ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 22/06/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

الأسد ومتاهة الدم

الشرق القطرية

سمير الحجاوي

21-6-2011

أفضل وصف لخطاب الرئيس السوري بشار الأسد في جامعة دمشق أنه "منتهي الصلاحية" ومتأخر، بعد تورط نظام البعث بسفك الدماء وشن حملات عسكرية قاسية على عدد من المدن السورية وتهجير آلاف السوريين إلى تركيا ولبنان، مع حقيقة سقوط 1300 قتيل على الأقل ونزوح ما يقرب من 17000 شخص إلى تركيا ولبنان، واعتقال 11000 شخص وفقدان نحو 10000 شخص، والكشف عن مقابر جماعية إضافة إلى آلاف الجرحى، وهي حصيلة تصعب قبول الشعب بنظام البعث المتشبث بالحكم.

خطاب الأسد جاء ملغما بالإنشاء والوعود المبهمة الهلامية والتهديد والوعيد، ومفصولا عن السياق العام وتضمن وصفا لا يتسق مع ما يجري على الأرض، وبدا الرئيس السوري وكأنه غير راغب، أو غير قادر على" الاعتراف بما يجري، وأنه يهرب إلى الأمام لبيع مواقف سياسية للخارج في مسعى لتخفيف الضغوط الخارجية على نظامه، وتقديم "ذخيرة سياسية وهمية" تساعد روسيا والصين على الدفاع عن نظامه، والحيلولة دون سقوطه وعزله وحصاره كليا، وهي محاولة باءت بالفشل داخليا، إذ سرعان ما خرجت المظاهرات المنددة بهذا الخطاب في عدد من المدن السورية،وتطالب برحيله ورحيل حزبه عن السلطة.

خطاب الأسد الثالث عمق الأزمة، ودخل في لعبة الأحاجي والألغاز عند حديثه عن حوار وطني مرتقب مع مائة شخصية، وفي نفس الوقت حث السوريين على" العمل على إعادة الحياة لطبيعتها حتى ولو استمرت الأزمة شهورا أو سنوات"، وهو إعلان صريح أن "الأزمة" قد تستمر وقتا طويلا، مما يعني أنه لن يقدم أية تنازلات للمطالب الشعبية.

الأسد اعتبر أن ما ينفذه البعض "تخريبا" وأنه "لا يوجد حل دبلوماسي ممكن مع أناس يحملون السلاح"، واستعار بعضا من خطاب العقيد الليبي معمر القذافي الذي تفنن بوصف الشعب الليبي " بالجراثيم والجراذين والخونة والمتآمرين والسلفيين والقاعدة"، فذكرنا بهذه اللغة حين قال: "المؤامرات كالجراثيم تتكاثر في كل لحظة وكل مكان لا يمكن إبادتها"، وقسم الشعب إلى شرائح قائلا: "ما يحصل في الشارع له ثلاثة مكونات الأول هو صاحب حاجة أو مطلب يريد من الدولة تلبيتها له، والثاني يمثله عدد من الخارجين على القانون والمطلوبين للعدالة، أما المكون الثالث فهو الأكثر خطورة بالرغم من صغر حجمه وهو يمثل أصحاب الفكر المتطرف والتكفيري الذي اختبرناه منذ عقود عندما حاول التسلل إلى سورية واستطاعت أن تتخلص منه.. لا نرى اليوم هذا الفكر المتطرف التكفيري مختلفا عما رأيناه منذ عقود فهو نفسه وما تغير هو الأدوات والأساليب والوجوه فهذا الفكر يقبع في الزوايا المعتمة ولا يلبث أن يظهر كلما سنحت له الفرصة وكلما وجد قناعا يلبسه فهو يقتل باسم الدين ويخرب تحت عنوان الإصلاح وينشر الفوضى باسم الحرية لذلك كان التصعيد والفوضى هما المرادف لكل خطوة إصلاحية وعندما فقدت المبررات كليا كان استخدام السلاح هو الخيار الوحيد أمامهم لتنفيذ المخطط ففي بعض الأحيان استخدمت المسيرات السلمية كغطاء يختبىء تحته المسلحون وفي أحيان أخرى كانوا يقومون بالاعتداء على المدنيين والشرطة والعسكريين عبر الهجوم على المواقع والنقاط العسكرية أو عبر عمليات الاغتيال، واتهم "أصحاب الفكر المتطرف باستحضار خطاب مذهبي يعبر عن فكر قبيح واعتبر " مشيرا إلى أن "عدد الخارجين على القانون والمطلوبين للعدالة 64400 بقضايا مختلفة تصل من بضعة أشهر حتى الإعدام أحكامها وهم فارون من وجه العدالة، 24 ألفا من هؤلاء حكمهم من 3 سنوات.

وحسب الأسد نفسه فإن هذا العدد "يعادل بالمعنى العسكري خمس فرق عسكرية تقريبا..أي جيشا كاملا"، لكنه نسي أن يقول لماذا لا يحمل هؤلاء "الخارجون عن القانون" السلاح طالما أن عددهم كبير إلى هذه الدرجة، بل أكبر من عدد جيوش بعض دول المنطقة، ولم يكشف في الوقت نفسه عن هوية من يحملون السلاح ويقتلون ويرتكبون المجازر، ومن هم "الشبيحة"، وما هي الأفعال الدامية التي تقوم بها الفرقة الرابعة التي يقودها شقيقه ماهر، وغيرها من القوى العسكرية والأمنية التابعة للنظام ، وبما أنه قرر أنه "لا يوجد حل سياسي مع من يحمل السلاح"، فإنه يوفر بذلك من حيث لا يدري غطاء لمطالب الشعب الذي يطالب بإسقاط نظامه، بعد أن استخدم ضده المدافع والدبابات والمروحيات، فهذا النظام اجتاز "خط الدم" وهو الخط الذي يجعل من المستحيل على الشعب السوري القبول بحكم حزب البعث وعائلة الأسد تحت أي ظرف من الظروف.

الأسد تجاهل وجود الشعب السوري بتصنيفه إلى " صاحب حاجة أو خارج على القانون أو تكفيري"، دون أن يعترف أن هناك شعبا ثائرا في الشوارع يطالب بإسقاط نظامه ورحيله، ومحاكمة الذين حاصروا المدن وقتلوا أهلها وسفكوا الدماء في الشوارع، وتجاهل مطالب الناس بالحرية والعدالة والكرامة وحق اختيار من يحكمه وعزله، وهو بذلك يدخل إلى مربع جديد في "متاهة الدم"، التي ستعجل برحيل نظامه"

يغالط الأسد نفسه عندما يقول "لمست حب هذا الشعب الذي طالما مدني بصدقه ووقفاته الأبية.. بالقوة والاستمرار في خطنا السياسي ونهجنا المقاوم" ويعمق الفجوة بين ما ورد من خيالات في الخطاب والحقائق على الأرض، ويرسم "استراتيجية من السراب" في محاولته طبخ خطاب سياسي يطيل أمد حكمه، وهي استراتيجية لن تنجح ولن تنقذ نظامه، والحل الوحيد هو أن يستجيب للمطالب الشعبية، وبغير ذلك فإن المعركة ستطول حتى انتصار الشعب

=================

«شباب ثورة سوريا» وحربهم الافتراضية ضد النظام

 القبس

21-6-2011

محمد الفيزو يشير إلى بلدته في الجانب السوري التي أجبر على النزوح منها

أنطاكيا (تركيا)- موفدة القبس منى فرح

«آباؤنا وأجدادنا عاشوا في الذل والمهانة والخوف بسبب حكم الحزب الشمولي.. ونحن إذا سكتنا اليوم نكون قد شاركنا في الحكم على أبنائنا بمثل تلك العيشة».

بهذه الكلمات بادرني محمد الفيزو (31 عاماً)، أحد الناشطين في انتفاضة الحرية التي تعيشها مدن وبلدات وقرى سوريا اليوم، عندما سألته عما إذا كان متفائلا بما ستؤول إليه الأوضاع في بلاده، بالرغم من كل ما يحدث.

ومحمد كان من أوائل من حرّض وشجّع على التظاهرات الاحتجاجية التي انطلقت في جسر الشغور. وكان أيضا حريصا على تنظيم تلك التظاهرات ونقلها الى القرى المجاورة. فقبل بدء حركة الاحتجاجات كان محمد من سكان اللاذقية. وعندما بدأت المواجهات في مدينته عاد الى مسقط رأسه في جسر الشغور، لإيمانه بأنه من بلدته يستطيع أن يقدم لل «الثورة» أكثر مما يستطيعه من أي مكان آخر، وفق تعبيره، خصوصا بعدما قطعت السلطات عن اللاذقية خدمات الهاتف الأرضي والنقال وأيضا الانترنت، وفرضت حصارا أمنيا وعسكريا.

وهكذا، أصبح محمد يمثل اليوم مجموعة من الشبان أطلقوا على أنفسهم اسم «شباب الثورة السورية»، ردا على التسميات «المهينة» التي يستخدمها النظام بحقهم، كما يقول محمد. ويضيف «ليسمّنا ما يشاء: إرهابيين، خارجين عن القانون، مرتزقة، جماعة فلان وعلان.. لكننا في النهاية نحن أبناء سوريا وأصحاب حق في العيش بكرامة وحرية.. والنظام الذي يطلق النار على أبنائه ليس عبرة لنا لنأخذ بما يقول. فالعبرة أخذناها من الشعب المصري وقبله التونسي ولن نفعل أكثر مما يفعله اخواننا اليمنيون والليبيون.. ولا أقل مما فعلته شعوب أخرى عبر التاريخ من أجل كرامتها ومستقبلها.. فنحن لن نقبل بعد اليوم إلا أن نكون عبرة ايجابية لمن يريد أن يعتبر..».

الحرب الافتراضية

إلا أن مهمة محمد الفيزو «النضالية» الرئيسية (المصطلح الذي يحب أن يستخدمه) ميدانها «العالم الافتراضي». فهو واحد من هؤلاء الذين نجحوا أخيرا في نقل صورة عن واقع ما يجري اليوم في سوريا بعيدا عن آلية الإعلام الرسمي. فقد اختاروا «تكنولوجيا الاتصالات والمواصلات» في إدارة ما يسميه محمد «الحرب الافتراضية» لكشف ممارسات النظام وأساليب القمع التي يستخدمها مع مواطنيه ويقول إنها «حوار».

