ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 23/07/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

حمص لن تعيد تاريخ حماة؟!

22-7-2011

ميرفت سيوفي

الشرق

ما نشرته بالأمس صحيفة ال»واشنطن بوست» يستوقف أي متابع لأحداث العنف في معظم المدن السورية ولم يتبقَّ منها سوى الانفجار الكبير في حلب لتصبح شاملة وعامّة التي دخلت مرحلة «لا تُطاق» كما وصفها من موسكو «وليد جنبلاط» ونائب وزير خارجية روسيا، مع التأكيد أنّها ثورة، فالكلام الذي نقلته الصحيفة الأميركيّة: «إن سفينة الأسد تغرق، والشيء المهم هو إقناع الناس ليدركوا ذلك حتى نضمن قفزهم من السفينة والالتحاق بسفينة الحياة».

الأنباء «المتواترة» عن القتل الذي استحرّ في أهل حمص قبيل حلول اليوم الجمعة موعد «جمعة أحفاد خالد»، وفي سباق مع موعد حلول شهر رمضان المعظّم، وليس لأن القتل في شهر شعبان حلال وفي شهر رمضان حرام، بل لأنّ رمضان شهر المساجد العامرة بالصلاة والمصلين كلّ يوم وليلة خصوصاً صلاة التراويح، ومنع الناس من الدخول إلى المساجد أو محاصرتهم فيها، سيدفع بالمواجهة إلى أعتى درجاتها، خصوصاً مع المفردات «الكفريّة» البعثية في لبنان فيتجرّأ «حقير» على الذات الإلهية فيقول:»الله ما قارينو» ونعوذ بالله ومن شرورهم وكفرهم وآخرتهم وعاقبتهم خصوصاً وأن المفردات في سورية وصلت حدّ الدفع الى إحلال اسم الرئيس محل اسم «الله» في شهادة التوحيد!!

ونشرت ال»واشنطن بوست» نقلاً عن مصدر في البيت الأبيض عن باراك أوباما قوله: «إن الأسد اتخذ كل الخطوات الخاطئة في مواجهة الاحتجاجات»، يُلطّفون القتل والعنف والتوحش فيطلق عليه من هم «واقفين عَشوار» كالنائب وليد جنبلاط «الحلّ الأمني»، العنف يستدرج العنف، وكلّما ازداد العنف والقتل ازداد اقتناع كلّ الذين هتفوا بالإصلاح أو بالحريّة أو بإسقاط النظام أنهم «مقتولون» لا مفرّ من هذه الحقيقة، ازدادت التظاهرات حدّة وقررّ السوريون الغاضبون الموت في ساحات التظاهر لا في غياهب معتقلات التعذيب!!

عملياً تواصل وتصاعد حركات الاحتجاج والتظاهر يؤكّد أن النظام فقد سيطرته على البلاد لاتساع رقعة التظاهر وانكسار جدار الخوف الوهمي داخل الشعب السوري، وأكثر من يفهم هذا الإحساس بانكسار جدار الخوف من آلة النظام الأمنيّة القاتلة هو الشعب اللبناني الذي انكسر في داخله جدار الخوف الكبير في 14 شباط 2005 وانهار كلياً في 14 آذار التاريخي، فالآلة الأمنية القاتلة تشتتت سطوتها وخارت قواها المبعثرة في طول البلاد وعرضها.

مرّت أيام العنف ووصل يوم الجمعة ولم تنكسر إرادة الشعب في حمص ففي حماة يقولون إنه لا يستطيع أي من القوات الأمنية الاقتراب، من دون أن تدق أجهزة الإنذار في الشوارع وتعلو صيحات «الله أكبر»، ويستمر التظاهر: «لقد تبدد الخوف»، الخطأ «المميت» ارتكبه النظام وانتهينا، العنف ليس حلاً في الأساس، وهو عادة قد يكون الحل الأخير وليس الأول، فاستهلك كلّ أوراقه وأحرقها عندما استمر التظاهر وتضاعف وتوسّعت رقعته، لا نميل كثيراً إلى ما يظنّه كثيرون أن تاريخ حماة كان حائلاً دون اقتحامها وتدميرها ثانية، غير دقيق هذا الكلام مع أن أهل حماة يقولون: «يوجد في كل بيت شهداء»، فما حدث عام 1982 وبوحشية فاقت ما فعلته إسرائيل في لبنان عام 1982، اليوم يروون أن الذين قتلوا عام 1982 «أبناؤهم وأحفادهم هم من ينظمون الاحتجاجات حاليا».

حمص لن تكون حماة، فلا يستطيع أيّ نظام إعادة التاريخ إلى الوراء، لو كان في مقدورهم إرسال طائرة واحدة لحسم الأحداث لكانوا فعلوا، فتحليق هذه الطائرات يحتاج للمفارقة لإذنٍ من إسرائيل!! جلّ ما نتمنّاه اليوم أن تحقن دماء الشعب السوري، وأن يجد النظام طريق الصواب، فيسكت صوت الرصاص ويعلو صوت الحوار، وينقطع سيل الدم، وإن كان الطريق كاد يقطع نهائياً والباب يغلق إلى الأبد بين النظام والشعب السوري، فالوقت تأخر كثيراً وحبات الرّمل المتبقية تكاد تنفد، والقتل ليس حلاً!

================

الربيع العربي: مقاربة للفعل الشبابي

زهير الكساب

تاريخ النشر: الجمعة 22 يوليو 2011

الاتحاد

-----

الكتاب: اهتزاز ساحة القصبة... الغضب والتمر في العالم الإسلامي

المؤلفة: روبن رايتس

الناشر: سيمون أند شوستر

تاريخ النشر: 2011

في الكتاب الذي نعرضه هنا بعنوان "اهتزاز ساحة القصبة... الغضب والتمرد في العالم الإسلامي"، تسعى الكاتبة والصحفية الأميركية "روبن رايتس" إلى مقاربة الثورات التي تجتاح العالم العربي بطريقة مختلفة، محاولة عدم الاقتصار على التحليل السياسي وإن كانت تلتزم بالسرد التسلسلي للأحداث بدءاً بانتفاضة تونس وانتهاء بتنحي مبارك مروراً بما يجري في سوريا وليبيا واليمن من مخاض لم يكتمل بعد. فالمؤلفة تنفتح على العامل الثقافي الذي تعتبره السياق الأهم لفهم التحركات السياسية والتغيرات الكبرى التي يمور بها العالم العربي، فالثقافة والسياسة في نظر الكاتبة مرتبطان ولا يمكن فهم الانتفاضات الجارية في العالم الإسلامي دون الرجوع إلى جذورها الثقافية في هذه البلدان التي تهتز تحت وقع الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية والتغيير. وبدلا من تركيز الانتباه على دراسة الحياة السياسية الرسمية، تدعو الكاتبة السياسيين في الغرب إلى الإنصات لنبض الشباب والاطلاع على الثقافة التي تحركهم، ثم تغوص بنا في العلاقة الخاصة التي تربط الإنسان العربي بالدين، إذ خلافاً للأفكار السائدة في الغرب المشككة في قدرة المعتقدات الدينية على التكيف مع متطلبات العصر، تصر الكاتبة على تصحيح هذه التصورات المغلوطة. ولتصويب ما تراه خطأ تستند إلى تجربتها الطويلة داخل المجتمعات العربية والإسلامية، فهي كمراسلة سابقة لصحيفة "لوس أنجلوس تايمز"، ظلت تنقل الأخبار من الشرق الأوسط وتعايش أهله لسنوات. وانطلاقا من تجربتها، تلاحظ أن الشباب الذي يقود الاحتجاجات في بلدانه لا يرى الدين كما يفهمه الغرب عائقاً أمام الثورة والاندماج ضمن سيرورة الحداثة ومستلزمات العولمة الكاسحة، ويظهر ذلك في رؤية خاصة لهؤلاء الشباب ترفض التدين في صيغته التقليدية الساعي إلى إرهاق المجتمع بالقيود والموانع، مقابل تدين منفتح يصل الشاب مباشرة بالقرآن الكريم. وذلك ما يفسر رغبة الشباب في الحفاظ على مبادئ الإسلام الأساسية، وفي الوقت نفسه تبني نظام حياة عصري، فلا تناقض في نظرهم بين الالتزام بمبادئ الدين الإسلامي والمطالبة بحياة سياسة ديمقراطيات حديثة وعصرية.

وخلافاً للتيار المتدين التقليدي، يستند شباب الثورات العربية إلى موروث إسلامي واسع لا يرى غضاضة في تقويم اعوجاج السلطة دون الانجرار إلى العنف.

وهذا الارتباط بين القيم الثقافية والدينية من جهة، والحداثة في شقها السياسي الديمقراطي من جهة أخرى، قوض ليس فقط دعائم التيار المحافظ في بعض المجتمعات العربية، بل كرس فكرة أساسية مفادها أن الحداثة لا تنبعث إلا من الداخل، كما أنه نسف النظرة الاستشراقية التي أرجعت الاستعصاء الديمقراطي في العالمين العربي والإسلامي إلى عوامل ثقافية، بل الأكثر من ذلك أثبت الشباب الذي انتفض ضد الأنظمة الديكتاتورية المدعومة من الغرب أن الإسلام لا يقود بالضرورة إلى العنف. والمفارقة، تقول الكاتبة، أن التطرف يكون نتيجة تدخل الغرب إما من خلال حروبه المتعددة في المنطقة، أو بدعمه اللامشروط لأنظمة مكروهة شعبياً.

وإذا كان الشباب الذي يشكل غالبية السكان في العالمين العربي والإسلامي قد تصالح مع الدين، عكس ما حاولت الأيديولوجيات العلمانية الترويح له دون جدوى، فإنه قام بذلك من خلال مجموعة من الرموز الثقافية التي تجمع بين جوهر الدين وبين مظاهر التحديث، ومن ذلك طريقة اللباس (الحجاب العصري بأناقته البادية)، وبعض الظواهر المستجدة كالدعاة الجدد الذين باتوا ينافسون نجوم الفن والسينما على الشهرة.

ومع أن ذلك المزج بين المعايير الثقافية لدى الشباب المسلم وبين قيم الحداثة في شقها السياسي التحرري، قد لا يفهمه الغرب، فإن ذلك لا يمنع من استكشاف فوائده، إذ بات معروفاً أن الثورات السلمية التي أطاحت بأنظمة الحكم مثلت ضربة قوية للتنظيمات المتطرفة وعلى رأسها "القاعدة" التي تعد من أشد الرافضين للديمقراطية وأسلوب الحياة العصرية. هذا الإدراك يحتم على الغرب، كما تقول الكاتبة، مد يده لهؤلاء الشباب والتوقف عن الارتياب في مستقبل ثوراتهم فقط لأنها منغمسة في الثقافة المحلية بأبعادها الدينية المنفتحة.

================

الدكتور بشار والمستر ماهر: رواية الرعب الأخرى

د. عبدالوهاب الأفندي

2011-07-21

القدس العربي

(1)ربما تكون هناك أشياء كثيرة خافية علينا حول الشأن السوري وغيره، ولكن أكثر ما يستعصي على الفهم هو الأسس التي يستند عليها من يأملون أن يروا إصلاحاً على يد الرئيس السوري بشار بن حافظ الأسد. فقد ظل ساسة العالم، من أردوغان إلى كلنتون وساركوزي يبذلون له النصائح المجانية كي يسارع بالإصلاح، بينما كان بعض منتقديه يقولون إنه يريد الإصلاح ولكنه لا يملك من أمره شيئاً، لأن غلاة المتطرفين، وعلى رأسهم شقيقه ماهر، يعارضون ذلك.

(2)

لعل بعض الشعارات التي رفعها بشار للتغطية على فضيحة التوريث والردة الملكية في جمهورية مزعومة تدعي الثورية والممانعة، هو ما خدع البعض. ولكن الذي يريد الإصلاح لا يسلك طريق سرقة الحكم بليل، وتعديل الدستور تعسفياً، والاستناد إلى مجلس شعب الشعب منه براء، أو ينفق الأموال على أجهزة مخابرات متعددة. وقد رأينا كيف زيف جمال مبارك شعارات الإصلاح والتحديث، بينما كشف أقرب المقربين منه بعد سقوطه كم كان دكتاتورياً وفجاً في غطرسته، وما أمر سيف القذافي منا ببعيد.

(3)

الأسد الابن لم يرث الدولة السورية فقط، ولكنه ورث معها نفس الأجهزة التي ارتكبت المجازر، ونفس أقبية التعذيب وتنظيمات الإجرام، وأساليب الفساد والإفساد. وقد ورث كذلك نظام الفرز الطائفي وطوره، ودمج بين الطائفية والتعسف الأمني والفساد المالي، وكلها مؤامرات إجرامية يشد بعضها بعضاً. وهو قد ورث كذلك عن والده بعض المكر والدهاء، واستخدام معسول الكلام للتمويه: فالحزبية الثورجية غطاء للطائفية، والمقاومة والممانعة متاجرة بالقضية وغلالة تستر الاستبداد وتجرم من يرفضه، وهكذا على طريقة جورج أورويل.

(4)

شخصياً لا أعتقد أن القوى الغربية التي تطالب الأسد بالإصلاح تؤمن ولو للحظة بوجود أية نية أو قدرة على الإصلاح لدى النظام السوري، وهي تستخدم هذه المطالبة إما لستر عجزها أو لتبرير تواطئها. فإصلاح أي نظام إجرامي استبدادي لا يعني سوى اختفائه وإعادة تسليم الأمر إلى الشعب، الذي يدرك الأسد وجماعته تماماً أنه يرفضهم. وهذه عملية انتحارية، أشبه بمطالبة عصابة تعيش على النهب أن تتولى حفظ النظام والقانون.

(5)

إذا كان هناك أي وهم لدى البعض بأن لدى النظام أدنى توجه نحو الإصلاح، فإن ما وقع منذ اشتعال الثورة السورية لا بد أن يكون قد بدده تماماً. فإذا كان الإصلاح يعني التوبة عن ماضي الإجرام، والتكفير عن سالف الذنوب، فإن ما ولغ فيه النظام السوري كان مزيداً من الإجرام، بل إجراماً من نوع غير مسبوق. فقد نزع عن نفسه كل قناع، وتعامل مع الشعب السوري كقوة أجنبية غازية، تعمدت إخضاعه عبر الإذلال والذبح والتعذيب على نحو لم يشهد العالم مثله حتى في أيام المغول والنازية. وعليه لم يعد هناك مخرج إلا بأحد أمرين: إما أن ينتصر النظام ويتحول السوريون إلى قطيع من السوائم يهتفون 'لا إله إلا بشار' كما يطالبهم الشبيحة، أو يرحل بشار وبقية الأصنام إلى سقر وبئس المصير.

(6)

في بعض الأطروحات الساذجة يتخيل بعض المحللين صراعاً داخل السلطة السورية بين حمائم من جهة (يصنف بشار من بينهم) وصقور من جهة أخرى، على رأسهم ماهر وبقية الشبيحة. وهذا لعمري من خطل القول، لأن هذا النوع من الأنظمة بينه وحدة عضوية، وتقاسم أدوار كما في تكتيك 'الشرطي السيىء والشرطي الطيب' الذي يستخدم في الأفلام (والواقع) لإقناع المتهم بالتعاون من الشرطي الطيب وإلا سلم للآخر الذي لا يرحم.

(7)

يذكرني هذا التصنيف برواية روبرت لوي ستيفنسون الشهيرة 'الدكتور جيكيل والمستر هايد'، وملخصها كما هو معروف ظهور شخصية غامضة باسم المستر هايد، قبيح المظهر والمخبر، يشتبه بتورطه في جرائم عدة. ولكن هناك خيوطا وعلاقة صداقة مستغربة تربط هذا الرجل بالدكتور جيكيل، وهو شخصية محترمة غاية في الطيبة والاستقامة. ويتكشف في نهاية الرواية أن جيكيل وهايد ما هما إلا شخص واحد، وأن الطبيب كان يستخدم بعض العقاقير ليتحول إلى ذلك الشخص الآخر حتى يرضي نوازعه الشريرة ثم يعود لطبيعته الدمثة المسالمة. ولكن الدكتور جيكيل فوجئ في نهاية المطاف بأنه أصبح يتحول إلى شخصية هايد بصورة لا إرادية، وحتى بدون العقاقير، بل أصبح يحتاج إلى العقاقير حتى يعود لفطرته. وفي نهاية الأمر نفدت العقاقير واضطر للانتحار بعد أن بدأ أمره يفتضح.

(8)

السؤال الذي تطرحه هذه القصة، بافتراض صحتها، هو هل هناك حقيقة رجل طيب ورجل خبيث في هذه الرواية، أم هناك شخص واحد كله خبث؟ فالرجل الطيب أصبح شريكاً للخبيث في جرائمه، ومتستراً عليها (في بداية الرواية، يقوم الطبيب بدفع تعويض سخي لأسرة فتاة اعتدى عليها هايد حتى تتناسى الأمر).

(9)

في كل الأنظمة الإجرامية الفاسدة هناك أشخاص 'طيبون'، يلعبون أدواراً أهم من أدوار أهل الخبث والفساد الظاهر في ضمان استمرارية النظام. بل إن أي نظام لو كان كله فاسداً إجرامياً فلن يبقى في الحكم إلا أياماً معدودات. على سبيل المثال نجد أشخاصاً مثل الدكتور محمد أحمد الشريف، رئيس جمعية الدعوة الإسلامية الليبية، لا توجد عليه مآخذ سوى أنه ظل يتفانى في خدمة نظام القذافي عبر إعطاء النظام واجهة خيرية إسلامية. ولو تخلى أمثال هؤلاء عن النظام لما بقي طويلاً. وقبل ذلك وبعده لعب كثير من المفكرين والأكاديميين والإعلاميين أدواراً متفاوتة في دعم الأنظمة الاستبدادية في مصر وسورية والعراق وغيرها، وما يزال كثيرون يلعبون مثل هذه الأدوار. ولعل جرم هؤلاء يكون أكبر من جرم الشبيحة ورجال المخابرات.

(10)

المسألة إذن لا تتعلق بأزمة الدكتور 'الطيب' بشار، ونقيضه السيد 'ماهر'، بل هما وجهان لعملة واحدة. وإنما يقوم الشبيحة بالأعمال القذرة نيابة عن من يدعون التنزه عن مثل هذه الأعمال، وبإذنهم ومباركتهم، بدليل أن المجرمين يعذبون الناس باسم بشار ويطلبون منهم أن يركعوا ويسجدوا له.

 

(11)

يروى أن سجاناً 'طيباً' سأل عالماً حبسه أمير ظالم: هل تراني من أعوان الظلمة؟ فأجاب الشيخ: أعوان الظلمة هم من يغسل ثيابك ويطهو طعامك. أما أنت فمن الظلمة أنفسهم. فما بالك بالرئيس؟ ثم الأبواق وما دونهم.

================

ساعات من الحرية!

خولة دنيا

2011-07-21

القدس العربي

اتصلت بي صديقتي من القابون قالت تعالي لعندي، توقعت جلسة نسائية اعتدنا القيام بها بين الحين والآخر للتحدث عن الأوضاع وما يمكن فعله... ولأنني كنت سأرى بعض صديقات الفيس البوك اللواتي أراهن لأول مرة والمهتمات بما يحدث ويعشن في منطقة بعيدة عن دمشق، فقد عرضت عليهن المشروع وعندما وافقن أخذنا تاكسي باتجاه القابون..

كثر لا يفكرون حتى بأن يكونوا على مقربة من القابون بعد الأحداث الأخيرة هناك وعدد الشهداء الكبير الذي سقط يوم الجمعة الماضي.

أخذت التاكسي طريقاً طويلاً، فقد كان عناصر الشرطة قد قطعوا أغلب طرقات المدينة باتجاه ساحة الأمويين لقيام المؤيدين بما يسمى بصمة الوطن بمناسبة تولي بشار الأسد الرئاسة بعد أبيه. والتي قيل أنها ستكون احتفالاً ضخماً يحضره مجموعة من الفنانين المشهورين.

في النهاية وصلنا، استدلينا على البيت وقبل ان نقترب رأينا مجموعة من النساء يتظاهرن في الأحياء والزواريب القريبة اسرعنا سيرنا وقد نسينا الزيارة، أحسست الفرحة في عيون صديقاتي، قلت لهن هل تريدون المشاركة في المظاهرة، فقلن بسرعة أكيد طبعاً...

