ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 11/06/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

«الربيع العربي» في وادي الصرخات

الخميس, 09 يونيو 2011

عبدالوهاب بدرخان *

الحياة

اذا كانت الولايات المتحدة وأوروبا مهتمتين فعلاً بانتفاضات «الشعب يريد تغيير النظام»، فإن اهتمامهما جاء من باب موارب، وهو بالتأكيد جاء متأخراً جداً. فالمنطقة، شعوباً وحكومات، تصرخ منذ ثلاثة وستين عاماً مطالبة بإسقاط «النظام الإسرائيلي» بصفته نظام احتلال كان في 1948 في صدد إفساد المنطقة، وقد فعل. واذا كان العالم العربي أمعن في استفساد ذاته، فهذا لا يغيّر شيئاً في الواقع، وقد سُمع عربٌ كثر يشكون في حالات مختلفة من «الاحتلالات» الداخلية، «الوطنية». يوماً بعد يوم، يزيد «الربيع العربي» هذه الحقيقةَ انكشافاً، بمقاربة جديدة وبأدلة غير قابلة للدحض. ولعل ذكرى النكسة في الجولان قدمت عرضاً أسود آخر، وليس أخيراً، للوقائع.

في أنظار الجيل الشاب الغاضب تبدو أنظمة الشرق الأوسط، بما فيها اسرائيل، نظاماً واحداً ينبغي فعلاً تغييره، اذا كان للصحيح أن يصحّ. وإلا فإن الغرب، غرب الحريات والديموقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، سيواصل عجن الأخطاء ليصنع طبيعة ثانية لبَشَر هذه المنطقة، بل سيواصل ترويج كذبة إمكان تعايش الشيء ونقيضه، الظلم مع العدالة (المنشودة) في آن، مثلاً، أو الأمن لإسرائيل مع اللاأمن للعرب، أو «الديموقراطية» مع جرائم الحرب إسرائيلياً، أو الديموقراطيات العربية المفترض استحداثها جنباً الى جنب مع دوام الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين... لا توجد كيمياء، ولا حتى سياسة أو ديبلوماسية، تستطيع استنباط هذه المعادلات واستيعابها، ثم ادعاء أنها يمكن ان تصنع سلاماً حقيقياً.

في أنظار الجيل الشاب الغاضب، لا فرق بين تحرر المصري والتونسي والسوري واليمني والليبي وسواهم، وبين تحرر الفلسطيني، بل ان تحرر الأخير يعطي لتحرر الآخرين بعده التصالحي مع الذات والمستقبل. خلال الأسابيع والشهور الماضية، أُتيح لهذا الجيل أن يتعرّف في مدنه وبلداته، في الشوارع والبيوت، الى عيّنات من التنكيل والألم وسفك الدماء عرفها الفلسطينيون دائماً، فالسفاحون هم هم، يتماهون ويتبادلون الخبرات، وحتى الخدمات، ويستوردون أدوات القمع والبطش من المصادر ذاتها. ومع تكرار المجازر، من ساحتي صنعاء وتعز، الى زنقات مصراتة والزاوية، الى أحياء درعا وحمص وحماه، كيف لا يتذكر جيل «الفايسبوك» مجازر غزة وجنين، وقبلها المجازر «المؤسِّسة» في كفر قاسم ودير ياسين.

بين «يوم النكبة» في مارون الراس (جنوب لبنان) والجولان، ثم «يوم النكسة» في الجولان، لم يثبت الاسرائيليون سوى أنهم، كما باتوا مشهورين عالمياً، مجرد قتلة يرعبهم من يذكّرهم بأنهم يقفون على أرض مسروقة، ويرعبهم أكثر أنهم أمضوا عقوداً في بناء آلة القتل ومراكمة القوة ولم يتمكنوا بعد من دفن هذا «الحق» الذي سلبوه ولا ينفك يُتوارث ويتوالد. لو لم يقتلوا اولئك الشبان العزّل لكانت آلة القتل انتكست وفقدت قدرتها على الترهيب. في الجولان سيّجوا الأرض المحتلة التي لا يعترف أحد في العالم أنها «حدود» اسرائيل، وراح قناصة الاحتلال يتبارون في تصيّد شبان التظاهرة. قالت حكومتهم إنهم تصرفوا ب «ضبط نفس وحزم»، ما ترجمته أنهم مارسوا القتل بدم بارد. وقالت واشنطن إن وجودهم شكل «استفزازاً»، وهي شرحت بأن «لإسرائيل الحق، أسوة بسائر الدول» في الدفاع عن حدودها (حدودها؟!). وقيل إن سورية استخدمتهم على الجبهة الهادئة منذ ثمانية وثلاثين عاماً لتحرف الأنظار عن مَقْتَلات الداخل، وكأن معجزة يمكن ان تُتوقع من حرف الأنظار. وماذا يعني حرف الأنظار في زمن ال «يوتيوب» وقاموسه (كان فيديو توزيع الأسلحة والذخائر على الجثث المسحوقة والمشوهة شهادة مقززة على المى الذي بلغه التمتع بالقتل).

ذهبوا الى الجولان سعياً الىإسقاط «النظام» الآخر، الإسرائيلي، لكن ما كان لهؤلاء الشبان أن يُدفعوا الى موت معروف مسبقاً أنه مجاني، فمن أرسلهم هو الآخر يقتل، مثل الاسرائيليين، بدم بارد، ومن استخدم حميتهم وحماسهم وتوقهم لرؤية الأرض السليب أو لكسر السياج الشائك بعد تجربة ذكرى النكبة، كان يعرف أنهم ذاهبون الى الانتحار. ما كان لهم أن يركنوا لهذا التكتيك الايراني الأرعن، فمجرد أن يكونوا أحياء يقلق العدو ويبقي الأمل مضاءً، أما تصفيتهم الرخيصة فتعمِّق جروح النكبات والنكسات وما أكثرها.

لم تعد الانتفاضات من الجمعة الى الجمعة فحسب، باتت أيامها وساعاتها أكثر اتصالاً. حين كانت القوات الاسرائيلية تسفك الدم مباشرة على الهواء في وادي الصرخات، كان القوات السورية تسفك الدم هنا وهناك بعيداً عن الكاميرات، ولو لم تقتل لفقد النظام هيبته. كان الدم واحداً وإن اختلفت هوية القتلة. وكان بالغ الإيلام أن تبثّ نشرات الأخبار محصلات ذلك اليوم، وكأنها تعلن نتائج بعض رياضات الأحد: الاسرائيليون قتلوا 23 سورياً وفلسطينياً، والسوريون قتلوا 35 سورياً... فمن انتصر في هذه المباراة الجهنمية؟ انتصر النظامان، أو بالأحرى «النظام الواحد» بكل انفصاماته والتحاماته.

في أي حال، كانت اسرائيل (وزمرة المحافظين الجدد الأميركيين بالتبعية) اعتقدت أنها سباقة في تشخيص المشكلة في الشرق الاوسط بأنها «الشعوب»، وليست الأنظمة العربية، ولعلها اكتشفت أخيراً أن تلك الأنظمة سبقتها بزمن طويل في معاملة الشعوب على أنها فعلاً المشكلة، فليس «العدو» وحده يجيد استخدام القناصة على السطوح، والدبابات، والمروحيات، في أعمال القتل، وليس وحده يجيد إذلال الناس في الاعتقالات العشوائية. وعندما طرحت الادارة الاميركية السابقة مسألة الاصلاح والدمقرطة، في اطار «الحرب على الارهاب»، جاءتها ملاحظات من أقرب الحلفاء بأن النموذج «الديموقراطي» الاسرائيلي الذي تدعم اميركا ممارساته الوحشية بانحياز، لن يكون مساعداً أبداً في ترويج الدمقرطة. أما الحليف الاسرائيلي نفسه، فنصح واشنطن بالاقلاع عن الفكرة، والثبات في دعم الأنظمة ضد «الارهاب»، لأن العلة ليست فيها وإنما في الشعوب. لم تقل اسرائيل كلمتها بعد في «الربيع العربي»، ولن تتوانى عن أي شيء لتعطيله واحتوائه.

* كاتب وصحافي لبناني

====================

أنظمة الحزب الواحد ورياح التغيير  

آخر تحديث:الخميس ,09/06/2011

أسامة عبد الرحمن

الخليج

نظام الحزب الواحد والحزب القائد هو من سمات الأنظمة الاشتراكية التي انهارت، وهو نظام تجاوزه الزمن، ومع ذلك بقي بدرجات متفاوتة حاضراً في بعض الأقطار العربية، وتبرز في سوريا صورة قوية لهذا الحضور . مع أن وجود حزب واحد يهيمن على الحياة السياسية ويمسك من خلال ذلك بمفاصل الحياة في كل الجوانب، كان قائماً في مصر وفي تونس قبل الثورة الشعبية، ومازال قائماً في اليمن والسودان، رغم وجود بعض أحزاب المعارضة التي يبدو حضورها هامشياً أو جانبياً أو تجميلياً . أما الوضع الذي كان قائماً في ليبيا فهو نشاز يتمحور حول لجان تسمى شعبية . والشعبية يختزلها القائد في نفسه، وهو في المحصلة نظام شمولي بامتياز .

هذا الوضع الذي تجاوزه الزمن لا مجال فيه للديمقراطية الحقيقية، بل هو على النقيض منها . ولذلك لا تستقيم فيه حرية التعبير ولا مجال فيه لمؤسسات المجتمع المدني الفاعلة ولا للقضاء المستقل ولا لسيادة القانون ولا التداول السلمي للسلطة . ولقد خرجت المظاهرات في العديد من الأقطار العربية مطالبة بتحسين المستوى المعيشي في ظل تفاقم البطالة وازدياد مساحة الفقر، وأدركت أن ذلك لا يمكن أن يتحقق على أسس راسخة إلا إذا كانت هناك ديمقراطية حقيقية تحقق الازدهار الاقتصادي، والرقي الاجتماعي والثقافي، مرتكزة على مؤسسات دستورية تمثل الإرادة الحقيقية للشعب .

ولما كانت حرية التعبير أولى الخطوات للوصول إلى الديمقراطية طالبت بحرية التعبير، وقد واجهها النظام بقسوة وفظاظة، وقوة أمنية لم تتورع عن ارتكاب جرائم في حق المدنيين المسالمين الذين لم تخرج مظاهراتهم عن إطارها السلمي .

تجدر الإشارة إلى أن مصر وسوريا للثورات الشعبية فيهما تداعيات أبعد مدى على الصعيدين الإقليمي والدولي، خصوصاً في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية . وقد نجحت الثورة الشعبية في مصر وبدا القلق الصهيوني واضحاً من المسار الذي ستسير عليه السياسة في مصر رغم التأكيد الرسمي للالتزام بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية . وربما جاءت بعض التصريحات الرسمية من مصر لتعزز هذا القلق، خصوصاً في ما يتعلق بتحذير الكيان الصهيوني من التصعيد العسكري في غزة، واحتمال فتح صفحة جديدة في العلاقة مع إيران، بل السماح لسفينتين حربيتين إيرانيتين بعبور قناة السويس، وكذلك إعادة النظر في اتفاقية إمداد مصر للكيان الصهيوني بالغاز .

ومعروف أن مصر قبل الثورة الشعبية كانت المحور الإقليمي الرئيسي في معادلة عملية السلام الفلسطيني الصهيوني، وكانت محطة لزيارات قادة الكيان الصهيوني الذين يقابلون بكل حفاوة على الصعيد الرسمي .

أما سوريا التي تبنت خطاً في السياسة الخارجية يحتضن مكاتب فصائل المقاومة الفلسطينية، ويدعم المقاومة اللبنانية ويتحالف استراتيجياً مع إيران، فقد اعتبر النظام فيها كل ذلك مرتكزاً قوياً له . ولا ريب أن ذلك جعل بيديه أوراق قوة، ومكنه من أن يكون لاعباً إقليمياً رئيسياً لا يمكن تجاهله . كما أن ذلك جعله على خط تصادم في كثير من الأحيان مع المشروع الأمريكي الذي لم يخف هدفه في إسقاط النظام في عهد الإدارة الأمريكية السابقة . ولكن النظام السوري، كان بعيداً عن قراءة المتغيرات والمستجدات ورياح التغيير العربي وكأن الشعب العربي السوري يختلف عن الشعب العربي في مصر أو تونس أو غيرهما وأنه بمأمن من رياح التغيير وما تحمله من متغيرات أو مستجدات، أو ربما اعتبر أن خطه السياسي في دعم المقاومة يمنحه حصانة وشعبية تنبثق من شعبية المقاومة . وغاب عنه أن دعم المقاومة يظل محل تقدير، ولكنه لا يبرر ممارسة القمع والجور، وطمس الحريات، في ظل غلبة الاستبداد، وفي ظل تفاقم الفساد تحت مظلة نظام شمولي لا يعرف إلا لغة القوة الأمنية والقبضة الحديدية .

إن الشعب السوري شأنه شأن غيره من الشعوب، ولقد صبر على الضيم والظلم لعقود، ولا يمكن أن يقبل بذلك لعقود أخرى مهما كان التقدير لخط السياسة الخارجية التي تدعم المقاومة، وهو يسعى إلى انتزاع حقوقه الأساسية، وأولها حقه في حرية التعبير التي تعدّ ركيزة أساسية لكرامته، كما يسعى إلى نظام ديمقراطي حقيقي، وهو مطلب مشروع وحق طبيعي لا يتعارض مع تقديره للمقاومة ودعم المقاومة .

ويبدو أن كل نظام شمولي، لا يعرف، أو لا يعترف بلغة الحوار الحقيقي، ولا يفهم إلا لغة السلاح، وليس في معجمه إلا القمع واستخدام أعتى الأسلحة ضد أي مظاهرة سلمية، غير مكترث بأعداد الضحايا . فهدفه منع أي تحرك مهما كان سلمياً، لكي تستمر قولبته للمجتمع في قالب واحد يأتمر بأمر النظام، وينصاع لإدارة النظام من دون أن ينبس ببنت شفة، ودون أن يجرؤ على أي مظاهرة . والقمع هو أسلوبه الوحيد .

لقد تجاهل النظام في سوريا أن المزيد من القمع يزيد الغضب الشعبي، ويزيد حجم التظاهر السلمي لشعب نزع من نفسه الخوف الذي رسخه النظام لعقود، وكلما ازداد القمع ازداد غليان الشارع في ثورة عارمة لابد أن تصل إلى مبتغاها في إصلاح شامل لا يعترف بالإصلاح الجزئي المتأخر بعدما تصوّر النظام أنه سيطفئ غضب الشارع، ويعيد الأمور إلى نصابها .

وعود على بدء، فإن على كل الأنظمة، التي مازالت تعتمد على الحزب الواحد المهيمن على الساحة أن تدرك أن الزمن تجاوزها، وأن رياح التغيير ستلغي هذا النمط المتخلف .

====================

المواقف الدولية من سوريا في سباق مع المتغيرات .. رفع حرارة الضغط دون إقفال الباب

روزانا بومنصف

النهار

9-6-2011

تحدث وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه في واشنطن بعد لقائه نظيرته الاميركية هيلاري كلينتون ومسؤولين اميركيين عن دفع قرار بادانة سوريا في مجلس الامن قدماً في ما بدا انه سباق مع تصعيد في سوريا كان مرتقبا على خلفية احداث جسر الشغور ونزوح عائلات سورية الى تركيا خوفا مما بدا تحضيرا لعملية عسكرية كبيرة ضد المعارضين السوريين. فالموقف الاوروبي المعلن ربط احتمال استعمال روسيا حق الفيتو بان المسألة ستقع على ضميرها في اشارة ضمنية الى ان عدم المساهمة في ضبط المواجهة يمكن ان تؤدي الى عدد كبير من الضحايا. واعلن جوبيه موقفا متطورا متقدما على الموقف الاميركي اذ قال "ان الرئيس بشار الاسد فقد شرعيته للاستمرار في الحكم"، فيما حاذرت واشنطن حتى الآن الجهر علنا وصراحة بهذا الموقف الذي اقتصر الاسبوع الماضي على قول كلينتون ان شرعية الاسد قاربت النفاد قبل ان تبدي قلقها على قطع اتصالات الانترنت في سوريا يوم "جمعة اطفال الحرية".

وتقول مصادر عليمة ان فرنسا لا تتفرد في هذا الموقف بمعنى انها يمكن ان تتعرض لانتقاد لاحق من الولايات المتحدة مماثل لذلك الذي تعرضت له ادارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لدى كسرها عزلة الرئيس السوري بعد 2005 عبر الخطوط الواسعة التي فتحها امام الرئيس السوري واستقباله اياه لاحقا في العاصمة الفرنسية. اذ ان ما اعلنه جوبيه كان واضحا في اختصاره موقفا متفقا عليه ومنسقا بين فرنسا والولايات المتحدة، فضلا عن ان بريطانيا تواكب الموقف الفرنسي عن كثب في الوقت الذي تبدو فيه فرنسا متحركة بقوة ومبادرة في اكثر من ملف من ليبيا الى المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية الى سوريا فضلا عن اضطلاعها بدور في الدعم المالي لمصر وتونس قبل انعقاد مجموعة الثماني في دوفيل قبل اسبوعين. ولعل الموقف الفرنسي هو الاكثر تأثيرا على سوريا نظرا الى الاجراءات الاوروبية الاضافية التي يمكن ان تعتمدها وتؤثر بصورة اكبر عليها من اي اجراءات عقابية اميركية تبعا لحجم التبادل التجاري بينها وبين اوروبا.

لكن هناك مؤشرا مهما توقفت عنده المصادر المعنية. اذ ان وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك بادر قبل ايام الى القول ان الرئيس السوري فقد شرعيته، فلم يقابل هذا الموقف بأي رد فعل من اي كان، لا في سوريا في اطار الرد على موقف اسرائيلي يعتبر تدخلا في الشؤون السورية لان شرعية اي رئيس او زعيم عربي لا تعتمد على اسرائيل تحديدا، وخصوصا ان وزيري الاعلام والداخلية السوريين انبريا الى التعليق على احداث جسر الشغور والتمهيد لخطوات عسكرية لاحقة فيما اصدرت الخارجية السورية تنديدا بقتل اسرائيل فلسطينيين في الجولان في "يوم النكسة"؛ ولا حتى من لبنان من جانب سياسيين موالين او قريبين من النظام السوري، فيما لا يتوقع اي رد فعل خارج هذا الاطار او من دول عربية التزمت الصمت المطبق ازاء ما يجري في سوريا وتركت للغرب ادارة الموقف من دون موافقتها العلنية على الاقل، باعتبار انها لو لم تكن موافقة لكانت اعلنت ذلك ايضا.

وكان يمكن ان يسري الاعتراض ولو الكلامي فقط، بالنسبة الى هذه المصادر، في شأن احالة الموضوع النووي السوري امام اللجنة الدولية للطاقة الذرية بالتزامن مع الضغوط في اتجاه اصدار قرار عن مجلس الامن يدين سوريا. اذ ان توقيت الاحالة امر يمكن ان يسجل في اطار السعي الغربي الى ممارسة مزيد من الضغوط على النظام السوري، الا ان هذا التوقيت ايضا يفقد المجتمع الدولي صدقيته وجديته من حيث صوابية ما يملك في الملف النووي السوري الذي كان يجب ان يظهر في وقت سابق وليس كما لو ان المجتمع الدولي لا يملك وسائل كافية لاستصدار قرار ادانة في حق النظام السوري ويلجأ الى سبل اخرى.