وعندما سألت محمد (خريج الأكاديمية البحرية) عن تعليقه على ما يطلقه الإعلام الرسمي عنه وعن زملائه بخصوص أنهم «مندسون.. ومدججون بتكنولوجيا خطرة ومعدات تدمر المجتمع»، أخرج من جيبه هاتفا نقالا صغيرا وبسيطا ذا مزايا متواضعة، وقال: «هذا هو كل أسلحتنا».

سلاح الصوت والصورة

كيف يعمل هذا «السلاح» (جهاز الهاتف الذي ليس بهاتف ذكي ولا بقمر صناعي ولا كل ما يشبه ذلك) وسط التدابير الأمنية والاستخباراتية ووسائل القمع المفروضة في البلاد؟ وكيف يحقق أهدافه فيما السلطات قادرة على قطع وسائل الاتصالات؟ وكيف نجح محمد وأمثاله رغم كل هذه الظروف في بث الحدث بالصوت والصورة على العالم أجمع، وأرسل عصر فرض الرأي الواحد الى خبر كان؟

التقيت بمحمد في منطقة غوتيشتشي الحدودية في محافظة هاتاي التركية، المطلة على بلدات جسر الشغور وخربة الجوز ومعرة النعمان وبداما في الجانب السوري، والتي أصبحت اليوم «نقاط ساخنة» في محور المواجهة الدائرة بين النظام السوري والمطالبين باسقاطه.

تبعد غوتيشتشي عن آخر نقطة حدودية سورية مسافة ساعة سيرا على الأقدام وسط الأحراج (حوالي 5 كيلومترات)، يقطعها محمد يوميا تقريبا قادما من مقر اقامته الحالية في بلدة خربة الجوز المحاذية لجسر الشغور. فبعد المواجهات العنيفة التي شهدتها قرى المنطقة وفرار الأهالي الى تركيا والحدود والقرى البعيدة قرر الفيزو ورفاقه انشاء نقطة تجمع تضم ممثلين عن أهالي جسر الشغور وخربة الجوز والبيضاء وغيرها. وأطلق على هذه النقطة اسم «تجمع خربة الجوز». وفيها يتواجد متطوعون توزعوا على لجان شعبية وتقاسموا مهام باختصاصات مختلفة: من توزيع المؤن وتأمين الحاجات الضرورية الى الحراسة وفض الاشكالات التي تحصل في مثل ظروفهم. والى جانب هذا هناك لجنة اعلامية مهمتها توثيق كل ما يحدث على ارض الواقع من تظاهرات واحتجاجات ومواجهات وحوادث وآراء وما الى ذلك، بعد تسجيلها على أجهزة الهاتف النقال، يتولى بعدها محمد الفيزو وعدد من رفاقه نقلها وحفظها على أشرطة مدمجة أو ما ينوب عنها، يتحمل محمد مسؤولية نقلها الى أقرب نقطة داخل الاراضي التركية يتواجد فيها خدمة انترنت.

ومن قرية حاجي باشا التركية، حيث له أقارب، يعمل محمد على بث ما سجل بالصوت والصور عبر مواقع التواصل الاجتماعي الالكتروني، مثل الفيسبوك واليوتيوب والتي لهم فيها صفحات خاصة، وأحيانا كثيرة الى وكالات الأنباء ومعارف معنيين يقيمون في الخارج ويتولون بدورهم تطوير المهمة وتعزيز أهدافها.

مهمة وطنية

وعن مهمته «النضالية» يقول: «مهمتنا وطنية. اذا لم يعرف العالم الخارجي حقيقة ما يجري على أرض الواقع ستبقى الحقيقة مخيبة في ظل ما تبثه وسائل الاعلام الرسمي. هدفنا توصيل الحقيقة الى العالم الخارجي وقبله الى شعبنا في الداخل، الذين لا يتسنى لهم الاطلاع على مجريات الواقع الا من خلال التلفزيون السوري فيما السلطات تمنع الصحافيين والاعلاميين من دخول البلاد وتغطية الاحداث.

وتركيز محمد ورفاقه لا يقتصر فقط على تصوير التظاهرات وممارسات القمع والاعتداءات فقط، ولو كان العمل بدأ بتصوير اسكتشات التظاهرات وتطورها، وبثها كما هي على مواقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك واليوتيوب. فخلال المواجهات التي شهدتها بلدة جسر الشغور على وجه التحديد حدث أن أخلى رجال الأمن عددا من المفارز الأمنية ومراكز الشرطة والسجون. فسارع «الثوار» لاستغلال الفرصة وتجميع ما ملكت أيديهم من مستندات ووثائق ومحاضر. وكان من بينها العديد مما يثبت التجاوزات التي ارتكبها جهاز الامن بحق المواطنين المدنيين العزل وأيضا تورط عناصر من جهازي الأمن والمخابرات «بالصوت والصورة والوثائق الرسمية» في ما يعرف داخل سوريا ب»الشبيحة». ويؤكد محمد أن تلك «الممتسكات قد جرى تسليمها الى عناصر من لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الانسان وعناصر من منظمات انسانية وحقوقية أخرى.

ومن بين تلك الوثائق المصورة والمكتوبة أيضا ما أثبت للعالم صحة حركة الانشقاقات داخل الجيش السوري وهو الأمر الذي لا ينفك النظام ينفي وقوعها.

ويضيف محمد «معلوماتنا وما لدينا يؤكد أن عدد المنشقين عن الجيش السوري حتى اللحظة بين 5 الى 10 آلاف، ومن بينهم ضباط.. ونحن كنا وراء بث انشقاق المقدم حسين هرموش ونقلنا نص انضمامه للثوار بالصوت والصورة الى العالم الخارجي».

لدى محمد الكثير مما يخبره عن تفاصيل المواجهات التي حصلت في جسر الشغور، ولديه أيضا الكثير من التفاؤل بأن الأمر سيكون على أكمل ما يرام». ويؤمن بان ما كان سائدا في الأمس لن يعود، وأن التغيير الايجابي حاصل لا محالة. «فالخوف انكسر وانطلقت شرارة الشعور بجمال طعم الحرية.. وعاشقو الطعم الحلو لن يتخلوا عنه بعد اليوم»، بحسب تعبير محمد ذي الجسد النحيل والوجه المتعب والعينين الناعستين لكن الحالمتين بغد أفضل له ولأبنائه ولوطنه «حتى لا يعيش أطفال سوريا ما عاشه الآباء والأجداد».

شيوخ جسر الشغور بكوا على درعا

يروي محمد كيف تطورت التظاهرات الاحتجاجية وصارت تضم عشرات الآلاف بعدما بدأت بعشرة أشخاص فقط. ويقول: عندما اتفقت مع رفاقي على إطلاق الحملة الالكترونية كنا خائفين من عدم تجاوب الاهالي ومن ضحكهم علينا.. الذين هم في طبعهم مسالمون الى اقصى الحدود ولم يدخلوا في اي مواجهة من قبل كونهم مزارعين بسطاء يعملون بعرق جبينهم ليؤمنوا قوت يومهم.. لكنني تعلمت أن هؤلاء القرويين المزارعين هم أيضا اصحاب نخوة وشهامة.. فعندما سمعوا منا ما جرى في دمر على سبيل المثال بالصوت والصورة بكى الشيوخ والرجال قبل النساء.. وهكذا وبعدما كان عدد المشاركين في التظاهرة الاولى التي خرجت في جسر الشغور لا يتعدى العشرة أشخاص كانت التظاهرة الخامسة بعد ثلاثة ايام تضم خمسة الاف شخص وبعدها 15 ألفا وهكذا.. شعرت وكاننا كنا نزداد كل ساعة.

الشعور بالحرية أطلق عنان التمرد

الى جانب أهمية طبع الشهامة التي يتحلى بها أهالي جسر الشغور، إلا أن حادثة معينة كانت بمنزلة الشرارة التي أطلقت الانتفاضة هناك.

هذه الشرارة كانت عبارة عن هتاف ضد ماهر الأسد، شقيق الرئيس بشار الأسد، والمعروف عند الأهالي على أنه رمز العنف والبطش بالنسبة لهم.. الهتاف يقول «يا ماهر يا ديوس على راسك بدنا ندوس». والديوس هو الشخص الذي يفعل كل المكروهات من دون ان يرف له جفن... ولما سمع الأهالي هذا الشعار من بعض المحتجين لم يصدقوا عقولهم بانهم في العلم.. ومن تلك اللحظة عرفوا أن للخوف حاجزا يمكن أن ينكسر. وبعد أن يتحطم حاجز الخوف تنقشع شعاعات الحرية. وللحرية طعمها الحلو الذي لا يمكن إزالته بسهولة.

لا نريد سجونا بخمس نجوم بل واحات حرية بنجوم السماء كلها

تعرض محمد الفيزو للاعتقال على موقع المواجهات التي جرت في اللاذقية، واودع سجن فلسطين. ولكن المفاجأة بالنسبة لمحمد كانت التحسينات التي أدخلت على عنابر السجن المعروف بأساليب التعذيب الرهيبة التي تمارس خلف جدرانه وفي أروقته. فمحمد كان قد قضى عاما كاملا من عمره في هذا السجن الذي قال انه أصبح يشبه الفندق «بالقياس والتشابيه» نسبة الى ما كان عليه قبل انتفاضة الحرية. والمفاجأة الثانية أن محمد الذي ذاق مختلف أنواع التعذيب والترهيب في ذاك العام لم يتعرض لضربة كف من مسؤول أو جندي خلال الأسبوع الأخير الذي قضاه بعد أحداث اللاذقية. لكنه يؤكد أنه التقى بأطفال تعرضوا للتعذيب وشاهد آثار ذلك على أجسادهم ووجوههم.

وعن مفاجآته قال: عرفت لماذا اختاروني ورفاقي ليأخذونا الى هذا السجن دون غيره. أرادوا أن يوصلوا رسالة من خلالنا بأن النظام بدأ يتغير الى الأحس وبانه يعمل على التحسين.. هم يعتقدون أننا أغبياء ويصرون على معاملتنا على هذا الاساس.. شباب اليوم لا يريد سجنا بخمس نجوم.. شباب اليوم لا يريدون سجونا بالأصل بل واحات حرية لا نرضى إلا أن تكون إلا بعدد نجوم السماء الصافية.

=================

شعوب عميلة

راشد فايد

النهار

21-6-2011

لم يخرج كلام الرئيس بشار الأسد عن السياق الذي واجه به انتفاضة السوريين منذ 15 آذار الفائت. هو نفسه السياق الذي واجه به اللبنانيين بعد 14 آذار 2005: هي مؤامرة وفتنة ومخطط استعماري غربي - صهيوني.

