ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 20/06/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

المثقفون والاستبداد

تاريخ النشر: الأحد 19 يونيو 2011

د. شملان يوسف العيسى

الاتحاد

كشفت أحداث "الربيع العربي" المتمثلة في الحركات الاحتجاجية العربية، أن هنالك إشكالية كبيرة تواجه المثقفين العرب، وهي عدم قناعة بعض المثقفين بالديمقراطية والتغيير السلمي. فهؤلاء المثقفون اتخذوا مواقف مؤيدة وداعمة لأنظمة استبدادية وقمعية من منطلق قومي أو ديني أو يساري أو وطني، حيث دافعوا عن هذه الأنظمة تحت مبرر مقاومة الاستعمار والتصدي للمخططات الصهيونية التوسعية، أو رفض التغريب والحداثة والمحافظة على القيم والتقاليد العربية الإسلامية... وبالأمس كنا قد وجدنا قطاعاً عريضاً من المثقفين والأكاديميين والكتاب والمحامين العرب الذين دافعوا دفاعاً مستميتاً عن ديكتاتور عراق صدّام.

اليوم نجد في أكثر من مكان، نفس هؤلاء المثقفين والكتاب والمحامين، يدافعون عن الأنظمة الاستبدادية التي خرجت شعوبها مطالبة بالحرية والديمقراطية، ففي ليبيا مثلاً أخذ بعض المثقفين موقفاً معادياً للثورة الشبابية من منطلق أن الثوار استعانوا بالتحالف الدولي لحماية أنفسهم ومهدوا الطريق للغارات الجوية على قوات القذافي. وفي طرابلس تناسى هؤلاء المثقفون ممارسات النظام بحق شعبه طوال أربعين عاماً الماضية، وعندما ثار الشعب توعده الزعيم الليبي في مقولته المشهورة: "إما أن أحكمكم أو أقتلكم"، وسلط كل ترسانته من الأسلحة على الجماهير المدنية المسالمة، فقط لأنهم يريدون الحرية والديمقراطية!

وفي سوريا نجد صمتاً عربياً مريباً تجاه ما يحدث من قتل وتشريد ومطاردة للمحتجين العُزل، الذين خرجوا في مظاهرات سلمية، فواجههم الجيش السوري الذي لم يستعرض قوته أمام المحتل الإسرائيلي للجولان منذ سنين طويلة، ولم يطلق رصاصة واحدة ضد الصهاينة، لكننا نجده اليوم يستأسد على الشعب الأعزل ويستعمل كل أنواع الأسلحة ضده! والأدهى من كل ذلك أن يتصدى بعض المثقفين العرب في الإعلام العربي للدفاع عن النظام وتبرير تصفيته للأطفال وتشريده للأسر.

هنا نطرح تساؤلاً حيوياً ومحيراً: لماذا يقف بعض مثقفي العرب وكتابهم وأكاديميوهم مع الأنظمة الاستبدادية ضد شعوبهم؟

الإجابة تكمن في حقيقة أن الموروث الثقافي العربي به آفات ونزعة استبدادية، ويقول الدكتور حسن حنفي: "إن الحاضر ما هو إلا تراكم للماضي وإن ما يحدث في واقعنا اليوم من خلال سلوكنا اليومي، إن هو إلا تراكم تاريخي لماض عشناه، بل لا نعيش حاضرنا إلا بقدر تدخل ماضينا فيه. وبالتالي فإن أزمة الحرية والديمقراطية في وجداننا المعاصر ليست بنت اليوم، بل هي امتداد لوضع حضاري واستمرار له منذ ما يقارب ألف عام".

الانتقال الديمقراطي يتطلب ثقافة سياسية جديدة، حيث تحل الثقافة ذات النزعة النسبية محل النزعة الشمولية الاستبدادية، كما تتطلب الثقافة الديمقراطية تبني سياسة التوافق التاريخي والتعاقد والتنازل المتبادل محل قواعد التسلط والاحتكار والإلغاء والمشاركة الطبيعية للجميع... كما عبر عن ذلك الدكتور علي الدين هلال بقوله، إنه لا أمل لنا في حل هذه الأزمة في وجداننا إلا إذا حدث انقلاب ثقافي في حياتنا العقلية نتخلص بمقتضاه من التصور السلطوي للعالم، وأن نأخذ الليبرالية في الحياة والفكر

==================

الثورة مستمرّة...

دمشق - غازي دحمان

المستقبل - الاحد 19 حزيران 2011

العدد 4031 - نوافذ - صفحة 11

بعد أكثر من تسعين يوم على انطلاقتها، بات من الممكن القول إن الثورة السورية تجاوزت المرحلة الأصعب في مسارها، وأن الخطر الذي يهددها بات وراءها، وبدأت مرحلة جديدة إستحقت من خلالها الإنتقال من خانة وصفها بحركة إحتجاجية محدودة إلى حالة ثورية سلمية شاملة.

وليس المقصود من وراء هذا القول منح الثورة شحنات تفاؤلية، ولا هو يصدر عن ذات عاطفية، بقدر ما هو توصيف عاكس لواقع بات ملموساً على الأرض السورية، وله من الحيثيّات والشواهد ما يدعمه ويعززه.

كانت الثورة السورية قد واجهت منذ اللحظات الأولى لإنطلاقة شرارتها شكوكاً كبيرة حول مدى قدرتها على صياغة أهدافها والسير بها إلى نهاياتها الثورية الوطنية، كما واجهت أزمات بنيوية خطيرة تتعلق ببنيانها التكويني، ومدى تمثيلها لمكونات المجتمع السوري، هذا فضلاً عن تكوينها البنائي كحركة شعبية منظمة.

ولا شك ان عوامل الوقت والصمود لعبت دوراً مهماً في هذا الإطار، فقد إستطاعت حركة الثورة الإنتقال من كونها حركة إحتجاجية محلية وبمطالب ذات سقف محدود تمثل في بداية الأمر بإحداث إصلاحات معينة في مجالات ذات طابع محلي، إلى حراك وطني واسع يطالب بالتغيير الشامل إنطلاقاً من تغيير الصيغ التي تحكم المجال السياسي وتحدد العلاقة بين السلطة والمجتمع على أساس حزب يقود الدولة والمجتمع، تدعمه آلة أمنية كبيرة تتصدر هذه الواجهة وتصادر حق المجتمع بالمشاركة في صنع واقعه وتقرير مصيره وشكل مستقبله.

