ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 28/05/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

رسالة مفتوحة إلى المؤتمر القومي العربي

د. عبدالله تركماني

2011-05-26

القدس العربي

بعد واحد وعشرين عاماً على تأسيسه، وعشية انعقاد مؤتمره الثاني والعشرين في بيروت، يحق لنا أن نتساءل، من موقع الحرص على دور المؤتمر ومن موقع العضوية فيه منذ سنة 1997 (لعل الأخوة أعضاء المؤتمر يتذكرون أني في كل دورات انعقاد المؤتمر التي حضرتها لم أكن أنشط إلا في لجنة 'الدولة والمجتمع' حيث تناقش قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان)، عن مدى نجاحه في مسعاه ليكون مرجعية شعبية عربية، وعن مدى التزامه بتكامل أهدافه الستة التي أعلنها للمشروع الحضاري العربي. فهل تمكّن من الربط الجدلي بين هدفي الاستقلال الوطني/القومي والديمقراطية؟ وهل أمسك بالخيط الرفيع بين الاستعباد الخارجي والاستبداد الداخلي؟

إذ يبدو، على ضوء الربيع الديمقراطي العربي الذي دشنته ثورة الحرية والكرامة في تونس وأكسبته الثورة المصرية بعده الاستراتيجي وصبغته ثورات اليمن وليبيا والبحرين وسورية بدماء شعوب هذه البلدان، أنّ ثمة ثقافة بكاملها تحتاج إلى المساءلة، بمرجعياتها ومؤسساتها ونماذجها ورموزها وإعلامها وخبرائها، هي ثقافة المكابرة وتبجيل الذات والثبات على الخطأ والتستر على الآفات والهروب من المحاسبة، فضلاً عن القفز فوق الوقائع والخوف من المتغيّرات والتعاطي مع المستجدات بالقديم المستهلك، بل بالأقدم أو الأسوأ من المفاهيم والتقاليد أو الوسائل والأدوات والمؤسسات.

فهل نقلع عن حديث المؤامرة التي تدبر من الخارج لتغطية العجز عن التدبير في الداخل العربي؟ وهل نقلع أيضاً عن التستر على الأنظمة 'الممانعة' التي أنتجت الفقر والقهر والعبودية والفساد لشعوبها (السودان، اليمن، سورية ...)؟ وهل نتعلم من الأخطاء ونستفيد من التجارب والشواهد؟

إذ لا مفر من تفكيك كثير من مقولات خطاب المؤتمر القومي العربي، من أجل إجراء تغيير جذري لأغلب الأسس التي تقوم عليها، تغيير تكون نتيجته التحول إلى خطاب ديمقراطي مع الذات ومع الآخر ومع المجتمع ومع الواقع ومع التاريخ، ديمقراطي مع الذات العربية بصفتها مالكة قرارها ومصيرها ورهاناتها وحقها في التحدي والرفض والمساءلة، وديمقراطي مع مواطني الأقليات القومية باعترافنا بهم كمختلفين، لا من باب التسامح والتعايش وإنما من باب الإيمان بالعيش المشترك وبالتعددية، وفي التعاطي المشترك المجدي مع الأسئلة والتحديات التي يطرحها الواقع بكل ما فيه من غنى وتعقيد. وديمقراطي مع المجتمع في تعاملنا معه باعتباره الصورة الحية لنضالات الأفراد وتوقهم ومخاوفهم ورغباتهم ودأبهم اليومي، وليس كحقل تجارب للأيديولوجيا القومية وأوهامها ومشروعاتها. وديمقراطي مع التاريخ في النظر إليه بصفته حركةً وتحولاً وصراعاً، وليس باعتباره مرآة لأفكار ومبادئ وأحكام الخطاب القومي وبرهاناً على صحتها وتكراراً أبدياً لها.

فلا يظنن أحد أنّ هناك لحظة عربية حاسمة تحتاج منا درجة عالية من الصدق مع النفس والوضوح في الرؤية مثل تلك التي تمر بها أمتنا العربية حالياً مع الربيع الديمقراطي العربي، خاصة أننا ما زلنا نلاحظ شمول تعميمات المؤتمر القومي العربي على لغة إنشائية خطابية لا تقدم حلولاً ملموسة ولا تتعامل مع الواقع المتحول. خطاب هائم يسبح في فضاء واسع وفضفاض ولا يتعامل مع قضايا محددة وفق رؤى نابعة من قضايا الواقع ومشكلات وطموحات شعوبنا (الموقف المعلن من ثورتي ليبيا وسورية). كما كنا نلاحظ سابقاً عدم متابعة اعتقال وسجن أعضاء من المؤتمر أمثال الأستاذين ميشيل كيلو وعارف دليلة، بل أعضاء في الأمانة العامة كما هو حال الدكتورة فداء الحوراني، من قبل الأجهزة الأمنية للنظام السوري.

