ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 25/07/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

ثورات وقودها (الخوف)!

جواد البشيتي

العرب اليوم

2011-07-24

ربيع الشعوب العربية غزير المعاني; لكنَّ "كَسْر حاجز الخوف (الذي طالما حَجَز شعوبنا عن التعبير عن إرادتها السياسية الحقيقية)" كان من أهم معانيه; وأحسب أنَّ عِلْم النفس السياسي مَدْعوٌّ إلى أنْ يُوْلي هذه الظاهرة السيكولوجية اهتماماً أكبر.

وفي المثال السوري على وجه الخصوص, نَقِف على الأهمية السياسية والثورية ل¯ "الخوف" في إدامة الصراع بين الشعب ونظام الحكم, وفي إذكاء ناره; فإنَّ "قانون الخوف (الثنائي: خوف الثوَّار وخوف نظام الحكم)" هو الذي يَحْكُم هذا الصراع الآن, ويُفَسِّر لنا كثيراً من أوجهه وجوانبه وظواهره.

إنَّ الخوف, خوف الشعب السوري من عواقب وتبعات الثورة على نظام الحكم البعثي الأسدي الذي لا يملك من مقوِّمات البقاء والاستمرار إلاَّ الإرهاب الحر من كل قيد, هو الذي منع هذا الشعب زمناً طويلاً من أنْ ينتفض ويثور وينزل إلى الشارع; مع أنَّ لديه من قوَّة الدافع والحافز إلى تغيير نظام الحكم, أي إسقاطه وإطاحته, ما يكفي لإشعال ثورة تَعْدِل عشرات الثورات, أهميةً ووزناً وحجماً.

الخوف من البطش والقمع منعه زمناً طويلاً من "البدء"; فلمَّا كَسَر حاجز الخوف و"بدأ", استبدَّ به "خوف جديد", هو "الخوف من التوقُّف", أي خوف الثوَّار من عواقب وتبعات مغادرة الشارع, والعودة إلى بيوتهم, بدعوى أنَّ نظام الحكم البعثي الأسدي جنح أخيراً ل¯ "الإصلاح (السياسي والديمقراطي.." من طريق "الحوار مع الشعب وقياداته الثورية الشَّابة"; فنظام الحكم هذا "عَلَّم" شعبه أنَّ تصديقه, والثِّقة به وبنياته ووعوده, هما "الوهم القاتل (لصاحبه)" بعينه, وأنَّ "الفضيلة السياسية" التي قد يلبس لبوسها عن اضطِّرار الآن ليست (بِحُكْم كونها بِنْت الاضطِّرار) من الفضيلة بشيء, وأنَّ التغيير من طريق إطاحته فحسب هو وحده الذي يُشْعِر الثوَّار بالأمن والأمان, ويعيد عشرات ومئات الآلاف من السوريين المنتفضين الثائرين إلى بيوتهم.

لو اسْتَخْذوا لوهم أنَّ نظام الحكم يمكن أنْ يتغيَّر بما يلبِّي مطالبهم السياسية والديمقراطية إنْ هُمْ غادروا الشارع, وجنحوا للحوار معه, فإنَّ أحداً من العقلاء لن يشفق عليهم إذا ما وقعوا في شَرِّ نياتهم الحسنة الطيِّبة, وأسَّسوا للإرهاب والبطش والقمع عهداً جديداً.

سبب بقائه تحوَّل الآن, أو شرع يتحوَّل, إلى سببٍ لهلاكه; فإنَّ زمناً طويلاً من الحكم بالإرهاب والبطش والقمع قد جَعَل الشعب يؤمِن إيماناً لا يتزعزع بأنَّ مغادرته الشارع قبل أنْ يغادِر حاكمه سدة الحكم لن تكون إلى البيوت وإنَّما إلى جهنَّم, وبأنَّ نظام الحكم لا يمكنه أبداً الجَمْع بين أنْ يُصْلِح نفسه سياسياً وديمقراطياً.. بما يلبِّي مطالب الشعب وبين أنْ يبقى على قيد الحياة, وبأنَّ عدم الثِّقة به, وبنيَّاته ووعوده, هو الآن, أو من الآن وصاعداً, بأهمية "درهم وقاية", أي خيرٌ من قنطار علاج.

لقد ذَهَبَ الخوف من "البدء", من بدء الشعب السير في هذا المسار الثوري التاريخي, فحلَّ محلَّه الخوف (الشعبي) من التوقُّف في منتصف الطريق, أو على بُعْد شِبْر من "الهدف النهائي", والذي (أي هذا التوقُّف) يَعْدِل مَوْتَ المرء وهو على بُعْد شِبْر من "هدفه النهائي", وغدت الثورة كقطارٍ يتسارع وقد فَقَد الكابح لحركته; أمَّا "الخيار", خيار الشعب الآن, فَفَقَد من المعنى, واكتسب من المعنى, ما جعل تمييزه من "الاضطِّرار" من الصعوبة والاستعصاء بمكان.

والأزمة نفسها, أي أزمة "نفاد الخيار", و"تَعاظُم شأن الاضطِّرار", في التفكير والعمل, تعصف بنظام الحكم السوري; فهو, أوَّلاً, يبدي مزيداً من العجز البنيوي والخَلْقي عن أنْ يُصْلِح نفسه سياسياً وديمقراطياً.. بما يجعل ثورة شعبه عليه فاقِدةً الدافع والحافِز; وهو, تالياً, يستبدُّ به شعورٌ بالخوف من عواقب وتبعات الرحيل والسقوط; فإنَّ "المحكمة", وبأحكامها العادلة الصارمة, في انتظار الراحلين السَّاقطين.

وهذا الخوف إنَّما يشبه خوف الثوَّار والشعب من التوقُّف في منتصف الطريق, ويضطَّر نظام الحكم السوري, من ثمَّ, إلى خوض الصراع حتى النهاية, وبشتَّى الوسائل والسُّبل, وكأنَّ "الشمشونية" هي ما بقي لديه من "خيار".

وإنَّه لصراعٌ يشبه حرباً ضروساً يخوضها كلا الطرفين أو الخصمين من غير أنْ يَتْرُكَ للآخر مَنْفَذاً للنجاة; أمَّا سبب هذا المأزق فيَكْمُن في نظام الحكم الشمولي الدكتاتوري الاستبدادي في البلاد العربية, أو في "الطابع العربي" لنظام الحكم الشمولي الدكتاتوري الاستبدادي; فهو بالدم والسيف حَكَم, وبهما يَتْرُك الحُكْم, مقيماً الدليل على أنَّه قد نال ما يستحق من "عدالة التاريخ".