وكان للصمود الإسطوري الذي أبداه شباب الثورة وشعبها دور كبير في إيصال ثورتهم إلى مرحلة الأمان، بعد أن إستخدم النظام، وبشكل مكثف ومبالغ فيه، كل أسلحته في مواجهتها في محاولة دؤوبة ومحمومة لإطفاء جذوتها، سواء عبر ألة القمع الجبارة، أو من خلال محاولات تشويهها أخلاقياً والتشكيك بها عبر وسمها بالطائفية والإجرامية والسلفية.

وتتمثل مرحلة الأمان التي وصلت إليها الثورة من خلال قدرتها على إقناع النخبة السياسية والمثقفة، بالدرجة الأولى، بالإلتحاق بفعاليات الثورة ودعمها، والإستعداد لدفع ألأثمان المترتبة كإستحقاقات لا بد منها، ما يعني أن الثورة لم تعد تشكل في مدرك هذه النخب مجرد مغامرة خطرة، بل باتت حلماً آخذاً في التجسد على أرض الواقع. كما إنها تحولت إلى معطى مهم في المجال السياسي السوري، ستجعل الواقع السوري، أي تكن النتائج، واقعاً مختلفاً عما كان قبل الخامس عشر من آذار تاريخ إنطلاق الثورة.

وبالطبع، حين يجري الحديث عن النخب السياسية والثقافية السورية فإن الأمانة تتطلب التأكيد على أن هذه النخب ذات طابع ثوري مارسته سلوكاً وقولاً ولا يمكن المزاودة عليها.

يضاف إلى مؤشرات مرحلة أمان الثورة السورية، إتساعها وإنتشارها الواضح أفقياً وعامودياً، فقد إستطاعت كسب تعاطف جماهير واسعة في مختلف أنحاء البلاد. ويدلل على ذلك إتساع مد المظاهرات على كامل رقعة الجغرافيا السورية، وإنزياح مكونات جديدة إلى الثورة، كانت إكتفت في فترة معينة بمراقبة تطورات وقائع الثورة على الأرض. وتشير المعطيات المتعلقة بهذه الجزئية من حيثيات الثورة إلى ان أعداداً كبيرة من المواطنين أخذت ترفد الثورة بعد إنكسار حاجز التخويف من جهة، وقناعتها بأن الثورة هي المعطى الأكثر حقيقة وواقعية في مستقبل الأيام السورية القادمة.

ويشكل هذا المعطى أهم تحولات الثورة السورية، إذ لطالما راهن النظام في سورية على قدرته الجبارة على إخافة الشريحة الكبرى من المجتمع السوري ومنعها تالياً من الإنخراط في فعاليات الثورة، الأمر الذي يدفعها، بعد حين، إلى الإضمحلال والتلاشي.

وتكمن أهمية مؤشر إنخراط مكونات وفئات جديدة في فعاليات الثورة، في إمكانية إعطاء الثورة هوامش حراك ومناورة ضرورية وحيوية، تخرجها من وصف "ثورة الريف"، او "ثورة المساجد"، أو "ثورة الاحزمة العشوائية"، وهو الأمر الذي بقدر ما يعطيها القدرة على الإستمرار والتواصل، يمنحها أيضا القدرة على تحقيق التمثيل لأكبر فئات المجتمع ومكوناته، فهذه الإضافات الجديدة للثورة يمكن تشبيهها بالنطاقات التي تحمي القلب الثائر وتغذيه.

ولعل المؤشر الأهم في تجاوز الثورة للمرحلة الأصعب يتمثل في القدرة على بناء جسم الثورة وتشكيل قيادات (اللجان التنسيقية)، وهي القيادة التي أصبحت تنسق فعاليات الثورة، كما بدأت بوضع برنامج عمل متكامل، وقد ظهر ذلك بوضوح من خلال دعواتها للتظاهر في أيام الإسبوع الكاملة، فضلاً عن أيام الجمع، ما يعني تحول الثورة إلى فعل دائم ( ديمومة الثورة) وهو شرط ضروري للثورات، كما أنه يبعد خطر حصول قطوعات فيها تؤدي إلى زوالها، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الثورة السورية تعد من التجارب النادرة في مجال الثورات، حيث إستطاع الحراك أن يفرز قادته من بين صفوفه ومن قواعده العاملة على الأرض، وليسوا أولئك القابعون في المكاتب، ولا محترفو التنظيرات. فالثورة السورية لا آباء روحيين لها، إنها إبنة الشارع الثائر على الطغيان والتهميش والحرمان، والطامح للعدالة والكرامة.

وتأتي أهمية هذه الواقعة، من حقيقة توحد جسم الثورة، الأمر الذي يمنحه الصلابة الكافية من أجل الإستمرار ويجعل من إمكانية إختراق الثورة أمراً مستحيلاً، كما يؤكد وحدة الرؤى والأهداف ويجنب الثورة الوقوع في التناقض القاتل.

ومن المؤشرات الهامة على نضوج الثورة وصيروتها واقعاً محاثاً ومعطى في الواقع السوري، دعوة النظام للحوار، صحيح أن النوايا من وراء هذه الدعوة غير واضحة ، لكن الأكيد أن النظام لايحاور عصابات إجرامية ولامندسين، بل من المفترض أنه سيحاور قوى سياسية فاعلة وناشطة ومؤثرة، وأكثر من ذلك قوى لها وزن على الأرض. ورغم ان المؤشرات في هذا المجال تتجه إلى حقيقة رغبة النظام في تمييع قضية الحوار (في حال حصولها) عبر إقامة الحوار مع وجاهات وزعامات محلية بهدف إفراغ المضامين السياسية للثورة وتحويلها إلى مجرد مطالب محلية، إلا إن دعوة الحوار بحد ذاتها تمثل إعترافاً من السلطة بواقعة الثورة،كما تشرعن، بذات القدر، فعالياتها ومطاليبها.

الثورة السورية تجاوزت مرحلة الخطر. بل أن هذه المرحلة أصبحت وراءها منذ زمن. فقد حققت الإنتشار، وصنعت الديمومة، وأفرزت قياداتها، وباتت تملك الهوامش الضرورية للمناورة والمساومة وتحقيق الإنجازات. هذا لاينفي بالتأكيد أن قدرات النظام في القمع لازالت كبيرة، كما ان إستراتيجياته القائمة على إغراق الثورة بالأزمات ومحاولات إجهاضها ستبقى قائمة، إلا أن الأكيد أيضاً أن الثورة التي صنعت نفسها وسط مناخات القمع والخوف ونجت من كافة الفخاخ التي نصبت لها، غيرت الواقع السوري، وهي في طريقها إلى إنجاز اهدافها في الحرية والكرامة.

