ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 14/06/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

سوريا: تقاعس العرب يستدعي الغرب!

تاريخ النشر: الإثنين 13 يونيو 2011

خالد خروب

الاتحاد

هناك مجازر يومية في سوريا لا يمكن أن يتغافل عنها من كانت لديه ذرة من الإنسانية، وهناك صمت عربي رسمي يدير وجهه عن تلك المجازر وكأنها تحدث على كوكب آخر. الشعب السوري في مدن وبلدات وأرياف وقرى لا تحصى يتعرض لقمع يلغ في دماء المدنيين ولا يستثني حتى الأطفال، ومع ذلك يستمر الصمت العربي. يعمل النظام على تهجير أبناء الوطن حيث يحاصر المدينة الحدودية "جسر الشغور" من كل الجهات تاركاً منفذاً وحيداً للسكان باتجاه تركيا، ومع ذلك يتواصل الصمت العربي. الصوت الوحيد الذي نسمعه يدين من غير تلعثم مجازر سوريا ويضغط لإيقافها هو تركيا، البلد غير العربي، والبلد الذي كانت له مصالح قوية اقتصادية وجيواستراتيجية مع سوريا، وإلى وقت قريب. وأنات السوريين المطحونين تحت آلة قمع النظام تحمل الأسئلة المريرة: أين الجامعة العربية؟ وأين الحكومات العربية؟ وأين منظمة المؤتمر الإسلامي؟ ولكن لا من إجابة ولا من مجيب.

الاتحاد الأوروبي منشغل بما يحدث في سوريا واتخذ قرارات مقاطعة ضد النظام والعائلة الحاكمة، ومجلس الأمن يجتمع ويحاول إصدار قرار يمكن أن يردع النظام عن الاستمرار في مجازره، والدول الغربية الكبرى، الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، وألمانيا تتعرض لهجوم واسع من منظمات حقوق الإنسان والإعلام وجمعيات المجتمع المدني في العالم بأسره كي تتحرك وتتخذ مواقف أشد. الصمت لا يلف إلا الحكومات العربية والإسلامية ومنظماتها الإقليمية وكأن الشعب السوري وشهداءه لا يستحقون حتى بيان استنكار.

تجد الحكومات العربية والإسلامية نفسها الآن واقفة في نفس المربع الذي تقف فيه الصين وروسيا اللتان تقفان في وجه أي جهد دولي يضاعف من الضغط على النظام في سوريا، وتهددان باستخدام "الفيتو". وقرار مجلس الأمن الأخير الذي صدر يدين ما يحدث من قمع، تم تمييعه عمليّاً إلى أدنى حد وخلا من أي إجراء عملي بسبب المواقف الروسية والصينية التي تقف الآن عمليّاً ضد الشعب السوري. وإحدى مسودات القرار التي قدمت إلى مجلس الأمن تضمنت إشارة خجولة وردت في بيان لمنظمة المؤتمر الإسلامي تجاه ما يساورها من "قلق" لما يحدث في سوريا، وكان الهدف من تضمين تلك الإشارة تعزيز القرار بأن "الموقف الإسلامي الرسمي" سيكون مؤيداً. ولكن سرعان ما انتفضت منظمة المؤتمر الإسلامي العتيدة ورفضت أن يتم اقتباس الإشارة الخجولة في مسودة البيان، تحت مزاعم عدم توفير أية شرعية للتدخل الغربي في سوريا.

ماذا يعني كل هذا التقاعس في الجانب العربي والإسلامي؟ معناه العملي شبه الوحيد أن قادة العرب والمسلمين يتركون للغرب ومؤسساته ساحة العمل الدبلوماسي والحراك الفعلي لاتخاذ قرارات مؤثرة تحمي الشعوب من قامعيها. ومعناه تعميق الشروخ الانقسامية في الوجدان العربي إزاء تدخل الغرب العسكري في البلدان العربية، ودفع ذلك الوجدان للترحيب بتلك التدخلات. نحن أمام هذه المفارقة المتكررة : هناك شلل عربي رسمي شامل إزاء أية قضية كبرى، ثم هناك لعلعة صوتية عالية ضد أي تدخل عسكري يقوم ليملأ الفراغ القاتل الذي يتركه الشلل العربي.

أي تدخل عسكري غربي يحدث بطبيعة الحال محمولًا على رافعة المصالح الغربية في المنطقة وبحسابات دقيقة، وليس هنا أي مجال للتساذج للمجادلة بغير ذلك -فهذا مفهوم. ولكن التساؤل الذي يجب أن يرافق ذلك دوماً هو: ما الذي يشرعن هذا التدخل ويوفر له الأرضية المنطقية ليس فقط للحدوث بل وللاستدعاء من قبل الشعب نفسه؟ والسياسة الدولية قائمة على المصالح وليس على العمل الخيري، ولكن في الوقت نفسه لا تستطيع كشف وجهها المصلحي السافر. وهناك نسب متفاوتة من الضغوط الأخلاقية التي تأكل من المساحة الكلية المعتمدة على المصلحة. وهذه النسب ازدادت في عصر الإعلام المعولم والتدخلات الإنسانية لأنه ما عاد بإمكان الدول الكبرى أن تتحرك بحرية مطلقة في مسألة تبني سياسات مزدوجة مفضوحة. فمثلاً قد يحدث أن تدخلًا عسكريّاً ما في بلد ما يكون مدفوعاً بنسبة 70% مصلحة ترافقها نسبة 30% تدخلاً إنسانيّاً. والذي يحدث وحدث عادة، من البوسنة وكوسوفو إلى ليبيا وسوريا الآن، أن القمع والإبادة التي يتعرض لها شعب ما على يد نظام لا يكون لها حل إلا بالتدخل العسكري الخارجي. تتقاطع نداءات الاستغاثة الداخلية للشعب المقموع مع مصالح القوة الخارجية المتدخلة المدفوعة بمصالحها من ناحية وبالضغط الأخلاقي العالمي المتزايد من ناحية ثانية. عمليّاً تتقاطع مصالح الشعب المقموع مع مصالح القوة الخارجية والتقاء المصالح هذا يقع في جوهر السياسة. وفي المنطقة العربية هناك خواء على المستوى الاستراتيجي يغري القوى الخارجية بالتدخل، خاصة عندما تصبح مبررات التدخل قوية ونداءات الاستغاثة متواصلة.

على ذلك ليست هناك عبقرية زائدة في المحاججة بأن تدخل الغرب و"الناتو" عسكريّاً في ليبيا وراءه مصالح وقلق غربي بسبب موقع ليبيا المشاطئ لجنوب أوروبا، وبكونها بلداً غنيّاً بالنفط. هذه بديهية سياسية تشير "معاودة" اكتشافها مرة بعد أخرى في مماحكات "الممانعين" إلى سذاجة أو تساذج أكثر من أي شيء آخر. والأمر الذي ما زال يتحدانا جمعيّاً هو السؤال التالي: ماذا نطلب من الشعب الذي يُقمع يوميّاً بوحشية بالغة أن يفعل؟ ما هو "فعلنا" لمساندته في مواجهة النظام القائم الذي يهدده بالقتل والإبادة؟ ثبت لنا خواء وعدم فائدة إرسال معونات من الشعارات الثورية المنددة بالغرب للشعب الواقع تحت القمع. السؤال الذي يتحدانا جميعاً هو ما البديل في ليبيا، مثلاً، عن التدخل الغربي الذي وضع حدّاً لإبادة محتومة لم يتورع نظام طرابلس في إعلان نيته القيام بها صراحة؟ كيف نتأمل الصورة التلفزيونية البانورامية للميدان الرئيسي في بنغازي لعشرات الآلاف من المتظاهرين الذين كانوا ينتظرون مصيرهم المحتوم القادم إلى مدينتهم مع دبابات القذافي التي لم يوقفها إلا قرار مجلس الأمن بالتدخل العسكري والفوري. لماذا صدحت حناجر تلك الألوف بالترحيب بالتدخل الأطلسي بكونه المنقذ الأخير، وكانت تصلي ليومين لأن يمر القرار من دون "فيتو"؟ هذه هي الأسئلة الصعبة التي تواجهنا، التي تكشف في الكثير مما تكشفه الانقلابات الجذرية في سلم الأولويات وسلالم الشعارات، ومواقع الأعداء والأصدقاء، وتواصل صمت المقابر العربية، وغير ذلك كثير.

=============

الربيع السوري... وتحولات الموقف التركي

تاريخ النشر: الأحد 12 يونيو 2011

ديفيد شينكر

الاتحاد

اتسمت العلاقات التركية- السورية خلال الجزء الأكبر من القرن الماضي بالتوتر بسبب الخلاف الحدودي المستعصي بين البلدين الذي كاد يتطور في بعض الأحيان إلى حرب. ولم تتحسن العلاقات بين البلدين على نحو جذري إلا بعد أن تولى بشار الأسد حكم سوريا خلفاً لوالده عام 2000، وصعود حكومة حزب العدالة والتنمية ذات التوجهات الإسلامية إلى سدة الحكم في تركيا عام 2002.

ولكن المفارقة هنا هي أنه في حين كان التحول السياسي هو العامل الذي مهد الطريق لتحقيق التقارب بين البلدين منذ عقد من الزمن، فإن احتمالات التغيير الحالية في سوريا هي التي تهدد في الوقت الراهن بتقويض أسس لعلاقات التي كانت قد تطورت إلى تحالف خلال السنوات الأخيرة.

والموقف الحالي على الحدود التركية- السورية يبرز العلاقات الآخذة في التدهور بين البلدين، وذلك بعد أن تدفق المئات من المدنيين السوريين إلى داخل الأراضي التركية، بسبب ما يقولون إنه الخوف من مذبحة أخرى قد ترتكبها القوات الحكومية ضدهم. وهذا التطور الذي يزيد من توتر العلاقات، يدفع أنقرة لاتخاذ موقف أكثر حزماً مع دمشق، وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة عزلة نظام الأسد. ومن المفترض أن يزود التحول الأخير في الموقف التركي، واشنطن والغرب بالفرصة -إن لم يكن بالحافز- لتبني موقف أكثر صرامة بشأن سوريا.

وكانت السرعة التي تطورت بها العلاقات بين تركيا وسوريا خلال السنوات الأخيرة لافتة للنظر، بكل المقاييس. فخلال الفترة من 2002 إلى 2009 وقع البلدان على ما يقارب 50 اتفاقية تعاون، وأعلنا عن تأسيس"مجلس تعاون استراتيجي أعلى"، وأجريا أول تمارين عسكرية مشتركة في تاريخهما.

وفي فترة أقرب، وتحديداً عام 2011، وقعت تركيا وسوريا اتفاقية تاريخية لمكافحة الإرهاب، وأتبعتاها، منذ شهرين فقط، بمعاهدة لمكافحة التمرد. وبحلول عام 2011 كانت تركيا قد أصبحت أكبر شريك تجاري لسوريا.

وبسرعة أصبحت العلاقات بين البلدين واعدة بمستقبل زاهر، وهو ما دفع وزير الخارجية التركي"أحمد داود أوغلو" إلى إعلان أن الدولتين "تتشاركان في مصير واحد، وتاريخ مشترك ومستقبل مأمول".

ولكن عندما وصل الربيع العربي إلى سوريا، تدهورت العلاقات بين البلدين بنفس السرعة التي كانت قد تحسنت بها. فعندما ارتفعت أعداد الضحايا من المدنيين في سوريا، وجدت تركيا نفسها مضطرة لإنهاء صمتها عما يجري خلف حدودها الجنوبية.

ففي شهر مارس أعلن "أردوغان" أنه: "من المستحيل السكوت أمام الأحداث التي تجري في سوريا" كما قال إنه قد تحدث مع الأسد مرتين بشأن الأحداث، وإنه كان يأمل في أن "يتبنى الأسد موقفاً إصلاحيّاً إيجابيّاً حتى يتجنب أحداثاً شبيهة بما يحدث في ليبيا".

وفي إبريل، أرسل "أردوغان"، وزير خارجيته "أوغلو" لمقابلة الأسد في دمشق، حيث عرض عليه "كل مساعدة ممكنة" لتمكينه من تنفيذ الإصلاحات التي كان قد وعد بها، وللمساعدة على استقرار الوضع في سوريا وتأمين النظام.

ولكن كل ذلك لم يُجدِ نفعاً. وفي شهر مايو، ومع التصاعد السريع للأحداث وتزايد الفظائع التي يرتكبها النظام ضد شعبه، وتجاوز أعداد الضحايا الألف، أعلن أردوغان صراحة أن تركيا تقف مع المتظاهرين الذين وصفهم بأنهم منخرطون في "نضال من أجل الحرية" وحذر من أن تركيا "لا ترغب في رؤية مذبحة حماة أخرى".

وفي الوقت الذي أثنى فيه المعارضون على موقف تركيا، وصفت صحافة الحكومة السورية موقف أنقرة ب"النفاق" وبأنه "متسرع ومرتجل".

وليس واضحاً حتى الآن سبب هذه النزعة الأخلاقية المفاجئة في السياسة الخارجية التركية. ومن الممكن أن يكون موقف "أردوغان" غير المسبوق تجاه سوريا، قد تأثر بالاعتبارات الانتخابية. فاليوم الأحد، 12 يونيو، سيذهب الشعب التركي لصناديق الاقتراع للإدلاء بأصواته في الانتخابات البرلمانية.. ومن المؤكد أن حزب العدالة والتنمية قد أدرك أن أعمال العنف في سوريا ستكون موضوعاً محركاً لمشاعر الناخبين، وأنها تصلح بالتالي لأن تكون مادة للاستغلال السياسي من جانب الحزب في تلك الانتخابات.

ولكنّ هناك تفسيراً آخر، وهو أن المذابح التي تحدث في سوريا ربما تكون قد تجاوزت حدود المقبولية بالنسبة لحزب العدالة والتنمية. فقيام نظام يمسك بزمام الحكم فيه أفراد من طائفة شيعية، بقتل الآلاف من السُّنة أمر غير مقبول بالتأكيد بالنسبة لدولة سُنية كبيرة مثل تركيا.

وبصرف النظر عن السبب الذي دعا أنقرة إلى تغيير لهجتها في التعامل مع النظام السوري، فإن ذلك التغير يعد تطوراً مرحباً به في ذاته. فالنظام اليوم بات أقل تمنعاً أمام الضغوط الخارجية، وأكثر قابلية للتعرض لتلك الضغوط، كما بات أقل إحساساً بالأمن. وتركيا لا تبتعد اليوم عن النظام السوري فحسب، ولكنها تتطلع للمساعدة في تنظيم أمر التغيير. ففي الأسبوع الماضي على سبيل المثال، وفي خطوة جسورة، وتقدمية، استضافت تركيا مؤتمراً للمعارضة السورية على أراضيها، وهو ما كان بمثابة إعلان واضح وصريح بأن حزب العدالة والتنمية التركي قد قدر أن النظام بات غير قابل للإصلاح. والمأمول الآن، بقليل من الحظ، أن تحذو واشنطن حذو أنقرة.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة"كريستيان ساينس مونيتور"

=============

سوريا واليمن: الجيش والسياسة

عبدالله بن بجاد العتيبي

Bjad33@gmail.com

تاريخ النشر: الإثنين 13 يونيو 2011

الاتحاد

في عصر ثقافة الصورة والفضائيات وعصر وسائل الاتصال الحديثة، أصبحت الصورة ومقطع الفيديو النابع من قلب الأحداث يصل للعالم أجمع بضغطة زرٍ واحدةٍ، وفي ظل إغلاق بعض البلدان في وجه الإعلام تصبح الصور والمقاطع مطلباً ملحاً لوسائل الإعلام، وكل متابع ومراقب للمشهد لأنها تمنح صورةً أفضل وربما وحيدةً للتفاصيل الصغرى ومن ثمّ الرؤية الكبرى.