وتقول المصادر المعنية ان القرار الذي يعمل عليه في مجلس الامن يمثل ضغطا معنويا على النظام السوري، الذي واجه طويلا في كل الاتجاهات، كل القرارات التي حاولت ان تدرج سوريا في ما يتعلق بلبنان في الاعوام الاخيرة، وان سوريا كانت حساسة بقوة ازاء اي ذكر لها في اي موقف دولي يمكن ان يضعها على طاولة مجلس الامن. لذلك لا يزال البعض يأمل ان يشكل القرار الدولي ضغطا قويا مقنعا على وقع مواقف افرقاء لا يزالون يفتحون الباب جزئيا امام صفقة متكاملة من التغييرات يقدمها النظام السوري دفعة واحدة وبسرع، على غرار ما فعل رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الذي طالب الاسد مرة جديدة باجراء اصلاحات سريعة، او كما فعل وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ الذي امسك بالعصا من وسطها في هذا الموضوع. فالقرار اذ يدين قمع النظام السوري للمعارضين ورد الفعل الامني على تطلعات الشعب السوري يطالب في الوقت نفسه السلطات السورية باحترام حقوق الانسان واطلاق المعتقلين السياسيين واتخاذ الخطوات اللازمة من اجل ملاقاة تطلعات السوريين الى جانب مطالب اخرى مما يجعل النظام السوري مسؤولا من موقعه الذي لا يزال مجلس الامن يقر بشرعيته عبر هذا القرار ولو انه يدينه.

====================

سوريا الى أين: شهادات «الثوار»

حسين الرواشدة

الدستور

9-6-2011

ما يصلنا من الاخبار والصور حول ما يجري في سوريا لا يغطي الا جانباً من «الحدث» المفزع.. هذا الذي ما زال العالم – بما فيه نحن العرب – نتفرج عليه.. وكأنه يحدث في «الزُهرة» او «المريخ».

امس الاول استمعت الى شهادة «ناشط» سوري عاش تجربة الشهور الماضية، وتنقل بين «شوارع» المظاهرات و»زنازين» الاعتقالات، ثم استمعت الى شهادات «آخرين» مثله التقيتهم في عمان، وكانت رواياتهم متطابقة الى حد كبير، كما ان تصوراتهم «لمستقبل» الثورة في سوريا تبدو متطابقة ايضاً.

ما فهمته ان «الثورة» التي يقودها الشباب بعيداً عن الاحزاب والقوى التقليدية – ويشارك فيها الاخوان بشكل واضح لكنه مختلف عما ألفناه في مشاركاتهم السابقة – استطاعت ان «تتكيف» مع القمع الذي تواجهه، ونجحت في «ابتداع» وسائل جديدة وسلمية للرد عليه وتجاوزه، كما انها تجاوزت حالة «العفوية» والارتجالية نحو تنظيم نفسها بشكل دقيق من خلال «تنسيقات» تضم عشرات الآلاف من الشباب والاكاديميين والسياسيين ايضا، ووفق «تقسيم» للمهمات يتجاوز الداخل السوري الى الخارج العربي ايضاً.

ما فهمته ايضاً ان الاسابيع القادمة ستحمل «اخباراً» جديدة حول انشقاقات في اجهزة مهمة وفي السلك الدبلوماسي، وان «اتصالات» تجرى لاختيار التوقيت المناسب لاشهارها، بعد ان أبدى العديد من هؤلاء المسؤولين رغبتهم في الانضمام الى الثورة.

قالوا لي ايضا ان «السيناريو» الاكثر توقعاً (ورعباً ايضاَ) هو حدوث صراع بين اقطاب الحكم، ينتهي بسيطرة شقيق الرئيس بشار على موقع القرار، ومصدر الخوف هنا هو «التكلفة» الدموية الباهظة التي سيدفعها الشعب فيما اذا تمكن «ماهر» من الانقلاب ووصل للسلطة.. لكنه – في نفس الوقت – سيكون بداية لانهيار النظام هناك.

ذكروا – ايضا – ان الوضع الاقتصادي شبه منهار، وان الاموال التي يبعثها ابن خالة الرئيس هي التي ما تزال تتدفق للبنوك لتمكينه من العمل، فيما تم ايقاف منح القروض بأي شكل في البنوك، كما ان معظم المدن تعيش حالة اقتصادية صعبة، اما «حماة» فلم تتأثر لأنها «استقلت» منذ ثلاثين عاما عن الدولة، وهي تعتمد على نفسها في تدبير امورها.

قالوا ايضا بأن قصة الطفل حمزة وإمام المسجد العمري في درعا (احمد الصياصنة) الذي قُتل نجله، قد ألهبت مشاعر السوريين، كما ان استدعاء والد الطفل والشيخ الضرير وتهديدهما (بالاعتداء على شرفهما) اذا لم يُبرئوا النظام من ارتكاب ما فعله من جرائم بحق أهل درعا، قد أثار «نخوة» الناس هناك، الامر الذي «فجر» الاوضاع في كل سوريا، ولم يدع مجالا للشعب لكي يتراجع ولو خطوة واحدة عن المطالبة باسقاط النظام.

اما عن علاقتهم «بالخارج» فقد اكدوا لي انهم يعرفون بأن بعض من حضر مؤتمر «انطاليا» كانوا من «المحسوبين» على النظام، كما ان كثيراً من «المعارضين» في الداخل هم – وان اختلفوا مع النظام – جزءٌ منه، وبالتالي فانهم لا يعوّلون كثيرا على الخارج ولا على المعارضة، وانما يعولون على «الشعب» في الداخل فقط، وان كانوا بالطبع لا يريدون – في هذه المرحلة ان يدخلوا في أية مصادمات مع أحد.

ذكروا ايضا بأن «مؤتمراً» كبيرا سيعقد في دمشق الاسبوع القادم، وستشارك فيه «تنسيقيات» الثورة، وسيَصدر بيان واضح حول موقفهم مما يحدث، ومن المطلوب في المستقبل، وقالوا بأنهم على وشك الانتهاء من «صياغة» مشروع سياسي «لانتقال السلطة» يشارك في اعداده اكاديميون وسياسيون، وسيكون هؤلاء الذي ما زلنا نتكتم على اسمائهم المرشحين لقيادة سوريا مستقبلاً، حسب روياتهم.

هذا جزء مما يفكر به «الثوار» هناك، وهو يعكس «حالة» ثورية تبدو وكأنها قد نضجت، لكن اللافت ان الاصرار والامل الذي تحدثوا به كان طاغياً لدرجة انهم متأكدون تماما من ان اسقاط النظام اصبح مسألة وقت لا اكثر.. وان لديهم رؤية سياسية (بمضامين وأدوات محددة) للانتقال الى الديمقراطية.. وان ذلك سيفاجئ النظام فعلا.

لم أعرض بالطبع «صورة» القمع( القتل:أدق ) الذي يمارس هناك ضد الشعب، وقد روى لي هؤلاء «قصصاً» مفزعة عنه، اعتقاداً مني ان الجزء الغائب من الرواية هو «حالة» الثوار، لا حالة «النظام» وما يمارسه من قتل.. وعليه يمكن ان اقول بأننا امام ايام حاسمة وصعبة، وامام «ثورة» استفادت من نماذج الثورات التي سبقتها، وهي الآن تنظم نفسها وتبدع ادواتها للمضي في الطريق الذي رسمته.. دون خوف او تردد.

====================

الشعب السوري مذابح تتجدد وأمة تتفرج

الخميس, 09 حزيران 2011

سالم الفلاحات

السبيل

صحيح أن معظم الشعوب العربية منشغلة اليوم بنفسها، فبعضها منخرط في عمل يومي باحثة عن تحرير رقابها من حكامها الذين غيبوا حرياتها عقوداً طويلة، منهم من تسيل دماؤه الطاهرة ثمنا لهذه الغايات النبيلة العليا، وتحصد أرواحهم الزكية على أيدي جلادين متغلبين على رقابهم لم ينتخبهم شعب ولم يعطهم ثقته ولا ثقة عشر معشاره.

ومنهم من خرج من معاناته الرئيسية، وحقق حريته بعد أن دفع الثمن اللازم من خلال معاناة طويلة، ومن الشعوب من يدرس خياراته الأقل كلفة والأكثر جدوى ونفعا والأقل خسارة.

ومنهم من يعيد إنتاج مذبحته أو ومذابحه التي كانت سابقة في تاريخ الشعوب العربية في ثمانينيات القرن الماضي، وكانت ساحاتها حماة حماها الله وتدمر وجسر الشغور وغيرها.

مذبحة بالأيدي نفسها وبالعقلية نفسها وبالحقد نفسه وبالأدوات نفسها، ولكن الفارق بينهما ربما فقط هو أن المذبحة الأولى كانت في غياب إعلامي وقبل ثورة الإتصالات والفضائيات التي يصعب في ظلها تغييب العالم عن حقيقة ما يجري رغم اجتهاد النظام العربي الحر التقدمي الممانع في تكميم الأفواه ومنع وسائل الإعلام المحايدة من دخول ساحات معاركه مع شعبه حفاظا على التقاليد العسكرية لكسب المعارك مع العدو السوري الوطني في درعا أو جسر الشغور أو حماة أو ريف دمشق أو حلب أو الرقة أو ادلب أو حمص أو في أي مكان.

أما كان كافيا ما ارتكبه الآباء المناضلون بحق شعبهم في 1980، 1981، 1982م, وما أراقوه من الدماء الوطنية السورية وما قتلوه تحت التعذيب وما غيبوه في السجون حتى اليوم؟

ألم تكف هذه لإرواء غليل حقدكم على الشام درة بلاد الإسلام وفخرها وحضارتها؟ ليت ممانعتكم من قتل أعداء الأمة، أعدائكم كما تزعمون شملت الممانعة في قتل الشعب السوري وأطفاله وشبابه وشيوخه وجيشه وأمنه عندما يحاول الاعتراض على أوامركم بقتل أهله وأشقائه.

ليت سياستكم الثورية التحررية التي منعت إطلاق أي رصاصة طائشة من حدود الجولان منذ عام 1973م حتى اليوم وغدا في ظل نظامكم الممانع حرمت إطلاق رصاصات الغدر على الشعب السوري الصابر المرابط.

هذه الحملات العسكرية على المدن السورية المنكوبة مرتين كبيرتين خلال ثلاثة عقود ظننتم أن الأولى كافية للقضاء على كرامة هذا الشعب وإسكاته إلى الأبد.

لقد مد المنكوبون بالقتل والتشريد والحرمان من أبناء هذا الشعب الأبي أيديهم، متناسين ما لحق بهم وبآبائهم من ويلات لفتح صفحة جديدة ليسمح لهم أن يدفنوا في مدنهم وقراهم، وأن يتنسموا هواء بلادهم قبل موتهم بعد الغربة القاتلة المذلة التي تعرض لها كرام السوريين بسبب جرائم أسودكم الأولى والثانية، وعسى أن لا تكون الثالثة لكنكم أبيتم ذلك رغم كل الوساطات العربية الشعبية وحتى الرسمية.

مررتم حكايتكم الأولى على الدنيا أن المعركة كانت مع تيار إسلامي محدد، لكن ماذا تقولون اليوم وأنتم تدمرون مدنا بأكملها فيها شرائح المجتمع كله، ربما باستثناء الشريحة التي استأصلتم وجودها على أرضها قبل ثلاثين عاما.

أتظنون أنه بقي وقت طويل لحكم الشعوب بالدبابات والمدافع والشبيحة والتضليل الإعلامي؟

هل تظنون أن الزمن يتوقف عند عام 1982؟

ألا ترون أنكم تقتلون أنفسكم حقا وتزرعون في النفوس الطاهرة البريئة الحقد عليكم بسبب جرائمكم؟

عندما تقتلون وتعذبون الأطفال الذين يصرخون بكلمات بريئة ربما لم يدركوا كل معانيها، وتثنون بآبائهم المكلومين وأمهاتهم الثكالى، وتثلثون بقتل الجنود ورجال الأمن الذين ترتجف أيديهم وأصابعهم قبل الضغط على زناد بنادق الغدر لتنطلق الرصاصات متأخرة ثوان قليلة عن أوامركم.

وكذلك عندما تصمون آذانكم عن سماع مناشدة الشعب المقهور المظلوم الذي كان يطالب بالحد الأدنى من الإنسانية والحقوق الأولية، وتصمون آذانكم عن سماع نصائح حتى أصدقائكم.

ألا تعرفون أن الدم يورث الدم، والقتل يورث القتل، وأن العروبية التي تتشدقون بحبها في ثقافتها، لا تنسى ثأرها عندما تشعر بالظلم لأربعين عاما أو تزيد؟

ومع أن الأحداث الأخيرة في بلاد العرب تكاد تجعل المواطن ييأس من مخاطبة الحكام بالعقل والمنطق والحوار الهادئ الجاد المسؤول، إلا أن النصيحة واجبة على المواطن مهما كان التفاعل معها، لأنه يشعر أن أي قطرة دم عربية تسقط بأيد عربية من أي جهة كانت هي خسارة للوطن كله، وليست انتصارا لأحد وحتى دماء القوات المسلحة المدنية والعسكرية وأجهزة الأمن التي تزيد عن ستة عشر جهازا، كما في دول الممانعة، فأبناؤها هم أبناء الوطن ومنهم من يقتل بأيدي الحكام أنفسهم زرعا للفتنة وإدامة للصراع وسعيا لضخ دماء جديدة في أعمار الأنظمة الملفوظة شعبيا.

ولا مانع لديها أن تدير معركة الفتنة والدمار لحاضر الشعوب ومستقبلها بآخر قطرة دم مواطن وآخر جندي أو رجل أمن فكلاهما وقود الحرب وضرورات البقاء لمن تربوا على أن الوطن مزرعتهم الكبرى، وأن كل من فيه عمال سخرة للحاكم بأمره أو مرسومه، وقد يكون في غاية التواضع عندما يسمح لهم بقتل أنفسهم من أجل بقائه.

وإن كان الحكام لا يرون أن من مصلحتهم خنق الشعوب واحدا تلو الآخر حتى لا تمتد إليهم العدوى، وتتجرأ الشعوب للمطالبة بحرياتها وكرامتها وتلفظ جلاديها، وإن كان العالم قد فقد الإنسانية والعدل والقيم العليا، وأنها عوراء تنظر بعين واحدة تهب لإنقاذ حيوان خشية الانقراض، ولا تحرك ساكنا عندما تُدمر شعوب صباح مساء إلا بثمن استعماري جديد.

فإن الشعوب العربية هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن تحقيق سيادتها وكرامتها، فهي بتصميمها أقوى من جلاديها، والواقع اليوم يثبت ذلك، وهكذا التجربة البشرية، وهي مكلفة وطنيا وقوميا وشرعيا وإنسانيا أن تقف مع بعضها حتى إذا حققت حريتها مهدت الطريق لوحدة الأمة العربية من جديد على طريق وحدة أشمل وأوسع، صحيح أن الحدود والقيود والسدود (السيكس بيكوية) تعرقل التواصل العربي والنجدة لشعوبها، لكنها تملك اللسان والقلم والموقف وغيرها، حفظ الله سوريا عربية إسلامية نظيفة من أي حقد طائفي وشعوبي.

مجرم مرجوم ملعون من يعمل على وأد انتفاضة الشعوب العربية السلمية لتحقيق استقلالها وسيادتها وكرامتها, أو من ظن أن هذه الدماء الطاهرة والحرمات المنتهكة والعجرفة القذرة والمؤامرات المدبرة ستكون حصيلتها استقرار الكراسي المهتزة، ظانين أن معادلات دولية خارجية ستحفظهم إلى الأبد أمام براكين حقد شعوبهم بعد أن أعطتهم الفرصة تلو الأخرى، لكنها ما زادتهم إلا طغيانا واستعلاء واحتقارا لهم.

لقد انطلقت مسيرة الشعوب العربية، وإن بمناسيب مختلفة من شعب لآخر لن تتوقف حتى تصل مبتغاها المشروع اليوم أو غدا، ولن يموت أحد قبل ساعته ولكل أجل كتاب.

====================

أحمد البياسي الذي مات ولم يمت: أيقونة الناس البسطاء!

محمد منصور

2011-06-08

القدس العربي

 من بين صفوف الناس البسطاء والفقراء... الناس الذين لا تعني لهم نظريات السياسة شيئاً، ولا أيديولوجيات الأحزاب أي قضية، خرج ابن مدينة بانياس السورية الساحلية الشاب أحمد البياسي... ليتصدر المشهد التلفزيوني والافتراضي على صفحات موقع التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي.

لم يعرف الكثير من السوريين اسم هذا الشاب، رغم أنهم رأوا صورته على الشاشات في مناسبتين: الأولى عندما تسرب فيديو البيضا الشهير الذي يظهر فيه شبيحة الأمن والنظام وهم يدوسون أجساد شباب القرية ويركلونهم على وجوههم وينكلون به وهم معتقلون ومقيدو الأيدي... يومها استنفر الإعلام السوري آلة الكذب الفاجرة لديه ليقول ان هذا الفيديو صور في العراق وأن الشبيحة هم بيشمركة... وظهرت المذيعة رائدة وقاف في استوديو الفضائية السورية لتستقبل اتصالات لأشخاص حلفوا لها يمين الطلاق أن هذا المشهد في العراق... فيما تكفل كل من خالد العبود وعصام التكروري وطالب إبراهيم ليظهروا على الفضائيات المعادية ويرددوا هذه الأكاذيب التي لن يسامحهم عليها الكثير من السوريين ما قيض لهم أن يعيشوا ويروا نهاية هؤلاء. أما المناسبة الثانية فهي التي ظهر فيها أحمد البياسي عبر فيديو آخر، مرتدياً نفس اللباس الفقير والبسيط الذي كان يرتديه عندما ظهر في الفيديو الأول، وحاملا بطاقة الهوية الشخصية ليؤكد أنه هو نفسه من ظهر في ذلك الفيديو الذي هز صورة النظام أمام الرأي العام العالمي، وأن هذه ساحة قرية البيضا في بانياس... وأن ما جرى لم يكن من صنع عناصر المارينز الأمريكان كما قالت قناة (الدنيا) عنوان الزور والبهتان التلفزيوني، بل من صنع شبيحة الأمن السوري.

غاب اسم أحمد البياسي وانطوت صورته في زحمة الأحداث، إلا من فيديوهات اليوتيوب التي سجلت للتاريخ واحدة من أشنع الأكاذيب التي سعى الإعلام السوري لتسويقها... ثم فجأة عاد اسمه للظهور عندما نشرت على موقع الفيسبوك الأسبوع الماضي رسالة لسيدة اعتقل زوجها في فرع أمن الدولة الشهير في منطقة كفرسوسة بدمشق، وقالت فيها: إن زوجها شاهد من خلال قطعة القماش التي انزاحت عن عينيه هذا الشاب وهو معتقل في هذا الفرع، وأن الضابط كان يركله، ويأمره أن ينظف له الحذاء بوجهه وأن يلعقه بلسانه مراراً إمعاناً في إذلاله.

في اليوم التالي نشر المرصد السوري لحقوق الإنسان في لندن خبراً غير موثوق يفيد بان أحمد البياسي توفي تحت التعذيب، ونقلت البي بي سي هذا الخبر عن المرصد المذكور... وكانت مأساة أحمد البياسي في ذلك اليوم الطويل، واحدة من مآس سورية كثيرة تصدرت الشاشات مرة أخرى.

انضمت بعد ذلك قناة (الجزيرة) و(العربية) إلى متابعة قضية هذا الشاب ونقل هذا الخبر غير الموثوق عن وفاته تحت التعذيب... وانتشر الخبر على مواقع الانترنت وصفحات الفيسبوك... وسرعان ما تعاطف آلاف السوريين مع من أطلقوا عليه (شهيد الحقيقة) واستبدلوا صورهم الشخصية بصورة له من الفيديو الذي ظهر فيه بشجاعة نادرة ليكذب الإعلام السوري. ورغم أن الخبر ظل غير مؤكد إلا أن هذه الرغبة في التعبير عن التضامن والاحتفاء بمشروع شهيد... طغت على إحساس الكثير من السوريين، الذين رأوا فيه صورة من صور بطولة رمزية تستحق أن يحتفي بها... بل أن ذلك دفع بعضهم إلى اطلاق اسم البياسي على الجمعة القادمة، في تقليد هو الأول من نوعه منذ انطلاق هذه الاحتجاجات الشعبية، التي لم يسبق لها أن أطلقت أسماء أشخاص على تحركاتها.