كلام تحصيل حاصل من الأنظمة في الحالات المشابهة: هي لا تعترف بمنطق الثورة. فلا الثورات العلمية خالطت عقول حاكميها، ولا الثورات الاجتماعية العالمية حركت اهتمامها. اعتادت ان تشوه فكرة الثورة. ألم تسم انقلاباتها العسكرية ثورات، زوراً وبهتاناً، ونسبت إلى الجماعة الوطنية ما قامت به قلة؟

 لأنها كذلك، تعامل الثورات بمنطق الانقلابات، وتتعامل مع الشعب الثائر بوصفه عصابات مخربين وتكفيريين. لكن اذا كان المنتفضون عصابة انطلقت في منطقة بعينها، فكيف يمكنها ان تظهر في كل المناطق في وقت واحد؟ هل هي عصابة شعبية، أم ان الشعب كله عصابة؟

 يقول المثل الشعبي إن العاقل بين كثرة المجانين مجنون، وقياساً على ذلك، فان كثرة "العصابات" وانتشارها، تجعل من يتهمها في موقع سارق الشرعية، أومغتصبها.

 وصف المنتفضين على النظام ب "العصابات" في سوريا، وب"الجرذان" في ليبيا، وب"العيال" في مصر، سبقه تحذير الأنظمة الثلاثة لشعوبها من أنها تخدم بثوراتها القوى الكبرى. لكن، من كانت هذه الأنظمة تخدم؟ ومن ساعدها أصلا على الاستمرار؟

 كلما فتحنا كتابا يؤرخ أحداث الشرق الأوسط، نقع على ما يفيد أن القوى الكبرى لها أكثر من اصبع في ولادة أنظمة المنطقة، منذ سايكس - بيكو، ومنها أنظمة الانقلابات. ولطالما انتسب المنقلبون الى احدهما، وارسلوا اشارات ود واسترضاء الى الآخر، منذ انقلاب حسني الزعيم في سوريا، الى الوراثة الجمهورية.

تنصح الوقائع بتذكر نظام صدام حسين، وتواطئه مع واشنطن حتى اللحظة الأخيرة، كما تنصح بتذكر ايران غيت، وعلاقة طهران مع تل أبيب، وآخر تجلياتها ما فضحته عقوبات مجموعة الثماني من علاقات بمليارات الدولارات بين الطرفين، ربما دفع عوفر اليهودي حياته ثمنا لها.

يتهم النظامان في ليبيا وسوريا الشعب بالعمل على تفتيت البلاد ووضعها تحت احتلال غربي جديد، وتنفيذ مؤامرة صهيونية. المغزى من ذلك أن النظام وآله وحدهم وطنيون، فيما الملايين عملاء المؤامرة الصهيونية – الأميركية. المغزى الآخر، أن الغرب يرى مصلحته في تشجيع الثورات. السؤال : ألم يكن هذا الغرب نفسه من رعى هذه الأنظمة وضَمِنَ استمرارها يوم كانت صالحة لمصالحه؟

=================

خطاب الأسد الثالث: فاته القطار

علي حماده

النهار

21-6-2011

لم يكد الرئيس السوري بشار الاسد يفرغ من تلاوة خطابه الثالث حتى اتضحت الصورة كاملة: النظام في سوريا ماض في حرب البقاء بكل ما اوتي من امكانات، و"الاصلاح" حتى الآن يبقى لفظيا تجميليا لا اسير القاعات. ولن نغوص كثيرا في خطاب ممل اشتهر الاسد الابن في تأديته على مر السنين. لكن اللافت البارحة كان الانطباع الذي اعطاه الاخير انه لم يدرك بعد خطورة وضعه، وقد انسدت الافاق امامه الى حد لم يعد فيه الحديث عما اذا كان النظام سيسقط، بل كيف ومتى.

الازمة اعمق بكثير من ان يمعن رئيس نظام متهاوٍ وفي الغوص في خطابات مكررة تقنية وادارية الطابع، بل تحتاج الى من يخاطب شعبا يقتل ابناؤه كبارا وصغارا، رجالا ونساء على ايدي رجال بشار الاسد في المدن والقرى. واقع سوريا الراهن يتطلب من رئيسه لو كان يدرك فعلا حجم ازمته مع شعبه، وحجم الاحقاد الهائل الذي زرعته ارتكابات قواته الامنية العسكرية في نفوس ملايين السوريين، ان يبدأ كلامه بتوجيه اعتذار صريح عن كل قطرة دم اريقت. فلو افترضنا صحة رواية النظام عن وجود مسلحين، فكيف يقبل رئيس دولة واقع ان مئات المواطنين يقتلون؟ وكيف لا يثور للتعذيب الذي يمارس على اطفال بلده؟ وكيف ينام امام حالات عدة لاعتداءات على نساء من بلده؟ كيف يقبل التعايش مع ما يحصل من فظائع إن لم يكن يقف وراءها؟

ان ازمة سوريا كبيرة، ولكن مشكلة الرئيس بشار الاسد اكبر واكبر بما لا يقاس. فالشعب في ثورة، وفي النهاية سوف، ينتزع حريته شاء الاسد وصحبه ام ابوا، اما الاسد فلن يكون جزءا من مستقبل بلاده، لانه اتخذ خيار الدم والتركيع بالدم. وهذا ما لن ينجح في فرضه. وقد جاء الرد العفوي على خطاب الامس في الشارع السوري نفسه. والايام القليلة المقبلة كفيلة بتعزيز الرد الشعبي في مواجهة قرار القتل الذي يمضي فيه النظام في سوريا بلا هوادة. فمن "جمعة" الى "جمعة" تتعاظم قوة الشارع، وتصميمه على النضال من اجل الحرية والكرامة، ومن اجل بناء سوريا الديموقراطية. في بداية الامر كان الرئيس بشار الاسد جزءا من الحل لو انه اختار قيادة التغيير الجذري ونقل بلاده من جمهورية حافظ الاسد التي قامت على القمع والخوف، الى جمهورية سوريا المتصالحة مع انسانية الانسان فيها.

لقد ماتت جمهورية حافظ الاسد ساعة كسر السوريون جدار الخوف، وسقط ارث حافظ الاسد مع تحطيم اول تماثيله وتمزيق اولى صوره وصور وارثه في معظم مدن سوريا وبلداتها. وعلى الرئيس السوري ان يقرأ المشهد جيدا فلا يضيّع وقته الضيق - على سبيل المثال – في العودة الى ممارسات تخطاها الزمن، كتجميع اوراق وهمية على شاكلة "حكومة المطلوبين" في لبنان، فالمشكلة هي مع الشعب السوري. وعند الشعب السوري تكمن الاجابات كلها. كل هذا قيل للرئيس السوري، ولم يفعل شيئأ، واليوم نقول، لقد فوّت الاسد الابن القطار...

=================

خطاب للأسد بوعود محدودة وبدون هتافات!!

ياسر الزعاترة

 الدستور

21-6-2011

أكثر ما استوقفني شخصيا في خطاب الرئيس السوري بشار الأسد يوم أمس هو غياب الهتافات التي سمعناها على نحو مثير للغثيان في خطاب مجلس الشعب، ومن المؤكد أن منع الهتاف هذه المرة لم يأت إلا بسبب السخرية التي تعرض لها الخطاب السابق، لكن منظمي الزفة في جامعة دمشق لم يتمكنوا كما يبدو من منع الحاضرين، وكانوا بالمئات من الهتاف مع نهاية الخطاب مرددين ذلك الشعار المسيء لسوريا والسوريين «الله، سوريا، بشار وبس».

بوسع المراقب أن يضيف أيضا ذلك البعد الجدي في الخطاب، خلافا للخطاب السابق الذي تعامل مع الاحتجاجات الشعبية بمنطق السخرية، الأمر الذي زاد من حنق الناس، وساهم في توسيع رقعة الحراك الشعبي.

منذ السطور الأولى للخطاب قفزت كلمة فتنة وكلمة مؤامرة، ثم تبعها سيل من الإنشاء الذي يؤكد حكاية المؤامرة الخارجية، لكنه تجاوز ذلك لأن المؤامرة كانت موجودة على الدوام كما قال، والأصل برأيه هو تقوية المناعة الوطنية للرد عليها.

بعد ذلك حدد الرئيس أنواع المحتجين على نظامه، فكانوا ثلاثة أقسام، أولهم أصحاب حاجات يريدون تلبيتها، بصرف النظر عن طبيعة تلك الحاجات. أما القسم الثاني فهو المثير للغرابة والسخرية في واقع الحال، لاسيما أنه الأكثر أهمية في تنظيم الاحتجاجات بحسب الرئيس.

إنهم الخارجون عن القانون والفارون من وجه العدالة، وعددهم برأي الرئيس هم 64 ألفا و400 شخص (لاحظوا الدقة)!! ولا يعرف كيف فرّ هؤلاء من وجه العدالة في دولة أمنية بامتياز، وقد قدرهم الرئيس من باب المقارنة غير البريئة بخمس فرق عسكرية، لاسيما حين حمل بعضهم السلاح، ولا يُعرف أيضا من أين حصلوا على السلاح في دولة أمنية مثل سوريا؟!

القسم الثالث من المحتجين برأي الرئيس هم أصحاب الفكر المتطرف والتكفيري، الذين يَقتلون باسم الدين، وهنا مال إلى حشر معظم المصائب التي وقعت في عناصر هذه الفئة، حيث اتهمهم بحمل السلاح، والهجوم على المواقع العسكرية، وارتكاب المجازر، وامتلاك أسلحة وأجهزة اتصالات متطورة (طبعا هذا يؤكد المؤامرة الخارجية).

في هذا السياق تتبدى المقاربة الخاطئة لما جرى، إذ يعلم الجميع أن الكتلة الأكبر من المحتجين ليسوا مطلوبين جنائيين، كما أنهم ليسوا تكفيريين وإرهابيين، وحتى أصحاب الحاجات لم يتحركوا لحاجاتهم الخاصة، وإنما انطلاقا من إيمان بأن حال البلد لا يصلح من دون تغيير جذري في بنيته السياسية والأمنية التي تقزمت في حكم عائلة لا أكثر، لأن حزب البعث ليس في حقيقته سوى غطاء لحكم العائلة.