==================

آه يا حمزة!

واشنطن - جهاد صالح

المستقبل - الاحد 19 حزيران 2011

العدد 4031 - نوافذ - صفحة 11

آه يا حمزة يا وجع البلاد الغارقة بين الحياة والموت.. آه يا طفل قلبي... كيف تغدو الحرية من بعدك..كل النهارات تشيخ في لحظة وتغدو طفلاً إسمه حمزة...

هلمّ يا حمزة نكتب في مدرستنا حكاياتنا.. نرسم وجه البلاد في الصباح، وننشد موطني، سنحمل الطبشورة بين أصابعنا، سنعيد كتابة ما خطّته أنامل أطفال درعا في نهار سقط من السماء، سنكتب "الشعب يريد اسقاط النظام"، سنكتب حرية، نعم منْ يقتل أطفال المدينة ، ومن ُيشرّد العصافير ويحرق أعشاشها هو ليس منّا.. يقول حمزة وفي عينيه دهشة الحياة "لماذا قتلوا أهل قريتي؟ أنا سأخرج غدا وسأصرخ يا حرية.. أيها العسكر أنا لست خائفا، أنا قوي وصلب مثل هذه الأحجار البركانية المتناثرة.. سأكون حُرّا كالرّيح.. كشعاع الشمس الذي يدخل كل بيت...".حمزة أين أنت يا طفل الثورة.. يا وجع الحرية وبكاءها في ليالينا التي كُسرت تحت نعال العسكر والشّبيحة الجبناء الذين يخافون من غناء الأطفال. حمزة لا تتسلق سلالم السماء، عُد هنا، عُد ! نحن في زمن الأجنحة التي تظل مفتوحة ، سنظل نطير ، كالفراشات التي تبحث عن الربيع، عن الزهور.

ها هو حمزة مع العصافير، مع أسراب النوارس فوق بانياس والساحل، أين تطير يا حمزة ، لقد حلّ الربيع يا صغيري، أحملْ سلّتك، إنه أوان الورد وقطف ربيع الحياة.. ستكون حُراً يا طفلي، لا ترحل، عُد؟

آه من وجع النايات حين تبحث عن لحن تاه في عيون الطريق، والجيزة تنتظر حمزة، لقد خرج ليفك الحصار عن غزة، ليفكّ الحصار عن الجيزة، عن درعا، عن حوران.. حصار أولاد الضيعة الواحدة، والتربة الأولى والأخيرة، لقد حاصرونا بالبنادق والأسلاك وسكاكين تخجل من ذاكرتها وهي تقطّع جسد الوطن...

عاد حمزة ...... جسداً يحمل في ذاكرته حقد المحتلين لصباحات دمشق، جلده أزرق كالبحر الحزين، في جنبيه طلقتان اخترقتا جسده الطري، وفي صدره صرخة طاغية إخترقت قلبه كالهشيم، كسروا عنقه، وكأنهم يريدون كسر الحياة واكسيرها.... كم الصمت في حضور الموت وجلاله مُثقل حتى النخاع، حتى حشرجة العظام، وجنون العقل والقلب لأجلك يا حمزة......

آه يا حمزة، ستغدو السنابل يتيمة في هذا الموسم المليء بالخير والأمل، ستغدو اشجار الزيتون منكسرة، منحية الظهر دونك، كيف تكون شوارع قريتك وهي تشتاق لشقاوتك التي كانت تبعث الروح والنشوة في جدران طينية ما زالت تبتسم لأطيافك الملونة، ستفقد شوارع درعا الاسفلتية تنهيداتها ،حين كنت تركض حافي القدمين وراء حلمك، حلمك أن تكون لك مدرسة وليس معتقلا، حلمك بلعبة وكسرة خبز طرية، حلمك بمرج أخضر، ووطن تغني فيه دون غيوم داكنة، ودون رجال ملثمون بالشّر، بعيونهم التي تكره ضوء الشمس ويعشقون الظلام..

حمزة هو حكاية البلاد التي كسرت الأصفاد ومزّقت السلاسل الحديدية، وخرجت من ركام الموت، تبحث عن منبع الانسان والبشرية، هو طفل رسم على جدار مدرسته حلم أطفال سوريا في الحرية وسماءات كبيرة، ملونة بكل ألوان الربيع.

حمزة بياض ياسمين الشام وصباحاتها التي ما زالت تتنفس من نوافذ تسرق نور الشمس عبر زجاج النوافذ وشقوق الجدران، وتكسر جليد الخوف لتتحول دمشق لحمامة اندلسية .

حمزة أبجدية حمص التي نقشت نفسها على فوهات البنادق والدبابات التي كتبت نارها على مدن تنتفض لجذورها التي ُطمرت منذ أزمان عمياء، وأمكنة فقدت خرائطها، حين دجّن الطغاة كل الحياة تحت سوطهم وأصواتهم الرمادية .

حمزة طفل كردي، صلبوه على كرمة شاخت من الظلم، جرّدوه من هويته الكردية، من تربته السورية، سلخوا عنه أسمه وتاريخ ميلاده، جعلوه صفرا، عَدما، حمزة أنت كل أطفال كاوا، حجل جبال جودي، صوت حقول القمح القادم من الشمال .

حمزة تعال نصنع طيّارة ونفرح بالربيع، بالصباح الجديد، بأطفال الحارة وهم يمدّون بعيونهم نحو طيارتك التي فقدت عيونها ومطاراتها، لقد حجبوا عنك الشمس والسماء والحلم، ورحلت يا نبض الحرية باكرا باكرا.....

ستغدو وكل البلاد تسافر إليك، وحلم الأطفال سيشبه لون عينيك، وسنزرع على صهوة الأسفلت والشوارع الثائرة لهفتك للحرية والغناء، سنظل نصرخ ونلمس نور الشمس، سنخرج قبل الفجر، قبل النهايات الحزينة، سنكون أبناء الجن والنار والنور والماء والروح والملح والسكر، وسنفرش ظلالك أفقاً يعانق عيوننا التي ستنتظر حماماتك وطياراتك الورقية، وسنطلق إسمك على كل مدارسنا وحاراتنا وحدائق الورد.