أخيراً خرج التلفزيون السوري عن صمته، وظن أنه ورط أعداء الوطن والمحطات الفضائية المغرضة في خبر كاذب يمكن أن يسحب كل رصيد الثقة لديها... وكانت المفاجأة أنه أظهر لقاء مع أحمد البياسي وهو بثياب أنيقة ويجلس على كرسي جلدي دوار وأمامه المايكروفون، ليكذب رواية موته تحت التعذيب... وليكذب هذه الفضائيات التي تريد تشويه سمعة الوطن.. لكن هذا التكذيب ارتد على الإعلام اللاوطني الكاذب... فقد أكد التلفزيون السوري بطريقة لا لبس فيها أن فيديو البيضا كان صحيحاً وليس مزوراً، وأن هذا الشاب الذي كان يركل ويهان مواطن عربي سوري وليس مستورداً من دولة مجاورة... فكان هذا الاعتراف أبلغ صفعة يصفعها هذا الإعلام لنفسه من حيث يدري أو لا يدري.

قناة (الجزيرة) التي كذبها التلفزيون السوري الغارق في الكذب وحديث المؤامرة وتوزيع تهم الخيانة والعمالة، لم يفتها في التقرير الذي تابعت فيه هذه القضية أن تلتقط هذا المعنى الفاضح... بل أشارت إلى أن هذا الاعتراف الرسمي المصور بفيديو البيضا، لم يدفع السلطات السورية لفتح تحقيق في تلك الارتكابات المهينة التي ارتكبتها عناصر الأمن وهزت صورة النظام في العمق.

في الصور التي بثها التلفزيون السوري، ظهر أحمد البياسي منهكاً، ناحل الوجه... لم تستطع تسريحة الشعر المنتظمة، أو 'البيجاما' الرياضية الأنيقة التي ألبسوه إياها أن تخفي ذلك النحول والتعب، ولا تلك النبرة المستسلمة في صوت يقول ما يريدون له أن يقول. ولم يكن ظهور أحمد حياً نهاية المطاف في درب الآلام الذي عبر به، بعد أن تجرأ على فضح أكاذيب الإعلام السوري دفاعاً عن كرامته التي أهينت، وعن حقه الذي أهدر، وعن قهره الذي استفحل صراخاً في وجه محاولات إنكار الحقيقة.. ظلت صورة أحمد ماثلة في وجداني وفي وجدان كثير من السوريين الذين هللوا فرحاً على صفحاتهم على الفيسبوك بعد أن (كتبت له حياة جديدة) لكن في تلك الحياة ثمة فصل ناقص يجب أن يكتمل... فقد أفرج لأول مرة عن هذا الشاب وابناء قريته بعد أن خرجت نساء البيضا في تظاهرة قطعت الطريق السريع بين بانياس وطرطوس لتطالب بإعادة الأزواج والأخوة والأبناء إلى البيوت التي خلت منهم بعد مداهمة شبيحة الأمن للقرية... وحين تسرب فيديو البيضا بعد ذلك، سجل أحمد الفيديو الذي يقدم الدليل الأكيد على حدوثه.. واستمرت التظاهرات في البيضا وبانياس، فقررت السلطات السورية تلفيق رواية الإمارة السلفية، كي تبرر حصار الجيش للمدينة واقتحامها مرة ثانية.

وفي هذه الأثناء عثروا على أحمد البياسي وما ان رأوه حتى تذكروا أنه كان الرجل الذي فضح أكاذيب مليشياتهم الإعلامية... فانهالوا عليه ضربا وشتماً قبل أن يعيدوا اعتقاله، وينقل إلى فرع أمن الدولة في دمشق ليأخذ نصيبه من التعذيب الوحشي والإهانة مرة أخرى... وعندما تسربت الأنباء عن وجوده قيد الاعتقال، وعن احتمال أن يكون قد مات تحت التعذيب... قرروا الإفراج عنه شريطة أن يظهر على التلفزيون السوري ويكذب الإعلام المشبوه!

عاد أحمد إلى بيته أخيراً... عاد مندون أن يدري ما الذي دفعهم إلى الإفراج عنه، ومن دون أن يقرأ ما كتب عنه على صفحات الفيسبوك التي ليس له فيه موطئ قدم، ولا لماذا انتشرت صوره على بروفايلات كثير من أبناء وطنه... عاد وحيداً ومنهكاً يحمل في عينيه براءة الشاب الريفي البسيط، الذي أدرك ربما أن تكذيب الإعلام السوري جريمة يعاقب عليها القانون، وقد تودي بصاحبها إلى أقبية المخابرات وسياط الجلادين... لكن المعركة حوله لم تنته. وعلى صفحات الفيسبوك قام أنصار النظام بتصميم ملصق يسخر من رغبة بعض الناشطين بتسمية الجمعة باسمه، جعلوا له عنواناً مهيناً (جمعة الجربوع) وقد أرسل لي أحد هؤلاء رابطاً لصفحة مناوئة أخرى أسموها (حملة المليون حذاء لكل من وضع صورة على بروفايله متضامنا مع هذا ال....) وعذرا لحذف الكلمة التي يعاقب قانون المطبوعات على نشرها.

لا أدري لماذا يهين أنصار النظام (المتحضرين) هذا الشاب بهذه الطريقة الممتلئة غيظاً وكراهية، والتي تنم عن عدم احترام مواطنيته كإنسان... فهو لم يطلب من أحد أن يتضامن معه، ولم تكن له يد في كل ما كتب عنه... وربما لم يقرأه، لكن بالنسبة لي فأنا أفخر بأن هذا (الجربوع) هو ابن بلدي... وأتشرف بمعرفته لو قيض لي أن أراه يوماً... وحملة المليون حذاء تعبر عن ثقافة أنصار النظام، وتسيء لهم وللقضية التي يدافعون عنها إن كان ثمة قضية... وهي لن تمس هذا الشاب الشريف الشجاع ولا من تضامن معه... لأن روح التضامن الأخوي النبيل تاج يكلل رؤوسنا هذه الأيام... وهي شيء لا نخجل منه بالتأكيد... فقد علمنا هذا الشاب القروي الفقير أن كرامة الإنسان تبقى محفوظة متى تحلى بالشجاعة كي يكسر غلالة الصمت والسكوت.

علمنا أحمد البياسي أن الوطن عدالة، وأن المواطنة محبة، وأن الشرف إخاء ونسب ورابطة دم... فشكرا لك يا أحمد وأنت غافل عما يكتب عنك من مديح او هجاء... شكراً لك لأن سورية تكبر بأمثالك وبشهامتك... ولأن الأحذية تلبس من ينتعلونها لغة وثقافة وأخلاقاً... الأحذية تلبس الجلادين في عقولهم وألسنتهم، بينما تبقى تحت موطئ قدم الشرفاء والبسطاء يدسونها ولا تدوسهم!

====================

استحقاقات السلطة السورية

الخميس, 09 يونيو 2011

فاروق حجّي مصطفى *

الحياة

مشهد الحراك الشبابيّ (والشعبيّ) السوري وخياراته تتطوّر يوماً بعد يوم، وقد توسّعت آفاق هذه الاحتجاجات عموديّاً وأفقيّاً وعلى المستويين الجغرافيّ والسكانيّ بمشاركة غالبيّة مكوّنات الشعب السوري. كل هذا بعد أن انحازت السّلطة الى الحلّ الأمنيّ على حساب الحلّ السياسيّ الذي كان الوطن أحوج اليه.

والحقّ ان الأزمة الوطنيّة تتفاقم شيئاً فشيئاً وبوتيرة متصاعدة، خصوصاً بعدما سمع السوريون نبأ إصرار البعث على قيادة الدولة والمجتمع في المرحلة المقبلة، ضارباً بكل صيحات التغيّريين عرض الحائط، وبعدما صدرت مسوّدة الانتخابات العامة التي تشي بشيء من الاستهتار بحلم السوريين في وصول ممثّليهم إلى قبّة البرلمان. فمن يتصفح هذه المسوّدة لا يلمس أي تغيير في بنيتها ونية أصحابها، الأمر الذي يخيّب الآمال ويزيد من تدهور أحوال البلاد والعباد.

وهذه المسودة (الانتخابات العامة) مهما تعدّلت وأُدخلت عليها التعديلات ستبقى عصيّة على فتح آفاق الشراكة السياسيّة، عدا عن أنها تغلق الأبواب أمام التداول السلميّ للسلطة. ويبدو أن فهم بعض أوساط السلطة لمفهوم الشراكة السياسيّة والتداول السلمي مختلف عن فهم المعارضة، أي أننا سنبقى في الدوامة بعد طلائها بمزيد من الدم.

وفضلاً عن ذلك، وبعيداً من أن صفحة الاعتقالات السياسيّة لم تطو بعد، وأن العفو العامّ عن سجناء الرأي أتى متأخراً للغاية، لا يرقى شكل الحوار الذي تطرحه السلطة إلى المطلوب. فالمعارضة ترى أن طلب السلطة للحوار مرده تأمين شروط بقائها ليس إلا، فيما تريد حواراً يمهّد الطريق لبناء عقدٍ سياسيٍّ جديد ينقذ الوطن من انزلاقاتٍ قد لا تُحمد عقباها، ومن ثم يُشرع في فتح آفاقٍ جديدةٍ أمام السّوريين جميعاً الذين لطالما نادوا بالتغيير.

وكان للسلطة أن أقحمت الجيش في الأزمة الوطنيّة، علماً أن الجيش في الأعراف السائدة مؤسسة يجب أن تكون طرفاً محايداً في النزاع الداخليّ، وأن ينحصر دورها في الدفاع عن الوطن من التهديدات الخارجيّة!

هكذا يبدو المشهد السياسيّ السوريّ أمام استحقاقات جمّة تطاول إنقاذ البلاد من حمام الدم، وترك المحتجّين يعبّرون عن آرائهم ومطالبهم بالحريّة، واستجابة السلطة لمسؤوليتها بأن تبشّر الناس بأن ثمة واقعاً سياسياً جديداً يتبلور، والقبول بالنجاحات التي حققها الحراك والتي تشكل اليوم ركائز مرحلةٍ يمكن التأسيس عليها.

فالنخبة السياسيّة التي في السلطة مدعوة لإعارة الاهتمام لرسائل الشارع، بحيث تبتعد من السوط والرصاص، وتتخذ إجراءاتٍ إنقاذية لاحتواء الأجواء وتهدئتها في المحافظات من أجل ظروفٍ مناسبة لحوار مناسب، بعيداً من هيمنة حزب واحد على الآخرين...

* كاتب سوري كردي

====================

سورية والدور المفترض

الخميس, 09 يونيو 2011

حسان حيدر

الحياة

المواطنون الذين عرضهم التلفزيون الرسمي السوري وهم يناشدون الجيش التدخل لإنقاذهم من «العصابات المسلحة» في مدينة جسر الشغور، صورة طبق الأصل عن المناشدات التي عرضها التلفزيون نفسه في 1976 وقال إن مخاتير لبنانيين وجهوها إلى الجيش السوري للتدخل من اجل «إنقاذ المسيحيين» في لبنان، قبل أن يتبين بالتجربة الملموسة أن اللبنانيين بمختلف طوائفهم وأحزابهم كانوا في «سلة واحدة» بالنسبة إلى الحكم في دمشق.

ومع أن الفارق الزمني بين ما يجرى في سورية حالياً وما جرى في لبنان آنذاك يزيد عن 35 سنة، فإن النظام السوري لا يزال يعتمد الأساليب نفسها في تبرير تصرفاته وتقديمها على أنها من مستلزمات «الدور» الذي يؤديه ل «المحافظة على الاستقرار» في المنطقة، رابطاً بين استقراره الداخلي وبين استمرار هذا الدور، من دون أدنى تطوير للمفاهيم السياسية أو الإعلامية، يتماشى مع التغيير الحاصل في العالم.

لكن في حاله الجديدة، يبدو النظام السوري عاجزاً عن إدراك حدود الدور الذي ابتكره له الغرب. فهو عندما اجتاح لبنان للمرة الأولى طرح تحركه من زاوية المقايضة بين المصالح الغربية ومصالحه الذاتية، وكان «استيعاب» لبنان في ذلك الوقت هدفاً استراتيجياً للنظام السوري تقاطع مع هدف استراتيجي للغرب، وخصوصاً الأميركي، يقوم على إبعاد خطر منظمة التحرير الفلسطينية عن إسرائيل وكف يدها في لبنان. ولهذا، ساهم الغربيون آنذاك في تضخيم «الدور الإقليمي» السوري الذي كان من شروطه إبقاء جبهة الجولان السورية هادئة وكبح الفصائل الفلسطينية في جنوب لبنان. ومع أن فشل دمشق جزئياً في تنفيذ الشق الثاني دفع إسرائيل إلى غزو لبنان في 1982، إلا أن هامش المناورة الذي مُنح لسورية في الداخل اللبناني مكّنها من العودة مجدداً إلى بيروت لوقف الحروب المفتعلة بين حلفائها. وطوال هذه المدة تغاضى الغرب عن تجاوزات نظام دمشق في لبنان وفي سورية نفسها، وعن تقاربه المتزايد مع إيران ودعمه العسكري والسياسي ل «حزب الله»، مفضلاً الضغوط الديبلوماسية ومحاولات الإقناع الهادئة، طالما أن الشق الرئيسي من الاتفاق لا يزال سارياً.

ويبدو النظام السوري كمن صدق فعلاً انه يستطيع التخلي عن التزاماته غير المعلنة من دون أن يتغير هو، فبدأ بعد تهديدات كلامية، في تهديد فعلي للاستقرار السائد على جبهة الجولان عبر إرسال آلاف الشبان الفلسطينيين لاجتياز «الحدود» بتحريض وتنظيم من فصائل فلسطينية تدين له بالولاء، فأخطأ مرتين: الأولى عندما كشف انه كان يحافظ على هدوء جبهة الجولان لمبررات أخرى غير التي يتحدث عنها، ولا سيما مقولة «التوازن الاستراتيجي» مع إسرائيل، والثانية عندما ظن أن باستطاعته فعلاً التخلي عن علة «دوره الإقليمي» التي حمته طوال هذه العقود.

ولعل هذا الانقلاب على الالتزامات، بما في ذلك ما يقول الغرب انه تزويد «حزب الله» صواريخ بعيدة المدى ومحاولة بناء مفاعل نووي سري، يفسر تصاعد مواقف الدول الغربية التدريجي مما يجرى في سورية وفرضها عقوبات قاسية على دمشق وسعيها إلى إصدار قرار إدانة لها في مجلس الأمن، بعدما اعتبرت معظم عواصمها أن الحكم في دمشق فقد شرعيته، من دون أن يشغل بال هذه العواصم أي قلق على الاستقرار في المنطقة.

====================

موقف إنساني لا انتخابي يا رابطة الكتاب

غازي الذيبة

تاريخ النشر 08/06/2011

الغد الاردنية

هي لحظة نعيش توهجها. لحظة استثنائية في تاريخ إنتاج الوعي والحوار والموقف، لا يمكن للمثقف الحقيقي، أو العضوي وفق غرامشي، إلا أن يكون مشاركا فيها، سواء قال كلمته ومضى، أو شارك بفعل، أو صمت.

وفي كل الأحوال، فإن موقف المثقف أيا كان، هو الذي ستنبني عليه علاقته مع نفسه ومع محيطه لاحقا، وفيه ستتكشف قدرته على تلمس الحقيقة، وفهمه للواقع وإدراكه لمقتضيات اللحظة، ومكنته من أن يمتلك رئتين قادرتين على استنشاق الهواء النظيف.

هذا ما ساقته "معركة كسر العظم" على حد تعبير "فيسبوكي"، نهش في لحم سجال دار حول موقف رابطة الكتاب الأردنيين، حول ما يجري في سورية من مذابح على يد نظام طغى واستكبر منذ العام 1963، وبقي محافظا على صيغة مموهة لموهبته الخارقة في إظهار ممانعته ومقاومته للعدو الإسرائيلي.

النهش على ما يبدو، اكتمل بصوره العجيبة، حين أصدرت مجموعة مثقفين ومثقفات أعضاء في الرابطة، بيانا دانوا فيه مقتلة اللانظام في سورية بحق الشعب هناك. كان البيان مفعما بما تواتر من مآلم حول ذبح الطفل حمزة الخطيب. وللحقيقة، صدمت، بكيت بما يكفي لأن أتخيل مقتلة حمزة واقعة على ابن لي وعلى أبناء غيري، وانتظرت موقفا واضحا من الرابطة حول ذلك، لكن لا حياة لمن تنادي.

لم يكن مطلوبا من الرابطة أكثر من الانحياز للإنسان. الإنسان الذي نقضي زمننا الإبداعي من أجله وفي فضائه. الإنسان الذي نمجد معناه ووجوده. فمقتلة حمزة التي تناسلت من مقاتل إخوته في كل أرجاء سورية، كانت حرية بحك وعي مثقفين وجدوا أنفسهم جالسين في بقعة الوهم الممانع. كان عليهم أن يتفحصوا المشهد السوري برمته، لإدراك حقيقة مَن قتل مَن، ولِمَ، والدواعي التي تجعل نظاما يدعي أنه مقاوم، قاتلا لأبناء شعب، يقول إنه شعبه.

موقعو البيان الذي قيل إنه جاء في زمن انتخابات الرابطة لشرخها عاموديا، على حد تعبير بعض رافضيه، لم يكن في بالهم إلا مسألة واحدة، هي الوقوف في مواجهة مشهد دموي لا يمكن قبوله، حتى لو كان فاعله صلاح الدين الأيوبي، فكيف بنظام نعرف تاريخه جيدا؟

كنا نأمل أن يستقبل البيان من قبل رافضيه بلغة تنأى بنفسها عن تخوين موقّعيه، أو اتهامهم بشرخ الرابطة. لغة تقبل بالآخر، وتحترمه، ولا تنظر إليه باستعلاء، ولا تضعه في خانة المُدان، لأنه يقف إلى جانب الشعب السوري، لا إلى جانب اللانظام في سورية، ويقف إلى جانب ما تحكيه صور الحقيقة المتواترة عبر شاشات مهربة من داخل الوجع الشعبي السوري، لا من داخل دوائر الأمن هناك.

لم نكن ننتظر من الإخوة رافضي البيان، سوى التأمل في الحالة التي تعيشها المنطقة، وعدم قبول ما يمكن أن يحدث في بلد عربي على أنه ثورة، وفي أخرى على أنه عمالة واندساس. وسورية، والشعب السوري وحمزة الخطيب، ليسوا مندسين، إنهم سوريون، أرادوا الكرامة والحرية فقط، فهل من حق المقاومة والممانعة أن تمحق رغبة كهذه؟ ألا تُحرر الأوطان بالحرية والكرامة؟

====================

الورطة السورية والعلاقات التركية الإيرانية

سمير صالحة

الشرق الاوسط

9-6-2011

أنقرة، التي فشلت في إقناع القيادة السورية بالإسراع في إطلاق حملات الإصلاح والحوار والإصغاء إلى صوت الشارع، كانت ملزمة بخطوة ضاغطة تمثلت بتوفير الغطاء لانعقاد أوسع مؤتمر للمعارضة السورية واحتضانه في مدينة أنطاليا التي اختلط اسمها على البعض فهاجموا الموقف التركي الاستفزازي بتنظيم لقاء في أنطاكية قلب لواء الإسكندرون الذي التحق بالدولة التركية في أواخر الثلاثينات.

أكثر من 300 شخصية سورية التقت في أكثر المدن السياحية التركية حركة في هذا الموسم لتضع خططا وبرامج تحركها باتجاه التغيير في سوريا، فحسموا موقفهم بمطلب رحيل الرئيس الأسد، رغم أن أنقرة رددت أنها ما زالت تراهن على قدرة الرئيس السوري على إخراج بلاده من ورطتها هذه. قيادات المعارضة السورية التي شاركت في اللقاء قالت إن تركيا فتحت الأبواب فقط أمام المؤتمرين لكن القناعة الحاصلة لدى الكثيرين هي أن حكومة رجب طيب أردوغان باتت لاعبا وشريكا أساسيا فيما يجري. فرغم أن قيادات العدالة والتنمية قالت إن ما فعلته هو خطوة باتجاه الحلحلة في سوريا وأن دمشق لم تسمع من الطيب أردوغان سوى الكلام الطيب حتى الآن، فإن المؤكد هو أن الأزمة السورية وتصاعدها الدائم يفرض على أنقرة إعادة خلط أوراقها إقليميا ودوليا لحماية مصالحها بأكثر من اتجاه.

