ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 21/06/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

المثقفون العرب وعقلية الاستبداد

الوطن الكويتية

20-6-2011

شملان يوسف العيسى

الجيش السوري الذي لم يستعرض قوته أمام المحتل الإسرائيلي يستأسد الآن على الشعب

كشفت الأحداث العربية في ثورات الربيع العربي المتمثلة في الحركات الاحتجاجية العربية أن هناك إشكالية كبيرة تواجه المثقفين العرب وهي عدم قناعة بعض المثقفين بالديموقراطية والتغيير السلمي.. فهؤلاء المثقفون اتخذوا مواقف مؤيدة وداعمة للأنظمة الاستبدادية القمعية من منطلق قوي أو ديني أو يساري أو وطني حيث دافعوا عن هذه الأنظمة تحت مبرر مقاومة الاستعمار والتصدي للمخططات الصهيونية التوسعية أو رفض التغريب والحداثة والمحافظة على القيم والعادات العربية الإسلامية، فبالأمس وجدنا قطاعاً عريضاً من المثقفين والأكاديميين والكتّاب والمحامين العرب الذين دافعوا دفاعاً مستميتاً عن دكتاتور العراق.

اليوم نجد في أكثر من مكان نفس هؤلاء المثقفين والكتّاب والمحامين يدافعون عن الأنظمة الاستبدادية التي ثارت شعوبها مطالبة بالحرية والديموقراطية، ففي ليبيا مثلاً أخذ المثقفون موقفاً معادياً للثورة الشبابية من منطلق أن الثوار استعانوا بالتحالف الدولي لحماية أنفسهم ومهدوا الطريق للغارات الجوية على قوات القذافي في طرابلس وتناسى هؤلاء المثقفون جرائم واستبدادية النظام ضد شعبه طوال الأربعين عاماً الماضية وعندما ثار الشعب توعدهم الزعيم الليبي في مقولته المشهورة «أما أنا أحكمكم أو أقتلكم» وسلط كل ترسانته من الأسلحة على شعبه المسالم فقط لأنه يريد الحرية والديموقراطية.

في سورية نجد صمتاً عربياً مريباً تجاه ما يحدث من قتل وتشريد ومطاردة للشعب السوري الأعزل الذي خرج في مظاهرات سلمية لكن الجيش السوري.. الذي لم يستعرض قوته أمام المحتل الإسرائيلي للجولان ومنذ أكثر من 28 عاماً ولم يطلق رصاصة واحدة ضد الصهاينة نجده اليوم يستأسد على الشعب السوري الأعزل ويستعمل كل أنواع الأسلحة ضده.. والأدهى من كل ذلك هو أن يتصدى بعض المثقفين العرب في الفضائيات العربية والإعلام العربي للدفاع عن النظام وتبرير جرائمه وتصفيته للأطفال وتشريده لشعبه.

هنا نطرح تساؤلاً حيوياً ومحيراً لماذا يقف بعض مثقفي العرب وكتابهم وأكاديمييهم مع الأنظمة الاستبدادية ضد شعوبهم؟

الإجابة تكمن في حقيقة أن الموروث الثقافي العربي به آفات ونزعة استبدادية... يقول الكاتب د.حسن حنفي «إن الحاضر ما هو إلا تراكم للماضي وإن ما يحدث في واقعنا اليوم من خلال سلوكنا اليومي إن هو إلا تراكم تاريخي لماض عشناه بل لا نعيش حاضرنا إلا بقدر تدخل ماضينا فيه. وبالتالي فإن أزمة الحرية والديموقراطية في وجداننا المعاصر ليست بنت اليوم بل هي امتداد لوضع حضاري واستمرار له منذ ما يقارب ألف عام».

الانتقال الديموقراطي يتطلب ثقافة سياسية جديدة حيث تحل الثقافة ذات النزعة النسبية محل النزعة الشمولية الاستبدادية كما تتطلب الثقافة الديموقراطية تبني سياسة التوافق والتراضي والتعاقد والتنازل المتبادل محل قواعد التسلط والاحتكار والإلغاء والمشاركة الطبيعية للجميع.. كما عبّر عن ذلك الدكتور علي الدين هلال بقوله إنه لا أمل لنا في حل هذه الأزمة في وجداننا إلا إذا حدث انقلاب ثقافي في حياتنا العقلية تتخلص بمقتضاه من التصور السلطوي للعالم وأن نأخذ الليبرالية في الفكر والحياة.

==================

احتجاجات سوريا الداخلية... ضغوط خارجية متزايدة

ليز سلاي

تاريخ النشر: الإثنين 20 يونيو 2011

الاتحاد

خرج عشرات الآلاف من السوريين إلى شوارع المدن عبر أرجاء البلد يوم الجمعة الماضي للمطالبة باستقالة الرئيس الأسد، وسط مؤشرات على أن حكومته بدأت تتصدع تحت وطأة ثلاثة أشهر من الاضطرابات وضغوط دولية متزايدة. ففي تقليد بات أسبوعياً الآن منذ اندلاع المظاهرات في منتصف مارس الماضي، خرج السوريون من المساجد بعد صلاة الجمعة هاتفين بشعارات تدعو لإسقاط الحكومة. وعلى نحو متوقع، فتحت قوات الأمن السورية النار عليهم، ما أسفر عن مقتل 18 شخصاً وإصابة العشرات، حسب لجان التنسيق المحلية التي تنظم الاحتجاجات وتراقبها.

إطلاق النار أوضح بما لا يدع مجالاً للشك أن الحكومة السورية لم تتخل عن استراتيجيتها القائمة على استخدام القوة لإخماد المعارضة رغم قلة الأدلة على فعاليتها. فقد عرف هذا الأسبوع خروج مظاهرات كبيرة في عدد من ضواحي دمشق وحلب (العاصمة الاقتصادية) التي قتل فيها أحد المحتجين بعد إصابته بالرصاص في أول حادثة من نوعها بالمدينة. كما خرج عشرات الآلاف من السوريين إلى الشوارع في مدينة حماة الواقعة وسط البلاد، حيث يبدو أن الحكومة قد توقفت عن محاولة فرض سيطرتها.

غير أنه خلال الأيام الأخيرة صدرت عن النظام إشارات تفيد بأنه قد بدأ يدرك بأن عليه أن يفعل أكثر من مجرد إطلاق النار على الناس إن هو أراد لنفسه البقاء والاستمرار. ذلك أن تقارير حول حالات انشقاق -صغيرة وهامة في آن واحد- عن الجيش، ومؤشرات إلى أنّه حتى قوة النخبة التي تعتمد عليها الحكومة لقمع المعارضة باتت منهكَة ومجهَدة، والأهم من كل هذا ربما التصدعات التي أصابت علاقة سوريا الوثيقة سابقا مع تركيا... كلها عوامل أدت مجتمعة إلى إصابة الحكومة بالخوف والقلق لأول مرة. وفي هذا السياق، يقول "آندرو تابلر" من "معهد سياسة الشرق الأدنى في واشنطن" إنهم يشعرون بالخوف وإن "الاحتجاجات تواصل انتشارها، وتزداد حجماً؛ وكل ما يفعله نظام الأسد غير فعال".

أحد المؤشرات على تغير المزاج ظهر يوم الخميس الماضي عندما أعلن رامي مخلوف، رجل الأعمال الأكثر نفوذاً في سوريا، التخلي عن أعماله وشركاته وتكريس حياته للإحسان وفعل الخير. ورغم أنه لم يكن يشغل أي منصب حكومي، فإن ابن خال الأسد وصديق طفولته كان يعتبر عضواً في المحيط الداخلي للنظام؛ وكان يتحكم في جزء كبير من الاقتصاد من خلال شركاته القابضة ويقوم مقام مدير أعمال عائلة الأسد.