كنت يا حمزة شهيد الحرية، شهيد الوجدان وكبرياء الأوطان التي لا تشيخ أبدا، لقد أخذتك الشمس في ضوئها، في ذلك الربيع الذي يفرش نهاراتنا الغاضبة، غدوت طفل الحرية، فهنيئاً لك بالحرية، وهنيئاً بالحرية بك طفلها الأبدي.

==================

 الخارج من دمشق يعصى عليه لبنان!

علي حماده

النهار

19-6-2011

كانت "جمعة الشيخ صالح العلي" يوما مشهودا من ايام الثورة السورية في وجه النظام. فالقتل استمر لكن الانتفاضة توسعت وتمددت في الجغرافيا والأعداد الى درجة باتت سوريا بلدا يعجز النظام فيها عن حكمها. فالشعب في مكان والنظام في مكان آخر، ومن جمعة الى جمعة تكبر كرة الثلج التي لا يوقفها القتل ولا يحد منها نشر الجيوش بين المدنيين واقتحام المدن والقرى، ولا يضعف من عزيمة الثوار ان تحرق محاصيلهم، ولا ان تدمر منازلهم، ولا حتى ان يدفع آلاف من أهل سوريا الى طلب السلامة في تركيا المجاورة.

لقد خسر الرئيس السوري بشار الاسد كل رصيده. بدده بممارسة سياسة القمع والقتل في حق الابرياء في سوريا، واليوم ما عاد للنظام من صديق أو حليف في العالم. فالمجتمع الدولي موصدة ابوابه تماما، وروسيا والصين وضعتا سوريا على طاولة البازار مع الغرب قبل ان يتحوّل موقفهما. فمع مرور الوقت ومع تبين استحالة كسر شوكة الثورة في سوريا سيتحول الموقفان الروسي والصيني مدفوعين بالواقع على الارض، وبحزمات من المصالح المتبادلة مع الغرب ليصدر القرار تلو القرار في حق نظام يقتل شعبه من دون أن يرف له جفن. اما ايران فنافذة مقفلة منذ وقت بعيد على العالم الخارجي.

أكثر من ذلك، يكتشف الرئيس بشار الاسد أن العالم العربي مقفل هو الآخر وإن لم تصدر اعلانات رسمية. وفيما الاقتصاد السوري سائر الى الانهيار بخطى ثابتة لن يكون الخليجيون على موعد مع متطلبات النظام للبقاء اقتصادياً ومالياً. أما الجار التركي فقد انتقل الى الضفة التي منها يجهز نفسه للانطلاق الى دور أكثر قوة وفاعلية عندما تصل الامور بسرعة الى نقطة الخطر الكبير. ولذلك فإن الرئيس السوري يتوهّم أنه قادر على ربح السباق مع الوقت واحكام السيطرة على البلاد قبل أن يتدخل الخارج أكثر ليكون أي إصلاح مشروطاً ببقاء النظام وتجميله بجرعة اصلاحية شكلية كتلك التي أقرت حتى الآن من دون ان تغير في طبيعة التركيبة الحاكمة.

ومن أوهام الرئيس السوري وصحبه أن السيطرة على لبنان بواسطة "حكومة المطلوبين" برئاسة نجيب ميقاتي يمكن أن تمثل احدى الرافعات للنظام في معركة البقاء. ولكن الاسد الابن لا يعرف ان المطروح على الطاولة اليوم ليس الوصاية على لبنان بل مصير النظام برمته وبجدية متناهية. فنظرية أحد"عباقرة" النظام في سوريا التي اطلقت مع صدور القرار 1559، ومفادها ان "الخروج من بيروت معناه الخروج من دمشق"، لا يمكن تطبيقها معكوسة لأن العودة الى لبنان بواسطة حكومة ميقاتي ليست ذات جدوى، ولن تنقذ النظام من مصير محتوم حتى بلعب ورقة الامن في لبنان. لقد كانت قوة النظام الاساسية تكمن في قدرته على الامساك بالداخل والانطلاق منه لفرض وصايات في الخارج يعزز بها قوته داخليا وليس العكس. وفي مطلق الاحوال، ما من أحد في لبنان يملك القدرة على تعويم نظام غارق، فالاطراف المشاركون في الحكومة هم اصلا في حاجة الى من يبقي رؤوسهم فوق سطح الماء.

==================

لعنة شهداء الشام ستلاحق المتخاذلين!

حلمي الاسمر

الدستور

19-6-2011

شجع العرب كثيرا للانتصار للشعب الليبي، وتخاذلوا عن نصرة أهل الشام، فما السبب؟ ولماذا نهضت الجامعة العربية بهمة عالية، وأدارت ظهرها لأهل سوريا، واصمت أذنيها عن سماع هدير الشعب السوري، وأنين ضحاياه.

في شباط الماضي، قرر مجلس الجامعة العربية في ختام اجتماع عقده على مستوى المندوبين الدائمين في القاهرة تعليق مشاركة ليبيا في اجتماعات الجامعة وجميع مؤسساتها، والسبب الاحتجاج على استخدام العنف ضد المتظاهرين الليبيين، ومن بعد، أوصى وزراء الخارجية العرب بدراسة تعليق عضويتها في الجامعة العربية، وفي معرض تفسير حيثيات القرار، قال مجلس الجامعة إنه قرر وقف مشاركة وفود حكومة الجماهيرية العربية الليبية في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية وجميع المنظمات والأجهزة التابعة إلى حين إقدام السلطات الليبية على الاستجابة لمطالب المجلس بوقف العنف بما يضمن تحقيق أمن الشعب الليبي واستقراره.

وأوصى مجلس الجامعة بحسب البيان، وزراء الخارجية العرب بأن يبحثوا تجميد عضوية ليبيا في الجامعة والنظر في مدى التزام الجماهيرية الليبية بأحكام ميثاق الجامعة العربية طبقا للمواد المتعلقة بالعضوية والتزاماتها، كما ندد البيان بالجرائم المرتكبة ضد التظاهرات والاحتجاجات الشعبية السلمية الجارية في عديد المدن الليبية والعاصمة طرابلس والتعبير عن استنكاره الشديد لأعمال العنف ضد المدنيين والتي لا يمكن قبولها أو تبريرها وبصفة خاصة تجنيد مرتزقة أجانب واستخدام الرصاص الحي والأسلحة الثقيلة وغيرها في مواجهة المتظاهرين والتي تشكل انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، كما دعا مجلس الجامعة العربية إلى الوقف الفوري لأعمال العنف بكافة أشكاله والاحتكام إلي الحوار الوطني والاستجابة إلى المطالب المشروعة للشعب الليبي واحترام حقه في حرية التظاهر والتعبير عن الرأي وبما يضمن سلامة وأمن المواطنين الليبيين، وطالب أيضا برفع الحظر المفروض على وسائل الإعلام وكذلك فتح وسائل الاتصالات وشبكات الهاتف، وتأمين وصول المساعدات والإغاثة الطبية العاجلة للجرحى والمصابين!