لو كان (هو وأمثاله) قابلاً للإصلاح السياسي والديمقراطي.. الذي يُقْنِع الشعب بانتفاء الحاجة إلى التغيير من الشارع, وبالثورة, لَمَا استبدَّ به هذا الخوف من كل حراكٍ شعبي, ومن كل اعتصام للشباب في ميدانٍ ما, ولَمَا سارَع, من ثمَّ, إلى الزجِّ بكل قواه "الرسمية" و"غير الرسمية" في الصراع ضدَّ جمهور صغير من الشباب الثوري المنادي بالحرِّية والديمقراطية والحياة الكريمة والأفضل, وكأنَّ نظام الحكم هذا يخوض معركته الأخيرة من أجل البقاء.

إنَّ أخشى ما يخشاه هو "الشارع", ونزول الشعب إلى الشارع, و"كرة الثلج المتدحرجة"; فهو يَعْلَم أنَّ جدوى القمع يتناسب عكساً مع تنامي "كرة الثلج", فكلَّما امتلأ الشارع بمزيدٍ من المواطنين الرافضين استمرار حُكْمِهم في الطريقة نفسها, ازداد عجز نظام الحكم عن قمعهم, وعَظُم خوفه من عواقب الأمْرِيْن معاً: عواقب الاستخذاء لمطالبهم ومشيئتهم وهُمْ متسلِّحون بهذا الضغط المتعاظم للشارع, وعواقب عدم الاستخذاء.

ومع تعاظُم هذا الخوف المزدوج لا يبقى لدى نظام الحُكْم من التفكير والتدبير إلاَّ ما هو أقرب إلى "الاضطِّرار" منه إلى "الاختيار", فينتهي به الإيمان بأنَّه يستطيع فعل كل شيء بالحراب إلى الجلوس عليها, غير عابئ بمصير الوطن والشعب, وكأنْ لا خيار لديه إلاَّ الكامن في قول الشاعر "إذا مت ظمآناً فلا نزل القطر"! 0

====================

رهانات الأزمة السورية

جيمس زغبي

تاريخ النشر: الأحد 24 يوليو 2011

الاتحاد

في يوليو 2002 زرتُ دمشق لإلقاء محاضرة في الجامعة بدعوة من السفارة الأميركية في سوريا، وقد سعدت جدّاً للحضور الكثيف الذي ملأ المدرج، ولكن مع ذلك خالجني شعور بالقلق لأنني اخترت موضوعاً يتحدث عن التحديات التي تواجه البلد، فقد علمني أساتذتي أن أمنح الجمهور ما يحتاج إلى سماعه وليس ما يريد سماعه، ولذا قررت أن أكون صريحاً وقلت إنه يتعين على سوريا الانفتاح سياسيّاً بالسماح للشباب وعموم المواطنين بالمشاركة الحرة في تقرير مصير البلاد وتدبير مستقبلها دون قيود ومضايقات. وأضفت أن سوريا في حاجة أيضاً للانفتاح اقتصاديّاً حتى تطلق العنان للروح التجارية الكامنة لدى شعبها لأن ذلك هو السبيل الوحيد للمنافسة في السوق العالمية وتحقيق الازدهار والرفاه للشعب.

وقد حذرت من أنه ما لم تُقدم سوريا على هذا الانفتاح الضروري فإنها مهددة بخسارة شبابها وباستمرار الركود في حياتها الاقتصادية. وفيما كنت أراقب ردة فعل الحضور في المدرج لاحظت أن الطلبة في المقاعد الخلفية يهزون رؤوسهم دلالة على أنهم يتفقون مع هذا الطرح، وحتى أعضاء الهيئة التدريسية عبروا عن تأييدهم للانفتاح بنفس الدرجة التي استجاب بها أيضاً المسؤولون في الصفوف الأولى ومعهم الوزراء الذين حضروا المحاضرة. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: لماذا على رغم هذا الإجماع العام على ضرورة الانفتاح والإصلاح امتنعت سوريا عن التقدم بأي خطوة في هذا الاتجاه وظلت تراوح مكانها؟ لماذا لم يحدث التغيير المرتقب؟ الجواب ببساطة شديدة: لأن سوريا خضعت طيلة عقود طويلة لنظام سياسي جامد وعتيق حكم البلاد بقبضة حديدية ووضع القيود أمام الخطاب الحر والمنفتح، مستخدماً العنف والقمع لإخراس الأصوات وتكميم الأفواه.

ولكن الاحتجاجات الشعبية العارمة التي عمت سوريا على مدى الشهور الماضية، والاضطرابات التي هزت البلاد طولًا وعرضاً، تدل بما لا يدع مجالًا للشك على أن حاجز الخوف قد كُسر، وأن سوريا وصلت إلى منعطف خطير، وسواء كانت وزيرة الخارجية، هيلاري كليتون، محقة بإعلانها فقدان النظام لشرعيته أم لا، ثم تراجع الإدارة بعد ذلك والاكتفاء بالقول إنه "في طريقه لفقدان الشرعية"، فإن التغيير أصبح على الأبواب.

ولكن الأهم من ذلك هو معرفة وجهة هذا التغيير والتكاليف المترتبة عليه، فمن خلال حجم وجغرافية الاحتجاجات التي تعم سوريا من الواضح أن عدداً كبيراً من الشعب السوري يريد رحيل النظام ويرغب في تأسيس نظام بديل أكثر انفتاحاً وديمقراطية بعدما انهار جدار الخوف الذي أقعد الناس طوال السنوات الماضية عن رفع أصواتهم، ولذا لم تعد القوة الخشنة تنفع في إسكاتهم. وكلما تصاعد عنف النظام في محاولته إخماد الاحتجاجات كلما استماتت المقاومة المدنية التي ظلت إلى حد الآن سلمية وبعيدة عن أساليب العنف والصراع المسلح. ولكن في الجهة المقابلة هناك أيضاً عدد لا يستهان به من السوريين يهابون التغيير، لاسيما الطبقة الوسطى الحضرية والأقليات الدينية المتوجسة على مستقبلها في حال سقوط النظام، وهذا الخوف يشعر به المسيحيون على وجه الخصوص بالنظر إلى ما يتعرضون له في العراق من مضايقات وأحياناً من استهداف. إلا أنه على رغم كل ذلك لا يمكن المجادلة في فقدان النظام للشرعية بعد الأداء السيئ خلال الشهور السابقة ولجوئه للعنف في التعامل مع المحتجين. فعلى مدى عقود من الحكم سقط النظام في الجمود وبات همه الوحيد الاستئثار بالسلطة وتهميش باقي الأصوات. وفيما كانت الأساليب القمعية ناجعة في إخراس الأصوات المعارضة وإبقاء الشعب مستكيناً، لم يعد ذلك ممكناً اليوم، بحيث يبدو أن قمع الشعب فقط يؤجج رغبته في الانعتاق ويقوي مطالبته بالحرية.