لكن شخصيات المعارضة وصفت هذه المبادرة بأنها تجميلية ليس إلا، وقالت إنها لن تؤثر على مطلبها المتمثل في تنحي الأسد. وبدلاً من أن تهدئ المحتجين، فإن هذه الخطوة لن تزيد المعارضة إلا ثقة وتصميماً على مواصلة الاحتجاجات، كما يقول الناشط رامي نخل المقيم في بيروت، والذي يضيف: "إن هذا سيمنحهم ثقة أكبر لأنه يُظهر أن جهودهم بدأت تُحدث أثراً".

والأهم من ذلك أن الأسد قد يوجه خطاباً متلفزاً في الأيام المقبلة، وهو خطابه المباشر الأول إلى الشعب، والخطاب الثالث فقط منذ بدء الأزمة؛ حيث لم يتحدث علنا منذ منتصف أبريل الماضي، ولم يشاهَد منذ منتصف مايو؛ كما رفض في عدد من المرات خلال الأسبوع الماضي تلقي اتصالات هاتفية من أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون. وازدادت التكهنات التي تذهب إلى أن سيطرته بدأت تقل بينما يقود شقيقه القوي والأصغر سناً، ماهر الأسد، قمع الاضطرابات في دوره كقائد للفرقة المدرعة الرابعة من قوات النخبة.

هذا بينما يفسر آخرون غياب الأسد باعتباره مؤشراً آخر على اقتناع الحكومة بأنها تستطيع الصمود في وجه العاصفة عبر الاعتماد على القوة وتجاهل الرأي العام الداخلي والخارجي. فاليوم، لا أحد يتوقع من الأسد تقديم تنازلات كبيرة؛ وبعد أكثر من 1200 حالة قتل و10 آلاف حالة اعتقال، فإن وقت تقديم التنازلات في نظر المحتجين قد ولى منذ وقت طويل.

وفي هذه الأثناء، قال مسؤول رفيع في إدارة أوباما إنها لم تر أي رد على الضغط الممارس بحق الأسد، مضيفاً أن عنف يوم الجمعة كان تكراراً ل"القمع المروع... خلال الأسابيع القليلة الماضية"، وأن الأسد "بصدد وضع بلده على طريق دولة منبوذة". كما قال مسؤول آخر إن الإدارة تدرس "ما إن كانت ثمة أسس في هذه الحالة لتهم تتعلق بجرائم حرب"، مضيفاً أنهم يدرسون أيضاً "خطوات اقتصادية إضافية، وإحدى هذه الخطوات تتعلق بقطاع النفط والغاز في سوريا".

لكن يبدو أن الحكومة السورية أصيبت بقلق حقيقي جراء التحول المفاجئ من قبل رئيس الوزراء التركي أردوجان الذي كان أحد أقرب حلفاء سوريا الإقليميين وصديقاً شخصياً للأسد. فبعد لجوء آلاف السوريين إلى الجانب التركي من الحدود بين البلدين هرباً من تصاعد العنف، أدان أردوجان "وحشية" الحكومة، ما دفع الأسد لإرسال مبعوث رفيع المستوى إلى أنقرة لمحاورة المسؤولين الأتراك.

ولعل الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لنظام الأسد هي تقارير للصحافة التركية تفيد بأن تركيا تدرس إمكانية إنشاء منطقة عازلة للاجئين السوريين بمحاذاة الحدود. وقد نفى مسؤولون أتراك هذه التقارير؛ كما يقول محللون إنه من المستبعد أن ترغب تركيا في الاضطلاع بمثل هذا الدور النشط خشية الانجرار لتدخل عسكري في سوريا. لكن ما من شك في أن المعارضة سترحب بشكل من أشكال الملاذ الذي يمكن اللجوء إليه. كما يقول محللون إنه لا يمكن استبعاد ذلك إذا تفاقمت الأزمة في سوريا وبدأ مئات آلاف اللاجئين العبور إلى تركيا. ويمكن أن تستعمل المعارضة مثل هذا الملاذ لتنظيم صفوفها ومد النشطاء في سوريا بالإمدادات ودعم حكومة بديلة فتية، وفق النموذج الليبي في بنغازي. ويقول أسامة مناجد، وهو معارض سوري مقيم في لندن، إن ذلك "هو الكابوس بالنسبة للنظام السوري، أن تكون ثمة بنغازي سورية!".

==================

تمنيات لبنانية حول خطاب الأسد

طلال سلمان

السفير

20-6-2011

سيستمع اللبنانيون، ظهر اليوم، وعلى اختلاف مواقفهم السياسية، وباهتمام يؤكد القلق ولا ينفيه، إلى الكلمة التي سيوجهها الرئيس السوري بشار الأسد إلى السوريين أساساً، وعبرهم ومن بعدهم إلى العرب المعنيين بالشأن السوري والذين يتابعون بوجع فصول المأساة الدموية التي فرض على «قلب العروبة النابض» أن يعيشها منذ مئة يوم أو يزيد.

بالطبع، ستهتم «الدول» جميعاً، الصديق منها والمحايد والمخاصم، إلى ما سوف يقوله الرئيس السوري، لكن ذلك ليس موضوعنا، ثم أن كثيراً من هذه «الدول» لن تغيّر على الأرجح في مواقفها، وإن ظل أهل النظام العربي ومعهم القيادة التركية، ومن ثم القيادة الإيرانية، هم أكثر المعنيين.

سينسى اللبنانيون لبعض الوقت همومهم الثقيلة ومنها السياسي والاقتصادي والأمني، خصوصاً في ضوء الاشتباك الدموي المدبّر (؟) ليل الجمعة  السبت، في طرابلس... فليس اكتشافاً القول إن بعض هذه الهموم قد تفاقم حدة لاتصالها وبشكل مباشر بحالة الاضطراب الدموي التي عمّت أرجاء سوريا وهددت صلابة وحدتها الوطنية، قبل نظامها وبعده، فضلاً عن موقفها السياسي المتميز، آملين أن يسمعوا ما يطمئنهم على لبنان عبر اطمئنانهم على «الأشقاء» الذين أمل بعضهم، ذات يوم أن يكونوا معهم «شعباً واحداً في دولتين»، ثم ذهب الأمل مع الريح.

ليس سراً أن آمال السوريين، ومعهم اللبنانيون، أن يكون «الإصلاح» هو مدخل الخطاب وصلبه وختامه: الإصلاح السياسي، وهو الأصل، وأن تكون الإجراءات الكفيلة بتحقيقه صارمة ومؤكدة وسريعة...

والإصلاح السياسي يلامس بالضرورة طبيعة النظام، وموقع حزب البعث منه وفيه، لا سيما بعد شهور الاضطراب الذي تمدّد من أقصى البلاد جنوباً إلى أقصاها غرباً، ومن أقصاها شرقاً إلى أقصاها شمالاً، من دون أن يظهر «الحزب» ومنظماته الشعبية والنقابية والطلابية إلخ..

لقد أسقطت شهور الاضطراب، أول ما أسقطت، أسطورة «الحزب القائد»، ولعل هذه الحقيقة قد كشفت أن «الأمن» هو الذي في الصورة، سواء عبر «أجهزته» المتعددة، أو أخيراً عبر الحصن المنيع: الجيش.

لقد ثبُت للداخل والخارج أن حزب البعث لم يعد حزباً من زمان، وأنه لم يكن قائداً في أي يوم.