بعد فاصل طويل وممل من العرض والسرد للواقع، مع اعتراف ينطوي على بعض المجاملة بمعاناة المواطنين على أصعدة شتى، جاء دور مشاريع التغيير التي ينتظرها السوريون، وهنا أحال الملف إلى لجان الحوار الوطني التي أعلن عنها سابقا، والتي يبرمجها النظام بطريقته من حيث المشاركين وأجندة الحوار.

إلى جانب ذلك تحدث عن الإنجازات العظيمة السابقة التي لم يشعر بها المواطن، وهي رفع حالة الطوارىء، وإلغاء محكمة أمن الدولة، سن قانون حق التظاهر السلمي، وتحدث عن القادم من القوانين، وهي قانون الانتخابات وقانون الأحزاب، ومشاريع لتحديث الإعلام وقانون للإدارة المحلية.

في هذا الجزء من الخطاب تابعنا كلاما مرتبكا ومتناقضا إلى حد كبير، لاسيما المتعلق بالقوانين القادمة، وفي مقدمتها قانوني الأحزاب والانتخابات، وكذلك مسألة الدستور وما إذا كان سيتغير قبل انتخابات مجلس الشعب بعد ثلاثة شهور أم بعدها، وهل سيكون هناك انتخابات أم تؤجل، وهل سيتغير الدستور جزئيا، أم كليا، وأشار إلى المادة الثامنة من الدستور المتعلق بحزب البعث كقائد للدولة والمجتمع، من دون الجزم بإلغائها.

المهم أن هذه الملفات جميعا تُركت مفتوحة، وما يتعلق بها بقي مفتوحا على الاحتمالات، مع أن قوانين من هذا النوع ليست بشيء في ظل دولة أمنية تتحكم بالهواء الذي يتنفسه المواطنون، فيما نعلم أن تجارب الدول الأخرى قبل الثورات لم تكن مقنعة، لأن من يملك الجيش والمؤسسة الأمنية ومفاصل الدولة يمكنه التحكم باللعبة السياسية كما يريد.

خلاصة القول هي إن أقصى ما يمكن أن تفضي إليه إصلاحات الأسد الموعودة (هذا إن أنجزت بالفعل) لن تتجاوز ديمقراطية ديكور على شاكلة ما كان سائدا في عدد من الدول العربية قبل الثورات الأخيرة، وهي ديمقراطية زادت الأوضاع سوءًا على سوئها القديم حين أفرزت برلمانات مبرمجة على مقاس النخب الحاكمة.

من هنا كان طبيعيا أن تخرج بعض المظاهرات السريعة في عدد من المدن في سياق من رفض الخطاب ومضمونه، وسنسمع ردا أكثر وضوحا خلال الأيام المقبلة، والنتيجة أن مسيرة الاحتجاج الشعبي ستتواصل حتى اسقاط النظام ورموزه مهما كان الثمن أو طال الزمن.

=================

منطق النظام في دمشق الشام

الثلاثاء، 21 حزيران 2011 04:48

 د. أحمد نوفل

السبيل

1- أتحسبون ما يجري في سوريا عجباً؟!

ما يجري في سوريا طولاً وعرضاً، في مدنها وقراها، وقلْبها وأطرافها، شيء يفوق الوصف، ويثير أقصى درجات الاستهجان والاشمئزاز.. ويحاول النظام كما بقية الأنظمة العربية أن يسوّق الإجرام باستغباء الناس واستغفالهم، واستخدام ذات الذرائع التي استخدمتها كل الأنظمة العربية خاصة في أشهُر الثورات التي انفجرت لتراكم المفاسد والمظالم معاً: "الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد" فالفساد والظلم وجهان لعملة كريهة واحدة. ومن زعم أنه سيقاوم الفساد، وهو مقيم على الظلم فإنه مخادع مخاتل، فقد حدثنا القرآن بحقائقه الثابتة المطلقة أن التلازمية بين الظلم والفساد مؤبدة. والفساد وسفك الدماء تلازمية أخرى أشارت إليها الملائكة قبل التكوين-الإنساني، أي قبل أن نوجد أو نولد إذ قالت: "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء". فما يجري ليس مدهشاً لنا ولا عجيباً. أم حسبت أن ما يجري في سوريا كان من بين فعل الأنظمة العربية عجباً؟ أو من فعل النظام نفسه في سوريا عجباً. لا. إنه ليس عجباً على الواقع العربي وليس عجباً بمقياس التجربة السورية.. والشيء من معدنه لا يستغرب.

2- الطغيان طبع البشر.. والطغاة لا يتعلمون

ليس ما يجري عجيباً لأن الطغيان طبيعة عميقة في البشر. وقد حدثنا عنها القرآن الكريم، والعجب، أن ذلك كان في الوحي الأول أعني في السورة الأولى من هذا الكتاب الكريم، أي من حيث النزول، وذلك قوله تعالى في سورة اقرأ: "كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى" ويظن الإنسان أنه استغنى إذا ملك أشياء منها المال، والسلطة، والجند، والعشيرة أو الطائفة المساندة.. ولم يملك الرادع والكابح المانع من الاندفاع وراء شهوة الطغيان والاستكبار.. وإذا وجد تواطؤاً عربياً داعماً، وتواطؤاً دولياً يهمس بالعتاب همساً ويغمغم غمغمة ويعمى تعمية ويهمهم همهمة، ولا يكاد يبين..

فكيف إذا اجتمعت هذه كلها؟! فما يجري لم يكن مفاجأة لنا. وليس عجباً، إنما تعْجب من شيء خارج عن المألوف من مثل فاعله.

إن الذين تأخذهم العزة بالإثم لا يطيقون النقد ولا التظلم ولا أنين المشتكين! فيزيدونهم عذاباً فوق العذاب حتى ينقطع الأنين وتتوقف الشكوى ويردد الشعب المسكين وهو مستكين تحت السكين: ليس بالإمكان أبدع وأروع مما كان. تسلم ايدك يا معلم! بالروح بالدم نفديك يا جلاد!

والطغاة لا يتعلمون من التجارب. ولتألههم يظنون أنهم فوق السنن ونواميس الكون وفوق القانون الإلهي، وفوق الأسباب، وفوق العقاب والأخذ من العزيز المقتدر.

ولذلك يعتقدون أن ما أصاب غيرهم لا يصيبهم، ومن هنا قال أزلام مبارك: ما أصاب الزين لا يقع مثله لا لحسني ولا لحسنين! فلما أصاب حسني ما أصاب الشين قال القذافي وصالح لن يصيبنا مثل ما أصابهم، وليس موعدنا الصبح، وليس صبح الشعب بقريب وليلنا طويل كليل امريء القيس لا ينجلي بإصباح، ولن يطلع على الأمة الصباح. والآن تعيد سوريا المأساة عينها ويظن من يدير أمورها مرتاحاً مطمئناً أنه في مأمن من الموج مهما عتا، كما قال ابن نوح: "سآوي إلى جبل يعصمني من الماء" وهؤلاء يقولون: سنأوي إلى أجهزة كالأوتاد تثبت ملكنا بسيل من الدماء، وكثير من الأشلاء! وخاب ظنهم وطاش سهمهم! فلا عاصم اليوم من إرادة الشعب في التغيير.. لأنها، إن شاء الله، من إرادة الله. وسنة الله في الكون تغيير ما بالناس، إذا الناس غيرت ما بها من عجز ووهم ووهن وضعف وخوف وتقاعس وتفكك وتبلد، وكره تضحية.. وكل هذا قد تغير.. فتغيير ما بالناس إذاً بات أمراً قدرياً لا مرد له.. هكذا نفهم والخطأ مردود علينا. والستمسكون بتجمد الأوضاع وتحجرها على ما كانت عليه منذ العهد الجوراسي.. هؤلاء خارج التاريخ والجغرافيا والسياسة والاجتماع والحقائق والواقع. دقت ساعة التغيير. والمعاندون ما لهم من محيص..

3- لأجل الكرسي.. تستباح الدماء

لم نكن نعتقد أن الكراسي غالية جداً إلى هذه الدرجة! ولم نكن نتصور أن تستباح في سبيلها سيول الدماء، ويستهان بحرمة القتل وقيمة الحياة والأحياء، وأن تضيق معايش الملايين وتمنع عنهم أسباب الحياة وشربة الماء وحبة الدواء.. ولا يقل لنا أحد إن كل ذلك كان من أجل الوطن! هذا قول تافه متهافت. ووالله ما سفكت قطرة من أجل الوطن، وما أريقت أنهار الدماء إلا من أجل الكرسي والرياسة وشهوة الاستعلاء والكبرياء!

أما عرفنا عمق غريزة حب الملك والخلد منذ بدء الخليقة حين قال إبليس لأبينا: "هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى."؟ والملك وفكرة الخلد متلازمة أخرى. والذي دخل جنته قال: "ما أظن أن تبيد هذه أبداً وما أظن الساعة قائمة."

وهكذا الطغاة يعتقدون أن الملك حقهم، وأن تناقله ووراثته كما تورث المزارع والضيع حق طبيعي. وأنهم يقاتلون من يُظن ظنة أنه ينازعهم "هذا الحق" حتى الرمق الأخير والنفس الأخير!

من أحب الوطن لم يشوه جماله بمناظر الدماء والأشلاء! من أحب الوطن لم يحاصر أغلى ما فيه وهو الإنسان ويجوعه ويحرمه حليب أطفاله، ودواء مرضاه. من أحب الوطن لم ينهب ثرواته لتعمر بها بلدان أعداء الوطن.

4- نظام حبّب لشعبه الموت وكرّه إليهم الحياة.

تمني الموت استعجالاً للقاء الله أمر حميد. ولكن تمني الموت من ثقلة المظالم ومن وطأة الظالم، هذا هو الممض. وقديماً قال المتنبي:

كفى بك داء أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكن أمانيا.

وقديماً قال الوزير المهلبي أيضاً:

ألا موت يباع فأشتريه فهذا العيش ما لا خير فيه

ألا موت لذيذ الطعم يأتي يخلصني من العيش الكريه

إذا أبصرتُ قبراً من بعيد وددت لو أنني مما يليه

ألا رحم المهيمن نفس حر تصدق بالوفاة على أخيه

يقول الدكتور محمد الشيخ في كتابه: "كتاب الحكمة العربية، دليل التراث العربي إلى العالمية" : "هكذا بدأ ينجلي، شيئاً فشيئاً، وجه الموت الإيجابي. وقد ذهب العرب إلى حد أنهم عقدوا فصولاً في كتبهم للحديث عما أسموه: "محاسن الموت" وقد تمثل ابن قيم الجوزية في كتاب مدارج السالكين بقول الشاعر منصور الفقيه:

قد قلت إن مدحوا الحياة وأسرفوا في الموت ألف فضيلة لا تعرف.