في سوريا، كان مثيراً ذلك المقطع على "اليوتيوب"، الذي نقلته لاحقاً بعض الفضائيات، وكان فيه رجال من الجيش السوري يعذّبون معتقلين في جوبر حمص –حسب عنوان المقطع- والمقطعٌ دون شكٍ بشعٌ ومقززٌ، مع هذا فقد استوقفني حديث الضابط أو الجندي السوري، وهو يركل أحد المعتقلين ويصرخ عليه مع كل ركلةٍ: هذه منشان (من أجل) الحرية، وهذه منشان الشهيد، ثم عاد ليسأله –مستغرباً- وهو مستمرٌ في الركل: فهمني شو الحرية؟ فهمني شو الحرية بدي أعرف؟!

أحسب أنّ هذا المقطع حين نقرأه في ظل السياق العام للأحداث والأخبار الواردة من هناك له عدة دلالاتٍ منها: أولاً مع استحضار أنّ الجيوش لا تعرف إلا الأبيض والأسود، عدوّ وصديق، خصمٌ وحليف، لهذا فإن مصطلحاتها صارمةٌ في تعريف أي جهةٍ تواجهها. ويبدو تعامل الجندي مع المعتقلين من المواطنين السوريين –في المقطع- قائماً على أساس أنهم من ألدّ الأعداء. ثانياً لم يبد على الجندي أنّه يطبق المبدأ العسكري المعروف "نفّذ ثم ناقش"، بل بدا عليه الحماس لما يفعل، والسؤال هو لماذا كلّ هذا العداء من قبل الجندي لهؤلاء المعتقلين؟ لقد قالها بصراحة ووضوحٍ لأنهم يطالبون بالحرية ويتظاهرون للشهداء.

ثالثاً لم يذكر الجندي أي شيء عن جماعات إرهابية أو مسلحة، وهو أمرٌ مثيرٌ فالمفروض أنه إذا كان لديه أوامر صارمة بمتابعة جماعات إرهابية أن يذكرها قبل كلّ شيء لأنها الأولوية لديه، كذلك لم يقرّع الجندي المعتقلين لأنهم بادلوه إطلاق النار –مثلاً- ولو أنهم فعلوا لكان هذا أوّل ما يقرّعهم عليه، وعدم فعله هذا دليل على أنهم لم يكونوا مسلحين ولم يطلقوا النار، وأن مشكلته الوحيدة معهم هي في مطالبتهم بالحرية وتشييعهم للشهداء ما يعني بمعنى أعمّ التظاهرات والاحتجاجات التي تشهدها غالب المدن السورية والتي وصلت في الجمعة الماضية لضخامةٍ وانتشارٍ لم يحدث من قبل.

رابعاً هذا المشهد المريع أي قتل وتعذيب وتشويه المواطنين السوريين تكرر في كثيرٍ من المقاطع على "اليوتيوب"، مرةً مع جماعاتٍ من الناس، ومرةً مع أطفالٍ وأخرى مع نساء ما يعني عملاً منهجياً يقوم به الجيش، فلماذا كان الجيش السوري بهذه الصورة ولماذا اختار هذه المنهجية؟

قبل الإجابة، معلوم أن بنية الجيوش -بشكلٍ عامٍ- تتبع للبنية السياسية لأي دولةٍ، فليست بنية الجيش الأميركي مثلاً كبنية الجيش الصيني في العصر الحديث، وليست بنية الجيش المغولي كبنية الجيش العثماني في التاريخ، وهكذا.

وللإجابة فإنّ بنية الجيش السوري بدأت وطنية ثم تحوّلت لمرحلة من التشتت عبّرت عنها الانقلابات العسكرية (فقط بضعة عشر انقلاباً) ثم تحوّلت إلى بنية طائفية بعد حرب 1973 عبر خطةٍ طويلةٍ قادها الأسد الأبّ في محاولةٍ منه لإيقاف سيل الانقلابات وضمان ولاء الجيش، وأخيراً وصلت إلى البنية الحالية، وهي بنية يبدو أنها تقوم على حماية النظام -لا الطائفة- في وجه أي تحدياتٍ داخليةٍ لا خارجية.

من هنا تأتي فعالية هذا الجيش في قمع الانتفاضة والاحتجاجات في سوريا خلافاً لكل الجيوش الأخرى في الجمهوريات العربية التي اجتاحتها هذه الانتفاضات، ومن هنا تأتي كذلك محافظة النظام على وحدة الجيش فلم تحدث فيه أي انشقاقاتٍ كبرى كما جرى في ليبيا واليمن على سبيل المثال، باستثناء انشقاقٍ بدأ صغيراً ذلك الذي أعلنه حسب وسائل الإعلام المقدّم حسين هرموش ومن معه حسب تعبيره، ثم تبعه الملازم أول عبدالرزّاق طلاس والملازم مازن الزين الذي أعلن انضمامه لما سمّاه "لواء الضبّاط الأحرار" بقيادة المقدم هرموش.

يخبرنا التاريخ أنّه حين تنجح فلسفة حكمٍ، وأساليب إدارة سياسية للخلافات والتناقضات الداخلية والخارجية لمدة ثلاثين أو أربعين عاماً، فإن أصحابها وبُناتُها يصعب عليهم الخروج منها إلى فلسفةٍ جديدةٍ أو أساليب مختلفةٍ، هكذا هو التاريخ وهكذا هم البشر، في سوريا الفلسفة والأساليب تقتصر على القمع، أما في اليمن فكانت في المناورات والمؤامرات الصغيرة واللعب على مخاوف الإقليم والعالم.

تناقض الموقف الأميركي تجاه اليمن وسوريا مثير للانتباه، في اليمن لم يحدث قتلٌ في المدن بالمئات، ولم يتدخل الجيش بكل آلياته المسلحة ليقتل الناس في الشوارع، ولم يخرج شبيحة يقتلون المدنيين في كل شارعٍ وفي كلّ زقاقٍ، أما في سوريا فحدث كل هذا وأكثر، والمثير للاستغراب خروج عبارة "فوراً" التي أصبحت مشهورةً في الخطاب السياسي الأميركي تجاه المنطقة مؤخراً من هيلاري كلينتون تجاه اليمن، ولم تخرج تجاه سوريا!

غير أننا يمكن أن نقرأ في ثنايا تصريحات كلينتون في أبوظبي الأسبوع الماضي أنها تريد كياناً سياسياً ما للمعارضة السورية في الداخل أو الخارج يمكن للعالم أن يتفاهم معه أو يستند عليه أو يدعمه ليمثّل الشعب السوري، وكأنّها تلقي بشيء من اللوم على الانتفاضة السورية لتبرر موقفها السياسي الذي تقوده مصالح لم تزل توازناتها مضطربة تجاه ما يجري في سوريا.

سياسياً انتقل الملف السوري إلى مجلس الأمن، والرئيس التركي كذّب الرئيس الأسد ضمناً واتهم أخاه ماهر بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في سوريا، وربما كانت هذه مؤشراتٌ داخليةٌ وخارجيةٌ على توجّهٍ جديدٍ يتمّ رسمه للتعامل مع ما يجري في سوريا، خاصةً أن النظام لم يزل سادراً في طريقته الوحيدة البشعة.

في اليمن، وقبل التفجير الذي تعرّض له صالح، بدا واضحاً أن هدفه ليس الخروج الآمن من السلطة بل اللعب بأسلوبه القديم، فقام بمواجهات مسلحة مع آل الأحمر في صنعاء، واقتحام لقوات الأمن مع ساحات الاحتجاج في تعزّ، وقتال مع "القاعدة" في زنجبار!

بعد التفجير، وبعد رحلة العلاج إلى السعودية، ثارت أسئلة كثيرةٌ عن مصير صالح ومصير اليمن، وتبدو المبادرة الخليجية كطوق نجاةٍ أفضل للجميع، تضمن نقل السلطة بسلاسةٍ بدل الدخول في حربٍ أهليةٍ لا تبقي ولا تذر في بلد أثبت شعبه المسلّح قدرةً فريدةً على ضبط النفس وعدم استخدام السلاح.

يبدو الوضع اليمني أفضل من الوضع في سوريا، وأفق الحلّ السياسي هناك لم يزل هو الأفق الأرحب، والجهود الخليجية والدولية كلها تدفع باتجاهه، ولئن نجح في نقل السلطة بسلمية فسيكون أفضل النماذج في الجمهوريات العربية المحتجّة، حين يتجنّب مشاعر الثأر والانتقام من العهد الماضي ويتجه لبناء المستقبل.

أخيراً الجيش في سوريا أهمّ منه في اليمن، والعملية السياسية في اليمن أهمّ منها في سوريا، وعلى الرئيسين الشروع في الإصلاح لمصلحة شعبيهما.

=============

لماذا هذا الهروب إلى الجولان؟

خيرالله خيرالله

الرأي العام

13-6-2011

ليس هناك عربي يرفض تحرير هضبة الجولان السورية التي احتلتها إسرائيل قبل أربعة وأربعين عاماً أو الوقوف عائقاً في وجه تحقيق هذا الحلم. ولكن يبقى السؤال كيف ذلك؟ هل هناك توازن للقوى يسمح بالتحرير، أم أن المطلوب في هذه الأيام بالذات استخدام الشعب الفلسطيني وقوداً في معارك خاسرة سلفاً؟ لا هدف لهذه المعارك، التي لا تخدم القضية الفلسطينية في شيء، سوى الدخول في لعبة المزايدات بغية إيجاد تغطية ومخارج للأزمة العميقة التي يعاني منها النظام السوري، وهي أزمة متعددة الجانب والبعد في آن.

بقيت جبهة الجولان منسية حتى العام 1973 عندما شنت سورية ومصر حرب اكتوبر بهدف استعادة الأراضي المحتلة في العام 1967، بما في ذلك هضبة الجولان. لم تحرر سورية الجولان ولم تحرر مصر سيناء. أخذت مصر علماً بأن الحرب، بما أدت إليه من نتائج، لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية وأن لا بديل في آخر المطاف من المفاوضات. سعى أنور السادات عملياً إلى انقاذ نظامه عن طريق الذهاب إلى القدس والقاء خطاب في الكنيست الإسرائيلية. انتهت رحلة القدس بتوقيع معاهدة السلام مع إسرائيل في مارس من العام 1979 وذلك بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد في سبتمبر من العام 1978. نتيجة المعاهدة، استعادت مصر سيناء المحتلة وثرواتها الضخمة المتمثلة في حقول النفط والغاز إضافة إلى شرم الشيخ الذي أصبح احدى ركائز الاقتصاد المصري بعد تحويله منتجعاً يقصده سياح من مختلف أنحاء العالم...

في حسابات الربح والخسائر، أنقذ أنور السادات نظامه، موقتاً. اغتيل السادات في اكتوبر من العام 1981 على يد متطرفين اسلاميين. لكن المعاهدة المصرية- الاسرائيلية التي غيّرت المعطيات الإقليمية جذرياً بقيت صامدة وذلك بغض النظر عما إذا كان ما أقدم عليه الرئيس الراحل عملاً صائباً أم لا. كان همه انقاذ نظامه في غياب القدرة على شن حرب جديدة، فهرب إلى السلام المنفرد مع إسرائيل غير آبه بمواقف العرب الآخرين الذين رفضوا مرافقته لأسباب لا علاقة لها بالوطنية. هؤلاء اكتشفوا في العام 1987 أن لا بديل من العودة إلى مصر... فعادوا من دون شروط تذكر!

في المقابل، استغل الرئيس الراحل حافظ الأسد حرب تشرين كي يجد وزناً إقليمياً لسورية. أغلق جبهة الجولان في العام 1974 وانصرف إلى التركيز على لبنان عن طريق إرسال أكبر كمية من الأسلحة إلى مختلف الفرقاء في البلد بهدف إغراق الفلسطينيين في الرمال المتحركة اللبنانية وجعل القوات السورية حاجة لبنانية. استطاع الأسد الأب بفضل هنري كيسينجر وضوء أخضر إسرائيلي إدخال القوات السورية إلى لبنان بغطاء شرعي عربي ودولي في العامين 1976 و1977. لعب حافظ الأسد على كل التناقضات العربية والإقليمية والدولية واستفاد خصوصاً من الحاجة إليه لإقامة توازن مع نظام عائلي- «بعثي» آخر بقيادة الراحل صدّام حسين في العراق. كانت لدى حافظ الأسد أوراق عدة يلعبها. من أهم هذه الأوراق الهدوء السائد على جبهة الجولان إضافة إلى ضبط الحدود اللبنانية- الإسرائيلية بما يسمح لإسرائيل بمعرفة ما يمكن أن تتوقعه على أي عمل عسكري يمكن أن تقدم عليه، بما في ذلك اجتياحها لبنان ووصولها إلى بيروت صيف العام 1982.

مع انتهاء الحرب الباردة وظهور مؤشرات جدية إلى بدء انهيار الاتحاد السوفياتي، لم يخطئ حافظ الأسد في حساباته. جدد أوراق اعتماده لدى الولايات المتحدة بانضمامه إلى المشاركين في حرب تحرير الكويت. أكسبه ذلك تمديد وجوده العسكري في لبنان وسمح له بالتخلص من تلك الدمية التي اسمها ميشال عون التي كانت تحتل قصر بعبدا. كان التخلص من عون سهلاً نظراً إلى أنه لا يصلح أن يكون غير أداة، إضافة إلى أنه كان من بين الرهانات الغبية الكثيرة التي لجأ إليها صدّام حسين الجاهل في السياسة والتوازنات الإقليمية والدولية. كانت أهمية حافظ الأسد تكمن في المحافظة على توازنات معينة سمحت له بالبقاء في لبنان بشكل وصيّ عليه حتى وفاته في العام 2000...

لم يضطر الرئيس الراحل في أي لحظة إلى التلويح بإعادة فتح جبهة الجولان. كان يفاوض الإسرائيليين من أجل التفاوض من جهة ومن أجل المحافظة على علاقة جيّدة مع واشنطن من جهة أخرى. كان في استطاعته البحث باستمرار عن دور إقليمي لسورية انطلاقاً من أن جبهة الجولان مغلقة من جهة وأن بقاء جنوب لبنان جبهة مفتوحة وفق شروط معينة يستجيب في الوقت ذاته لما تريده إسرائيل ولما تريده سورية وذلك بغض النظر عن كل ما يرفع من شعارات طنانة عن مقاومة وتحرير وما شابه ذلك. فإسرائيل انسحبت من جنوب لبنان في العام 2000 تنفيذاً للقرار 425 لسببين. السبب الأول أنها لا تريد البقاء فيه إلى ما لا نهاية متحملة أي نوع من الخسائر البشرية، حتى لو كانت محدودة، والآخر أنها تسعى إلى التركيز على الموضوع الفلسطيني. كان همها الأول في تلك المرحلة، عندما كان ايهود باراك رئيساً للوزراء، يتمثل في جعل ياسر عرفات، رحمه الله، يتشدد في مواقفه وشروطه في مفاوضات السلام. لم يخيّب «ابو عمّار» الآمال الإسرائيلية المعلقة عليه، إذ زاد موقف الزعيم الفلسطيني الراحل تشدداً بعدما شاهد الإسرائيليين ينسحبون في العام 2000 من جنوب لبنان من دون شروط تنفيذاً لقرار صادر عن مجلس الأمن في العام 1978.