كان هذا هو موقف الجامعة العربية من النظام الليبي، فما الذي اختلف في موقف الجامعة من النظام السوري، وقد فعل بشعبه ما فعلت سلطة طرابلس، حتى ما يتعلق بالمرتزقة، ثمة اخبار تتحدث عن «خبراء» قمع إيرانيين وشبيحة من حزب الله؟

لقد ترتب على فشل الجامعة العربية باتخاذ قرار بشأن سوريا، فشل الجهود الدولية لإدانة سوريا في مجلس الأمن، مع أن جرائم النظامين لهما نفس الوجه الكالح، لكن المصالح هنا لعبت دورها، وضاع في الأثناء حق الشعب العربي السوري في أن ينتصر له الرسميون العرب، ولم يعلموا أن إرادة الشعب أقوى من إرادة مجلس الأمن، وكل الدول العربية والأجنبية التي وقفت في طريق الشعب الليبي في بداية ثورته، بخاصة الصين وروسيا، اللتين مارستا نفس الدور بشأن سوريا، لكنهما اضطرتا للخضوع بشأن نصرة شعب ليبيا، وسيتكرر الموقف تجاه سوريا، لأن الأيام تثبت أن جذوة الثورة تتقد هناك، ولا تخبو مع مرور الأيام، وسيضطر المجتمع الدولي وجامعة الدول العربية إلى النزول عند رأي الضحايا وسيستمعون مكرهين إلى أنات الثكالى، وسيفشل من يحاول دعم الأنظمة الفاسدة بالمال والرشوة، وتشكيل اللوبيات المجرمة، ولكن ثمن الحرية سيصبح أغلى لأنه سيحصد المزيد من الأرواح البريئة، أما أولئك الذين يصمون آذانهم عن سماع هدير الشعب مطالبا بإسقاط النظام، فستلاحقهم لعنة الله والشهداء إلى يوم الدين!.

==================

أعداء سوريا يقفون معها الآن

الأحد، 19 حزيران 2011

جمال الشواهين

السبيل

التدخل الأجنبي في مشهد ربيع الثورات والتحولات العربية هو الأكثر سوءاً وخطراً على الإطلاق، ذلك أن فيه تعدياً سافراً على كرامة الشعوب العربية وحقهم في تقرير مصيرهم، إضافة لاستهدافه إبقاء حالة التبعية مستمرة أياً كان الجديد أو فيما إذا بقي القديم على قدمه..

لقد هز انموذج التونسي أركان أجهزة الإدارات العربية الأمنية والسياسية، لأنها لم تتوقع تغييراً من أي نوع على ملفات ليلى والذئب.. غير أن النموذج المصري جعلها عاجزة، مرعوبة، ليس لأنها لم تتوقع ثورة مصرية فقط، وإنما للسرعة التي حقق فيها الشعب النصر على النظام، ومن جهة أخرى ما كان لديها من دراسات وقراءات على الشعب المصري وتبين أنها كلها مغلوطة.

بعد مصر وتونس تنبهت الأجهزة العربية، وأدركت أن تتابع الأمر في دول أخرى سيفقدها نفوذها وحضورها، وأنه بعد ذلك لن تكون قادرة على فرض سياساتها، وأن التلويح بالمساعدات قد لا يجدي أمام سيادة الحرية والديمقراطية.. وجلي الأمر الآن أن الإدارة الأمريكية تلعب من بعيد مع كل من تونس والقاهرة، وأنه ليس مرحباً بالوزيرة هيلاري كلنتون فيهما..

تنبه الإدارات الغربية لما بعد مفاجأة مصر وتونس دفعها للتعامل الفوري مع الربيع الليبي، وقد حرضته بوسائلها من ربيع سلمي إلى مسلح، ثم إلى فرض تدخل مباشر فيه، وهي الآن شريكة بالكامل.. والأخطر أن حضورها بالمشهد الليبي إنما هو من حساب الشعب الليبي، إن كان دماً نازفاً، أو تكاليف مالية، ويكفي العلم أن واشنطن أعلنت أن كلفة تدخلها حتى يوم أمس بلغت 716 مليار دولار فقط، ستستردها لاحقاً من خزينة الشعب الليبي..

وبالتزامن جاء الربيع اليمني، وإن كان بخصوصيته المختلفة عن ربيع ليبيا.. وهو الآن أشد حرارة بعد أن تعدى الربيع إلى صيف قاس جراء انحراف النظام إلى المواجهة وتمكنه من إبقاء التدخل الغربي المباشر بحدود قصف ما يقال إنه قواعد للقاعدة في أرض اليمن.. والفرصة الممنوحة للنظام اليمني مكنته حتى الآن من إبقاء دائرة الصراع مفتوحة، وذلك دون تأثير مستقبلي محتمل على المصالح الغربية، التي ستظل بالمشهد اليمني أياً كان حجم التغيير..

في المغرب مبادرات تطلق تباعاً من أركان النظام الملكي، وذلك استباقاً لفرض ربيع عليه، ونجده يرسم ربيعه باصلاحات دستورية قد تكون نافعة على طريق إصلاحي بدون دماء.

تبقى سوريا، وربيعها دون غيره بدأ قاسياً وعنيفاً.. وما زال الحال نفسه بعد مضي قرابة ثلاثة أشهر عليه..

الإدارات الغربية لن تترك سوريا بحالها، وهي تستهدف النظام والشعب على حد سواء.

فإذا ما حقق الشعب طموحاته وحده فإنه لن يكون إلا قومياً وممانعاً بقدر يفوق المعروف، وإذا ما انكفأ الأمر لبقاء الحال للنظام على ما هو عليه فإنها أمام تصلب لتحالف إيران وسوريا والمقاومة، وعليه فإنها تعمل ببطء لفرض إرادتها علي الشعب والنظام معاً.. فمن جهة تمارس ضغوطاً سهلة تحت يافطة العقوبات، ومن الأخرى تبيع الموقف للحراك الشعبي كلما تقدم خطوة أو اتسعت دائرته.. وهي في كل الأحوال تنتظر اللحظة المناسبة للتدخل المباشر.