شباب الحي من بعيد قالوا لنا هل أتيتن للمظاهرة: قلنا نعم. فأشرقت وجوههم وهم يدلوننا على الطريق...

سارعنا بالانضمام وبدأ ذاك الطقس الجميل والرائع هتافات رائعة، أغاني إبراهيم قاشوش التي دفع حنجرته ثمناً لها، والأجمل كان'تسونامي الحرية...

رجل يلبس ملابس العراضات الشامية ينتصب بكامل قامته فوق آخر يسير به على طول المظاهرة وعرضها ويهتف ونحن نردد وراءه، قال: الآن قفوا في أماكنكن ورجاء الجميع يقرفص، قرفصنا جميعاً لم يبق سواه في أعلى المشهد، قال بصوت خفيض وهادئ: الشعب يريد اسقاط النظام، كررها بهدوء مرة ثانية ثم انتفض صوته وانتفضنا معه واقفين ونحن نردد بصوت واحد: الشعب يريد إسقاط النظام... كان صوتاً جماعياً رائعاً.

استمرت المظاهرة في مسيرتها التي بدأتها بالمرور على بيوت شهداء جمعة (أسرى الحرية)، عند أحد البيوت توقفنا فتح الباب لتخرج منه امرأة كبيرة في العمر كانت أم الشهيد، لم تكن تبكي ولكن وجهها كان حزيناً وهي تردد كلمات شكر للجميع ونحن نهتف لها ولابنها شهيد الحرية.

الزقاق كان يوصل للاوتستراد.. ترجتنا صديقتنا أن نعود فهناك سنكون مكشوفين على القناصة، قدرت أنها تعاملنا كضيوف، عدنا وعادت معنا مجموعة من النساء، الباقي استمروا في سيرهم..

جلسنا هناك ننتظر وقتا نستطيع فيه الذهاب إلى بيت العزاء المشترك الذي نصبه أهالي القابون لشهدائهم بعد حوالى ساعتين دارت فيهم القهوة ومعها دارت أحاديث وشجون المناطق التي أتينا منها، الصبايا اللواتي أتين معي كن من السويداء بعض الصبايا الأخريات والشباب من حمص واللاذقية والطرطوس وغيرها....

خرجنا جميعاً كوفد إلى بيت العزاء، وعلى الرغم من عادات المنطقة ويمكن سورية كلها بفصل بيوت عزاء الرجال عن بيوت عزاء النساء، فقد كان مفتوحاً للجميع...

في طريق طويل تنيره الأضواء يقف صفان من أهالي القابون ونسائها وأطفالها لاستقبال المعزين مشينا حوالى 50 متر حتى وصلنا إلى المكان الرئيسي على طول الطريق كانت هتافات الحرية تصدح وهتافات استقبال الضيوف.

جلسنا في صفوف أمامية على المنصة رجل كبير في العمر يستقبل الناس بالميكروفون ويتلو اسماءهم أو مناطق قدومهم، كان طقساً ضرورياً لتأكيد الهوية الوطنية للجميع وأن الجميع شارك دون التفات للمنبت أو الدين..

فتاة صغيرة ألقت أغنية وفتى صغير ألقى شعراً.

وعاد تسونامي الحرية بوجود أكثر من 2000 شخص في المكان....

كان كل شيء يسوده التنظيم والمشاركة بين الجميع رجال ونساء وأطفال، القابون كلها كانت تحتفل بشهدائها الذين وضعت صورهم بجانب بعضهم البعض على عرض بيت العزاء.

كان مهرجان حرية بحق أقيم لشهداء الحرية..

خرجنا كما أتينا بهتافات المودعين وهم يستقبلون وفداً ويودعون آخر..

أوصلونا إلى وسط المدينة بسيارة، كانت الطرقات ما تزال مقطوعة على شرف بصمة شباب التأييد، لا جدوى من المقارنة بين مظاهرتنا الخائفة في الزواريب وبيوت الشهداء، وبين الرفاهية الواضحة لهؤلاء الذين تقطع لهم طرقات العاصمة على عرضها وطولها.

'في اليوم التالي وصلتني رسالة من صديقتي تقول فيها:

خولة كان أجمل يوم في حياتي.. شكراً لأهالي القابون الرائعين

لقد عشت حريتي لعدة ساعات..

================

التغيير لمنع الفتنة

الجمعة, 22 يوليو 2011

حسام عيتاني

الحياة

الأحداث التي تشهدها حمص منذ مطلع الأسبوع الحالي، لا تدع مجالاً للشك في أن الحكم في سورية قد تخلى عن «الحوار» واتجه إلى العنف العاري لقمع الانتفاضة الجارية ضده.

معلومات صحافية ودبلوماسية تفيد أن الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس بشار الأسد، قد توصلت إلى قرار بعدم تقديم المزيد من «التنازلات» إلى المعارضين، وبالتشبث بالسلطة مهما كلف الأمر.

وبعد فشل اللقاء التشاوري في اقناع السوريين، قبل غيرهم، بجدية مساعي الحكم في وضع حد للأزمة عبر التفاوض السياسي، وبعد اتضاح عجز النظام عن التقدم خطوة واحدة في اتجاه الشراكة في القرار وتخفيف القبضة الأمنية والتضييق على الحريات -على ما يفهم من حظره دخول صحف لبنانية محسوبة في صفه- ومواصلته الاعتقالات الواسعة والاعتداء على كل من تسوّل له نفسه التظاهر، عبر عناصر أجهزته وبالاستعانة بالمؤيدين له، لم يعد يخفى مستوى التخبط والارتباك الذي بلغه النظام.

والسياسة الوحيدة الواضحة في سورية اليوم تنهض على قاعدتين: الأولى هي التمسك بالسلطة بصرف النظر عن الثمن الذي يدفعه المواطنون من دمائهم وأرزاقهم، والثانية هي عدم الوصول الى قطيعة مع الدول الغربية، خصوصاً الولايات المتحدة، وفق ما يمكن استنتاجه من المؤتمر الصحافي للوزير وليد المعلم.

الحرص المبالغ فيه على عدم إغضاب الأميركيين (إذا نحّينا جانباً هجائيات القنوات التلفزيونية وضيوفها، الذين لا يقدمون ولا يؤخرون في رسم السياسات السورية)، يصدر تحديداً عن إدراك النظام أن التسوية المقبلة في سورية سيكون للغرب فيها دور كبير، سواء عبر تحديد سقف المواقف العربية من الانتفاضة على النظام السوري، او من خلال إعادة تفعيل التحرك التركي. بكلمات أخرى: تملك الولايات المتحدة مفاتيح المواقف العربية والتركية والأوروبية، ولا تريد دمشق الانخراط في عداء مفتوح السقف ضد واشنطن قبل ان تتخذ هذه موقفاً لا رجوع عنه ضد الرئيس بشار الأسد، وهو ما لم يحدث بعد.

وفي موازاة التراكم البطيء والصعب الذي تشهده قوى الثورة السورية في انتاج خطابها وقياداتها وانتشارها الى مناطق جديدة، انصرف النظام الى تكرار الممارسات التي لا يملك غيرها، أي اقتحام البلدات والمدن وترويع المواطنين بإطلاق النار عليهم وعلى بيوتهم واعتقال كل من يُشتبه في مشاركته في التظاهر.

بيد أن النهج هذا اثبت منذ اليوم الأول للأزمة، منذ إلقاء القبض على أطفال درعا، إفلاسَه، بل تغذيته المعارضة ورفدها بالبراهين اللازمة لتجذير مطالبها وتحويلها من اعتراضات موضعية ومحلية إلى ثورة تهدف الى تغيير النظام وليس إلى إسقاط رأسه وحسب.

مهما يكن من أمر، لا يمكن لوم المعارضة على استفادتها من الأخطاء الجسيمة للنظام، فهذه أولى وأبسط قواعد العمل السياسي، لكن، من جهة ثانية، لا يمكن تجاهل البعد الطائفي الذي يسعى الحكم الى إضفائه على الانتفاضة وانزلاق بعض من يعتبرون انفسهم معارضين الى السير في هذا الطريق.

وليس من الظلم بحق المعارضة السورية القول ان التغيير إما ان يكون في اتجاه دولة تعامل كل مواطنيها معاملة الأنداد والمتساوين، وتنبذ الطائفية والمذهبية وكل تفرعاتهما، أو من الأفضل ألاّ يكون، رغم الإدراك المسبق أن عجلة التغيير قد دارت، ما يزيد من إلحاح اليقظة وضرورتها.

================

الملامح الاستثنائية التي تسم الانتفاضة السورية

الجمعة, 22 يوليو 2011

سمر يزبك *

الحياة

تدخل الانتفاضة السورية شهرها الخامس. تعيد رسم الأسئلة التي أنهضت السوريين، وحولتهم من عبيد نظام أمني عائلي، إلى طالبي حرية وكرامة.

قد يبدو من العبث البحث في فرادة الانتفاضة، بعد كل الدماء التي أريقت، إلا بمعنى التوثق العميق أمام الإنقلاب الجذري الذي يصنعه السوريون، والذي يشكل المشهد الأكثر درامية وصعوبة على صعيد «الربيع العربي»، نتيجة تعقيد الوضع السوري الإقليمي، وهيمنة النظام الاستبدادي الأمني.

وإذا جاز القول الصريح في ما تشهده سورية من فرادة، فمن الإنصاف الحديث عن ثورة أخلاقية استثنائية يصنعها الشعب السوري، تعدُّ بؤرة لرؤية تطهيرية كاملة، ولاجتثاث لذل الفرد وامتهان كرامته، لا يقل إجلالاً عن مآثر وملاحم سطرتها الشعوب في حركة انبعاث القيم الإنسانية. وإذا كان الوقت لا يزال مبكراً لدراسة هذه الاستثنائية، فإننا نستطيع الحديث عن ملامح ودلالات أولية:

1- لم تنجح كل محاولات النظام السوري جر حركة الانتفاضة إلى منطقة العنف المضاد، وبقيت محافظة على سلمية تحركاتها، على رغم القتل الوحشي واليومي للمتظاهرين، وعلى رغم قصف المدن وحصارها والاعتقال والتنكيل والملاحقة. وبذلك تكون الانتفاضة قد حافظت على جوهر إنساني لم يكتب للثورات في العالم، وهو مواجهة الموت بصدور عارية، وهذه القيمة بحد ذاتها ستشكل في الأيام والتواريخ اللاحقة استثناء، بل مثالاً، في القدرة على مواجهة ثقافة الموت بثقافة الحياة والتسامح. وما عدا حالات عنف فردية قليلة بسيطة، بقيت سلمية الانتفاضة هي القاعدة على رغم أن النظام سهل انتشار وتوزيع الأسلحة على المواطنين، بواسطة أزلامه، خاصة في منطقة الساحل، كما غذى نزعة العنف من خلال إعدام أفراد من جيشه وأجهزة أمنه، وكذلك سلك الشرطة والناس العاديين، وألصق التهمة بمن سماهم «مندسين» و«سلفيين».

2- منذ استلام حافظ الأسد السلطة، إثر انقلاب عسكري عام 1970، ظهر مجتمع سوري جديد تمت قولبته على أسس عشائرية وطائفية ودينية وإثنية، قوامها اقتسام المصالح وتوزيع الإمتيازات على المجموعات التي التحقت بصف النظام. لكن الانتفاضة أعطت مثالاً مضاداً لهذا، من حيث أن أطيافها جمعت مكونات المجتمع كافة، ودخلت معركة اضافية مع النظام هدفها اسقاط الزعم بأن بقاء الأقليات مرتبط ببقائه، وأن الأقليات معادية للانتفاضة، أو تخشى على مستقبلها بعيداً من النظام. والشهور التي تلت البدايات أثبتت العكس، على رغم الإشكالية التي وقعت بها الطائفة العلوية، التي انحازت في غالبيتها للنظام، بفعل الخوف والتحريض والتجييش الطائفي الذي مارسه أنصار السلطة في مناطق التوتر الطائفي. إلا أن الفتنة لم تجد طريقها بعد الى الناس، رغم تبعات نصف قرن من اشتغال النظام على تعزيز هذه التفرقة بين أبناء الوطن الواحد، وعلى رغم أنّ احتمال اشعال النظام لحرب طائفية لا يزال يلوح في الأفق (كما في حمص حديثاً).

مخاطر من هذا النوع سوف تظل واردة حتى بعد سقوط النظام، وبواسطة أتباعه، لأن المهمة الصعبة لا تنتهي مع سقوط الدكتاتوريات، بل تتواصل بعد رحيلها وما تخلفه من آثار تخريب المجتمعات.

3- اصطفاف الطائفة العلوية وراء النظام، نتيجة الأسباب الآنفة الذكر، يمكن مناقشته ضمن شقين. الأول يتعلق بالظلم والإضطهاد اللذين مارسهما النظام بحق هذه الطائفة، منذ حاول مسخ مضمونها الفكري والآخلاقي والفلسفي، وتحويلها من فرقة معارضة، و«ضحية» عانت مئات السنين من التهميش والإفقار والقهر، إلى فرقة مستبدة، و «جلاد» يسوم الآخرين العسف والطغيان، عبر أجهزة الأمن والوحدات ذات التكوين الفئوي الطائفي. والنظام الآن يتابع النهج ذاته، وتفتيت المزيد من عناصر الانتماء الوطني للطائفة مقابل زرع الرعب في نفوس أبنائها وتكريس العقلية الانعزالية. أي أن أول المتضررين من النظام الاستبدادي، فعلياً وليس امتيازياً، هم هذه الطائفة.

والشق الثاني أنه ليس صحيحاً الزعم بأنّ الطائفة برمتها تصطف وراء النظام، فهناك قسم كبير من المثقفين والناشطين المعارضين الذين وقفوا إلى جانب الانتفاضة، ونزلوا الى التظاهرات، وقسم من النساء الناشطات بقوة في أعمال الانتفاضة الميدانية. وهذا يعني أن الفئة المثقفة والنخبوية عند العلويين تشكل في غالبيتها سنداً حقيقياً للانتفاضة وهي جزء منها. وهذه أيضا تعد مأثرة للانتفاضة، لأنها لم تقم على سياسة البعد الواحد، وتداخلت حركة الشارع فيها وحركة المثقفين في ما يخص الأقليات تحديداً.

4- على رغم انطلاقة الانتفاضة من الأرياف والمناطق الأفقر، فإنها لم تشهد أي أعمال تدل على همجية التحرك وغوغائية الشارع (كما يحلو لبعض المثقفين تسمية المحتجين). المحتجون في أغلب تظاهراتهم في الساحات كانوا يقومون بتنظيفها بعد انفضاض الحشود، كما حدث في دير الزور، مثلاً لا حصراً. ولم تقع حوادث تؤكد ارتكابها، كما هي طبيعة هكذا انتفاضات، أعمالاً انتقامية لا أخلاقية حيال الطرف الآخر.

في حماة، ويوم قتل حوالى مائة شهيد، بدأ المتظاهرون احتجاجهم بتوزيع باقات بنفسج على رجال الأمن الذين ردوا بالرصاص. بقي المحتجون محافظين على أداء اخلاقي عال لم يتجاوز الدفاع عن النفس (هناك حالات استثنائية قليلة من العنف الفردي)، مع أن البديهي لجوء الإنسان إلى العنف اذا جوبه باحتمال القتل. السوريون واجهوا كل أنواع القتل والتزييف الإعلامي بسلوك في غاية الإستقامة والشفافية، وهذا درس يضاف الى الشجاعة، لوصف الانتفاضة بالطهرانية.

5- بقيت حركة الشارع متقدمة على حركة المثقفين، وبقي شعار اسقاط النظام من المطالب التي لم يتراجع عنها المحتجون، وكانت هذه الحركة هي التي ألحقت المثقفين والكتاب والمشتغلين بالشأن العام، وليس العكس. وفي تطورات الانتفاضة على رغم ما صيغ من بيانات، واجتماع الشخصيات المعارضة وإقرار المطالب، بقي المحتجون أوفياء لحركتهم، ولم يقبلوا بأي تراجع عن مطالبهم.

6- تشكل حركة الشباب من الجيل الجديد نقلة نوعية هي الإستثنائية منذ الأربعينات، بخاصة أنّ الشباب الذين يعملون على الأرض مع المحتجين (لجان التنسيقيات، اتحاد التنسيقيات، وآخرون) هم في الغالب من الطبقة المتوسطة المتعلمة، ونواة مستقبل سورية القائم على رؤية مختلفة أساسها مصالح الناس والارتباط بهم، وإعادة خلق الانسان الجديد، وهذا بحد ذاته انقلاب ثوري في أخلاق تربى عليها السوريون لعقود (ك «أنا وبعدي الطوفان»، و«اللي بيتجوز أمي بيصير عمّي»). هؤلاء الشباب خارج الأطر الطائفية، والمصالح الضيقة، ويعملون بجد وإخلاص للتحرر من عبودية خنقت السوريين طوال العقود الماضية، ونظام مستبد فاسد يواصل تقتيلهم بوحشية منذ أربعة اشهر.

فإذا كانت الثورات العربية ستعيد الاعتبار لمفاهيم حركات التغيير في العالم، وتمهّد لها، فالانتفاضة السورية ستكون بؤرة وقلب هذا التغيير الأخلاقي، ما يتوجب على الكتاب والمفكرين دراسته وتأمله، كدرس استثنائي في إعلاء قيم الشجاعة والتسامح.

================

هل تشهد سوريا صراعا طائفيا؟

فايز سارة

الشرق الاوسط

22-7-2011

تصاعد الحديث حول الصراع الطائفي في سوريا بعد الأحداث الأخيرة في مدينة حمص بوسط البلاد، والأساس في هذا التصعيد يكمن في أمرين: الأول، ما تناقلته الأنباء عن اشتباك بين مواطنين من طائفتين مختلفتين في مدينة حمص. والثاني، أن حمص مدينة مختلطة دينيا وطائفيا، إذ هي تضم مسلمين ومسيحيين، ويتوزع الطرفان إلى مذاهب وطوائف عدة، ويشكل المسلمون من السنة والعلويين أكبر كتلتين من مسلمي المدينة، وهو الأمر الذي يستند إليه القول والتفكير في موضوع الصراع الطائفي.

والحق أن مدينة حمص مدينة تاريخية، وهي مختلطة منذ زمن بعيد، ولم تكن في يوم من الأيام مدينة صراع ديني وطائفي، بل مدينة تعايش وتعاون، ليس بالاستناد إلى تاريخها فقط، وإنما استنادا إلى وظيفتها الاقتصادية والاجتماعية كمدينة تجارية وصناعية، وبفعل حضورها البارز في الحياة السياسية، وهي التي أفرزت ثلاثة من رؤساء سوريا في فترة ما بعد الاستقلال، وكان من أبنائها قادة كبار من مختلف الجماعات السياسية في سوريا من قوميين وشيوعيين وإسلاميين.

وبغض النظر عما سبق، فإن المدينة في سياق تعاطيها مع مجريات وتطورات الأزمة الراهنة في سوريا، ومن باب تحصين وتقوية لحمة سكان المدينة، فقد بُذلت جهود متعددة من نخبة الأحياء لبحث ما يحيط بالمدينة وسكانها من مشكلات والعمل على معالجتها، وكان من بين آخر ما جدوا للعمل عليه رفض الفتنة الطائفية، والتأكيد على وحدة أبناء المدينة، وتآزرهم في مواجهة الظروف التي تحيط بالمدينة وسكانها، وهو سلوك مشهود للمدينة المشهورة بتآزرها في المستوى الاجتماعي وتراحم وتعاون نسيجها من عقود طويلة.

وقائع مدينة حمص في بعدها عن الصراع الطائفي تشبه في معطياتها أوضاع أغلب المدن السورية، لكن ذلك لا يكفي لنفي الأحاديث عن صراع طائفي في سوريا، وقد تكررت تلك الأحاديث وتصاعدت في الأشهر الماضية من عمر الأزمة التي تعصف بالواقع السوري، خصوصا وأن هناك أطرافا بعضها داخل النظام تدفع نحو صراع كهذا، لأنه يعيد تركيب الأزمة الحالية بمعطيات غير معطياتها الحقيقية، بما فيها من معطيات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، دافعا إلى اختصارها في صراع بين طوائف، ولا شك أن أجهزة أمنية وإعلامية من داخل النظام تمثل بعض الأطراف المنخرطة في التحشيد الطائفي وفي الدفع نحو صراع طائفي.