التحرك التركي الجديد هذا مهما قال داود أوغلو أنه يهدف أساسا لحماية المصالح السورية وأن تركيا لن تتدخل في شؤون جارها وأن أبوابها مشرعة أمام جميع الفرقاء في سوريا، فإن المواقف والممارسات العملية على الأرض تقول غير ذلك. نظرة خاطفة على الشعارات والبيان الختامي لمؤتمر أنطاليا وقراراته توجز لنا حجم التساهل التركي في هذا المجال.

مطلب لقاء أنطاليا في تشكيل المجالس الاستشارية للثورة لتقود أعمالها وتنظم تحركاتها بمشاركة الكثير من القوى السياسية والحزبية والفكرية الفاعلة خارج سوريا تحديدا هدية قدمتها أنقرة لقيادة الرئيس الأسد لن تمر دون تحية أحسن منها.

زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم الأخيرة إلى بغداد ولقاء تنسيق المواقف مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قد تتحول في أية لحظة إلى استراتيجية ثنائية للرد على «التمادي» التركي وتصبح تحالفا ثلاثيا يضم إيران في محاولة لإجبار تركيا على مراجعة مواقفها وحساباتها في مسائل التغيير والحريات وتحذيرها من تعريض مصالحها للخطر مع هذه البلدان. موقف العراق الأخير والمفاجئ في الربط بين التعهدات المائية الواجب على تركيا تقديمها من مياه دجلة والفرات وبين مصير معاهدة التعاون الاستراتيجي مع تركيا رسالة لا يمكن فصلها عن مسائل إعادة تركيب المكعبات في العلاقات بين هذه الدول.

ما إن أعلنت قرارات مؤتمر أنطاليا حتى تحرك المئات من أنصار حزب الله وحركة أمل في تظاهرة دعم للرئيس الأسد في منطقة حي السلم بالضاحية الجنوبية لبيروت تحت يافطة «مؤتمر أنطاليا وكل الخونة إلى مزبلة التاريخ». مؤشر آخر على أن العلاقات بين طهران وأنقرة من جهة وبغداد وأنقرة من جهة أخرى ستكون تحت رحمة مسار العلاقات بين تركيا وسوريا في المرحلة المقبلة. اختلاف المواقف حيال ورطة الحليف المشترك ستقود عاجلا أم آجلا إلى تباعد تركي إيراني إذا لم تسرع القيادة السورية إلى حسم موقفها. كدنا أن نقول إن قمة تركية–سورية عاجلة باتت مطلوبة بأسرع ما يكون، لكن يبدو أن دمشق حسمت قرارها باتجاه إعطاء الأولوية للعب الورقة الإيرانية مع مسعى جدي لإشراك الجار العراقي فيها.

====================

سوريا.. هل عاد شهود الزور؟

طارق الحميد

الشرق الاوسط

9-6-2011

هناك معركة إعلامية شرسة تخاض ضد وسائل الإعلام، بكل أنواعها، وجنسياتها، من قبل وسائل إعلام سورية، وذلك على خلفية الانتفاضة الشعبية في سوريا، وهو أمر ملحوظ، وملموس، من خلال متابعة بعض الإعلام السوري، أو ظاهرة «المحللين» التي نشهدها اليوم.

إلا أن اللافت في هذه المعركة الإعلامية، أو قل أكبر مستجد فيها، هو الخبر الذي بثته محطة «فرانس 24» الفرنسية، أول من أمس، حين استضافت سيدة قالت إنها السفيرة السورية لدى فرنسا، وأعلنت خلاله تلك السيدة، استقالتها على الهواء، على اعتبار أنها السفيرة السورية، وذلك جراء القمع الذي يعانيه الشعب السوري. على أثر هذا الخبر قامت الدنيا ولم تقعد إلى اليوم، وأظن أنها لن تهدأ حتى تتكشف الحقائق، حيث سارعت السفيرة السورية لنفي خبر استقالتها عبر تلفزيون بلادها الرسمي، والمحطات الفضائية العربية، وقالت السفيرة إن سيدة ما انتحلت شخصيتها، وهددت بمقاضاة المحطة الفرنسية.. هذه هي القصة، لكن الغريب في كل ذلك هو التفاصيل.

فالمحطة الفرنسية، وفي بيان لها، تقول إنها ربما تكون ضحية تلاعب، حيث تقول المحطة الفرنسية إنها حصلت على الهاتف الجوال الخاص بالسفيرة السورية بباريس عبر الملحقية الإعلامية السورية بفرنسا، وهذا ليس كل شيء، بل إن وكالة «رويترز» بثت خبرا مساء الثلاثاء باللغة العربية، وكررته أمس باللغة الإنجليزية، تقول فيه الوكالة «وكانت (رويترز) قد تحرت النبأ واتصلت بالسفارة السورية في باريس قبل نشر بيان الاستقالة الأول الذي بثته قناة (فرانس 24). وأكد رد عبر البريد الإلكتروني من السفارة أرسل عبر موقعها الإلكتروني استقالة لمياء شكور»!

وبالطبع، وكما أسلفنا فقد نفت السفيرة بشدة استقالتها، وليس الموضوع هنا موضوع مناقشة ذلك، لكن ما يستحق المناقشة هو: هل وصلت المعركة السورية مع الإعلام، بكل أنواعه، وجنسياته، إلى هذا الحد من الشراسة، فقط للقول بأن سوريا تتعرض إلى مؤامرة خارجية؟ أم أننا اليوم أمام قصة «شهود الزور» الجديدة، وعلى غرار ما حدث مع محكمة رفيق الحريري الدولية، حيث استخدمت قصة «شهود الزور» من أجل الطعن بمصداقية المحكمة، وإظهار أنها مسيّسة؟

فانتحال سيدة مجهولة لشخصية السفيرة وإعلان الاستقالة عبر قناة تلفزيونية معروفة ليس بالأمر السهل، خصوصا في فرنسا، والأدهى من كل ذلك أن المحطة الفرنسية تؤكد أنها حصلت على رقم هاتف السفيرة من الملحقية الإعلامية السورية، مع تأكيد «رويترز»، أيضا، على أنها تلقت بريدا إلكترونيا من السفارة يؤكد الاستقالة! ولذا فإما أن هناك من يريد توريط السفيرة السورية من داخل سفارتها، أو أن هناك من يريد تسديد ضربة لوسائل الإعلام، وعلى غرار قضية «شهود الزور» بمحكمة الحريري الدولية فقط ليؤكد أن سوريا تتعرض لمؤامرة خارجية.

ومع منع النظام السوري لوسائل الإعلام من دخول سوريا وتغطية ما يدور هناك، ومع كل قصص النظام التي يبثها إعلامه، ولم تنطلِ على أحد، داخل سوريا نفسها أو خارجها، فربما تكون المحطة الفرنسية ذهبت ضحية عملية «شهود زور» جديدة!

====================

الرولكس السورية

عبدالرحمن الراشد

الشرق الاوسط

9-6-2011

أتعجب بقدرة المبدعين في التقليد، يصنعون ساعات تحسبها رولكس أصلية، وملابس تظنها من دور باريس الفاخرة، وإلكترونيات يخدع مظهرها أكثر التقنيين علما. وفي نفس الوقت أتعجب لماذا لا ينتج المقلدون بضائع أصلية؟

سياسيا لم أجد في التزوير أفضل من الأجهزة السورية الرسمية إبداعا في النسخ والتقليد والتشويش والتمثيل. منذ حكاية أبو عدس السلفي اللبناني الذي قال في شريط فيديو علقه على شجرة إنه الذي قتل الحريري. وعشرات الذين ظهروا وقالوا إنهم شهود ثم انقلبوا على ما ادعوه. ومواقع إلكترونية مزورة أحدها يقدم نفسه على أنه موقع إسرائيلي ليخدع قارئه للوهلة الأولى ومهمته تشويه سمعة خصوم دمشق. وعلى الإنترنت لقطات فيديو مركبة توحي بأنها من إنتاج المعارضة وهي ليست كذلك. وفي الخارج يظهر على شاشات التلفزيون العربية والدولية من يقدمون أنفسهم على أنهم معارضون لكن تفاجأ أنهم يؤيدون الرواية الرسمية! وهناك منظمات حقوق إنسان ومراكز علمية تكتشف أنها ليست سوى أذرع رسمية، وهكذا.

في نهايات حرب العراق كان هناك رجل في دمشق يقدم نفسه على الإنترنت من «القاعدة» يتولى رعاية المنضمين حديثا للتنظيم في حين لم يكن إلا موظفا أمنيا سوريا ظهرت قصته لاحقا على الإنترنت.

وسبق أن أكلنا الطعم عندما صدقنا قصصا وشهود زور مدسوسين استخدمناها، لتصطادنا القناة الرسمية السورية وتقدمها كدليل على كذبنا، وكذب الإعلام الخارجي، وأننا نشن حملة تضليل موجهة ضد المواطن السوري. ويبدو أن هذا ما حدث لمحطة فرانس 24، التي أتخيل أنها استضافت سيدة زعمت أنها سفيرة سوريا في باريس ووعدتهم بأنها ستعلن استقالتها على الهواء، حدث يسيل له لعاب أي صحافي في العالم، وجعلوا كل شيء يؤكد أنها السفيرة. والقصة باتت معروفة لمن تابعها. وهي ليست إلا واحدة من القصص والشخصيات الكثيرة المنتحلة التي روجت لها الحكومة بهدف الانتقام من وسائل الإعلام وتشويه صورتها وكسر مصداقيتها.

لم أجد أكثر من السوريين، الرسميين، إبداعا في اختلاق القصص والصور والأخبار والمسرحيات، ضمن الحرب الدعائية. وهذا يدفعني لأتساءل أنه طالما لديهم هذا الجهد الضخم في التمثيل وتزوير الأعمال الإعلامية العالمية لماذا لا يقدمون أعمالا أصلية ترضي مواطنيهم وتجعلهم يصفقون لهم بدلا من المعارضة؟

إن السلطات السورية تنفق الكثير من وقتها وأموالها وكوادرها لتضليل الناس والتشويش على الإعلام، تبني مواقع إنترنت، وتبتدع شهود عيان مزورين، وتنتج مواد مصورة ملفقة، وتضع واجهات مراكز دراسات، وينتحل منسوبوها صفات سلفيين و«قاعدة» وإسرائيليين. طالما أن لديها هذا الجهد الهائل، والأفكار «الخلاقة»، والذكاء غير المحدود إذن لماذا لا تتفهم حاجات مواطنيها وتتفرغ لاستمالتهم بدل التدليس عليهم. وبدل تصنيع ساعات مظهرها رولكس؟ لماذا لا تصنع رولكس حقيقية؟ فأنت لا تستطيع أن تكذب على كل الناس كل الوقت.

====================

سوريا.. الحل بانقلاب إنقاذي يكون مرحلة انتقالية!

صالح القلاب

الشرق الاوسط

9-6-2011

عندما تقترب الانتفاضة السورية، الباسلة حقا، من نهاية شهرها الثالث، وعندما يفشل القمع الأهوج الذي استخدمت فيه الدبابات ومختلف الأسلحة وكل الأساليب التي استخدمت في أبشع الديكتاتوريات التي عرفها التاريخ الحديث والقديم قسوة في القضاء عليها ومنعها من أن تتحول من شرارة بدأت في مدينة درعا في حوران، التي كانت توصف بأنها أهراء روما، إلى هذه النيران المتأججة كلها التي شملت سوريا كلها من أقصى الشرق حتى أقصى الغرب ومن أقصى الجنوب حتى أقصى الشمال.. كان الخطأ القاتل الذي ارتكبه الرئيس بشار الأسد أنه استمع إلى نصيحة المحيطين به بأن عليه أن يواجه شرارة الثورة التي بدأت في درعا بقسوة قمع أحداث حماه في عام 1982، وكان عليه أن يستحضر حكمة معاوية بن أبي سفيان القائلة: «والله لو أن بيني وبين الناس شعرة لما قطعتها، فإن هم شدوها أرخيتها وإن هم أرخوها شددتها» في التعامل مع هذه الأحداث في بدايتها قبل أن تسقط هذه الأعداد كلها من الشهداء والجرحى وقبل أن يساق عشرات الألوف من أبناء الشعب السوري إلى السجون والزنازين والأقبية السرية.

في الخامس عشر من مارس (آذار) الماضي، أي بعد أسبوع من الذكرى الثامنة والأربعين للانقلاب الذي جاء بحزب البعث إلى الحكم، كانت هناك إمكانية كبيرة لتنفيس الاحتقان ولاحتواء هذه «الثورة» قبل أن تصبح عارمة ومن غير الممكن السيطرة عليها على الرغم من استخدام هذا العنف كله وهذه القسوة كلها، ويقينا لو أن الرئيس بشار الأسد لم تأخذه العزة الخادعة بالإثم ولو أنه لم يركب رأسه ولو أنه بادر إلى الذهاب إلى درعا قبل أن تتفاقم الأمور وتصبح الشرارة نيرانا متأججة عارمة واستجاب إلى مطالب أهلها وأولها تعليق الذين ارتكبوا تلك الجريمة الأمنية التي ارتكبوها ضد عدد من الأطفال الأبرياء على أعواد المشانق لما حصل هذا الذي حصل كله.

لو أن بشار الأسد لم يتبع، إزاء «شعبه»، سياسة الضحك على الذقون، ولو أنه بدل اللجوء إلى «ماكياج» إصلاحي واتخاذ إجراءات إنشائية، حاول من خلالها التلاعب بشعب ذكي لديه مخزون هائل من تجارب التاريخ، بادر إلى الإعلان عن إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة وعن أنه لن يترشح مرة أخرى لهذه الإجراءات الرئاسية، ولو أنه لم يكتفِ بمجرد الاستبدال بحكومة حكومة أخرى لها اللون نفسه والتركيبة نفسها، ولو أنه ألغى البند الدستوري الذي ينص على احتكار حزب البعث لقيادة المجتمع والدولة لبقيت شرارة درعا في درعا ولما تحولت هذه الشرارة إلى نيران هائلة امتدت ألسنتها إلى سوريا كلها ولما تجاوزت هتافات المنتفضين المطالب الإصلاحية المقبولة والمعقولة وأصبحت دعوة عامة لإسقاط النظام كله برئيسه ورموزه كلها وكل ما فيه.

لقد اكتشف الشعب السوري، فورا وتلقائيا، أن الاستبدال بحكومة العطري هذه الحكومة الحالية، التي توصف بأنها بلا لون ولا طعم ولا رائحة، هو مجرد مناورة محدودة الأفق وبائسة، وأن إلغاء قانون الطوارئ والأحكام العرفية واستبدال قانون «الإرهاب» به لم يغير في الأمور شيئا، بل إنه زاد الطين بلة، كما يُقال، وأن تشكيل لجنة من علية القوم واجهتُها فاروق الشرع ونجاح العطار لوضع تصور للإصلاحات المطلوبة هو كبيع «الميّه في حارة السقايين»، وأن الحوار الذي أجرته بثينة شعبان هو لاجتذاب الأضواء من الخارج بعيدا عن الحدث الحقيقي الذي تنقل في البداية بين عدد من مراكز التوتر في البلاد ثم ما لبث أن عم مناطق سوريا كلها.

عندما يلجأ النظام إلى منع وسائل الإعلام العربية والعالمية من تغطية الأحداث كشاهد محايد، وعندما يقذف شاشة التلفزيون الحكومي ب«فبركاته» وتشاطره وبراعته في استخدام اللغة العربية «المقعرة» في وجوه مشاهديه، وعندما يمنع هيئات حقوق الإنسان من الوصول إلى ميادين المعارك التي استخدمت فيها الدبابات والمدافع الثقيلة واستخدم فيها الرصاص الحي حتى ضد الأطفال لنقل الصورة الحقيقية، فإنه في حقيقة الأمر يؤكد أنه عقد العزم منذ البدايات على ارتكاب جرائم أبشع من التي ارتُكبت في حماه في عام 1982 والمعروف أن ارتكاب الجرائم يقتضي في العادة إبعاد الشهود وإطفاء الأضواء وفقء عيون كاميرات الفضائيات.

كان على «جهابذة» النظام الذين ورطوه في هذه «اللعبة» القاتلة أن يدركوا وأن يفهموا أن تغييب وسائل الإعلام، التي إذا كان بعضها منحازا وصاحب «أجندة» معادية لنظام الرئيس بشار الأسد وعائلته، فإن مما لا شك فيه أن بعضها الآخر محايد وأنه يبحث عن الحقيقة، يجعل «شهود العيان» هم المصدر الوحيد للمعلومات ويجعل المتابعين للمشهد عن بعد لدى المقارنة بين «فبركات» الإعلام السوري، المتخلف شكلا ومضمونا، الذي لا يزال يرابط في دائرة «أكذب ثم أكذب»، فإن الناس سيصدقونك في النهاية، وبين روايات شهود العيان هؤلاء يأخذون بهذه الروايات انطلاقا من أنها مهما بالغت فإنها لا بد من أن تنقل بعض الحقائق وبعض المعلومات الصحيحة.

والآن وقد وصلت الأمور إلى هذا المستوى من التعقيد، فإن السؤال الذي بات يطرح نفسه على الأوساط المتابعة من الخارج ومن الداخل وفي كل مكان هو: ما الحل؟ وأين تتجه سوريا بعدما أصبحت العودة إلى الوضع السابق مستبعدة وغير ممكنة بأي صورة من الصور وأي شكل من الأشكال؟!

وردا على هذين السؤالين وعلى أسئلة كثيرة غيرهما، فإن هناك من يعتقد أنه حان وقت الانقلاب العسكري الإنقاذي الذي كان متوقعا منذ البدايات، والذي لو أنه لم يتأخر هذه المدة كلها لما تعقدت الأمور على هذا النحو، ولما وقعت هذه الضحايا كلها من شهداء وجرحى ومعتقلين ومشردين وفارين من بلدهم إلى الدول المجاورة ولما خسرت سوريا هذه الخسائر كلها، التي يحتاج تعويضها إلى سنوات طويلة من الاستقرار والبذل والعطاء، وهذا كله في بيئة نقية وظروف ملائمة وحاضنة وديمقراطية.

كان الاعتقاد بمجرد أن أرسل النظام دبابات الفرق العسكرية، المشكلة تشكيلا طائفيا وعائليا يرفضه السوريون بمختلف طوائفهم ومذاهبهم ومنابتهم وأصولهم وأعراقهم ومن بينهم غالبية أبناء الطائفة العلوية التي هي متأذية بدورها مثلها مثل باقي مكونات الشعب السوري، لتقتل وتذبح وترتكب جرائم مثل جريمة حماه 1982 وأبشع أن يبادر عدد من الضباط الوطنيين ومن مختلف الطوائف أيضا للإطاحة بهذا النظام وتسلم مقاليد الأمور لفترة انتقالية على غرار ما جرى في مصر وتونس يتم بعدها الاحتكام إلى صناديق الاقتراع على أسس ديمقراطية لتدخل سوريا مسارا جديدا غير ذلك المسار الذي دخلته مع بداية ظاهرة حكم الثكنات الذي أوصلها إلى هذه الأوضاع المزرية التي وصلت إليها.

إن المؤكد بعد أن وصلت إلى هذه التعقيدات كلها أن البديل المكلف، بل والمدمر، في حال استمرت سوريا بالسير على هذا الطريق الذي غدت تسير عليه بعد أن أصبحت العودة إلى ما كانت عليه الأمور مستبعدة وغير ممكنة إن على صعيد النظام وإن على صعيد الشعب، هو أن يصبح التقسيم، في ظل إصرار المجموعة الحاكمة على مواصلة الذبح والتقتيل وعدم الرضوخ لإرادة شعب أظهر قدرة فائقة على البذل والعطاء والإصرار حتى الوصول إلى ما يريده، هو الخيار الذي لا خيار غيره، وهذه في حقيقة الأمر «أم» الجرائم التي سينتهي مرتكبها ذات يوم في قفص الاتهام أمام محكمة التاريخ؛ حيث سيدفع الثمن الذي يعادل الوصول بهذا البلد العظيم إلى الخراب والتشظي.