ثم هل انتبهتم إلى أنّ رموز المؤتمر لم تكن حاضرة بقوة لدى أي من حركات الاحتجاج في أي من البلدان العربية الثائرة، بل أنها إذا ما حضرت تكون خارج السياق كما هو حال أعضاء من الأمانة العامة للمؤتمر حضروا اعتصامات للتضامن مع الشعب السوري فإذا بهم لا يرون معاناته من قناصي شبيحة النظام السوري، وإنما 'ممانعته' فقط. فلم يدرك هؤلاء أنّ نجاح الربيع الديمقراطي العربي سوف يعيد للفكرة القومية بريقها مع إعادة اكتشاف الشعوب العربية لنفسها وطنياً. كما لم يدركوا أنّ الدولة العربية الوطنية الجديدة، ستجعل الفكرة القومية العربية المنبعثة متجددة أيضاً. إذ أنّ نجاح هذه الدولة الوطنية العربية الجديدة في تحقيق خلاصها من قبضة أنظمتها الاستبدادية، سيفتح الأفق أمام بناء الحقيقة العربية المتجددة على أسس أشد رسوخاً.

ومن المؤكد أنّ الحديث عن استعادة الربيع الديمقراطي العربي للخيار القومي لا يعنى العودة من جديد لصورة القومية العربية التقليدية، وإلى لغة الشعارات التي لم يعد لها وجود، بل يقصد بها القدرة على التكيّف والاستجابة للتحديات التي تفرضها الثورة العربية الجديدة، من خلال ترجمة عناصر القوة العربية في إطار المشاريع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المشتركة التي يلمس منافعها المواطن العربي نفسه.

إنّ إدراكنا لمسارات التحول العربي الجديد هو الذي يكسبنا ديناميات التقدم والتجدد، على النحو الذي يؤهلنا للالتحاق بثورة العصر، شريطة أن نتحرر من الخطاب الخشبي وبناه الثقافية والاجتماعية، اللذين أدمناهما طوال أكثر من أربعة عقود، بما يعنيه ذلك من تخطّي الجمود الفكري والتكلس العقلي وسيطرة الثقافة النصية، وهيمنة القيم القبلية والعشائرية، والطائفية والمذهبية، على حساب القيم الوطنية والقومية.

وطالما أنّ لكل مرحلة قراءتها الخاصة، لذلك يبدو منطقياً أن يهتم المؤتمر القومي العربي بصياغة استراتيجية عملية وواقعية تخرجه من منزلقات عدم الترابط الجدلي بين أهدافه، وبالتالي استيعاب حقائق الربيع الديمقراطي العربي والعصر الكوني الذي نعيش فيه.

ففي حقبة هذا الربيع العربي يبدو أننا أمام لحظة تجدد ملهمة، عنوانها الأساسي تفكيك قبضة الدولة الأمنية العربية الخانقة، وتحرير الشعوب العربية من أسر حكامها، مما يجعل العروبة أكثر صدقاً من تلك التي رُوّج لها في الماضي، لأنها عبارة عن اتحاد المشاعر والمطامح بين الشعوب العربية.

===============

في منطق الدعاية السياسية للبعث السوري الحاكم

الجمعة, 27 مايو 2011

سامر فرنجيّة *

الحياة

لم يكن مستغرباً أن يواجه النظام البعثي الثورة السورية بالقمع والعنف، كاشفاً حقيقته كنظام مستبد فاقد لأية شرعية شعبية. ما لم يكن متوقعاً رداءة الدعاية الرسمية التي واكبت القتل والقمع. فعلى رغم الاستعانة بشركة علاقات عامة والعمل الدؤوب لسنوات على تحسين صورته، أصّر النظام ومؤسساته الإعلامية على اتّباع الأسلوب الذي اتّبعه باقي الأنظمة العربية. فمن حبوب الهلوسة التي استورد قصتها من نظيره الليبي، وإن عدّلها باعتبار الحبوب مرسلة من «محطة الجزيرة»، إلى التأكيد على أن الناس تحتشد في الشوارع لتشكر ربّها على الأمطار، تبيّن أن النظام إمّا يستخف بعقول السوريين، أو أنه يريد ارتكاب انتحار خطابي. والرداءة لم تقف هنا. فوفق التلفزيون السوري، تتعرض منطقة تلكلخ للقصف من قبل سكان وادي خالد، ويحتكر رامي مخلوف قطاع الاتصالات في سورية لمنع خرقه من قبل الإسرائيليين، ناهيك عن مقولة المؤامرة التي تتسع لتضم كل من لمّح تلميحاً إلى النظام السوري في يوم ما.

لقد فسّر البعض هذا الأسلوب بأنه نتيجة قلة المهنية لدى الإعلام الرسمي. فضعف الإمكانات والخبرات أسباب يمكن أن تفسّر هذه الرداءة وضعف فعاليتها، هذا إذا فسّرنا الفعالية بمدى الإقناع وإكساب النظام شرعية. لكن هذا التفسير، وإن انطوى على قدرٍ من الحقيقة، لا يفسّر سخافة الرواية الرسمية. فأن يكذب النظام مفهوم، لكن سخافة الكذبة غير مبررة، لا سيما أن هذا الأسلوب يُفقده ما تبقى له من شرعية، جاعلاً الدفاع عنه أصعب، وهو ما يشكو منه بعض داعمي النظام السوري اللبنانيين.

