن دم الفلسطيني يجب أن يكون أغلى من دم السوري مثلا.. أوليس الاثنان يبحثان عن الشيء نفسه من كرامة وحرية؟ أنتم تتهمون الغرب بازدواجية المواقف والكيل بمكيالين وتقومون بعمل الشيء نفسه، ولذلك تفقد قضيتكم القيمة والمصداقية والمكانة والجدارة المستحقة لأنكم لا تطبقون على أنفسكم ما تطالبون به الغير. النظام السوري قتل حتى الآن 145 طفلا دون الرابعة عشرة من العمر من دون أن تصدر كلمة احتجاج واحدة من أي منظمة أو حكومة عربية أو إسلامية، بينما حين قتلت إسرائيل الطفل الفلسطيني محمد الدرة نزلت المظاهرات في ميادين العواصم العربية، وعقدت قمة عربية طارئة، وجمعت ملايين الدولارات من الناس لصالح القضية الفلسطينية وقتها.. ألا تعتقدون حقا أن لديكم مشكلة عويصة في المصداقية وأن الكيل بمكيالين عندكم مسألة أساسية؟ وما يذهلني أكثر هو أن النظام السوري له سوابق كبيرة في حقكم ومع ذلك تسكتون عليه، فقد سبق له أن أباد 45 ألف مواطن في مدينة حماه، وأسهم بشكل مباشر في إبادة الآلاف من اللبنانيين والفلسطينيين على الأراضي اللبنانية، وهو رأس الحربة لمشروع تصدير الثورة لنظام إيران الذي اشتكى منه المغرب والأردن واليمن والسعودية والبحرين والسودان ولبنان والعراق والكويت والإمارات والفلسطينيون.. كل هذه الأسباب وغيرها ومع ذلك تستمرون في الصمت على جرائمه بحق شعبه، وتطلبون (فقط) من الغرب أن يتصدى لجرائم إسرائيل.. هل بعد ذلك كله تعتقدون أن لحجتكم مكانا أو منطقا؟».

سكت الكل عن الحديث، وقد كان كلام الرجل فاضحا وكاشفا فلا يمكن الدفاع عما قاله ولا تبريره ولا حتى محاولة تخفيفه بشكل أو بآخر. الحقيقة الواضحة أن العرب يقبلون على أنفسهم من أنفسهم (بشكل فاضح) ما لا يقبلونه من الآخرين على أنفسهم، وهذا طبعا سيكون دوما مصدر ضعف هائلا لقضاياهم، ليس أمام الغير فحسب ولكن أمام أنفسهم أولا.

نصرة الشعوب المسحوقة المراق دمها من قبل أنظمة تتعامل معها بلغة الإجرام والسحق وبأسلوب العصابات الخارجة عن القانون التي لا تعرف سوى أسلوب التصفية، هي خيار ديني وشرعي وأخلاقي أولا وأخيرا، وإلى أن يحصل الوعي الجماعي المتكامل ولا يكون هذا الانفصام الأخلاقي بين الشكوى والخطاب الاعتراضي الذي نوجهه للغرب وبين ما نمارسه بين بعضنا بعضا سوف تستمر الفضيحة الأخلاقية هذه، وما الجريمة التي يمارسها العرب والمسلمون بحق دماء السوريين إلا فصل فاضح في ذلك.-

=============

حكومة العراق شريكة بدماء السوريين

طارق الحميد

الشرق الاوسط

30-7-2011

عشية جمعة «صمتكم يقتلنا» بسوريا، وقعت الحكومة العراقية جملة اتفاقيات مع النظام السوري، بالعاصمة بغداد، اتفاقيات كان حبرها دماء الضحايا السوريين الذين يواجهون قمعا مستمرا عمره عمر انتفاضتهم السلمية!

ففي الوقت الذي يقول فيه السوريون للعرب «صمتكم يقتلنا»، تقدم حكومة نوري المالكي دعما لنظام بشار الأسد، في استخفاف واضح بدماء السوريين العزل، مما يعني أن نوري المالكي، رئيس وزراء العراق، قد انضم إلى قائمة أصدقاء النظام السوري علنا، وهم حزب الله وإيران. وبالطبع فإن المصالح العراقية، بكل درجاتها، لا تحتم دعم نظام الأسد لنقول إن بغداد تتصرف بواقعية، أو لخدمة أولوياتها؛ فالنظام العراقي الجديد كان يفترض به أن يكون رأس حربة العملية الديمقراطية بالمنطقة برمتها، بحسب ما كان يقوله الأميركيون، وما كان يردده أيضا رموز المرحلة العراقية الحالية، لكن ما نراه اليوم للأسف هو العكس تماما.

فعراق اليوم، وتحديدا الحكومة الحالية، هو نظام طائفي صرف، فالنظام العراقي الحالي هو من رفع عقيرة الصوت دفاعا عن شيعة البحرين، وتطاول على حكام الخليج، وأقام الدنيا ولم يقعدها، وحلفاؤه هم من أخرجوا المظاهرات في المدن العراقية منددين بمملكة البحرين، والمملكة العربية السعودية، وقوات درع الجزيرة الخليجية، بينما اليوم يستكثر نظام بغداد على السوريين حق المطالبة بالحرية، ورغم كل الدماء التي تسيل في سوريا وعلى يد نظام دمشق حيث قرر النظام العراقي دعم نظيره السوري لأسباب طائفية صرفة، كيف لا وحلفاء نظام بشار الأسد اليوم بالمنطقة هم طهران - بغداد - لبنان، تحت قيادة حزب الله بالطبع، فهل هناك طائفية أكثر من هذه؟!

فحكومة نوري المالكي تقوم بتوقيع الاتفاقيات مع نظام بشار الأسد في الوقت الذي يقاطع فيه العالم نظام دمشق، ويفرض عليه العقوبات، وفي الوقت الذي يناشد فيه السوريون العرب الوقوف معهم في محنتهم غير المسبوقة، وكل مطالبهم هي الحرية والكرامة، فهل يعقل أن يكون هذا تصرف دولة تحترم أدنى الاتفاقيات الدولية، ناهيك عن إيمانها بالديمقراطية، وحقوق الإنسان؟ للأسف الشديد يبدو أن منطقتنا بعيدة كل البعد عن الاستقرار، واحترام حقوق الإنسان، حيث ما زلنا في المربع الأول، فالدول، والساسة، محكومون بمنطق طائفي، وليس منطق بناء الدولة، فإذا كنا نقول إن حزب الله بدعمه للنظام السوري يتصرف بمنطق ميليشيا تابعة لإيران، ومنفذة لأجندتها بالمنطقة، فماذا يمكن أن نقول عن حكومة العراق التي تدعي أنها ديمقراطية وهي تدعم نظاما يقمع شعبه بشكل وحشي؟

وكما قلنا مرارا وتكرارا إن إحدى حسنات الزلزال السياسي الذي يضرب منطقتنا هو سقوط الشعارات الكاذبة، من مقاومة، وديمقراطية، وممانعة، وعروبة، وخلافه، ولم يسقط هذا الزلزال الأقنعة عن جماعات وأفراد وحسب، بل ودول، ومنها الحكومة العراقية بالتأكيد، ولذا فإن اللعب بات اليوم على المكشوف، فها هي إيران وأتباعها في العراق ولبنان يقفون مع نظام الأسد ضد شعبه في معادلة مفضوحة وهي شيعة ضد سنة، للأسف، فما الذي سيفعله العرب اليوم، وتحديدا المؤثرون، والمستهدفون بالطبع، من قبل هذا المثلث الطائفي المفضوح؟ ألا زلتم مترددين؟

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