=========================

السقوط الأخلاقي للمثقفين هل هو الوجه الآخر للخوف؟

خولة دنيا

جدار - 08/06/2011

لم يعد هناك ما يحتاج للنقاش في سورية اليوم، الأمور لم تعد ملتبسة، والمواقف لم يعد من مجال لتأجيلها أكثر من ذلك.

فبعد ثلاثة أشهر من انتفاضة الشعب السوري، هل هناك ماهو ملتبس بالنسبة للمثقفين؟

الملتبس هو أنتم، بمواقفكم الملتبسة، وبخوفكم الملتبس، وبحججكم الملتبسة كذلك.

فمن موقف لننتظر ونرى، إلى موقف لنرى جدية النظام لتطبيق الإصلاحات، إلى موقف نعم يوجد سلفيين، إلى موقف الخوف على سورية من حركة شعب بدون قيادات، إلى موقف لن أشارك في مظاهرة تخرج من جامع، إلى موقف الوقوف على الرصيف ومراقبة مايجري، إلى موقف لن أسمح للعرعور بأن يقود البلد....

والسلسلة تزيد وتزيد لتبرر عدم اندماج المثقفين بحركة الشارع التي طالما دعوا إليها ونظروا بضرورتها، كما نظروا بضرورة التغيير ، ودور الشعوب في الحراك، وكأن حراكهم في السابق لم يكن لينجح بسبب اعتكاف الشعب وعدم تبنيه لقضيتهم العادلة بتغيير النظام!!

 

وإن كنت في السابق وجهت دعوة للمثقفين أن (شاركوافي التغيير كي يشبهكم هذا التغيير)، أشعر اليوم بفقدان الأمل منهم كلياً، ولا أجد عذراً لهم في هذا الخوف والارتباك سوى العجز الطبيعي للمثقف علن اللحاق بحركة الشارع.

لماذا اليوم يبدو المثقف السوري مرتبكاً ومتنصلاً من حراك الشعب؟ هل اكتشف فجأة أن الصورة الرومانسية عن الثورة والشعب التي قرأ عنها كثيراً في أدبيات الثورات، تختلف كثيراً عن الشارع الذي يراه اليوم أمام عينيه؟

نعم فالشعب ليس صورة رومانسية لامرأة تشهر صدرها وترفع يدها بالراية في وجه الظلم بينما الشعب يندفع باتجاه القصر كما صورها فنانو القرن الثامن عشر عن الثورة الفرنسية، وليست ذالك العامل الذي يشهر إصبعه في وجه المشاهد ليقول له هل شاركت أنت؟ كما صورتها أدبيات الحزب الشيوعي السوفيتي في لوحات ملأت الجدران خلال العقود الماضية.

الثورة اليوم تشبه أبناء هذا الشعب بكل مافيه من بلاوي ونواقص قد لا تعجبكم، فلا داعي لإيجاد مبررات عدم المشاركة فيها، ولا داعي لإيجاد مبررات للانتقاص منها ومن شعبيتها..

هي الثورة المعبرة عن الشعب السوري رغبتم بهذا أم لم ترغبوا فإما أن تشاركوا بهذا الحراك، أو سيلفظكم الحراك بطريقة لا رجعة فيها..

 

ما نراه اليوم هو سقوط أخلاقي مدوي للمثقف السوري الذي يحسبها جيداً، وقد يكون تعود على حسابها جيداً خلال زمن القمع والاستبداد، واليوم حيث لا داعي للحسابات تراه يفلسف الحراك والثورة ويجد المبررات لعدم المشاركة. وهنا لابد من التساؤل المشروع:

كيف يمكن القبول بالقتل من قبل نظام القمع والارهاب الذي كنت تناضل ضده خلال السنوات الماضية؟

وكيف يستريح ضميرك وأنت تحصي ماتجاوز ال1500 شهيد، و13000 معتقل و51 طفل استشهد على يد النظام الأمني؟

كيف يرتاح ضميرك لمساندتك نظام لا مشكلة لديه بإرسال الطائرات والدبابات ضد المدن السورية بينما يرسل الشعب للحدود مع العدو كي يقتل بكل بساطة؟

كيف تبرر وقوفك مع نظام طائفي اعتقل طائفة بأكملها لمصالحه وللدفاع عن هذه المصالح، بحجة دفاع الأقليات عن وجودها؟

كيف تبرر وقوفك للدفاع عن النظام الأمني الذي قمعك لعشرات السنين، ويريد اليوم الاحتماء بطهارتك بوجه الشعب؟

 

أسئلة كثيرة لا أجد لها جواباً سوى: إنه السقوط الأخلاقي للمثقف السوري المعارض في معادلة الثورة الحقيقية وهو ما أراه وجهاً آخر للخوف من مجريات ثورة ما فتئت تطالب بحدوثها وتنصلت ومنها حين قامت...

 

(لا أظن هناك داعي للتنويه اني لا اشمل جميع المثقفين المعارضين هنا، لأن هناك منهم من لم يفكر مرتين عندما اختار الوقوف لجانب الشعب وثورته)....

===================

معادلة سورية: انهيار الليرة + ارتفاع الاحتجاجات = سقوط النظام

محمد ابراهيم

الخميس, 09 يونيو 2011

الشبكة العربية العالمية

دخلت الليرة السورية مسار الانهيار مع تواصل ارتفاع حدة الاحتجاجات الشعبية واتساع رقعتها الجغرافية. ويتوقع خبراء الاقتصاد النقدي ان يصل سعر الدولار الى اكثر من 60 ليرة سورية خلال الايام المقبلة مع اقدام عدد كبير من المواطنين السوريين على بيع الليرة لشراء العملات الاجنبية،

بالاضافة الى تهربب الدولار والعملات الاجنبية من قبل رجال الاعمال وافراد ذو صلة بالنظام الى دول مجاورة لضمان اموالهم مع بوادر انهيار نظام بشار الاسد تدريجيا.

واعتبر خبراء الاقتصاد ان الحكومة السورية ستكون عاجزة عن السيطرة والحفاظ على قيمة الليرة السورية من الانهيار، على الرغم من انها نجحت سابقا بالتعاون مع رامي مخلوف (البنك المركزي لعائلة الأسد) وضخ مئات الملايين من الدولارات للحفاظ على سعر الصرف واستقرار الليرة خلال الاسابيع الاولى فقط.

 وسبق وان تعهد عدد من التجار والبنوك لرئيس الجمهورية بان يعملوا على دعم الليرة السورية في اي وقت تطلب ذلك، الا ان خبراء الاقتصاد يشككون في مصداقية هذه الوعود معتمدون على مقولة اقتصادية شهيرة "رأس المال جبان" واي تعهد خارج المصلحة المباشرة هو ليس اكثر من مجاملات لتحقيق مكاسب من النظام. ومع ادراك الكثير من رجال الاعمال في سوريا ان النظام غير قادر على الاستمرار وحتى اذا استمر على المدى المتوسط فلن يكون هناك فرص استثمارية مجدية في سوريا. بكلام أخر، ليس من مصلحة رجال الاعمال ان يجمدوا امواله في الاسواق السورية ذات الوضع الحرج وبالتالي سيتهافتون سرا وعلنا على تحويلها الى عملات اجنبية وتهريبها الى الخارج مما سيسهم في دفع وتيرة انهيار الليرة السورية.

يؤكد محللون سياسيون ان الانهيار الاقتصادي سيقود الى التعجيل من سقوط النظام، فالنظام السوري قائم على كتلة منظمة من الفساد الاقتصادي تنعم بالامتيازات المقدمة من نظام امني يمتلك سيطرة مطلقة تفوق القانون.

ومع انهيار الليرة وتدهور الفرص الاستثمارية ستنفض هذه الكتلة المنظمة للفساد لعدم توفر شروط بقائها وهو اقتصاد مفتوح تحت سيطرتهم. وبالتالي سينعكس ذلك على جملة النظام السوري بشكل كامل ويبدأ الانشقاق عليه اقتصاديا ثم سياسيا وربما عسكريا حتى الانهيار الكلي.

و ارتفعت صيحات شعبية تدعو المواطنين بسحب اموالهم من البنوك وتحويلها الى العملات الاجنبية، فقد نقلت صفحة الثورة السورية ضد بشار الاسد على الفيسبوك تحذير ودعوة مفادها: "يا شباب كل واحد يسحب فلوسو ويحولها لعملة ثانية ويخبيها عنده في مكان آمن! الأمر أصبح واقعي واقتصاد الدولة يشارف على الأنهيار .. شوفوا حال البلد صارت مجمدة تجارياً والناس عم تقعد تسهر وتحكي عن الثورة ليل نهار ومافي شغل (ميت) والليرة - حسب خبراء ومحللين - في طريقها للانهيار .. الدولة عم تستنزف طاقتها القصوى عسكرياً واقتصادياً وسياسياً .. النظام خسر المعركة سياسياً ويقترب من الأنهيار اقتصادياً ولازالت الانشقاقات تحدث عسكرياً .. ماذا بقى لسقوط النظام؟؟ لازم نسحب فلوسنا من هالبنوك ونخلص من هالنظام اقتصادياً .. من أقوى مصادر قوة النظام هو البعد الاقتصادي وهو الي يوفر التمويل اللازم للقمع العسكري والأمني .. اذا انهارت الدولة اقتصادياً رح يصير نوع من الانصياع الفوري لمطالب الشعب ويصبح عندها سقوط النظام أمر واقعي وحتمي .."

وعلى نفس الصعيد يعد الاتحاد الاوروبي مجموعة من العقوبات الاقتصادية الجديدة التي ستطال الشركات السورية المرتبطة بنظام الرئيس بشار الأسد واضافتها الى قائمة العقوبات الأوروبية، حسبما أفادت مصادر دبلوماسية أوروبية. وأوضحت المصادر أن دول الاتحاد الأوروبي تفكر بتشديد العقوبات على سوريا لإرغام النظام على وقف القمع ضد الاحتجاجات المطالبة بإسقاطه.

وأضاف دبلوماسي أوروبي من بروكسل أنه يجري النقاش بين دول الاتحاد بشأن ماهية العقوبات الجديدة المزمعة، مشيرا إلى أنه لا نص مطروحا على الطاولة حاليا.

وفي واشنطن أفاد دبلوماسي آخر "نحن في الاتحاد الأوروبي نسعى لجولة ثالثة من العقوبات التي ستستهدف الشركات والمؤسسات الاقتصادية".

وأكد أن هذا النوع من العقوبات يلقى دعما من الولايات المتحدة.

وكان الاتحاد الأوروبي قد أضاف يوم 24 مايو/أيار الماضي اسم الرئيس السوري بشار الأسد إلى القائمة السوداء المكونة من 23 مسؤولا كبيرا تقضي بتجميد حساباتهم ومنعهم من السفر.

وقبل ذلك كان الاتحاد قد فرض حظرا على الأسلحة وعلق مساعدته المخصصة للتنمية في هذا البلد.

يعتقد أن الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها سوريا منذ حوالي ثلاثة اشهر أضرت كثيرا بالاقتصاد السوري وعطلت تنفيذ مشاريع استثمارية كبرى وأضرت بجهود جذب رؤوس الأموال لدعم الاقتصاد بعد عقود من الاقتصاد الموجه.

وتؤكد شخصيات من قطاع الأعمال أن الاحتجاجات ضد الرئيس السوري بشار الأسد عطلت ثلاثة مشاريع استثمارية خليجية كبرى في سوريا.

وتعليقا على الوضع الاستثماري في سوريا، قال تيودور روزفلت العضو المنتدب للاستثمار المصرفي في بنك باركليز كابيتال إن سوريا كانت تبدو كأنها دولة مستقرة وتسير باتجاه التحديث، مضيفا أن الاحتجاجات الشعبية تشير إلى أن التفاؤل الذي حمله البعض بشأن هذا البلد كان في غير موضعه.

وأشار إلى أن المستثمرين قد يقبلون مرة أخرى إذا خرجت سوريا من هذه الأزمة بمؤسسات مدنية قوية وتطبيق حكم القانون.

وكانت شركة الديار العقارية القطرية الحكومية أعلنت إيقاف مشروع عقاري في وسط دمشق كان من المقرر أن يشمل مساحة مبان على 2.5 مليون متر مربع.

كما توقف مشروع أصغر حجما للشركة كان قد بدأ في مدينة اللاذقية الساحلية وهي إحدى المدن التي شهدت احتجاجات شديدة.

وكانت قطر من المستثمرين الكبار القليلين في سوريا في القطاعات غير النفطية إلى جانب الإمارات، وما زالت شركات أجنبية مثل شركة الطاقة توتال الفرنسية تعمل في القطاع النفطي الصغير في سوريا.

من جهتها قالت شركة دريك آند سكل الهندسية العالمية ومقرها الإمارات اليوم إنها أوقفت العمل في مشروع بتكلفة 28 مليون دولار في حمص وسط سوريا حيث نشرت القوات والدبابات في مواجهة محتجين. وأعرب مسؤول من الشركة عن أمله بتحسن الوضع السياسي.

وأرجأت شركة قطرية أخرى هي شركة الكهرباء والماء القطرية خططا لبناء محطتين لتوليد الكهرباء في سوريا.

وحسب تقديرات معهد التمويل الدولي فإن الاقتصاد السوري سينكمش بمعدل 3% خلال العام الجاري بسبب الاضطرابات بعد أن كان قد حقق نموا بنسبة 4% العام الماضي.

وقال مصرفيون في سوريا إنهم رصدوا هروبا للأموال خلال الشهرين الماضيين، مشيرين إلى أن المودعين السوريين قلقون من إيداع مبالغ كبيرة في القطاع المصرفي الوليد مفضلين إيداع أموالهم في بنوك معروفة في لبنان المجاورة أو أماكن أخرى.

ويقول عبد القادر دويك رئيس بنك سوريا الدولي الإسلامي، وهو الفرع السوري لبنك قطر الدولي الإسلامي، إن المودعين سحبوا ما يعادل 680 مليون دولار من بنوك خاصة خلال اول شهرين من الثورة، وهو ما يمثل 7% من إجمالي الودائع بهذه البنوك منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية.

وحسب مصرفي رفض التصريح باسمه، فان السحوبات تجاوزت 2 مليار دولار وان الطلب على السحب في ارتفاع وهذا يخلق صداع مالي للبنوك ويحد من قدرتها على العمل بشكل طبيعي وخصوصا الاستثمار منها الذي دخل مرحلة الشلل الكلي.

=================

أين ذهب شبيحة ملاديتش في يوم الجولان؟

د. عبدالوهاب الأفندي

2011-06-09

الحياة

(1) لسبب ما ذكرني مشهد الشباب السوريين والفلسطينيين وهم ينحدرون على سفوح تلال الجولان الخضراء ببرامج الطبيعة في قناة 'ديسكفري'، حيث يتابع المرء المشهد الخلاب للغزلان وهي تمرح سعيدة في المروج، قبل أن تخرج الأسود فجأة من مكمنها وتشرع في مطاردتها ثم التهام ما تيسر منها. وكان ذلك ما حدث بالضبط خلال الدقائق والساعات التي تلت. وكما يصف مقدمو هذه البرامج المشهد بدقة دون تدخل لإنقاذ الفريسة، كان مراسل الجزيرة يحصي من مأمنه على الجانب الإسرائيلي الإصابات واحدة بعد أخرى. كلنا أصبحنا، ومعنا الأسد الآخر، متفرجين والليث الغضنفر يلتهم الضحايا الأبرياء.

(2)

في إسرائيل، بعكس سورية، لا تمنع وسائل الإعلام من تغطية الأحداث، ولهذا كنا نشاهد قناصة الجيش الإسرائيلي عن قرب وهم يطلقون النار على المتظاهرين العزل (الأصح أن يقال على القرابين التي قدمها النظام السوري على مذبح عبادة الحاكم الأوحد)، وعلى الهواء مباشرة. وكنا شاهدنا من قبل، وبالرغم من المنع الرسمي، شبيحة الأسدين (بشار وماهر) ورامي مخلوف، وهم يطلقون النار بمهارة تثير حسد جيش الدفاع الإسرائيلي على المتظاهرين العزل، فيجندلون ما شاء الله منهم بدون كبير جهد. وقد كان المأمول أن يظهر من بعض أولئك الرماة المهرة من يجندل الرماة الإسرائيليين الذين يفتكون بالمتظاهرين العزل. ولكنهم كانوا كما يبدو مشغولين بمهام أخرى بعيداً جداً عن الجولان.

(3)

إسرائيل خذلتنا كذلك وخذلت رامي وماهر، لأنها لم تنجح، طوال يوم النكبة-النكسة-الهزيمة سوى في قتل 22 فقط من العرب. بينما نجح كماة الأسدين خلال ساعات قليلة في نفس اليوم في قتل ثمانية وثلاثين متظاهراً في جسر الشغور، وعشرات غيرهم في مواقع أخرى. وهكذا ضيعت إسرائيل الغاشمة على إعلام الردح السوري فرصة البكاء والعويل على 'الأبرياء العزل الذين قتلوا غدراً'.

(4)

تعريف البراءة لدى الإعلام السوري ينطلق من تحديد القاتل لا من تعريف الضحية. فكل من تقتلهم القوات الأمنية السورية وشبيحتها وزعرانها هم مجرمون مندسون، أما من يقتلهم الآخرون فهم ضحايا 'عدوان صارخ'. ولكن الحكاية كان لها جانب آخر، لأن قطاعاً كبيراً من فلسطينيي المخيمات في سورية اتهموا النظام السوري، وبعض 'متعهدي الأنفار' من القيادات الفلسطينية، بأنهم دفعوا الشبان الفلسطينيين والسوريين إلى موت محتم لمجرد صرف النظر عن جرائمهم الأخرى. وقد يؤدي هذا الاتهام بعد قليل إلى وصف ضحايا الجولان بأنهم كانوا مندسين سلفيين إرهابيين موالين لإسرائيل.

(5)

كنا قد أشرنا إلى وقت سابق إلى أن النظام السوري تاجر بالقضية الفلسطينية وقضايا العرب الأخرى، وأنه لم يدعم تلك القضايا وإنما استغلها من أجل دعم الحكم القمعي في سوريا والتوسع في لبنان. وإذا كان حصاد أهل فلسطين من منظمات مثل جماعة أحمد جبريل صفراً كبيراً في مقابل الخدمات التي يقدمها فصيل جبريل للنظام السوري، فإن الأمر يتجه نحو ذلك في لبنان.

(6)

الطائفية هي المعلوم المسكوت عنه في الصراع السوري. وهي تظهر في التغطية الانتقائية للأحداث وضحاياها. فحتى مطلع هذا الأسبوع، بلغ عدد القتلى في سورية من المندسين أكثر من ألف ومائتي قتيل. وفي كل ذلك كان المسؤولون والإعلاميون السوريون وشبيحة المثقفين (فهناك أيضاً شبيحة يحملون درجة الدكتوراه ويظهرون على شاشات التلفزة بإسم مدير المركز الفلاني أو الأستاذ الجامعي في مادة كذا، ليبرروا ما لا يمكن تبريره) يتمترسون خلف النفي القاطع ونسبة الأخبار المصورة إلى كذب ومؤامرات صهيونية امبريالية، افتراء على الصهاينة المساكين. أما حين قتل بضع عشرات من الفئة التي لا يرى الحكم في سورية بشراً غيرهم، أعلن الإعلام السوري فجأة الاستنفار وتوعد في جسر الشغور بحماة جديدة.

(7)

منذ ايام حماة السوداء إلى يوم جسر الشغور وما بعده، ظل النظام السوري الطائفي يكرر ما أتاه الجنرال الصربي راتكو ملاديتش، الذي رأيناه يتبختر في خيلاء أمام العزل في سريبرينتسا، ثم شهدناه وهو يساق ذليلاً صاغراً إلى محكمة لاهاي وهو يتوسل بأنه شيخ مريض يستحق الرأفة والرحمة، وهي حجة لا تقبلها المحكمة كما أنها لن تقبل يوم الحساب الأكبر.