... انطلقت ليزا وادين من تساؤلٍ مشابه في كتابها عن الدعاية السياسية في سورية «السيطرة الغامضة: السياسة، الخطاب والرموز في سورية المعاصرة» الذي ترجم إلى العربية العام الماضي (دار رياض الريس). فهي بدأت بالسؤال عن إصرار نظام الأسد الأب على تكرار دعاية رديئة وغير مقنعة: «في سورية، من المستحيل ألا يكتشف الإنسان الفارق بين ما يطلق عليه علماء الاجتماع، تأسّياً بماكس فيبر، ما يمكن أن يوصف بالنظام الكاريزماتي، ذلك النظام الذي ينتج الولاء، وبين الصورة الزائفة للنظام النقيض الذي يثير القلق». وتكمل بالمفارقة التالية: «إذا كان هدف «تبجيل الأسد وتعظيمه» خلق كاريزما أو إيجاد اعتقاد شعبي، فظاهرة تقديس الأسد لا تبدو فعالة. ومع هذا تعتبر القيادة السورية أن ظاهرة تقديس الحاكم تساوي الاستثمار في الوقت والمال».

وتفسّر وادين هذه الظاهرة بالتمييز بين الشرعية والمُطاوَعة. فالدعاية الرسمية وظاهرة التقديس لا تهدفان إلى إنتاج شرعيةٍ، بل إلى فرض مستوى من المطاوعة الظاهرة: «تعمل ظاهرة تقديس الأسد كأداة ضبط، تفرز سياسة الخداع العام التي من خلالها يتصرف المواطنون كما لو أنهم يحترمون قائدهم». وعلى رغم لا عقلانيتها للوهلة الأولى، فإن سياسة «كما لو» فعالة سياسياً وفق وادين: «إنها ترسم خطوطاً عريضة للحديث والسلوك المقبولين، وتحدد وتضع قواعد أي نوع من العضوية الوطنية (أي مَن عنده، من وجهة نظر النظام ،انتماء للوطن)؛ وتخصص كيفية فرض الامتثال، وتحرض على المشاركة من خلال اختراع ممارسات تحيل المواطن إلى مشارك في الطقوس، بما يدعم المعايير المشكّلة لسيطرة الأسد، وتعزل السوريين بعضهم عن بعض، وتزحم الفضاء العام بشعارات وإيماءات زائفة ومتعبة لمن ينتجها ويستهلكها على حد سواء».

وهي استنتجت من دراستها نقطتين: أن النظام يهدف إلى الحصول على مستوى ما من المطاوَعة وليس إلى كسب شرعية تنمّ عن اقتناع الشعب بتصرفاته، وأن فعالية هذه الدعاية لا تكمن في مضمونها اللفظي، بل في قدرتها على إرغام الناس على التقيّد بها مهما كانت سخيفة. هكذا تكتب وادين: «في حالة سورية، فإن إنتاج الفكرة في الممارسات المحددة للعبارات المزيفة بوضوح أو الشعارات المتهالكة لا يتم بالطريقة التي يُعبر عنها صراحة - الأسد ليس هو «الصيدلي الأول» بأي معنى حرفي ذي دلالة. لكن الأسد قوي لأن نظامه قادر على إكراه الناس على أن يكرروا ما يثير السخرية ويجاهروا بما لا يقبله العقل». فالمشاركة في عروض النظام ودعايته الرسمية وسرديته السياسية لا تنطوي على اقتناع بصوابيتها، ولن يتوقع أصلاً النظام هذا الاقتناع من مستهلكي تلك الدعاية. فقوته ليست في قدرته على الاقناع بل في قدرتة على إرغام الناس على المشاركة في الممارسات والخطابات الرسمية، وهي ما يعرف الكل أنها لا تعني ما تدل عليه. وهذا ليس ضرباً من السادية، وإن كان ينطوي على شيء منها، بل له فعاليته بإرساء شيء من انفصام الشخصية الملغي للسياسة.

وتسلط وادين الضوء على جانبٍ مهمٍ من سيطرة نظام البعث، وإن لم يكن الأهم في منظومة قمعه المديدة. وهي تقدم تحليلاً يمكن أن يفسر ممارساته الحالية ودعايته الرسمية. فبالتأكيد يعلم النظام أن الناس لم تحتشد في الشوارع لتشكر ربّها على الأمطار، ويعلم أيضاً أنهم لن يصدقوا هذه الرواية مهما حاول ترويجها. لكن هدف الرواية ومجمل الدعاية الرسمية ليس إقناع الشعب السوري أو غيره، بل فرض هيبة النظام أو محاولة إعادة فرضها بإرغام الناس على التقيّد، ولو ظاهراً، بمقولات تناقض أبسط معتقداتهم.

فوظيفة هذه الدعاية إذاً إجبار من لا يزال واقفاً مع النظام على أن يستبدل كل أسبابه، التي يمكن أن تكون مقنعة، بدعاية النظام التي لا يبررها إلا الخضوع. فهو لم يبحث عن حجج لتبرير موقفه بل عن إشارات للطاعة في لحظة ضعفه المتزايدة. وليس من إشارة أكثر تعبيراً من التقيّد برواية تبررها فحسب الطاعة المطلقة. وفي هذا الأسلوب يتشابه النظام السوري مع الأنظمة الإشتراكية. فوفق الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجك: «الطاعة الحقيقية الوحيدة طاعة «خارجية»: الطاعة المستمدة من القناعة ليست طاعة حقيقية لأنها متأثرة بموضوعيتنا - أي أننا حقيقة لا نطيع السلطة، لكننا ببساطة نتبع حكمنا الذي يخبرنا بأن السلطة تستحق الطاعة لأنها جيدة، وحكيمة، ومحسنة». فالنظام يبحث الآن عن «طاعة حقيقية» وليس عن طاعات فعلية تنمّ عن ذاتيات مستقلة لم يعترف النظام بها في الماضي، ولا يستطيع الاعتراف بها حاضراً. فقد أصبح في وضع لا يستطيع معه تحمّل دعمه على أسس قد تكون عقلانية، مدركاً أن ذلك الدعم سيبقى مشروطاً بمعايير خارجة عن سيطرته. هكذا يغدو الخيار بين الثورة السورية ودعاية الإعلام السوري، ولا خيار ثالثاً متاحاً.