لعلّ من أغرب الأمور التي نشهدها حالياً غياب الاهتمام العربي بما يدور على جبهة الجولان على الرغم من سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا بين الفلسطينيين من المقيمين في المخيمات السورية يوم الخامس من يونيو الجاري. لا يزال الخبر الأبرز في الفضائيات والصحف ووسائل الإعلام العربية التي تحترم نفسها، ولو قليلاً، الوضع الداخلي في سورية وأحداث اليمن. على ماذا يدل ذلك؟ إنه يدل على أن ازمة النظام السوري تزداد تعقيداً واتساعاً أولاً وأن الفلسطينيين أنفسهم يزدادون قناعة بأنهم يُستخدمون وقوداً في معركة لا علاقة لها بقضيتهم لا من قريب ولا من بعيد ثانياً وأخيراً. انهم يقتلون من دون سبب فيما العالم يصفق لإرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل التي لا يمكن إلا أن ترحب بأي خطوة من نوع إرسال متظاهرين إلى الجولان...

هل أفلس النظام السوري إلى درجة لم يعد أمامه سوى اعتماد الهروب إلى الجولان، هل هذا موسم الهجرة إلى الجولان الذي كان في اساس الوهم الكبير الذي اسمه الدور الإقليمي لسورية؟ كان هذا الدور السوري مطلوباً، بل كان هناك من يشجع عليه في مراحل معينة لأسباب عربية- عربية في معظم الأحيان. في العام 2011، هناك عالم تغيّر وهناك منطقة تتغيّر كل يوم. لا يمكن بناء أي دور كان إلا على مصالحة حقيقية مع المواطن العادي. يمكن، بالطبع، بناء أدوار في ظروف معينة استناداً إلى أوهام. نعم، هذا أمر ممكن. المستحيل يتمثل في أن ذلك لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية! باختصار شديد، ثمة بضاعة يسوقها النظام السوري لا تجد من يشتريها، إضافة إلى أن الشعب السوري ليس بالغباء الذي يتصوره النظام. هل في استطاعة النظام التعاطي مع هذا الواقع، أم تستمر عملية الهروب إلى أمام، بما في ذلك الهروب إلى الجولان؟

=============

الوضع في سوريا: للمتابعة وضبط النفس!

("هآرتس" افتتاحية 10/6/2011)

المستقبل - الاثنين 13 حزيران 2011

العدد 4025 - رأي و فكر - صفحة 19

ترزح سوريا تحت أزمة عميقة. فالنظام فيها يتصدى لواحدة من التهديدات الصعبة في تاريخ الانظمة في الدولة حيث يتبين له بان الجمهور السوري المطيع والخانع لم يعد مستعداً لان يتحمل حكم القمع الفظيع الذي انتهجته عائلة الاسد. الجمهور السوري يتطلع الى أن يحقق الان ما حققه الجمهور المصري والتونسي، وهو مستعد لان يقاتل مثل الجمهور الليبي. هذه مفاجأة لم يتوقعها النظام السوري الذي لا يزال يعتقد بأن الاستخدام الوحشي للسلاح، التعذيب واساليب التخويف الاخرى بوسعها ان تهدئ الجمهور في النهاية.

خلافاً للموقف من مصر وليبيا، قررت الدول الغربية ان ترد على ما يجري في سوريا ببطء وبحذر، من خلال ضغط دبلوماسي، عقوبات وشجب في الامم المتحدة. وينبع حذرها، من جملة امور اخرى، من أنه ليس للنظام السوري بديل مُسّلم به مثل مؤسسات الحكم في مصر، ومن ان سوريا اكثر اهمية بكثير من ليبيا، بحيث أن من سيتسلم الحكم فيها، كما يعتقد الغرب، يمكنه أن يكسب فقط. سوريا تعتبر دولة قادرة على كبح جماح حزب الله، على ان تقرر مدى تدخل ايران في لبنان ومساعدة الولايات المتحدة في الحرب ضد الارهاب في العراق. هذه اعتبارات ثقيلة الوزن تدفع الغرب الى التعلل بالامل حتى الآن بان الاسد سيوافق على تطبيق اصلاحات ذات مغزى دون أن يضطر الى ترك منصبه.

لا يحق لاسرائيل اتباع سياسة مغايرة عن تلك التي تتخذها الان الدول الغربية. اذا كان ثمة من يعتقد ان النظام في سوريا يمنح اسرائيل فرصة "لتغيير الواقع" فمن الافضل الا يخطئ بالوقوع في اوهام خطيرة؛ لا سيما عندما تحيي اسرائيل هذه الايام الذكرى ال29 لاجتياح لبنان، والذي كان هدفه هو الاخر تغيير الواقع في دولة اخرى.

علاوة على ذلك، كدولة محتلة قامت بنفسها باستخدام ولا تزال السلاح ضد المواطنين الفلسطينيين في مناطق الضفة وفي اسرائيل، فإن اسرائيل بعيدة عن ان تشكل قدوة تسمح لها بان تشجب الاخرين. عليها أن تتابع عن قرب ما يجري في سوريا، أن تفحص السيناريوات المحتملة بالنسبة لمستقبلها وأن تعرض سياسة يمكنها في المستقبل أن تكون مقبولة من كل نظام في سوريا ومن باقي دول المنطقة. اذا كانت اسرائيل تتطلع الى تغيير الواقع في المنطقة، فمن الافضل لها أن تبدأ بتبني المبادرات التي ترمي الى الدفع قدماً بالمفاوضات مع الفلسطينيين.

=================

سوريا في مواجهة الحرب الأهلية

ياسر الزعاترة

التاريخ : 13-06-2011

الدستور

ثمة دلائل كثيرة تشير إلى اعتقاد النظام السوري بأن عسكرة الثورة الشعبية السورية ستضمن له القدرة على التغلب عليها وإنهائها، بصرف النظر عن الزمن الذي ستستغرقه العملية، وقد نقلت بعض الأوساط العربية والإقليمية عنه القول إن انتصاره السابق على التمرد المسلح الذي قاده الإخوان مطلع الثمانينات قد استغرق أربع سنوات، ولا بأس عنده أن تستغرق المعركة الجديدة ست سنوات.

ولعل ما يشجع النظام على هذا المسار هو غياب المدينتين الأهم في البلاد (دمشق وحلب) عن الاحتجاجات، ما يعني حشر التمرد في المدن الأخرى الأقل أهمية، وفي الأرياف التي يسهل حصارها وضربها.

والحق أن غياب دمشق المدينة (ريفها وضواحيها شاركت بشكل جيد) وحلب النسبي عن مسيرة الاحتجاج لا يُفسَّر ببعد واحد يتمثل في الحضور الأمني الرهيب في المدينتين. صحيح أنه الأكثر أهمية في بلد يعتمد في عمله الأمني على سياسة المخبر المباشر (لو حسبنا عدد رجال الأمن والمخبرين، لتصدرت سوريا دول العالم في نسبة هذه الفئة إلى عدد السكان)، لكن البعد الآخر المتعلق بوجود فئات مستفيدة من النظام يبدو حاضرا أيضا، أعني الفئات التي استفادت من مسار الانفتاح وصار بوسعها العيش ضمن وضع اجتماعي واقتصادي يعنيها الحفاظ عليه، مع ضرورة الإشارة إلى أن أبناء هذه الفئة لن يكونوا بعيدين بمرور الوقت عن مسيرة الثورة نظرا لطرحها فكرة الحرية، تماما كما حصل مع فئات مشابهة في تونس ومصر واليمن. وقد يتطور الوضع على نحو أكثر تأثيرا إذا دخلت القضية الطائفية على الخط بسبب ممارسات النظام من المؤكد أن استمرار النهج السلمي للثورة هو الضامن الأكبر لنجاحها في زمن لن يطول كثيرا على الأرجح (الإسرائيليون يتوقعون سقوط النظام خلال مدة تتراوح ما بين 6 أشهر و18 شهرا)، ولعل ذلك هو ما يدفع القوى السياسية السورية، وفي مقدمتها (جماعة الإخوان) المتهمة زورا بحمل السلاح، إلى التأكيد على سلمية الثورة ودعوة الناس إلى الإصرار على ذلك، الأمر الذي يلقى استجابة جيدة بين الناس كما تؤكد ذلك الشعارات التي تطرح في المسيرات الشعبية.

على أن الثورة التي تتحرك على نحو شبه عفوي (بدأت تنظيم نفسها عبر لجان تنسيق في المدن والقرى)، لا يمكن أن تظل سلمية في حال إصرار النظام على حرف مسارها من جهة، وفي ظل ارتفاع وتيرة القمع على نحو عشوائي يطال نسبة كبيرة من الناس.

في هذه الحالة قد يأخذ الناس قرار الدفاع عن أنفسهم عبر ما تيسر من سلاح، فيما يمكن لبعض المنشقين عن الجيش أن يدفعوا في هذا الاتجاه، وهنا تحديدا تنهض القضية الطائفية ببعدها الخطير بالنسبة للطرفين، ذلك أن أركان النظام من الطائفة العلوية، وإلى جانبهم بعض من تشيعوا على المذهب الاثني عشري خلال العقدين الماضيين، سيعتقدون أنهم يخوضون معركة المصير، أما الطرف الآخر (السني) فسيشرع في منح الغطاء الديني لثورته في ظل صحوة دينية يتخللها نفس سلفي لا يجد غضاضة في التحريض المذهبي ضد «النصيرية» الكفار «الأخطر من اليهود» على ملة الإسلام، وقد برزت منذ بداية الثورة فضائيتان تستخدمان هذه اللهجة في التحريض على النظام.

في هذه الحالة ستندلع الحرب الأهلية بالفعل، وفيما لا يجد النظام ومن يحسبون أنفسهم عليه بدا من الانتصار، فإن الروح الطائفية التي توحدهم لن تلبث أن تقلب الغالبية السنية ضدهم، وستعني أن أبناءها في الجيش والأجهزة الأمنية لن يسكتوا على ما يتعرض له أهلهم من قمع، والنتيجة أن المسار الذي يريده النظام ضامنا للانتصار سينقلب ضده، وإن كلف الطرف الآخر ثمنا أكبر بكثير لجهة الضحايا والتضحيات.

خلاصة القول هي أن النظام لن ينتصر في معركته هذه كما انتصر في المعركة السابقة، سواء ورّط الثورة في مسار السلاح أم أبقاها في دائرة العمل السلمي، هذا بفرض أن أدوات التحكم باللعبة ستبقى رهن يديه طوال الوقت، والسبب بالطبع أن الظروف الموضوعية جد مختلفة، إن لجهة ما يشبه الإجماع الداخلي ضد النظام ولصالح مطلب الحرية، أم لجهة الظرف العربي والإقليمي (الموقف التركي على وجه التحديد) والدولي، فضلا عن ثورة الإعلام ووسائل الاتصال التي تفضح كل شيء وتمعن في تحريض الناس بشكل مباشر.

والنتيجة أن رحيل النظام هو أمر لا بد منه، لكن سؤال الزمن الذي ستستغرقه المعركة يبقى غامضا، ومعه سؤال الثمن الذي سيدفعه السوريون من دماء أبنائهم، وقبل ذلك سؤال التدخل الدولي الذي لا يمكن استبعاده، ليس حرصا على دماء السوريين، ولكن من أجل ضمان ألا يشكل الوضع التالي خطرا على الكيان الصهيوني، ولعل ذلك هو ما يفسّر المساومة السرية والعلنية التي يجريها النظام مع الغرب المتصهين لضمان وجوده مقابل ضمان أمن الدولة العبرية (هل تذكرون تصريحات ابن خال الرئيس رامي مخلوف لصحيفة نيويورك تايمز؟!).

=============

لماذا هذا الصمت العربي؟!

صالح القلاب

الرأي الاردنية

13-4-2011

مرَّ حتى الآن على «أحداث» سوريا ,التي بدأت في درعا في حوران في الخامس عشر من آذار الماضي, تسعون يوماً تنقَّلت خلالها هذه الأحداث من مدينة إلى مدينة أخرى حتى عمَّت البلاد كلها وكل هذا والعرب الرسميون يتعاملون مع كل ما جرى وما يجري في هذا البلد العربي بطريقة وبأسلوب :» إذِنْ من طين وإذِن من عجين» وكأن كل هذه الأحداث المتصاعدة تجري في كوكب آخر أو في آخر «ما عمَّر الله» في الكرة الأرضية!!.

عندما بدأت ثورة ليبيا ,التي لا تزال تراوح في مكانها بعد أن تحولت من حركة شعبية إلى مواجهات عسكرية يشارك فيها حلف شمالي الأطلسي بكل أسلحته وأساطيله, بادرت الجامعة العربية ,كفاها الله شرور الحاسدين والحاقدين, إلى التنادي لجلسة طارئة على مستوى وزراء الخارجية.

وعندما احتدمت المواجهات بين نظام الرئيس علي عبد الله صالح ,الموجود الآن في أحد مستشفيات الرياض هو وكل من يشكلون واجهة حكمه للاستشفاء بعد متفجرة مسجد دار الرئاسة التي غير معروفة حتى الآن هوية المسؤولين عنها, والثورة اليمنية التي هي ثورة سلمية وشعبية بالفعل, تحرك مجلس التعاون الخليجي مقابل صمت الجامعة وبدأ وساطة مبكرة تحولت إلى مهمة «ماراثونية» بلا نهاية وبلا أي نتائج فعلية والمنتظر أن يتواصل هذا الصراع وقد يتحول إلى حرب أهلية إذا لم يبادر الرئيس اليمني إلى التنحي وإذا بقي يتلاعب بعامل الوقت وبإعادة الأمور ,كلما لاحت بوادر إمكانية التوصل إلى الحل المنشود, إلى نقطة الصفر.

لماذا بادرت الجامعة العربية إلى اتخاذ ذلك الموقف المستغرب تجاه أحداث ليبيا منذ لحظة البداية بينما هي تقف هذا الموقف الاستنكافي ,إن سلباً وإن إيجاباً, تجاه أحداث سوريا ,التي لولا تدخل حلف الأطلسي عسكرياً إلى جانب الثوار الليبيين لكانت تجاوزت الأحداث الليبية بآلاف المرات,.. فهل أن ليبيا دولة عربية وسوريا ليست دولة عربية..؟!

كان المفترض أن تكون هناك وساطة رسمية عربية تجاه أحداث سوريا كوساطة مجلس التعاون الخليجي في اليمن فسوريا أيضاً دولة عربية إستراتيجية يجب ألاّ تُترك لتأكل بعضها بعضاً ويجب ألاّ تُترك للتدخل الإيراني الأمني والعسكري والتدخل التركي الذي من المتوقع أن يأخذ أشكالاً خطيرة جداً في ضوء التصريحات التي أدلى بها أخيراً عبدالله غول وكل هذا ورغم الاعتقاد الذي يصل حدود اليقين بأن دمشق الرسمية لن تقبل بما قبل به الرئيس علي عبد الله صالح ولو من قبيل المناورة والتلاعب بعامل الوقت.

لا يجوز أن يبقى العرب الرسميون يواجهون كل هذه التطورات المتلاحقة في سوريا بالصمت وبخاصة وأنه لا توجد أي مؤشرات بإمكانية الحسم النهائي لا في هذا الاتجاه ولا في ذاك وبخاصة أيضاً وأن ما يجري أصبح يشبه كرة ثلج منحدرة من فوق جبل جليدي بسرعة هائلة وأن خطر التشظي والانقسام بات يقترب من هذا البلد العربي الذي شاء من شاء وأبى من أبى يشكل رقماً رئيسياً وأساسياً في المعادلة العربية في هذا الوقت وكل وقت وفي هذا الزمن وكل زمن.

=============

سوريا بعد مصر وانتخابات تركيا !