ولعل الفضيلة الأولى في الموت، التي استأثرت باهتمام مفكري العرب هي تلك التي عبر عنها قولهم: "المنية ولا الدنية". (لعل من أشهر شعارات المظاهرات في الشام: "الموت ولا المذلة")، وقولهم: "إن موتاً في عز خير من حياة في ذل وعجز"، إذ "لا خير في الحياة على الذل".. وباختصار عبروا عنها بالصيغة: "اختيار الموت الجميل على الحياة الذميمة أو الرديئة" (موت جميل خير من عيش ذليل). وقد أخذ الشاعر هذه المعاني فأنشد يقول:

قد عذب الموت بأفواهنا والموت خير من مقام الذليل

وقال علي بن بسام:

فأحببت المماتَ، وكلّ عيش يحَب الموت فيه فهو موت

وقد رأوا أن الموت الحقيقي هو الذل لا الموت، فقال ابن منير الطرابلسي، (طرابلس الشام أو طرابلس ليبيا كله واحد أقصد الحال من بعضه) (وكلنا في الهمّ شرق وفي الشرق همّ!)، قال الشاعر:

لا تحسبن ذهاب نفسك ميتة ما الموت إلا أن تعيش مذللاً

وأجاب ابن مسكويه أبا حيان التوحيدي عن سؤال عن الموت: لم سهل الموت على المعذّب؟ فقال: "الحياة الجيدة هي التي لا يلحق الإنسان فيها ما يكرهه من الذل الشديد والضيم العظيم والمصائب في الأهل والولد.. وذلك أن الإنسان لو خيّر بين هذه الحياة الرديئة، وبين الموت الجيد، أعني أن يقتل في الجهاد الذي يذب به عن حريمه ويمتنع عن المذلة والمكاره (..) لوجب بحكم العقل والشريعة أن يختار الموت والقتل في مجاهدة من يسومه ذلك!" ص587-589.

5- وبعد.

فما قلناه قطرة في بحر ما يجري في هذا البلد العزيز وبقية البلدان. والتغيير سنة جارية ماضية فيهم. ولئن لم تراع الأنظمة حرمة الدماء فعلى المنادين بالتغيير أن يراعوها، لئلا يكونوا صورة عن أنظمة دموية يريدون تغييرها بمثل عقليتها وبمثل وسائلها.

والاعتماد بعد التوكل على الله، وترك سننه تأخذ مجراها في الكون على الموافقة لأسباب هذا السنن وعدم تنكبها والوعي العميق على المجتمعات والتاريخ والتحولات.. أقول الاعتماد بعد كل ذلك على التحمل والصبر والتضحيات. وسينتصر الدم على السيف حتماً. وستنتصر الإرادة والصبر والعزائم على البطش واستباحة الدماء. لأن قانون الله لا يعوقه أحد، ويبدو أن رياح التغيير والمقادير هبت على هذه المنطقة، ولا راد لريح تحمل إرادة القدر. "ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون".

ولنا مع منطق النظام تتمة من كلام!!

=================

مثقفون وسياسيون بمصر يساندون شعب سوريا

نددوا ببطش قوات الأمن بالمواطنين

القدس العربي

21-6-2011

القاهرة - (رويترز)- مع تصاعد الحملة التي تشنها السلطات في سوريا على المحتجين المطالبين بالحرية والتغيير أعلن مثقفون وقوى سياسية في مصر التضامن مع 'الشعب السوري في معركته الحالية من أجل الديمقراطية'.

وقال المتضامنون في بيان لهم 'نعلن نحن المصريين.. وقوفنا بكل قوة إلى جانب شعب سوريا... ونترحم على أرواح شهداء الحرية الذين يسقطون كل يوم في ساحات التظاهر السلمي برصاص قوات الأمن.'

واستنكر البيان 'التضليل الذي تمارسه أجهزة الإعلام والدعاية الرسمية التي تزعم أن المطالبين بالحرية هم مجموعة عصابات مسلحة ونرفض تمسح السلطات الحاكمة بالمقاومة الشريفة ضد العدو الصهيوني بالزعم بأن سوريا تتعرض لمؤامرة خارجية لدعمها لهذه المقاومة.'

وقال البيان 'ان في بطش قوات الامن السورية بالمواطنين وقتلهم اليومي - الذي يفضحه الاعلام المستقل- ونزوح الاف المواطنين خارج الحدود هربا من هذا البطش الوحشي ما يدحض كل المزاعم الرسمية عن نظرية العصابات المسلحة والتآمر الخارجي.'

وطالب البيان السلطات السورية 'بأن ترفع فورا يد أجهزتها الأمنية الملوثة بالدماء عن الشعب السوري ليمارس حقه المشروع في التظاهر السلمي وتشكيل الحياة السياسية التي يريدها لبلاده.'

ومن الموقعين على البيان أحمد كمال أبو المجد وحسن نافعة وسلامة أحمد سلامة والأدباء بهاء طاهر ورضوى عاشور وعلاء الأسواني وأهداف سويف والناشر إبراهيم المعلم وحمدين صباحي المرشح المحتمل للرئاسة.

ومن القوى السياسية الموقعة أيضا (ائتلاف شباب الثورة) و(ائتلاف ثورة اللوتس) والحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي وحزب الوعي الحر وحزب التحالف الشعبى وتيار التجديد الاشتراكي.

وهذا نص البيان واسماء الموقعين:

نعلن نحن المصريين، الموقعين على هذا البيان، وقوفنا بكل قوة ، إلى جانب شعب سوريا العربى الشقيق فى معركته الحالية من أجل الديمقراطية، ونترحم على أرواح شهداء الحرية، الذين يسقطون كل يوم فى ساحات التظاهر السلمى برصاص قوات الأمن.

ونستنكر نحن الموقعين التضليل الذى تمارسه أجهزة الإعلام والدعاية الرسمية، التى تزعم أن المطالبين بالحرية هم مجموعة عصابات مسلحة، ونرفض تمسح السلطات الحاكمة بالمقاومة الشريفة ضد العدو الصهيوني بالزعم بأن سوريا تتعرض لمؤامرة خارجية لدعمها لهذه المقاومة.

إن في بطش قوات الأمن السورية بالمواطنين، وقتلهم اليومي، الذى يفضحه الإعلام المستقل، ونزوح آلاف المواطنين خارج الحدود هربا من هذا البطش الوحشي، ما يدحض كل المزاعم الرسمية، عن نظرية العصابات المسلحة والتآمر الخارجي.

نحن نطالب السلطات السورية بأن ترفع فوراً يد أجهزتها الأمنية، الملوثة بالدماء، عن الشعب السورى، ليمارس حقه المشروع فى التظاهر السلمي، وليعمل على رسم وتشكيل النظام والحياة السياسية التي يريدها لبلاده، بما يراه يكفل له التمتع بالحياة الحرة الكريمة الثرية والمعطاءة.

الموقعون:

إبراهيم المعلم

إبراهيم الهضيبى

إبراهيم عوض

إبراهيم عيسى

إبراهيم منصور

أحمد إسماعيل شكري

احمد الزيادي

أحمد كمال ابو المجد

اسامة غريب

أمل مظهر

أهداف سويف

بسمة الحسيني

بلال فضل

بهاء طاهر

تامر سعيد

تميم البرغوثى

حسام عبد الله

حسن المستكاوى

حسن نافعة

حسين عبد الغني

حمدين صباحي

خالد يوسف

دوريس ابو سيف

دينا عبد الرحمن

رضوى عاشور

سلامة أحمد سلامة

عادل المعلم

عبد الله السناوي

عصام سلطان

علاء الاسواني

عماد الدين حسين

عمرو حمزاوى

عمرو خفاجي

عمرو سليم

فكرى حسن

فهمى هويدي

مصطفى حجازي

مصطفى كامل السيد

ممدوح الشوربجي

وائل جمال

وائل قنديل

حركة المصرى الحر

ائتلاف ثورة اللوتس

الجبهة القومية للعدالة والديمقراطية

الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي

حزب الوعى الحر

حركة بداية

ائتلاف شباب الثورة

تيار التجديد الاشتراكي

شباب العدالة والحرية

حزب التحالف الشعبي

=================

خطاب الاسد الثالث

عبد الباري عطوان

2011-06-20

القدس العربي

 بين خطاب الرئيس بشار الاسد الذي ألقاه في مجلس الشعب، وخطابه الذي القاه امس على مدرج جامعة دمشق فترة زمنية تمتد الى شهرين سقط خلالها 1500 شهيد، وآلاف الجرحى، وهروب اكثر من عشرة آلاف مواطن سوري الى الجانب الآخر من الحدود التركية للنجاة بارواحهم.

ما يمكن استخلاصه، وللوهلة الاولى، ان الحلول الامنية التي اتبعتها السلطات السورية في قتل المحتجين او اكبر عدد منهم، للسيطرة على الاوضاع، لم تحقق اهدافها، بل اعطت نتائج عكسية تماما، من حيث اتساع دائرة الاحتجاجات، ومشاركة اعداد اكبر فيها جمعة بعد جمعة.

خطاب الرئيس بشار الاسد الذي انتظرناه طويلا ومعنا كل السوريين وبعض العرب، لم يقدم جديدا ملموسا، او بالاحرى 'خريطة طريق' للخروج من المأزق الدموي الراهن الذي تعيش فصوله البلاد جمعة بعد اخرى، وكل ما تضمنه مجموعة جديدة من الوعود بالاصلاح، وحديث مطول عن المؤامرة.

الرئيس بشار حصر الازمة في مجموعة صغيرة من المخربين، وحملهم مسؤولية ما يحدث من اعمال عنف وصدامات مع قوات الامن وحرق المباني والمؤسسات العامة، وهذا تبسيط من الصعب ان يقنع غالبية الشعب التي تتابع ما يجري في بلادها بالصوت والصورة عبر الفضائيات العربية والاجنبية بأدق التفاصيل.

منذ بداية الازمة، قبل اربعة شهور، والرئيس بشار يتحدث عن تشكيل لجان، واحدة لتعديل الدستور، وثانية لوضع قانون للانتخابات، وثالثة للاعلام، ورابعة لمكافحة الفساد، وجميع هذه اللجان ما زالت تعمل، وتدرس، وتمحص، ولم نر النتائج على الارض حتى الآن.