والكل يعرف أن أسطورة «الحزب القائد» كانت قد سقطت واندثرت حتى في بلد المنشأ، الاتحاد السوفياتي، وأن الانقلاب عليه وإسقاطه (ومعه تلك الإمبراطورية التي كانت تمتد بمساحة نصف العالم) قد تمّ بسرعة قياسية وبغير أن يصدر عن قياداته وقواعده أي جهد جدي لمنعه.

ومع سقوط أسطورة الحزب القائد انكشف موقع القرار في القيادة، فإذا «الرئيس» وحده في مواجهة «الشعب» ومطالبه، يتوجه إليه الناس جميعاً، أو يستدعيهم ليسمع منهم مباشرة، معارضين وموالين، وتتوجه إليه «الدول»، معادية وصديقة، ولا أحد يعرف أو يعترف بغيره مصدراً للقرار.

ولعل هذا الواقع المرير قد كشف أن مصير البلاد والعباد يتعلق بقرار رجل فرد، مهما تعاظمت الثقة فيه وشعبيته في الشارع، فلن يكون قادراً على إدارة شؤون البلاد، لوحده، ومعه بضعة من المعاونين والمساعدين التنفيذيين.

لقد تبيّن أن الحزب ليس في الحكم، وليس في الشارع أيضاً، وأنه أعجز من أن يقرر، بل وأعجز من أن يؤمّن التغطية المطلوبة لشعبية القرار.

فعبر حراك شعبي تفجّر بعد جريمة مشهودة، في درعا، ثم تمدّد إلى بانياس ليتنقل بعد ذلك بين تل كلخ وبعض ضواحي دمشق، ثم في الرستن وتلبيسة وصولاً إلى حمص، ثم إلى جسر الشغور على الحدود مع تركيا، فإلى البوكمال على الحدود مع العراق، لم يظهر لحزب البعث (قائد الدولة والمجتمع) أي وجود...

وكانت ذروة المأساة أن يضطر النظام إلى إنزال الجيش لمواجهة المحتجين أو المعارضين، أو «العصابات المسلحة من أهل التطرف»، كما أسمتها أجهزة الإعلام السورية.

فهذا الجيش المكلل بمجد حرب تشرين موقعه في مكان آخر، ومهمته من طبيعة تختلف كل الاختلاف عمّا كُلّف ويُكلَّف به الآن في الداخل السوري.

وإنه لمما يوجع القلب ويهز الإيمان بثوابت اليقين أن يكون جيش الحرب الإسرائيلي ماضياً في مناوراته الجديدة التي تثبت اكتمال استعداده لحرب جديدة ضد لبنان ومقاومته أو ضد سوريا إذا هي لعبت دورها الطبيعي في الإسناد، بينما الجيش السوري ينتشر على الحدود الأخرى البعيدة عن «الجبهة»، بلا أفق واضح وبلا موعد محدد لانتهاء هذه المهمة ثقيلة الوطأة على الجيش الذي كان يُنظر إليه على أنه صاحب دور حاسم في المعركة مع العدو القومي.. متى حان موعدها.

[ [ [

يصعب الافتراض أن الرئيس السوري بشار الأسد سيعلن القرارات التي يراها كفيلة بالتقدم على طريق الإصلاح، تلبية لطلبات وصلت في بعض التصريحات شبه الرسمية لمسؤولين أتراك إلى ما يداني «الشروط» بل «الإملاءات» المباشرة.

فالرئيس الأسد يتحدث منذ زمن بعيد عن الإصلاح، وطالما رسم ملامح الطريق إليه، وطالما شكا من «الحزب» وقيادته، وطالما تذمر من النقص في أعداد الأكفاء والمؤهلين لمعاونته في إجراء «العملية الجراحية الدقيقة التي تهدف إلى معالجة أمراض النظام وليس إلى إسقاطه.. تحت العملية»!

وبرغم أن خطاب الإصلاح قد تأخر بأكثر مما يجب عن موعده الطبيعي، فإن السوريين يتطلعون إلى قرارات جريئة وبمواعيد محددة، تشمل مختلف وجوه العلاقة بين «النظام» والشعب. فلا يجوز أن توجه المسؤولية دائماً إلى «الرئيس» مباشرة عن أمور الدولة كلها وعن مطالب الشعب جميعاً.

فالدولة ليست شخصاً ومعه مجموعة معاونين. الدولة مؤسسات حقيقية تتحمل مسؤوليات جسيمة، يشارك الشعب في اختيارها بالانتخاب الحر، وتقرر الكفاءة لا الولاء من يكون في إداراتها المختلفة.

ولا خوف على الشعب السوري من الأصولية والأصوليين. لقد خبرهم فعرفهم تماماً، ولم يمحضهم ثقته في أي يوم. لكن علاج هذه الظاهرة لا يكون «بوليسياً... بل بقدر ما يتمتع المواطن بحريته في الاختيار فإنه سيبتعد عنهم، مقرراً أنهم ظاهرة تعيش على التطرف وبه، وكلما ساد مناخ مذهبي أو طائفي كانوا هم المستفيدين بداية وانتهاء.

وبالتأكيد فإن المطاردات والاشتباكات الدموية قد أعطت هذه المجموعات أكثر من حجمها الطبيعي، إذ جعلتها تظهر وكأن لها من العدة والعديد ما يؤهلها لأن تتمدد بطول الحدود مع الأردن والعراق وتركيا ولبنان، ووفرت لها بالتالي إمدادات مؤثرة من خصوم النظام في الداخل والخارج.

لقد وفرت لها أخطاء النظام وقواه الأمنية فرصة الظهور بمظهر حامل راية الإصلاح والتغيير.. خصوصاً أنها حظيت برعاية أطراف لكل منها حسابه الخاص مع النظام، فاستخدمها.

[ [ [

إن عموم اللبنانيين الذين يعيشون في قلب الخوف على المستقبل، حتى من قبل أن تتفجر الدماء في الشوارع السورية، يتطلعون  كما أغلبية السوريين  إلى نهاية للمأساة التي تنذر الشعبين الشقيقين بمخاطر مصيرية، وبالتالي فهم يتوقعون أن يكون خطاب الرئيس بشار الأسد فاصلاً، وأن يفتح الباب للأمل بإصلاح جذري وشامل يستنقذ سوريا مما يتهددها من أخطار، ويسد الطريق على «التدخل الأجنبي» الذي يحاول الادّعاء أنه أحرص على الشعب السوري من قيادته (مقدماً النموذج الليبي!!)..

إن الإصلاح ضرورة فضلاً عن أنه واجب... ثم أنه حق طبيعي لهذا الشعب الصابر الذي ساند قيادته وتحمّل شظف العيش والمخاطر الحقيقية من دون أن يلتفت إلى الخارج، طالباً عونه، بل إنه صمد لكل الضغوط ومكّن الرئيس بشار الأسد شخصياً من اكتساب المكانة المميزة سواء من خلال موقفه من الاحتلال الأميركي للعراق أو من خلال دوره التاريخي في إسناد المقاومة المجاهدة في لبنان، والتي أضافت إلى رصيده الشخصي ما حصّنه.

خطاب اليوم محطة فاصلة: فإما إصلاح يؤسس لبناء دولة حديثة، بمشاركة الشعب عبر مؤسساته وتنظيماته وأحزابه السياسية متعددة التوجهات، وإما تفاقم للمأساة التي تعصف بسوريا وتهدد لبنان والعراق وسائر المشرق العربي.

والأمل أن يقول الرئيس السوري الكلمة التي ينتظرها منه شعبه، وينتظرها معه اللبنانيون الذين يعيشون دائماً في الفاصل بين مأساتين وطنيتين أو قوميتين.