الإثنين, 13 حزيران 2011

السبيل

فرج شلهوب

أخفق النظام السياسي السوري في أن ينتمي لعصر الشعوب العربية، وعبر عن مستوى مسف من الاستهانة بالشعب واحترام كرامتة وجدارته في تقرير مصيره.

أخفق حين لم يقرأ اللحظة السياسية والحاجة الملحة للتغيير، وأخفق بالتعبير عن أعلى مستويات السقوط الاخلاقي بالاستهانة بدماء الناس، وعدم الحساسية ضد سقوط الضحايا والتمثيل بجثثهم، واخفق حين افتقد للمصداقية والصدق، فلم يتورع ناطقوه وادواته الاعلامية عن انتهاج خط ثابت من تزوير الحقائق، والتجارة المفضوحة بالكذب والتدليس وتزييف الروايات.

وأخفق رابعا وخامسا بإصراره على البقاء في الماضي، وللأسف الجزء الأسوء من هذا الماضي، وبعناده الغبي في رفض الانتماء للمستقبل.

فالأداة الأمنية وبعقلية بربرية هي الجواب على المطالبة الشعبية بالإصلاح، واضمحلال الخيال السياسي والعجز عن المبادرة، هي عنوان السلوك السياسي البائس والعاجز ، لنظام قرر بفظاظته حسم نهايته وشطب شرعيته، قبل أن تبلغ ثورة الشعب أوجها وقبل أن تنجز مستحقات الانتصار، وهو اليوم يعيش وهما كبيرا، وهم الاستمرار بعد كل الدماء التي أريقت بيد عناصر النخبة من قواته الأمنية، ووهم إعادة عقارب الساعة الى الخلف، وكأن شيئا لم يحصل، بعد كل هذا السقوط الأخلاقي، الذي عبرت عنه ممارساته وسياساته الفجة والغليظة!!

سقط النظام وهو اليوم بحكم المنتهي، وقضية دفنه مسألة وقت ودون أن يذرف عليه شريف دمعة حزن، والأمنيات بأن يستوعب النظام اللحظة السياسية ويفهم رسالة الشعب سقطت، وانتهى الوقت للفهم والاستدراك، والمطلوب الآن إكمال دورة التغيير بأقل كلفة وأقصر زمن.

وفي هذا سيكون لموقف ضباط وكوادر الجيش السوري الدور الأبرز، في تسريع إنهاء الفصل الدامي من سلوك نظام يترنح، ليس على قاعدة تحويل سلاحهم ضد النظام وآلته العسكرية، ولكن عبر العصيان عن تنفيذ الأوامر، والتخلي عن مهمة حماية النظام والانضمام للشعب، فالحفاظ على سلمية الثورة السورية هو العنصر الأساس في انتصارها، وهو العنصر الأهم في اكساب الثورة الشرعية، وفي اسقاط الشرعية عن نظام القتل واراقة الدماء، وفي الوقت ذاته تخفيض كلفة انتصار الثورة من الأرواح والممتلكات، خصوصا أن النظام سيكون سعيدا بعسكرة الثورة، وسيعتبر ذلك فرصته الأهم للانقضاض على كل شيء، في معركة يعتبرها معركة حياة أو موت.

إن الثورة السورية معنية أن ترسل رسالة واضحة لكل السوريين، إنها ثورة الشعب السوري بكل فئاته وشرائحه الاجتماعية، وإنها من أجل كرامة ومصلحة كل السوريين، وإنها الأبعد عن عقلية الثأر ومعاقبة الناس بجرائم غيرهم، على الهوية أو الانتماء أو الماضي، وإنها ليست موجهة ضد أحد سوى سياسات الظلم والقهر والاستبداد والفساد، وانها سلمية تريد تكريس الدولة المدنية بمفهومها الحضاري، التي تقوم على اساس من احقاق العدالة والمساواة في ظل سيادة القانون، والتي يتمتع فيها كل السوريين بالأمن والعدل والرفاه، دولة تنبذ انفراد حزب او فئة او جغرافيا بإدارة الدولة، تؤمن بتداول السلطة وحرية التعبير والمشاركة السياسية.

ولعل أمام الثورة السورية فرصة كبيرة للحصول على إسناد سياسي ومعنوي من تركيا بعد الانتخابات، تركيا الجديدة التي تملك فيها حكومة اردوغان تفويضا شعبيا عاليا، وحرية تحرك أوسع، وسيطرة مهمة على اداءات الدولة، ذلك أن تركيا ليست سعيدة بذهاب الأوضاع في سوريا للفوضى، ولن تكون سعيدة بالتدخل الغربي في شؤون سوريا تحت المظلة الدولية، وربما ذهبت انقرة بنفسها لاجتراح مواقف متقدمة تقلص تداعيات المشهد في سوريا وتقصر من مدياته الزمنية، لأن انقرة تنظر لسوريا باعتبارها جزء من أمنها القومي، وهو ما يوجب تعاطيا مختلفا وأكثر تفاعلا من قبل الثورة السورية مع تركيا ودورها، وعلى قاعدة المصالح المشتركة وإنجاز الثورة السورية اهدافها. إن الثورة السورية معنية ان تكون واضحة تجاه رفض التدخل العسكري الغربي في شؤون بلدها، وأكثر وضوحا في التعبير عن هويتها العربية السورية التحررية المستقلة، وإنها لا تقبل المزايدة عليها في الموقف من قضايا العرب وتحرير بلادهم وتعزيز استقلالهم وبالأخص في فلسطين، وهذا لا يعني بالضرورة رفض الضغط على نظام القمع، عبر الارادة الدولية لوقف حمامات الدم، ولا بد من استحضار الموقف العربي الضاغط على النظام لوقف سياساته القمعية والاستجابة لإرادة الشعب، ولعل لدى أمين عام جامعة الدول العربية نبيل العربي ومصر الثورة الكثير مما يقولانه في هذا السياق، تماما مثلما أن ميدان التحرير في القاهرة، الذي انتصر لفلسطين ونكبتها، مطلوب منه خطوة مهمة تجاه الانتصار لثورة شعب سوريا، بعدما بلغ سيل الدماء هناك الزبى، خصوصا وقد تحول الميدان إلى منصة للتغيير ليس في مصر وحدها، ولكن في كل بلاد العرب وما هو أبعد من ذلك. سوريا وشعبها يستحقان من كل شريف في الأمة التفاته كريمة، وصمت الدول العربية على جرائم القتل مدان مدان، والحراك الشعبي العربي مطلوب منه أن يستحضر النصرة لثورة سوريا، فالمظلمة في سوريا صارخة.. ووزن سوريا في التغيير كبير، وهي مع مصر ستشكلان بوابة العبور للمستقبل العربي الحر من القيود وانظمة القهر والاستبداد، ومصر وسوريا في ظل رسم خطوط التواصل مع ليبيا وتونس والسودان، وتنسيق الخطى مع تركيا ستعيدان رسم الخرائط السياسية في المنطقة، لأبعد مما نقدر في هذه اللحظة، ولأبعد من حدود الجغرافيا المحلية وعناوين الاستقلال والتنمية القطرية.

=============

أبو رمان يدشن حملة "ليسوا منا"

الإثنين, 13 حزيران 2011

السبيل

دعا المحلل السياسي والكاتب الدكتور محمد أبو رمان أمس، إلى تدشين حملة “ليسوا منا” ضد الذين "يباركون جرائم النظام السوري ومجازره الهمجية".

وقال ابو رمان على مدونته الشخصية: "بالطبع ستفرح وكالة الأنباء السورية بخبر زيارة وفد من المحامين الأردنيين السفارة السورية، وتقديم الدعم والتأييد للنظام السوري هناك في حملته الدموية وقمعه للمدنيين والأبرياء والعزل، بذريعة مواجهة المؤامرة".

وأضاف: "ربما يكون هذا هو الوفد الوحيد الذي يصل إلى دمشق، ولديه الاستعداد للاستهتار بدماء الناس وأرواحهم وحياتهم هناك، وإعلان التأييد المبطّن للمجازر الدموية".

وتابع: "أيّ مؤامرة تجري ضد سوريا اليوم، أيها السادة المناضلون أكبر من المجازر الهمجية التي تقع على أهل درعا والشغور وحمص وبانياس وغيرها! وأيّ ممانعة تقوم على دماء وجماجم الأطفال والنساء والشيوخ! سؤال لهؤلاء المناضلين: هل درستم في الحقوق والقانون؟ إنّ إرهاب الدولة شرعي وإنّ وقتل المدنيين واعتقال الناس بالآلاف وأساليب التحقيق الهمجية والقتل بدم بارد وحكم العصابة كل ذلك قانوني وأخلاقي ودستوري؟!".

وزاد: "يا رفاق من المعارضة بماذا تعدوننا إذا حدث إصلاح سياسي وتمكنتم من استلام الحكم، إذا كان هذا هو فكركم فكيف ستتعاملون مع حقوق الناس الدستورية والقانونية والأخلاقية؟!"

وتسائل "هل يستطيع أفراد الوفد الموقّر أن يضعوا أعينهم بعين طفل سوري انتهكت براءته وعذّب وقتل بسبب أنه خرج بمسيرة تطالب بالإصلاح أم بعين أم ثكلى على ابنها الشاب الذي فقدته لا لشيء إلاّ لأنّه طالب بشيء بسيط من حقوق الإنسان، أيّ كرامة للأمة تنادون بها وكرامة الإنسان تدارس بالأقدام ويداس على رأسه من مرتزقة النظام السورية، ومدن تقصف بالمدفعية وطائرات الهيلكوبتر!"

ووجه كلامه للمؤيدين قائلا "موقفكم صحيح تماماً في حالة واحدة فقط أن يكون عشرات الآلاف الذين خرجوا يطالبون بحريتهم في أنحاء سوريا كافة عملاء خونة أو مغرر بهم، فعند ذلك لا يجوز أن نطالب بحرية الناس حتى لا نسهل الطريق إلى المؤامرة هنا في الأردن أو في الشام أو في اليمن أو في ليبيا أو في أيّ دولة أخرى، ولا بد أن نعتذر للرئيس المصري حسني مبارك وزين العابدين عن ظلمنا الشديد لهم".

====================

أسلحة الدمار الشامل في حلب

صبحي حديدي

2011-06-12

القدس العربي

 تشهد مدينة حلب السورية اتساعاً ملحوظاً في نطاق التظاهرات الشعبية، كما تتزايد أعداد المتظاهرين، وتتنوّع أكثر أكثر فئات أعمارهم وشرائحهم الطبقية، خاصة بعد انتقال الحراك الجماهيري من المدينة الجامعية إلى أحياء سيف الدولة وصلاح الدين والأعظمية وشارع النيل والجزماتي والأشرفية، فضلاً عن الكلاسة والصاخور وباب النيرب، بالطبع. ولقد بدا، في الأيام الأولى للإنتفاضة، أنّ حلب تأخرت عن اللحاق بركب المدن السورية، لأنّ حجم مشاركة المدينة (محاولة اعتصام في صحن الجامع الكبير، ثمّ ساحة سعد الله الجابري) لم يكن يتناسب، البتة، مع موقع مدينة ليست الثانية الأكبر في البلد، بعد العاصمة دمشق، فحسب، بل هي صاحبة تاريخ وطني وكفاحي وسياسي وثقافي مشهود.

تكاتفت سلسلة أسباب وراء تواضع المشاركة الحلبية، في رأسها أنّ النظام أطبق عليها الخناق (وأكثر ممّا فعل مع دمشق، كما يتوجب القول)، ففرض عليها حصاراً خارجياً، وأقام الحواجز في شوارع المدينة وأحيائها الرئيسية، كما نصب كاميرات المراقبة في الساحات العامة وأمام المساجد، ولجأ إلى طرائق أشدّ شراسة في تفريق التظاهرات أو الإعتصامات، لا تقتصر على إطلاق الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع. سبب آخر هو أنّ بعض كبار تجّار المدينة، بالتحالف مع بعض المشايخ ورجال الدين، لعبوا دوراً ميدانياً في تهدئة النقمة الشعبية، واعتمدوا في هذا أساليب شتى تبدأ من التلويح بقطع الأرزاق، ولا تنتهي عند إصدار الفتاوى.

وعلى سبيل المثال، سُئل الشيخ محمود عكام، مفتي محافظة حلب، عن شرعية التظاهر، فقال: 'مثل هذه الأعمال تحكم عليها نتائجها كما يقول الأصوليون، لأنّ النظر في مآلات الأفعال معتبر شرعاً، فإن قدّرت أن التظاهر يفضي إلى خير بشكل مؤكد، فليكن، وعندها فهو وسيلة مشروعة، وإنْ كان لا يفضي إلى خير بل ربما أفضى إلى فوضى وحنق وتصرفات غير مضبوطة، فهو  آنذاك  وسيلة غير مشروعة'. من جانب آخر، فإنّ زائر الموقع الرسمي لغرفة تجارة حلب ينتابه ارتياب بأنّ السادة التجار يعيشون في سورية أخرى غير هذه التي توشك على اختتام الشهر الثالث للإنتفاضة؛ وجلّ ما يوحي بالسياسة في الموقع هو اقتباس من بشار الأسد، مع صورته بالطبع، يقول: 'نحن أقوى من الجميع، لأننا مع الحقّ، لأننا مع الشعب، لأننا مع الله'!

في المقابل، ورغم أنّ الحصيلة تظلّ متواضعة  بالقياس إلى أصالة المدينة ومكانتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وبالمقارنة مع مساهمات المدن السورية الأخرى  فإنّ حلب انخرطت في الإنتفاضة منذ الجمعة الأولى، وتحايل أهلها على الإجراءات الأمنية الخانقة، مثلما واجهوها بدرجات عالية من روح التحدّي وحسّ التضحية. ولقد رأيناهم يتظاهرون، أيام الجُمَع وأيام الأسبوع، في النهارات وفي الليالي، فحملوا اللافتات ذاتها التي أشاعتها الإنتفاضة، وزادوا عليها بعض المغزى المحلّي الحلبي، تماماً كما فعل أهل درعا وجاسم وإنخل والصنمين والقنيطرة والسويداء ودوما وداريا والمعضمية ودمشق وبانياس وجبلة واللاذقية وجسر الشغور ومعرّة النعمان وإدلب وحمص وتل كلخ وحماة والرقة ودير الزور والقامشلي وعامودا...

وقرأنا، في واحد من تنويعات المقاومة الحلبية، بياناً يقول: قام شباب الثورة الأحرار في حلب بإزالة صورة شبّيح حيّ الكلاسة الأول الخسيس فلان، صاحب المتجر الفلاني، بعد أن كانت معلّقة فوق سياج جامع جمال عبدالناصر، تمهيداً لطرد الشبيحة جميعاً من حارتنا، واحداً واحداً، وأولهم فلان المعيوب، الذي دنّس اسم أجداده (غنيّ عن القول إننا، هنا، حذفنا الأسماء لاعتبارات لا تخفى). وفي تنويع آخر، أصغينا إلى مجموعة من الهتافات الذكية، مثل: 'وينك يا حلبي وينك؟'، 'ليش خايفين؟'، 'الله أكبر عالظالم'.

.. ليس دون طرافة، وتنكيت لاذع على أضاليل النظام، خاصة أكذوبة الأسلحة الثقيلة التي يمتلكها 'المندسّون'؛ إذْ يقول إعلان صادر عن أحد الحلبيين: 'عرض عسكري في إمارة الخالدية لصاروخ 'شحوار  3' المعدّل، الذي يصل مداه الى بلدة تلبيسة. استعراض لقنابل 'باذنجان  1'، التي تتمّ صناعتها في مزرعة أبو خالد، وتُباع عند خضرجي الحارة أبو محمد. تجربة على الرشاش الأوتوماتيكي 'ملزمة  2'، الذي تمّ تصنيعه في المدينة الصناعية في حسياء'! هذه عيّنات من 'أسلحة الدمار الشامل' التي يمكن أن يشهرها الحلبيون أثناء تظاهراتهم السلمية، في وجه قوى النظام الغاشمة التي لن تتردّد في استخدام أيّ سلاح ثقيل، فضلاً عن المدفعية وراجمة الصواريخ والدبابة والمروحية، لكسر الإحتجاج وتفريق المتظاهرين.