وقد وقع في فخ هذه الدعاية بعض داعمي النظام السوري «النقديين» في لبنان الذين نصحوه بالاصلاح وبالكف عن تلك الدعاية السخيفة، ليس فقط دفاعاً عن النظام بل أيضاً عمّا يمكن أن يشكل بعض مصادره الموضوعية للقوة، كموقفه الممانع أو دوره الإقليمي. لكن تجاهُل النظام نصائحهم واستمراره في دعايته (وصولاً إلى توبيخهم أحياناً) يدلان على حاجته لطاعة غير عقلانية ولدعمٍ غير نقدي. فكما كتب جيجك، واصفاً الأنظمة الإشتراكية: «ما يريده فعلياً النظام هو موقف كلْبيّ من أيديولوجيته الرسمية. فالكارثة الأكبر للنظام هو أن تؤخذ أيديولوجيته جدّياً وأن يحاول رعاياه أن يطبقوها».

هنا تظهر السذاجة الثورية، الداعمة «نقدياً» أو التي تتوهّم نفسها كذلك، كغطاء للإجرام، وإن ظل المجرم يرفضها. وإذا لم يكف توبيخ النظام لهم، جاءهم تصريح رجل الأعمال الممانع لكي يؤكد أن بين تصرفات النظام وأيديولوجيته فجوة يمضي الكثيرون في الوقوع فيها.

===============

 الأغنية الوطنية في سورية على إيقاع الحركة الشعبية

الجمعة, 27 مايو 2011

دمشق - عامر مطر

الحياة

يجلس مئات الرجال في ساحة في درعا، لينشدوا جميعاً أغنية «يا حيف» للفنان سميح شقير، شأنهم في ذلك شأن آلاف السوريين الذين غنّوها، باكين وضاحكين في الوقت نفسه، أثناء خروجهم إلى التظاهرات.

وفي الشوارع ذاتها، بعد تفريق مستمعي «يا حيف»، تمرّ سيارات تبثّ مسجّلاتها بصوت عالٍ أغنية «حماك الله يا أسد» للفنانة أصالة نصري التي وقفت مع المتظاهرين في تصريحاتها الأخيرة، وتمنّت أن تكون معهم.

بعد تصريحات أصالة، يتوقع أن يتوقف الكثيرون عن نشر وتعميم ما غنّته سابقاً للرئيس الراحل حافظ الأسد، والحالي بشار الأسد، لأن هناك عشرات الأغاني الأخرى التي تفي بالغرض.

فمنذ ثمانينات القرن الماضي وحتى اليوم، ارتبطت الأغاني الوطنية بشخص الرئيس، وعملت إذاعة دمشق، مع التلفزيون السوري، على ربطها بالمناسبات. كما أن الجو الغنائي العام ساهم في إفراغ الأغنية الوطنية من معانيها الأصيلة، بمعنى ارتباط الأفراد بالمكان وناسه، إذ يشكل هكذا وطناً. وهكذا صارت الأغنية الوطنية أقرب لأن تكون تجارية غنّاها مطربون سوريون وعرب كُثر، كأصالة نصري وجورج وسّوف، ونجوى كرم، وفارس كرم وغيرهم.

لكن «يا حيف» تكاد تغيّر المعادلة بجهد سميح شقير، الذي لحّن وغنّى أكثر من 200 أغنية وطنية منذ أولى حفلاته في عام 1982، على رغم أن «المغني الوطني يبقى عارياً في الريح بلا حائط يستند إليه، ومن الممكن أن يمنع من الذهاب إلى أي بقعة في الوطن العربي بسبب وجهة نظره الغنائية»، كما قال شقير في تصريح سابق.

شقير الذي يعيش الآن في باريس، للعلاج، وربما للابتعاد عن ضغوطات قد تطاوله في سورية، لم يُدعَ أبداً إلى أي مهرجان سوري، لأن المنظمين غالباً ما يبحثون عن نجوم مألوفين مسلّين، ويرقص على أغنياتهم الجمهور. ربما لذلك، يحل شقير اليوم ضيفاً على «المهرجانات الشعبية»، أي الغنائية العفوية في الشارع، من دون الحاجة إلى دعوة.

كانت لشقير وقفة فنية عند سقوط بن علي في تونس. أدّى التحية على طريقته للشعب التونسي، فعرض في أغنيته لقطات مهمة من ثورة الياسمين: «يا شبابك نزلوا الشارع قالوا لا للديكتاتور/ هربت تماسيح مبارح وانقرض الديناصور/ مِن لمّا الثورة قامت، وكتار اللي خافوا، وارتجفوا، واهتزوا ويستنّوا (ينتظرون): مين اللي عليه الدور؟».

ووقف شقير أيضاً إلى جانب ثورة مصر، قبل تنحّي مبارك، مستوحياً أغنيته مِن إرث المناضلين الشيخ إمام، وأحمد فؤاد نجم، وأدخل في ختامها النشيد الوطني المصري كتحية للسيد درويش.