=================

الدور الإيراني في سوريا!

حلمي الاسمر

الدستور

20-6-2011

حتى وقت قريب كان الدور الإيراني في قمع ثورة سوريا مجرد شكوك وبلا أي دلائل ثابتة، إلى أن أعلن موقع «الخبراء الخضر للإصلاحيين» الإيراني المعارض أن حكومة طهران قامت بإرسال المدربين والمستشارين الإيرانيين ومعدات مكافحة الشغب لسوريا، إضافة إلى المساعدة الاستخباراتية المتمثلة في أجهزة متطورة للمراقبة تسمح لنظام بشار الأسد بملاحقة مستخدمي شبكتي فيسبوك وتويتر، والحقيقة الساطعة هنا لكل من يشكك في ما أورده الموقع متعلقة بالنقطة الأخيرة، فمراقبة هذين الموقعين ليست سهلة أبدا، وقد لاحظت أن أهل الشام يبتعدون ما وسعهم الأمر عن الدخول إليهما خوفا من الملاحقة الأمنية، ولا أعتقد أن لدى الحكومة السورية القدرة على مراقبتهما بدون الخبرة الإيرانية العريقة في هذا المجال!!.

يكشف الموقع أيضا أن ايران أرسلت قوات خاصة تسمى قوات «معسكر عمار» التي تخضع لسيطرة أمن الحرس الثوري لتستقر هذه القوات في ضواحي دمشق، وكالات الانباء ذكرت فيما مضى أن الحكومة الإيرانية أرسلت مدربين عسكريين إلى دمشق لتدريب السوريين على التقنيات التي تستخدمها حكومة طهران ضد «الحركة الخضراء» التي ولدت غداة الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في عام 2009 وثمة شهادات شعبية على وجود مثل هذه القوات هنا وهناك في سوريا، لكن هذه المشاهدات ظلت بحاجة إلى تأكيد، خاصة وأن موقف إيران الرسمي من الثورة السورية الشبابية يوحي بأن لديه معادلا لوجستيا على الأرض، فهي لا يمكن ان تترك حليفها التقليدي في المنطقة دون عون فعلي، ولا يمكن ان تكتفي بالدور الإعلامي، وقد بدا هذا الموقف بشكل صارخ، حيال الثورة في سوريا ونظيراتها في بلدان عربية أخرى مثل تونس ومصر واليمن من خلال طريقة تعاطي كبار المسؤولين الحكوميين مع هذه الثورات واعتماد سياسة «الكيل بمكيالين» وتغيير مواقفهم حيال بعض الدول، ففي حين أبدت طهران دعماً ملحوظاً في الإعلام للثورة الشعبية ضد النظامين التونسي والمصري، واعتبرتها من مآثر ونتائج ثورتها التي أطاحت بنظام الشاه في عام 1979، خاصة فيما يتعلق بالنظام المصري الذي كان العقبة الكبيرة والمنافس الرئيسي لها على المستوى الإقليمي؛ وصف الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في تصريحات الثورة السورية بأنها فتنة، متهماً أطرافاً خارجية وإسرائيلية بدعمها لزعزعة النظام السوري!.

طبعا موقف الشعب الإيراني لم يرق للشعب الإيراني، فقد كان منذ البداية معارضاً لسياسات النظام، بل إن الحكومة الإيراني نفسها ومع تواصل الثورة في سوريا واحتدامها، بدأت تنظر للوضع السوري بنوع من الريبة والشك، لا سيما مع دخول النفوذ التركي على الخط، مما جعلها تشكك في إمكان المراهنة على بقاء الأسد دون أن يعلنوا ذلك صراحة، وأول هذه التصريحات بدأت على المستوى الحكومي وأطلقها علي أكبر هاشمي رفسنجاني، أحد كبار السياسيين الإيرانيين ورمز من رموز الثورة ومهندسيها، حيث وصف ما يحدث في سوريا بأنه حركة شعب مقاوم وأن الوعي الشعبي في المنطقة لن يرحم حكامها، وقال ايضا أن الشعب في اليمن ينزل إلى الشارع منذ شهور ويستشهد، وفي ليبيا الشعب يحارب ويُقتل، وفي سوريا الشعب أيضاً يقاوم!!.

موقف إيران من ثورة سوريا، نزع عنها أي غطاء شعبي عربي أو إسلامي، لأن ثورة شعب سوريا لا تختلف بشيء عن ثورة مصر ولا تونس!!.

=================

نهاية شهر العسل بين تركيا وإيران في انتظار سقوط الأسد

احمد عثمان

الشرق الاوسط

20-6-2011

يبدو أن شهر العسل بين تركيا وإيران قد وصل إلى نهايته بسبب أحداث سوريا. فبعد تقارب استمر سنوات عدة بين البلدين، عندما كانت تركيا تعارض معاقبة إيران بسبب نشاطها النووي، شعرت تركيا أن أمنها القومي صار مهددا بسبب التحالف السوري الإيراني. ومع عبور آلاف السوريين الهاربين من النظام السوري، من اعتداء وحشي عليهم بمساندة إيران، راحت تركيا تفكر في كيفية وضع حد لنزوح السوريين إلى أراضيها، الذي قد يصل إلى مئات الآلاف. وبينما تجد إيران أن من مصلحتها الدفاع عن نظام بشار الأسد، تقف تركيا إلى جانب الشعب السوري وحقه في الحرية. فقد اتصل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بالرئيس السوري بشار الأسد عدة مرات لمناقشة الوضع في سوريا، غير أن الإدارة السورية لا تزال مصرة على استخدام أسلوبها القمعي في معاملة المواطنين.

اتهم رئيس الوزراء التركي النظام السوري بارتكاب الفظاعات ضد المواطنين، وقال لا يمكننا الاستمرار بدعم سوريا بينما لدينا أقارب هناك، ولا يمكن لتركيا الدفاع عن سوريا أمام المجتمع الدولي، بل ستكون مضطرة للقيام بمسؤولياتها تجاه هذا الموقف. وقال أردوغان إن الوضع في سوريا ليس كالوضع في ليبيا بالنسبة لتركيا، فهو أقرب ما يكون إلى وضع داخلي لبلاده، التي تمتد حدودها مع سوريا لأكثر من 800 كيلومتر. وعندما أرسل الأسد مبعوثه، حسن تركماني، إلى تركيا لاحتواء الموقف ومطالبة أردوغان بإغلاق الحدود التركية في وجه السوريين الهاربين، رفض أردوغان إغلاق الحدود وطالب بشار بالتوقف عن استخدام العنف وتحقيق المطالب الديمقراطية لشعبه. بل إن السلطات التركية قررت مساعدة الهاربين السوريين الذين لا يستطيعون عبور الحدود، وتقديم الطعام والشراب إليهم عبر حدودها. وهكذا تسبب التصعيد الذي يمارسه النظام السوري ضد المحتجين، في دفع العلاقات مع تركيا نحو نقطة اللاعودة، بعد فرار آلاف السوريين إلى الأراضي التركية، هربا من الحملة العنيفة التي تشنها قوات الأمن السورية. وأخذت العلاقات التركية السورية تشهد توترا ملحوظا مؤخرا، بلغت حد استضافة مدينة أنطاليا التركية مؤتمرا للمعارضة السورية.