(8)

إن المولى تعالى في حكمته قد يعجل للمجرمين في الدنيا قبل الآخرة، كما وقع لراتكو ملاديتش وقبل ذلك رئيسه كاراديتش ورئيسهما ميلوسوفيتش. وقد أدركت القذافي وأبناءه عواقب جرائمهم الكثيرة حتى يكونوا عبرة لمن اعتبر. وقد ظن آل الأسد وأزلامهم أن جريمتهم الكبرى في حماة وما تبعها ولحقها من كبائر قد نسيت وأفلت مرتكبوها من العقاب. ولكن يبدو أنهم في سبيل تذوق العقوبة العاجلة بعد أن سقطوا في فخ إجرام جديد لا وسيلة معه للإفلات.

(9)

لقد ارتكب النظام السوري أكبر عملية انتحارية في العصر الحديث، حيث تدثر بالدثار الإجرامي الطائفي، ولبس لأمته الهتلرية، فأراق مع دماء ضحاياه آخر قطرة من الشرعية كانت تجري في عروق نظامه. وكما وقع من قبل للهوتو في رواندا والصرب في البوسنة والنازيين والفاشيين في أوروبا، فإن النظام الطائفي في سورية قد انتحر قتلاً. وقد يصبح المخرج المشرف الوحيد له شن هجوم خاطف لاسترداد الجولان، وهو ما لن يفعله لأن الطغاة كما هو معروف، هم أجبن الجبناء. واسألوا القذافي الذي يختبئ في مخبئه المحصن ويدعو النساء والأطفال لحمايته، بينما يرسل أبناء الليبيين الآخرين لقتل إخوتهم.

================

الرئيس السوري يفقد شرعيته للاستمرار في الحكم

د.حسن البراري

الاقتصادية

10-6-2011

يبدو أن تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بأن الرئيس السوري بشار الأسد فقد شرعيته لم يكن تصريحا عبثيا، وكذلك حديث وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه بأن فرنسا مستعدة لأن تطلب من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الاقتراع على مشروع قرار يدين سورية لقمعها الوحشي للاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية، مؤكدا أن الرئيس السوري بشار الأسد فقد شرعيته للاستمرار في الحكم وأنه حان الوقت لأن يجعل مجلس الأمن الدولي آراءه معلنة، ويبدو أن الإبطاء له علاقة بالانتخابات التركية أيضا ريثما تكتمل.

وعليه فإن التغيير متوقع وفي حال حدوثه قد يفضي إلى اصطفافات إقليمية جديدة تخلق توازنات قوى غير مألوفة في العقدين الآخرين. لهذا نجد تركيا والولايات المتحدة وحزب الله من أكثر القوى، إضافة إلى إسرائيل وإيران التي تهتم بديناميكية ما يجري في سورية وسيناريوهات إقليمية قادمة في حال سقوط النظام السوري.

نبدأ بتركيا التي لها وضع خاص، فرئيس وزرائها حقق شعبية غير مسبوقة في الشارع العربي نتيجة لإعادة توجيه سياسة تركيا الخارجية بشكل مستقل عن حلفائه في البيت الأبيض وتل أبيب، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ لم تتردد الحكومة التركية عن التعبير عن سخطها إزاء سياسة إسرائيل في غزة، وبالفعل وصلت علاقاتهما إلى نقطة هي الأدنى منذ اعتراف تركيا بإسرائيل في عام 1949 بعد اعتداء إسرائيل الوحشي على أسطول الحرية التركي في المياه الدولية في البحر الأبيض المتوسط قبل عام تقريبا. ويشير تقرير واشنطن في أحد تقاريره إلى أن التحولات الدولية وإعادة توجيه تركيا لسياستها الخارجية قد جعلت من واشنطن وأنقرة أقرب إلى المنافسين منهم إلى الحلفاء كما كان في السابق، وخاصة أثناء الحرب الباردة وما تلاها من هيمنة أمريكية تكاد تكون مطلقة على قراري السلم والحرب في الشرق الأوسط، غير أن تلك الهيمنة تعرضت لتحد كبير بعد الحرب على العراق في عام 2003 وتسلم حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحكم في تركيا وصعود التأثير الإيراني في الإقليم.

ميزة تركيا في المعادلة السورية هي أن دمشق تقدر دور أنقرة وتعرف جيدا بأن الأخيرة هي الأكثر قدرة على مساعدتها في الوقت الراهن للخروج من مأزق أصبح يشكل كابوسا ماثلا للعيان للنخب الحاكمة في دمشق. وموقف تركيا هذه الأيام واضح ويعبر عن سخط وربما الشعور بالخذلان من الشريك السوري الذي يعض على الحكم بنواجذه ولا يسمح بأي قدر من الحريات بدليل المعالجة الأمنية والدموية للتظاهرات السلمية التي اندلعت قبل شهرين ونصف الشهر. فأنقرة تطالب سورية بإصلاحات شاملة والسماح بالتعددية السياسية، في حين تحاول دمشق شراء الوقت للتملص من استحقاق بات تجاهله يشكل خطرا كبيرا على بقاء النظام السوري وعلى وحدة وتماسك سورية. وفي هذا السياق هناك اتجاه يرى أن الأسد يستعمل تركيا للتخفيف من الضغط وهو الأمر الذي يثير حفيظة الأتراك الذين باتوا يشعرون بأن العالم يراقب تحركاتهم على الجبهة السورية، فالأتراك نقلوا رأيهم بصراحة للرئيس السوري وقالوا له إنه لا يمكن له البقاء في الحكم دون إصلاحات كبيرة وجريئة. ونقلت صحيفة "توديز زمان" التركية التي تصدر باللغة بالإنجليزية في عددها الصادرة يوم الجمعة الثالث من حزيران (يونيو) أن تركيا لن تسمح لسورية بتوظيفها واستخدامها للالتفاف على موضوع الإصلاح. لتركيا طبعا مصالح متعددة في سورية، غير أن هناك أيضا مخاوف تركية مشروعة من استمرار القمع السوري للشعب ما يدفع العديد من منهم للهروب إلى تركيا بحثا عن ملاذ آمن. وبهذا الصدد كتب البريطاني روبرت فيسك مقالا في صحيفة "الإنديبندنت" البريطانية يفيد فيها أن جنرالات تركيا يعدون خطة عسكرية تقتضي بإرسال جنود أتراك إلى داخل الأراضي السورية لتنظيم ملاذات آمنة استباقا لإمكانية نزوحهم إلى تركيا، وهنا يذكر روبرت فيسك أن هناك مخاوف تركية من إمكانية أن يستغل أكراد تركيا وأكراد سورية الانفلات الأمني ويبدأون بشن هجمات ضد تركيا، فالأتراك جاهزون حسب روبرت فيسك "للتقدم إلى داخل الحدود السورية حتى القامشلي ومحافظة دير الزور لإقامة ملاذات آمنة". فتخشى تركيا من تحرك الآلاف من أكراد سورية إلى أراض أكراد تركيا التي تقع في جنوب شرق تركيا.

التحرك التركي المرشح لأخذ منحى أكثر حدة بعد الانتخابات التشريعية التي ستجري في البلاد قريبا لم يقتصر على إرسال الوفود لبشار الأسد لإقناعه بأخذ إجراءات سريعة وحقيقية لخلق مجتمع سياسي تعددي والبدء فورا بإصلاحات ملموسة، فقد استضافت تركيا مؤتمرا للمعارضة السورية في أنطاليا وأطلق رئيس وزرائها تصريحات لاقت قبولا شديدا لدى المتظاهرين السوريين باستثناء الأكراد منهم الذي ما زالوا ينظرون لأنقرة كعدو شرس للأكراد. فالمؤتمر يحمل رسالات ذات دلالات واضحة، وهناك من يشير إلى أن ثمة اتفاقا بين الولايات المتحدة وتركيا لوضع خريطة طريق للتعامل مع الأزمة السورية من المنتظر أن تلعب بها تركيا دورا بارزا لكن كل شيء مؤجل إلى ما بعد الانتخابات التركية المزمع عقدها في هذا الشهر.

ويبدو أن واشنطن بدأت التسخين لسياسة ومقاربة جديدة للتعامل مع الأسد، وقد صرحت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بأن صبر الولايات المتحدة على بشار الأسد بدأب النفاد وأن شرعية النظام السوري على المحك وبدأت تقترب من الزوال مذكرة بشرعية القذافي الذي فقد الشرعية الدولية وما يعنيه ذلك من سياسات غربية ستؤرق مضاجع النخب الحاكمة في سورية. ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" في عددها الصادرة يوم الجمعة ما يفيد بأن الرئيس باراك أوباما أعطى بشار الأسد خيارين لا ثالث لهما، فإما أن يقود عملية تغيير حقيقية أو أن يتنحى عن الحكم، وهذه أول مرة تستخدم فيها الدبلوماسية الأمريكية لغة كهذه. فإبقاء النظام السوري الذي كان يعد مصلحة إسرائيلية أيضا لم يعد أولوية لواشنطن ولا حتى تل أبيب. وحسب عدد كبير من الاستراتيجيين يعتبر حزب الله الخاسر الأكبر من سقوط نظام بشار الأسد لأسباب استراتيجية واضحة لها علاقة بانهيار محتمل لمحور الممانعة واختلال في موازن القوى مع إسرائيل وهي موازين وإن كانت مختلة إلا أنها كانت مكلفة جدا لإسرائيل ومصدر قلق أمني واستراتيجي دائما لصناع القرار في تل أبيب. لذلك وبعيدا عن أي مبادئ انسجم حزب الله مع مصالحه مع النظام السوري ولا بأس إن كان ذلك على حساب الشعب السوري العريض. وبمناسبة مرور 22 عاما على وفاة الإمام الخميني ألقى أمين عام حزب الله حسن نصر الله خطابا حذر فيه من تقسيم سورية في حال سقوط النظام وربط بين ذلك وبين مؤامرة تحاك لتقسيم سورية مهددا في الوقت ذاته بأن السعودية ستتعرض لتقسيم، وهو بذلك يحاول أن يلعب على عامل الخوف لعل النظام العربي المتهاوي ينحاز للنظام السوري. لم يقل حسن نصر الله كيف ستقسم السعودية إذا سقط نظام الأسد، الأمر الذي يعتبره البعض تهديدا للسعودية من قبل حزب الله. وبكلمات حسن نصر الله: "ما يحصر لسورية هو التقسيم، وإذا نجح سيصل إلى السعودية". طبعا هذا الكلام لا يستند إلى قراءة استراتيجية وإنما توظيف رغائبي حماية لمصالح الحزب الضيقة.

ولا يمكن بطبيعة الحال فهم موقف حزب الله بمعزل عن موقف طهران. وفي هذا السياق كتب مهدي خلجي من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى المقرب من تل أبيب مقالا نشره مركز الجزيرة للدراسات في 29 من أيار (مايو) يقول فيه إن إيران استفادت من الربيع العربي كثيرا حتى وصل هذا الربيع لسورية الأمر الذي فرض رواية مختلفة على صانع القرار في طهران عليه أن يتعامل مع نتائجها بشكل مختلف عما آلت إليه الثورتان في كل من تونس ومصر. كيف لا والثورة الشعبية في سورية تهدد الحليف الأهم لها في المنطقة العربية؟!

الرواية الأبرز في إيران تنطلق من مصالح إيران ومحاولة عقلنة الرؤية لما حدث ومازال يحدث في المنطقة العربية. ففي حين اعتبر المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامئني أن الانتفاضة العربية الشعبية هي مبررة وشرعية لأنها تخلص العرب من عقود من الظلم الذي مورس ضدهم من حكام ارتبطوا بأجندات الدول الغربية، فهو يرى الأمر في سورية بخلاف ذلك، ويشدد على أن ما يحدث في سورية لا يمكن فصله عن مؤامرة أمريكية صهيونية للإطاحة بنظام ممانعة وقف حجز عثرة أمام الاستراتيجيتين الإسرائيلية والأمريكية ودعم المقاومة وخاصة حزب الله في لبنان وحماس في غزة. طبعا هناك قراءة إيرانية أخرى يقودها الرئيس الإيراني أحمدي نجاد ترى في الربيع العربي برمته مؤامرة غربية على العالم الإسلامي.

وفي كلتا الحالتين لا تتخلى إيران عن سورية أو عن أي حليف آخر في المنطقة، لذلك هناك العديد من التقارير التي تفيد بأن إيران تساعد سورية في إجراءاتها القمعية والدموية ضد المتظاهرين السوريين لأنها نفسها حسب مهدي خلجي نجحت في الأمر نفسه في التعامل مع المتظاهرين داخل إيران. بمعنى آخر تنقل إيران تجربتها وتحث سورية على عدم الرضوخ لمطالب الشعب. وهناك ناشطون سياسيون من داخل إيران وسورية يتهمون نظام طهران بإرسال مليشيا الباسيج لمساعدة سورية في القمع. ربما لهذا السبب رفع المتظاهرون السوريون شعارات معادية لإيران. فبعد فشل إيران في مساعدة شيعة البحرين والتقليل من تأثير الدور الخليجي في البحرين تخشى إيران على حليفها في دمشق وهو يمثل أقلية علوية. فالنظام في إيران معني بتحالف وثيق لحماية مصالح إيران من خلال مجابهة الاستراتيجية الأمريكية على الأرض العربية، فسورية بهذا المعنى تلعب دورا مهما في الاستراتيجية الإيرانية. لذلك تفهم طهران جيدا أن تغييرا قادما في سورية سيكون ضد مصالح إيران في المنطقة ما يدفع إيران لإعادة حساباتها الإقليمية بشكل مختلف. وبعيدا عن أمريكا ومصالحها تخشى إيران التي تخوض حربا باردة ضد السعودية بأن تحولا ما في سورية يضع السنة في الحكم يعني إضعافها مقابل ارتفاع في حضور دور السعودية التي تلعب الدور الاستراتيجي الأبرز في الخليج. فالسعودية كما هي بقية الأنظمة الخليجية تنظر بعين من القلق لمساعي إيران قلب معادلات القوى في الخليج بعد أن تحقق لها ذلك جزئيا إثر انهيار موازين القوى في الخليج في أعقاب رحيل نظام البعث بقيادة صدام حسين في بغداد. في المحصلة يمكن القول إن الأمر في سورية قد وصل نقطة اللاعودة، فلا يمكن لهذا النظام الإبقاء على الوضع القائم دون إصلاحات حقيقية إن رغب البقاء وغير ذلك فإن الخاسر الأكبر هو النظام نفسه، فالولايات المتحدة لم تحسم أمرها بشكل كامل على الرغم من فرضها عقوبات على نظام الأسد غير أن تصريحات هيلاري كلينتون تفيد بأن ثمة تغيرا في موقف أمريكا سنشهده في قادم الأيام. وفي كل الأحوال يبقى الأمر قابلا لتكهنات وتفسيرات متناقضة انتظارا للانتخابات التركية التي ستمكن أنقرة من لعب دور أكثر حسما في الملف السوري. لكن النتيجة المنطقية الوحيدة لأي تغيير في سورية بصرف النظر عن التكلفة سيكون على حساب دور إيران وحزب الله وسيخلق ديناميكية إعادة اصطفاف إقليمي مختلف يضعف من إيران التي تصاعد تأثيرها في النصف الثاني من العقد الماضي ويرفع من قوة تأثير السعودية ليس فقط في الخليج وإنما في المشرق العربي برمته.

=================

فقط فى سوريا

فهمي هويدي

الشروق 9/6/2011

فقط فى سوريا تمنع المظاهرات استنادا إلى قانون يدعى تنظيم المظاهرات.

فقط فى سوريا يتم اعتقال طلاب الجامعات من قبل فرع الأمن الجوى.

فقط فى سوريا لا يفكر الرئيس فى البدء بالإصلاحات إلا بعد اختلاط الأرض بدم الشهداء.

فقط فى سوريا إحدى عشرة سنة تعتبر فترة قصيرة للشروع بالتغيير.

فقط فى سوريا الشعب ينادى بالوحدة الوطنية والدولة تحقنهم بإبر الطائفية.

فقط فى سوريا الدولاب له استعمالات أخرى غير الموجودة فى بلد آخر.

فقط فى سوريا للمنافقين مجلس منتخب.

فقط فى سوريا نداء الشعب للوطن جريمة ونداء الشعب كله لشخص واحد شهادة اعتزاز

فقط فى سوريا يقتل المواطن برصاصة دفع ثمنها، ثم يتم تضليله بإعلام يدفع نفقاته، ثم تتم رشوته بضرائب دفعها من جيبه.

فقط فى سوريا الأمن لا يسمع بقرار وقف إطلاق النار حتى بعد ستة أسابيع من إعلانه من قبل الرئيس.

فقط فى سوريا يحتقر المواطن وتهدر كرامته بحجة الممانعة والمقاومة.

فقط فى سوريا هناك خمس جامعات رسمية و13 جهازا أمنيا يصعب على السوريين تعداد أسمائها.

فقط فى سوريا أكبر المنشآت الحكومية قد تكون السجون المركزية.

فقط فى سوريا يسجنونك عشرين عاما بلا تهمة ثم يطالبون بأن توجه إليهم خطاب شكر بعد إطلاق سراحك.

فقط فى سوريا تسجن لمجرد اتصالك بمحطة تليفزيونية.

فقط فى سوريا يخرج المتظاهرون حمدا لله على نعمة المطر.

فقط فى سوريا يتمنى المرء ألا تكون له خالة حتى لا يضطر إلى زيارتها.

فقط فى سوريا لا يشعر الناس بالطمأنينة والأمن إلا بعد اختفاء رجال الأمن.

فقط فى سوريا يستقى الإعلام الرسمى الأخبار من المسلسلات.

فقط فى سوريا يموت الشعب ليحيا الرئيس، وينفق الشعب لتسترزق الحكومة.

فقط فى سوريا يهجر المواطنون قسرا ثم يجبرون على دفع بدل اغتراب.

فقط فى سوريا تنخرط فى السلك العسكرى لتخدم شخصا وليس وطنا.

فقط فى سوريا تسحب الدبابات من جبهة الحرب لتقتحم المدن وتدار إلى صدور الشعب .

فقط فى سوريا ينصح الرئيس بترشيح نفسه لقيادة العالم بجميع قاراته.

فقط فى سوريا تقطع الكهرباء عن المدن فى فصل الصيف لتباع إلى دول أخرى.

فقط فى سوريا قد يدخل الطفل إلى السجن قبل أن يدخل المدرسة.

فقط فى سوريا ذهب جارنا إلى عمله صباحا وعاد بعد 11 عاما.

فقط فى سوريا فعل انتحر هو فعل مبنى للمجهول.

فقط فى سوريا الله بمعاونة الرئيس يحميان البلد.

فقط فى سوريا المواطن يسعى ويناضل ولا يحلم بأكثر من أن يكون إنسانا.

فقط فى سوريا يصفق أعضاء مجلس الشعب بحرارة عندما يقرأ الرئيس آية من القرآن الكريم .

فقط فى سوريا يقوم المتظاهرون بقتل أنفسهم.

فقط فى سوريا السلفية ليست مقصورة على المسلمين باختلاف مذاهبهم وأفكارهم، بل تتسع دائرتها لتشمل المسيحيين أيضا.

فقط فى سوريا دولة دستورية تحكم بمراسيم رئاسية.

فقط فى سوريا الصورة تكذب والدماء تكذب والشعب يكذب ووسائل الإعلام كلها تكذب. وحده النظام لا يكذب.

فقط فى سوريا لا يأخذ المواطن راحته فى فتح فمه إلا إذا ذهب إلى طبيب الأسنان.

فقط فى سوريا كل وسائل الإعلام تحت الرقابة، لا تستثنى من ذلك سوى البرامج الموسيقية.

فقط فى سوريا إذا مات المرء وهو يصرخ طلبا للحرية فهو إما خائن أو عميل أو مندس، أو فى أحسن الأحوال مغرر به، أما من مات بحادث سير فهو شهيد يستحق أن توضع صوره وتماثيله فى كل مكان بالبلاد.

فقط فى سوريا تختصر المبانى فيتم جمع مجلس الشعب على المسرح فى مكان واحد ليتسع الوطن للمؤسسات الأمنية.