وعلى رغم ما بذلته السلطة في الفترة الأخيرة من محاولات للحوار مع المعارضة وإطلاق وعود مثل الإفراج عن المعتقلين وكتابة الدستور وإقامة نظام جديد قائم على التعددية الحزبية بعد إلغاء المادة الثامنة من الدستور التي تخص حزب "البعث" بقيادة الدولة والمجتمع، يبدو في نظر البعض أنها مجرد مناورة يلجأ إليها النظام في محاولة مستميتة لاحتواء الاحتجاجات، إذ لا يمكن الوثوق -يقول البعض- في نظام يعد بالإصلاح وفي الوقت نفسه يواصل قمع المتظاهرين والتنكيل بهم. والمشكلة أن المعارضة ما زالت، هي أيضاً، غير منظمة بما يكفي لتمثيل جميع حساسيات الشعب السوري باختلافه وتعدده، وهو ما لاحظه المراقبون الخارجيون ومن بينهم مسؤولون أميركيون يرون أن المعارضة السورية غير قادرة في هذه اللحظة على وضع رؤية واضحة ومحددة للمستقبل.

والحقيقة أن صعوبة الوضع السوري وخطورته تنبع من موقع البلد الجغرافي فهو من جهة يحاذي لبنان المنقسم على نفسه، ومن جهة أخرى يجاور العراق الهش، فضلًا عن استضافة سوريا فوق أراضيها لما يقرب من مليون لاجئ عراقي وفلسطيني، بالإضافة إلى وجود أقلية كردية، ولاشك أن أي انهيار يحصل في سوريا قد يؤثر على دول الجوار ويزعزع استقرارها. وبالنظر إلى الرهانات الجسيمة التي تنطوي عليها الحالة السورية لابد للنظام أن يقتنع بأن أسلوبه القائم على الإضرار بنفسه يحتم التغيير، فيما تحتاج المعارضة، من جانبها، إلى مزيد من الدعم حتى تنضج وتصبح أكثر فاعلية وتمثيلية لكافة الأطياف. أما باقي مكونات الشعب من أقليات فعليها الحصول على ضمانات بأن وضعها لن يكون أسوأ وبأنها ستتمتع بحقوق المواطنة وستتاح لها فرصة المشاركة في رسم ملامح المرحلة المقبلة. ويبقى الطريق الوحيد للخروج من الأزمة السورية هو إجراء حوار وطني حقيقي يمهد لفترة انتقالية بعدما فشل النظام في تزعم هذه الفترة بنفسه، ولن ينجح هذا الطريق بدون مساعدة الدول العربية ودعم المجتمع الدولي لتجنيب المنطقة اضطرابات هي في غنى عنها.

====================

سوريا وزخم رمضان  

24/07/2011

حسام كنفاني

الخليج

تنوعت محاولات السلطات السورية لاحتواء الموجة الاحتجاجية، بداية من وعد الإصلاح، وصولاً إلى مسرحيات الحوار، من دون أن ينهي ذلك عمليات القتل والقمع، التي لم تتوقف منذ اليوم الأول . لكن المحاولات كلها كانت تؤدي إلى مكان واحد: الزخم الشعبي المعارض يزداد أسبوعاً بعد أسبوع، وجغرافيته تتسع يوماً بعد آخر .

ولا يخفى اليوم ان الخشية الأساس بالنسبة إلى النظام في سوريا هي من شهر رمضان، الذي يحل بعد أقل من عشرة أيام . الكلام في سوريا اليوم هو عن محاولات إضافية مرتقبة للاحتواء أو الحسم قبل بداية شهر الصيام، ولا سيما أنه قد يتحول إلى مناسبة للاحتجاج اليومي بشكل موسع جداً . ففي حين اقتصرت التظاهرات الحاشدة خلال الأشهر الخمسة الماضية على أيام الجمعة، من المرتقب أن تكون هناك أكثر من تظاهرة جمعة في اليوم الواحد، وخصوصاً مع صلاتي الفجر والتراويح التي تتبع العشاء .

الوقت يدهم النظام في سوريا، وأي مساع لإنهاء الحركة الاحتجاجية لا يبدو أنها ستفي بالغرض، وخصوصاً أن القمع الدموي ما عاد ينفع لبث الرعب في نفوس المتظاهرين، الذين أسقطوا جدار الخوف منذ اللحظة التي خرجوا فيها حاملين أرواحهم على أكفهم للمطالبة ببعض الحرية، غير أن أسلوب تعامل النظام معهم ساهم في دحرجة كرة الثلج لتصل إلى حدود المطالبة بإسقاط النظام سبيلاً لإنهاء الانتفاضة أو الثورة .

شبح الحرب الأهلية أو الطائفية هو أحدث ما يسعى البعض إلى الترويج له في الداخل السوري . قد لا يكون الترويج مجافياً للحقيقة، غير أنه من المؤكد مبالغ فيه إلى درجة كبيرة . قد تكون هناك بعض الأصوات الشاذة عن الخط العام للشارع الذي لا يزال يهتف “واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد”، ضمن إطار وعي جماعي مدرك لمحاولة إضفاء الطابع الطائفي على الحركة الاحتجاجية .

الخشية من الصراع الطائفي أو الحرب الأهلية تؤرق الكثير من المثقفين والناشطين السوريين، غير أن معظمهم مدرك أن مثل هذا التهديد هو الورقة التي يلوّح بها النظام من اليوم الأول، ولا يتوانون عن اتهامه بتذكية مثل هذه الصراعات، والسعي إليها، لحرف الحركة الاحتجاجية عن مسارها .

مثل هذا الأمر هو إحدى الوسائل التي قد يلجأ إليها الحكم في المرحلة المقبلة لتبرير عملية “حسم عسكري” كبيرة، لتجنّب الزخم الذي يراه آتياً مع شهر رمضان، غير أن الوعي الواضح لدى النخبة السورية، التي تحظى بالكثير من الاحترام لدى غالبية الشارع المحتج، لا شك سيبقي الثورة في مسارها، لتكون على موعد مع الزخم .

====================

السوري يصوغ حكايته

المستقبل - الاحد 24 تموز 2011

العدد 4065 - نوافذ - صفحة 10

دمشق  غازي دحمان

تسلك الثورة السورية طريقاً غير منتظم، تصعب قراءته وتفحّص مكوناته و التنبؤ تالياً بتطوراته. لكن ذلك قد يشكل ميزة تتفرد بها هذه الثورة وخصوصية توفر لها فرص الاستمرار والتواصل، خاصة وأن هذه التفاصيل المشتتة استطاعت حماية الثورة من أكبر جهاز أمني في المنطقة، ومن نظام يتوفر على دعم إقليمي ودولي لم تحظ به أنظمة عربية أخرى، وكل ذلك في ظل غياب معارضة متماسكة تقود وتنظم.