غير أن الدفع والتحشيد باتجاه الصراع الطائفي ما زال أبعد من أن يترك أثرا ملموسا في الحياة السورية، ليس فقط بسبب بعد السوريين عن العنف، وهو أمر معروف عنهم، وميلهم إلى السلم، بل بسبب الإرث الثقيل الذي خلفته مرحلة الثمانينات من صراع اتخذ طابعا طائفيا بين السلطة والجماعات الدينية المسلحة، وقد اشتغل السوريون وما زالوا على ذلك الإرث لتصفيته.

والأهم مما سبق أن السوريين في حراكهم الشعبي الراهن دأبوا على رفع شعارات وترديد هتافات تناهض استخدام القوة وترفضه، وتؤكد على فكرة الوحدة الوطنية والجوامع المشتركة للسوريين، وتعلن تضامن الجميع بعضهم مع بعض، كما دأبت هتافات المتظاهرين والمحتجين على إرسال التطمينات باتجاه كل مكونات الجماعة الوطنية في سوريا.

وهتافات وشعارات الحراك السوري لا تهدف إلى تطمين السوريين فقط، إنما هدفها الأساسي هو إيضاح الطابع التحرري للحراك الشعبي في مساره نحو الحرية والكرامة ومن أجل دولة ديمقراطية تعددية، توفر العدالة والمساواة وحقوق الإنسان على قدر واحد لكل السوريين، مما يجعل الحراك أبعد ما يمكن عن التهيئة أو الانخراط في صراعات طائفية، وهو توجه يتماثل مع ما تتبناه جماعات المعارضة السورية في سعيها إلى تغيير وطني ديمقراطي، أكدت مرات أنه تغيير سلمي.

إن مخاوف الصراع الطائفي هي مجرد مخاوف، لكن هذه المخاوف يمكن أن تتزايد في حال عدم مباشرة الحل السياسي واستمرار مجريات الحل الأمني وتفاعلاته، ولا سيما في ظل عمليات التحشيد الإعلامي التي تسهم في الاحتقانات الطائفية، وفي ظل استمرار مشاركة جماعات الشبيحة الموالية للنظام في التصدي والتعدي على الحراك الشعبي قتلا وجرحا واعتقالا وتخريبا للممتلكات، وهي سياسات تدفع إلى منزلقات الحرب في الداخل أو إلى التدخلات الأجنبية العنيفة، وربما إلى الاثنين معا، مما يعني ضرورة الإسراع في وقف مسارات الحل الأمني والتوجه نحو الحل السياسي من أجل تغيير ديمقراطي تعددي يتناسب مع طموحات السوريين بالتغيير.

===========================

مبادرة من أجل مصر

بقلم سامي شرف

مواطن قومى عربى ناصرى مصرى - القاهرة

samy19292003@gmail.com

23 يوليو2011

نقلاً عن مركز الحوار العربي

رغم الإلحاح المتواصل من الإعلاميين والأصدقاء، واستفزازات الوقائع والأحداث للتعليق على شئون السياسة في مصر، آثرت الصمت واعتزال العمل العام؛ لإدراكي أن أي كلام لن يجدي نفعاً في ظل نظام لا يسمع إلا ما يريد، ولا يرى إلا ما يحب، في إطار مناخ مجتمعي عام مشوه ساده اليأس والإحباط.

ورغم اقتناعي بموقفي، كان بداخلي -على الدوام- شعور بالتعاطف والمسئولية حيال أبنائي وأحفادي من شباب مصر، الذين أورثهم جيلنا أخطائه وعثراته، ولم نكتف بذلك بل شوهنا وعيهم وضللناهم بتزييف التاريخ وإفساد الحاضر وضياع أي أمل في المستقبل، ثم اتهمناهم بكل ما ليس فيهم من عدم الوعي والتفاهة والسطحية، وعدم الاكتراث بمستقبل هذا الوطن، وكأننا نسقط عليهم عجزنا وخنوعنا المذل والمهين، وجعلنا كل ذلك لا ندرك حقيقة ذلك الكنز الذي بين أيدينا، حقيقة أجمل ما فينا .. شبابنا العظيم.

 

ولكي أكون صادقاً، فإنه رغم إيماني بمعدن هذا الشعب الحر الأصيل، وبقدرته على وضع نهاية لكل المستبدين الذين مروا به عبر التاريخ، إلا أنه مع اقتراب قطار العمر من محطته النهائية، فقدت الأمل في أن أشهد بعيني نهاية هذا النظام الباطش الفاسد، وأرى مصر حرة قوية من جديد.

أما الآن وقد حباني الله بطول العمر لتقر عيني بما فعله هذا الجيل من أحفادي شباب مصر، الذين سطروا بدمائهم الطاهرة الزكية ملحمة جديدة في تاريخ هذا الوطن في القضاء على الظلم والاستبداد، وحققوا ما عجزنا نحن عن تحقيقه، ومحوا عن كاهلنا الذل والخنوع، وأعادوا لنا العزة والكرامة، والأهم أنهم أعادوا لنا مصر من جديد، أعطوها شبابهم بعد أن هرمت ووهنت .. كان واجباً علي أن أكسر حاجز الصمت وأتحدث بكل فخر مدركاً أن هناك آذان تسمع وعقول تعي، وضمائر مخلصة.

 

لذا أقدم لهذا الجيل الرائع رؤيتي المتواضعة حول مستقبل مصر، لعل يكون فيها ما يفيد في بناء مصر الجديدة، تلك الرؤية التي أصوغ خطوطها العريضة في مشروع مبادرة من أجل مصر.

 

مبادرة ميثاق جديد من أجل مصر

• تقديم:

العمل الثوري ظاهرة هامة في التاريخ السياسي للشعوب، يهدف إلى تغيير الوضع الراهن من خلال إحداث تغييرات عميقة في الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي بشكل كامل وجذري وعميق على المدى الطويل، ينتج عنه تغيير في بنية التفكير الاجتماعي للشعب الثائر وفي إعادة توزيع الثروات والسلطات.

وتاريخ المصريين حافل بالثورات والانتفاضات ضد الظلم والاستبداد عبر العصور. وكل قارئ جيد لتاريخ هذا الشعب العريق يدرك أنه بقدر ما يطول صبره – المحبط أحياناً- بقدر ما تكون ثورته عظيمة .. شعب قد يفقد توازنه ولكنه لا يقع على الأرض .. يمرض ولا يموت.

 

وليس بخاف على منصف أن مصر شهدت في ظل النظام البائد تدمير وتجريف لمقدراتها وأهمها الإنسان المصري بصورة غير مسبوق في تاريخ مصر حتي في أحلك فتراته إبان حكم المماليك، وذلك لصالح أسرة حاكمة فاسدة، ارتبطت بها طبقة طفيلية مستغلة، سرقوا وطن بأكمله من شعبه، وسخروا جميع مقدراته لخدمة مصالحهم الضيقة التي تناقضت مع صالح هذا الشعب، في ظل نظام سياسي قوامه مركب شيطاني من رأس المال والسلطة.

ضاعف من سوء الوضع أن جل النخبة من قوى المعارضة الحزبية والمستقلة كانت تهادن وأحياناً تحالف هذه الطبقة التي اجتذبت بعضهم بالامتيازات الطبقية، ونزعت منهم كل قدرة على الصمود والمقاومة الحقيقية، بل تم استخدامهم من قبل النظام في خداع وتزييف وعي الجماهير تحت ستار المعارضة الكرتونية، والترويج لمفاهيم مضللة من قبيل الإصلاح والفكر الجديد.

وفي الوقت الذي بدا فيه للجميع أن الإحباط واليأس خيم على الوطن، وأن الأمل في الخروج من أسر هذا النظام الفاسد ومشروعه الكارثي في توريث الوطن أصبح مستحيل، أعاد لنا الشباب التونسي العظيم الأمل حين قضى على نظام زين العابدين بن علي الذي لا يقل استبداداً وفساداً عن نظام مبارك.

وكم تمنينا لو أن ثورة الياسمين في تونس كانت لدينا، ولم يخيب شبابنا الحر الباسل رجائنا، وأخذ بأدوات العصر، وأطلقوا صرخة الغضب التي زلزلت عرش الفساد، وخرجوا بصدور عارية يملأها الإيمان بالله والوطن والحرية، وصمموا ألا يعودوا حتى يستعيدوا مصر من اللصوص، ويعيدوا لآبائهم وأمهاتهم كرامتهم، فصنعوا بدمائهم الزكية الطاهرة أعظم ثورة في تاريخ البشرية بشهادة العالم أجمع.

والآن لازالت الثورة تواصل طريقها، ويخطئ كل من يظن أن الثورة أنجزت أهدافها بخلع الرئيس مبارك، ومحاكمة بعض أركان نظامه، فالثورة رغم نجاحها لم تحقق النصر بعد، ولن يحدث ذلك إلا بتحقيق أهدافها في بناء دولة مدنية ديمقراطية قوية، وحتى يحدث ذلك لابد أن يحافظ المصريون على ثورتهم بمواصلة الطريق في التخلص جذرياً من كافة رواسب الماضي الفاسد .. من بقايا الاستبداد والظلم، وأن نسقط جميع السلبيات التي كانت تعوق الإرادة المصرية في بناء دولة حرة قوية، والأهم هو حماية الثورة من لصوص الثورات، وهم فئة تصاحب كل الثورات، والنزول إلى الشارع مرة أخرى لو استدعى الأمر، ويذكرني هنا قول الرئيس عبد الناصر: " لو الثورة المضادة اتحركت حألبس الكاكي تاني، وأعمل ثورة جديدة ".

 

• قواعد عمل أساسية:

-القاعدة الأولى: العمل الجماعي والاندماج ضمن إطار المصلحة العامة بعيداً عن المنطلقات

 الفردية.

-القاعدة الثانية: المحرك الأساسي لأي قرار هو تحقيق مصالح الغالبية الساحقة من أبناء هذا

 الوطن.

-القاعدة الثالثة: لابد أن يواكب الثورة ثورة في الفكر، بمعنى الاستقلال العقلي عن التبعية

 للموروثات الثقافية والعادات والتقاليد التي رسخت الجهل والفساد، وبررت

 للظلم والاستبداد، ولا يجب أن يعرقل هذا بدواعي الثوابت الوطنية أو بفعل

 الإرهاب الفكري من تيار أو جماعة، فلا تناقض على الإطلاق بين الثوابت

 والمعتقدات الوطنية، والتخلص من إسار التخلف والجهل والاستبداد.

-القاعدة الرابعة: إتباع منهج التفكير العلمي النابع من عقل مستنير، واعي لدروس التاريخ

 ومنفتحاً على كافة التجارب الإنسانية يأخذ منها ويعطيها، لا يمنعه في ذلك

 تعصب ولا يصده عُقد موروثة.

-القاعدة الخامسة: ينبع من التفكير العلمي وضوح في الرؤية والأهداف، والموازنة بين

 الأولويات والقدرات، وتجنب الانسياق الانفعالي وإهدار كثير من الطاقة

 والوقت في إدراك ما يحقق مصلحة حقيقية لوطننا.

-القاعدة السادسة: الشفافية في كل ما يتخذ من قرارات وأفعال؛ فالضمير الوطني المصري

 لا يزال مصدوماً من حجم الانحرافات والفساد اللذان يكتشفان يوما بعد

 يوم، لذا من حقه أن يقف على الحقيقة كاملة حتى يستطيع أن يتجاوز ما

 حدث في الماضي، ويثق في نظامه السياسي، ويتفرغ لبناء المستقبل

 برؤية صافية نقية.

-القاعدة السابعة: مراعاة الواقع المجتمعي الراهن؛ فحتى يسير التغيير الثوري في مساره

 الصحيح لابد أن ينطلق من نقد موضوعي لتجربة الماضي، وتوصيف

 صحيح للحاضر، واستشراف واقعي للمستقبل؛ بمعنى أن جميعنا يدرك أن

 هناك مثلث (فقر- جهل- أمية) يعاني منه معظم الشعب المصري، ويساهم

 بشدة في إنتاج الفساد وتنميته، وبالتالي إعادة إنتاج الاستبداد من جديد؛ لذا يجب

 أن نأخذ في الاعتبار وجود هذا المثلث وتأثيره حين نتخذ قرارات التغيير

 الثوري، وفي هذا الإطار ليس من العيب أن تكون الأولوية لآراء النخبة الوطنية

 التي استطاعت أن تتخلص من آثار ذلك المثلث لكي تقود عملية التغيير الثوري

 فالنخب دائماً هي طليعة التغيير، لا سيما في حالة ثورتنا المصرية ليس لها قيادة

 واضحة، وحتى تفرز هذه القيادة، ويختفي تأثير هذا المثلث.

والمثال على ذلك؛ كان جلياً في الاستفتاء على التعديلات الدستورية الذي دعا إليه المجلس العسكري، حين تحالف أصحاب رأس المال من رجال النظام البائد، وتيار الإسلام السياسي ووظفوا أدواتهم من رأس مال وإرهاب فكري ديني للتأثير على إرادة الناخبين، وأخذهم في طريق الموافقة على التعديلات بما يحافظ على مواقعهم التي اكتسبوها في ظل النظام الفاسد السابق، والتي يهددها التغيير، وتباهوا بانتصارهم فأطلقوا على الاستفتاء "غزوة الصناديق"، هذا رغم رفض النخبة الوطنية المصرية، وشباب الثورة لهذه التعديلات.

فإذا سيرنا على هذا المنهج في اتخاذ قراراتنا فنحن في طريقنا لإنتاج دولة فاشية دينية يحركها رأس المال والدين، وتؤد الثورة في مهدها.

 

عناصر المبادرة

أولاً: إعادة بناء الفرد:

1. تشكيل فريق عمل من خبراء تكنوقراط في كافة تخصصات المعرفة تكون مهمتهم إعداد دراسة تشريحية لواقع المجتمع المصري، والوقوف على مواطن الضعف والقوة فيه، ووضع تصورات عملية لمعالجة مواطن الضعف، وتعظيم مواطن القوة.

2. إنشاء مجلس قومي اجتماعي يضم شعباً للتعليم والصحة والإسكان وغيرها مما يتصل بالحاجات الأساسية للمواطن، هدفه تطوير هذه المجالات بالتعاون مع غيره من مؤسسات الدولة للنهوض بهذه المجالات.

3. إنشاء هيئة أو مؤسسة أو وزارة هدفها الرئيسي انجاز مشروع قومي يهدف إلى القضاء على الأمية في مصر خلال عشر سنوات، ومتابعة ما يتم انجازه سنوياً. فالأمية وباء ينهش عقل وضمير المصريين، ويرسخ قيم الخنوع والذل، وقبول الفساد والاستبداد. لذا تدخل الأمية بكونها قضية سياسية لا حضارية فحسب من أوسع الأبواب إلى صلب قضية الديمقراطية والعدل الاجتماعي.

4. تطوير منظومة التعليم في جميع مراحلها، والاهتمام بالتعليم الفني، بحيث تتواكب مخرجاتها مع عصر العلم والتكنولوجيا، وسوق العمل وحاجات الوطن.

5. توفير كافة الإمكانيات والموارد، وتذليل كل المعوقات للنهوض بالبحث العلمي في مصر.

6. إنشاء مراكز متخصصة لرعاية المبدعين والمتفوقين في جميع المجالات، تعمل وفق قواعد استثنائية تتناسب مع طبيعة هؤلاء المبدعين الاستثنائية؛ بحيث تذلل أمامهم كافة العقبات التي تعوق إبداعهم. بالإضافة إلى توفير الحافز المادي لهم، تقديراً لقيمة المبدعين، واحتفاظاً للوطن بطاقاته البشرية الخلاقة القادرة على أن تقود قاطرة الوطن في عصر العلم والإبداع فيه صارا هو القوة الحقيقية.

7. الاهتمام بأمل الأمة من شباب وأطفال من خلال الإعلام والثقافة والفنون والآداب، والتعليم ومؤسسات الشباب، والمسجد والكنيسة، بترسيخ مبدأ المواطنة، وتدعيم قيم التسامح والوسطية، وإتقان العمل، وتحصيل العلم والمعرفة، وممارسة الحرية المسئولة، والمشاركة الايجابية في العمل الوطني.

8. إحياء لجنة كتابة التاريخ المصري، لتنقية تاريخ مصر من كافة ما لحق به من تزييف وتشويه.

ثانياً: العملية السياسية:

تهدف هذه العملية في المرحلة الحالية إلى إقامة نظام حكم ديمقراطي يصون الحريات ويحمي الحقوق والواجبات، والديمقراطية في حد ذاتها وسيلة وليست غاية كما يتصور البعض، فهي وسيلة لتحقيق العدل والمساواة والحرية، ومن خلال هذا المفهوم يجب الاهتمام بالجوهر من خلال الابتعاد عن فلسفتها المادية الصرفة، القائمة على الفردية المطلقة، والمصلحة واللذة والمنفعة ونسبية الحقيقة، هذه الفلسفة التي تحول الديمقراطية إلى وسيلة في يد أصحاب رأس المال والمتاجرين بالدين والإيديولوجيات لإعادة إنتاج الاستبداد.

لذا؛ يجب الاهتمام بجوهر الديمقراطية الرامي إلى إقرار العدل والمساواة والحرية، وفي هذا الإطار لابد أن نراعي أن لكل مجتمع ظروفه وقيمه الخاصة النابعة من تجاربه الذاتية، والتي تختلف عن غيره من المجتمعات الديمقراطية الأخرى.

وهناك عدة أسس يجب أن يتم من خلالها عملية التحول الديمقراطي في مصر هي:

أ- الدستور: قبل الانتخابات النيابية وانتخابات الرئاسة يجب الإسراع بتشكيل لجنة من فقهاء القانون الدستوري تمثل كافة التيارات في المجتمع لصياغة مشروع دستور جديد، يؤكد على الآتي:

1. مفهوم الدولة المدنية التي تقوم على مبدأ المواطنة.

2. قيام دولة عصرية في سياستها وإدارتها، دولة تقوم على العلم والمعرفة، وهذه لا يصلح لإدارتها فرد أو أحزاب سياسية كرتونية، وإنما يباشر الحكم فيها رئيس الجمهورية من خلال مجلس وزراء، وبواسطة مجالس محلية في إطار التخصص واللامركزية.

3. تحديد سلطات رئيس الجمهورية بوضوح شديد، وتقليصها لصالح مجلس الوزراء والمجلس التشريعي.

4. صيانة المعتقد والدين.

5. مبدأ الفصل بين السلطات.

6. حصانة القضاء واستقلاليته، وحق المواطن في التقاضي أمام قاضيه الطبيعي.

7. وضع سقف زمني للاستمرار في الوظائف العليا في الجهاز التنفيذي للدولة، وذلك ضماناً للتجديد، وإتاحة الفرص للشباب، ومنع تكون مراكز القوى.

8. توفير كافة الضمانات لصيانة الحرية الشخصية واحترام الخصوصية، وحرية التفكير والمعرفة والتعبير والنشر، والبحث العلمي.

9. تنظيم العلاقة بين الملكية والإنتاج بما يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية، والأمن الاجتماعي.

10. التزام الدولة بتوفير حاجات الإنسان الضرورية لمواطنيها في إطار مبدأ الكفاية في الإنتاج وعدالة التوزيع.

11. كل عملية انتخابية لابد أن تتم في كافة مراحلها تحت الإشراف القضائي، وأن مجلس القضاء الأعلى هو المنوط به اختيار القضاة دون تدخل السلطة التنفيذية.

12. تجريم استخدام رأس المال أو الدين في العملية السياسية.

13. أي تصرف في الملكية العامة بالبيع أو الرهن لابد أن تحظى بموافقة المجلس التشريعي.

 

ثم يعرض هذا المشروع على الشعب للاستفتاء مادة مادة.

ب- إصدار قانون مباشرة الحقوق السياسية بما يضمن حق المواطن في الترشيح والانتخاب بالمجالس النيابية والنقابية بكل نزاهة شفافية، ويغل يد السلطة التنفيذية في التدخل في هذه العملية. بالإضافة إلى إقرار حق المصريين المغتربين في الخارج في التصويت في جميع الانتخابات والاستفتاءات التي تتم.

 

ج- إعادة النظر في القوانين التي تنظم عمل النقابات المهنية والعمالية، ومؤسسات المجتمع المدني لإحياء دورها في حماية حقوق الفئات التي تمثلهم وتشجيعهم على المشاركة وممارسة العمل العام لصالح المجتمع.