وأهدى سورية أغنيته التي تعرض مأساة مدينة درعا: «يا حيف/ زخّ رصاص على الناس العزّل يا حيف/ وأطفال بعمر الورد تعتقلن كيف؟/ كيف؟ وإنت ابن بلادي/ وتقتل ولادي/ وضهرك للعادي/ وعليّ هاجم بالسيف/ وهادا اللي صاير يا حيف/ وبدرعا ويا يمّا ويا حيف».

أغنية شقير أعادت السوريين إلى أولى الأغنيات الوطنية في بلدهم «زيّنوا المرجة والمرجة لينا»، المطالبة بتوسيع «ساحة المرجة»، لتستقبل المزيد من الشهداء بعد إعدام العثمانيين الثوار فيها العام 1916. كما ذكّرتهم بأغنية «يا ظلام السجن خيّم»، التي كتبها ولحّنها الصحافي نجيب الريس، عندما كان سجيناً في أرواد عام 1922، لتمثّل حركة المقاومة الوطنية خلال الانتداب الفرنسي.

بعيداً من شجن أغنية شقير، خرجت أغاني أخرى لتواكب أحداث سورية، كأغنية: «اتصال من مندس» التي تسعى إلى القول بأن الشباب السوري لديه مطالب وليس «مندساً» كما يقال عنه في بعض وسائل الإعلام.

اشتغلت على هذه الأغنية مجموعة من الشباب السوريين بإمكانات بسيطة، وخلال وقت قصير لم يُتح لهم تطوير النسخة المبدئية منها. لكنهم يعملون الآن على مجموعة جديدة من الأغاني تحمل المزيد من السخرية والتهكّم على العديد من التضخيمات الإعلامية التي طاولت التظاهرات.

أما في عالم الراب، فقد ظهرت أغنية جديدة بعنوان «بيان رقم واحد». وتقول: «بيان رقم واحد/ الشعب السوري ما بينذل/ بيان رقم واحد/ أكيد هيك ما حنضل...». وتنتقد الأغنية الفساد الحكومي، وتظهر إيمان أصحابها بأن شعبهم لن يقع في فخ الفتنة الداخلية.

وتنتشر الآن أخبار عن انضمام أغنية جديدة لأغاني الحركة الشعبية السورية، بصوت أصالة نصري، التي صرّحت أخيراً بأن «العزة لمن يطالب بها، والإصرار سيرسم طريق المستقبل لأولادنا». وبذلك، ربما يخرج صوت أصالة من جانبي الشارع: من حناجر المتظاهرين، ومن مكبرات الصوت في سيارات مفرّقي المسيرات على حد سواء.

===============

الدراما السورية الحقيقية... سقوط الأقنعة

زين الشامي

الرأي العام

27-5-2011

من محاسن الأزمات الوطنية الكبرى، أنها تفرز المواقف وتظهر المعدن الحقيقي للنخب السياسية الثقافية والاقتصادية في المجتمع. هذا ما نعيشه حالياً في سورية منذ اندلاع موجة الاحتجاجات الشعبية ضد نظام «حزب البعث» الحاكم الذي احتكر السلطة منذ عام 1963، وضد النظام العسكري الأمني الذي ذاق السوريين، وربما غير السوريين، الويلات منه.

لا أعرف إن كان مفاجئاً أم لا، أن يسبق الشارع السوري نخبه الثقافية والفنية والاقتصادية بكثير، لا بل بأشواط. وإلا ما معنى أن يقرر مئات الآلاف من الشبان النزول إلى الشوارع حاملين أرواحهم على أكفهم، كما يقال، فيما جزء كبير وأسماء شهيرة قررت الوقوف إلى جانب السلطة التي اعتمدت الخيار العنفي والقتل ضد اولئك الشبان والمتظاهرين؟

ليس هذا فحسب، لقد رأينا كيف أن بعض المثقفين وممثلي الدراما يرددون ببغائية مقيتة ما يردده الإعلام الرسمي عن «مؤامرة» دولية كبيرة تقف وراء حركة الاحتجاجات تلك، وبعضهم صدق أن هناك «مندسين» و«سلفيين» يسعون للتخريب وتشكيل «إمارة اسلامية» في سورية. كان الإعلام السوري الرسمي وغير الرسمي يردد ذلك كما لو أن الاحداث تجري في منطقة وزيرستان على الحدود الأفغانية الباكستانية وليس في درعا أو حمص أو دمشق أو بانياس، أو السلمية في محافظة حماه، والقامشلي الكردية، وهي مناطق وتجمعات سكنية تضم كل الطيف الاجتماعي والديني وتحوي تنوعاً طائفياً غنياً، هذا عدا عن كون أن السوريين بطبعهم يميلون إلى السلم والاعتدال ويمقتون التطرف بكل أشكاله.