فقط فى سوريا سب الرئيس كفر وسب الدين وجهة نظر.

فقط فى سوريا كل خطابات الرئيس تاريخية.

فقط فى سوريا يبذل جهاز المخابرات جهدا لمعرفة عنوان ابن تيمية تمهيدا لاعتقاله، ولم يسمع أحد منهم بأنه مات قبل 700 سنة.

هذه بعض التعليقات التى حفلت بها مدونة، تزاحم السوريون للتعبير عن آرائهم فيها والتنفيس عن شعورهم بالقهر والذل. وقد تناقلتها مختلف المواقع خلال الأسابيع الماضية وجمعت حصيلة كبيرة منها نشرة «وصلة» التى تصدرها فى مصر الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان. وقد وجدت أن تعميمها على أوسع دائرة ممكنة من القراء العرب ليس مفيدا فقط، ولكنه واجب أيضا

==================

في مظاهر الاحتجاج السوري ومضامينه

الجمعة, 10 يونيو 2011

فايز سارة *

الحياة

مضت قرابة ثلاثة أشهر على بدء حركة الاحتجاج والتظاهر في سورية، وقد قوبلت هذه الحركة بأشد الأساليب قوة وعنفاً من جانب السلطات السورية وأجهزتها الأمنية من حيث إطلاق النار عليها وسقوط قتلى وجرحى، وشن حملات الاعتقال ومطاردة المطلوبين من المشاركين في التظاهرات ومن النشطاء، واتخاذ إجراءات زجرية عامة هدفها منع تواصل الحركة واستمرارها. لكن الحركة استمرت، بل يمكن القول إنها ازدادت انتشاراً في المستوى الجغرافي، وزادت أعداد المشاركين فيها، واتجهت شعاراتها نحو مزيد من التحديدات وصولاً الى شعار «الشعب يريد إسقاط النظام».

لقد بدأت حركة الاحتجاج والتظاهر محدودة الأعداد والأماكن انطلاقاً من حادثة الحي التجاري بالحريقة في وسط دمشق، وهتافات مئات المشاركين فيها «الشعب السوري ما بينذل» لتنتقل بعدها الى درعا التي تحولت لاحقاً الى مركز ومنطلق الاحتجاجات بفعل سوء تصرف الجهاز الأمني في حادثة اعتقال أطفال من أبناء المدينة، قاموا بكتابة شعارات مناهضة للنظام، فانطلقت تظاهرات المئات الاحتجاجية مطالبين بالحرية والكرامة. وبدل أن يرد عليها بطريقة تتناسب مع تفهم موقف المحتجين وسبب غضبهم، جرى استخدام القوة ضدهم، فسقط أوائل المحتجين برصاص الأمن، وجرت اعتقالات واسعة، وبدأت الملاحقات الأوسع، وكان الهدف الرئيس لتلك السياسة هو لجم التحركات ومحاولة منع امتدادها في درعا وخارجها.

وأعقب سياسة الرد بالقوة البدء بحملات إعلامية/دعوية، ركزت فيها الأجهزة الإعلامية الرسمية والخاصة على فكرة المؤامرة والتدخلات الخارجية وبخاصة تدخلات الجوار العربي، قبل أن تبدأ الحملة الكلام عن العصابات المسلحة والإمارات السلفية ذات الشعارات الطائفية، وصولاً الى الكلام عن عمليات استهداف الجيش والقوى الأمنية تمهيداً لإدخال الجيش في سياق معالجة الوضع الأمني وتداعياته.

لقد ركزت الاحتجاجات منذ البداية على طابعها السلمي ليس من خلال هتافاتها «سلمية... سلمية» فقط، بل من خلال اتخاذ المحتجين مظهر أصحاب الصدور العارية، وهو ما تجسد في تظاهرات تمت في درعا وبعض مناطقها وفي عدد من المناطق السورية الأخرى، وعلى رغم أن هتاف «سلمية... سلمية» خف حضوره وترديده في التظاهرات، وأخلي مكانه لهتافات أخرى، فإن المظهر السلمي لحركة الاحتجاج لم يتغير، وربما كان بين تأكيدات هذا المضمون، انطلاق تظاهرت نسائية في العديد من المناطق السورية، إضافة الى تظاهرات الأطفال التي تكررت مرات في الآونة الأخيرة بعد فضيحة مقتل الطفل حمزة الخطيب وآثار التعذيب التي ظهرت على جثمانه.

وإذا كان التأكيد الأول على مضمون التظاهرات بأنها «سلمية» في إشارة لنفي صفة العنف عنها، فقد كانت شعارات «نريد حرية كرامة» تأكيداً آخر لسلمية التظاهرات من خلال إبعادها عن استفزاز النظام وأجهزته الأمنية، لكن استجابة الأخيرة لعدم الاستفزاز لم تتحقق، بل جرى الذهاب للأبعد في دخول الجيش وقوات الأمن وجماعات الشبيحة حيز العمليات في حصار ودخول المدن والقرى في عدد من المحافظات السورية، وهو تطور قوبل من قبل المتظاهرين بالتأكيد على عناصر الوحدة الوطنية في مكوناتها المختلفة، وتكاتف السوريين معاً عبر هتافات تؤكد مؤازرة وفداء المدن والقرى السورية، التي تعرضت لانتهاكات كبيرة في التظاهرات والاقتحامات.

وعلى رغم أن المسار العام لحركة الاحتجاج والتظاهر، بدا سلمياً طوال الفترة الماضية، ومؤكداً على وحدة الجماعة الوطنية للسوريين بمكوناتها المختلفة بمعنى الابتعاد عن العنف وإثارة النعرات الانقسامية القومية - العرقية والدينية – الطائفية، والإقليمية – المناطقية، فان ذلك لا يمنع من قول، إن مظاهر محدودة ظهرت هنا أو هناك وفي ظروف محددة، خالفت المسار العام لهذه الحركة في الهتافات والشعارات، إضافة الى حدوث بعض مظاهر العنف من جهة، وإظهار بعض مظاهر الانقسام السوري من جهة ثانية، لكن ذلك كله لم يمثل ظاهرة بل أحداث منفصلة وقليلة.

إن حركة الاحتجاج السورية في مسار الثلاثة أشهر، أكدت على نحو عام سلميتها وحرصها على تأكيد الوحدة الوطنية للسوريين، وهي الآن أمام تحدي استمرار مضامين تحركها على رغم الفاتورة الكبيرة، التي دفعتها في مواجهة الحل الأمني، والتي هي مرشحة للارتفاع أكثر، ما لم تتجه السلطات السورية نحو تغيير خيارات الحل باللجوء الى خيار الحل السياسي للأزمة الراهنة.

* كاتب سوري.

=================

تلكلخ - وادي خالد: المأساة الانسانية أولاً

الجمعة, 10 يونيو 2011

شيرزاد اليزيدي *

الحياة

في غمرة تزاحم أخبار الثورات العربية وتصاعدها ومشاهد القتل والعنف بحق متظاهرين سلميين عزل في غير بلد منتفض على نظامه الديكتاتوري، تغدو، وللأسف، المآسي الانسانية اليومية التي تتخلل هذه الأخبار شيئاً فشيئاً مجرد تفاصيل عادية عابرة يعتادها المشاهد بحكم التكرار وتبلد الشعور. بل يتم حتى إهمالها وسط التركيز على أحاديث السياسة وتحليلاتها والسرديات السلطوية المضحكة المبكية عن المؤامرة والخونة والجرذان وغير ذلك من مصطلحات تعكس مستوى من يطلقها.

في خضم هذا المشهد المأسوي بثت قناة «العربية» أخيراً حلقة من برنامج «مهمة خاصة» تحت عنوان «على قارعة الحرب»، قدمتها هذه المرة الزميلة غنوة يتيم وأعدّها جورج ناصيف، على الحدود السورية - اللبنانية في منطقة وادي خالد المتاخمة لبلدتي تلكلخ والعريضة السوريتين المنكوبتين بنيران مدافع ودبابات وقناصة الجيش العربي السوري وأعوانه من اجهزة الامن و «الشبيحة»، راصدة واقع مئات بل آلاف النازحين السوريين ممن عبروا الى الجانب اللبناني من الحدود، تاركين وراءهم أحباءهم وأهلهم وبيوتهم وكل ما يملكون، للإفلات من آلة القتل السلطوية التي تحاصر وتقتحم المدن والبلدات الوادعة بأعتى الاسلحة التي كادت تصدأ على رغم وجود أراض سورية محتلة في الجولان جنوباً وفي لواء الاسكندرونة شمالاً.

وكما الحال في مشاهد النزوح واللجوء على الحدود، بدا المشهد قاسياً الى ابعد مدى على رغم طبيعة المنطقة الخلابة: اطفال ونساء وشيوخ هائمون على وجوههم فروا من وطنهم الى المجهول، وهل ثمة ما هو اقسى بالمعنى الوجودي من ذلك، لا سيما وقد تركوا وراءهم ذكرياتهم بحلوها ومرّها وحملوا معهم ذكرياتهم الطازجة عن اساليب القتل والاهانة والتعذيب التي مورست في حقهم.

عشرات بل مئات القصص الانسانية المؤلمة والمعبرة عن مدى الانحطاط الذي فُرض عيشه كل واحد من هؤلاء. قصصهم قد تختلف في تفاصيلها وحيثياتها، لكن ما يجمع بينها ان اصحابها قرروا اخيراً وبصوت واحد التمرد على الاستبداد الذي حول حياتهم الى جحيم.

ولم تتمالك غنوة يتيم دموعها عندما اصيب احد النازحين من المعوقين ذهنياً بنوبة هستيريا حزناً وقلقاً على والدته الطاعنة في السن التي تركها وراءه في تلكلخ المحاصرة بدبابات بدت جلية عبر عدسة «مهمة خاصة». فعلى رغم اعاقته الذهنية بدا التأثر والأسى وإدراك هول الماسأة التي يعيشها هو ومن نزح معه من اهل بلدته، واضحاً على قسمات وجهه وتعابيره التي يمكن القول انها اختزلت معاناة بلدته، بل كل المدن والبلدات السورية المنتفضة. فمتى ستدرك رؤوس أنظمة القمع هول وفظاعة ما يرتكبون؟

سألتني غنوة على الهاتف قبل أيام إن كنت أوصي بشيء من وادي خالد، كونها ستعود الى تغطية الوضع على الحدود السورية – اللبنانية، فطلبت منها ان تلوح فقط بيديها نيابة عني لدبابات الجيش العربي السوري المحاصرة لبلدة تلكلخ، والتي يخيل للمرء انها في صدد معركة ضروس مع الجيش الاسرائيلي او الصهيوني، وفق الرطانة البعثية.

=================

التغيير العربي وأنظمة الوظائف والبدائل

رضوان السيد

الشرق الاوسط

10-6-2011

لا يختلف النظام السوري قيد أنملة عن الأنظمة العربية المتساقطة. فقبل أن تبدأ المظاهرات في سوريا، كان الرئيس الأسد قد صرح لصحيفة «وول ستريت جورنال» بأن نظامه مختلف عن نظامي بن علي ومبارك ولسببين: أنهما حليفا الولايات المتحدة، وهي تتخلى عن حلفائها الآن، وأن نظامه نظام شعبي محبوب ومدعوم من الناس، وحزب البعث الحاكم حزب عقائدي (!).

وهذا الأمر ذاته قاله قبله القذافي، وقاله بعده علي عبد الله صالح: لا ثورة شعبية ولا يحزنون، بل مؤامرة أميركية على هذه الأنظمة العقائدية العظيمة والصلبة والمقاومة. والمطلوب الصمود في وجه المؤامرة بمواجهة المتظاهرين (تحت اسم المندسين والمتسللين) بالعنف، من طريق القوى الأمنية والجيش إن أمكن. وبخلاف القذافي؛ فإن الرئيس علي عبد الله صالح والرئيس بشار الأسد، أقاما فرقا نظريا دقيقا بين فريقين: المتظاهرين المسالمين المطالبين بالإصلاح، والمندسين والمتدخلين بدفع من جهات سياسية خارجية أو داخلية؛ وهؤلاء يمارسون العنف والإرهاب ضد القوى الأمنية والمتظاهرين معا!

بيد أن أهم أسباب الصمود لدى الأنظمة الثلاثة، جاءت من الخارج، وليس من استخدام العنف بالداخل. بل الأحرى القول إن استخدام العنف ضد المتظاهرين ومنذ البداية في تونس هو الذي سرع من تآكل شرعية النظام، وعجل ويعجل في سقوطه.

وهكذا فإن الأنظمة الجمهورية الوراثية، تهتدي في مسألة العنف الداخلي بسلوكيات ماضية ما عرفت أن أوانها انقضى، وأن استخدامها ما عاد ممكنا. ففي ليبيا وسوريا وتونس حصلت انتفاضات ومظاهر احتجاج من قبل، وجرى القضاء عليها بالقوة، دون أن يتأثر النظام. فما الذي تغير حتى ما عاد العنف الفائق قادرا على الفعالية والإرهاب؟ هناك عدة أسباب: انسداد الأفق تماما أمام فئات شعبية واسعة لتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وتجرؤ الأنظمة الجمهورية (الثورية سابقا) على درجات من الفساد والتوريث وحكم الأقارب وإذلال الناس، بحيث لم يعد شيء من ذلك محتملا.

وتغير السياسات الدولية بالمنطقة. وظهور وسائل اتصال جديدة للتنظيم والتجمع. واطمئنان الأنظمة إلى أن أحدا بالداخل أو الخارج لن يهددها؛ وذلك بسبب نجاح الرئيس حافظ الأسد في توريث ابنه، والانكفاء الظاهر للولايات المتحدة أيام الرئيس أوباما. إنما ينبغي أن ندقق في هذا الأمر، أي تغير السياسات الدولية، أو إعراض أوباما عن استخدام العنف الذي استخدمه بوش، وهو ما فسره الرئيس بشار الأسد بأنه تخل من الولايات المتحدة عن حلفائها وهو ليس منهم! إذ الواقع أن الرئيس بوش الابن ما كان يستخدم العنف أو الضغوط ضد نظام الرئيس مبارك، بل ضد خصوم النظام، ممن يتهمهم بالإرهاب أو لا يطمئن إلى مشاركتهم السياسية رغم عدم لجوئهم للعنف.

والواقع أيضا أن الولايات المتحدة بحروبها الهائلة إنما أنهكت التمرد الإسلامي (وصولا لقتل بن لادن) كما أنهكها. وما كان أوباما يستطيع غير تجربة القوة الناعمة. وهذا الأمر هو الذي غر وغرر بالأنظمة الوراثية وعلى رأسها نظام الرئيس الأسد. فقد أيقن الرؤساء وإخوتهم وأقاربهم أنه ما عاد هناك تحد من أي نوع؛ مع استمرار وجود الأوراق الخارجية أو الاعتماد على العلاقات والوظائف الخارجية في ضبط الداخل.

وقد كان من الطبيعي ما دام الرئيس أوباما قد تخلى عن استخدام «الحرب على الإرهاب» مثل بوش، أي ضد المتمردين الإسلاميين، والإسلام السياسي بشكل عام، ألا يستخدم القبضة العنيفة لنصرة الأنظمة أيضا عندما بدأ الاضطراب عليها. ولذا فليس صحيحا ما يقوله الرؤساء الأسد والقذافي وصالح، من أن الولايات المتحدة تآمرت أو تتآمر عليهم؛ بل إنها كفت عن نصرتهم. ولو أن إدارة بوش كانت لا تزال قائمة، لربما خافت من استيلاء «القاعدة» إذا ذهب صالح، أو استيلاء «الإخوان» إذا ذهب مبارك أو الأسد.

ومع ذلك؛ فإن التحالفات الخارجية للجمهوريين الوراثيين الثلاثة، وعدم وجود عدو خارجي لهم، هو الذي مكنهم من الصمود حتى الآن، وكلف شعوبهم أعباء قاسية. وقد كان ذلك واضحا منذ البداية. فقد قال كل من صالح والقذافي (في تصريحات واضحة)، والأسد (من خلال ابن خالته وأنصاره وحلفائه في لبنان والعراق) إنهم لن يذهبوا إلا بحرب أهلية، وتخريب وانقسام لبلدانهم، وفي حالة سوريا إضافة لذلك: التوريط في حرب مع إسرائيل! فإذا كان استخدام العنف المفرط ضد الناس، ما عاد نافعا في إخماد الاحتجاجات؛ فإن العلاقات الخارجية لهذه الأنظمة أخرت سقوطها حتى الآن، رغم حلول أجلها. إنها مثل النبي سليمان بحسب القرآن؛ فقد مات جالسا متوكئا على عصاه، وما درى أحد بذلك حتى أكلت الأرضة العصا(!).

وهناك فرق بين أمرين: افتقاد الوظائف، وحضور البدائل. فقد فقدت الأنظمة الجمهورية الوراثية وظائفها بالنسبة للنظام الدولي، لكن الأميركيين ما تحولوا ضدها حقيقة لأنهم ما وجدوا بدائل حاضرة. وهذا لا يعني أنهم كانوا متأكدين من البدائل في تونس ومصر، لكنهم اطمأنوا نسبيا إلى الجيش هناك، وهنالك ووحدته وضماناته.

وما عاد النظام الليبي ضروريا في منطقة جنوب المتوسط بعد سقوط النظامين في تونس ومصر. والنظام الجزائري على الطريق، وإن يكن يعظم من شأن نفسه بسبب «القاعدة» والإرهاب. وعندما ذهب بوتفليقة إلى قمة الثماني، إنما كان يريد المساومة على تمديد عمر النظام في مقابل التخلي عن نظام القذافي، الذي أطال عمره الدعم الجزائري والأفريقي. كما أطال عمره عدم الاطمئنان الكامل إلى المجلس الوطني الانتقالي.

وما عاد الدوليون أو الخليجيون بحاجة إلى نظام علي عبد الله صالح لمكافحة «القاعدة» أو الحوثيين؛ فهو إنما كان يقوم بذلك ليظل ضرورة. لكنهم احتاروا بين التحرك الشبابي المليوني، وأحزاب اللقاء المشترك. ولذا فقد يختارون بالفعل تسريع الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لتكوين السلطة الجديدة؛ وهو الأمر غير المتوافر في ليبيا. أما النظام السوري فقد جرب من أجل البقاء حتى الآن ثلاثة أمور كلها تتصل بالعلاقات الخارجية والوظائف والبدائل. وأول هذه الأمور: إرسال رسالة للأميركيين والإسرائيليين على الحدود مع الجولان، لإثبات فائدته بالنسبة لهم، كما كان عليه الأمر منذ عام 1974.

وقد رد الطرفان بأن الابتزاز ما عاد مفيدا، وأنهم يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، ولا حاجة لديهم لدعمه. ثم إنهم جربوا مسألة التعاون مع وكالة الطاقة الدولية بشأن ملفهم النووي. وحتى الآن ليس لهم خصم دولي مصمم، ولا حتى إقليمي أو عربي. وعندهم حلفاء أقوياء: الإيرانيون وحرسهم الثوري، وحلفاؤهم بالعراق ولبنان. والمعروف أن الإيرانيين يعتبرون النظام السوري حليفا استراتيجيا، وستضطرب عليهم الأمور بلبنان وربما بالعراق إن سقط أو تغيرت سياساته.

وفي لبنان–أكثر من العراق–تراكبت مصالح فئات متعددة عبر عدة عقود مع مصالح النظام السوري. ولذلك التقى منذ عدة أسابيع ولمصلحة تطويل عمر النظام هناك أمران: عدم وجود خصم إقليمي أو دولي مصمم، ووجود حلفاء أقوياء في إيران والعراق ولبنان. وهذان العاملان ما كانا لينفعا كثيرا لو وجد البديل ذو الصدقية. وقد اجتمع معارضون سوريون بأنطاليا التركية، لكنهم أدركوا أنهم جهة أو جهات دعم للثورة السورية، وليسوا قيادة لها. ولذا تبقى التكلفة عالية على الشعوب العربية التي تسعى للتغيير في ليبيا واليمن والجزائر وسوريا والسودان؛ للافتقار إلى البديل، رغم حلول آجال الأنظمة فيها!