هي حلب، إذاً، العريقة العتيقة السامية، التي عرفت  قبل حصار اللواء شفيق فياض سنة 1980، وحصار العميد ماهر الأسد سنة 2011  غزوات الأكاديين والبابليين والحثيين والميتانيين والفراعنة والآشوريين والفرس والروم والسلوقيين والسلاجقة والمغول والتتار والمماليك والصليبيين والعثمانيين والفرنسيين. ويخطىء النظام، خطأ قاتلاً، إذْ يحتسبها على ذمّة حلفائه من منافقي التجّار والمشايخ، لأنّ واحداً من أبهر انتصارات الإنتفاضة السورية سوف يُحرز هناك، في حلب الشهباء، إلى حيث رنا أبو الطيب المتنبي بعينيه، وهتف:

نحن أدرى وقد سألنا بنجدٍ/ أقصيرٌ طريقُنا أم يطولُ

كلما رحّبتْ بنا الروضُ قُلنا/ حلبٌ قَصْدُنا وأنتِ السبيلُ...

=============

القرارات الصعبة

الإثنين, 13 يونيو 2011

غسان شربل

الحياة

اختصر أحد الحاضرين قراءته الوضع في سورية ببضع عبارات. قال ان سورية انضمت الى نادي الدول المضطربة التي أصابها الربيع العربي في استقرارها ووضعها أمام أسئلة صعبة عن المستقبل وسبل الخروج من الحاضر المأزوم والأثمان المترتبة على اعتماد هذا الخيار أو ذاك.

ورأى، في جلسة ضمت عدداً من السياسيين، أن ثلاثة اشهر من الاحتجاجات أفضت الى المشهد التالي: محاولة الجمع بين الحل الأمني ووعود الإصلاح لم تفلح في استعادة الاستقرار. نشأ على الأرض وضع ينذر بأزمة طويلة. السلطة غير قادرة على وضع حد نهائي للاحتجاجات. الاحتجاجات غير قادرة على إطاحة السلطة. استخدام القوة المفرطة لإنهاء الاحتجاجات ألحق أضراراً بصورة سورية في الخارج. خسرت دمشق علاقتها مع الدوحة. تراجعت علاقتها مع أنقرة. انتقلت علاقتها مع باريس من الود والتشجيع الى المرارة والرغبة في العقاب.

أعرب المتحدث عن أمله بألا تقع سورية في خطأ الإسراف في الرهان على الموقف الروسي. روسيا الحالية هي غير روسيا القديمة أو الاتحاد السوفياتي. مصالحها الهائلة مع أوروبا لا تقارن بمصالحها مع سورية، على رغم أهمية الأخيرة خصوصاً لجهة توفير موقع على المتوسط. صحيح أن سورية صاحبة تجربة في مقاومة الضغوط الدولية، لكن الفارق اليوم هو ان الضغوط من الخارج يواكبها اضطراب في الداخل.

رأى المتحدث أن الخيار الأقل كلفة حتى الساعة هو أن يقود الرئيس بشار الأسد عملية التغيير، شرط أن يتخذ قرارات صعبة وربما مؤلمة: تقليص دور حزب البعث لإشراك أطياف سياسية كانت ممنوعة أو مهمشة، وتقليص سيطرة المؤسسة الأمنية على الحياة السياسية وحريات المواطنين. لن يكون الأمر سهلاً لكن الخروج من المأزق متعذر من دون مجازفة من هذا النوع، ستساهم في عزل المجموعات التي تراهن على فرض التغيير عبر استخدام السلاح.

متحدث آخر اعتبر ان على سورية ان تعيد صوغ موقعها الإقليمي، في ظل توازن قوى يرفض التسليم بحقها في استخدام الأوراق التي جمعتها سابقاً، ومكّنتها من لعب أدوار عراقية ولبنانية وفلسطينية. وأضاف ان بعض العلاقات التي كانت مصدر قوة، قد يتحول عبئاً لدى اختلاف الظروف كالتحالف مع إيران و «حزب الله». قد لا يكون المطلوب إنهاء هذه العلاقات وربما تكفي إعادة التفكير في درجة استخدامها وتأثيرها في سياسات الداخل والخارج معاً.

طال النقاش وتباينت آراء الحاضرين. الأكيد هو ان التطورات في سورية حاضرة على الشاشات، وفي اللقاءات، وكذلك في الغرف المغلقة. يكفي ان يتصل الصحافي بأصدقائه في بغداد وعمان وبيروت وأنقرة ليدرك حجم القلق في الدول المجاورة لسورية. غرق سورية في نزاع دموي طويل سيرتب أثماناً باهظة. انفجار الخريطة السورية سيكون كارثياً. العقلاء في العواصم الأربع ما زالوا يراهنون على الخيار الأقل كلفة، وينتظرون من دمشق قرارات صعبة تقلب مسار الأحداث. وعامل الوقت بالغ الأهمية في هذا النوع من الأزمات، خصوصاً حين يلتقي اضطراب الداخل بضغوط الخارج.

=============

لماذا لا يمكن لسنوات الخوف في سورية أن تعود؟

الإثنين, 13 يونيو 2011

رضوان زيادة *

الحياة

لم يكن لحديث رامي مخلوف ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد الى صحيفة «نيويورك تايمز» في 10 أيار (مايو) الماضي من دور سوى إظهار ما يعرفه الخبراء في الوضع السوري عن طبيعة النظام إلى العلن، فالشخص الذي لا يحتل أي منصب رسمي يتكلم باسم النظام، ويشير إلى أن النظام سيقاتل حتى الرجل الأخير.

إنها مقابلة شبيهة بخطاب سيف الإسلام القذافي في الأسبوع الثالث من بدء الاحتجاجات في ليبيا، فعلى رغم أن سيف الإسلام لا يحتل أي منصب رسمي، إلا أنه عملياً الشخص الثاني في النظام الليبي بعد القذافي الأب، وقد توعد حينها بأن العائلة ستقاتل حتى آخر فرد وحتى آخر قطرة دم.

الطريف في الأمر اليوم أن آلية إدارة أزمة الثمانينات خلال الصراع الدموي بين أجهزة الأمن السورية وحركة «الإخوان المسلمين» بين عامي 1979 و 1982 هي نفس الطريقة التي يستخدمها النظام اليوم في محاولته قمع الاحتجاجات السلمية، على رغم أن الشيء الجوهري المتغير هو طبيعة التحرك السلمي للمتظاهرين، وهو ما يختلف كلياً عن أزمة الثمانينات، بالإضافة إلى التغير الكبير الذي طرأ على موقف المجتمع الدولي.

هناك أربعة اختلافات جوهرية تحول دون أن يكون حل الثمانينات هو الطريقة الناجعة لمعالجة الأزمة اليوم، بحيث لا يمكن للنظام أن يكرر ما فعله آنذاك.

هذه الاختلافات هي:

1- حجم وطبيعة الاحتجاجات الشعبية: فهي غير متمركزة في مدينة واحدة أو اثنتين كما كانت عليه في الثمانينات، بل انتشرت اليوم إلى أكثر من 84 مدينة وبلدة سورية، وهو ما يحد من قدرة النظام على قمعها أو سحقها، وسيكلفه ذلك الكثير من المواقف الدولية وتماسك جبهته الداخلية.

2- سلمية الاحتجاجات الشعبية حيث أنها حافظت على سلميتها منذ اليوم الأول لها أي 15 آذار (مارس) الماضي وتجنبت استخدام العنف إلى أقصى الحدود، على رغم كمية العنف الهائلة التي قوبلت بها والعدد الكبير للشهداء الذين سقطوا والذين تجاوز عددهم الألف شهيد حتى الآن.

وذلك بسبب وعي شباب التظاهرات الكامل إلى أنه في اللحظة التي يلجأون فيها لاستخدام العنف فإن ذلك سيعطي النظام مبرراً لسحق الأبرياء بلا هوادة ومن دون حتى أن يحصلوا على تعاطف المجتمع الدولي.

3- دور الإعلام: حتى الآن ما زلنا نتحدث عن أعداد تقريبية للأشخاص الذين قتلوا في حماة عام 1982. البعض يقول 20 ألفاً وآخرون يقولون 25 ألفاً، وبعد مرور ثلاثين سنة ليس لدينا التوثيق الكافي والضروري لما حدث، كما أن الحكومة السورية لم تفتح تحقيقاً أبداً لمعرفة عدد الضحايا على الأقل، أما في حالة الأزمة اليوم فتصلنا معلومات لحظة بلحظة عما يحصل من خلال اتصالات الأهالي وشهاداتهم واستنجادهم بالحقوقيين، كما نحصل أيضاً على وثائق مصورة ومسجلة عما جرى. على رغم أن النظام السوري يمنع وجود الإعلام في شكل مطلق لنقل ما يجري على أرض الواقع.

4- دور المجتمع الدولي: فإذا كان النظام السوري في الثمانينات تحت حماية سوفياتية أمنت له التغطية الدولية فإن الولايات المتحدة نفسها لم تصدر آنذاك بياناً تدين فيه ما يجري، وقد استطاع النظام أن يحسن علاقاته مع الولايات المتحدة عندما شاركت القوات السورية في معركة إخراج القوات العراقية من الكويت عام 1991، أما اليوم فإن الإدانات الدولية تتصاعد منذ اليوم الأول لاستخدام العنف ضد المتظاهرين، مع ضرورة تذكر النموذج الليبي كمثال يوضح الدور المباشر الذي قد يلعبه المجتمع الدولي إنسانياً لحماية المدنيين، من خلال إسقاط الشرعية عن نظام القذافي، مما يلفت نظر النظام السوري إلى إمكانية التعرض لمعاملة مماثلة من المجتمع الدولي.

وفي الحقيقة فقد تمكن المجتمع الدولي من إصدار قرار مهم من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يقضي بإرسال لجنة تحقيق دولية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في سورية، لكن يجب على المجتمع الدولي أن يتحرك بسرعة لاستصدار قرار من مجلس الأمن بإدانة عنف السلطات السورية تجاه المتظاهرين وفرض عقوبات دولية تطال الأشخاص والمؤسسات الذين أمروا بإطلاق النار على المتظاهرين أسوةً بما اتخذه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من إجراءات، وأيضاً أن تتم إحالة الملف السوري إلى محكمة الجنايات الدولية تماماً كما حصل مع ليبيا.

* باحث زائر في جامعة جورج واشنطن

=============

إلى من يقارنون البحرين بسوريا

طارق الحميد

الشرق الاوسط

13-6-2011

هناك محاولات مستميتة، من دول ووسائل إعلام، لمقارنة البحرين بسوريا، والهدف الضغط على البحرين، وفك الخناق عن نظام الأسد. وأبسط مثال هو التعامل مع الحفل الخطابي لجمعية الوفاق الشيعية في البحرين، حيث تم تصويره على أنه «عودة للتظاهر» بينما عقد الحفل بإذن من الحكومة البحرينية. فتجمع الوفاق يعد بحد ذاته ردا على من يقارنون البحرين بسوريا، وقد يقول البعض: كيف؟ فالمعروف أن العفو عند المقدرة، وليس عند الضعف، وعندما يعفو ملك البحرين من موضع قوة، يكون لذلك قيمة ومصداقية، خصوصا وقد رفع قانون السلامة الوطنية قبل موعده بشهر، وكرر الدعوة للحوار، وها هو يسمح ل«الوفاق» بالتجمع. بينما نجد أن نظام الأسد يعلن العفو وهو مستمر في القتل والاعتقالات، ويقول إنه رفع قانون الطوارئ بينما دباباته تجوب الشوارع السورية!

وها هم السوريون الأبرياء يثبتون أن ثورتهم ليست طائفية، بل إن النظام هو من يكرس الطائفية، بينما يخرج علينا الرئيس الإيراني قائلا إن لديه خطة لحل مشكلة البحرين، وهو الذي لم يستطع حل مشكلاته، وليته يمنع الإيرانيين من مساعدة نظام الأسد، فالإيرانيون متورطون في سوريا، وليسوا كقوات درع الجزيرة حيث دخلت البحرين على اعتبار كونها جزءا من المنظومة الخليجية، ولحماية المؤسسات، وعلنا، ولم تنزل القوات لشوارع البحرين، أو تشارك، مثل الإيرانيين، في سوريا.

الإشكالية أننا أمام عملية تزوير ضخمة، من إيران، وبعض وسائل الإعلام، ففي البحرين ابتلي الإعلام الغربي ب«الناشطين» الشيعة، مثلما ابتلي الإعلام العربي ب«محللي» النظام السوري. ولذا أدعو المهتمين بالشأن البحريني لقراءة كتاب مهم جدا، ويستحق الترجمة للإنجليزية، وهو «الحركات الدينية في الخليج العربي» لباقر سلمان النجار، بحريني شيعي علماني، (الطبعة الأولى 2007)، حيث يكشف حقيقة الجمعيات الشيعية في البحرين، وفي الكتاب نجد أن المطالبة بالجمهورية الإسلامية ليست وليدة اليوم، أو لحظة انفعال، ولكنها تتويج لمشروع منذ سنوات.

كما يشير النجار لأمر مهم، وهو أن «الوفاق»، مثلا، لديها قناعة بأن التغيير في الخليج لا يتم إلا عبر الضغط الخارجي، وذلك أعقاب، أو قل استغلالا لأحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 الإرهابية في أميركا، حيث لاحظ النجار أن الضغط الغربي يزداد فقط على دولتين خليجيتين وهما السعودية والبحرين، ويقول (ص 82): «وهذا ما يفسر اتجاه كوكبة من رموز جمعية الوفاق وقادتها، وبعض القوى السياسية الشيعية في البحرين والمملكة العربية السعودية، نحو توظيف علاقتها مع الشخصيات السياسية البريطانية، ومع منظمات المجتمع المدني البريطاني بغية ممارسة الضغط على السلطات المحلية لإحداث إصلاح سياسي على نحو سريع أو استخدام منابر هذه الدول لفتح الملفات الداخلية الساخنة كالتعديلات الدستورية وما يسمى التجنيس السياسي على الرأي العام البريطاني والأوروبي». وربما يفسر هذا لماذا تم إلغاء سباق الفورميولا من البحرين مؤخرا!

وعليه، فبينما نرى السوريين لا يستعينون بدعم خارجي بحثا عن حقوقهم، كما أنهم ليسوا طائفيين مثل النظام الذي يكرس الطائفية، ويرددون: «لا إيران ولا نصر الله.. بدنا ناس تخاف الله»، تتم المناداة في البحرين بالجمهورية الإسلامية، فهل اتضح الفارق الآن؟

=============

الأزمة السورية مرحلة جديدة!

سميح شبيب

الايام

13-6-2011

دخلت الأزمة السورية، في الآونة الأخيرة، منحىً جديداً  آخر، غير ما شهدته منذ بداياتها من تظاهرات سلمية واحتجاجية، وصلت حد الصدام المسلح بين بعض قطعات الجيش وفئات الشعب، انطلاقاً من حوران.

اختارت السلطة السورية طريق القمع واللجوء إلى الأمن والجيش، لإنهاء مظاهر الاحتجاجات والحيلولة دون اتساعها، لكن النتائج جاءت عكسية تماماً.