د- إنشاء مجلس للأمن القومى، ويكون هيئة دائمة ملحقة بمكتب رئيس الجمهورية، وتمثل فيه بصفة دائمة وزارات الخارجية والداخلية والدفاع والأجهزة الأمنية المختصة، على أن يشارك فيه الوزراء المعنيون بالموضوعات محل البحث، وتصبح مهمته تلقي تقارير أجهزة الامن الداخلي والخارجي وتقارير وزارة الخارجية ووزارة الداخلية، كما يتلقي تقارير معلومات واردة من أجهزة المخابرات للدول الصديقة والحليفة حيث يوجد تعاون بين أجهزة المخابرات في تبادل المعلومات والحصول علي تسهيلات ومساعدات.

يقوم هذا المجلس بفحص كل التقارير وتحليلها ومقارنتها.. وكذلك مراجعة هذه الأجهزة لاستكمال بعض الأمور التي وردت في تقاريرهم؛ وذلك لمحاولة الوصول الي أقصي درجة من المصداقية لأن الحقيقة المجردة لا يملكها البشر!! وبعد ذلك يقدم تقريراً مجمعاً إلي رئيس الدولة مشفوعاً باقتراح قرارات لكي يختار منها الرئيس مايراه صالحاً للوطن من منطلق رؤيته الواسعة بحكم منصبه.

 

ه- تطبيق قانون الغدر على كل من ساهم في النظام البائد في إفساد الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فلا توجد ثورة في التاريخ تغير بأيدي من ثارت عليهم.

 

ثالثاً: الاقتصاد:

الاقتصاد هو عصب الحياة، ومعيار القوة والتقدم للمجتمعات، وعندما نصوغ هوية نظامنا الاقتصادي في المرحلة القادمة يجب أن نراعي التوافق بين الفعالية الاقتصادية من جهة والعدالة الاجتماعية من جهة أخرى؛ فكلا الوجهين مرتبطان بعضهما البعض، فكلما انخفضت الفعالية الاقتصادية، كلما تراجعت قدرة الدولة على تحقيق العدالة الاجتماعية، والعكس صحيح.

ولا يمكن أن يتحقق ذلك سوى بإعادة الاعتبار لدور الدولة في المجال الاقتصادي والاجتماعي وتدخلها الحاسم في تنظيم العلاقة بين الملكية والانتاج، وهو أسلوب تطبقه أكثر الدول رأسمالية. ولا يعني ذلك تأميم وسائل الإنتاج أو الملكية الخاصة أو المساس بالإرث الشرعي المترتب عليها.

ويمكن تطبيق ذلك من خلال الآتي:

1. إنشاء مجلس اقتصاد قومي يضم شعباً لجميع فروع الاقتصاد تكون مهمته متابعة تطوير هذه الفروع.

2. إنشاء قطاع عام قوي وقادر، يقود قاطرة الاقتصاد الوطني نحو التحديث في جميع المجالات، خاصة في الصناعات الرأسمالية والانتاج الزراعي والتنمية البشرية، مع فصل الإدارة عن الملكية العامة.

3. إعادة الاعتبار للتعاونيات التي تقوم على تحقيق المنافع والأرباح مع ملكية الدولة لوسائل الإنتاج.

4. تشجيع القطاع الخاص على القيام بدوره في عملية التنمية في إطار الخطة الشاملة للدولة دون إهدار لحقوق العاملين واستغلال المستهلكين.

5. قصر الاستثمارات الخارجية العربية والأجنبية على المشروعات الانتاجية الكبرى والصناعات الثقيلة التي تضيف للرصيد الرأسمالي للدولة.

6. وضع خطة قومية لتعظيم الموارد الطبيعية للدولة، واستغلالها بأفضل صورة ممكنة، وتقليل المهدر منها قدر الإمكان.

7. الاهتمام بتعظيم مصادر الطاقة بما فيها الطاقة النووية.

8. تغليظ العقوبات على جرائم الفساد الاقتصادي وإهدار المال العام.

9. ربط الاستهلاك بالإنتاج، والتشجيع على الادخار.

10.ربط سياسات التعليم والتدريب والبحث العلمي باحتياجات الاقتصاد الوطني.

11. فتح أسواق خارجية للصادرات المصرية في الدول العربية والأفريقية.

12.العمل على تقليص الدين العام المحلي والخارجي، وعدم الاعتماد على الاقتراض من الخارج إلا في أضيق الحدود.

 

رابعاًً: الأزهر والكنيسة:

 الدين في مصر يلعب دوراً حيوياً، فالتدين طبيعة مصرية متوازنة عبر التاريخ أيا كانت الأديان، وهو ما جعل للمؤسسات الدينية في مصر مكانة هامة في نفوس المصريين، وعلى رأس هذه المؤسسات الأزهر الشريف والكنيسة، فهما مؤسستان دينيتان مصريتان قامتا بأدوار تاريخية وطنية مشهودة.

لكن هاتان المؤسستان شهدتا تراجعاً كبيراً في دورهما التنويري والوطني في ظل سيادة حالة تدين مجتمعي شكلي واكبت انسحاب الدولة من حياة المواطن، وهو ما جعل هاتان المؤسستان تحل محل الدولة لتعلب أدواراً سياسية، وشتان بين الدورين الوطني والسياسي، فالأول واجب مطلوب، أما الثاني مرفوض لأنه يخلط الديني بالسياسي، وهي كارثة تهدد استقرار وأمن المجتمع.

لذا، لابد أن تعود هاتان المؤسستان إلى ثكناتهما الدينية والروحية والتنويرية، وأن تترك المواطن بعيداً عن أي وصاية سياسية، وتترك الفرصة لمنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية لتنمية الوعي السياسي، وفتح المجال للمشاركة السياسية الحقيقية والفعالة من أجل بناء مصر المدنية الديمقراطية.

 

خامساً: استقلال القضاء:

 تحقيق العدالة يلزمه استقلال حقيقي للقضاء، وعدم جواز التدخل والتأثير من قبل الغير على ما يصدر عنه من إجراءات وقرارات وأحكام، سواء كان هذا التدخل والتأثير مادياً أو معنوياً، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وبأية وسيلة من الوسائل.

 ويدخل في نطاق الممنوع التدخل من السلطتين التنفيذية والتشريعية، وغيرهما من أشخاص القانون العام والخاص، والرؤساء الإداريون للقضاة وأطراف الدعوى ... إلخ.

 ويجب أن يدار القضاء من داخله وبرجاله، وأن يتم فك وثاق تبعيته لوزارة العدل سواء إدارياً أو مالياً.

 لذا، نحن بحاجة ماسة لتعديل قانون السلطة القضائية بما يحقق الاستقلال الحقيقي للقضاء المصري الذي هو حصن كل المصريين وملاذهم الأخير.

 وفي هذا السياق، لابد من تغيير أسلوب تعيين رئيس وقضاة المحكمة الدستورية العليا؛ بحيث تتحرر من سيطرة مؤسسة الرئاسة، خصوصاً وأن دورها هو الحكم بين المتنازعين سياسياً.

 

سادساً: حقوق الإنسان:

 مثلت ممارسات النظام البائد نموذجاً في انتهاك كافة حقوق الإنسان المصري. ورغم محاولات الإعلام التابع للنظام تجميل صورة هذا النظام في الداخل والخارج، إلا أن بشاعة الانتهاكات طغت على أي تجميل، وتجلت أبرز مظاهرها في تعامل النظام مع معارضيه، والشرفاء من أبناء هذا الوطن، وصولاً إلى قتل شبابه بدم بارد أثناء الثورة.

ولكي نؤسس لمرحلة جديدة في مجال حقوق الإنسان لابد أن نبدأ بالآتي:

1. إقرار مبدأ المواطنة في التعامل مع جميع المصريين على حد سواء.

2. مكافحة ظاهرة الفقر.

3. القضاء على الأمية.

4. حماية الفئات الضعيفة في المجتمع (المرأة – الطفل – كبار السن – المعاقين – المرضي – العاطلين ...إلخ).

5. الارتقاء بمستوى الخدمات الأساسية المقدمة للمواطن.

6. دعم مؤسسات العمل المدني والجمعيات الأهلية المعنية بمجال حقوق الإنسان.

7. تفعيل دور المجلس القومي لحقوق الإنسان، وتعديل القانون رقم 94 لسنة 2003 الخاص بإنشاء المجلس، بما يضمن عدم تبعيته لأي جهة حكومية أو نيابية، ومنحه صلاحية المشاركة في التشريعات والقوانين المتعلقة بحقوق الإنسان، ويمكنه من الرقابة الفعالة على كل الأجهزة والمؤسسات الرسمية في رصد انتهاكات حقوق الإنسان، ثم الإشراف على المساءلة والمحاسبة القانونية للمتورطين.

بالإضافة إلى تفعيل دور المجلس بما يضمن عدم اقتصار دوره على الحريات المدنية والحقوق السياسية والثقافية بل يمدها إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وتوثيق علاقته بمؤسسات المجتمع المدني والمواطنين في هذا الشأن.

 

سابعاً: إحياء دور مصر الإقليمي:

لقد اقتضى تحقيق المصالح الوطنية وحماية الأمن القومي لدولة مثل مصر؛ بما لها من موقع جغرافي وتجربة تاريخية وإمكانيات ورسالة حضارية أن تقوم بدور خارجي فعال ومؤثر في محيطها المجاور، وربما أبعد من هذا المحيط .. فمصر القوية هي التي تمارس دوراً إقليمياً نشطاً ومؤثراً، والعكس تقوقع مصر وتراجع دورها الخارجي هو انعكاس لضعفها الداخلي، فالدور الخارجي هو انعكاس لفائض القوة في الداخل.

كما أثبتت التجربة التاريخية أن المجال الطبيعي للوظيفة الإقليمية لمصر يتحدد بالأساس في ثلاث دوائر رئيسية هي على الترتيب من حيث الأولوية؛ العالم العربي، القارة الأفريقية، العالم الإسلامي فيهم يجتمع الحد الأقصى من كثافة وفاعلية السياسة الخارجية المصرية، وكذلك جدواها ومردودها.

وقد استطاعت مصر عبد الناصر أن تقوم بدورها الخارجي في هذه الدوائر، وقادت الشعوب العربية والأفريقية نحو التحرر والاستقلال والتنمية، كما لعبت دوراً هاماً في نشر رسالة الإسلام الحضارية، وقدمت للعالم أجمع مفهوم الإسلام الوسطي المتسامح، الذي يقبل الآخر ويتعاون معه.. بل امتد دورها لتقود حركة عدم الانحياز التي تضم معظم دول العالم النامي، ومثلت قطباً ثالثاً فاعلاً ومؤثراً في العلاقات الدولية بجانب الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي.

وحين انعزلت مصر عن محيطها العربي، وأهملت الدائرة الأفريقية وتراجع دورها الحضاري منذ منتصف السبعينات، وأصبح المعامل الأمريكي في سياستها الخارجية المحرك الرئيسي لدورها الخارجي، تم تقليص هذا الدور ومحاصرته، لخدمة الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة، مقابل ضمان بقاء النظام، وهو ما جعل الدور المصري يبدو متخاذلاً وضعيفاً بل ومتآمراً في بعض الأحيان، وهو ما نال من مكانة مصر في المنطقة، لصالح فاعلين آخرين فيها ومن خارجها، وهو ما أثر على مصالح مصر وأمنها القومي كثيراً بالسلب، وسنحتاج لسنوات طويلة لإصلاح ما فسد.

ولابد أن نبدأ من الآن وعلى الفور من خلال:

1. إعادة الاعتبار للمؤسسة الرسمية والرئيسية المنوط بها المساهمة في صنع وإدارة السياسة الخارجية المصرية، وهي وزارة الخارجية بما لها من تاريخ عريق وخبرات مشهود لها في مجال الدبلوماسية.

2. التأكيد على أهمية الدبلوماسية الشعبية.

3. صياغة إستراتيجية محددة الأهداف والأدوات للسياسة الخارجية المصرية؛ بحيث لا تصبح هذه السياسة خاضعة لتقلبات صانع القرار.

4. يجب أن يكون للسياسة الخارجية المصرية منظور أوسع وأشمل للعالم، فبالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة هناك الصين والهند ودول أمريكا اللاتينية.

5. إحياء الدور الخارجي لمصر في دوائره الثلاث الطبيعية:

• العربية: تبني مصر لنهج القيادة الجماعية في تفعيل دور مؤسسات وآليات العمل العربي المشترك، مع التركيز على العامل الاقتصادي كمحرك لتحقيق التكامل العربي، والأخذ في الاعتبار دول الجوار العربي (تركيا وإيران) كشريكين استراتيجيين.

• الأفريقية: استغلال ما لدى مصر من رصيد سياسي وعاطفي لدي الدول والشعوب الأفريقية لإحياء دور مصر في القارة السمراء، بعيداً عن نظرة التعالي، وفي إطار سياسة تبادل المنافع، مع إعطاء الأولوية لدول حوض النيل، لما لقضية المياه من أهمية حيوية لمصر .. قضية حياة.

• الإسلامية: لابد من عودة الأزهر الشريف لدوره ورسالته الحضارية في التعريف بصحيح الإسلام وقيمه السمحة، والتفاعل مع الأديان والثقافات الأخرى.

 

كما يجب على مصر أن توجد آلية أو صيغة لتفعيل العمل بين هذه الدوائر مجتمعة على غرار منظمة عدم الانحياز، يتم من خلالها التنسيق بين دول هذه الدوائر، وهو أمر من شأنه أن يصلح الخلل في هيكل النظام العالمي لصالح هذه الدول.

هذه هي الخطوط الرئيسية لمبادرة ميثاق جديد من أجل مصر..

=============================

شرارة الحرب أم «الهلال» التركي؟

الخميس, 21 يوليو 2011

زهير قصيباتي

الحياة

لم تبدّل وقائع الثورات العربية وتعنت «المستكبرين» والمعاندين، من طرابلس العقيد الى صنعاء علي صالح، وما تروّجه آلة الدعاية الإيرانية، صورة طهران وطموحها الى الانقضاض على حقبة ما بعد الديكتاتورية العربية... لعلها تزرع بذور وصاية على الثورات، لينقلب ما يبدو الآن هزيمة للمشروع الإيراني (خصوصاً في سورية) انتصاراً يرغم واشنطن على إعادة النظر في رفضها اقتسام المصالح مع طهران.

وإن كانت إيران وجهت أكثر من رسالة الى أنقرة «توبخها» لميلها الى الغرب في سيناريو محاصرة النظام السوري، و «التحريض» غير المباشر لمعارضيه في الداخل والخارج، فهي في هذه الحال ايضاً تزعم انها لا تتدخل في شؤون سورية أو تنحاز الى نظامها، بل تسعى إلى إنقاذ «الممانعة» من مشروع لطالما تردد الكثير عن خبثه، لكن إيران لا تبدو فيه عملياً إلا كشريك مصالح مع الأميركي.

وتدّعي قيادة خامنئي انها لا تتدخل في شؤون البحرين، لكنها تحرّض على الحوار الوطني، لإعادة مناخ الاضطراب الى إحدى دول مجلس التعاون الخليجي. التحريض ذاته، بعد تكرار المجلس إدانته «التآمر» الإيراني على دوله، ومحاولة إثارة الفتنة الطائفية في الخليج، إن كان يلقي مزيداً من الشكوك حول طبيعة الفصل المقبل من المواجهة السياسية بين الجانبين الخليجي والإيراني، فهو كذلك يدعو الى الحذر إزاء رفض طهران فهم رسالة المجلس.

قد تبدو رغبة إيران في التحدي ترجمة لحال الإرباك الذي تتخبط فيه، منذ صُدِمت باهتزاز الحليف السوري وانهيار مناعته أمام الانتفاضة، وتضعضع التحالف الإقليمي الذي استخدمته طهران أداة لمد حدود «الجمهورية الإسلامية» الى البحر المتوسط، ونجاح تركيا ومصر الثورة في إغراء «حماس» بمكاسب المصالحة الفلسطينية، بما يبعدها عن الحضن الإيراني.

وتضاعف عثرات الثورات والانتفاضات في المنطقة تخبط طهران التي تدرك ان تحوّل الموقف التركي من عملية حلف شمال الأطلسي في ليبيا لن يكون بلا ثمن، خصوصاً إذا اقتضت مصالح أنقرة إنشاء «هلال» يصدّ ما تبقى من «هلال» النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، واحتضان أردوغان التيارات الإسلامية «المعتدلة» في بلدان الانتفاضات، تمهيداً لشراكات مع هذه الدول. وواضح ان مبادئ هذه الشراكات في العدالة والتنمية والاستقرار والسلام الإقليمي (مع إسرائيل) ليست سوى النقيض لمبادئ «الممانعة» والمواجهة مع الأميركي، وكذلك ل «محو إسرائيل من الخريطة» (ولو بالعنتريات والصراخ).

الآن، إذ تفترق طهران وأنقرة في لبنان (بعد تشكيل «حكومة حزب الله») وفلسطين (منذ اتفاق المصالحة)، يبقى العراق الذي تعتبره إيران الورقة الكبرى الرابحة، ساحة تقاطع لمصالحها مع تركيا، خصوصاً ضد أي محاولة لتقسيمه، إذ تصب حتماً في مسار قيام دولة للأكراد.

وتبقى الهواجس الإيرانية مرحلياً على ثلاثة مسارات:

- الرهان على صمود الحل الأمني في سورية وعبور النظام أقسى أزماته، لأن انهياره سيعني انهيار كل استراتيجية المحور الإيراني، في ظل نقمة شعبية لدى السوريين على الاستقواء بطهران واستتباع بلادهم في مشروع يأسر مصالحها ومصيرهم.

- صد هجمة مشروع «الهلال» التركي الذي ترتاب طهران بنيله غطاء أميركياً، وبشراكة محتملة مع مصر (التيار الإسلامي تحديداً).

- تفادي أي فخ إسرائيلي لإطلاق شرارة حرب مع «حزب الله» في لبنان، تخشى إيران هذه المرة ان يستكمل ما فشل فيه عام 2006 (حرب تموز)، بتوسيع المواجهة لضرب منشآتها النووية وترسانتها الصاروخية... كل ذلك في ظل ترجيح دعم أميركي لإسرائيل، وتجييش أميركي ضد دول صنّفتها إدارة الرئيس باراك أوباما في مقدم «رعاة الإرهاب» وبينهم إيران.

مزيد من الحيرة لدى خامنئي يثيره أوباما، فالمرشد كان اعتاد «رد الصاع صاعين» لمشاريع جورج بوش وحروبه، وخطبه الهجومية. أوباما لا يفضل الاستعراضات، لكنه حين تكلم اخيراً لم يعنِ سوى توجيه إنذار الى إيران و «حزب الله» و «حماس».

فمن يسبق أولاً، هجمة «المشروع» التركي أم شرارة الحرب الإسرائيلية، فيما العرب منهمكون بغضب الانتفاضات وزلزال الثورات؟

===================

«الحوار» آخر مناورات النظام السوري لضمان بقائه

الخميس, 21 يوليو 2011

عبدالوهاب بدرخان *

الحياة

برز أخيراً خطّان ديناميكيان متوازيان في الأزمة السورية، في دمشق وإسطنبول، ويمكن احدهما أن ينجح الآخر أو يعطله، لكن لا يبدو حتى الآن أن إمكان التقائهما وارد، للأسباب الموضوعية المعروفة. قد يتحارب أي عدوّين طويلاً ثم يجلسان للتفاوض على السلام، ويبقى اتفاقهما مستحيلاً إذا لم يبنيا شيئاً من الثقة التي لا تعني تحابباً مفاجئاً وإنما تترجم باحترام متبادل واعتراف بأن لكل منهما أرضه وشعبه ودولته وحقوقه. لكن الأمر يختلف حين ينشب الصراع بين الشعب والنظام وبعد أن تكون الثقة فقدت تماماً، فأسوأ الخلافات هي التي تُسقط الروابط كلها داخل البيت الواحد وتحوّل الأخوة أعداء. عندئذ لا بدّ من عقد جديد للتعايش ومن شروط جديدة مستمدة من التجارب والفرص التي أثبتت للتوّ فشلها.

مع إقرار وزيرة الخارجية الأميركية بأنه لا يمكن التأثير في الوضع السوري من الخارج، فإن صراحة هيلاري كلينتون أكدت للطرفين، النظام والمعارضة، حقيقة تعرّفا إليها مع توالي الشهور الأربعة. والواقع أن جماهير الانتفاضة أملت دائماً بضغوط خارجية تؤدي إلى تخفيف شراسة القمع الدموي، وخشيت دائماً أي تدخل مباشر يتمثّل بما حصل ويحصل في ليبيا، لأنها متيقنة بأنه سيكون لمصلحة النظام الذي كان بعض رموزه استحض الخارج على دعم بقائه.