المشكلة أن السلطات قررت اقفال كل مناطق الاحتجاجات أمام الصحافيين السوريين والعرب والأجانب، حتى الصحف ووسائل الإعلام المحلية الموالية للنظام لم يسمح لها بدخول تلك المناطق، فكيف يمكن الحكم على طبيعة تلك الاحتجاجات وتقييمها منذ الأيام الأولى لاندلاعها طالما كانت مغلقة أمام الصحافيين ومفتوحة فقط لرجال الأمن والقناصة والدبابات؟

ثم من ناحية أخرى، وبعد مرور نحو شهرين على اندلاعها وانخراط معظم المدن والقرى السورية من أقصى الشمال الشرقي في القامشلي إلى أقصى الجنوب الغربي في سهل حوران، ومروراً بدير الزور وحمص والرقة وحلب وادلب وحماه واللاذقية ودمشق وريفها، وبعد مشاركة مئات الآلاف في هذه التظاهرات ومنهم الكثير من الناشطين المسيحيين واعتقال بعضهم، نقول كيف يمكن وصم حركة الاحتجاجات بالسلفية أو بتسييرها من قبل جهات خارجية بغرض المؤامرة، بكل هذه السهولة؟ إن مثل هذا الاتهام صار مدعاة للسخرية والتندر من قبل غالبية السوريين.

نقول ذلك لأن الشبان السوريين الذين خرجوا إلى الشوارع وسقط منهم نحو ألف شهيد فيما اعتقل نحو عشرة آلاف شخص، قد سبقوا بكثير مواقف النخب السورية من فنانيين ومثقفين، حين تركوا كل النقاشات السفسطائية وراءهم وخرجوا إلى الشوارع هاتفين للديموقراطية والكرامة والحرية. كان من المفترض أن يكون المثقفون والفنانون السوريون الفئة الاجتماعية الأكثر حساسية وتحسساً لمثل هذه الشعارات، لا بل كان من المفترض أن يكونوا في الصفوف الأولى للمحتجين لأن الحرية والديموقراطية هي المناخات الضرورية لأي عمل إبداعي وشرط وجودي لتقدم الفنون والثقافة.

للأسف، ولا نريد أن نذكر أسماء معينة لممثلين معينين لأنهم باتوا معروفين، وقفوا ضد حركة الاحتجاجات، بل كنا نتوقع منهم وأسوة بكل الفنانين والمثقفين في الدول المتقدمة، أن يقفوا موقفاً ديموقراطياً وإنسانياً، موقفاً ينتصر للمظلومين والضحايا والمحاصرين لأسباب إنسانية وليس لأسباب سياسية. إن مثل هذا الموقف ضروري، وهو مفصول عن الموقف السياسي، وقد رأينا في دول كثيرة أن ممثلين كباراً انتصروا لقضايا الشعوب الأخرى ووقفوا ضد الظلم أينما كان، كما أنهم وقفوا وما زالوا ضد انظمتهم السياسية في الدول التي يعيشون فيها رغم أنها دول وأنظمة ديموقراطية في نهاية المطاف، ودليل على ذلك موقف المخرج الأميركي مايكل مور المعروف بانتقاداته اللاذعة للتدخلات العسكرية الأميركية في الخارج حيث أصدر بياناً تضامنياً خاصاً مع المتظاهرين السوريين عبر فيه عن موقف إنساني مما يجري وتشهده سورية ومندداً بقتل واعتقال المتظاهرين.

ليس مايكل مور وحده، بل ان عشرات من السينمائيين العالميين شاركوا في التوقيع مع سينمائيين سوريين على إعلان يشجب حملة القمع ضد متظاهرين مطالبين بالديموقراطية في سورية. مثل المخرج اليوناني كوستا جافراس والمخرج الفرنسي السويسري جان لوك جودار والكاتب الاميركي هاوارد رودمان والممثلتين الفرنسيتين كاثرين دونوف وجولييت بينوشيه من بين مئات آخرين من أوروبا والولايات المتحدة والشرق الأوسط. وكان من بين السوريين الذين وقعوا الإعلان محمد ملص واسامة محمد اللذان ساعدا المخرج السوري عمر أميرلاي في اخراج أفلام عن المشاكل الاجتماعية والسياسية تحت حكم «حزب البعث» السوري. كما وقع الإعلان أيضاً المخرج نبيل المالح الذي تناولت أفلامه أيضاً قضية التهميش الاقتصادي والاجتماعي.

نحن لا نقصد هنا أن كل الفنانين السوريين كانت لهم مواقف سلبية مما يجري، لا بل نعرف تماماً حجم الضغوط التي مورست ضد الفنانين والمثقفين الذين وقعوا ما عرف لاحقاً ببيان «الحليب» الذي دعا إلى إيصال المساعدات الغذائية والطبية لأطفال درعا التي حوصرت بالدبابات وقتل واعتقل وعذّب المئات من أهلها على أيدي القوى الأمنية وبعض وحدات الجيش السوري. لقد تم تخوين كل الموقعين عل البيان لمجرد أنهم وقفوا موقفاً إنسانياً ولم يعبروا عن أي موقف سياسي، لدرجة أن بعض الموقعين اضطروا لاحقاً لتوضيح حقيقة موقفهم، ومنهم من طلب منه حرفياً أن يعبر عن ولائه الشخصي للرئيس بشار الأسد أمام وسائل الإعلام حتى يصفحوا عنه. ليس هذا فحسب، تم اتباع أساليب تهديدية وقمعية ضد الموقعين حين أعلنت الكثير من شركات الانتاج المرتبطة مع النظام عن مقاطعتها الفنانين والمثقفين ممن وقعوا على «بيان الحليب».