أعداء سوريا ينتظرون هذه اللحظة على أحر من الجمر، وهم يدعون الآن وقوفهم إلى جانب النظام بعد أن كانوا في مواجهته، وذلك من أجل توريطه، أما الذين يدافعون عن سوريا المقاومة والمواجهة مع العدو الصهيوني فإنهم الذين يقولون إن الأوان قد آن لتحقيق أماني الشعب، والتفاهم على نقاط الوسط في هذه المرحلة، والانتقال بعدها إلى ما هو أبعد ويخدم صفحة جديدة ناصعة في التاريخ السوري.

==================

دول مجلس التعاون والثورة السورية

عيسى الشعيبي

18/06/2011

الغد الاردنية

هناك اليوم علامات ملامة بادية ومشاعر غصة حارقة تطغى على ألسنة متحدثين باسم الثورة السورية، أو نيابة عنها، إزاء امتداد حالة الصمت وشيوع مظاهر العزوف والتخلي، التي قابل بها العرب، شعوباً وأنظمة، سفك الدم الذي عم معظم المدن والأرياف وطال مدنيين عزل، على أيدي أجهزة قمع تزداد تفلتاً ووحشية، من دون أن يبدي العالم العربي موقفاً كالذي أبداه ضد نظام القذافي، أو أن تجري مظاهرة يعتد بها تضامناً مع الشعب الشقيق.

والحق، أن خيبة أمل السوريين الأحرار لها ما يبررها، لا سيما بعد مرور نحو ثلاثة أشهر وأكثر، تفاقمت خلالها مشاهد القتل والترويع، وتوالت في غضونها مواقف دولية وإقليمية منددة بجرائم ترقى إلى حد جرائم ضد الإنسانية، من غير أن يحرك العرب ساكناً، أو أن يبادروا إلى موقف احتجاجي رافض لاستباحة دماء السوريين على مرأى عدسات الهواتف النقالة، اللهم باستثناء القنوات الإخبارية وأقلام عدد وافر من الكتاب والمثقفين العرب.

وبالتدقيق في هذه الحالة العربية الباعثة حقاً لمشاعر الخذلان لدى السوريين، نجد أن الملامة على النظام العربي الرسمي ليست في محلها، بعد أن فقد هذا النظام القديم صلاحيته، ودالت العديد من دوله فور أن هبت عليها نسائم الربيع الديمقراطي الجديد، وباتت مختلف العواصم تحسب أن الدور عليها قبل أن يغشى غيرها، وأن كل ما تبقى من زيت في فتيل سراجها النائس هي أولى به من سراج الجامع.

غير أنه بإمعان النظر أكثر فأكثر في المشهد الرسمي العربي الانتقالي الراهن، نجد أنه لم يتبق من حطام هيكل النظام العربي غير مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي، القادرة وحدها من دون غيرها على المبادرة واتخاذ المواقف الهجومية، والتأثير في محيطها الواسع، تماماً على نحو ما بادرت إليه إزاء التطورات البحرينية واليمنية والليبية تباعاً، حيث بدت ثلاث دول من الدول الست على الأقل، (السعودية، قطر والإمارات) أقرب إلى النمور المتحفزة منها إلى سفينة الصحراء المجترة.

إذ في ظل انهماك مصر بنفسها إلى أمد قد يطول، وانشغال دول المشرق، شأنها في ذلك شأن دول المغرب العربي، في همومها الداخلية ومصاعبها الذاتية الكثيرة، لم يعد هناك من يمكن التعويل عليه، ومن ثم معاتبته بشيء من المرارة، سوى دول مجلس التعاون هذه المؤهلة وحدها، بين سائر الدول العربية الأخرى، للقيام بدور إيجابي خلاق في كبح جماح كل هذا الاستئساد على شعب شقيق، ولو كان ذلك في حدود المساعدة على بناء موقف دبلوماسي دولي ضاغط.

وقد تكون الفرصة مواتية لدول هذا المجلس الذي نقش على رايته المرفرفة شعار صد النفوذ الإيراني عن الخليج وبقية العالم العربي، لاتخاذ موقف مندد بالمجزرة المتنقلة في الديار السورية، على أيدي نظام بوليسي بات معزولاً ومهمشاً، ولا يلقى مساندة سوى من جانب طهران، ومن ثم انتهاج سياسة من شأنها تعويض العرب عن تهالك نظامهم الرسمي الشائخ، وبالتالي تأكيد زعامة النمور الصغيرة هذه، وتميزها عن قطيع الزرافات العربية الهائمة في براريها الشاسعة.

ومع الإدراك المسبق لمدى حرج دول مجلس التعاون من الاصطدام بدولة ترفع شعار المقاومة والممانعة، والتفهم سلفاً لحساسية هذه الدول الصغيرة وتعقد حساباتها الخاصة إزاء مسألة التدخل في الشؤون الداخلية للغير، فإن ذلك ينبغي له ألا يحول دون هذه المجموعة العربية المتماسكة والقيام بمسؤولية تاريخية لا يستطيع النهوض بها عرب آخرون تمنعهم اعتبارات الجوار الجغرافي، أو غير ذلك من التحسبات الأمنية الظرفية، عن أداء هذه المهمة القومية العاجلة.

وإذا كان صحيحاً أن منظومة مجلس التعاون لا تضم دولاً ديمقراطية وبرلمانية، وليست مغرمة بالثورات الشعبية، وتميل بحكم بنيتها التقليدية إلى المجاملة وغض البصر، إلا أنها ليست دولا قمعية يتولى شؤونها قادة عسكريون انقلابيون، الأمر الذي يجعل منها في الواقع العربي المثقل بالشعارات المضللة والقادة الملهمين والسجون، جنة سياسية عربية باذخة، ذات نفوذ وقدرة على ممارسة الضغط اللازم لبلورة موقف دولي كابح لآلة القتل السورية.