من الواضح الآن أن الحدث الداخلي تطوّر تلقائياً بفعل استمرار الانتفاضة وتصاعد زخمها، وبالتالي فلا داعي لأي تدخل خارجي أبعد من مواصلة الضغط المعنوي على النظام. فتركيا التي لم تقطع الخيط معه لم تعد ترى موجباً أو فائدة في مخاطبته لأنه فوّت كل الفرص التي تمكنه من قيادة الحل، ووجدت أن الأجدى مواكبة المعارضة لتمكينها من تنظيم صفوفها وبلورة برامجها وتأهيل نفسها للمرحلة التالية. وإذ تعذّر تفعيل دور لمجلس الأمن الدولي فإن تحرك السفيرين الأميركي والفرنسي دلّ أيضاً إلى ابتكارية ديبلوماسية لا تخلو من استفزاز للنظام ونسج نوع من التضامن مع الفئات الشعبية. وكاد الاعتداء على السفارتين أن يتفاعل أكثر لولا أن دمشق تراجعت، إذ أدركت أنها على قاب قوسين أو أدنى من رؤية عشرات السفراء الأجانب يغادرونها ليتركوها في عزلة دولية لم يسبق أن عرفت مثيلاً لها.

على عكس العواصم الدولية تعتقد دمشق أن الحوار الذي افتتحته أخيراً هو القناة التي سيأتي منها الحل. فهي أتاحت لبعض المشاركين فيه أن يقولوا ما عندهم في شأن «تفكيك الدولة الأمنية» وإعادة هيكلة النظام. كما أن التوجه الرئيسي الذي عبر عنه نائب الرئيس فاروق الشرع، في حضرة ممثلين عن حزب البعث «الحاكم»، كان واضحاً بتحديده «النظام التعددي الديموقراطي» هدفاً للإصلاح. صحيح أن البيان الختامي أشار إلى الحقوق والحريات التي يطالب بها الشعب وحاول الإيحاء بأن الدستور الجديد سيكون مفتاح العلاقة المقبلة بين النظام والشعب، إلا أن أفضل الوعود والتعهدات لم تحجب حقيقة أن هذا الحوار بقي داخل النظام نفسه. صحيح أيضاً أن نداءات وجّهت إلى المعارضين في الداخل والخارج للانضمام إلى هذا الحوار، إلا أن الانطباع العام الذي تركه اللقاء التشاوري - عدا أنه متأخر جداً - هو عجزه المتوقع عن وقف آلة القتل التي كانت تعمل بأقصى طاقتها القمعية طوال فترة انعقاده واستمرّت بعده، ما يعني أن النظام لم يمنح «الحوار الرسمي» فرصة خلق أجواء جديدة في البلد. وهكذا فإن الديناميكية الوحيدة التي استنبطها النظام هي حوار مقنن من أجل الإصلاح مرفق بقمع منهجي ضد المستفيدين المفترضين من هذا الإصلاح، وهذا يلغي طبعاً مفاعيل ذاك، فتكون النتيجة أن الحل الأمني هو الأبقى، رغم ما بات معروفاً بأنه لا يحلّ شيئاً بل يفاقم غرق النظام في مأزقه.

في المقابل لا تنفك الانتفاضة تثبت أنها لا تقلّ عن النظام بل لعلها تفوقه معرفة بحقائق البلد، فضلاً عن إدراكها نقاط ضعف النظام نفسه. وقد خالفت «التنسيقيات» المحلية كل توقعات المراقبين فأبقت شعلة الانتفاضة متّقدة، ثم أنها شكلت الخلفية بل المرجعية للمعارضة التي تحاول منذ أكثر من شهرين التوحد والانتظام. ورغم البلبلات التي شابت وتشوب حراك المعارضة إلا أنه آخذ في بناء الديناميكية الأخرى الموصولة مع «التنسيقيات» والواصلة بين الداخل والخارج. ينبغي ألا ينسى أحد أن الأمر يتعلق بمسار يتطلب سنوات في الأحوال الطبيعية والعادية، وأن الحقائق التي أمضى النظام عقوداً طويلة في تحطيمها ودفنها لضمان صمت المجتمع واندثاره لا يُتصور أن تعيد المعارضة بلمحة بصر صياغتها في قالب متجانس ومتوافق ومقبل على مهمة بخطورة نقل السلطة.

ليس متوقعاً أن يكون انتقال السلطة سلمياً، مثلما أن أحداً لم يعد يعتقد بأن النظام الحالي سيبقى، خصوصاً بعدما ترك عناصر بقائه تتآكل. كانت فرصته الحقيقية والذهبية امتدت من بداية الانتفاضة إلى لحظة خطاب الرئيس بشار الأسد في مجلس الشعب. لم يقدّر أحد داخل النظام الأهمية الحاسمة لهذين الأسبوعين، فبعدهما ارتسم مسلسل الانحدار ولم يعد ممكناً وقفه، بعدهما انفلشت الإشكالات الطائفية وانكشفت العورات، بعدهما راحت معمودية الدم في درعا تنتشر، وبعدهما - أخيراً - أصبح الإصلاح محفوفاً بالمخاطر بالنسبة إلى النظام ومكوّناته الفعلية وبات التنكيل والتقتيل والتمثيل بالجثث نذيراً بثارات سيصعب ضبطها... لذلك فإن «الخيار» الوحيد هو السعي إلى الإخضاع بهدف استرجاع السطوة والهيبة واستعادة زمام المبادرة، لكنه خيار غير متوافر فعلياً، وإلا لما فتحت نافذة الحوار. وفي لحظة ما سيتوجب على النظام أن يقدم تنازلات جوهرية ليتمكن من إنجاح حواره. هذه التنازلات لا بد أن تكون في كبح جماح ذراعه الأمنية وميليشياتها (الشبيحة) المنفلتة. لكن مَن يستطيع ذلك وكيف؟ لم يتوصل النظام بعد إلى رسم تقريبي لصورته التي يعتبرها مقبولة بعد استصلاحه، والأرجح أن معالم هذه الصورة لن تتضح له إلا إذا استطاع الانخراط في حوار «حقيقي» مع المعارضة الحقيقية التي لم تتوصل بدورها بعد إلى صيغة تنظيمية لا اعتراض على تمثيلها لمختلف الأطياف.

يرى مراقبون مطلعون أن الأزمة بلغت مرحلة انسداد تتطلب التفكير في الحلول: فمن جهة استطاعت الانتفاضة هزّ النظام وفرضت تشكيكاً بشرعيته لكن بقاء دمشق وحلب خارجها حرمها من اندفاعة أخيرة لإسقاط فعلي للنظام. ومن جهة أخرى أبدى النظام تماسكاً فلم تحصل انشقاقات مؤثرة في الجيش ولا في الإدارة ولا في البعثات الديبلوماسية، تحديداً بسبب عدم وضوح «البديل» في صفوف المعارضة، لكنه فقد عملياً إمكان إجهاض الانتفاضة أو القضاء عليها مهما أفرط في استخدام القوة... انطلاقاً من هذا الوضع الذي يمكن أن يطول من دون تغيير يعتقد بعض الأوساط أن لا مفر من المواجهة التفاوضية التي يفترض أن تواكب المواجهة في الشارع. لكن مثل هذا الاستحقاق يصطدم بعقبات كثيرة، أهمها أن المعارضة تريد تغيير النظام وترفض «المنهج الإصلاحي» الذي رسمه وإلا فإنها ستساهم في إنقاذه أي أنها لن تعترف بمجموعة «الحوار الرسمي» كشريك تفاوضي، ثم أنها لن تفاوض في ظل استمرار سفك الدماء، ولا بوجود آلاف في المعتقلات، ولا بمواصلة حملات الدهم. أما النظام فيعتبر هذه الممارسات أدواته الضرورية لاحتواء الانتفاضة، فإذا تخلى عنها يوحي بأنه راحل ويجازف بتشجيع الأكثرية الصامتة على الانضمام إلى الانتفاضة.

خلال الشهور الأربعة فاق ضحايا القمع من السوريين مجموع ضحايا حرب غزة من الفلسطينيين، ويخشى النشطاء الحقوقيون أن يتجاوز مجموع ضحايا الانتفاضتين الفلسطينيتين الأولى والثانية. والمؤكد أن عدد «أسرى الحرية» بلغ في بعض الأحيان ضعف أسرى الاحتلال الإسرائيلي ورغم قرارات العفو لا يزال يفوقه. ومعلوم أن البند الأول في أي جولة تفاوض فلسطيني – إسرائيلي بعد انقطاع يتمحور على الأسرى وعلى ضحايا القتل المنهجي، وغالباً ما يتعهد الإسرائيلي بإطلاق أفواج منهم ثم يماطل ويتحايل لكن كعدو يتعامل مع الأسرى على أنهم رهائن يقايضهم بتنازلات فلسطينية فإذا لم يحصل عليها ينسف تعهده.

===================

دفن جمهورية حافظ الأسد

علي حماده

النهار

21-7-2011

عاشت سوريا، وربما جزء من لبنان خلال مرحلة الاحتلال، طويلا في ظلال جمهورية الرئيس الراحل حافظ الاسد التي اطلق عليها اول الشهداء كمال جنبلاط اسم "السجن العربي الكبير"، وحتى وفاته ظل اسم حافظ الاسد مصدر رعب لملايين السوريين، بسبب نجاحه في اقامة احد اقوى الانظمة المخابراتية في المشرق العربي، حيث صار الاخ يتجسس على اخيه، والابن يوشي بأهله، والزوجة تسلم سر زوجها. فاكتظت السجون بآلاف المعتقلين لكل الاسباب، بينها التعبير عن الراي السياسي، وصراع مصالح كبير او صغير، وطني او محلي. وبينها ثالثا ما يسمى بلغة السوريين "التشبيح"، حيث كانت تلفق تهمة بسبب خلاف على خوّة، او لمجرد الشك في الولاء لآخر فرع من فروع حزب البعث او الامن في آخر قرية من قرى سوريا !

لم يكتف الاسد الاب بملء السجون بالناس، بل ملأ القبور بجثث المعارضين. البعض يقدر ان عدد القتلى لاسباب سياسية في سوريا منذ استيلاء حافظ الاسد على الحكم يتجاوز المئة الف سوري. ولا نتحدث هنا عن السوريين الذين قتلوا في حروب الاسد في لبنان، ولا عن الضحايا الفلسطينيين او اللبنانيين. وقد نجح حافظ الاسد في اقامة اكبر سجن في المشرق، اذا ما استثنينا السجن العراقي الكبير. ومن المعلوم ان سوريا في عهد الرئيس حافظ الاسد عانت في الاقتصاد والخدمات والتعليم، حتى انه بوفاته سنة 2000 كانت سوريا من اكثر الدول العربية تخلفا من الناحية العلمية والتعليمية. وجيشها كان كبيرا من الناحية العددية ومتخلفا من الناحية القتالية والتقنية وفي التجهيزات. ومما اورث الاسد الاب لابنه، سبعة عشر جهازا امنيا داخليا، جعلت من سوريا مملكة صمت ومكانا لا يدخله ضوء ولا هواء.

عندما اطلق الرئيس بشار الاسد حملته الدموية على الثورة السورية فوجئ ان الشعب ردَّ، في ما ردَّ، بإحراق صور والده الضخمة التي نشرت بالآلاف على مساحة البلاد، وحيثما تمكنوا قام الثائرون بتحطيم النصب التذكارية المرفوعة "تخليداً" لحافظ الاسد، كما حطموا تماثيله وانتزعوها من أمكنتها. وصار من مهمات الامن والجيش ان يحميا تماثيل حافظ الاسد في كل مكان. وقد عمد بعض المحافظين الى فكفكة بعضها وسحبها الى خارج المدن والقرى، الى معكسرات الجيش، لتجنيبها مصير سابقاتها. ومن خلال قراءة معظم الشعارات المرفوعة في وجه النظام، نرى انها تتحدى جمهورية حافظ الاسد، ولا ترى في بشار اكثر من وكيل انتهت فترة صلاحيته. اكثر من ذلك، فإن كل الاقتراحات الاصلاحية المقدمة من المعارضين تعكس رغبة جامحة في دفن جمهورية حافظ الاسد شرطاً اول لبناء سوريا المستقبل. ولعل استعادة الاسد الابن اسلوب والده في ممارسة القمع الدموي ضد شعبه، تذكرنا ايضا ان الثورة اليوم قائمة ضد "جمهورية حافظ الاسد" بالذات، وهي التي ينبغي تجاوزها كمرحلة سوداء في تاريخ سوريا. ولا يكون ذلك بغير دفنها نهائيا.

===================

دروس الربيع العربي

سعيد البيلال

القدس العربي

21-7-2011

تعيش الشعوب العربية منذ نهاية السنة الماضية على وقع حراك سياسي أجمع الخبراء والباحثون على تسميته ' الربيع العربي' حيث تمكن الشعبان التونسي والمصري في ظرف زمني قصير من إسقاط نظامين عتيدين كانا إلى الأمس القريب في عداد الأنظمة البوليسية القوية العصية على السقوط، فيما لا زالت شعوب أخرى تكافح لإسقاط أنظمتها أو على الأقل إصلاحها. وعلى الرغم من أن هذا الربيع ألغى إلى حد كبير الخصوصيات و الحدود وأظهر وحدة الشعوب العربية الرازحة تحت نير الاستبداد والتواقة للحرية التي توحدت صرخاتها بشعارات ويافطات موحدة، إلا أن كل شعب على حدة ابتكر وسائله وأساليبه واجترح لنفسه منهجا خاصا به، كما أن كل ثورة وتجربة اصطبغت بمميزاتها و استفردت بأيقوناتها وأنتجت عبرها ودروسها.

الثورة التونسية: دور النخبة المثقفة والطبقة المتوسطة

دروس الثورة التونسية كثيرة وعديدة، فهي التي أعادت الاعتبار لقيمة ومركزية الشعب واحترام إرادته 'إذا الشعب يوما أراد..' و'الشعب يريد...' وصاغت عبر شعاراتها ويافطاتها الأهداف الرئيسية للثورة ' D'gage ' و '...إسقاط النظام'. واللافت في هذه التجربة هو الدور الكبير الذي لعبته النخبة المثقفة والطبقة المتوسطة الشبابية حيث شاهدنا أصحاب رباطات العنق في الشوراع وهم يفجرون ثورتهم السلمية بكل أناقة، أساتذة جامعيون، محامون، حقوقيون، نقابيون، معطلون ومتعلمون...الخ، كلهم ساهموا في الثورة عبر التنظير والتخطيط وصياغة الخطاب والتنسيق والمشاركة الفعالة والصمود والمتابعة والتغطية الإعلامية...الخ، وأثبتوا أن المثقف هو المثقف العضوي الذي يلتصق بمجتمعه تأثيرا وتأثرا، وأن موقعه الحقيقي إلى جانب أهله كفاعل، ووسط بيئته كمؤثر، وليس الانكفاء على الذات كسلبي أو الانزواء جانبا كمتفرج.

الثورة المصرية: كيف تحرر الفئة القليلة كل الشعب

كانت الثورة المصرية المحطة التالية بعد تونس، لكنها استطاعت أن تتبوأ المكانة المهمة والملهمة لبقية الشعوب، وهي التي تمكنت في 18 يوما فقط من إسقاط نظام عتيد عمره 30 سنة، ما كان أحد يتوقع أن يتزحزح، وأسست لموعد الجمعة من كل أسبوع باسم دال ومعبر، وكرست أن الحل الوحيد لفرض الخيارات هو النزول للساحات والحل الأوحد لتحصين الثورة هو عدم الابتعاد عن الشارع، هذه الثورة الرائدة جدا مفعمة بالدروس والعبر، حيث أثبتت أن الأغلبية الصامتة التي تفضل البقاء في منازلها ليست بالضرورة مؤيدة للنظام أو راضية بالأمر الواقع وإنما هي ثائرة في صمت لعدة أسباب نفسية واجتماعية واقتصادية، وحين احتاج نظام مبارك إلى تزكية الشارع عبر مواجهة الثوار الذين استوطنوا مختلف الميادين بالموالاة، لم يجد له من نصير سوى البلطجية والمأجورين، فأظهرت تلك الأغلبية بإحجامها عن الخروج أن صمتها لا يجب أن يترجم أنه ولاء أو قبول بالاستبداد والتسلط بل بالعكس تماما، فقد كانت فقط تعوزها الجرأة والشجاعة والخطوة الأولى، لكنها خرجت حين سقط النظام وزال الخطر فرحة ومهللة إلى جانب الثوار في مختلف المدن والقرى، وبذاك سقطت دعاية النظام القائمة على التحجج بلا شرعية القلة والشرذمة المنتفضة في مقابل تزكية الأغلبية الصامتة المؤيدة، فبرهن الثوار رغم قلتهم ( 10 ملايين ثائر من أصل 90 مليون مصري) على أنهم ممثلون للشعب المصري كافة ولسان حاله وناطقون باسمه، وأعطوا درسا مهما في ضرورة تحلي القلة الفاعلة بالصبر والنفس الطويل ومواصلتهم للمسير رغم عراقيل وعوائق الأنظمة الاستبدادية من جهة وتخلي وسلبية الأغلبية الصامتة من جهة أخرى.

الثورة الليبية: ما حك جلدك مثل ظفرك

لاشك أن هذه الثورة هي الوحيدة التي لجأت إلى حمل السلاح لإسقاط القائد وليس النظام لأنه غير موجود أصلا، فإذا كانت الثورات العربية الأخرى تكافح لإسقاط أنظمة قائمة فإن الثوار في ليبيا يكافحون لبناء نظام غير قائم أصلا، ومن بين الدروس الكثيرة المستفادة من هذه الثورة هي أنه ' ما حك جلدك مثل ظفرك' و ' بيدي لا بيد عمرو'، حيث أن الرهان على الخارج وانتظار الآخر المنقذ أثبت فشله، وأن السند الدولي في غياب الانسجام الداخلي بدون جدوى، فرغم أن الغرب احتضن وساند الثوار بالمال والسلاح، ورغم أن المجتمع الدولي (بقيادة فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا وسلبية الصين وتخلي روسيا) عزل القذافي وحاصره وجمد حساباته وأصدر في حقه مذكرة بحث دولية، ورغم أن حلف الأطلسي يوفر غطاءا جويا للثوار ويواصل قصفه لكتائب القذافي وحصونها منذ 4 أشهر، ورغم الاعترافات المتتالية بشرعية وتمثيل المجلس الانتقالي لليبيين، إلا أن الثوار لازالوا بعيدين كل البعد عن حسم المعركة، فلو أن الليبيين استطاعوا توحيد صفوفهم وتذويب خلافاتهم الشخصية واختلافاتهم القبلية والعشائرية لتمكنوا من عزل القذافي من أقرب أقربائه ونزع كل فرص التعاطف معه وقتله معنويا ورمزيا وشعبيا، أما أنهم استعانوا بالغريب واستقووا بالأجنبي فإن بعض الليبيين اختاروا الاصطفاف إلى جانب 'القائد' الذي أضحى في أعينهم 'البطل المجاهد' الذي يواجه بصمود ' جيوش الصليبيين' من الخارج ومؤامرات ' الخونة والمتمردين' في الداخل.