في واقع ووقائع الثورة السورية، ثمة احتجاجات يمكن وصفها بالنمط الأولي للتعاطي السياسي حدثت في مناطق هامشية، أفرزتها حادثة ذات بعد إجتماعي، وأوجد رد السلطة العنيف عليها بيئة متعاطفة، كانت هي الخميرة الاولى لثورة ستجتاح البلاد، وستكون شعاراتها ومطالبها من ذات النمط الاولي، حرية ،حرية، في الوقت الذي كان النظام يستخدم قوة عنفية تبدو غير منطقية مع طبيعة الحدث ولا تساويه في الفعل، فضلاً عن كونها لا تتلاءم والمسار السياسي الذي بدأ يرتسم في الأفق الإقليمي بعد ثورات تونس ومصر وبدء الحراكات السياسية في اليمن وليبيا .

ومن واقع القمع المبالغ به وحجم القتل وفتك الالة الأمنية والتشويه المبالغ فيه الممارس من قبل ماكينة إعلامية سلطوية، ومن تحت نير سنوات خوف مديدة، سرت في أوصال المجتمع الاهلي السوري، التي فككها نظام المخابرات المتعددة والحزب الواحد والقائد الخالد، رغبة في النهوض نحو واقع مختلف، غير معروف الملامح، المهم فيه اختلافه عن الحالة التي يتساوى فيها الموت مع الحياة وينعدم فيها أفق المستقبل، أما الثمن، فكان كل من حلم بالتغيير يعرفه ويكاد يتلمسه.

لا تستطيع النظريات السياسية وأدواتها ومصطلحاتها ومفاهيمها السيطرة على هذا الفيض من المعاني للحالة السورية، ربما لبساطتها وعفويتها، وربما لما تحمله من شجن ووجدانيات لا قدرة إلا للرواية والقصص على ضبط سردياتها. فمن حادثة الأطفال الذين قلعت أظافرهم، إلى الموت المأساوي لحمزة الخطيب، إلى الدراما المكثفة في موت (بلبل حماة) إبراهيم القاشوش، إلى ذلك النزوع المفعم بالحياة والذاهب صوب نهايات مميتة حتماً، ثمة حكاية لا قدرة للتحليل السياسي وحده على إيضاح مضامينها، فثمة إلتباسات كثيرة سوف تصنعها المقاربات السياسية تأخذ الحدث بعيداً عن كنهه، وسينتهي هذا العجز إلى اللجوء إلى أكثر الصيغ غباءً في التحليل.

الثورة السورية بمعنى من المعاني، حكاية أمّ غُيّب ابنها عنها لسبب لا تفهمه وقد تقيحت في صدرها آهات البعد وصيحات يا ولدي، وحكاية شاب عاش الذل في عز تفتح إحساسه بالحياة وتجمدت في ذهنيته وعضلات جسده رجولة حدد النظام جهات وأماكن تصريفها فيما هي تصيح يا بلدي، وحكاية صبايا جرى اختزالهن في النقاش المحموم حول سفورهن وحجابهن فيما كل منهن تسأل أين عقلي؟.

هي ثورة حكايات، والحكايات لا ترسم خرائط للطرق. دعوا الحكايات تكمل نسجها وتتصالح مع لحظتها التاريخية، دعوا أصحاب الحكايات يجدون خواتيم سعيدة لحكاياتهم، عندها ستكون سورية بخير، وكما لم يعد باستطاعة النظام أن يحدد شكل تعبيرات حكاية السوريين، كذلك ليس بمقدور مؤتمرات المعارضات المتعددة توجيه دراما الثورة السورية ولا التأثير بها. ثمة في الحيز السوري كثر راحوا يتفلتون من تحت القبة الحديدية للأجهزة الأمنية، ومن وهم أحلام المعارضة الميتة. إنه الإنسان السوري الخارج من رحم حكاية حية، تماماً كما تخرج العنقاء من تحت الرماد.

====================

هل ضحايا الثورات العربية شهداء؟!

ياسر الزعاترة

 الدستور

24-7-2011

يبدو السؤال عبثيا إلى حد كبير، لكن فئة من المسلمين دأبت على ادعاء العلم الشرعي واحتكار مفاتيح الحق هي التي فتحت المجال لتداوله من قبل البعض، وأقول البعض لأن الغالبية الساحقة من الأمة لم يستوقفها سؤال كهذا، وهي بانحيازها لثورات الشعوب إنما كانت تقرُّ لقتلى الثائرين بالشهادة في الظاهر، مع ترك سرائرهم لله عز وجل.

يذكرني هذا الكلام بعبارات بسيطة، لكنها مدججة بالحكمة سمعتها من الشيخ المجاهد (الشهيد) أحمد ياسين، جمعنا ربنا به في مستقر رحمته، حيث سأله أحدهم ذات مرة عن حكم العمليات الاستشهادية مقدما بالقول: إن هناك من يفتي يعدم جوازها، فكان رده إن هناك عدد قليل جدا من العلماء قالوا بذلك، في حين قالت الغالبية الساحقة بالجواز.

في أي يوم من الأيام لن يعدم الناس من يخالف إجماعهم على أمر من الأمور، وهؤلاء الذي يشككون بشهادة قتلى الثورات العربية لم يكونوا إلا الأصوات النشاز، وقد عجبت لأحدهم كيف يرد على تفرده وأصحابه ببعض الآراء ذات الصلة بالسياسة بالقول إن المؤمنين كانوا دائما قلة، مع أنه هو ذاته كان يردد مقولة الإمام أحمد بن حنبل «بيننا وبينكم الجنائز يا أهل البدع»، في سياق من إثبات تأييد جمهور المسلمين للمؤمنين الصادقين.

أصحاب هذا الرأي هم أنفسهم القائلون بالطاعة لولاة الأمر (ليس ولي الأمر وحده بالطبع) ولو جلد الظهور وسلب الأموال ما دام يأذن (مجرد الإذن بالصلاة)، وهم القائلون بعدم جواز انتقاده في العلن (بعضهم استثنى سوريا لاعتبارات طائفية، وبعضهم الآخر صمت صمْت القبور على ما يجري خشية أن يُرمى بالتناقض تبعا لحقيقة أن النظام السوري يأذن بالصلاة (نتنياهو يفعل ذلك ويسمح بنشاط حركة إسلامية أيضا).

هؤلاء يزعمون أن هذا هو مذهب السلف، وقد كتبنا مرارا وكتب كثيرون في الرد عليهم (أهم الردود كتاب الكويتي حاكم المطيري الحرية أو الطوفان)، وفي التاريخ ردود لا تحصى عليهم من ثورة ابن الأشعث على الحجاج، إلى تأييد الإمامين مالك وأبي حنيفة لثورة محمد بن النفس الزكية وأخيه إبراهيم على أبي جعفر المنصور، والأهم من ذلك كله ثورة الحسين، سبط النبي عليه الصلاة والسلام، ومواجهة الصحابة للحجاج يوم الحرة.

والحق أن مواجهة الظلم والجور ما توفرت أدواته وكان تقدير الموقف صائبا لم يكن مشكلة عند أهل العلم والرأي، بدليل أن موقف الإمامين مالك وأبي حنيفة كان نابعا من إيمانهما بانتصار الثوار على أبي جعفر المنصور، لأنهما يدركان بدورهما نظرية جلب المصالح ودرء المفاسد.