فشلت محاولات إقناع السلطة السورية، بضرورة اللجوء إلى الحل السياسي والمدني، ذلك أن هنالك من قادة الجيش والأمن، لا من يعتقدون بوجود معارضة، أو أية حقوق مدنية خارج نطاق المؤسسة الأمنية والعسكرية والحزبية. جاءت طرائق المعالجة للأزمة، سخيفة وبلا معنى، وبلا حجة مقنعة لأحد، وتزايدت الدلائل والمؤشرات، حول ضعف الأداء الإعلامي والسياسي للأزمة، إلى أن وصلت الأمور إلى منعطف جديد، تمثل بنزوح الآلاف من المواطنين السوريين من جحيم بلادهم، إلى ربوع تركيا، التي ما توانت عن فتح صدرها لهم، وإيوائهم في معسكرات اتسعت لزهاء 4400 لاجئ.

تركيا تربطها بسورية وشائج عدة، تاريخية وسكانية وعرقية، كما تشارك سورية في حدود طويلة، تشكل لها أبعاداً أمنية، خاصة بوجود الأزمة الكردية، حاولت تركيا جاهدة، منذ بداية الأزمة، الاتصال بالأصدقاء السوريين، ذلك أن خطى عدة، سبق أن أنجزت في هذا الطريق، وإزالة النقاط الخلافية العالقة.

وعد النظام السوري، بإجراء إصلاحات متنوعة وسريعة، ومنها، إلغاء حالة الطوارئ، وسن قانون الأحزاب، وإطلاق الحريات الديمقراطية، وتعديل مواد من الدستور، لكن شيئاً من هذا لم يحدث، بل على النقيض من ذلك، انطلقت فيالق الجيش، خاصة الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، داخل المدن والبلدات والقرى، لتعيث فساداً، ما بعده فساد، ومنعت التغطيات الإعلامية، مهما كان لونها ومصدرها.

حاولت تركيا أكثر من مرة، نصيحة الجيران، بمخاطر الحل الأمني، وكانت في كل مرة تتلقى كذباً على كذب، إلى أن وصلت الأمور، حد هجرة المواطنين السوريين لديارهم، هرباً من الجحيم. ستؤثر هذه الهجرة على تركيا، ولا بد لها أن تتخذ موقفاً محدداً وحاسماً إزاء ما يجري، خاصة أن العدد المرشح للنزوح، بالأيام القليلة المقبلة، يصل إلى زهاء عشرة آلاف نازح.

خسرت سورية علاقتها الطيبة مع الجارة تركيا، بعد أن قامت ببنائها بنجاح وصعوبة في آن، كما خسرت سورية علاقتها مع فرنسا، بعد أن أنجزت خطى مهمة في بنائها.

لم يعد لسورية أصدقاء، سوى بعض الدول التي ترقب ما يحدث دون رضى منها. وهي تحاول أن تثني سورية عن الحل الأمني، واللجوء للحل السياسي  المدني.

لقد فات الأوان، على أي جهود ترجع الجيش إلى ثكناته، وأن تقنع قوى المجتمع المدني السوري بالجلوس إلى طاولة مستديرة، ذلك أن ما حدث حتى الآن، برهن، وعلى نحوٍ قاطع، على أن طبيعة النظام السوري القائم، منذ العام 1970 وحتى الآن، هو نظام أمني، لا يؤمن إلاّ بالقمع، وسيلة لحسم الأمور.

=============

سقوط الأقنعة ... وممانعة تزييف الوعي!!

د.عبدالله القفاري

الرياض

13-6-2011

 أهم ما يمكن قراءته في هذه المرحلة أن جدران الأكاذيب بدأت تتهاوى. وأن محاولة تزييف الوعي لم تعد تجدي، والممانعات المتهافتة في مواجهة تلك المطالب لم تعد مؤثرة وفاعلة. النظام العربي المأزوم مع شعبه يواجه اليوم محنة كبرى واختباراً يصعب عليه اجتيازه دون ان يسلّم وينفذ ويخضع لمطالب شعبه او عليه أن يقف أمام احتمالات أكبر

كل يوم يمرّ على المشهد العربي المتخم بإرهاصات التحول الكبير، يظهر بأن التأثيرات الكبرى التي سيخلفها أكبر بكثير مما يتصور البعض. وهي لن تطال السياسي الآني وحده بل ستصل إلى عمق الوعي بمفاهيم وقيم ومنظومات طالما تم تكريسها في منطقة المشرق العربي على وجه الخصوص منذ منتصف القرن الماضي.

وعلى الرغم من صعوبة الطريق ومشقته، والخراب المتوقع الذي طال وسيطال بنيانا هشا أخذ يتهاوى خلال الشهور الماضية شيئا فشيئا، إلا ان أعظم ما كشفته الاحداث والتطورات هو هذا الافتراق الهائل بين النظام العربي وشعبه، بين الحكومات ومواطنيها، بين الاجهزة والجمهور العابر على جمر اليومي الحارق، وعلى الرغم من الكلفة العالية في البلدان العربية التي طالتها رياح التغيير العاصفة، ورغم القلق الكبير من المجهول الذي لم تتشكل بعد ملامح تقدم الثقة بمعطياته الآنية، إلا أن الثابت في كل هذه التطورات أن العودة لصيغة الماضي في تحكيم تلك العلاقة باتت من الماضي.

في مشهد التخبط في ممانعة التحول، أو محاولة الالتفاف عليه بصيغ لا تحظى بالثقة او القبول، يبرز السؤال حول مستقبل تلك التحالفات التي عرّتها تلك الاحداث، وهي تضع نفسها في مواجهة شعوب أخرجتها اختناقاتها وتراكمات أزماتها مع النظام لعقود، لتسقط اليوم في وحل الدفاع عن الاستبداد بل والتغطية على القتل المنظم، وهي تقدم اسوأ ما يمكن تصوره لدور المثقف او النخبوي او المفكر او المناضل الذي يناقض الحد الادنى لوجوده او معنى وجوده.

وما يحزن أكثر ليست هذه الجهود المعروفة المصدر والمكشوفة التوجه والساقطة في وحل التآمر على ابسط حقوق الانسان، وهي تتعامى عن هذا الدموية العمياء وهذه المجازر البشعة وهذه المواجهة الكبرى لإحباط وإسقاط اول مشروع حقيقي يحاول ان يستعيد من خلاله الانسان العربي هوية ومعنى وجوده كإنسان قبل أي شيء آخر. إن ما يحزن أكثر ليس اولئك الذين يعملون بوعي في هذا الاتجاه، عبر قراءات وتخريجات وحملات يزخر بها مشهد عربي مضطرب، وهم يوظفون مواهبهم وقدراتهم وعلاقاتهم لمواجهة الشعب/الخصم... المحزن أن يصطف الى جانب هؤلاء من لا يدرك أو لا يريد أن يدرك او يحاول ان يتجاهل، او يبرر تحت وطأة الايديولوجيا المتغلغلة في تكوينه لدرجة العمى، او ممن لا يرون العالم الا من خلال رؤية كشفت الايام أنها إن صحت في مراحل او مواقف، فمحاولة إعادة تسويقها اليوم على ذلك النحو إنما هي دعم لجهود وأد وتصفية أنبل المطالب وأكثرها انسانية.

وفي خضم هذا المشهد المفتوح على كل الاحتمالات، ومع كل الغموض المقصود لإرباك المواقف، يظهر فيه فريقان كبيران. فريق النظام الممانع وجوقته واجهزته وحلفاؤه، وفريق الشارع الذي ينزف دماً وهو يجود بآخر ما تبقى له على مذبح الكرامة والحرية.

هذه الجموع التي نراها لا تملك خطابية المناضلين السابقين، ولا محترفي السياسة الانتهازية، وموجهي الرأي العام نحو المعتم والمجرب والمعروف. إلا انها تجمعها قضية واحدة، حمولتها الكبرى في بساطتها، وعمقها في ضرورتها ومشروعيتها، التي لا تحتاج لقدرة فذه للدفاع عنها بعد ان خذلها بائعو الوهم من مثقفي الشعارات.

لم يظهر مثقفو الشعارات بهذه الصورة المكشوفة التي تحاول أن تئد هذا الحراك غير المسبوق إلا بعد أن هبت رياح التغيير على سورية. هذه البقعة العربية المشرقية حالة استعصاء، نموذج لم يعد يشبهه نموذج آخر في العالم. إخضاع مذل أفقد الانسان ملامحه. براعة في حبك المؤامرات، وبناء التحالفات. حمى النظام نفسه من الخارج إلى أن فاجأه انفجار الداخل.

أتفهم أن يكون ثمة رأي آخر يتخوف ويحتاط من سرقة هذا التوجه الشعبي نحو اقرار حقوق طبيعية وبوسائل سلمية، أتفهم ان تكون محاولة لحفظ سورية الكيان العربي القابع في اخطر مفاصل العرب الجغرافية وأكثرها أهمية .. لكن ان يتحول هذا الجهد لترويج مؤامرة غربية اأمريكية - صهيونية - إقليمية أدواتها أشباح مسلحة تستولد كل هذا الحراك وتدفع به وتحرض عليه.. وعلى مدى ثلاثة اشهر. هذه السيناريوهات التي يتم ترويجها تتهافت سقوطا، وفي كل مرة يتم استعادة سيناريو جديد في محاولة جديدة لخلق مزيد من الغموض والإرباك.

ثمة سمة لا تغيب إلا نادرا عن تلك القراءات التي تستهدف التأثير ممانعة في سياق هذه التطورات عبر استدعاء مشروع فاسد مقابل مشروع مستبد، هذه المقابلة التي تحاول ان تضع احتمالات إنتاج مشروع فاسد أمام مشروع مستبد، تفعل فعلها وتؤثر في تكوينات لها مصالحها ومخاوفها ايضا. وهي وإن كانت تجهد في هذا المنحى لتقدم قلق الاحتمالات على انغلاق الواقع إلا انها قلما دانت حالة قمع دموي لا نظير لها ولا مستقبل للقتلة في استنقاذ أوطانهم من ايام كالحة السواد. أما اولئك الذين يرون ان المشروع الديمقراطي يجب ان يتلازم موضوعيا مع مشروع التحرر الوطني وفك التبعية مع الامبريالية كمقدمة لمشروع الوحدة العربية العربية!!. فهم ليسوا فقط أسرى لأوهام او شركاء في أكاذيب. انهم متحالفون في ممانعة فجة لتحوّل ممكن تحت وطأة الاخضاع لشرط متوهم. انها محاولة متكررة في ادبيات القراءات التي تحاول ان تشكك في هذا الحراك ومستقبله تحت قابلية الهيمنة الامبريالية، وكأن النظام العربي الممانع ليس اقل جورا او تعطيلا او إنهاكا من أي امبريالية حقيقية او متوهمة.

لم يعد ترويج مخاوف الهيمنة الامبريالية سوى بيادق خشبية متهالكة يحركها هؤلاء ضمن معادلة الصراع التي يتقنون توظيفها. بالتأكيد ثمة مصالح غربية من المشرق الى المغرب العربي. ثمة محددات في علاقة الغرب بالعرب، ثمة نفط وكيان اسرائيلي ومظالم تاريخية ومشاعر قلقة وشكوك لها وجاهتها وتستمد مشروعيتها من تاريخ الحقبة الاستعمارية وما تلاها. الغرب لم يكن يوما جمعية خيرية، لكنه ايضا تحت تأثير مؤسسات مجتمع مدني مؤثر، وأنصار حقوق الانسان وجمعيات حقوقية كثيرة تملك حيزا في تقرير مستقبل الساسة، ومن منظور سياسي يقرأ في مشهد عربي لم يعد هو ذلك المشهد القديم المستكين تحت جناح انظمة الاحتباس، وضمن مفاهيم التعاطي الغربي البراجماتي مع المنطقة وتطوراتها ظهر أنه موقف رغم التباسه احيانا او تعطيله متقدم عن مواقف دول اخرى انتهازية كالصين وروسيا خلو من تلك التأثيرات، إلا انها تخضع في نهاية المطاف عندما تدرك أن عليها ان تهرع من اجل نصيبها من كعكة المصالح. الموقف الغربي يجب ان يُقرأ بموضوعية، كما يجب ان تستعاد الثقة بقدرة الانسان العربي الذي احدث كل هذا التحول في الدفاع عن أهدافه، ولن يكون ثمرة ساقطة في فم الامبريالية بمجرد تهاوي النظام الممانع الذي لم يطعمه سوى الشعارات.

ومن التوافق الغريب حول الاهداف رغم التناقضات والخصومات، سنجد الى جانب هؤلاء الذين يمتحون من وحي المؤامرة، من يهوّن ويشكك من شأن مستقبل هذه التطورات تحت حجية او وطأة الثقافة العربية الشعبية الاستبدادية وغير الديمقراطية، وغلبة النزعة الطائفية ومخاوف سطوة جماعات الاسلام السياسي من سلفيين وسواهم!!. وهنا إن غابت المؤامرة لن تغيب إثارة المخاوف المحتملة أو المتخيلة.

وهذا التخوف الذي تثابر دعاية النظام العربي المأزوم على تغذيته، بلغ حد المبالغة لدرجة الهلوسة أحيانا. فعلى الرغم من التنوع في المجتمع العربي الديني والمذهبي والقبلي والقومي يجعل من المستحيل عملياً سيطرة جزء او توجه او جماعة او طائفة على المجتمع برمته. كما أن مقومات الحراك العربي الشعبي السلمي قائم على فكرة محورية بل بدت وكأنها فكرة راسخة بغض النظر عن التفاصيل. إنها مسألة الحرية، وقبول النظام التعددي، وهو مناقض موضوعي لوضع قائم على غلبة واحتكار حزب او طائفة او جماعة.

أهم ما يمكن قراءته في هذه المرحلة ان جدران الاكاذيب بدأت تتهاوى. وأن محاولة تزييف الوعي لم تعد تجدي، والممانعات المتهافتة في مواجهة تلك المطالب لم تعد مؤثرة وفاعلة. النظام العربي المأزوم مع شعبه يواجه اليوم محنة كبرى واختباراً يصعب عليه اجتيازه دون أن يسلّم وينفذ ويخضع لمطالب شعبه او عليه أن يقف امام احتمالات أكبر.

=============

سورية والخطُّ الأحمر !

آدم فتحي

القدس العربي

13-6-2011

في نصٍّ بعنوان ' المواطن والكلب' يعقد محمد الماغوط حوارًا طريفًا بين الحيوان والإنسان، مختزلاً تراجيكوميديا الكائن العربيّ المُجرّد من إنسانيّته إلى حدّ اللجوء إلى ' كلب' لبثّه الشكوى ومقاسمته المحنة، غير بعيد عن عادة العرب القدامى حين كانوا يتحيّرون ليلاً فينبحون لتنبح الكلاب فيقصدونها بحثًا عن طعام أو ملاذ.

إلاّ أنّ الاستنباح في نصّ الماغوط لا يحرّك الكلاب الصديقة بل يستدعي الشرطيّ، مفرّق الجماعات، بما فيها الجماعات النابحة المستنبحة! ويرتدي الشرطيّ في هذا النصّ قناع النظام الحاكم، لكنّ القناع يبدو أكثر إنسانيّة من الوجه.

في نهاية النصّ ينظر الشرطيّ إلى المواطن كإنسان ويكاد يتجاوب معه. أمّا في الواقع فالنظام يقتلع المواطن من إنسانيّته ليسهل عليه الفتك به. هكذا يتجرّد النظام من إنسانيّته فيما هو يظنّ أنّه يلغي إنسانيّة شعبه، فإذا نحن أمام تجسيدين جديدين لظاهرة ' الهُومُو ساكِير': القاتل والقتيل، الأوّل يغذّي الظاهرة بينما الثاني ينتفض عليها.