الثورة اليمنية: حين تذوب القبلية والطائفية في كأس الثورة

رغم ضعف الاهتمام الدولي والإعلامي بهذه الثورة، إلا أنها أثبتت أنها أرقى الثورات السلمية وأكثرها تنظيما، فالشعب اليمني الذي يمتلك حوالي 60 مليون قطعة سلاح، ترك كل ذلك جانبا واستبدل المسدس بغصن الزيتون واندفع إلى مختلف ساحات التغيير صادحا بشعار 'سلمية سلمية'، وذلك خيار ومنهج يحتاج لوعي كبير بأولوية الأساليب النضالية وإيمان عميق بقيمة الثورة السلمية وجدوائيتها ونجاعة ثمارها وطيب حصادها، وعلى العموم فذاك ليس بغريب على شعب له حضارة موغلة وتاريخ عريق ومستوى تعليمي مهم (21 مؤسسة جامعية) ومجتمع مدني قوي وأحزاب شرعية و حراك سياسي منظم، ومن بين أهم العبر المستنبطة من هذه الثورة هي أن الدولة الديمقراطية هي الوعاء الوحيد القادر على استيعاب الجميع دون استثناء وبغض النظر عن الانتماءات العرقية أو الطائفية، حيث برهنت على أن الصراعات القبلية والعشائرية والحروب الطائفية (صعدة) التي كان اليمن مسرحا لها منذ الاستقلال كانت فقط صنيعة النظام الحاكم الذي كان يعمل بمختلف الأساليب والسياسات والمخططات على إلهاء اليمنيين بمعارك جانبية مستنزفة ويشغلهم عن النضال ضد تسلطه وفساده بصراعات هامشية كان يؤطرها ويغذيها ويعمل على استدامتها، وحين خرج الشباب ضد هذا النظام المستبد ولحق بهم الشيوخ بعد ذلك استطاعوا أن يوحدوا الجميع تحت نفس الخيام في مختلف الساحات، حيث ولأول مرة جلس الحوثي (شيعي) جنب الجلحي (سني) والشمالي (المتمسك بوحدة اليمن) جنب الجنوبي (المطالب بالانفصال) والهمداني جنب الشولاني (أقدم الصراعات القبلية) والحاشدي (أكبر قبيلة) بجنب السنحاني (اصغر قبيلة) دون تمييز أو ثأر أو ضغينة وهو أمر ما كان ليحدث لولا الثورة التي أماطت اللثام عن الاستبداد وعرت النظام الفاسد على حقيقته ووحدت اليمنيين من كل المشارب على مطلب واحد ' وطن الكرامة الذي يتسع للجميع'.

الثورة السورية: قمة السلمية في مواجهة ذروة الوحشية

هذه الثورة التي لا زالت لم تحسم بعد أهدافها استطاعت أن تقتطع لنفسها مكانة خاصة بين الثورات العربية، حيث تمكن الثوار من التأسيس لخط تصاعدي وزخم ثوري ما فتئ يتضاعف كل جمعة، هؤلاء العزل الذين أعطوا الدروس تلو الأخرى في الصمود في وجه أقوى آلات القمع وأكثر الأنظمة البوليسية استبدادا بالمشرق العربي، حيث رأينا عبر الصور والفيديوهات المهربة كيف تواجه الصدور العارية الدبابة، والرؤوس الشامخة الرصاصة، والأعناق المشرئبة المقصلة، والأقدام الثابتة الجرافة، كيف يسقط مئات الشهداء على مذبح الحرية ( أكثر من 1600 شهيد بينهم 100 طفل)، وكيف يخيط آلاف المصابين جراحهم (حوالي 12 ألف جريح)، وكيف يساق الثوار إلى معسكرات ودهاليز النظام (حوالي 15 ألف معتقل)، وكيف يهرب الآلاف من البطش نحو الجيران (حوالي 17 ألف لاجئ بتركيا ولبنان). ورغم وحشية وقسوة النظام إلا أن الثوار لا زالوا متمسكين بالنهج السلمي رغم كلفته الدموية إيمانا منهم بقيمته السياسية وقوته الأخلاقية، كما أنهم أثبتوا أن الحرية لا تعطى ولا تمنح على طبق من ذهب بل تنتزع انتزاعا، وأن الاستكانة والجمود والرضى بالأمر الواقع وملازمة البيوت والظل وغرف الانتظار لا تأتي بتغيير أو إصلاح لنظام متسلط وفاسد فما بالك بإسقاطه، وأن وطن الكرامة لا يتأتى بالتمني والدعاء وحده بل بشتى صنوف التضحيات الملموسة بالغالي والنفيس.

===================

المثقفون السوريون والشارع

عمر سليمان

القدس العربي

21-7-2011

في ظل الدولة الأمنية والتغييب الإعلامي وانعدام المؤسسات التي توصل صوت المثقف إلى الشارع بقي المثقف السوري لعقود بعيداً عن العامة وتطلعاتهم وأحلامهم، كما بقي بعيداً عن الاحتكاك بأوجاعهم التي صنعتها عقود الظلمة في ظل نظام قام على إقصاء الحياة السياسية والثقافية عن الشعب، وفرض كنظام شمولي ديكتاتوري ركوداً هائلاً على جميع شرائح المجتمع عامداً إلى تفرقتها حتى يبسط سيطرته.

ومع أن المثقف السوري لم يكن أحسن حالاً من باقي أفراد الشعب؛ فهو يحلم بأحلام بسيطة سرعان ما يحطمها الخائفون على عروشهم من الاهتزاز أمام أي تغيير، وهو يعاني ما يعانيه أي مواطن من ظروف الحياة اليومية، سوى أن هذا المثقف المغلوب على أمره معزول عن الشارع بفعل آلية النظام.

غير أن نداء الحرية الذي هب في سوريا منذ الخامس عشر من آذار الماضي، كشف الحجاب عن المثقف أمام مجتمعه، لأن هذا النداء الذي لباه عديد من المثقفين فكانوا أول من هتف للحرية في سوق الحميدية بدمشق، دفع النظام لأن يصبح مقصياً ومحشوراً في زاوية الشارع الذي انفرد به أبناء الوطن، وهنا بدأ الشارع كما بدأ المثقف يستعيد وعيه ويستيقظ من غيبوبة طويلة افتعلها النظام به، ولأن اليقظة صعبة وتحتاج إلى العديد من الصدمات لاستعادة الوعي سواء بالنسبة إلى الشارع أو بالنسبة إلى المثقف فقد وجد كثير من المثقفين أنفسهم مندفعين إلى الظاهرة الجديدة التي أصبحت الوسيلة شبه الوحيدة للتعبير عن الرأي؛ وهي ظاهرة (التظاهر)، لكن وبينما استمر المواطن البسيط بالتظاهر ولو على حساب روحه، تردد كثير من المثقفين ووجدوا تأويلات لمواقفهم، منها على سبيل المثال أنهم لا يريدون أن يكونوا وقوداً لثورة غير معروفة النتائج، ومنها أنهم يستطيعون أن يقدموا للثورة أشياء غير التظاهر، ومع ذلك استمر العديد منهم في الخروج مع الناس لا بصفتهم مثقفين بل مواطنين، لأن المثقف الحقيقي هو الذي يتتبع نبض الشارع لا نبض الزملاء المترددين.

أمام نداء الحرية تتساقط الحسابات جميعاً، كما تتساقط الحجج والبراهين حول جدوى النزول إلى الشارع، فالأمر ليس بضمان النتائج، بل بتحقيق كرامة هدرها نظام مستبد لعقود، ولم يكن شعار (الموت ولا المذلة) الذي يتداوله جميع الثوار عبثاً، لأن المعادلة البسيطة تقول إن الحياة بلا كرامة لا تستحق أن تُعاش، والمثقف مقموع ومعذب ومغيب أكثر من غيره كما سبق، لذلك فإنه الأحق بالنزول إلى الشارع والتعبير عن رأيه، هذا إذا آمن بأن دوره في الثورة يتزايد أضعافاً عندما يشارك باقي شرائح مجتمعه بما يملكه من الوعي فيخلص الثورة من أخطائها، لذلك كان يوم الخامس عشر من آذار لمن شاركوا فيه بداية لحياتهم الحرة ومشعلاً يستضيئون به وذكرى مدهشة تعيد إليهم وجودهم كلما حلكت لياليهم بالاعتقال أو الرصاص، واستمر كثير من المثقفين السوريين بالنزول والانخراط في الثورة بعد هذا اليوم، إلى أن أعلِن عن مظاهرة المثقفين في الثالث عشر من تموز، ليحجز كل من لم يستطع المشاركة دوره في الركب السائر إلى شمس الحرية.

سيطالعنا السؤال التالي: ما الذي يميز مظاهرة يقوم بها المثقفون وحدهم عن غيرها؟، وقبل ذلك: أليست وظيفة المثقف هي توعية الشارع والرقي به ليخرج من ركام العقود المظلمة إلى مصاف الدول الحضارية؟، فلماذا إذاً لم ينشر هؤلاء المثقفون أفكارهم ورسالتهم منذ أربعة أشهر من الاحتجاجات في الشوارع التي يعيشون فيها أو القريبة منها، وهل يلزمنا تعريف للمثقف حتى يتم قبوله مع كوكبة المتظاهرين؟.

هذه تساؤلات مشروعة أمام مظاهرة خاصة بالمثقفين، مع ذلك تبدو الخطوة إيجابية بالنسبة إلى وضع المثقف السوري، فهذه الخطوة سيتم تعميمها في المستقبل، لأن مقاومة خروج الإنسان في مظاهرة بعد أن تذوق طعم الحرية واستنشق عبيرها تبدو مستحيلة، شرط أن يخرج المثقف مع عامة الناس-كما كان يحدث في ميدان التحرير- لا في مظاهرة خاصة بالمثقفين فقط، وهذه الخطوة ستدحض روايات النظام حول العصابات المسلحة أو طائفية الثورة، إذ من الجنون والحماقة أن يتهم أحد فنانة مثل مي سكاف بأنها تحمل سلاحاً!، ومن العبث أن يرمي أحد من خرجوا في الميدان وهم كوكبة من جميع الطوائف؛ لكنهم يؤمنون بأنهم ينتمون أولاً وأخيراً إلى سوريا، كما أن هذه الخطوة تعني اندماج المثقفين في الثورة بالأفعال والأقوال، وبالتالي فإن الثورة تكون قد ضمت كل شرائح المجتمع لتنتج شريحة جديدة بإمكاننا أن نسميها شريحة السوريين الأحرار الذين يتعلمون من بعضهم كيف سيبنون بلدهم الديمقراطي والحر والمدني.

بمشاركته في المظاهرات، سيؤمن المثقف السوري بأن وجوده لا يكون إلا بانصهاره كفرد في المجموع ليتحقق مجد المجموع لا مجده الشخصي، كما يؤمن بأن الثقافة ستتخلص من كل معاني التبعية والانحطاط، فقد أصبحت ثقافة ثائرة على كل ما لا يحترم حرية الإنسان ووجوده وكرامته.

===================

نظام الأسد وعقدة الشرعية

حسين شبكشي

الشرق الاوسط

21-7-2011

أهم مشكلة تواجه نظام الحكم السوري هي شرعيته، وهذه مشكلة ليست وليدة الثورة السورية التي انطلقت مؤخرا، لكن المشكلة موجودة منذ وصول حافظ الأسد للحكم.

حافظ الأسد كان عضوا في مجموعة انفصالية مريبة عملت على الانفصال من الوحدة مع مصر عن طريق غطاء حزب البعث، وكانت هذه المجموعة بقيادة صلاح جديد، وتمكنت من الوصول إلى الحكم بعد ذلك عن طريق انقلاب عسكري عُين فيه حافظ الأسد وزيرا للدفاع، وكان نتاج هذا الانقلاب إخراج ميشيل عفلق، مؤسس حزب البعث، من الحزب نفسه.

وفي عام 1967 وقع خلاف بين صلاح جديد وحافظ الأسد، بعد أن اتهم صلاح جديد الأسد بأنه سحب الجيش من الجولان و«أعلن» سقوط القنيطرة «قبل» حدوثه فعلا، مما جعل صلاح جديد يقوم بفصل حافظ الأسد ورئيس الأركان وقتها مصطفى طلاس اللذين سرعان ما نفذا انقلابا عسكريا أتى بحافظ الأسد كرئيس للجمهورية ورمى حافظ الأسد بصلاح جديد ورئيس الجمهورية نور الدين الأتاسي في السجن بلا محاكمة! وظل سقوط الجولان نقطة مريبة في حكم الأسد تشكك في شرعيته ووصوله للحكم، وبدأ مشروعه ل«علولة» الجيش، بحيث تستأثر طائفته على كل المناصب المهمة في الجيش ويضمن الولاء المطلق لها ولم يستطع أن يستمد شرعيته «طواعية» من الشارع، ولكن بالقمع والقتل والمعتقلات، فارتكبت قواته مجزرة بشعة بحق سكان حماه وراح ضحيتها 45 ألفا وتكررت مجازر أخرى بأشكال مختلفة في تدمر وحلب وغيرهما وامتلأت المعتقلات وحاول أن يكسب «شرعية أخرى» كدولة ممانعة ومقاومة، ولكن شابه هذا الموضوع بشبهات كبيرة حينما مال «وحيد» لدعم إيران في حربها ضد العراق «البعثي العربي» ليظهر أن للأسد مشاريع «أخرى» غير التي يروج لها في العلن عن العروبة والقومية، وكانت إيران بادئة للتو في مشروعها الثوري الطائفي.

وطبعا بدأ حافظ الأسد، بعد «خلاصه» من شقيقه رفعت الذي حاول الإطاحة به، مشروع توريث الحكم لنجله الأكبر باسل، لكن موت باسل في حادث سيارة بدمشق اضطر حافظ الأسد اللجوء سريعا للخطة «ب» وأعاد الابن بشار، الذي كان يدرس الطب بالغرب، لينخرط في دورات عسكرية محمومة ويتدرج في المناصب والرتب العسكرية بشكل إعجازي وزمن قياسي. لكن حافظ الأسد استمر في معاناة هائلة تخص شرعية حكمه، فلا هو حقق للقومية العربية التي روج لها طول حكمه، على العكس تماما كان حكمه مبنيا على حالات من التوتر الهائل مع مصر والأردن والعراق ودول الخليج وطبعا لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية أيضا، ولا هو استطاع أن يستعيد هضبة الجولان حربا أو سلما، بل إن فكرة المقاومة لاستعادتها «قتلت» بشكل مريب، وتنامى مع الوقت مشروع علاقته المريبة مع نظام الثورة الإيراني لتغلب العنوان الطائفي على العنوان العروبي الذي كان يروج له.

ومات حافظ الأسد وجيء بابنه على عجالة، وتم تعديل الدستور السوري في لمح البصر ليصبح عمره مناسبا لتبوؤ منصب الرئاسة، وكانت لدى بشار هو الآخر عقدة العقد في شرعية وصوله للحكم فهو سنَّ سنة مضحكة وكاريكاتيرية وهي توريث الحكم في رئاسة جمهورية (وهو التقليد الذي هوس به زعماء عرب آخرون لاحقا) وحاول بالتالي في كل مناسبة «إثبات» أنه «جدير» بالحكم وأنه لن يعيش في جلباب أبيه، وبدأ في الانقلاب على رفقاء الأمس من محمود الزعبي وغازي كنعان وعبد الحليم خدام وحكمت الشهابي وغيرهم، الذين تمت تصفيتهم أو كانوا مشاريع «انتحار» جاهزة. كان يحاول تأسيس «رجال» جدد يتبعون له مباشرة من دون أن يكونوا تركة توريث أبيه يجبر عليها، وهذا هو المبدأ نفسه الذي لم يقبل أن يتعامل به مع رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري الذي اعتقد بشار الأسد أنه يعامله على أنه ابن حافظ الأسد وليس على أنه رئيس سوريا، وهذا الانطباع ظل يلاحقه أكثر وهو في حضرة رؤساء وملوك الدول العربية، فألقى في أول قمة عربية تجمعه بهم محاضرة طويلة عن الحكم وإدارة شؤون الدول فيما اعتبره الكثيرون نوعا من الاستهزاء بمن هم أطول منه خبرة، لكنها صورة أخرى للشعور بالنقص لدى بشار الأسد من شرعيته غير المكتسبة بحق، وهو الذي جعله بعد ذلك يتطاول على قادة عرب بشكل ناقص وغير لائق وارتمى أكثر في أحضان إيران من دون أي نوع من المداهنة بعد أن زادت الهوة بينه وبين القادة العرب ورمى جانبا دور بلاده في تحالف إعلان دمشق مع مصر ودول الخليج وزاد من تسلطه وقمعه داخل بلاده حتى انفجرت الثورة السورية في وجهه ونظامه لتؤكد مرة أخرى أن السؤال الأهم: ما مشروعية حكم النظام السوري لأكثر من 40 عاما مضت؟ الإجابة: القمع والدم والمعتقل والقتل.. والحل لذلك ثورة الشعب ونصرة الله لها.

===================

عودة السياسة إلى سورية

الخميس, 21 يوليو 2011

عمر كوش *

الحياة

يكشف المشهد السياسي في سورية، في أيامنا هذه، عن متغيرات وتطورات هامة وجديدة، لعلّ أبرزها عودة السياسة إلى المجتمع، بعد أن غُيّبت على مدى ما يزيد عن أربعة عقود من الزمن، حيث أفرز الحراك الاحتجاجي أشكالاً جديدة من التنظيم والتحشيد، تتمثل في تشكيل التنسيقيات ولجان التنسيق وشبكات واتحادات محلية في مختلف أحياء المدن والبلدات السورية، التي تستفيد مما توافر من التقنيات الحديثة، خصوصاً شبكة الإنترنت، وبالتحديد ما يوفره «الفايسبوك» و «تويتر» من إمكانات للتواصل والتنظيم لم تكن معروفة من قبل، إضافة إلى إنشاء شبكات إعلامية وإخبارية، تنقل جميعها أخبار التظاهرات وصورها وأحداثها في مختلف مواقع التظاهر.

وأفرز التغير الجديد في المشهد السياسي لقاءات ومؤتمرات في داخل سورية وخارجها، فبعد مؤتمري أنطاليا وبروكسل، شهدت العاصمة دمشق، للمرة الأولى منذ عقود، لقاء تشاورياً لمجموعة من المثقفين والمعارضين المستقلين في فندق «سميراميس»، ثم عُقد لقاء تنسيقي لمجموعة من الأحزاب المعارضة، تمخض عنه تشكيل «هيئة تنسيق وطني لقوى التغيير الديموقراطي في سورية»، ثم جرى لقاء آخر في فندق سميراميس نفسه، ضمّ مجموعة من الشخصيات التي لا تتفق مع قوى المعارضة السورية ولا تبتعد كثيراً عن النظام القائم ولا تتعارض معه تماماً، وسمّوا أنفسهم أصحاب «الطريق الثالث»، ثم انعقد لقاء صحارى التشاوري الرسمي. ومؤخراً انعقد في السادس عشر من الشهر الجاري «مؤتمر الإنقاذ الوطني»، الذي ضم مجموعة من الشخصيات المعارضة.

وبدأت كلمة «حوار» تتردد كثيراً في الآونة الأخيرة، في الأوساط السياسية والثقافية والإعلامية في سورية، والفضل يعود إلى تضحيات السوريين الذين بدأوا بالحراك الاحتجاجي السلمي منذ أكثر من أربعة أشهر، مطالبين بالحرية والكرامة والديموقراطية، وقدموا مئات الشهداء وآلاف الجرحى والمعتقلين. وقبل اتساع الحراك الاحتجاجي، ما كان من المجدي الحديث عن «حوار وطني»، لأن السلطة الحاكمة لم تكن تسمع أو ترى إلا نفسها، ولم تجد في مفردة الحوار إلا كلمة لا تعنيها، ولجأت إلى الحل الأمني لمعالجة تأزم الأوضاع، لكن استمرار الحراك واتساعه أفضيا إلى إقرارها بوجود أزمة وطنية، فاضطرت إلى تقديم جملة من الخطوات التي تضمنت إصدار بعض القرارات والمراسيم، لعل أبرزها إلغاء حالة الطوارئ والمحاكم العرفية والاستثنائية، وإقرار حق التظاهر السلمي، لكنها بقيت على الورق، من دون أن تأخذ طريقها إلى التطبيق الفعلي.

يشهد ذلك على أن المشهد السياسي السوري يختلف – اليوم - كثيراً عما كان عليه قبل اندلاع الانتفاضة السورية في 15 آذار (مارس) من هذا العام. وبات يمكن للجمهور العام وقواه الحيّة الدخول في الحوار وتبادل الرأي في مسائل الشأن العام كلها، وخصوصاً كيفية الانتقال إلى سوريا جديدة، بمعنى أنه بات من الممكن البحث في سبل الخلاص من الأزمة الحالية، بصبر ورويّة أحياناً، وبتسرّع في أحيان أخرى. لكن، وفي سياق العودة الجديدة للسياسة إلى المجتمع السوري، من المهم الابتعاد عن الشعارات الطنانّة، والاقتراب أكثر من جوهر السياسة، القائم على التداول والخطاب الواقعي والمنطقي والاستعداد للتفاعل وللتبادل والتسويات بين مختلف القوى والفعاليات.