وعلى الجانب الآخر، اتهم بعض السوريين تركيا بالتآمر مع الولايات المتحدة ضد بلادهم، وتحدثوا عن اعتقادهم بوجود خطة تركية - أميركية للتدخل عسكريا على الحدود الشمالية لسوريا، بدعوى حماية المواطنين. كما اتهمت طهران الولايات المتحدة بالتدخل في شؤون سوريا، وحذرت واشنطن من التدخل العسكري ضد نظام الأسد، وهدد رامين مهمان، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، من أن أي تدخل عسكري صريح من جانب الغرب يمكن أن يكون له عواقب وخيمة على المنطقة. لكن الولايات المتحدة ليس لديها النية للتدخل العسكري المباشر في سوريا، وهي تعتقد أن تركيا هي الأقدر على لعب دور رئيسي في الأزمة السورية، بسبب حدودها المشتركة مع سوريا. وقد أكد الرئيس أوباما هذا الموقف عندما تحادث مع أردوغان لتهنئته بفوز حزبه في الانتخابات الأخيرة. كما قالت صحيفة «بوستا» إن تركيا تدرس احتمال إرسال قواتها إلى الأراضي السورية لإقامة منطقة عسكرية عازلة لحماية السوريين الهاربين من اعتداءات النظام.

أما بالنسبة لإيران فقد كان المرشد الأعلى، آية الله السيد علي خامنئي، يساند الثورات العربية التي اعتبرها انتفاضة ضد الحكام الظالمين المدعومين من الغرب، وكان يستخدم مصطلح «الصحوة الإسلامية» لوصف «الربيع العربي». ورحبت جمهورية إيران الإسلامية بالربيع العربي إلى أن وصل إلى سوريا، فتغير موقفها، حيث اعتبرت أن انطلاقة الشعب السوري ما هي إلا مؤامرة صهيونية لإسقاط حكومة الأسد بسبب معارضتها لإسرائيل والولايات المتحدة ومناصرتها لحزب الله. والسبب في ذلك أن سوريا تلعب دورا مهما بالنسبة لسياسة إيران يمكنها من التغلغل في البلدان العربية، خاصة عن طريق حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية. وإذا ما سقط نظام الأسد، فسوف تنكسر حلقة الوصل الرئيسية في السلسلة الاستراتيجية لإيران عبر المنطقة. ولم تقتصر طهران على شجب مظاهرات الاحتجاج السوري، بل تعاونت مع بشار الأسد في قمع المتظاهرين السوريين، وكشفت صحيفة «ديلي تلغراف» اللندنية عن وجود معلومات موثوق منها لدى الاستخبارات البريطانية، بأن طهران تقدم معدات مكافحة الشغب وتدريبات شبه عسكرية لقوات الأمن السورية، كما يقوم أعضاء من الحرس الثوري الإيراني بتقديم المشورة الفنية والمعدات للقوات الموالية للرئيس السوري، بينما يقوم أفراد من حزب الله اللبناني بالمشاركة في القتال إلى جانب قوات الأسد.

وعلى الرغم من أن القيادة السورية لا تزال تسيطر حتى الآن على الموقف في البلاد، فإن إصرارها على استخدام العنف لقمع المتظاهرين، بدلا من الاستجابة لمطالبهم في تحقيق الإصلاحات الديمقراطية، أدى إلى وصولها إلى نقطة اللاعودة، وهي تسير بخطى أكيدة نحو طريق يؤدي إلى سقوط النظام ولو بعد حين. وإدراكا منها لاحتمال سقوط النظام السوري، قامت إيران بانقلاب سياسي في لبنان، حتى تضمن قدرتها على الاتصال المباشر بحزب الله إذا ما تمكن الثوار في سوريا من إغلاق الممر السوري في وجهها. فبعد أربعة أشهر ونصف من تكليفه بتشكيل الوزارة اللبنانية، أعلن نجيب ميقاتي فجأة تشكيل حكومة جديدة من أعوان إيران وسوريا، مستبعدا باقي القوى اللبنانية عن السلطة. وعلى الرغم من أن بشار الأسد بارك الحكومة الجديدة بعد لحظات من تشكيلها، أملا في حماية حدوده الجنوبية، اعتبرتها قوى الرابع عشر من آذار صنيعة لحزب الله الذي يدين بالولاء لإيران. ومع استمرار نظام الأسد في قمع مواطنيه وعجزه عن حل مشكلاته بطريقة سلمية، فليس لنا أن نتوقع سوى نتيجة واحدة، سقوط النظام. عندئذ لن يسمح الثوار في سوريا لإيران بالسيطرة على بلادهم، وسوف تساعدهم تركيا على بناء نظام جديد يقوم على أساس من الحرية والديمقراطية، وهنا يبدأ العد التنازلي لحكومة حزب الله التي اغتصبت السلطة في لبنان.

=================

ما الذي سيقوله الأسد؟

طارق الحميد

الشرق الاوسط

20-6-2011

من المفترض أن يلقي الرئيس بشار الأسد ظهر اليوم كلمة للسوريين، بعد صمت طويل، والسؤال هو: ما الذي سيقوله بعد أن لجأ 10 آلاف من مواطنيه لتركيا، وقتل نظامه قرابة 1300 من الشعب، ناهيك عن الاعتقالات، والمفقودين؟

مصادري التركية تشير إلى أن الأسد قد يتحدث عن قوانين الأحزاب، خصوصا أن هناك ضغطا تركيا متزايدا على الأسد، وإلا أخذت أنقرة موقفا حاسما تجاهه، وهو ما يبدو أنه قد تم فعلا، أو أن أنقرة قاب قوسين أو أدنى، خصوصا أن المصادر تعتقد أن «الوقت قد فات»، والنظام تأخر كثيرا، وإن أقدم على أمر فهو لا ينفذه، وهذا هو المتوقع حتى لقانون الأحزاب، وهو ما نبهت له المعارضة السورية منذ أيام على اعتبار أن قانون الأحزاب سيكون شكليا.

وهذا أمر متوقع، ولذلك شواهد، فعندما أعلن عن رفع قانون الطوارئ أعقب ذلك اجتياح عسكري لمدن ومناطق سورية عدة، وبأسلحة توحي أن البلاد بحالة حرب، وعندما قيل إن أوامر الأسد قد صدرت بعدم إطلاق النار على المتظاهرين تزايد عدد القتلى، وذهل العالم من حجم الوحشية التي ارتكبت ضد المواطنين العزل، فكيف بعد كل ذلك سيصدق السوريون أولا، أو الأتراك والعرب والمجتمع الدولي، أن النظام جاد بالإصلاح؟ فحتى عندما قال الأتراك للأسد تخلص من أقرب الناس إليك، قاصدين رامي مخلوف وشقيقه ماهر، خرج مخلوف بمؤتمر صحافي يعلن فيه اعتزال التجارة لكنه لم يهدئ شيئا، بل إنه أثار موجة من التندر سورياً، ودوليا.

وإشكالية سوريا اليوم أن الجميع ينظر إلى ما يحدث فيها على أنه استكمال للمشهد العربي، أي كاتلوغ موحد لكل الدول، فكثر يعتقدون أن السوريين «يقلدون» التوانسة، والمصريين، وغيرهما، وهذا غير صحيح إطلاقا، فحجم وعمق المعارضة السورية بالداخل أكبر مما يعتقد الجميع، ومنذ عام 2000، أي منذ تولي بشار الأسد الرئاسة، ونوعية المطالب التي نسمعها اليوم من السوريين هي نفس مطالبهم منذ تلك الفترة، فكثر بيننا، مثلا، يتجاهلون أنه في سبتمبر (أيلول) 2000 كتبت المعارضة السورية ما سمي «بيان 99»، ثم ألحقوه ب«بيان ال1000»، ناهيك عما عرف ب«ربيع دمشق»، بل إن من ضمن المعارضين للنظام، ومنذ سنوات، علويين، ومنهم من سجن أيضا.