تشخيصٌ يفرض نفسه على كلّ ذي ضميرِ حيّ أمام البطش الذي يُعامَلُ به أهلُنا في سورية الصامدة، سورية التاريخ والحاضر والمستقبل، سورية الصبر والنضال، سورية الفكر والفنّ والإبداع والكلمة الحرّة التي لم تفلح القبضة الإسمنتيّة المسلّحة في كبتها ولم تفلح المنافي في إخماد شعلتها.

الهومو ساكير (Homo Sacer ) في القانون الرومانيّ القديم هو شخصٌ يمكن أن يُقتَل دون أن تنتج عن ذلك جريمة قتل! أي أنّه منْفيٌّ إلى منطقة ' منزوعة الإنسانيّة'، لا حصانة له في القانون البشريّ ولا حرمة له في القانون الإلهيّ.

لم تندثر هذه الظاهرة مع روما. وها هي القوى الكبرى وإسرائيل و' تلميذتُها النجيبة' الأنظمةُ الاستبداديّة العربيّة تتصرّف وكأنّ الشعوب مُجرّدةٌ من حرمتها البشريّة، يمكن قتلُها بمنأى عن كلّ حساب أو عقاب! وهل نحن إلاّ أمام محاولة فاشلة لإضافة أهلنا في سورية إلى سلالة الهومو ساكير؟

استشهد ما يناهز الألف سوريّ وسوريّة حتى كتابة هذه الأسطر، وانتهكت قوّة العسكريتاريا قرابة التسعين مدينة وقرية من مدن سورية وقُراها الشامخة، كلّ ذنبها أنّها تطالب بمجتمع ديمقراطيّ لا انفراد فيه بالسلطة ولا كبت للرأي ولا إلجام للتعبير ولا توريث للحكم ولا سرقة للثروة.

يحدث كلّ ذلك بينما البعض لا يكفّ عن تكرار نفس الحجج ' التآمريّة' الواهية لتبرير الصمت أو التواطؤ، جاعلاً من ' الخصوصيّة السوريّة' مانعًا من الثورة والديمقراطيّة، بدايةً من حضور الطائفة وهيمنة الجيش مرورًا باختلاف هامش الحراك السياسيّ الاجتماعيّ وأهميّة الجوار الإسرائيليّ.

خصوصيّة لا تمنع الاشتراك في الدوافع نفسها التي دفعت الشعب إلى التحرّك في تونس ومصر وغيرهما، لأنّها لا تمنع الاشتراك في المحنة العربيّة نفسها، من حيث غياب المشروع الحضاريّ وتغييب الإنسان المواطن وتوريث السلطة والثروة وتحالُف الفساد والاستبداد وتجيير عنف الدولة إلى مصلحة العصابة الحاكمة.

لماذا لا يُصاب بعض ' الحكماء' العرب بحمّى التريّث و' السكتة الفكريّة' إلاّ حين يتعلّق الأمر بثورات الشعوب؟ تريّثوا قبل أن يهلّلوا لثورة شعبنا في تونس ومصر! وتريّثوا قبل أن يهلّلوا لثورة شعبنا في ليبيا واليمن! ثمّ أشاحوا عن محنة شعبنا في البحرين! ثمّ أصيبوا بالعمى الثوريّ ما إن تعلّق الأمر بشعبنا في سورية؟!!

حتى ' الحماسة' المشبوهة المرفوضة التي انتابت الغربَ في أماكن أخرى تحوّلت فجأةً إلى ' رصانة' في ما يتعلّق بسورية! ممّا يشكّك في رجاحة القول بأنّ ' إسقاط النظام السوريّ مصلحة صهيونيّة أمريكيّة'. قول يثير سؤالاً آخر لا يقلّ خطورة: إذا كان إسقاطُ النظام مصلحة خارجيّة فلمصلحة مَنْ يكون قمع الشعب؟ وهل ثمّة نظام يصمد إن لم يحمِهِ شعبه؟

سورية خطٌّ أحمر! هكذا يقولون دون أن يعتمدوا في ذلك إلاّ على أضغاث أوهام متهافتة استدعتها الحاجة الباثولوجيّة والإصرار على عدم الوعي! شيئًا فشيئًا انطلت الصورة على البعض وحلّت محلّ الواقع. مئات المناضلين السوريّين بل آلاف يُعتَقَلُونَ على مدار الساعة، وآخرون يتمّ تشريدهم وآخرون يسقطون تحت الرصاص وآخرون ' يُرفَعُون' دون أن ندري إلى أين، بتهمة واحدة: المشاركة في الاحتجاج والاعتصام والتظاهر دفاعًا عن حقّهم في الكرامة والحريّة.

وماذا يفعل ' البعض' في المقابل؟ لا شيء ولا حتى الاستنباح! لا شيء سوى تذكيرنا بضرورة التحلّي بالحكمة! ومضمون هذه ' الحكمة' أنّ الشعب السوريّ ممنوعٌ من الثورة محكومٌ عليه بالسجن المؤبّد في قبضة الديكتاتوريّة، ما دامَ نظامه في حربٍ مع إسرائيل!!

ما الفرق عندئذ بين إراقة الدم من موقع الصهيونيّة وإراقة الدماء من موقع القوميّة أو الصمود والممانعة؟ وبأيّ منطق يرفع النظام السوريّ شعارات الدفاع عن الحريّة خارج حدوده، ثمّ إذا هو عدوٌّ لَدُودٌ للحريّة داخل حدوده؟

هبّةُ الأحرار في سورية هي هبّتُنا جميعًا. وكما حدث قبل أشهر، رسمت هذه الهبّةُ خارطة عربيّة جديدة اقتربت فيها درعا من سيدي بوزيد والقاهرة ومصراطة وصنعاء وتجاورت فيها بانياس والقصرين وأجدابيا.

بتنا نتابع ما يحدث يومًا بيوم في سورية وقلوبنا تخفق ودماؤنا تتوهّج، لأنّنا سوريّون، مثلما كان السوريّون يتابعون ما يحدث في تونس ومصر وليبيا واليمن لأنّهم تونسيّون ومصريّون وليبيون ويمنيون.

مرّةً أخرى يتّضحُ أنّ الشعوب الحرّة، المتحصّنة بصدورها العارية وأحلامها المتلاحمة وأخلاقيّتها العريقة، الماشية بقلوبها الحافية على جمر الحريّة، تخدمُ المُقاومةَ والتحرّر بأكثر ممّا تخدمهما البلاطات، وتصنع للوحدة ما لا تصنعه الإيديولوجيّات والأحزاب والأنظمة.

وكيف لهذه الأنظمة أن تصنع وحدةً بينما هي تختزل القوميّة والأمّة في بطانة لا ترقى حتى إلى مستوى القبيلة والطائفة، ولا تعدو أن تكون مافيا أخطبوطيّة لا أداة لها غير السلاح الغاشم ولا منهج لها غير النهب والقمع ولا إيديولوجيا لها غير ما يسطّره حلف الفساد والاستبداد؟

لا يريد النظام السوريّ لشعبه أن يتظاهر أي لا يريد له أن يظهَر، لأنّ هذا الظهور يجعل الشعب مرئيًّا ومسموعًا أكثر ممّا تتحمّلُ طاقةُ النظام، وبشكل يتناقض مع العري من كلّ إنسانيّة، ذلك العري الذي يجعل من الشعب كيانًا يُباحُ قتْلُه وإبادته. لذلك هو يسعى إلى نفْيِ الشعب بقوّة السلاح إلى غياهب الغياب في الجحر أو القبر أو الصمت أو الغربة.

الشعب العربيّ ' الصالح' في نظر مثل هذا النظام هو الشعب ' الهومو ساكير'، أي المنفيُّ من الحياة، المنفيُّ داخل حدوده وخارجها، المرميّ في اللا مكان، في منزلة بين المنزلتين، فلا هو إنسانٌ ولا هو حيوان، بل هو مجرّد شبحٍ يظهر لتقديم مراسم الطاعة ويختفي كلّما تعلّق الأمر باستحقاقات الحريّة والكرامة وأسئلة الهويّة والحضارة والمُواطَنة.

ولكنْ هيهات. شعبُنا في سورية ليس هومو ساكير. والعالم اليوم ليس روما القديمة. وإذا كانت سورية خطًّا أحمر فلأنّ حمرة دماء السوريّين والسوريات تتوهّج في العتمة مبشّرة بفجر الحريّة وآفاقها المبدعة.

وإذا كانت سورية خطًّا أحمر فلنسأل من انتَهك هذا الخطَّ أكثر: ' الخارجُ' البراغماتيّ الذي ثبتَ أنّه يبتزُّ الديكتاتوريّات ولا يتنازل إلاّ للديمقراطيّات، أم ' الداخلُ' المستبدّ بدعوى أنّه الوحيد الذي يعرف مصلحة البلد والمُصِرّ على أن يقودها إلى ' جنّته' بسلاسل الحديد والنار؟

أقرأ دائمًا لأحرار سورية فأرى خيط أريان نفسه يقود الخطى إلى خارج المتاهة. أرى نساء ورجالاً يبذلون أرواحهم من أجل تحويل المنفى إلى وطن. لا داخل ولا خارج ولا فرق بين الهنا والهناك إلاّ شروط المكان. شعلةُ الحريّة التي تتوهّج اليوم في نصوص صبحي حديدي وهيثم مناع هي نفسُها التي رأيتها تلمع في عيني ممدوح عدوان حين التقينا آخر مرّة.

قرأنا الشعر مع أحد الشعراء المغتربين العرب. وكان ممدوح لا يقلّ عنه غربة، هو الذي كان منفيًّا في الداخل السوريّ العميق. وفي آخر الأمسية لم يجد بدًّا من أن يهمس لي مبتسمًا: المنفى الحقيقيّ في الروح وليس في الجغرافيا.

منفًى جرّبناه في تونس مع الفوارق الكثيرة، وخبرنا أنيابه وكلاليبه وما يتطلّبه من نضال وحرب مواقع. وأعرف الكثيرات والكثيرين ممّن يعيشونه يومًا بيوم داخل سورية، وفي وسعي ذكر الأسماء لولا علمي بضريبة العيش في المنفى الأقسى والأصعب والأكثر خطرًا: العيش داخل فم الوحش.

هؤلاء هم الخطّ الأحمر الحقيقيّ. أحلام سورية وعطاؤها الحضاريّ الكونيّ خطّ أحمر. كادحو سورية ومبدعوها ومناضلاتها ومناضلوها خطّ أحمر. أحرار سورية خطّ أحمر. نساء سورية ورجالها وشيبُها وشبابُها خطّ أحمر. شعبها الشامخ الباقي خطّ أحمر، وليس نظامها العابر، القابل للإزاحة والخلع طال الزمن أم قصر.

======================

في إصراره على المكابرة، النظام السوري يقوّض نفسه بنفسه

قاسم عز الدين

الأفق الاشتراكي

الأربعاء, 08 حزيران 2011

الإصلاحات التي يعد بإجرائها النظام السوري يمكن أن تُنفّس احتقان علاقته بتركيا ودول"المجتمع الدولي" وبعض المعارضة، لكنها لا تُلغي أسباب الأزمة بين السلطة والغالبية العظمى من الشباب والفئات الإجتماعية التي تعرّضت لتهميش السلطة. فالنظام ما زال مصراً على تأويل الأحداث في رواية تشيح بوجهها عن وعي الشعب السوري بحقوقه الإجتماعية وحرياته السياسية كباقي الثورات العربية. وفي تأويله هذا يأمل النظام تعزيز السلطة في استكمال إصلاحات بدأها "بسرعة دون تسرّع". وتدلّ هذه المقاربة على أن النظام يسعى إلى الحوار في إصلاحات فوقية تخدم أجنحة وفئات نافذة في السلطة وحدها. وهي الإصلاحات الدستورية والهيكلية نفسها تقريباً التي تأمل دول "المجتمع الدولي" الوصول منها إلى النيل من ممانعة النظام، سوى أن هذه الدول تتوخى أن تخدم أيضاً أجنحة "منفتحَة" من المعارضة. وسواء تبنّى النظام إصلاحات تخدم السلطة وحدها أم تخدم أيضاً القوى "المنفتحَة" الأخرى، يتيح المجال واسعاً لعبور "المخطط الأميركي  الصهيوني  السلفي" من "الثغرة" السورية على شكل "دفرسوار" مضاد لسوريا وللثورات العربية في آن. فدول "المجتمع الدولي" لا تتقصّد اليوم النيل من ممانعة النظام، إنما تتقصّد إجهاض مسار الثورات العربية من سوريا، والحؤول دون امتدادها إلى لبنان والعراق والأردن والسلطة الفلسطينية وربما أبعد. وهي تعتقد أن القوى النافذة التي تلبي الإصلاحات الدستورية و"الهيكلية" مصالحها وطموحاتها، كفيلة، على المدى الأبعد، بأن تنحو نحو مزيد من "الإنفتاح" ونحو ما يسمى الإستقرار والسلام. لكن الفئات الشبابية والشعبية "المغَرَّر بها" تنتفض من إجل تجديد النظام في تفكيك سيطرة السلطة والحزب الحاكم على مرافق ومؤسسات الدولة. وذلك لمواكبة الثورات العربية في التحرر من استراتيجيات وسياسات "المجتمع الدولي"، والتحرر كذلك من استبداد السلطة وهدر الحقوق. ولا يكون تجديد النظام بغير ثورة من فوق أو من تحت، تشارك في صنعها "الفئات المُغرّر بها" بالضغط والمراقبة والإقتراح على غرار ميدان التحرير في القاهرة وميدان القصبة في تونس. وهذه المشاركة في الميدان هي خير سدّ أمام محاولة عُبور الثورات المضادة الداخلية والخارجية من الجبهة الشرقية. ويبدو أن النظام لا يأبه لخطورة مسؤوليته التاريخية في إمكانية إجهاض الثورات العربية، وفي أَثر إجهاضها الثقيل على ممانعة سوريا وعلى المقاومة وعلى لبنان وفلسطين والأردن والعراق وحتى على إيران وتركيا.

لقد ساهم النظام السوري بممانعته الطويلة وفي دعم المقاومة، بإعاقة استراتيجيات دول "المجتمع الدولي" في تعميق الإنهيار العربي وتطويع المنطقة وفي إعاقة تخريب الإكتفاء الذاتي والإستقرار الإجتماعي في سوريا. وفي هذه المساهمة، مهّد بين عوامل كثيرة أخرى، لانطلاق الثورات العربية في مسار طيْ مرحلة الإنهيار والتطويع ووقف التخريب الإقتصادي والإجتماعي. ولقاء هذه المساهمة غضّت الغالبية العظمى من السوريين (والعرب) الطرف عن مظالم النظام في هدر الحريات السياسية وباقي الحقوق الإنسانية. بل ساندته في الأوقات العصيبة وضحّت بالغالي والنفيس في تحمّلها المسؤولية الوطنية والقومية، حفاظاً على صوت رسمي ممانع خارج اصطفاف النظام الرسمي العربي وراء "المجتمع الدولي". ومن جهته تحمّل النظام ضغوطاً وتهديدات شتى وفي أوقات متلاحقة طويلة. لكنه قطف مقابل ممانعته ثمار احتكار السلطة لكل مؤسسات الدولة ومرافق الحياة السياسية والإجتماعية أكثر من أربعين عاماً. وحصد غلّة ممانعة إقليمية استراتيجية تؤهله لدور الشريك المؤثر في الحقل الإقليمي، وفي العلاقة الصعبة مع دول "المجتمع الدولي". وقد أمسك، نتيجة ممانعته، بجزأ مهم من الملفات الفلسطينية واللبنانية والعراقية والعربية والإيرانية. وفرض على دول "المجتمع الدولي" اعتماده شريكاً أو محاوراً رئيساً لا مناص منه في فترة أو أخرى. كما فرض على هذه الدول أيضاً أن تحاذر مجابهة النظام خوف انعكاس عدم استقراره على باقي الملفات الشائكة.