وأظهر المشهد الجديد تبدلات جديدة في مولدات الحراك الشعبي، حيث برز دور الشباب السوري بشكل لافت في توليد الأحداث وصناعتها، مثلما برز من قبل دور الشباب التونسي والمصري في توليد الحدثين التونسي والمصري وقيادتهما، الأمر الذي يؤكد، مرة أخرى، على ريادة دور الشباب في صناعة وقيادة الثورات والانتفاضات والمتغيرات.

واللافت هو تكييف الشباب لأدوات التواصل الإلكترونية والمعلوماتية وتسخيرها في خدمة حراكهم، سواء من خلال التحشيد وتصميم الشعارات، أو من خلال تحقيق إجماع ورأي عام بعيداً عن قيود أجهزة النظام الحاكم ورقابتها، وبالتالي ظهرت أجيال جديدة، يحركها قادة من الشباب أنفسهم، لا ينتمون إلى حزب معين، ولا يعتنقون أيدولوجية معينة، وما يحركهم هو الإحساس العميق بالظلم والإحباط واليأس وانعدام الأمل بالمستقبل في ظل الأوضاع القائمة. واختارت الأجيال الجديدة الخلاص من واقع الإحباط وانسداد الأفق والانتقال إلى مواقع الفعل الاجتماعي، من خلال الاستفادة القصوى من إمكانياتهم، فاكتسبوا جرأة التفكير والتنسيق، والتعبير عن تطلعاتهم وتوقهم للحرية والتغيير وقيادة الحركات الاحتجاجية بهدف الوصول إلى واقع جديد وأفضل.

ويعبّر الحراك السوري عن لحظة تحوّل من منظومة سياسية وخطابية وأخلاقيّة قديمة ومحافِظة، تشكلت منذ النصف الثاني من القرن العشرين المنصرم، مدارها القمع والضبط والمراقبة والملاحقة، إلى منظومة جديدة أكثر انعتاقاً، تحدوها ضرورة إنزال الأفكار الكليانية والشمولية من عليائها وغطرستها، والتمرد على مختلف الأطر القمعية والمقولات الحتمية والشمولية، المدّعية الشرعية المطلقة في جميع المجالات، والصلاحية في كل مكان وزمان. وعليه، يقدم المشهد السوري مثالاً جديداً للشعوب العربية ولشعوب العالم، التي ما زالت ترزح تحت نير السلطات الشمولية، في كيفية المواجهة السلمية وحشد طاقات الشباب المتمكن من استخدام تقنيات التواصل في مواجهة تقنيات وأساليب السلطة الحاكمة.

ويبدو أن البحث عن ممكنات الخروج من الأزمة السياسية والوطنية العامة، مازال يجد في الحوار الوطني طريقاً مجدياً في حال توفر الشروط المناسبة والبيئة الملائمة له، إضافة إلى الإقرار بأن الأزمة فريدة من نوعها في تاريخ سوريا الحديث، وتتطلب تضافر جهود جميع السوريين وإشراكهم الفعلي والعملي في تحديد حاضر ومستقبل ومصير بلدهم، وفي تحديد ممكنات الانتقال إلى دولة مدنية، ديموقراطية وتعددية، تتسع لجميع أفراد الشعب السوري ومختلف مكوناته.

ولا شك في أن طريق حل الأزمة القائمة يتطلب توافر ممكنات الحل، التي تجسدها توقف الحل الأمني، وتوافر أجواء سياسية ومدنية تعم البلاد، وتأمين الظروف الصحية للبحث عن نقاط التقاطع بين مختلف القوى الفاعلة، التي تتيح إنتاج عمليات فرز على أسس برنامجية سياسية واجتماعية، يجري التوصل إليها، لتشكل خريطة طريق يتم رسمها بالافتراق مع كافة أشكال العنف والاعتقال التعسفي وقمع المتظاهرين.

===================

مؤتمر اسطنبول للإنقاذ الوطني بين الحقائق والتسريبات!

الخميس, 21 تمّوز, 2011

الطاهر إبراهيم – كاتب سوري

حزب لبنانيون الاحرار

جاء مؤتمر اسطنبول للإنقاذ الوطني الذي سعت لعقده المعارضة السورية كأول لقاء يجمع هذه المعارضة بشقيها الخارجي والداخلي. فقد أريد منه أن يتم التواصل في آن واحد في كل من دمشق واسطنبول يوم السبت 16 تموز، وذلك باستخدام التقنيات الحديثة لتذليل الهامش الجغرافي الذي كان عائقا أمام إجراء مثل هذا التواصل سابقا.

استطرادا، فقد جاء انعقاد هذا المؤتمر بُعَيْدَ مؤتمر آخر سبقه في اسطنبول نفسها، عندما قام لفيف واسع من علماء العرب والمسلمين بعقد مؤتمر، شارك فيه علماء مسلمون من الأقطار العربية والإسلامية، تداولوا فيه الرأي على مدى يومين. فقد أكد البيان الختامي للمؤتمر على أن “نصرة الشعب السوري واجب شرعي”. كما أصدر المؤتمر فتوى بوجوب (الوقوف مع ثورة الشعب السوري لاسترداد حريته وكرامته ورفع الظلم عنه). وقد اعتبرت هذه الفتوى ردا على فتاوى مشايخ السلطة في داخل سورية. وناشد البيان علماء سوريا أن( يكونوا في الطليعة وأن يقودوا الجماهير في ثورتهم ضد النظام الظالم، محذرين المشايخ الذين يوالون النظام الظالم من عاقبة الأمور في الدنيا والآخرة).

كان من المتوقع أن يشكل مؤتمر العلماء في اسطنبول رافعة قوية لمؤتمر للمعارضة. لكن الصدمة جاءت كالصاعقة عندما قام الأمن السوري بقصف موقع المؤتمر في “القابون” (20 كيلومترا شمال دمشق)، واستشهاد أكثر من عشرين ممن وجدوا في المكان، حيث خيم ذلك بظلاله على نفوس المؤتمرين في اسطنبول، وساهم في تحجيم بعض ما كان مقررا على أجندة المؤتمر، وسأومئ إليه في ما بعد.

“حكومة الظل” التي دعا إليها الأستاذ “هيثم المالح” من دمشق كان أول بند قد أسقط من أجندة مؤتمر الإنقاذ في اسطنبول. فلم يعد واردا أن يشكل المؤتمر مثل هذه الحكومة. ولو شكلت، فربما كانت ستساهم في إثارة الشقاق في نفوس المؤتمرين. وقد أشار الدكتور”برهان غليون” في كلمته أمام المؤتمر إلى أن تشكيل حكومة “ظل” سيكون مصادرة لرأي من لم يحضر المؤتمر لسبب أو لآخر من فصائل المعارضة. لكن الذي أجهز على الفكرة كليا كان إلغاء المؤتمر في دمشق بسبب قصف موقعه من قبل أجهزة الأمن والشبيحة.

مؤتمر “أنيطاليا” قبل شهر ونصف كان يمكن أن يكون دليل عمل للمؤتمر الحالي. فقد كان مؤتمر أنيطاليا ناجحا بكل المقاييس. من قبيل الاعتراف بالفضل لأهله أن نسجل هنا أن من ساهم بتمويل مؤتمر أنيطاليا (غسان عبود وعبد الرحيم سنقر)، من دون التدخل بمجريات المؤتمر. فقد كان لهما دور في إنجاح مؤتمر أنيطاليا. حتى مؤتمر “بروكسل” كان فقد كثيرا من بريقه، لأنه لم يكن بسوية نجاح مؤتمر أنيطاليا.

حضور الأستاذ هيثم المالح المؤتمر أعطى دفعة قوية للمؤتمرين. لكن المؤتمر كان قد تعطل فيه صمام هام من صمامات القلب التي تضخ الدماء في نفوس المؤتمرين، وذلك بإلغاء الشق الأهم للمؤتمر في دمشق بقصف مقره واستشهاد أكثر من عشرين شخصا.

لم يكن محقا انسحاب بعض الأكراد –وليس كلهم- من مؤتمر اسطنبول بعد أن رُفض طلبهم بأن يشطب كلمة “عربية” من وثيقة المؤتمر بحيث يقال الجمهورية السورية فحسب. إذ أنه تم استدراك ما أراده الأكراد عندما نص البيان الختامي أن كل مكونات الشعب السوري هم شركاء في الوطن.

ما قيل عن بحث العشائر عن تمثيل أكبر في مؤتمر اسطنبول كان فقاعة صابون أثارها أحد “المتسلقين” بعد أن خلت القوائم الثلاث التي شكلت من اسمه، ولأن كان قد حشر نفسه في خريطة العشائر، ليكسب أصواتهم فقد حرض بعض أفراد العشائر المشاركين في المؤتمر. وقد اتبع نفس الأسلوب في مؤتمر أنيطاليا حيث لم تضمه القائمة الفائزة في انتخاب اللجنة المتابعة لمؤتمر أنيطاليا، ما جعله يرفع صوته في المؤتمر.

قصور اللجنة المنظمة

لم تستطع اللجنة المنظمة أن تكون على مستوى المؤتمر، رغم أن رئيسها كان رجلا فاضلا، وعلى مستوى عال من احترام الذات. لكنه تسبب في وجود ثغرات في إدارة المؤتمر. فقد تم تشكيل ثلاث قوائم لانتخاب واحدة منها لتشكيل اللجنة المنبثقة عن المؤتمر. وقد حاول من لا حظ له في النجاح الالتفاف على القوائم فطلب من الأستاذ “هيثم المالح”أن يشكل قائمة تحظى من الجميع بالقبول –كما زعم- حيث أدخل اسم “المتسلق” فيها. ( كيف يشكل الأستاذ المالح قائمة وهو لا يكاد يعرف إلا نفرا قليلا من المشاركين لا يجاوز العشرة).

القائمة التي زعم أن الأستاذ المالح شكلها لم تنجح أثناء التصويت. فقد صوت لها أقل من ثلث المشاركين في المؤتمر. وكان النظام يقضي عرض القوائم الأخرى على التصويت، فإن فشلت أعيد التصويت على قائمة الأستاذ “المالح”. لكن رئيس اللجنة المنظمة خضع للابتزاز، فطلب التصويت ثانية على قائمة الأستاذ المالح. ورغم أنه لم يتم إحصاء الأيدي المرفوعة، فقد اعتبرت القائمة ناجحة. ولو اعترض أحد المشاركين على قانوني التصويت لاعتبرت اللجنة الفائزة مطعونا في شرعيتها، لكن أحدا ما كان يريد أن يسجل على المؤتمر أنه فشل.

لم يكن حضور الإسلاميين طاغيا. ولم يكن عدد الإسلاميين في اللجنة المنتخبة لافتا للنظر. وقد دعت عدة جهات إلى حضور المؤتمر. ولا جديد لافتا في توصيات المؤتمر زيادة عما جاء في توصيات مؤتمري أنيطاليا وبروكسل.

انعقاد مؤتمري أنيطاليا وبروكسل قبل ذلك خطف البريق والبهرجة الذي كان سيحظى بهما مؤتمر اسطنبول فيما لو عقد قبلهما. بل إن البعض كان قد أشار إلى أن تتابع ثلاثة مؤتمرات للمعارضة السورية خلال شهر ونصف لم يكن ناحية صحية، إذ لا جديد يستدعي مراكمة كل هذه المؤتمرات في هذه الفترة القصيرة.

===================

هل نُزع الغطاء الخارجي،حقا،عن نظام الأسد؟

أسامة عثمان

ايلاف

21-7-2011

النظام الذي يصل إلى هذه الدرجة من الانفعال المؤسي، حين لا يقتصر أذاه، وقمعُه الوحشيُّ، على من يدعي أنهم مندسون، وجماعاتٌ مسلحة؛ ليطال المثقفين والفنانين، وقد خرجوا في وضح دمشق، هذا النظام لن تطول أيامُه، ولعله، علم، أم لم يعلم، يستشعر ذلك، كمَنْ دنتْ منيَّتُه.

وتلك إشارة، وتنسحب فائدتُها على سائر تصرفاته، وتُبطل أكاذيبَه في تشويه التظاهرات السلمية التي بلغ بها الظَّرْفُ حدا جعل المتظاهرين يلثغون بها: «ثلمية ثلمية يا بثّار!» لعلهم يُفصحون عن أنفسهم، بعد أن لم ينفع النُّطقُ الفصيح!

لكنَّ لصُنَّاع القرار العالمي منطقا آخر, يقوم – كما هو معلوم- على القياس الدقيق والدائم للتطورات، والنظر في عواقب المواقف على «الاستقرار» الذي يعني الحفاظ على المصالح الدولية، وحفظ التوازنات الإقليمية، مع الأخذ بعين الاعتبار الطاقة الشعبية السورية، هل هي قادرة؟ أو بالأحرى مُوجِبة لتغييب نظام الأسد؟ وليس أقل من ذلك الاطمئنان إلى قيادة هذه المظاهرات والثورة، والمحركين الفعليين، والميدانيين، ومدى تمثيل أقطاب المعارضة لهم.

المواقف الدولية والحسم:

صدر الموقف الأمريكي الذي طال انتظارُه، أخير: (الأسد فقد شرعيته، عند شعبه) لكن ما إنْ كان هذا الموقف، حتى بادرت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، إلى التخفيف، قليلا من حسمه، ونهائيته، بالقول: «إن الوضع في سورية لا يزال مفتوحا».

 وشككت بقدرات المعارضة: « لا اعتقد أننا نعلم كيف ستتمكن المعارضة في سورية من قيادة تحركها، وما هي مجالات التحرك لديها».

ولم يكن مؤتمر المعارضة الذي انعقد في اسطنبول قبل أيام مطمئنا، من حيث قوة التماسك، بين مكونات المعارضة، والاختلاف على التمثيل، وحتى إن خلافات جوهرية نشأت حول طابع سورية، من حيث انتماؤها العربي، أو تعدد الانتماء، بما يشرك الأكراد إشراكا مهما، كما العرب. ويجعل سورية دولة تشاركية عربية كردية، حسب الموقف الكردي.

ولم تكن المواقف الدولية الأخرى أكثر حسما من الموقف الأمريكي، فأحدث تصريح لوزير الخارجية البريطاني- يُعدُّ من أكثر المتشددين ضد نظام الأسد- قال بعد اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوربي: «الموقف ما زال بالغ الخطورة. يجب على الرئيس الأسد، إما أن يجري إصلاحات، وإما يتنحى.».

وهذا يُبقى الباب مفتوحا، أمام نظام الأسد، حتى بعد كل ما كان منه، وبعد كل الذي قيل عنه، دوليا.

المواقف الإقليمية والعربية:

وفي المواقف الإقليمية أيضا اتساق مع هذا التوجه، إذ قال وزير الخارجية التركي، أحمد داود أغلو، بعد مؤتمر إسطنبول:«قال الأسد إنه سيشكل جماعات متعددة الأحزاب في البرلمان.. آمل أن يكون لدى سوريا أحزاب معارضة، وأن يكون بسورية أحزاب معارضة ترفع صوتها». وأبقى على تخيير النظام بين تنفيذ إصلاحات، أو مواجهة الإطاحة به، على أيدي قوى ديمقراطية.

وأما موقف الجامعة العربية فغنيٌّ عن التوضيح؛ إذ كان متقدما على المواقف الدولية، والتركية، حين مال أكثر لصالح بشار الأسد، إذ نفى الأمين العام، نبيل العربي إمكانية أن يتم الضغط على الجامعة؛ لإصدار قرار مشابه ضد سوريا، مشيرا إلى أهمية سوريا لاستقرار المنطقة، رافضا أي تشهير يطالها، ويطال رموزها، مفترقا بذلك عن الموقف الأمريكي المعلن، إذ قال: «لا يملك أحد أن يقضي بأن رئيس دولة فقد شرعيته، هذا أمر يقرره الشعب».

وهو، بالمناسبة، لا يبتعد عن الموقف الأمريكي الحقيقي الذي صرحت به كلينتون، حين قالت، بعد أن أعلنت افتقاد الأسد للشرعية:« إنه لا يمكن التأثير على الوضع في سوريا من الخارج. وقالت: «لا أحد منا لديه تأثير حقيقي باستثناء أن نقول ما نعتقده، ونشجع على التغيير الذي نأمله».

الإصلاح لا زال خيارا دوليا:

قد تسمح المواقف السابقة، بالاستناد إلى خطورة المغامرة بغياب نظام الأسد الذي لا يزال يتوفر على بنية أمنية متماسكة، داخليا، وعلى تعاون دولي فعلي، واستقرار, مع إسرائيل، قد تسمح بترجيح الظن القائل بأن الدول الغربية، بما فيها أمريكا، والاتحاد الأوروبي لا تزال تفضل الإصلاح الديمقراطي على الإطاحة الكاملة بالنظام في سورية.

وأما المواقف التي أعلنتها عن فقدان الأسد للشرعية، فهي إما استجابة للضغوط، وإما ضغوط تمارسها على الأسد؛ للانخراط الجدي في قيادة سورية إلى التحول الديمقراطي والإصلاح. فهو فقد شرعيته بهذا النظام القمعي غير الديمقراطي.

أو أن هذا الموقف، حين نفهمه مع المواقف المبقية على خيار الإصلاح، يعبِّر عن حيْرة صانع القرار الأمريكي، والأوروبي، واستشعاره المخاطر والصعاب التي تقف في طريق مشهد جديد غير مضمون. ولا سيما بعد الاستعصاء الذي منيت به الجهود الدولية في ليبيا، في الوقت الذي لا يليق أخلاقيا، ولا حتى سياسيا، إذا تغلبت الثورة أن تبقى أمريكا وأوربا في المكان الخطأ.

 بالطبع ليس بالإمكان أن تُقبل الإصلاحات الشكلية، أو الجزئية، كما يريد النظام، ولكنها، حتى تُقبل ينبغي أن تكون جذرية، تفضي، فعلا، إلى تحول سورية إلى دولة ديمقراطية، تتعدد فيها الأحزاب، وتقوم على الشراكة في الحكم، وإجراء انتخابات رئاسية، وبرلمانية نزيهة، وغير ذلك، مما يشعر المواطن العادي، والقوى السياسية السورية بتغير حقيقي.

وتتولى تركيا رعاية هذه الرؤية، وإقناع الأسد بالتحول إليها، جديا.

صعوبات خيار الإصلاح:

لكن أمام ذلك صعوبات، تتعلق بالنظام نفسه، والعناصر الفاعلة فيه، وتركيبته الأمنية، وعقليته التي لا يسهل عليها التسليم بخسارة الاستفراد في الحكم والدولة، فضلا عن أرباب المصالح الذين يتخوفون على امتيازاتهم، ونفوذهم الذي تتشابك في السياسية بالمال.

وثمة عامل إقليمي يعوق التحول الديمقراطي، يمثله إيران، وحزب الله؛ للأسباب المعروفة، والتحالف الوثيق، ولن يبقى على حاله بعد دخول مكونات سورية جديدة، من أوضح ما يجمعها، معاداة إيران، وحزب الله؛ لما قدماه من دعم أعمى لنظام لم يقصر في قمعهم بكل الوحشية التي أتاحتها له، إيران وحزب الله، بالدعم السياسي، وهو الأهم، والمالي، وحتى المباشر, كما يردد مواطنون سوريون، وغيرهم؛ فإيران، وحلفاؤها أكثر من يدرك مخاطر غياب استفراد نظام الأسد بسورية، وبروز قوى سياسية سورية لها مواقف مختلفة، أصلا، حتى قبل الانحياز الإيراني، وإلقائه كل بيضه في سلة الأسد.

وأما العامل الأقوى الذي يعيق هذا الخيار الإصلاحي فهو موقف الجماهير السورية الثائرة، وممثلوها، والمعارضة الذين لا يريدون أن تبقى من هذا النظام باقية. بعد أن قطع كلَّ الخيوط بينه وبينهم، وجعل الحوار معه، أو الالتقاء به، أمرا تجاوزته الدماء والأحداث.

والواقع أن أمريكا، بالذات، لن تتسرع، لا في استخدام القوة للإطاحة بنظام الأسد، ولا هي حتى ستُلقي بكلِّ ثقلها السياسي في دعم المعارضة التي لا تستوثق بعد من قدرتها، أو تماسكها، أو توجهاتها السياسية. فواشنطن تنتظر، وتحفظ لنفسها مكانا في الحالتين.

================

الثورة ناقصة بدون دبلوماسية ثورية

جميل مطر

الخليج

21-7-2011

 منشغلون بالثورة. البعض منشغل بها مباشرة كالباحثين عن إطار تاريخى يضعونها فيه علهم يفهمون من السياق ما استعصى عليهم فهمه بسبب ضجيج الميادين وزحمة التصريحات والنظريات أو منشغل بها انشغال المنقبين فى تربة مصرعن بذور أو جذور تبرر أو تشرح أسباب تأخير نشوبها وتتنبأ بصلابتها أو رخاوتها.