مكافحة الفساد لا تحتاج الى لجنة، فرموز الفساد معروفة للرئيس بشار مثلما هي معروفة لاصغر طفل في سورية، فاذا كانت هناك نوايا فعلا لمحاسبتها، فان الامر لا يستغرق ساعات، فمثلما تعطى الاوامر للاجهزة الامنية باطلاق النار على المتظاهرين، ويتم التنفيذ فورا، يمكن ان تقوم بالشيء نفسه لاعتقال الفاسدين وتقديمهم الى محاكم عادلة مثلما شاهدنا ما حدث لنظرائهم في تونس ومصر.

الفساد موجود في بطانة الحكم السوري، مثلما كان موجودا في بطانة الحكم المصري، والشعب في سورية لا يمكن ان يصدق اي وعود بمحاربة الفساد الا عندما يرى رموزه خلف القضبان، ولا نعتقد ان مثل هذا الامر بات وشيكا في سورية. والدليل على ذلك ان السيد رامي مخلوف احد رموز الفساد والمحسوبية في سورية انتقل برمشة عين من كونه حوتا كبيرا يسيطر على مفاصل البزنس في سورية (60 ' من حجم الاعمال والشركات) بدعم من النظام، الى فاعل خير، يكرس ما تبقى من حياته للاعمال الخيرية.

' ' '

نصدق السيد مخلوف لو انه اعلن التبرع بالمليارات التي جناها على مدى السنوات العشر الماضية (عمره 41 عاما) الى الشعب السوري، ومشاريع توفير الوظائف لملايين العاطلين من اعماله، ومكافحة الفقر في الريف، تماما مثلما فعل بيل غيتس الملياردير الامريكي الذي كون ثروته بطرق مشروعة، وتبرع بثلاثين مليار دولار (اكثر من نصفها) لفقراء العالم الثالث، والشيء نفسه فعله ابن جلدته الملياردير الآخر وارين بافيت.

الشعب السوري لا يريد تخفيض اسعار المازوت ومواد البناء، وانما ديمقراطية ومحاسبة وعدالة اجتماعية، وانهاء كل انواع التمييز في الوظائف والمراكز، والمشاركة في تقرير مصيره من خلال مؤسسات منتخبة، واعلام حر، وخدمات تعليمية وصحية ترتقي الى الحد الادنى من المواصفات المتبعة ليس في العالم المتقدم فحسب وانما حتى في دول في العالم الثالث.

من يريد اصدار قانون للاعلام يؤسس لمرحلة جديدة من المهنية والحريات التعبيرية، يبادر فوراً لادخال اصلاحات في المؤسسات الاعلامية الحالية لتأكيد نواياه في هذا الصدد، وخاصة في محطات الاذاعة والتلفزة، ولا نرى اي مؤشر يوحي بتغييرات حقيقية مقنعة في هذا المضمار.

الرئيس بشار يقول في خطابه انه لا حل مع اناس يحملون السلاح، هذا كلام جميل، دعونا نقلب الآية ونقول ان الشعب قد لا يقبل الحوار مع من يطلقون عليه النار ويقتلون العشرات من ابنائه كل اسبوع، الامر الذي يجعلنا ندخل في دوامة من العنف يصعب بل يستحيل الخروج منها.

الحوار حتى ينجح يجب ان يسبقه قرار او هدنة من السلطة السورية، يتوقف خلالها اطلاق النار لمدة اسبوع او اسبوعين، لتوفير المناخات اللازمة، واعادة بعض الثقة، واعطاء المقابر اجازة من الجنازات شبه اليومية، في اكثر من مدينة او قرية على طول سورية وعرضها.

' ' '

توقفت كثيراً عند اعتراف الرئيس الاسد بان الازمة يمكن ان تمتد شهوراً او سنوات، ولذلك يجب ان يعمل الشعب على اعادة الامور الى وضعها الطبيعي، هذا الاعتراف، او هذه النبوءة، تعني ان الاصلاحات الموعودة ستتباطأ وقد تؤجل، وان اللجوء للحلول الامنية سيستمر، فالانتفاضة بدأت بسبب القمع الامني، وانتهاك حقوق الانسان، واهدار كرامته، واللجوء الى القوة لتركيع كل محتج باعتباره مخرباً وخارجاً عن النظام والقانون.

وتوقفت اكثر عند تساؤلات كثيرة طرحها الرئيس بشار في الخطاب، ابرزها دوره ومساهمته كفرد، وطبيعة النموذج الاقتصادي الذي يجب ان تتبناه سورية، اشتراكياً كان او رأسمالياً، فهل يعقل ان سورية حتى هذه اللحظة لا تعرف النظام الاقتصادي الذي يصلح لها، وهي التي تمتلك العقول الكبيرة في الوطن والمهجر، ثم من المسؤول عن هذا القصور؟

في الغرب يقيسون مدى أهمية اي خطاب للمسؤولين الكبار، وخاصة من يتربعون على قمة الهرم، بمعيار 'القيمة الاخبارية' ، واعترف انني كصحافي بحثت عن هذه القيمة الاخبارية في خطاب الرئيس بشار الثالث فلم أجد الا القليل، وهذا في رأيي مسؤولية من وضعوا النص وخيبوا آمال الكثيرين الذين كانوا ينتظرونه، ونحن منهم.

اعترف بانني شخصياً شعرت بالاهانة عندما شاهدت السيد رجب طيب أردوغان يرسل كتاباً الى الرئيس بشار ليستخرج من ثناياه مخرجاً من الازمة، وبلغت الاهانة ذروتها عندما سمعت السيد أردوغان يمهله اسبوعاً لتطبيق الاصلاحات مهدداً ومتوعداً في حال عدم التنفيذ. ولعل الرئيس بشار كان يرد عليه عندما قال انه لا ينتظر دروساً من احد بل سيعطي دروساً للآخرين.

لا نعرف طبيعة الدروس التي ستعطى للآخرين، هل هي تلك التي تمارسها اجهزة الامن في التصدي لمحتجين لا يملكون غير الحناجر واللافتات التي تهتف بالاصلاح، ام في التحجر الاقتصادي، واستفحال الفساد والمحسوبية باعتراف الرئيس بشار نفسه.

أردوغان يعطي الدروس ليس فقط للرئيس بشار وانما لجميع القادة العرب دون استثناء، لانه قدم نموذجاً فريداً في الديمقراطية والاصلاحات السياسية عبر صناديق الاقتراع، وفاز بثلاث ولايات متتالية بسبب نقله تركيا وفي اقل من عشر سنوات من كونها دولة متخلفة مدينة فاسدة منهارة اقتصادياً الى سادس اقوى اقتصاد في اوروبا، والسادس عشر على مستوى العالم وبنسبة نمو تصل الى ثمانية في المئة سنوياً.

عندما يحقق الرئيس بشار او اي زعيم عربي آخر هذه الانجازات او نصفها فاننا والآخرين على استعداد لتلقي الدروس منه مرفوقة بالشكر والامتنان اما قبل ذلك فلا وألف لا.

=================

حديث الجراثيم ... مرة أخرى!

الثلاثاء, 21 يونيو 2011

الياس حرفوش

الحياة

أراد الرئيس بشار الاسد في خطابه أمس، ان يتوسّل خلفيتَه الطبية والعلمية لشرح ما تتعرض له سورية، فلم يهوّن من أهمية «المؤامرة» وتحميلها مسؤولية الاحداث، لكنه ركز على الشق الداخلي من العلاج، فشبّه المؤامرات بالجراثيم التي تأتي من الخارج، والتي يمكن ان توجد في جسم اي وطن، وشرح لنا ان الطب لم يسعَ ابداً الى القضاء عليها، بل الى توفير مناعة داخلية تسمح للجسم بمقاومة هذه الجراثيم بطريقة ذاتية وفاعلة.

هناك إذن في رأي الرئيس السوري علاج ممكن لإصابة سورية بهذه الجراثيم، وهو ما يبدو ان الاسد يراه علاجاً مختلفاً عن ذلك الذي اقترحه العقيد القذافي لمحاربة «الجرذان» التي انتشرت في بلاده! فعلاج الأسد ليس - كما يبدو - استئصالياً فقط، على طريقة الزعيم الليبي بملاحقة «جرذانه» «زنقة زنقة، دار دار»، بل فيه شيء من الرحمة والحسّ الانساني، على ما يدعو اليه قَسَم أبقراط، فهو يزاوج بين العلاج بالجراحة في الحالات التي لا بد منها لهذا العلاج، وبين العلاج بالأدوية والمسكّنات، والتي تحتاج فترة لتبيُّن نتائجها. ولهذا كانت الدعوة الى شهرين او ثلاثة من الانتظار كي تكتمل التجارب المخبرية وتبدأ مرحلة العلاج وربما الشفاء الكامل، كما يأمل الرئيس المعالِج.

كي نكون دقيقين، لا بد من أن نشير هنا الى أن التشخيص الأخير الذي أعلنه الدكتور بشار الاسد للحالة السورية، يختلف عن تشخيصه السابق الذي توصل إليه في آخر كانون الثاني (يناير) الماضي في حديثه الشهير الى «وول ستريت جورنال». في ذلك الحديث، كان رأيه ان «المياه الراكدة» في الدول التي كانت قد وصلت اليها الانتفاضات العربية آنذاك، هي التي ادت الى انتشار التلوث وظهور الجراثيم في تلك الدول، وكان في حينه يلقي المسؤولية على تلك الأنظمة، لأنها لم تتدارك ركودَ المياه قبل فوات الأوان، فكان لا بد من أن تصيبها الامراض.

يومَها، لم تكن الجراثيم قد وصلت الى «القطر السوري»، أما الآن وقد حصل ذلك، فلم يكن سهلاً على رئيس البلاد ان يعلن بنفسه تحمّل المسؤولية عن عدم تحصين بلده من المياه الراكدة، فكان الاسهل أن يلقي بالمسؤولية في هذه الحال على جراثيم الخارج، وأن يقدِّم الوعود بمعالجتها بواسطة تنشيط المناعة الداخلية،

وهو ما يستدعي السؤال عمّا يمكن عمله طبياً في مثل الحالة السورية، اذا كان الجسم المريض يرفض الاستجابة للعلاج الذي يقترحه طبيبه.