لكن الثورات العربية طوَت مرحلة الإنهيار والتطويع والتخريب الإقتصادي  الإجتماعي. وطوَت مع تلك المرحلة "استراتيجية" اعتماد عاملي الممانعة والمقاومة وحدهما في مواجهة استراتيجيات وسياسات دول "المجتمع الدولي". فهذه الإستراتيجيات والسياسات راكمت منذ منتصف السبعينات ضحياها في انهيار الأمن القومي والمصالح الوطنية، وفي انهيار دور مؤسسات الدولة والمرافق العامة، وفي القضاء على الإستقرار الإجتماعي في الأمن الغذائي والتعليم والصحة والعمل ... إلخ كما راكمت مصالح الطبقة السياسية و"رجال الأعمال" وراء "الإنفتاح" في نهب الثروة العامة والتسلّط على الدولة وفي استبدادها وتسلّحها بقمع الأجهزة الأمنية والحماية الخارجية. ولم تخضع الغالبية الساحقة المتضرّرة من الإنهيار والتطويع والتخريب، يوماً. وقد نضج غليانها إثر الأزمات المتلاحقة التي عصفت بالمنظومة الناظمة لهذه الإستراتيجيات والسياسات، من فشل حروب الأمبراطوريات في العراق وأفغانستان ولبنان وفلسطين، إلى أزمات البطالة والطاقة والمناخ والغذاء والأزمة المالية.... إلخ وفي خضم هذا العصف المأكول لم يخترع الشباب الثائر ثورة عربية من لا شيء. لكنهم أعادوا الهرم المقلوب على رأسه إلى قاعدته الطبيعية. وهي قاعدة تجمع في سلّة واحدة بين التحرر من الإلحاق السياسي والتبعية الإقتصادية والغزو العسكري والأمني، وبين الحقوق الإجتماعية والثقافية، والحرية من استبداد السلطة وفساد الطبقة السياسية وزبائنتها من "رجال الأعمال". وما زال هذا المسار في بداياته لكنه يعبّر عن تحوّل جذري نحو مسار مرحلة تاريخية جديدة تحاول الثورات المضادة الخارجية والداخلية إجهاضها بشتى السبُل. ولا تشذ سوريا عن هذا المسار الذي يعصف في كل البلدان العربية. فهو يطرح على النظام إمّا التخلّف عن مواكبة التحوّل نحو الإكتفاء بالممانعة، وبإجراء إصلاحات فوقية في السلطة تصب في نهاية المطاف في طاحونة الثورات المضادة الخارجية والداخلية. وإمّا توظيف رصيد الممانعة في ثورة من فوق تحمي سوريا وتفضي إلى توسيع وتعميق مسار الثورات العربية في كل بلدان الجبهة الشرقية.

والسلطة السورية شانها شأن كل سلطة حكمت عقوداً طويلة، نمت في أحشائها مراكز قوى وفئات تتعارض مصالحها وطموحاتها مع التحوّل نحو تحقيق أهداف الثورات العربية. وقد نمت مصالح وطموحات هذه القوى والفئات طيلة مرحلة الممانعة في الأجهزة الأمنية وفي الحزب الحاكم وفي إدارات الدولة. وفي "الإقتصاد الإجتماعي" الذي أتاح استيلاء حاشية السلطة، وراء "الإنفتاح"، على الأرض والقطاعات الإنتاجية والتجارة. وقد وصلت هذه المجموعات عام 2005 إثر الإنسحاب السوري من لبنان، إلى مقايضة رئيس الجمهورية حول إطلاق أيديها في الفساد والإستبداد مقابل دعم سياسته في استمرار الممانعة. وفرضت انفتاح "السوق الإجتماعية" على المصالح الأوروبية في طريق حرية التجارة و"الشراكة" والإستثمار الخليجي في الريع العقاري و"المنتجعات السياحية" وغيرها. وفي خمس سنوات تجاوزت عائداتها عشرات مليار دولار من أشكال السمسرة والتجارة والريع وحماية أعمال "المستثمرين". وكان من نتائج ازدهار هذه القوى والفئات في أحشاء السلطة، أن تدهورت الأرياف وانهار الإستقرار الإجتماعي بانهيار الإكتفاء الذاتي من الغذاء الذي حمى سوريا من تأثير الضغوطات الأميركية والأوروبية وقت شدائد امتحانات الممانعة. كما كان من نتائج ازدهار "أعمالها"، استفحال البطالة والفقر وزيادة الهوّة بين الفوارق الإجتماعية في الأرياف وهوامش المدن، إلى جانب استبداد السلطة وقمع الأجهزة الأمنية. ولا عجب والحالة هذه أن تبدأ الإحتجاجات من درعا ضد نفوذ المتسلطين على الأراضي في منطقة زراعية هي عماد السيادة الغذائية السورية من الحبوب. ولا عجب أيضاً أن تلحق بها الأرياف والهوامش السورية، فيما يراهن كبار تجار دمشق وحلب على استمرار شراكتهم مع أصحاب النفوذ في السلطة، بانتظار أن يقفزوا من القارب حين تشتد الإحتجاجات وتتجذّر الإنتفاضة الشعبية، وحين تشتد ضغوط "المجتمع الدولي" لمحاصرة النظام.

وضغوطات "المجتمع الدولي" على النظام السوري قديمة  متجددة، للنيل من ممانعته ودعمه للمقاومة. لكن دول "المجتمع الدولي" ومؤسساتها السياسية والإقتصادية والقانونية تنشغل في زمن الثورات العربية بهموم إيقاف مسار الثورات عن التوسّع في كل بلدان المنطقة. وتشنّ ضدها ثورات مضادة تسعى إلى تفريغ الثورات من مضمونها التحرري الوطني والإجتماعي والثقافي. وتسعى إلى تلغيم مسار الثورات إلى ب"إصلاحات هيكلية" هي عبارة عن نسخة أشدّ وطأة من إصلاحات منتصف السبعينات. وفي هذا السياق تضغط دول "المجتمع الدولي" على النظام السوري لإجراء إصلاحات دستورية تتيح منافسة المعارضة على السلطة، متوخية قطع الطريق على مسار الثورات العربية. ومن جهته يسعى النظام إلى حصر الإصلاحات نفسها تقريباً في السلطة. لكن مسار الثورات العربية تجاوز أحلام دول "المجتمع الدولي" وتجاوز وعود السلطة في هذه الإصلاحات. فهو مسار ثورة من فوق أو ثورة من تحت، نحو دولة مستقلة عن الإلحاق والتبعية ومستقلة عن سيطرة السلطة على مؤسسات الدولة ومرافقها العامة. وما زال هذا المسار يتيح أمام النظام السوري فرصة تجديد نفسه في ثورة من فوق، تُجنّبه وتجنّب المنطقة بأسرها عُبور الثورات المضادة الخارجية والداخلية من "دفرسوار" الجبهة الشرقية. والأمر لا يحتاج إلى كل هذه الجهود الأمنية والعسكرية والإعلامية التي يحرّكها النظام لمواجهة "المؤامرات الخارجية" والداخلية. إنما يحتاج إلى إلتحاق أجنحة الممانعة في النظام، بمسار الثورات العربية والإعتماد على "الفئات المُغرّر بها" والفئات التي لم يُغرّر بها في مسار تجديد النظام، وفي مواجهة الثورات المضادة الداخلية والخارجية. فالثورة من فوق لا تتم في الغرف المغلقة ولا في إعداد التقارير والخطط العرقوبية، ولا حتى في الحوار مع المعارضة السياسية وغيرها. فهي تتم في ميدان المرجة وساحات التحرير حيث سلطة الشباب وبسطاء الناس نحو مشروع دولة لا مشروع سلطة. وحيث مآل الثورة في مواجهة الثورات المضادة الخارجية والداخلية مرهون باستمرار الضغط والمراقبة والإقتراح، كما هو ميدان التحرير في القاهرة وميدان القصبة في تونس. فالأهم من الإصلاحات نفسها هو أن يشارك الشباب وبسطاء الناس في صناعتها.

وهذه المسؤولية التاريخية هي في عمقها مسؤولية حماية مسار الثورات العربية من الثورات المضادة الخارجية والداخلية التي تسعى إلى العبور من "دفرسوار" الجبهة الشرقية. وهي مسؤولية تاريخية تقع على عاتق القوى الممانعة في النظام السوري من أجل توظيف ميادين التحرير في ثورة من فوق تتيح توسيع مسار الثورات العربية في لبنان وفي الأردن وفي العراق وفلسطين وربما أبعد. فسوريا هي بيضة القبان في إنجاز التحوّل على المدى الأقرب في كل هذه المنطقة، بينما ثقل الثورة في مصرحاسم استراتيجي على المدى الأبعد. وأعداء هذه المسؤولية التاريخية هم في أحشاء السلطة والأجهزة الأمنية وفي "الإقتصاد الإجتماعي" المرتبط بالسلطة وبسياسات "المجتمع الدولي". وهم أيضاً في إعلام السلطة، وفي النُخبة السياسية والثقافية التي تفتقد جرأة النقد البنّاء فتتملّق مملاءة. أما الأعداء الآخرون أينما كانوا في الداخل أم في "المجتمع الدولي"، لا يزنون مثقال ذرّة أمام ثورة من فوق رصيدها الممانعة وميادين التحرير.

الظروف ما زالت متاحة على الرغم من جرح عميق أصاب الشعب السوري البطل، إلاَ إذا بقي النظام مصراً على المكابرة في تقويض نفسه بنفسه. فمن سنن الخالق في خلقه أنه إذا أراد أن يخرب النَمل، يخلق لها أجنحة فتطير.

====================

الانتخابات التركية....وجسر الشغور السورية

د.مصطفى حميدأوغلو / طبيب وكاتب - تركيا

مجلة العصر

13-6-2011

ومن المفارقات التي تزيد آلامهم وتعمق جراحهم وتبكيهم الدم قبل الدموع، أنهم لاجئون في تركيا وهم يتابعون صور الدعاية والحملات الانتخابية، وكأنها أجواء أعراس وفرح ومنافسة بين فرق رياضية، يرى الواحد منهم هذا وينظر من حوله ليجد نفسه حبيساً في خيمة نصبت على مسافات قريبة من بلاده الخضراء التي يرمقها من بعيد، يحن القلب للعودة إليها، ولكن كيف؟

في صباح يوم أمس، توجهت مصطحباً أطفالي الصغار لأول مرة في حياتي وقد قاربت على الخمسين، لأُدلي بصوتي وأختار من أريد أن يمثلني بكل حرية، وأنا أشعر بأن صوتي هذا له قيمة، وربما يكون هو الصوت المؤثر في تحديد الفائز، رأيت الناخبين الأتراك بشيبهم وشبابهم، برجالهم ونسائهم، فرادى وجماعات.

المرأة التي تجاوزت الثمانين تمشي مستندة على عكازها وبجانبها بنتها التي تحمل رضيعها بحضنها وبيدها الأخرى طفلها الصغير، في مركز الانتخاب الكل مبتسم يتبادل الحديث مع جاره، مع من يعرف ومن لا يعرف، والأطفال يتراكضون في الساحات يلعبون ويمرحون، الأمان يعم الجميع، والوطن يتسع للجميع، والتسامح يحيط بالجميع، الكل يختار من يريد دون أي ضغط أو توجيه أو وصاية.

المواطن التركي يعتبر التصويت واجبا وطنيا وأخلاقيا، لا يمكن التفريط فيه وحق لا يمكن التهاون عنه، كثير من زملائي الأطباء والممرضات حجزوا تذاكرهم وتحملوا عناء السفر لمسافات طويلة، وأنفقوا مبالغ مالية قد تؤثر على ميزانية الشهر، بل وهناك مئات الآلاف من الأتراك من يأتي من دول أوربا ودول المهجر فقط للإدلاء بصوته على الحدود ثم يعود.

الكل يسعى لإيصال من يؤيد من حزب للحكم عن طريق صناديق الاقتراع، والكل يؤمن بتداول الحكم ويرضى بقبول من ينجح ويفوز لإدارة البلاد.

بعد انقضاء هذه الأجواء الرائعة، عدت لمتابعة مأساة أهلنا وأقاربنا وأبناء بلدنا السوري من مدينة جسر الشغور وما حولها من قرى، وكثير منهم فر لاجئا إلى الأراضي التركية، وزاد تعدادهم حتى كتابة هذه الأسطر على الخمسة آلاف.

الصور والحقائق التي تصل من المخيمات هي على النقيض من الأجواء التي عشتها في دائرة الانتخاب، فلا وطن يعيشون فيه ولا بيت يأوون إليه ولا أمان يخيم عليهم، الخوف على وجوه الأطفال يدمع العين: كيف استطاع كل هؤلاء، وفيهم نساء حوامل، قطع هذه المسافات الطويلة بين الجبال والحقول، هرباً من آلة القتل التي لم تميز بين طفل وشاب ومسن وحامل ورضيع؟

أما حالات الجرحى التي تظهرها الفضائيات من المشافي التركية، فلا يمكن للكلمات أن تصفها، كل هذا لا لذنب اقترفوه سوى أنهم خرجوا للمطالبة بالحرية والكرامة وتلبية لنداء واجب الوقت للوقوف في وجه الظلم ومساندة ومؤازرة إخوة لهم في محافظات الوطن الحبيب.

ومن المفارقات التي تزيد آلامهم وتعمق جراحهم وتبكيهم الدم قبل الدموع، أنهم لاجئون في تركيا وهم يتابعون صور الدعاية والحملات الانتخابية، وكأنها أجواء أعراس وفرح ومنافسة بين فرق رياضية، يرى الواحد منهم هذا وينظر من حوله ليجد نفسه حبيساً في خيمة نصبت على مسافات قريبة من بلاده الخضراء التي يرمقها من بعيد، يحن القلب للعودة لبيها، ولكن كيف يرجع وقد فقد الأمن والأمان هناك، وأصبح مطارداً متهماً ملاحقاً في كل مكان.

مفارقة يصعب على المرء تقبلها والصبر على آلامها وآهاتها. من يدري كم تمنى أحدهم لو كان مواطناً تركيا.

ولست أدري هل تابع أحدهم رجب طيب أردوغان (الذي يضيف نجاحاً جديداً لتاريخه ويفوز ولأول مرة منذ ست وأربعون عاما على الفوز بنسبة تزيد على نصف الأصوات، والحزب الوحيد بقيادته الذي استطاع الفوز لثلاث مرات على التوالي وفي كل مرة يزيد ويرفع من نسبة أصواته، بدءا من 34 مروراً ب 47 ووصولاً اليوم لنسبة الخمسين) وقد خطب قبل قليل بجماهيره الفائزة المحتشدة أمام مقر الحزب.

ورغم نشوة النصر والفوز، إلا أن التواضع لم يغب عنه، يعود ليقول لهم مؤكداً محبته لهم، وأنه هاهو يعود من جديد ليكمل الطريق ليس لحكمهم بل للعمل على خدمتهم وتلبية مطالبهم، يعتذر عما بدر منه بقصد أو بغير قصد خلال حملته الانتخابية من أي كلام أو تصرف قد يفسر على أنه إساءة أو تعدي على كرامة أو حقوق أحد، ويطلب السماح من كل المواطنين وكل رؤساء الأحزاب، ويدعوهم لمد أيديهم للتعاون على بناء دولة أكثر حضارية وديمقراطيةً وأكثر احتراما لحقوق الإنسان.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