اخيراً التقى الرئيس بشار الأسد عدداً من الممثلين السوريين، ونشرت وسائل الإعلام الرسمية ما قاله الأسد، ومن يقرأ التفاصيل التي نشرت عن اللقاء، فلن يجد أي اشارة إلى ما دار في اللقاء، وماذا كان رأي الفنانين بالأحداث وهل عبروا عن مواقف معينة أم اكتفوا بهز الرؤوس والموافقة؟ أتمنى أن أسمع يوماً أن ممثلاً سورياً واحداً وقف في ذلك اللقاء ودافع عن المحتجين ودان القتل والاعتقال والتعذيب الذي يتعرض له شعبه على أيدي الأجهزة الأمنية. أتمنى أن أسمع أن ذلك حصل، لأن الرئيس السوري هو القائد العام للجيش والقوات المسلحة وهو يعتبر مسؤولاً عن كل شهيد سقط بالرصاص خلال الاحتجاجات. لكن إذا اكتفى اولئك الممثلون بطأطأة الرؤوس واستمعوا للرئيس كالتلاميذ النجباء في المدارس الابتدائية، فلا غرابة لأنهم مجرد... ممثلين مهرة، يتقنون جيدا ارتداء الأقنعة المطلوبة للدور المطلوب، وليس فنانين حقيقيين يعكسون تطلعات شعوبهم ويتحسسون آلامهم ويرتقون بهم.

===========================

فردانية الثقافة السورية...خياراً قسرياً

الخميس, 26 مايو 2011

روزا ياسين حسن *

الحياة

سورية الخمسينات، جملة أشبه بحلم لم أره، لكني طالما سمعت أبي ورفاقه يتغنّون به، ويتحسّرون على تبدده. وذلك الحلم يظهر سورية الحراك السياسي والمشهد الديموقراطي الذي يعجّ بالأحزاب ذات الرؤى المختلفة، التي تمتد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار مروراً بأحزاب الوسط، وتجمعات المجتمع المدني والأهلي الفاعل، وما إلى ذلك من مكونات الحلم الوردي. لا أعرف إن كان في ذلك الحلم قليل من المبالغة، لكن سورية الملونة والحرة تلك لم أعرفها، كما لم يعرفها جيل السبعينات، الذي أنتمي إليه، ولا الأجيال التي تلته، ولم يكن لي أن أتخيّلها كما لم يكن للشباب السوري بعامة أن يتخيّلها قبل أشهر قليلة من الآن.

وعلى رغم ذلك إلا أن الكثير من الشباب السوري يرى إلى السلطات وقد عملت في شكل منظّم، منذ ما يقارب الأربعين عاماً، على إفراغ العمل السياسي في سورية من معناه وتجفيف الحراك، وقسّم ذلك العمل، بناء على نهجها، بين جبهة سياسية تابعة للسلطة أضحت مع الزمن أشبه بجبهة للدمى، وجبهة أخرى لم تلحق بسابقتها ودخلت في متاهات العمل السري، الذي كان خياراً للكثير من الأحزاب المعارضة والذي لا يمت في جوهره بأمور كثيرة للعمل السياسي. ومع أن الأجيال الشابة اللاحقة كانت ترى حقيقة الأمر تلك فلم يكن في اليد حيلة، فالأثمان التي دفعها آباؤهم (سواء أكانوا آباءً معنويين أم آباءً حقيقيين) لم تكن بقليلة، أثمان بدأت بالاعتقالات والتعذيب ولم تنتهِ بالسجون والمنافي، وهذا ما جعل هوة الخوف تفصل بين عموم الشباب والعمل السياسي المعارض، إضافة إلى هوة أخرى تتمثل في رؤية نقدية رافضة لأداء الكثير من تلك التيارات والأحزاب المعارضة التي لم تستطع أن تنشئ قاعدة جماهيرية واسعة. هذا ما دفع إلى حصول انفصال شبه تام بين الأحزاب السياسية والشارع، الذي من المفترض أن تعمل منه ولأجله، خصوصاً الكوادر الشابة منه، وتم تفريغ الساحة السورية من المشاريع السياسية وأضحت المسافة ضوئية بين العمل المدني المستقل عن مؤسسات الدولة وبين الشباب. وبما أنه لم يكن ثمة خيارات بديلة بالعموم فقد أجبر جيلي والأجيال التالية، بشكل أو آخر، على الالتفات إلى الإنجاز الفردي بعيداً عن أي عمل جماعي، سياسياً كان أم مدنياً. وإن كان الاتجاه إلى الفردانية أمراً أساسياً ومبرراً، بل وضرورياً برأيي، لكنه كان في النهاية خياراً قسرياً وليس خياراً ناتجاً عن حصيلة تجارب متنوعة أوصلت الشباب إلى ذلك.

يبدو واضحاً اليوم أن الحراك الثوري في سورية ينتعش بجهود الشباب والشابات وبطرق مختلفة وفاعليات مختلفة، ولكن ما يمكن تلمسه هو ضحالة تجارب هؤلاء الشباب في ما يخصّ حراكات مشابهة. فالحراك في سورية أتى مباغتاً، ولو أنه لم يكن مباغتاً على صعيد البنية الداخلية فهو يتراكم منذ عقود وخصوصاً في داخل الأجيال الشابة التي تتوق إلى الفاعلية والعمل الجماعي (وليس الجمعي) على الأرض والمشاركة في تغيير شيء ما من حياتها، أي أن تكون فاعلة في خلق شيء جديد يشبه الحرية، خصوصاً أن الانفتاح على تجارب العالم أجمع والاطلاع على أدق التفاصيل المتعلقة بنشاط الشباب وفاعليته في أماكن أخرى كان بإمكان الشاب والشابة السوريين متابعته ببساطة.