ولذا فإن ما يحدث بسوريا اليوم ليس تقليدا لما يجري بالمنطقة، بل هو حركة أصيلة، ومن المهم هنا على كل متابع، أو معني، بالمشهد السوري أن يقرأ كتابا مهما صدرت نسخته العربية مطلع هذا العام بعنوان: «سوريا الاقتراع أم الرصاص» لكارستين ويلاند، وترجمه الدكتور حازم نهار، ودققه الدكتور رضوان زيادة، وكلاهما اسمان سوريان جادان.

أهمية هذا الكتاب أنه يكشف أن كل الوعود التي يقدمها نظام الأسد اليوم للتجاوب مع مطالب الشارع السوري عمرها 10 سنوات، وسبق أن وعد بها، ومنها تجنيس الأكراد! ولذا فعندما نتأمل مثل هذا الكتاب والوقائع التي يوردها، سنفهم جيدا لماذا خرج السوريون مرددين: «ما بنحبك.. ما بنحبك.. ارحل عنا أنت وحزبك»!

================

اعتذار لأهلنا في سوريا

سلمان الدوسري

الشرق الاوسط

20-6-2011

أما وقد بلغت الحلقوم لدى أهل سوريا، الذين إن نجوا من الموت فلن ينجوا من التعذيب، وإن سلموا من هذا وذاك، فأين المفر من مطاردة الأمن السري؟! فليس أمام العرب، وهذا أضعف الإيمان، إلا الاعتذار عن خذلانهم للسوريين. فردود الفعل العربية، لا تزال في خانة الانتظار والترقب، حتى بعد مقتل 1300 شخص واعتقال 10 آلاف وتهجير مثلهم.

ثلاثة أشهر من القمع الوحشي المتواصل والعرب يتفرجون. اندلعت شرارة المظاهرات ضد النظام. واشنطن تدعو الحكومة السورية ل«ضبط النفس»، وباريس تندد ب«العنف ضد المتظاهرين»، بينما تركيا تحذر حليفها وتنصحه بإجراء إصلاحات سياسية، أما الأمين العام للأمم المتحدة فيدعو لفتح تحقيق ومعاقبة المسؤولين عن المجازر. لكن العرب يتفرجون. الاتحاد الأوروبي يحث السلطات على الاستجابة لمطالب المواطنين، ومفوضية حقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة تحذر من الدخول في «دوامة العنف». قتلى القمع يتناثرون في عدة مدن سورية. والعرب كانوا يتفرجون!

«الجيش يتدخل.. واللاذقية تتحول إلى مدينة أشباح»، هكذا كان عنوان الصفحة الأولى من هذه الصحيفة يوم 28 مارس (آذار). درعا تتعرض لحملة منظمة لتجويع صغارها قبل كبارها. قوات الجيش تفتح النيران على المحتجين. حماس تقول إن ما يحدث «شأن داخلي». حزب الله يؤيد النظام ضد شعبه، أما طهران فتنتقد المحتجين وتعتبر ما يحدث «مؤامرة صهيونية»، بينما العرب يتفرجون. القمع يمتد إلى مدن لم تعرف مسبقا إلا على الخريطة، فنعرف أن تلكلخ قصفت، وبانياس تدمي من القتل، هذا يحدث بينما لا تزال درعا ودوما محاصرتين، وعدد قتلى المدنيين يرتفع إلى ما يقارب 500 شخص، لكن العرب كانوا يتفرجون. تركيا مستمرة في انتقاد حليفها، وتحذر من «القمع الدامي». حمامات دم في مدن سورية عدة. واشنطن تعد لمسودة عقوبات. 4 دول، بالتأكيد ليست عربية، تعد لمشروع قرار بمجلس الأمن لإدانة القمع، حتى روسيا، وهي روسيا، تطالب دمشق بالتحقيق في مقتل المدنيين. أين العرب؟! كانوا صامتين يتفرجون!

مع دخول الانتفاضة شهرها الثالث، يمعن النظام في قمع شعبه، فيقتل البطل حمزة الخطيب، ومشاهد تعذيبه تهز العالم، إلا العرب، فقد كانوا يتفرجون. يدك النظام السوري المنازل بالدبابات، ولما لم تتوقف الاحتجاجات، لجأ إلى الطائرات والمدافع. القتلى في ازدياد والنظام غير عابئ، ولمَ لا، ما دام العرب يتفرجون؟! قوات الأسد تحاصر المدن، التي تتحول إلى مدن أشباح. المقابر الجماعية تكشف عن وحشية النظام، وإيران تشارك بقوة في التنكيل بالمحتجين العزل. الغرب بأكمله يصعّد ويطالب الأسد بالإصلاحات أو الرحيل، أما العرب فلا تسأل عنهم، فإنهم يتفرجون!

العرب، أخيرا، يتحركون. يرفض الأمين العام للجامعة العربية «القسوة» مع سوريا. قبل أن يلطف حديثه، بعد نحو 90 يوما من القمع الدامي، بأدنى درجات الدبلوماسية، وهي «القلق» مما يحدث، بينما السوريون يهجرون من وطنهم، لكن لا حياة أصلا لتناديها في الجامعة العربية، أما مجلس التعاون الخليجي، فاكتفى أمينه العام بالتصريح، فماذا قال؟! «المكان المناسب لمناقشة الوضع السوري هو الجامعة العربية». تصريح مفهوم ويأتي تحت باب: سد الذرائع!

فعلا السوريون أدهشوا العالم، وكانت الرسالة واضحة للجميع.. قتل الآلاف وقمع الشعب لن يوقف الانتفاضة. يقول أحد الناشطين السوريين: «المحزن أن اختراع الرصاص المطاطي لم يصل إلى سوريا!.. ما يطلق على المحتجين الذخيرة الحية أو لا شيء!». نقدم اعتذارنا لأهلنا في سوريا، جميعهم رجالا ونساء وأطفالا، وإن كانوا جميعهم أسودا، ليس بينهم لا أطفال ولا نساء، ونقول لهم: لا تنتظروا العرب، فإنهم صامدون يتفرجون!

==================

مأزق السلطة الحاكمة في سوريا

حامد الحمود

القبس

20-6-2011

تسلط الأحداث الدموية التي تمر بها سوريا الضوء ليس على عائلة الأسد  الحاكمة منذ عام 1970  وإنما كذلك على الطائفة العلوية في سوريا التي تنتمي إليها هذه العائلة، خصوصا أن النظام وفي مثل هذه الظروف أصبح أكثر اعتمادا على أجهزته الأمنية بطبقاتها المختلفة، والتي يشكل أبناء الطائفة العلوية الهيكل والحوائط لبنية هذه الأجهزة. كما أن هذه الأحداث المأساوية أصبحت تثير التساؤل حول مدى خطورة الدور الذي تلعبه الطائفة في حماية نظام سياسي مستبد على مستقبل أبناء الطائفة نفسها. فقد شاءت الصدفة التاريخية أن يصل وزير الدفاع السوري حافظ الأسد في عام 1970 إلى قمة السلطة، والتي حتمت طريقة وصوله إلى السلطة، بالانقلاب على أصدقائه نور الدين الأتاسي، وصلاح جديد، ويوسف زعين، وزج بهم في السجون، إلى أن يعتمد أكثر على أبناء طائفته العلوية في بنية الأجهزة الأمنية، لتجنب مصير أصدقائه. وقد أثبتت الأحداث السياسية في سوريا منذ عام 1970، فعالية قرار الأسد الأب في الطريقة التي اختارها لحماية نظامه. فقد حقق استقرارا، ثم توريثا للسلطة من دون أي تحد إلى مارس الماضي. إلا أن الأجهزة الأمنية غير قادرة على عزل سوريا عن التأثر بالربيع العربي، والاستقرار، المحقق بإرهاب المواطنين، هو استقرار مزيف.