تواجه هذا العلاجَ عقباتٌ ثلاثٌ لن يكون تجاوزُها سهلاً:

هناك اولاً شكوك المريض في فعالية العلاج الذي يقترحه طبيبه. الشعور هنا ان الطبيب تأخر في العلاج، بعد ان سبق له، كما قلنا، الخطأ في تشخيصه، عندما اعتبر ان الجسم السوري منزَّه من «الجراثيم» التي أصابت بعضَ جيرانه، ثم غيّر هذا التشخيص بعد أقلّ من خمسة اشهر، ما يعني افتقاراً الى الدقة في التشخيص وتشكيكاً في سلامة العلاج. ومعروف طبعاً ان الثقة بين الطبيب والمريض هي الاساس لتوفير فرص الشفاء.

وهناك ثانياً، الشك القائم في ما اذا كان الطبيب، وهو الدكتور الاسد في هذه الحالة، يملك ادوات العلاج كلها، إذا سلّمنا أن التشخيص سليم ونوايا شفاء المريض صادقة، فبناء على الخطابين الاخيرين للرئيس السوري منذ بدء الازمة، ظلت الوعود الاصلاحية تسير جنباً الى جنب مع الممارسات الامنية، التي حصدت عدداً غير قليل من الضحايا بين السوريين، هم الذين اعتبرهم الاسد «شهداء»، وقال إنهم «خسارة شخصية» له! وقد يعني هذا التناقض أن هناك أطباء آخرين الى جانب الطبيب الرئيسي، يقترحون طرقاً اخرى للعلاج لا تتفق مع تشخيصه.

اما العقبة الثالثة، والتي قد تكون الأهم، فتتعلق بقدرة جسم المريض على انتظار فترة العلاج المقترحة، والتي حددها الدكتور الاسد بثلاثة أشهر، وقد تمتد الى نهاية هذا العام، فالمطالب الداخلية والدعوات الخارجية الى الاصلاح في سورية تطالب بعلاج سريع، حدده مستشار الرئيس التركي عبدالله غل ب «أقل من اسبوع قبل بدء التدخل الاجنبي»، فيما دعا المسؤولون في الاتحاد الاوروبي وفي ادارة الرئيس باراك اوباما، النظامَ السوري الى التغيير أو... الرحيل.

كيف لطبيب يواجه ضغوطاً من هذا النوع ان يقود علاجاً ناجحاً، وكيف للمريض ان ينتظر شهوراً للشفاء، وهو الذي يقول انه يقيم في غرفة العناية الفائقة منذ اربعة عقود... ولا من يسأل عن حالته؟

=================

سورية بين تركيا وإيران

عيسى الشعيبي

20/06/2011

الغد الاردنية

بينما تبدو إسرائيل، وهي تمثل أحد أضلاع المثلث الإقليمي الفاعل في الشرق الأوسط، بلا حول ولا قوة إزاء تطورات الأزمة السورية المتفاقمة، يبدي الضلعان الآخران في هذا المثلث، تركيا وإيران، حضوراً مهماً، إلا أنهما يلعبان دورين مختلفين حيال متغيرات واقع سوري يخاطب على نحو مباشر المصالح الراهنة والمستقبلية لكل منهما في عموم هذه المنطقة المفتوحة أمام مختلف اللاعبين الإقليميين والدوليين الكبار.

ولما كانت سورية تقع في موقع القلب من منظومة إقليمية كانت في طور التشكل، بدوافع متقاطعة جزئياً حول مجموعة من الأهداف المشتركة للدول الثلاث، فقد بدت التطورات السورية العاصفة منذ ما يزيد على ثلاثة أشهر، تدفع بالحليفين الكبيرين هذين إلى التحرك الحثيث نحو الأخ الأصغر لهما، لتعويمه من جديد، وذلك بإنقاذه من شر أفعاله بنفسه أولاً، ودرء التداعيات السلبية المحتملة على مصالحهما ونفوذهما الواسعين في المنطقة الحبلى دائماً بشتى المفاجآت ثانياً.

وكان من الطبيعي أن تعمد كل من أنقرة وطهران، تحت تأثير المفاجأة، إلى اعتماد سياسة تدخّل، قوامها النصح والإرشاد في بداية الأمر، تتفق ورؤية كل من هاتين العاصمتين لنفسيهما، وتتسق مع خطابهما، وتتماهى مع تموضعاتهما على جانبي خط التنافس الذي تتمترسان على جانب يقابل الجانب الآخر، حتى لا نقول إنه يتنافس معه على توسيع دوائر الولاءات والحصص والامتيازات، ناهيك عن سنام القمة التي لا تتسع لكائنين معاً.

غير أنه عندما واصل النظام السوري حفر الحفرة التي وقع فيها، وبات يواجه مصيراً يتهدد بقاءه، افترق الحليفان السابقان بصمت صاخب عن بعضهما بعضاً، واختلفا على نحو لا تخطئه العين في أسلوب التعاطي مع مفردات الأزمة الفائضة عن حدود الرقعة الجغرافية السورية، حيث راحت طهران تقدم الدعم السياسي بلا أدنى تحفظ، دفاعاً عن نظام أخذ يوغل في سفك دماء شعبه ويفقد مع مرور الوقت المزيد من شرعيته، فيما اتخذت أنقرة موقفاً مدافعاً عن مطالب السوريين بالإصلاح، ومنتقداً بنبرة متصاعدة الحدة وحشية النظام وفظاعاته المروعة.

ومع تفاقم الأزمة السورية واحتدامها، انتقل الحليفان من موقع النصح وإبداء القلق على مصير حليفهما العاجز عن احتواء الثورة على نظامه الأمني المتوحش، إلى فضاء واسع من المواقف والسياسات المعبرة، مرة أخرى، عن رؤيتين مختلفتين، وحسابات متعارضة، ناهيك عن المصالح التي تقف دائماً وراء صراعات الدول الإقليمية الباحثة عن تعزيز الدور وأخذ الزمام والاستحواذ على مستقبل بلد كان يمثل البوابة العريضة لبناء ما يسمى بجبهة الممانعة التي تقودها إيران من جهة، فيما كان يمثل بالمقابل المجال الحيوي الطبيعي لتركيا الصاعدة في محيطها من جهة أخرى.

وهكذا راح الإيرانيون يقدمون ما هو أكثر من الدعم السياسي والإعلامي للنظام الذي يزداد عزلة وتهميشاً داخل سورية وخارجها، حيث تتحدث تقارير غربية عن دعم لوجستي وإسناد استخباري وأمني تقدمه كل من إيران وحزب الله، فيما ذهب الأتراك إلى التنديد بالقمع وسفك الدماء علناً، واستقبال الفارين من جسر الشغور وجوارها كضيوف أعزاء على الحدود المشتركة، بل وحتى التلويح بإمكانية الانخراط في تحالف دولي إنساني واسع لوقف حمام الدم وإنهاء المأساة المتفاقمة يوماً بعد يوم.

ولعل إقدام السوريين المنتفضين على إحراق أعلام إيران وحزب الله أمام كاميرات الهواتف النقالة من جهة أولى، ورفع العلم التركي ويافطات الشكر لرجب طيب أردوغان من جهة مقابلة، خير شاهد على إعادة اصطفاف جديد قيد التشكل من الآن، ستجد فيه إيران نفسها وقد خسرت مفتاحها الذهبي إلى قلب العالم العربي المصدوم من جراء انحياز تفوح منه رائحة مذهبية كريهة، فيما ستلقى فيه تركيا أوسع الأبواب المفتوحة على مصارعها مع عالم عربي راغب في محاكاة نموذجها السياسي، ومن ثم توطيد دورها كقوة استقرار ومركز اعتدال في المنطقة، قبالة دور إيراني متراجع بتراجع النموذج الإيراني في عقر داره، ناهيك عن فقدانه لمعظم أوراقه الإقليمية الرابحة.

=================

هل تعرفون "زينب أردوغان"؟!

محمد أبو رمان

20/06/2011

الغد الاردنية

في عالم السياسة، من الخطأ الفادح الاستسلام للعواطف، فالمسألة برمتها قائمة على المصالح والحسابات السياسية المركّبة. لكن بعض الأحداث والمواقف هنا أو هناك تشفع لنا في أن نهرب إلى عواطفنا، ونعلن عن مشاعرنا تجاه أشخاص معينين، مثل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان.

يسألونك لماذا نحبه كثيراً؟ باختصار، لأنّ فيه دماء عربية أكثر من زعماء وقادة ومثقفين عرب. وعند المحطات الصعبة والقاسية، نلتفت يميناً ويساراً فنجد هذا الرجل وهو يقف مواقف الزعماء الأبطال التاريخيين، ويتحدّث بما يمطر قلوب الشعوب العربية المتعطشة لشيء من الكرامة والاحترام.

هنيئاً للأتراك، حقّاً، زعيماً بحجم أردوغان وقيمته الوطنية والسياسية والتاريخية، فهم يستحقون مثل هذا القائد الذي جمع بين ذكاء السياسيين وحنكتهم وبين كاريزما القيادة، وأعاد ترسيم دور تركيا عالمياً وإقليمياً، لتحظى باحترام وتقدير ومكانة خاصة. وليس غريباً بعد ذلك أن يعاد انتخاب حزبه المرة تلو الأخرى، بل وأن يكون هو وحزبه نموذجاً متقدماً في العالم العربي والإسلامي.

أيها الأصدقاء، فقط لكم أن تقفوا عند مسارعة أردوغان إلى منح الطفلة السورية زينب اللاجئة على الحدود التركية من جسر الشغور في سورية، الجنسية التركية، بعدما قتل أبواها على يد عصابات النظام، ليصبح اسم الطفلة زينب رجب طيب أردوغان.

هل نملك ترف المقارنة، مجرد المقارنة، بين هذا الموقف الحضاري الإنساني الرائع وبين موقف الحكام والحكومات العربية، الذين لم نسمع منهم إلى الآن أي كلمة إدانة واحدة لجرائم النظام السوري ضد الشعب الأعزل وضد الأطفال والمدنيين والأبرياء؟! هل نملك المقارنة بين هذا الموقف وموقف الجامعة العربية المخزي المشين المتوشّح بالصمت على هذه الجرائم؟

هل تجوز المقارنة بين حاكم يتبنى أطفال شعب مجاور ويدافع عنهم في المحافل الدولية، ويوجه نقداً شرساً قاسياً للحاكم الآخر، الذي يتفنن في قتل شعبه ومواطنيه واعتقالهم وتعذيبهم، هل يستويان مثلاً؟!