هل يستحق شهداء الثورات العربية تأييدا أقوى من حديث «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر»، أو قوله تعالى «لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم»؟! ولك أن تضيف إليها طائفة من الشواهد التي يمكن العودة إليها ولا تحتمل نقلها هذه السطور.

في فتواه حول قتلى الثورات العربية قال حاكم المطيري إنهم شهداء لأنهم إنما خرجوا لأحد أمور ثلاثة، إما لدفع ظلم واجهوه أو لإعانة مظلوم أو لتغيير منكر، واعتبر أن القتيل في كل هذه الحالات يُعد شهيدا بإجماع علماء السلف من المسلمين.

أحدهم يتبجح بالقول: إن هؤلاء لم يطالبوا بتحكيم الشريعة، وإنما خرجوا من أجل الطعام والشراب، وهو قول فاسد لأنهم خرجوا يطالبون بالحرية، والحرية هي من نعم الله على البشر التي لا يجوز سلبها، وهم خرجوا يواجهون الفساد والجور، وهذا واجب المؤمنين لقوله تعالى «فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض..»، والحديث يتحدث عن سلطان جائر، حتى لو زعم تطبيق أحكام الشريعة في بعض الجوانب. ولنا أن نتذكر أمرا بالغ الأهمية هنا، وهو أن هؤلاء لم يقوموا بخروج مسلح كذلك الذي تحدثت عنه الآثار، وإنما خرجوا ينهون عن الفساد في الأرض.

الذين يشككون في ضحايا الثورات على الظلم إنما يعملون لحساب الظلم ويطلبون رضا أهله، وهم بفتاواهم تلك إنما يحاولون تبرير مواقفهم البائسة من خلال أحكام الشرع، ولكن الناس تعرفهم في لحن القول حتى لو انخدع بهم طائفة من الناس لا يستمعون لغيرهم.

====================

 الاعتراف السوري بالدولة الفلسطينية

عيسى الشعيبي

تاريخ النشر 23/07/2011

الغد الاردنية

في معرض نفيه حدوث أي فتور في علاقة دمشق بحماس، جراء إحجام حركة المقاومة الإسلامية عن التماثل مع حزب الله في الموقف المعيب من الثورة الشعبية، قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم، لا صحة لذلك وإنه هو الذي نقل هاتفياً إلى السيد خالد مشعل خبر اعتراف سورية بالدولة الفلسطينية، فكان رئيس حركة حماس هو أول من تبلغ هذا النبأ عشية صدوره رسمياً، وقبل معرفة السلطة الوطنية به عبر الوسائل الإعلامية.

 ومع أن الوزير السوري الذي ينفي وجود أزمة في بلاده، والذي شطب أوروبا عن الخريطة قبل عدة أيام، لم يقل لنا كيف تلقى مشعل هذه الهدية التي لا تخدم الخطاب السياسي للفصيل الذي يتبنى تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، إلا أنه يمكن الافتراض أن زعيم حماس، الذي غادر دمشق سياسياً رغم وجوده المادي فيها، رد شاكراً مثل هذه اللفتة، ثم راح يتأمل طويلاً في مغزى توقيتها المثير لعلامات الاستفهام والتعجب.

 ومن المرجح أن مشعل الذي غاب عن المشهد الدمشقي المحرج، شأنه شأن معظم القيادات والكوادر الفلسطينية، قد تفاجأ بهذا الاعتراف الذي حجبته سورية عن منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية مدة نحو ربع قرن، رغم اعتراف سائر الدول العربية (باستثناء لبنان لأسباب مفهومة) ومعها أكثر من مائة دولة أخرى بإعلان المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر عام 1988 عن قيام دولة فلسطين في حدود الرابع من حزيران 1967.

 وكان لافتاً أن المخاطبين بهذا الاعتراف السوري المتأخر، وحركة حماس ليست بينهم، لم يهللوا لهذا التطور المفاجئ في موقف دولة الممانعة المأزومة، حيث مرت عليه القيادة الفلسطينية مرور الكرام قائلة في نفسها: إنه إذا لم يكن هذا الاعتراف نافعاً فلن يكون ضاراً، فيما تجاهلت الولايات المتحدة وإسرائيل، وهما الطرفان المخاطبان أساساً بهذا الانزياح العقائدي عن مفهوم فلسطين التاريخية، الرسالة التي بعثت بها دمشق لهما في لحظة مصيرية حرجة.

 وإذا كان السيد محمود الخالدي مدير مكتب منظمة التحرير في دمشق منذ نحو أربعين سنة، قد استحسن هذا الاعتراف الذي جعل منه سفيراً معتمداً للسلطة الفلسطينية في العاصمة السورية، فإن كثيراً من أصدقاء أبو عماد هذا، قد أدهشهم انقلاب النظام السوري على موقفه الذي ظل يعارض فيه السلطة الوطنية بلا هوادة، ويهاجم كل تعبيراتها، ويمنع حاملي جواز سفرها المعترف به عربياً ودولياً من الدخول، أو حتى المرور عبر الأراضي السورية.

 لقد شبه أحد الأصدقاء ذات يوم عداء سورية للسلطة الفلسطينية بعداوة المسلمين الأوائل لأصنام الجاهلية في البيت العتيق بمكة، حيث ذكر لي أنه عندما قررت الأمم المتحدة عام 1994 نقل مقر الأونروا من فيينا إلى غزة، دعماً لقيام السلطة الجديدة، لم يعترض على هذا القرار سوى دولتين فقط، إحداهما كانت إسرائيل، فيما كانت الثانية التي اقترعت إلى جانب بقاء وكالة الغوث في العاصمة النمساوية هي سورية وليست الولايات المتحدة كما جرت العادة.

 لهذا جاءت ردود الفعل الفلسطينية على هذا الاعتراف المشكوك في دوافعه الحقيقية، أقل من حدود المجاملات الاعتيادية، بل كاد الخبر يسقط من على صدر الصفحات الأولى للجرائد الصادرة في القدس ورام الله، خصوصاً وأن الذاكرة العامة ما تزال مسكونة بفيض من الألاعيب السورية بالورقة الفلسطينية، وكان آخرها دفع فتية من أبناء المخيمات في سورية للموت مجاناً على حدود هضبة الجولان في ذكرى يوم النكسة، إنفاذاً لتهديد رامي مخلوف بقلقلة أمن إسرائيل إذا ما اضطرب الأمن في محيط العائلة الأسدية.