ولعل أهم ما يجب توضيحه هنا، أن هذا الاستقرار المزيف الذي حققته الأجهزة الأمنية التي يشكل أبناء الطائفة أعمدتها وأسمنتها، يبدأ باستغلال أبناء الطائفة قبل غيرهم. فتحويل أبناء قرى ومدن جبل العلويين إلى حراس ورجال مخابرات لسلطة سياسية، تنفرد قراراتها بدائرة ضيقة ضمن عائلة واحدة، لا يعدو كونه إلا استغلالا لعواطف وحاجات البسطاء. كما أن تقوية الحس الطائفي لدى أبناء هذه الطائفة وربط مستقبلها ومصيرها بمستقبل نظام سياسي دموي يعتبران جريمة بحق الطائفة العلوية نفسها. لذا فإن الموضوع يستحق إضاءة وان كانت مختصرة حول الظروف التاريخية التي أدت إلى أن تتحول نسبة كبيرة من أبناء هذه الطائفة التي ينتمي إليها نخبة من مثقفي سوريا ورجالاتها، إلى حراس وجنود لنظام دكتاتوري، حيث يرجع تاريخ الطائفة العلوية إلى القرن التاسع الميلادي عندما انشقت عن الطائفة الشيعية مكونة لها طقوسها الخاصة المختلفة عن الشيعة الاثني عشرية، لدرجة أن الأخيرة لا تعتبرها شيعية. لذلك فإنه لا المرجعية الدينية في النجف ولا في إيران أي تأثير على الطائفة العلوية. وكمعظم الأقليات الدينية التي عادة ما تختار الاماكن القصية موطنا، اختارت الطائفة العلوية جبل العلويين موطنا لحاملي معتقدها الديني، بعيدا عن مراكز الحكم السنية. فظلت مدن الساحل السوري مثل طرطوس وبانياس واللاذقية مدنا سنية، كذلك كانت مدن السفح الآخر من جبل العلويين مثل حماة وحمص سنية. وقد ساهم الحكم العثماني السني في عزلة العلويين، خاصة أنه لم يوظفهم في الإدارة أو الجيش. لكن الانتداب الفرنسي لسوريا في عام 1920، أزاح ستار العزلة عنهم، فبدأ بتوظيف العلويين في الجيش والدوائر الحكومية، وانفتحت أمامهم فرص التعليم في المدارس والجامعات.

إلا أن الحدث الأهم الذي أعطى أبناء الطائفة العلوية، للاقتراب من سلم السلطة في سوريا، كان انتماء الكثير من أبناء هذه الطائفة إلى حزب البعث، الذي رأى أبناء الأقليات بشكل عام أن فكره العلماني يعطي مساحة أكبر لهم لتبوؤ مراكز مهمة في الحزب، ثم في الدولة إذا استطاع الحزب أن يصل إلى السلطة. وان بدأ هذا الحزب في التنافس مع الأحزاب الأخرى لوصول أعضائه إلى مجلس النواب في الخمسينات من القرن الماضي بصورة ديموقراطية، فإن الضباط المنتمين إلى هذا الحزب كانوا أكثر طمعا بالسلطة. فقفز الحزب إلى الحكم بانقلاب عسكري في 8 شباط (فبراير) 1963 بقيادة أمين الحافظ

 

عندما نجح أمين الحافظ بانقلابه في 8 شباط (فبراير) 1963 قرّب ابناء الاقليات، ومن ضمنهم العلويون مع انه من الاغلبية السنيّة.

وقد حكم الحافظ سوريا إلى أكتوبر 1966 عندما تمرد عليه رفاقه في الحزب نور الدين الأتاسي، احمد زعين وصلاح جديد. ولربما كان جديد أول علوي يصل إلى منصب قيادي كبير في تاريخ سوريا، وكان الرجل الأقوى، وقد يرجع ذلك إلى انتمائه إلى سلك القوات المسلحة، بينما كان الأتاسي وزعين طبيبين من التنظيم المدني للحزب. وقد انتهى مصير الثلاثة إلى السجن المؤبد عام 1970، بعد أن قاد حافظ الأسد انقلابا عليهم، قام بعدها بتطوير الأجهزة الأمنية وتركيز أبناء الطائفة العلوية فيها.

ولعل من أكثر مظاهر تحول سوريا خلال حكم حافظ الاسد إلى حديقة خاصة ليس بالطائفة العلوية، وإنما بعائلة الأسد، هو ما ذكرته ريفا بهالا، في بحثها المنشور عن سوريا في Geopolitical Weekly بتاريخ 2011/5/5 من أنه عندما دب الخلاف بين الرئيس الأسد وأخيه رفعت عام 1983 لم يحل الخلاف لا مجلس الوزراء ولا القيادة القطرية، وإنما والدة الرئيس، التي أقنعت ابنها الأصغر رفعت أن يترك سوريا مع ملياراته التي جمعها من التهريب إلى باريس، والذي تملك عن طريقها مجمعات سكنية في أكثر من مدينة أوروبية، وشركات وبنوكا ومحطات فضائية. هذا وان كنت أتفق مع تقدير الباحثة ريفا لعدد العلويين في سوريا بحوالي 1.5 مليون من إجمالي سكان سوريا البالغ عددهم حوالي 22 مليون نسمة، فإني أختلف مع تقديرها لنسبتهم في الجيش السوري النظامي والذي تقدره ب %70، حيث ان 1.5 مليون أو %7 من سكان سوريا لا يمكن إحصائيا أن يشكلوا %70 من الجيش النظامي الذي يزيد عدده على 200 ألف.

إلا أنه لا خلاف على أن نسبتهم تزيد كثيرا على نسبتهم من عدد السكان، وهم الذين يشكلون النسبة الطاغية في أجهزة المخابرات والحرس الجمهوري. ولا شك أن احتماء النظام بتشكيلات من الحرس الجمهوري وأجهزة المخابرات ساهم في تحقيق استقرار سياسي، ومكن الأب من توريث الرئاسة إلى الابن، لكنه استقرار أمني يعزل الحاكم عن الواقع الاجتماعي أو المعيشي للشعب السوري. هذا وقد ساهم التوريث في تكريس العزلة، وقضى على توازن سياسي كان موجودا إلى حد ما خلال حكم الأسد الأب.

====================

سوريا بين 1980 و2011: منطق أم وهم؟

سلامة كيلة 

الأفق الاشتراكي 16/6/2011

الرد الذي واجهت به السلطة السورية الانتفاضة الشعبية حاول محاكاة الرد الذي واجه به النظام تمرد الإسلاميين نهاية سبعينيات القرن الماضي، وسنوات 1980/1982، أي باستخدام العنف المفرط، الذي يتمثل في القتل المباشر واستخدام الدبابات والقناصة واحتلال المدن. وإذا كان استنتاج السلطة السورية بأنّ «تطيير» زين العابدين بن علي وحسني مبارك جاء لأنّهما لم يستخدما القوة منذ البدء،

فقد قررت أن تواجه كلّ تحرك بعنف مفرط يتمثل باستخدام الرصاص الحي، وأصبحت السياسة الضرورية هي العودة الى «خطة» 1980.