فلنعد قليلاً إلى وراء، فقط لنتساءل لماذا أحببنا هذا الرجل كثيراً؛ موقفه من إسرائيل، مثلاً، عندما وجّه صفعة لشمعون بيريس أمام المجتمع الدولي في مؤتمر دافوس، وخرج من اللقاء وقد كشف قبح هذا النظام الإجرامي أمام العالم، وهو ما لم يفعله "زعيم" عربي بهذه القسوة والشدة.

وهل يمكن تجاهل موقفه من إسرائيل بعد اعتدائها على السفينة التركية التي انطلقت بالمساعدات لسكان غزة؟!

نحن، بالفعل، أمام نموذج مغاير تماماً لما اختبرناه من ساسة وزعامات، وهو تحديداً ما نفتقده اليوم في العالم العربي، مع هذا المشهد الدموي الذي نراه ممن يمسكون بزمام السلطة، فلا يترددون في تدمير بلادهم وقتل شعوبهم، أطفالاً ونساءً وشباباً، واستنزاف الاقتصاد، فقط للدفاع عن "كراسي الحكم"، أو بعبارة أدق عن مصالحهم الشخصية، إذ طالما نظروا إلى دولهم بوصفها مزارع يورّثونها لأبنائهم، ولشعوبهم بوصفهم عبيداً أذلاء!

الحديث عن هذا الرجل طويل جداً، وذو شجون، لكنّ هذا الموقف الإنساني النبيل تجاه الطفلة السورية زينب، يعصر أفئدتنا ألماً من بعض الحكام الصغار، وفرحاً بهذا الزعيم المسلم الكبير!

=================

في انتظار خطاب الأسد الرابع

علي ابراهيم

الشرق الاوسط

21-6-2011

خروج المظاهرات المعارضة في أكثر من مدينة سورية بما فيها أحياء في دمشق ورد الفعل الغاضب للمعارضة بعد خطاب الرئيس السوري بشار الأسد في جامعة دمشق والذي استغرق 70 دقيقة يعني أن الرسالة التي أراد توجيهها بأنه سيقود عملية الإصلاح في سوريا لم تصل، أو أن الناس لا تصدق.

هذا هو الخطاب الثالث منذ نشوب الاحتجاجات التي دخلت شهرها الرابع وتطالب بالحرية والكرامة وووجهت بعملية قمع شديدة دموية سقط فيها نحو 1400 قتيل بخلاف عشرات الآلاف من النازحين.

وهو ليس مثل بيانات أو خطابات الأزمات التي يجب أن تكون قصيرة واضحة محددة بإجراءات وبرامج زمنية تطمئن الناس، لكن هناك إشارات من نوع لا عودة إلى الوراء وهو نفس كلام المعارضة وإن كان بمفهوم مختلف وحوار وطني قد يقود إلى تعديل الدستور أو حتى دستور جديد وحوار وطني وقانون أحزاب جديد قد يلغي سيطرة حزب البعث على الدولة، والأهم إشارة إلى قيادة عملية الإصلاح وهي موجهة أساسا إلى واشنطن التي دعته إلى قيادة الإصلاح أو التنحي.

لكن هذه الإشارات غلفت بضبابية حول أسئلة من نوع متى وكيف؟ ومن الذي سيدخل هذا الحوار الوطني؟ فضلا عن أنه رغم الاعتراف ضمنيا بأن الاحتجاجات لها مطالب شرعية، فإن تقسيم الانتفاضة إلى 3 مكونات هم أصحاب الحاجات والمطلوبون للعدالة ثم أصحاب الفكر المتطرف يطرح شكوكا حول جدية النظام في الإصلاح واستمرار الحديث عن العصابات المسلحة في حين أن روايات الأهالي تتحدث عن أن هذه العصابات هي ما يسمى بالشبيحة الموالين للنظام.

مشكلة النظام في سوريا أنه في مفاصله الرئيسية لا يزال أسير فكر تجاوزه العالم يعود إلى فترة الحرب الباردة.. الحزب الواحد الملتحف بأيديولوجية تآكلت في واقع الأمر ولم يعد لها وجود في العالم، فلو سألنا أحدا في سن بين 20 و40 عاما الآن: ماذا يعني البعث فكريا؟ لن يعرف الجواب، بينما الشواهد على الأرض تشير إلى أنه لم يعد سوى جماعة مصالح ونفوذ تستند في قبضتها على النظام إلى القوة الأمنية والتحالف مع جماعات مصالح في قطاع الأعمال تستفيد من نفوذ السلطة.

لقد بدأ السوريون انتفاضاتهم متشجعين بما حدث في تونس ثم مصر وليبيا، ووقتها اعتبر النظام في سوريا أن الشعب في مصر وتونس قال كلمته مرحبا بالتغيير هناك، ولم يستطع أن يرى العاصفة التي ستنتقل إليه من هناك، فالناس ملت الحكم الفردي المطلق الذي لا حساب له ويريدون أن يشعروا بكرامتهم وبحرية التعبير مثلهم مثل جيرانهم في تركيا التي سافروا إليها في السنوات الأخيرة بعد الانفتاح بين البلدين ورأوا أن هناك طريقة أخرى للعيش وممارسة الحياة السياسية.

وبداية الحل السياسي أو المدخل لمعالجة أزمة الثقة بين الناس والنظام في سوريا هي اعتراف القيادة هناك بأن السوريين قالوا كلمتهم ودفعوا ولا يزالون يدفعون ثمنها من دمائهم بشجاعة، وبالتالي فإن التغيير أو الإصلاح يجب أن يكون واضحا وسريعا وعلى مقاس طموح الناس الذين وصلوا في شعاراتهم إلى مرحلة إسقاط النظام والثمن الذي دفعوه.

لذلك لا يبدو أن الانتفاضة ستتوقف بعد الخطاب الثالث، فالشارع المحتج تجاوز سقف مطالبه ما هو مطروح، ولديه أزمة ثقة تعمقت مع القمع العنيف الذي أدانه العالم، وحتى الأسد لم يكن واثقا في خطابه من تهدئة الأوضاع بتلميحه إلى أزمة تستمر شهورا أو سنوات.

هذا يعني أنه سيكون هناك خطاب رابع للأسد ما لم تحدث مفاجأة تقلب الأوضاع، والمؤمل أن يكون فيه إقرار بأن السوريين هم أيضا قالوا كلمتهم.

=================

سوريا بعد الخطاب

طارق الحميد

الشرق الاوسط

21-6-2011

كما توقعنا أمس، فلا جديد في خطاب الرئيس السوري، الذي أحبط أنصار النظام، أكثر من خصومه، أو المراقبين الحريصين على سلامة سوريا. فكل ما قيل وعود، ورسائل مبطنة بالتهديد، وحتى إحراق جسور مع تركيا الورقة الأخيرة لنظام الأسد. لم يكن الخطاب بلغة «لقد قررنا».. بل خطاب «نعدكم»!

وهذه لغة لا تنفع لبلاد في أزمة حقيقية، وأمام مطالب شعبية مستحقة، وليست مؤامرة خارجية أيضا. بل إن الاستمرار في استخدام لغة التخوين يعتبر بمثابة صب الزيت على النار أمام مجتمع قتل منه إلى الآن، حسب المعلن، 1300، وفر منه قرابة ال10 آلاف أو أكثر، ناهيك عن آلاف المعتقلين، وآلاف المفقودين. وفوق كل هذا وذاك يقول الرئيس الأسد إن هناك 64 ألف سوري مطلوب للعدالة! أمر عجيب فعلا. الغريب أن قرارات القمع في سوريا تؤخذ بأسرع وقت ممكن، بينما الإصلاح يحتاج إلى دراسات، بحسب الرئيس السوري!

ملخص خطاب الأسد أنه لا أمل في أن يستجيب النظام لمطالب الشعب، بل يبدو أن النظام لا يرى خطورة ما يحدث على سوريا الدولة، ككل، خصوصا عندما قال الأسد: «إن استمرت هذه الأزمة أو غيرها لأشهر أو لسنوات، علينا أن نتأقلم معها وعلينا أن نطوقها لكي تبقى أزمة محصورة بأصحاب الأزمة فقط». وهنا نجد أن الرئيس السوري قد كرر ما قاله رامي مخلوف من قبل، ولكن بإشارة مبطنة، أي أن النظام سيقاتل حتى النهاية. ولذا رأينا كيف رد السوريون مباشرة، وبعد خطاب الأسد، بالتظاهر في عدة مدن سورية، منها دمشق، وحلب، وحمص؛ حيث رفضوا خطاب الأسد ومضامينه، وطالبوا بإسقاط النظام.

والأمر نفسه خارجيا؛ حيث أظهرت ردود الفعل الدولية خيبة أمل كبيرة حيال خطاب الأسد، وبالتأكيد أن أكثر المحبَطين هم الأتراك، خصوصا عندما قال الرئيس الأسد إن بلاده هي من ستعلم دول المنطقة، وهذا بالطبع رد مباشر على رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان؛ حيث قالت أنقرة إنها أعطت النظام السوري كتيبا يحتوي على خطة للإصلاح، وطالبت النظام بالتخلص من أقرب الناس، وحدد الأتراك اسمي رامي مخلوف، وماهر الأسد. وبالطبع كان رد الأتراك سريعا، وعلى لسان الرئيس التركي، الذي قال إن خطاب الأسد ليس كافيا.

وعليه، فبعد خطاب الأسد أمس تكون سوريا قد دخلت مرحلة أكثر تعقيدا، وخطورة، خصوصا على المواطنين السوريين العزل.. فأزمة الثقة بين المواطن والنظام باتت حقيقية، لا سيما مع فشل نظام الأسد في اتخاذ، أو تنفيذ، ولو قرار واحد ملموس، كما أن خطاب الرئيس يشير إلى أن النظام لن يتراجع عن القمع واستخدام القوة. فكما أسلفنا أعلاه، يقول الأسد: إن على السوريين أن يتأقلموا إن استمرت الأزمة سواء لأشهر أو لسنوات، وربما تكون هذه الإشارة للتجار، وقطاع الاقتصاد السوري الذي بدأ يتأثر حقيقيا من الانتفاضة السورية.

الواضح الآن هو أن سوريا بعيدة عن الحلول المنطقية، والسلمية، وباتت مرشحة لكل الاحتمالات، ومنها الأسوأ، للأسف.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