 على أي حال، فإن هذا الاعتراف الذي تم إرساله إلى العنوان الخطأ، وجرى توقيته في الوقت الخطأ أيضاً، والتبس مغزاه على كل المخاطبين به، يقدم دليلاً إضافياً على مدى عمق المأزق الذي يعيشه نظام تتآكل شرعيته، ويواصل فقدان دوره، ويلعب يائساً بما تبقى من أوراقه. وقد يكون إهداء هذا الاعتراف لحركة حماس هو من قبيل توريط الحركة التي لم يعد لها ما تفعله في دمشق، للبقاء حيث هي، كخرزة زرقاء في تحالف ذي لون مذهبي واحد، ترد عنه عيون المتشككين أصلاً بفحوى هذا الاصطفاف، وتستر عورة ما كان يسمى بمعسكر الممانعة.

====================

حوار ضد النظام!

ميشيل كيلو

الشرق الاوسط

24-7-2011

يبدو لمن ينظر من بعيد وكأنه لا صوت يعلو على صوت الحوار في سوريا، فالكلمة تستخدم في جميع المناسبات وكأنها وصفة سحرية فيها شفاء البلاد والعباد من أمراض مزمنة وعلل مهلكة. ومن يستمع إلى إحدى محطات الإذاعة، التي تعهدت بأن تهتم بأي شأن سياسي ووقع أصحابها وثيقة مكتوبة التزموا فيها بذلك عندما منحوا رخصة تشغيلها، يجد أنها صارت تتحدث عن الحوار ليلا ونهارا فقط. أما من كان يجد حرجا في إيجاد عدد كاف من أغاني الحب لتقديمها إلى الشباب، لأنه ممنوع من الحديث عن أي مشكلة من مشكلاتهم تخرج عن نار الحب ولوعة الفراق، أخذ يحث الشباب على التظاهر من أجل الحوار، حتى إن محطات تلفاز متعددة بدأت تأخذ على المعارضة عدم جديتها في تناول مسائل الحوار، وتعيب عليها تبعثرها، الذي يقيد يدها خلال الحوار ويجعل مواقفها متباينة، علما أن هذه المحطات بالذات كانت تنكر إلى ما قبل أسابيع قليلة وجود أي نوع من المعارضة في سوريا، وتقدم صورة بلد تشكل سلطته وشعبه جسدا واحدا وإرادة واحدة، لا محل لأي كائن غيرهما في سوريا، مهما كان عدده قليلا ووجوده نادرا!

فجأة، صار الحوار موضوع الساعة، وصار له هيئة وأنصار ومروجون متحمسون، وصارت له خطة جعلته يمر بمرحلتين: واحدة تنتهي إلى «لقاء تشاوري» يحدد مواضيعه وآلياته، وأخرى إلى «مؤتمر وطني» يقرر نوع التغيير المطلوب لسوريا وحجمه وحدوده وقواه. ومع أن الحوار لم يكن في أي يوم فكرة السلطة أو مطلبها، فإن تهافت إعلامها عليه بالشكل الذي حدث، أراد الإيحاء بأنها هي الراغبة فيه والمصممة عليه، بينما يتهرب غيرها منه، أو يجد الحجج والذرائع كي ينأى بنفسه عنه. هذا الموقف الدعائي يتجاهل حقيقة يعرفها السوريون هي أن المعارضة طالبت بالحوار منذ عام 2000، دون أن تلقى أي استجابة، وقدمت رؤية تفصيلية له تقوم على تحديد مشترك لمواضيعه، وتوصيف متفق عليه لواقع سوريا، ينتهي إلى توافق عام وملزم حول سبل وآليات التصدي لمشكلاته الكثيرة والمعقدة، والقيام بعمل موحد لإنجاز المهام التي يتم التفاهم على تحقيقها، ضمن مهل زمنية محددة، على ألا ينظر الشركاء إلى أنفسهم بوصفهم معارضة موالاة، وإنما يرون في بعضهم البعض وطنيين سوريين يتعاونون لتخليص مجتمعهم ودولتهم من مآزق تسبب فيها النظام، يقر كل طرف منهم بشرعية الآخر، فتعترف السلطة بأحزاب المعارضة وتعترف هذه بشرعية السطة، وتصدر قوانين ومراسيم تبيح الحريات العامة كحرية التعبير والاجتماع والتظاهر السلمي.. إلخ، على أن تحل قضية السلطة في حقبة زمنية انتقالية تمتد لفترة يتم التوافق عليها، كي تنزلق سوريا سلميا ودون صراعات داخلية إلى نظام جديد فيه خير ومصلحة جميع أبنائها وأحزابها ومكونات جماعتها الوطنية.

رأى المحاورون من أهل السلطة، الذين رفضوا طيلة عشرة أعوام ونيف أي حوار مع أي جهة داخلية، بحجة أن الشعب والنظام شيء واحد وأنه ليس هناك ما يستدعي الحوار، القفز من فوق هذه الخطة الواضحة، والعمل بأسلوب مفعم بالغموض، قسموه إلى مرحلتين، كما سبق القول: واحدة لتحديد المواضيع والآليات، والثانية لعقد مؤتمر وطني، بينما قصروا العمل في المرحلتين على عدد قليل من الأشخاص اختارهم النظام، استمعوا إلى آراء قطاعات متباينة من السوريين، بمن فيهم أهل المعارضة، قبل أن يقرروا مواضيع «اللقاء التشاوري»، مع أن أي موضوع منها لم يكن مقبولا منهم قبل فترة جد قصيرة، كما لم يكن من اختيارهم أو اقتراحهم، بل كانت جميعها من مطالب المعارضة الحزبية والثقافية، وتلك التي تحرك الشارع، والتي لم يستمع أحد من أعضاء الهيئة إليها أو يلتقي بممثليها أو يقر بشرعية وجودها. بعد شهر ونيف من تشكيل الهيئة، عقد «اللقاء التشاوري» بحضور قرابة مائتي شخص، اختارتهم جهات رسمية ولم ينتخبهم أو ينتدبهم أحد، بينما غابت جميع أطياف المعارضة، دون أن تغيب مطالبها ولغتها. وقد حدث خلال اللقاء صراع واضح وجلي في صفوف أهل النظام، انصب بالدرجة الأولى على الحوار ذاته، وبدرجة ثانية على مواضيعه، لأن الحوار نفسه كان محل اعتراض صاخب من جماعات أمنية وحزبية كثيرة، رأت أنها ستخسر امتيازاتها، إذا ما تم مثلا إلغاء المادة الثامنة من الدستور، التي تجعل «البعث» قائد الدولة والمجتمع، أو تم إصدار قانون إعلام عصري يقر بحرية الصحافة وحرية إصدار الصحف، وقانون انتخاب يقوم على حريته.