==================

تجار النظام ونظام التجار

عبدالرحمن الراشد

الشرق الاوسط

19-6-2011

إلى قبل أسابيع لم يكن رامي مخلوف شخصية معروفة إعلاميا خارج بلده، فشخصيات سوريا المعروفة سياسية أو عسكرية أو ثقافية. مخلوف أحد رجال الأعمال الجدد، ومن أقارب الرئيس، وصار اسما تلوكه الألسن عند انتقاد النظام. وفاجأنا عندما عقد مؤتمرا صحافيا مرتبكا أذاع فيه تبرعه بأمواله للعمل الخيري. لكنه لم يفصح كم هي أمواله، ولم يوضح بكم تبرع، ثم ناقض نفسه حيث افتتح كلمته معلنا أنه تبرع بها، ثم قال إنه سيطرحها للاكتتاب، وزاد الأمر غموضا عندما أضاف أنه سيوزع فقط أرباح شركاته السنوية على الفقراء. وعلى الرغم من هذا الغموض، فإنه بات من الواضح أن القيادة السورية المحاصرة قررت التخلص من مخلوف بعد أن صار رمز الفساد. وبقي عليها أن تتخلص من رمز القمع، ماهر الأسد.

ومخلوف جزء من ظاهرة طرأت حديثا، أنظمة الحكم صارت تتجه للتجارة بعد أن كانت تتحالف مع التجار. ومع أن المال والعسكر ركنان في قوة أي نظام، فإن أيا منهما لا يضفي الشرعية بذاته ولا يضمن ديمومة الحكم. وخطأ تجار الأنظمة الحديثة أنهم قرأوا خطأ معادلة قوة المال، حيث تحول الوضع من وجود تجار للنظام، إلى نظام تجار. فسوريا عرفت بأهمية بيوتها التجارية، وكان من عوامل استقرار نظام حافظ الأسد تحالفه الوثيق مع تجار دمشق. وبعد رحيل الأب وتولي بشار الحكم، صار النظام نفسه يمارس العمل التجاري، وأصبح في داخله رجال أعمال مثل رامي مخلوف. ويشابهه الوضع في مصر مبارك، مع بروز جمال مبارك، الابن الذي أيضا خلط بين المال والسياسة. فقد اكتظ القصر والحزب الحاكم بعدد من رجال الأعمال الذين دخلوا السياسة، ورجال الدولة الذين صاروا رجال أعمال. وتبوأ تاجر الحديد أحمد عز أهم منصب في الحزب الوطني الحاكم. وفي تونس صارت عائلة زوجة الرئيس (الطرابلسي) فجأة عائلة تجار تملك معظم شركات البلد. وهو ما حدث في ليبيا بدخول أبناء القذافي على خط التجارة. وبعد أن صار هناك أثرياء يتمنون أن يصبحوا حكاما، صار الحكام يريدون أن يصبحوا أثرياء.

صارت الأضحوكة في العالم أنه إذا أردت أن تكون بليونيرا لا تحتاج أن تكون مثابرا مبدعا مثل بيل غيتس، تمضي كل عمرك تكد في السوق، يكفي أن تستولي على الحكم في العالم العربي، وفي غمضة عين تصبح ثريا. وبسبب الانهيارات والاضطرابات هناك أخبار حول أثرياء الحكم في الأنظمة المضطربة، مثل اليمن وسوريا وتونس، يقومون بغسل أموال ضخمة، يتنازلون فيها عن نحو نصف ثرواتهم لمن يساعدهم على إخراجها وتبييضها. وكان بإمكانهم في الماضي إنفاقها في الداخل وإطالة عمر النظام.

حتى في إيران حيث يوجد صراع مستحكم بين أطراف النظام قرر الحرس الثوري تهميش قوى البازار (التجار التقليديين) وصار يملك أكثر من ثلاثين في المائة من شركات السوق، من نفطية وخدمية وزراعية وصناعية.

وثقوا أنه عندما يختلط الحكم بالتجارة تبلغ السطوة أقصاها، ويصبح الاصطدام بالناس محتما. وهذا من أسباب الحملة في إيطاليا ضد رئيس الوزراء برلسكوني. الفارق أن الناس في إيطاليا تستطيع إسقاطه عندما لا تكون راضية عليه، إنما في الدول الشمولية المعادلة مختلفة، فالذي يتاجر بالخبز يمسك بالسلاح أيض

==================

الحصار أحوالاً ... وأهوالاً

الأحد, 19 يونيو 2011

روزا ياسين حسن *

الحياة

الحصار، كلمة اختبرت معناها مدن وقرى سورية في الشهور الثلاثة المنصرمة، سواء كان ذلك في درعا أو بانياس أم في حمص وقراها، أو في حماة وبعض ضواحي أو قرى دمشق، أو كما مؤخراً في محافظة إدلب، ويبدو أن القائمة ستطول بعد! شاهد أهل تلك المناطق الدبابات والأسلحة والخوذ العسكرية بأم عينهم، وجرّبوا مرارة انقطاع الأغذية والأدوية والكهرباء والماء، حتى أن أهل درعا وقت الحصار احتفلوا بالعاصفة، التي خرّبت قسماً كبيراً من المحاصيل، لأنها أتتهم بالماء وإن عبر حبّات البَرَد. لكن هذا لا يعني أن من سلمت منطقته من الحصار جغرافياً لم يعش الحصار، ولا أقصد المعنى الدلالي للحالة، أي تضامن المواطن السوري أخلاقياً ووجدانياً مع أخيه في المناطق المحاصرة، بل أقصد أنه عاش ويعيش الحصار بمعناه الإجرائي، وباعتبار أن الحصار أضحى شبيهاً بطقس يومي على أي سوري، لا يصفق للمجازر اليومية، أن يعيش انتهاكاته المتوالية.

منذ ثلاثة أشهر وحتى اليوم والإهانات تُلقى في وجه القسم الغالب من الشعب السوري في شكل يومي ومنظّم، في الإعلام الرسمي وشبه الرسمي، وهذا بحدّ ذاته حصار، فيما يُترك أبواق النظام ليحتّلوا الفضائيات من دون أي صفة رسمية (كمحللين سياسيين!!) وفي أي وقت، يكيلون الشتائم ويصمون الناس بالخيانة والعمالة والغباء والإجرام وما إلى ذلك... فضلاً عن إمكانية إهانة أي معارض سوري بأخلاقه وشرفه ووطنيته. فالمعارض، أو حتى الرافض لتصرفات سلطاته، ينام خائفاً من الاستيقاظ صباحاً وهناك صفحة على الإنترنيت تخوّنه أو مقال في الإعلام الرسمي يعهّره. وقد بات دارجاً أن تتهجم مجموعات موالية على شخصيات معروفة جرمها أنها قالت: لا، وقد تعرّض الكثيرون من الناشطين والفنانين والكتاب وغيرهم للاعتداء سواء في الأماكن العامة أو في حاراتهم والشوارع... هذا الترهيب الدائم والمستمر والنشر على حبال الإهانة والفضيحة، وإمكان محو التاريخ الشخصي برمته خلال لحظات، هو حصار.