منهم أيضا من انشغل بها منبهرا بما حققت وبما يرى من مشاهد لم يشاهد مثلها من قبل، ويخشى ألا تتكرر المشاهد فهو يصطحب معه أطفاله إلى ميادين الثورة ليشاهدوا حدثا قد لا يتكرر فى حياتهم. هؤلاء مثل كل الرومانسيين قضوا معظم سنوات حياتهم يحلمون بلحظة ثورة ويتلهفون للاشتراك فى تظاهرة «مئوية» حين لم يكن الخيال يسمح بأكثر من تظاهرة مئوية وفى أحلك الظروف ألفية. أكثرهم لم يعرف خلال مسيرة حياتهم مظاهرات سوى مظاهرة العشرات على سلالم نقابة الصحفيين.

آخرون، وهم ليسوا أقل عددا على أى حال، منشغلون أيضا بالثورة وإن بطريق غير مباشر. هؤلاء شغلتهم الثورة منذ أن تسببت فى شغور مناصب عديدة ومهمة وانفتاح طرق إلى مواقع فى السلطة كانت مغلقة، وزاد انشغال هذا الفريق من المنتسبين للثورة حين اتضح أن بعض الأبواب، التى تفتح على مناصب أبواب «دوارة» أى الداخل عبرها لا يلبث أن يخرج منها. انفتحت سبل تداول المناصب على غير ما كان يحلم به منظرو الثورة والديمقراطية على حد سواء.

●●●

صادفت قبل أيام معارف وأصدقاء من المنشغلين بالثورة، وفاجأتنى درجة انشغال البعض منهم. لم أكن أعرف أن هناك من انشغل بالثورة إلى حد أنه انفصل، أو كاد ينفصل تماما، عن هموم خصوصياته وعن كثير من تفاصيل ما يحدث فى العالم. وجدت عددا كاد ينطبق عليه وصف محترف ثورة.

علمت أن بعضا ينصرفون أياما لا تعرف عنهم عائلاتهم الكثير ولا يهتمون بتصريف شئون أعمالهم وبيوتهم. خلال شهور ستة كان نداء الثورة يسبق أى نداء يدعو لتلبية واجب آخر. كان العائد، وما يزال، يستحق الانشغال بالثورة وبخاصة النفوس التى تطهرت بفعل الثورة والعقول التى تنورت بنورها والعلاقات الإنسانية التى نشأت وتعمقت بوجودها.

مع ذلك لا أستطيع أن أخفى قلقى على أن ما يكسبه شخص من وراء ادعاء الانشغال بالثورة لن يعوض ما يفقده من روابط أسرية ومن ممتلكات خاصة تنهب ومن أمن شخصى منتهك. ولن يعوض ما أهمله من شئون أخرى يعتمد عليها أبناء وطنه.

هذا عن الداخل، أما عن الخارج فهناك بين المنشغلين بالثورة كثيرون اهتموا بدقائق الثورة وانقساماتها والخوف عليها حتى إنهم صاروا لا يأبهون أو يهتمون إذا الأتراك فى غمرة انشغال ثوار العرب وحكوماتهم بالثورات العربية عادوا لامتلاك مفاتيح أبواب قلاع وأسوار العواصم العربية التليدة، وإذا الإيرانيون نجحوا فى غرس ما يشبه الوقيعة بين استراتيجيين أمريكيين واستراتيجيين إسرائيليين فخرجوا سالمين من حرب كادت تكون وشيكة.

وإذا إسرائيل استقر عزمها على الدخول فى سباق مع الزمن ليحصدوا ثمار الانشغال بالثورات العربية قبل أن يصل المد الثورى العربى إلى مداه ويعود الثوار لتصفية الحساب معها، عندها قد يكتشف الثوار أن فلسطين سرقت خلال انشغالهم بثوراتهم، وأن العالم الغربى بارك السرقة وقت ارتكابها وجعلها أمرا واقعا.

●●●

سمعت ثوارا، ولم يكونوا كلهم من جيل الشباب، يقولون إن الأفضل «لثورتنا» أن تخصص لها كل الجهد فلا تتبعثر اهتماماتنا حتى نحقق ما ثرنا لتحقيقه. صعب أن نجادل أصحاب هذا الرأى الوجيه، وفى الغالب هو رأى صادق صادر عن نوايا «ثورية» طيبة. وأظن أن جانبا من نجاح الأيام الأولى لهذه الثورة يعزى إلى أن شباب الثوار وقادة مراحلها الأولى تجنبوا قدر الإمكان إثارة قضايا فى ميادين الثورة فى تونس ومصر وبعدهما فى اليمن وسوريا تتعلق بأوضاع إقليمية ودولية، ولم تمض أسابيع إلا وكان هؤلاء الثوار أنفسهم يكتشفون يوما بعد يوم أن «الخارج» أو بعضه على الأقل تسرب إلى الداخل رغم§ انشغالهم المفرط به لأسباب ليس أقلها شأنا أن يبقى الثورة منشغلة بالداخل. ولا شك عندى، وليس هذا اليقين نابعا من اعتقاد فى المؤامرة أو إيمانا بنظرياتها، فى أن ثورتنا لو كانت خرجت إلى الخارج متسربة أو مقتحمة قبل أن يتسرب إليها أو يقتحمها الخارجيون لوفرنا عليها وعلينا صعوبات جمة وتضحيات شتى.

لم يعد سرا أن هذه الثورة، تعانى من صعوبات جمة وتقدم تضحيات جسيمة، ولم يعد سرا أن القلق بشأنها يعم أرجاء الشرق الأوسط، بعربه وأعاجمه، ويهز قناعات فى دول الغرب، كان الظن أنها استقرت. البحث جار وبهرولة لافتة للنظر، فى دول الشرق الأوسط والدول الغربية على حد سواء عن منح وقروض ومعونات ومساعدات لدول الثورات وإن بشروط. وقد تأخرت دول الثورات فى الاستجابة بدوافع منها التردد والشك وضباب الحكم وتناقضات الثورة، ووصلت أموال وتنافس المتنافسون واهتم قطاع من الثوار وتمدد الاهتمام إلى الشئون الخارجية عامة وانضم إليهم متعاطفون وثوار مخضرمون.

وخرج يتقدم الصفوف شباب من وزارة الخارجية، هؤلاء أدركوا بحسهم المهنى وحساسياتهم الوطنية خطورة استمرار انغماس الثورة فى شئونها الصغيرة وانحباسها فى «زنقات» السياسة الداخلية. هؤلاء هم أشد العارفين بالعواقب الوخيمة التى يمكن ان تعود على مصر إذا استمر الثوار فى غالبيتهم فى إهمال ما يحدث خارج حدود مصر.

●●●

يتحدثون عن شعوب عربية يقتل أبناؤها فى سوريا وفلسطين واليمن والبحرين وليبيا، وعن سودان جديد وربما سودان ثالث ورابع، وعن أكراد فى سوريا يطالبون بحذف الصفة العربية من عنوان الجمهورية العربية السورية أسوة بالعراق وتشبها بقرار الملك المغربى تسمية اللغة البربرية لغة رسمية ثانية. ألا تثير هذه التغييرات فضول المسئولين فى مصر عن السياسة الخارجية لاستقراء مستقبل بلادهم وموقعه فى إقليم سوف يختلف حتما عن الإقليم الذى نشبت فى رحابه ثورات الربيع؟

أمن الثورة المصرية، وبقية ثورات العرب،معلق بالسرعة، التى سوف يعلن بها ثوار مصر مبادئ السياسة الخارجية المصرية فى عهدها الثورى.

==========================

ما لا يعرفه البعض

درويش محمى

21/7/2011

السياسة

تظاهرة تمر من جانب كنيسة في "حي البستان" في مدينة حمص, للحظة يسود الصمت المكان, ويتوقف الجميع عن الهتاف, ليردد بعدها الجميع معاً وبصوت واحد "الله..سورية..وعيسى وبس",فالطائفة المسيحية ربما هي بحاجة الى سماع هكذا هتاف, للاطمئنان الى المستقبل والقادم من الايام.

تظاهرة اخرى في مكان اخر من سورية, يحمل احدهم لافتة صغيرة تقول "لقد خذلتنا يا اردوغان", فحامل تلك اللافتة يدرك اكثر من كل جموع المعارضة السورية في الداخل والخارج, التي تتهافت على اسطنبول وانطاليا بين الفينة والاخرى, ان السيد رجب طيب اردوغان ربما كان يمزح, لا اكثر ولا اقل, وهو يعطي لبشار الاسد فترة اسبوع فقط, للقيام باصلاحات"فورية".

"جمعة ازادي", هذه التسمية الراقية التي اطلقها الشباب السوري على الاسبوع العاشر من ثورتهم, والتي تم بموجبها اعتبار الكرد شركاء حقيقيين في الوطن السوري, ومكون رئيسي من مكونات الفسيفساء السوري, لا يحتاج الى ان يتفاوض مع فلان وعلان في صفوف المعارضة السورية, للاعتراف بحقوقه.

الشعار الذي نسمعه يومياً, وفي كل تظاهرة وفي كل احتجاج, "واحد واحد واحد الشعب السوري واحد", هو اكثر الشعارات عبقرية على الاطلاق, فالشباب السوري على معرفة وثيقة بكل السياسات الطائفية للنظام السوري, والتي من خلالها يسعى الاسد جاهداً لضرب الثورة السورية.

ما لا يعرفه البعض, سواء اكان هذا البعض من صفوف المعارضة او النظام, ان الشباب السوري الذي يخرج بصدره العاري لمواجهة رجال الامن والشبيحة, لا يتميز بالصبر والجلد والشجاعة والتضحية فقط, بل يتميز عن غيره بالذكاء والفطنة والحس السياسي الرفيع والكثير من المسؤولية, انه جيل لا يشبه جيلنا, ولا جيل الذي سبقنا, انه جيل من نوع خاص وفريد من نوعه, مبدع ومتميز, ويتقدم الجميع, يتقدم على المعارضة كما يتقدم على النظام.

 يوما بعد يوم, وجمعة بعد اخرى, وبعد كل اتصال مع الشباب السوري الثائر في الداخل, اكتشف ذكاء هذا الشباب, اكتشف حيويته وصلابته, كما اكتشف ومع كل زيارة لصفحة "الفيس بوك", حقيقة هذا الشباب الذي افتخر به ايما افتخار, وأشعر بالطمأنينة والراحة والكثير من الثقة, بأن هذا الشباب عاجلا او اجلا, سيكون صاحب الكلمة الاولى والاخيرة في تحديد مصير بلاده, وسيغير مجرى التاريخ في بلد قديم قدم التاريخ, وسيعيد هذا الشباب لسورية ألقها وكبريائها, وللانسان السوري سيعيد هذا الشباب كرامته وحريته والكثير من انسانيته.

* كاتب سوري

d.mehma@hotmail.com

=======================

هل ما يرتكب في سوريا "جريمة إبادة"؟

المصدر:   الجزيرة نت 21/7/2011

محمود المبارك

يتساءل البعض هل ترقى الانتهاكات التي يرتكبها النظام السوري تجاه شعبه منذ اندلاع الثورة السورية في 15 مارس/آذار 2011، إلى "جريمة إبادة"، حيث هي أخطر جريمة في القانون الدولي على الإطلاق!

فجريمة الإبادة تعد بحق "أم الجرائم" في القانون الدولي الإنساني، وهي من الأسباب الرئيسة التي لأجلها وجدت المحكمة الجنائية الدولية.

ونظرا لفداحة وخطورة هذه الجريمة، أعطت المادة 6 من نظام روما الأساسي المحكمة الجنائية الدولية الولاية القضائية في النظر في جرائم الإبادة الجماعية.

 

تاريخ مصطلح الإبادة الجماعية

رغم أن هذا المصطلح مشتق من الكلمة اليونانية genos التي تعني الجنس أو القبيلة، واللاحقة اللاتينية cide التي تعني القتل، فإن استخدامه القانوني الدولي لم يعرف قبل الحرب العالمية الثانية.

وقد وردت هذه التهمة ضمن لائحة الاتهامات في محاكمة كبار العسكريين في النظام الألماني السابق أمام محاكم نورمبرغ، الذين اتهموا بحرق وقتل اليهود بقصد إفنائهم.

وتعد جرائم الإبادة التي حدثت في ألمانيا أشهر جرائم الإبادة في العصر الحديث، وتبعا لذلك، اعتادت المنظمات الدولية الإنسانية -والغربية منها خاصة- إقامة مناسبات خاصة لهذه الذكرى المأساوية، عادة يحضرها الأمين العام للمنظمة الدولية الأم المسؤولة عن حفظ الأمن والسلم العالميين، للتأكيد على خطورة هذه الجريمة، باعتبارها أخطر الجرائم ضد البشرية وأبشعها.

وواقع الأمر أن جرائم الإبادة لم تتوقف بعد الحرب العالمية الثانية في عالم الإنسان "المتحضر"! حيث لا تزال الدول العظمى وربيباتها تتسابق على ارتكاب جرائم إبادة يخجل التاريخ من ذكرها.

ففي فلسطين لا تزال مدللة العالم الغربي، ترتكب المجازر تلو المجازر بدءا بدير ياسين إلى آخر محطة لها في غزة قبل عامين، دون حسيب ولا رقيب.

وأحسب أن لو اكترثت المحاكم الدولية بالجرائم الإسرائيلية وحدها لوجدت في ذلك ما يشغلها بقية عمرها.

وفي أفغانستان حيث قتل قرابة مليون إنسان في جرائم لا يمكن إلا أن توصف بجرائم إبادة من قبل القوات الأميركية وقوات الناتو في تلك البلاد، في عالم يسد عينيه ويصم أذنيه عما يرى ويسمع! تماما كما رفض العالم "الحر" الاستماع إلى صيحات الأبرياء في العراق الذين قتلت القوات الأميركية والبريطانية منهم ما يزيد على مليوني إنسان، في حدث أحسب أنه حري بالتدريس في كليات الحقوق العالمية لإعطاء المعنى الحقيقي لـ"جريمة الإبادة"!

ورغم أن محكمة العدل الدولية أقرت بوقوع جرائم إبادة ضد مسلمي البوسنة والهرسك في الفترة بين 1992 و1995، حيث قتل ما يزيد على 200 ألف مسلم بوسني من قبل الصرب، فإن المحكمة برأت دولة صربيا من تلك الجرائم!

وفي العام 2007، صرح مندوب الاتحاد الأوروبي في كينيا إريك فان دير ليندن بأن قوات إثيوبية وصومالية حكومية ارتكبت جرائم إبادة في الصومال، ومع ذلك لم يحرك العالم الغربي ساكنا، ولم تهتز المحكمة الجنائية لذلك!

 

واليوم يشاهد العالم بأم عينيه كيف ترتكب قوات الزعيم الليبي معمر القذافي جرائم إبادة ضد شعبه، ليقتلهم تماما كما تقتل "الجرذان"!

المثير للسخرية أن العالم الغربي لا يكاد يكترث إلا بحالتين من حالات جرائم الإبادة، فأما الحالة الأولى فهي تلك التي ارتكبها الألمان النازيون ضد اليهود إبان الحرب العالمية الثانية، وأما الحالة الأخرى فهي جريمة الإبادة المزعومة ضد الأرمن في تركيا، آخر أيام الخلافة الإسلامية!

 

الحالة السورية

الحالة التي تعيشها سوريا اليوم هي ثورة شعبية عارمة، وأي محاولة لوصفها بأنها "انتفاضة" تقليل لشأنها الحقيقي، واستخفاف بأمر الثورة التي شملت مختلف فئات الشعب، وطغت على المساحة الجغرافية للبلاد، فلم تعد الاحتجاجات في سوريا اليوم مقصورة على فئة دون فئة، ولا على رقعة جغرافية دون أخرى.

تؤكد ذلك ردة الفعل العنيفة التي قامت بها الحكومة السورية تجاه المتظاهرين في مختلف المدن السورية، والتي نتجت عنها انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني، شملت استهداف المدنيين الأبرياء والقتل العمد وتدمير البيوت بالدبابات وحصار العديد من المدن السورية، وهو ما يمكن أن يمثل "جريمة إبادة"، بالتعريف القانوني الدولي الذي حرمته "اتفاقية منع جريمة الإبادة والمعاقبة عليها" الصادرة عام 1948.

وبالتحديد، توجد ثلاثة عوامل تشير بشكل جاد إلى أن ما يحدث في سوريا "جريمة إبادة" بالمعنى القانوني الدولي.

العامل الأول: الاعترافات التي أدلى بها عدد من الجنود والضباط المنشقين عن الخدمة العسكرية، حين صرح هؤلاء بأن الأوامر صدرت إليهم بالقتل الجماعي للمتظاهرين لأجل التخلص منهم، وأنهم أمروا بقصف البيوت والمساجد على من فيها في مناطق معينة.

وهذه الاعترافات من الكثرة بحيث يصعب دحضها أو التشكيك في صدقيتها. وغالب هؤلاء مستعدون للإدلاء بشهاداتهم أمام المحاكم الداخلية أو الدولية.

يضاف إلى ذلك أن بعض الضباط والجنود المنشقين شهدوا حالات قتل لعسكريين سوريين رفضوا تنفيذ أوامر إطلاق النار على المتظاهرين.

العامل الثاني: تطويق العديد من المدن السورية من قبل الجيش السوري بالدبابات وأفراد الجيش، وقطع الكهرباء ومنع وصول المواد الغذائية والدوائية إلى المدنيين، الأمر الذي نتج عنه تعريض المدنيين لأحوال معيشية نتج عنها هلاك بعضهم، خصوصا الأطفال بسبب منع الغذاء والدواء.

العامل الثالث: التشبيه غير الإنساني، الذي تفوه به الرئيس السوري في خطابه يوم 20 يونيو/حزيران 2011، حين تم تشبيه عمل المتظاهرين بعمل "الجراثيم"، الأمر الذي يمكن أن يفهم منه تشريع التخلص منهم.

 

يؤكد هذا الطريقة التي اتبعها أفراد الجيش السوري في قتل المتظاهرين جماعيا، في اتباع طريقة التخلص من المتظاهرين بطريقة التخلص من "الجراثيم".

هذه العوامل الثلاثة قد تشكل في مجموعها أساسا قانونيا صلبا لإثبات تهمة "جريمة الإبادة" ضد مسؤولين سياسيين وعسكريين في الحكومة السورية، على رأسهم الرئيس السوري الحالي بشار الأسد.

وغني عن القول إن إنكار الحكومة السورية لهذه الانتهاكات والجرائم القانونية الدولية لا ينفي ثبوت التهمة، ومنذ متى كان المجرم يعترف طوعا بجريمته؟

ذلك أن الجريمة في القانون الجنائي تثبت بإحدى ثلاث طرق، الاعتراف أو البينات، بما في ذلك شهادات الشهود، أو القرائن المتضافرة.

وفي الحالة السورية يوجد من البينات وشهادات الشهود ما يغني عن الاعتراف الذي لا يتوقع له أن يكون، فضلا عن تضافر العديد من القرائن التي تعين على إثبات التهمة على المتهمين.

المطلوب عمله

المطلوب من الحكومات العربية والإسلامية في الوقت الحالي هو ما يلي:

1- إحالة الملف السوري إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة لإحالة الحالة السورية إلى لجنة قانونية دولية، بقصد عمل تحقيق دولي على غرار التحقيق الذي أجرته المنظمة بعد الحرب الإسرائيلية على غزة، المعروف باسم "لجنة غولدستون".

2- أن يطلب من مجلس الأمن إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية، بطلب ملاحقة المجرمين دوليا ومحاكمتهم على الجرائم التي اقترفوها.

3- مطلوب من العلماء والكتاب والمحامين والإعلاميين رفع الصوت أمام حكوماتهم وتذكير المنظمات الدولية والإنسانية بالقيام بدورها الرائد والمنشود قبل أن يسبق السيف العذل.

وخلافا لما يعتقده البعض، فإن "جريمة الإبادة" لا يشترط لها أن تشمل قتل الملايين أو مئات الآلاف من الأبرياء، ولنتذكر أن الرئيس العراقي السابق صدام حسين حوكم وأعدم بتهمة "جريمة إبادة" فيما قيل إنه تسبب في مقتل 148 شخصا!

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