مثلما انقلب جميع المتحدثين قبل شهر إلى مؤيدين للحوار يزايدون على دعاته الأصليين، انقلب هؤلاء فجأة إلى مدافعين عن القيم والمبادئ التي تجعله حوارا شكليا، كلاميا وبرانيا وضارا ولا وطنيا، وأصدروا بيانات طويلة في هجائه وأنكروا أن يكون ما جرى في اللقاء حوارا، لأنهم غابوا عنه، مع أن من قاد الهيئة واللقاء كان نائب رئيس الجمهورية، الذي مثلهم وكان مفوضا بالحديث باسم الرئيس، كما أعلن الأخير لدى إعلانه عن تشكيل هيئة الحوار ومشاركته في جلستها الأولى.

بعد الهجوم الكلامي وقع الهجوم الفعلي، العنيف والدامي، الذي ركز على مدينة العيش المشترك «حمص»، وفتك بمواطنيها جميعهم أشد الفتك، ثم مر بوقف عمل اللجنة التي كانت تعمل على صياغة قانون الإعلام، وتلك التي عملت لقانون انتخاب حديث، ومنعت صحف لبنانية عرفت بقربها من النظام ك«السفير» و«الأخبار» (القريبة من حزب الله)، لأنها كتبت مقالات نقدية ضد الحل الأمني ونتائجه الخطيرة على سوريا والعرب، بينما جرت ممارسات مناقضة تماما لتوصيات اللقاء، التي قالت بإطلاق سراح المعتقلين، وبالسماح بالتظاهر السلمي، وبحماية حرية القول والتعبير، فألقي القبض على معتقلين جدد يقال إن عددهم بالمئات، ووقع هجوم عام على مدن كانت بعيدة عن ويلات الحل الأمني، كالبوكمال ودمشق وبعض ضواحيها.. إلخ، وتعرض رئيس الهيئة نفسه لموجة من النقد الشديد، وانطلقت أصوات حذرت من «اجتثاث البعث» و«إلغاء الجيش العقائدي»، في حال تم إلغاء المادة الثامنة من الدستور أو تعديلها، الأمر الذي يعني، في نظر هؤلاء، القيام بانقلاب على الأمر القائم ظاهره إصلاحي وباطنه إسقاط النظام، الذي يطالب به الأعداء في الشارع.

تبخرت فجأة الحماسة للحوار، الذي انقلب إلى خطر قاتل وانقلاب لا بد من إحباطه بأي ثمن. وظهر أن العقل السياسي السائد ليس عقلا حواريا أو قابلا بالحوار، وتأكد ما كانت المعارضة تقوله دوما، وهو أنه ليس جادا في قبول التغيير ويعلق خطوته الإصلاحية على الحل الأمني، فإن حقق هذا النجاح المطلوب، كان التغيير شكليا وبرانيا. في هذه الأثناء، يكون النظام قد استخدم المعارضة لتغطية هذا الحل سياسيا، وحرق ورقتها عند الشعب. في الحالة الأخرى، يكون هناك ما يكفي من الوقت لإجراء حوار يحاول أهل الحكم خلاله إنقاذ ما يمكن إنقاذه منه.

كشرت قوى كثيرة عن أنيابها، واتخذت مواقف حادة ضد أهل الحوار من أبناء النظام ذاته، الذين صاروا بين ليلة وضحاها محل شك، واتهموا بأنهم يريدون الحوار لقلب السلطة وليس لإيجاد حلول لمشكلات الدولة والمجتمع. وظهرت الحقيقة، وهي أن عداء النظام القديم للحوار ما زال قائما، وأن من يرفضون الحوار يدافعون عن مصالحهم ولا يأبهون لأي مصلحة غيرها.. وطنية كانت أم حزبية أم شعبية.

واليوم، يقال إن قرابة ثمانمائة شخص سيحضرون مؤتمر الحوار الوطني، وإن هذا سيعقد بعد قرابة شهر، وإنه سيقول الكلمة الفصل في شؤون سوريا. يقال هذا بينما يتسع الحل الأمني ويزداد حدة وعنفا ويستهدف قطاعات أكبر من الشعب ويتعاظم عدد ضحاياه من الجانبين المدني والعسكري. فهل سيكون عائده، إن عقد حقا، أكبر من عائد «اللقاء التشاوري» بالنسبة إلى حقوق السوريين والإقرار بشرعية مطالبهم وبضرورة تحقيقها، علما بأن اللقاء قدم توصيات لا يعرف أحد مصيرها، مستمدة من مطالب المعارضة التي افترضوا أنها ستخلق بيئة حوار مناسبة تمكنهم من حضور اللقاء، لكنه يبدو أن رمال السياسة السورية المتحركة قد ابتلعتها كما تبتلع الصحراء نقطة ماء نزلت عليها في حر صيف ملتهب؟!

هذا هو السؤال الحقيقي، الذي لا يجيب عنه أحد، بينما يستمر الهجوم ويتصاعد على فكرة ومبدأ الحوار، وعلى المتحاورين من الحزب والسلطة والمعارضة، ويجتث من يتحدثون عن اجتثاث البعث أعدادا متزايدة من مواطني بلادهم، الذين لم يفكروا في اجتثاث أي شيء ولا يطالبون بغير الحرية، لهم ولغيرهم، رغم ما يعانونه من أذى وظلم وموت!

================

أمريكا والبحث عن النفوذ بين شهداء سورية

علي الأمين

الحوار المتمدن 22/7/2011

بات من البديهي أن ينتظر العرب التصاريح الدبلوماسية الصادرة عن الإدارة الأمريكية أو تحليلاتها هذه الأيام بشديد الترقب لما ما للولايات المتحدة من وضع استثنائي مع كل الأنظمة العربية بلا استثناء كما هو معروف، وقد كانت للعبارات التي أطلقتها تلك الدبلوماسية الأثر البالغ في تحديد مسار كل من الثورات التونسية والمصرية و الليبية، أو تلك التي لم تطلقها بالنسبة للثورة اليمنية والتي تباينت حول هذه المواقف مختلف رؤى الشباب العربي المنتفض حيثما وجد.

ومن الملاحظ أن تعليقات هذه الإدارة بما يخص الثورة السورية والنظام الحاكم في سورية يكتنفها عجب العجاب، فتارة تظن أن أمريكا ستسحب اعترافها ببشار الأسد كرئيس لسورية عقب عبارة أطلقها مسئول هنا أو مسئول هناك، وفي اليوم التالي أو ربما بعد سويعات من ذلك التصريح تعيد تلك الجهة إنتاج ما نطقت به بنبرات تصالحية قد تثير الريبة.

وبمقارنة المواقف الأمريكية من الثورات العربية الأخرى مع موقفها من الثورة السورية، نجد أن هنالك ما يستدعي إثارة تساؤلات عدة مثل: هل هنالك تخبط في السياسة الأمريكية بالنسبة لسورية أم أن هناك خلاف بين الرئيس أوباما و رئيسة دبلوماسيته؟ الجواب هو ربما يكون كذلك إلا أنه احتمال بعيد جداً حيث أن الإجابة على هذا التساؤل يفرضها الواقع الدامي على الأرض في سورية.