الحصار أن ينام سكان الكثير من المناطق، التي تشكل بؤر توتر ومواجهات، بكامل لباسهم (الرسمي)، ونساؤهم، إما ببناطيل الجينز أو بالجلابيب، متحفزات مترقبات لأي اقتحامات ليلية. اليوم ينبغي لأي منا أن يكون محتاطاً لأن يطلبه أحد فروع الأمن المتعددة، أو يطلب ابنه إلى الخدمة الإلزامية من جديد ليطلق النار على سوري مثله. كما يُجبر الكثيرون على مغادرة بيوتهم أو التخفّي تحت ضغط الخوف، وذلك إن قال أحدهم رأياً مغايراً أو كتب شيئاً أو فعل ما هو أقل من ذلك بكثير. أما ما يعانيه موظفو الدولة (غير الموالين) في كل يوم عمل من حرق أعصاب وتهديد وأزمات تتعلق بإنسانيتهم فهذا هو الحصار. عليك كموظف حكومي أن تسمع بأذنيك كل ما يخدش مبادئك وقناعاتك وتظلّ صامتاً، لأن مجرد التجهّم وإبداء التململ سيعرضك للاستدعاء الأمني والتهديد بالإقالة والاعتقال، فما بالك بإبداء الرأي وإن كان على استحياء. قبل مدة مثلاً تورّط موظفون في التلفزيون الرسمي بتسمية شهداء الثورة بأنهم شهداء، وغاصوا في مشاكل أمنية ووظيفية لم يخرجوا منها حتى اللحظة. وحين تجهّمت صديقتي إثر تعليق زميلها (الموالي) مكشراً ان على السلطة أن تقتل كل الثوار لنحيا في أمان لم تخلص من الاستدعاءات الأمنية حتى اليوم. أما عمال البلديات الذين يجبرون على النزول إلى الشوارع للسيطرة على التظاهرات، فهؤلاء لهم قصص لا تنتهي... الحصار هو تهديدك بلقمة عيشك وأمان يومك مقابل ارتكاساتك الإنسانية والأخلاقية.

ولن تجتمع مجموعة في سورية اليوم، سواء في مكان عام أم خاص، لتتناقش بخطاب خارج خطاب السلطة إلا ويتلفّت أفرادها بذعر حولهم ويخفضون أصواتهم، أو يبعدون الموبايلات عن المكان هامسين: يستطيعون سماع كلامنا حتى لو كان الموبايل مغلقاً! مجرد تذكيرك المتواصل بأن الهواتف مراقبة، بأن حواسك مراقبة، وإقناعك، كما يقنعون أنفسهم، بأن الأمن يستطيع أن يجلبك أينما كنت بالتنصّت عليك ومعرفة مكانك فهذا حصار مقيت. أما إمكان انقطاع الاتصالات في أي وقت، وانقطاع الإنترنيت، الذي صار مألوفاً أن تتوقف خدمته أيام الخميس والجمعة وحتى السبت، فهذا حصار من نوع آخر.

تمشي اليوم في شوارع دمشق لتفاجئك لوحات ملصقة على إسفلت الشارع والأرصفة تشتم بعض المحطات الفضائية التي تأتي بأخبار مغايرة لأخبار الإعلام الرسمي، وتخرج خارج تبريراته التي لم تتغير منذ اللحظة الأولى حول العصابات المسلحة والجماعات الإرهابية! وأنت مجبر على السير فوقها إهانة لها. هذا عدا الملصقات الجدارية التي تخوّن كل من يشاهد أخباراً غير أخبار الفضائية السورية وقناة «الدنيا»، حتى أن المواطن السوري يشعر بأن من الممكن أن يهجم أي كان على مسكنه لأنه يستمع إلى إحدى تلك الفضائيات «المعادية». أن يختار لك أحد ما قسراً أية محطة ستشاهد، ويصوغ زاوية نظرك وإمكانات معرفتك، فهذا هو الحصار، والحصار أن يخاف أي صاحب مكان عام من إشعال التلفاز إلا على القنوات المسموح بها كي لا يتعرض لمشاكل هو في غنى عنها. وكم من مرة ضحك صاحب دكان ما ضحكة صفراء خائفة وهو يقلب التلفاز حين دخولي الدكان ويقول: أراها لأضحك عليهم لا غير.

الحصار أن نستيقظ صباحاً ونحن نعرف أننا سنرى أخباراً محزنة عن سورية، ونحاول أن نبعد أنظار أطفالنا عن التلفاز المفتوح دائماً على قنوات الأخبار لأننا نعلم سلفاً أن ثمة مشاهد بشعة حد الهول ستعرض الآن، سواء بأحذية عسكرية تدعس الرقاب أو بأشلاء جثث أو بأطفال شهداء. الحصار اليوم يتمثل في كل ما يحيط بنا، بكل شيء، ابتداء بالموت الذي راحت رائحته تعصف مع رياح الصيف، وانتهاء بأننا بتنا نشكّ بأي شخص لا نعرفه، أو نعرفه، بأنه مُخبر حتى لو كان أقرب الناس إلينا.

لكن الحصار الأكثر ألماً أن يحيا بعض السوريين وكأن شيئاً لا يحدث، وكأن ليس هناك المئات من شعبهم يقتلون في اللحظة ذاتها ولا يبعدون عنهم عشرات الكيلومترات. يسخر بعضهم من مآسي بعض لمجرد كونهم ينتمون إلى مناطق أو طوائف مختلفة. هذا المقدار الهائل من اللامبالاة والتشظّي الوطني هو حصار، إنه حصار أخلاقي!

الحصار هو كل ذلك الألم والحزن والخوف والترقب والصخرة الأمنية العملاقة التي تجثم على القلوب. لكن محاصرة كل هذا الحصار، وإلقاءه بعيداً من أرواحهم، هما ما على السوريين فعله سريعاً كي لا يعيش أحفادهم الحصار ذاته بعد عقود، وكي لا يمشي المستقبل بخطى وئيدة ويتركهم خلفه.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