لكن سنة 2011 هي غير سنة 1980، ومن لا يلاحظ الفارق الهائل بين التاريخين سوف يفاجأ بالنتائج. ودون أن أتطرق الى الاختلاف الكبير في الوضع الدولي، يمكن تلمس الفوارق الكبيرة في الوضع الداخلي. ليس من أبرز تلك الفوارق أنّ الصراع حينها قد انحصر في بعض مدن الشمال (حماه وحلب وجسر الشغور)، ولم يطل الشعب السوري، كما أنّه اتخذ لوناً أيديولوجياً وطائفياً حينها أكثر من كونه يعبّر عن مطالب طبقات شعبية كما يحدث الآن. لذلك، كان من السهل محاصرة التمرد وسحقه، ما ظهر واضحاً في مدينة حماه.

كانت السلطة حينها في أوج قوتها، لا لأنّها امتلكت قوة أمنية كبيرة وجيشاً قوياً، فتلك كانت نتاج وضع محدّد، بل لأنّ التحولات التي أُحدثت في البنية الاقتصادية والمجتمعية خلخلت التكوين الطبقي القديم. تكوين كان يتّسم بسيطرة طبقة إقطاعية تجارية، وإفقار وتهميش كتلة كبيرة من الريف، وتعريضه لاضطهاد شديد، لمصلحة توسيع كبير للطبقة الوسطى. كلّ ذلك، من خلال قوانين الإصلاح الزراعي وتوزيع الأرض على الفلاحين، وتوسيع التوظيف في الدولة، وبناء الصناعة وتحسين وضع الطبقة العاملة. هذا الوضع كان يجعل كتلة كبيرة إما مؤيدة للنظام أو محايدة، وسمح بأن تكون قوى السلطة الأيديولوجية (حزب البعث) والأمنية (الاستخبارات والجيش) في وضع صلب حول السلطة.

في المقابل، مثّل حراك الإخوان المسلمين (والطليعة المقاتلة) التعبير عن تلاشي وضع فئات اجتماعية تقليدية في المدن، وبعض الأرياف، في سياق تحولات اقتصادية حداثية، إذ كانت تحلّ بعض الصناعات محل الحرف، والتجارة الحديثة محلّ «الدكاكين» التقليدية. وحمل ذاك الحراك أسس الصراع من أجل الدولة الدينية، القائمة على أساس طائفي في مقابل سلطة «قومية»، أو تحمل خطاباً قومياً. وبهذا، فقد كانت التعبير عن ميل «رجعي» في مواجهة وضع كان يشهد بعض الحداثة.

وفي هذا الوضع بدا التمرد محدوداً في دولة كانت لا تزال متماسكة، ولقد قطع حراكاً مدنياً حداثياً بدأه مثقفون ونقابات مهنية (مهندسون ومحامون وأطباء...) من أجل الديموقراطية. فقد كان يعاكس هذا الميل الحداثي من حيث سعيه للعودة الى الماضي، وهنا كانت نقطة ضعفه والتشوه الذي أحدثه، بعدما استغلّته السلطة لسحق كل القوى الديموقراطية المعارضة، وتعميق الطابع الأمني للسلطة.

لكن، لا يمكن من أن نقول كلّ ذلك اليوم، فقد أضحى الواقع الاقتصادي هو الأساس الذي يقوم عليه الحراك الراهن، بعدما أصبح التمايز هائلاً بين أقلية نهبت وراكمت مليارات الدولارات، وما زالت تنهب وتراكم، وأغلبية ساحقة لا تمتلك ترف العيش. كلّ ذلك في وضع بات يتسم بتقلص فرص العمل وهامشيتها، بعدما تحوّل الاقتصاد الى اقتصاد ريعي يتمركز في الخدمات والسياحة والعقارات والاستيراد في الغالب. وبهذا، باتت هناك كتلة مفقرة تضم معظم السكان. ولقد أشار الحراك الى أيّ مدى انهار الريف خلال السنوات السابقة، وكيف نشأت ظاهرة الشباب من دون عمل، وكيف انهار التعليم وأصبح العلاج مشكلة.

فالطبقات الشعبية التي أفقرت وتهمّشت هي التي تتحرك اليوم، بعدما سيطرت أقلية على المقدرات الاقتصادية. وفي هذا الوضع لا تعود المسألة مسألة فئة سياسية أو اجتماعية هامشية، بل تصبح مسألة مجتمع عانى التهميش دون آفاق ممكنة، لهذا بات يندفع بقوة هائلة من أجل التغيير.

وهذا ينعكس على تماسك الدولة ذاتها، فلم يعد ل«الأيديولوجية» موقع في وضع أصبح موظفو الدولة يعيشون على الكفاف، ويعانون الإفقار، ودون مقدرة على تعليم أبنائهم أو طبابتهم. وأصبحت الامتيازات التي تغدقها الأيديولوجية منحصرة في فئة ضئيلة، ما يبرز التمايز العميق بين نخبة تحوّلت الى «رجال أعمال جدد»، وأغلبية باتت تعاني الفقر.

هكذا يختلف ميزان القوى على الأرض، رغم امتلاك السلطة الأسلحة المتطورة، لكن الصراع بات مع المجتمع، وفي وضع لا تبدو الدولة فيه قوية. وإذا كانت مجزرة كتلك التي حصلت في حماه في 1982 ستصبح فضيحة عالمية عبر الإعلام الحديث، وتستثير إمكانات التدخل الإمبريالي، فإنّ الأمر الآن لا يتعلق بمدينة واحدة أو حتى منطقة، بل يتعلق بكل سوريا، وبمطالب مختلفة جذرياً.

الصراع الآن، بالتالي، ليس بين دولة «اشتراكية وقومية» وقوّة أيديولوجية أصولية وطائفية، بل بين سلطة تمثّل فئات راكمت المليارات من خلال نهب ثروة المجتمع والتحكم بكل مفاصل الاقتصاد، وكلّ الطبقات الشعبية. ورغم التخويف الطائفي الذي تقوم به السلطة، يظهر واضحاً أنّ هدف المشاركين في الانتفاضة هو السلطة التي تحمي من نهب، وتقمع كلّ معترض أو متذمر، ولا تسمح بإنشاء نقابات تدافع حقيقة عن العمال والفلاحين والمهنيين. الصراع، بالتالي، ليس بين طوائف المجتمع بل بين طبقات مفقرة والسلطة ذاتها.

من هنا، فإنّ كلّ تفكير في أنّ منطق 1980 يمكن أن ينجح في 2011 هو توهم يستدعيه البقاء في السلطة أكثر من أن يكون واقعياً. فربما يتزايد الشهداء، لكن ليس من الممكن العودة الى الوراء، وبالتالي ليس من الممكن سحق الثورة أو وقفها. فهناك قوى اجتماعية لم يعد أمامها من خيار سوف «هدم الجدار»، من أجل فتح أفق للمستقبل، وفي هذا الوضع لا يمكن هزيمتها. الآن الصراع هو مع الشعب الذي لم يعد يحتمل استمرار الإفقار والبطالة والتهميش. وهو صراع، بالتالي، بين الشعب والطبقة التي تكونت من خلال نهب ثروة المجتمع، وتدافع بأقصى العنف عن مصالحها. مصالحها هي بالذات، بغض النظر عن كلّ الأغلفة الأيديولوجية التي ترددها. الصراع هو حول ذلك، ومن أجل بديل يحقق ظروفاً أفضل للطبقات الشعبية، ويؤسس لدولة مدنية ديموقراطية تسمح لتلك الطبقات بالدفاع عن مصالحها.

أعرف أنّ عماء السلطة لا يسمح بفهم ذلك، لكنّه سيكون واضحاً حينما ينجح شعار الشعب. المهم هو أن نعي أنّ الوضع الآن ليس كما كان في الماضي، وأنّ حراك الناس لا رجعة فيه.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