=======================

منغّصات الثورة السوريّة.. في مواجهة الاستبداد وشبح الطائفيّة

بقلم: صادق أبو حامد

الأمان 10/6/2011

تخطو الاحتجاجات الشعبية السورية بثقة في شهرها الثالث، دون أن تخفت هتافات المطالبين بسقوط النظام، ودون أن تتراجع آلة النظام العسكرية والأمنية عن طحن المعارضين قتلاً وجرحاً واعتقالاً وتهجيراً، ما خلّف حتى الآن أكثر من ألف شهيد وآلاف الجرحى واللاجئين وعشرات الآلاف ممن جرى اعتقالهم.

فنان الشعب ضد الشعب

بيد أن أكثر ما يثير التساؤل في المشهد السوري، هو حفاظ النظام حتى الآن على ولاء الوجوه الأكثر شهرة وحضوراً في المجتمع السوري. فهؤلاء، وعلى رأسهم وجوه الوسط الفني، لا يترددون في الدفاع عن النظام، ليتحولوا إلى أبواق دعاية توغل في دعم السلطة، وتبرير جرائمها ضد المتظاهرين. وهو ما يبدو مستغرباً من شريحة كان يفترض بها أن تكون الأكثر حساسية وتفاعلاً مع شعبها.

لعل أحد مفاتيح تفسير الظاهرة يعود إلى ما وفّره نجاح الدراما السورية من أوضاع مريحة نسبياً لهذه الشريحة اقتصادياً واجتماعياً، الأمر الذي سهّل لهم أن يقبلوا بحكم النظام حيث يحفظون مصالحهم، وأن يرفضوا التغيير ما دامت نتائجه في حيز المجهول. ويبدو أن الصفة الاستثمارية التي طبعت الوسط الفني في سوريا، نقلت الكثير من الفنانين من حالة المثقف المهتم بالشأن العام، إلى صاحب المهنة المرتِزق بقضايا الشأن العام.

وأصبحت مشاكل المجتمع مجرد مصادر ثروة لما تخزنه من حكايات ومفارقات صالحة للإنتاج الدرامي، دون اكتراث واقعي بمعاناة المجتمع، وهو ما يشرح المفارقة التي أوجعت محبي هذه الدراما في سوريا وخارجها، بين ما يقوله المشهد على الشاشة، وما يقوله صانعوه في الواقع.

بقدر ما تنافق تعيش

هذا الفصام النفسي لدى العاملين في الوسط الفني يلتقي بفصام آخر يشمل المجتمع السوري برمته. فالفصام في سوريا كان الممر الوحيد للنجاة من الجنون أو السجون. إذ كي تعيش بصورة «طبيعية» عليك أن تكذب وتنافق مثلك مثل الملايين الذين يشاركون في مسرحية عظمى, الممثلون فيها هم في الآن ذاته المتفرجون.

وما يحدث منذ شهرين هو انكسار جدار الخوف العازل بين العالمين. فلم يكتشف السوريون في الأمس أنهم يعيشون تحت حكم الاستبداد والفساد، وليست خبرتهم غضة في ادعاءات خطاب النظام.

من هنا يبدو من السذاجة الاعتقاد أن أيديولوجيا الممانعة هي التي تكسر وضوح الرؤية. قد يصح ذلك على المستوى الخارجي، أما في الداخل السوري فالناس هم الناس، يَشْتَمّون النيات قبل أن تُنوى، فكيف وقد خَبِروها لنصف قرن. شعار الممانعة بالنسبة إلى السوريين هو تماماً كشعارات حزب البعث التي ترددها الجماهير مكرهة، كما تهتف لسلطات لم تخترها، ولسياسات لم تُسأل عنها. بينما يظهر التناقض بين الاستبداد والمقاومة جلياً لدى عامة الجمهور.

إذ كيف يمكن الاستبداد الذي يعادي الحرية، أن يتحالف مع مقاومةٍ تُطالب بها! أما وأن يكون الخلط والتعقيد السياسي، في مشهد عربي مترهل، قد ترك للنظام فرصة استثمار المعادلة المغلوطة، فإن ذلك لم يكن لينجح ظاهرياً إلا بسبب الخوف الذي حرص النظام على زرعه، ولم يحتج الأمر سوى تحرك الشارع السوري لينهار قناع المقاومة، كاشفاً عن وجه الاستبداد الأصلي.

سراديب الاستبداد وشبح الطائفية

غير أن كائناً آخر يقطن سرداب المسكوت عنه، ما زال يحفظ الكثير من الفاعلية، ما جعل النظام يهدد به صباح مساء. إنه شبح «الطائفية». الشبح الذي طالما فُرضت هالات من الرعب حول مفرداته، في الوقت الذي لم تتوقف فيه ممارسات النظام السوري عن تعزيز حضوره.

إن الارتكاز في تحليل التوجهات السياسية في مجتمع ما إلى انتماءاته الطائفية، هو إحدى نتائج ثنائية الاستبداد والفساد. فالاستبداد إذ يقتل الأحزاب المعارضة والمجتمع المدني، والفساد إذ يختطف القانون ويلغي دور الدولة الحامي والضامن لجميع المواطنين، لا يتركان مكاناً إلا للانتماءات ما قبل القومية، طائفية كانت أو قبلية، ما يؤدي إلى بتر أوصال شبكات التجمع والتواصل الاجتماعيين، وهو ما يفسر الفاعلية والأهمية التي نالتها شبكات التواصل الاجتماعي الافتراضية باعتبارها البديل الوحيد الممكن.

ولعل ظهور الطائفية كعنصر مهدد للعقد الاجتماعي يأتي أساساً من محاولات النظام المستمرة طمس نقاشها، وبالاكتفاء باستخدامها كإحدى أوراق التوازنات الضامنة لبقائه. في الوقت الذي لا يمكن فيه تفريغ الطائفية من شحنات الصراع، إلا عبر الاعتراف بها كمكون ثقافي تاريخي، على أن يبقى القانون المدني هو المرجع لجميع المواطنين بصرف النظر عن انتماءاتهم الأخرى.

كذلك إن الاصطفاف الطائفي في سوريا ليس طائفياً في جوهره، بمعنى أن الطائفة كمنظومة أفكار وأدبيات وطقوس دينية ليست هي موضع الاحتدام. وإنما الطائفة كانتماء قبلي. ليست الحساسيات إذن دينية بقدر ما هي اصطفاف بين من يُحسب على النظام ومن يحسب ضده.

فقد اعتمد النظام منذ عقود على دوائر العلاقات العائلية والقبلية، ما أعطاه سمة شبه طائفية. بينما تم تحويل الحزب «القائد» إلى إطار فضفاض يضم الجميع ولا أحد في آن معاً.

وإذا كان الواقع يقول إن الكثير من المعارضة السياسية التي عذبت وسجنت ونفيت كانت من الطائفة العلوية، فإن الواقع يقول كذلك إن حضور هذه الطائفة في الجيش والأمن أعلى بكثير من نسبتها إلى الشعب السوري.

وإذا كنا نعلم بأن أغلبية العلويين يعيشون حياة اقتصادية صعبة وليست بأي حال أفضل من ظروف أبناء وطنهم. فإن الأكيد أيضاً أن الأسماء الأولى من المتربحين من الفساد ينتمون إلى هذه الطائفة.

ولعل الدليل الأكثر وضوحاً على نجاح النظام في تمرير هذه اللعبة، هو تحول اللهجة العلوية في سوريا إلى لهجة السلطة، سرعان ما يترك سماعها إحساساً بأن الناطق بها يستند إلى «ظهر قوي». بينما يحترفها الكثيرون من أفراد الشرطة والأمن، في تستر واضح على لهجاتهم الأصلية لخلوّها من «السطوة».

حالة القلق هذه هي أثمن وأدق أسلحة النظام، ويبدو أن الأخير يعتقد حتى الآن أنه قادر على التحكم في هذا السلاح رغم شدة حساسيته. فهو يقبل استثمار الطائفة وتوريطها، لكنه يعلم أن التصريح بأنه يخوض حرباً طائفية، يعني بحراً من الدم هو أول من يغرق فيه.

غير أن الناظر إلى واقع الاحتجاجات يشهد بأن تقدم الزمن يحسب لصالح الجمهور. فالمظاهرات تتعامل بوعي مذهل مع السلاح الطائفي للنظام، والشعارات وأسماء الجُمَع التي تم اختيارها تشهد بحنكة التحركات الشعبية. في الوقت الذي كثرت فيه الإشارات إلى تململ الناس من تخويف النظام المستمر من شبح الطائفية.

=====================

مرح البقاعي تروي حكاية ليلى السوريّة.. والذئب الأمني

البقاعي تقول: سوريا الجديدة هي لمن صنع ثورتها وفتح صدره عارياً للرصاص.. وبس!

حوار بهية مارديني - إيلاف

ما رأيك بما يحدث في سوريا؟

 

مرح ما يحدث في سوريا منذ تاريخ 15 آذار 2011، هو ثورة شعبية حقيقية اندلعت إثر احتجاجات انتظمت في مدينة درعا بسبب انتهاكات مروّعة لحقوق الإنسان طالت أطفالاً تمّ الاعتداء على طفولتهم وزجّهم في السجن وتعذيبهم بهمجية غير مسبوقة لمجرد أنهم مارسوا طفولتهم وسجّلوا ببراءة على الجدران في شوارع مدينة درعا شعارات ردّدها ثوار مصر وتونس وتناقلها العالم عبر شاشات الفضائيات.

ما يحدث هو نزيز تقرّح سياسي عمره ما يربو على العقود الخمسة في سوريا منذ أن استولى حزب البعث على السلطة عام 1963 في انقلاب عسكري شرّع وأجاز حكم الحزب الواحد والزعيم العسكري الواحد، ونتيجةً حكم الأسرة الواحدة. منذ ذلك التاريخ غُيّبت الحريات ورزحت البلاد تحت وطأة قانون الطوارئ واحتكر حزب البعث الفضاء السياسي السوري، حيث نص ّالدستور السوري في المادة 8على أن "حزب البعث هو الحزب القائد للدولة والمجتمع".

هذا التفريغ السياسي جاء موازياُ لعمليات "تهجير" منظّمة للأدمغة السورية التي زُجّت في الملفات الأمنية المبكّرة تحت مسمّى الخوارج على منظومة الرعيل "الأحادي" القابض على السلطة، وكذا إجهاض دوري مبرمج لتيارات الفكر التنويري الحرّ، وسلخ موتور لمقدرات الاقتصادات البرجوازية؛ وكان قد نُفّذ ذلك، مُجْتمِعاً، بأدوات وتوجيهات رسمية، تفاوتت مفاعيلها بين إخماد حراك الرموز الفكرية، أو تركيعها، أو دفعها قانطة للخروج من البلد. لقد كانت تلك الرموز/الصفوة، والتي تشكّلت من حوامل المجتمع السوري الثلاثة: الثقافي والسياسي والاقتصادي، كانت عقل الحراك السوسيولوجي في سوريا ما قبل النظام الأحادي، في مناخ تمتّع في حينها بقدر من التنوير الثقافي، والحريات السياسية، والاقتصاد الحيوي في ظل نظام للسوق شبه مفتوح وتداول لرؤوس الأموال بصورة معلنة ومقوننة، وبشفافية ومساءلة عاليتين. غادرت تلك القوى والفعاليات الفكرية والسياسية والاقتصادية مكرهةً سوريا، وانتشرت في العالم، مُخلِية الساحة لما تطور بصورة مطردة، وعبر عقدين من الزمن، إلى طبقة من الأليجاركية القابضة، مالياً وأمنياً، على زمام العباد قبل البلاد.

 

كيف الخروج من هذه الأزمة برأيك؟

 

مرح- هناك مرحلتان للأزمة في سوريا، المفصل منهما هو يوم الخامس عشر من آذار. سوريا والسوريون ما قبل هذا التاريخ هما مغايران تماماً لما بعده، والعودة إلى ماوراء هذا التاريخ مستحيلة.

في الأسبوع الأول الذي تلا الاحتجاجات التي تبدّت بشائرها في مظاهرتين، أولاهما كانت بالقرب من الجامع الأموي، وكانت أشبه بتجمع عفوي لمجموعة من صغار التجار والشباب الذين انتصروا لصديق لهم كانت قوى الأمن قد انهالت عليه بالضرب المبرّح في الطريق العام، أما المظاهرة الثانية فنظمها عدد من المثقفين أمام وزارة الداخلية مطالبين بالإفراج عن الأطفال الذين اعتقلوا في درعا، وكذا عن المعتقلين السياسيين. المظاهرة الأولى تمّ إخمادها باحتيال و"لفلفة" من وزير الداخلية الذي ظهر على المتظاهرين مهدّداً بأنه سيسمي ما يشهده "مظاهرة" ملوّحا بالنار والثبور وعظائم الأمور.! أما المظاهرة الثانية فقد ووجِهت بالقمع المفرط وتمّ اعتقال عدد من النشطاء.

في هذا الوقت المبكّر من الاحتجاجات السلمية كان الإصلاح مطلباً والحوار ممكناً. إلا أن الذهنية الأمنية التي تحكم النظام السوري من قاعدته إلى رأسه ارتأت، بصلف وعنجهية المستبدّ، اللجوء إلى القمع والاعتقال والتنكيل وتوجيه البنادق إلى صدور العزل وإرسال الدبابات والمدرعات لحصار المدن ومنع سبل الحياة عن الأهالي المدنيين والقتل وإخفاء جثث الشهداء في المقابر الجماعية واختطاف الجرحى من المشافي وسحل القتلى في الشوارع، هذا وصولاً إلى الحادثة التي روّعت العالم وهي استشهاد الطفل حمزة الخطيب برصاصتين من أسلحة قوى الأمن أثناء اعتقاله بعد تعذيبه بأبشع الصور التي لا تشبه إلا نهج الفاشيين وتستحضر طرائق التعذيب النازي الذي تعلم فنونه الأمن السوري من آخر ضابط نازي كان يأويه النظام في فندق ميريديان دمشق، وهو أحد مساعدي هيتلر واسمه ألويز بريني، الذي توفي في دمشق في العام 1996.

لقد فقد النظام السوري شرعيته إثر أول نقطة دماء سالت على الأرض على يد قوات الأمن وعصاباتها المسلحة ، وبعد أن كان مطلب الشارع هو الإصلاح أصبح الشعب لا يقبل بأقل من إسقاط النظام، وغدا هذا الشعار هتافاً موحَّداً وواحداً في المدن السورية كافة.

الخروج من الأزمة لا يتم إلا عبر إيقاف فوري لعمليات الإبادة الجماعية التي تمارسها أدوات النظام ضدّ الشعب السوري الأعزل، وكذا سحب كل عناصر الأمن وشبيحته من المدن، وتفكيك الأجهزة الأمنية والمخابراتية وتحميلها مسؤولية الجرائم التي حدثت وإحالة المسؤولين فيها إلى قضاء عادل. أما على المستوى السياسي فأعتقد أن النظام يتهاوى ولا مكان للإصلاح بين جنباته لأن المشكلة في هذا النظام تكمن في بنيته الأمنية القابضة على مفاصل الحياة منذ أربعين عاماً، وليست المشكلة في هيكليّته. هنا أصبح التغيير الجذري مُلِحّاً في ظل غياب أي حل عاجل وناجع للأزمة.

 

ما الأخطاء التي ارتكبها النظام برأيك؟

 

مرح يكون السؤال أسهل بكثير يا سيدة بهية إذا جاء بصيغة: ما هي الأخطاء التي لم يرتكبها النظام! النظام السوري هو محصلة ممارسات استبدادية تنقّلت من اغتصاب السلطة بقوة السلاح، إلى بث روح الفئوية والطائفية والفرقة بين مكونات الشعب الواحد، إلى التفريغ الممنهج للطاقات والكفاءات المستقلة والوطنية ودفعها خارج البلد، إلى تسطيح العملية التربوية والتعليمية لأجيال برمتها وتقزيم المناهج الدراسية لتحمل في مضامينها أفكار حزب البعث الحاكم ولتنحصر في استظهار أقوال حافظ الأسد، حيث كانت مادة التربية القومية، التي من أحد مقرراتها الدراسية كتاب "أقوال الأسد"، مادة مرسّبة يتوقف على النجاح فيها مستقبل الطالب العلمي والحياتي أيضا. ولا أنسى أن البعثات الدراسية في الجامعة كانت من حق المتفوّقين وكنت واحدة منهم ولكن تمّ استقصائي لمصلحة طلاب كانوا من أعضاء اتحاد الطلبة من الحزبيين الذين كتبوا تقريراً كيدياً ضدي قالوا فيه أني: برجوازية لا مبالية!

لقد نقل هذا النظام سوريا العظيمة عقوداً زمنية إلى الوراء، وهو لم يكتف بالاستبداد والقمع والنهب، بل انتهى به الأمر إلى تحويل سوريا ما بعد الثورة إلى جمهورية مآتم تشيّع كل يوم عشرات من أحرارها.

 

 

ما رأيك برواية جماعات مسلحة؟

 

مرح تذكّرني هذه البدعة الإعلامية السورية برواية "ليلى والذئب".. حيث ليلى (الشعب) في هذه الحال، أرادت أن تنتهج الطريق القصير (المطالبة السلمية) للوصول إلى هدفها (الحرية)، بينما الذئب (النظام) يحاول تغيير وجهه القبيح وإخفاء أنيابه وأظافره القاتلة (الفرقة الرابعة وشبيحتها) ويحاول أن يحرف ليلى عن طريقها لتذهب في طريق طويل وشائك (القتل اليومي المتعمد) حتى يتمكّن منها في النهاية وينقضّ عليها انقضاض الوحش الكاسر (طبعاً هذه ليست النهاية المتوقعة في حالة الذئب المستأسد وليلى السورية)!

 

 

ما رأيك أيضا في مؤتمرات المعارضة مؤخراً؟

 

إن انعقاد مؤتمريّ أنطاليا وبروكسل، وإن لم يضمّا جميع أطياف المجتمع السوري في الخارج، يبقى مؤشرا إيجابياً، ورسالة إعلامية إلى المجتمع الدولي أن هناك حراكا سياسيا سوري في الخارج هو رديف ومؤازر للثورة في الداخل. انعقاد هذه المؤتمرات وتمكّن مجموعة من المعارضين السوريين الموجودين في الخارج - وهم موجودون في الخارج لأنهم ممنوعون أن يكونوا في الداخل السوري، ومعظمهم قد نفي نفيا قسريا ً وقدرتهم على الاجتماع في مكان واحد والتحاور هو مؤشر إيجابي لجهة الحضورالسياسي السوري، لأن هناك تخوّفاً مستمراً من المجتمع الدولي يُعزى إلى عدم وجود هيئات سياسية سورية على الأرض يمكن أن تملأ الفراغ الذي سيحدثه سقوط النظام في سوريا. ويبقى دور هذه المؤتمرات ينحصر في دعم الداخل وإيصال رسالة الثوار إعلامياً وحقوقياً إلى العالم.

 

ما الذي تطلبين من المعارضة وما رسالتك للمعارضين في هذه اللحظة الحرجة؟

 

مرح أنا لا أطالب إلا بالعمل الوطني الشفيف والنزيه والمتواصل من أجل الضغط على النظام السوري من جهة، ودعم مطالب الثوار من جهة أخرى. لادور لمعارضة الخارج سوى أن تكون ظهيراً للداخل السوري الثوري. ونحن نشهد اليوم إلى جانب كل عمل ميداني في سوريا عملاً تنظيمياُ يتم بين القائمين على المظاهرات. وإن الأسابيع الأخيرة شهدت تأسيس تنسيقيات الثورة السورية في المدن كافة، والتي تتشكّل من مجموعات شباب الثورة الذين قاموا في كل مدينة بانتخاب قياداتهم السياسية والميدانية، وكذا شخصياتهم الإعلامية، لتكون رديفاً سياسياً في مرحلة انتقال سوريا إلى النظام الديمقراطي المدني المنشود. سوريا الجديدة هي لمن صنع ثورتها وفتح صدره عارياً للرصاص.. وبس!

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