فأمريكا، حقيقة، لا يهمها شخص أو نظام من يقود سوريا بعد آل الأسد بقدر ما يهمها الحفاظ على مصالحها المتنوعة في المنطقة، و لأن النظام خبير بما يرضي الأسياد ، فقد أثبت أنه مستعد لفعل أي شيء في سبيل البقاء بل هو مستعد للتخلي حتى عن قول المفردات التي استخدمها لتنجير وهندسة مقاومته الحنجورية الفارغة إلا عبارات الضحك على الذقون، و لا شك أنها تتضمن طقوس السجود والركوع لأمريكا خلف الكواليس و الأدلة صارت في متناول الصغير قبل الكبير وكان آخرها الاعتراف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية المثير للتساؤلات من حيث السرعة والتوقيت.

وبات من الواضح أن الإدارة الأمريكية تعكف على تقليب الوضع السوري وتحليله عن كثب، فهي ليست فقط راغبةً في رحيل النظام السوري لانتهاء صلاحيته، بل وتريد أن يكون لها اليد الطولى في رحيله لتقبض ثمن ذهابه فيما بعد ولكنها، مع ذلك، نجدها ساعةً تدغدغ نظام بشار الأسد ، و تارة تراها تحضن الثوار السوريون وتركل النظام بكعب حذائها، إلا انه سرعان ما تتحول تلك الركلة إلى ما يشبه قبلة الحياة. وقد وصلت حدة تلك التصريحات لدرجة إفقاد بشار الأسد الشرعية عقب اعتداء شبيحة الأمن والنظام على السفارات الأمريكية والفرنسية، و القطرية في دمشق لنسمع في اليوم التالي تملصاً من هذه الأقوال وكانت تماماً عكس المتوقع.

هل يدل هذا على تخبط في السياسة يظهر خلافاً ما بين أوباما و كلينتون؟ الإجابة بالإيجاب قد تكون مستبعدة لو تم التدقيق في العبارات الصادرة عن كلينتون و أوباما بشكل أعمق. فأمريكا حين أرسلت سفيرها إلى حماه واستقبله أهلها الشرفاء استقبال أي متعاطف معهم، توقعت أن يتطور ترحيب المحتجين بالسفير إلى حد مطالبته بالتدخل في سورية بطريقة ما، الشيء الذي لم يحدث، فكان نتيجة هذا الذي لم يحدث أن خرجت كلينتون لتقول أنه من الصعب التأثير على سورية من الخارج.

 

إن تحليلاً بسيطاً لنبرة التصريحات التي سالت أو تعثرت أو لم تجر ألسن رؤوس الدبلوماسية الأمريكية تشير إلى رغبة أمريكية حقيقية في أن يكون لها دور فعال، وربما ترغب في أن يكون لها اليد الطولى في إزالة نظام آل الأسد، ولكنها، وفي الوقت ذاته، لا تريد أن تفرض نفسها فرضاً لتتهم بسوء نياتها، فتبوء بالرفض التام من قبل أطياف الثورة السورية، وهي بالمقابل تسعى لأن تكون مدعوة ومرحب بها على طريقة استقبال أهل حماه الأشاوس لسفير أمريكا الاستقبال الذي لم يعدو كونه تعبير عن الشكر لأي تضامن إنساني قد يصدر من أي شخصية أو دولة في العالم مع شعب يذبح ذبح النعاج بأياد من يفترض بهم حمايته.

هذا الترحيب الذي تسعى خلفه أمريكا لا تنتظره و لا تقبله من أقطاب المعارضة السورية التقليدية لكيلا تعاني بما باءت به في العراق حين ظنت أن من اعتمدت عليهم من المعارضة الخارجية يملكون شيئاً من أمر العراقيين يسهل مهمتهم بعد احتلال العراق.

وبات من الواضح أن الدعوة و الترحيب المقبولين من قبلها حقيقةً لا يتم إلا بدعوة صريحة من أبطال الشارع السوري الذين إلى هذه اللحظة يحجمون عن دعوة العالم للتدخل في سورية بغير السبل السياسية بالرغم من أنهار الدماء الشريفة التي سبب في إسالتها النظام السوري لأنهم لا يرون في ذلك إلا شكلاً من أشكال الدعوات إلى استباحة الوطن من قبل دولٍ لا يهمها إلا مصلحتها أولاً و أخيراً كأمريكا والدول الأوروبية.

و لا يوجد أدنى شك في أن خشية المحتجين السوريين من تهمتهم بالاستقواء بالأجنبي هي وراء إحجامهم عن هكذا دعوات، ولا شك أن هذه الخشية و هذا المستوى الرفيع من الوطنية هو، وللمفارقة، ما يسعد النظام و يطمئنه ويفسح المجال أمامه للتقتيل في الشعب السوري كما يشاء بدم بارد و دونما إبطاء.

و للمفارقة أيضاً،أنه ثبت أن هذا التقتيل المجرم لا يزيد في الشباب السوري إلا إصراراً على مزيد من تكثيف الجهود لحث الفئة الصامتة التي يحاول النظام تجبيرها لصالحه للخروج عن صمتهم ، ولزيادة الضغط على النظام سياسياً و اقتصادياً لإسقاطه سلمياً تحت أعين وسمع دول العالم المنتظر و المراقب، حالياً، في حالة تشبه كثيراً العض على الأصابع بانتظار من يصرخ أخيراً. فالسوريون يعتقدون أنهم سيسقطون النظام دون خدمات المرياع(1) الأمريكي بينما هذا المرياع لا يتمنى أن يسقط النظام دون دسِّ أنفه، وهو سيفرض نفسه بأي شكل من الأشكال و ربما من باب الضمير الإنساني حين يرى أن الكفة قد مالت باتجاه إسقاط نظام بشار الأسد حتى لا يخرج من المولد السوري بلا حمُّص.

إن الرد المناسب على التصريحات الزكزاكية للقادة الغربيين تشكل حافزاً أكبر لاعتبار هذه المواقف مناصرة للنظام ومعادية للشعب السوري بداية، ومن ثم التركيز على تطوير أساليب الاحتجاج السلمي وتصعيده دون النظر إلى ما يناور به كل من هو ليس سورياً. إن تكاتف جميع أطياف الشعب السوري السهل المنال والعصي على التمزيق، كفيلٌ بأن يزيح هذا النظام المستبد إلى الأبد، و كفيلٌ بأن يجعل دول العالم المهتمة في مصالحها في سورية تلهث خلف الشباب السوري لاسترضائه عاجلاً أو آجلاً فسورية مفتاح باب التغيير الشامل في مستقبل هذه البقعة من العالم فالنصر صبر ساعة.

 ____________

(1) المرياع: هو ذكر الماعز المسمى بالتيس والذي يعمد صاحبه لخصيه كي يكبر حجمه كثيراً ويجعله كنقطة علام لتلحق به الأغنام أينما ذهب، فيسهل عمل الراعي في جمع الأغنام من حوله.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