يتعلم الشباب السوري في خضم الحراك اليوم ثلاثة أشياء جديدة دفعة واحدة، وباعتقادي أن الأمر ينسحب على عموم الشارع أيضاً. أول هذه الأشياء ماذا تعني كلمة ثورة، وكيف يقوم الإنسان بخوض ثورة بكل ما تعنيه الكلمة من فاعلية، وهذا يبدو في التطور السريع لآليات عمل الشباب ابتداء بالاعتصامات والتظاهرات وليس انتهاء بالتنسيق والتشبيك والتواصل والتوثيق لكل ما يحدث وسيحدث. ويتعرف الشباب ثانياً بعضهم على بعض، بل يختبر بعضهم بعضاً، في مختلف المناطق والجغرافيات السورية، وبالتالي يتعلم الشباب كيفية العمل الجماعي، الأمر الذي كانوا يجهلونه تماماً كما قلت آنفاً، ويتعلمون الأهم وهو أن يفهموا الاختلافات ويتفاعلوا معها لا أن يلغوها. ويتعلم الشباب ثالثاً ماذا تعني كلمة سياسة، بمفهومها الإجرائي في الواقع وليس تنظيرياً على الورق فحسب. على الرغم من أنهم نشأوا في مناخات عامة كانت تلغي السياسة بتنوعاتها وتستبدلها برؤية واحدة وانتماء واحد وحزب واحد وما على ذلك من الأحاديات. وهذا ما جعل السياسة وتجلياتها وسيناريواتها المفترضة والممكنة والآراء المختلفة وما إلى ذلك هي المهيمنة على جلسات الشباب اليوم وهي الحاضرة في لقاءاتهم أينما كانوا وأياً كانت مواقفهم واتجاهاتهم.

ليس مستغرباً اليوم أن أسأل شاباً من الشباب كيف العمل؟ فيجيبني إنه لم يفعل شيئاً منذ شهر ونيف، ألّلهم إلا الجلوس أمام الكومبيوتر ليتصفح النت، قبل أن تتوالى انقطاعاته، أو أمام التلفزيون يتابع الأخبار بين الفضائيات المختلفة، أو في التجمعات الشبابية يخوض تلك النقاشات السياسية التي أضحت محتدمة. وهذا ما لن يستغربه ربما من لم يطّلع على المشهد الشبابي في سورية في العقدين الماضيين على الأقل. ولكن للذي يعرف الشباب السوري بالعموم سيكون مشهداً غريباً عليه، وخصوصاً الأجيال السابقة التي ما فتئت تنظر إلى الشباب السوري باعتباره مفرغاً من القيم والطموحات والرؤى والثقافة وربما في بعض الآراء المتطرفة: الأخلاق. يطالعك أحد الشباب اليوم بأنه يحلم بسورية الخمسينات التي لم يسمع عنها يوماً، أو يفاجئك حين تتلمس لديه رغبة حقيقية في معرفة بقية أطياف أو مكونات مجتمعه السوري، الأثنية والطائفية والثقافية، والتي كان يجهلها قبلاً وبالتالي يتحاشاها وربما يخافها، وكان يكرر قبل شهور قليلة الكليشيهات التي كان يرددها أهله عنها.

* روائية سورية

==================

الثورات العربية إذ تُطلع أجمل ما فينا

الخميس, 26 مايو 2011

سامي حسن *

الحياة

قبل أشهر فقط، كان صحيحاً القول إن الأنظمة العربية قد نجحت، من خلال ممارساتها القمعية، في إبعاد الناس عن العمل السياسي، وحصره في بعض النخب التي باتت كمن يعزف في قربة مقطوعة، أو يزرع في أرض متصحرة. الأمر الذي كان من نتائجه وقوع تلك النخب في حالة من اليأس والإحباط التي أدت إلى اعتزال الكثيرين منهم للعمل السياسي الحزبي، والاستعاضة عنه بأشكال من النشاط الفردي. فضلاً عن ذلك، كان صحيحاً القول إن تلك الأنظمة نجحت أيضاً بتدمير الكثير من القيم الإيجابية في مجتمعاتها، مستبدلة إياها بثقافة سلبية جديدة، كان من أهم خصائصها التنظير للانتهازية والأنانية والخنوع والفساد ومبدأ الغاية تبرر الوسيلة وغير ذلك من المفاهيم والممارسات اللاأخلاقية واللاإنسانية. فبالضد من المثل الشعبي القائل «إن كان جارك بخير فأنت بخير»، انتشرت أمثال، من نمط «ألف ام تبكي ولا امي تبكي» و «اللي بتجوز امي بقول له عمي».

هذه اللوحة السوداوية للواقع العربي، لم تكن من نسج الخيال، بل صورة طبق الأصل لذلك الواقع. ولم يكن هناك ما يؤشر إلى أننا سنكون على موعد قريب مع تسونامي عربي، يقلب الأوضاع رأساً على عقب، ويعيد رسم اللوحة من جديد. نعم، هنا، والآن، وفي ظل ما تشهده منطقتنا، من تحركات شعبية (ثورات وانتفاضات)، بات بالإمكان، التفاؤل والقول إن العد العكسي لبناء ما دمرته الأنظمة، واستعادة الحياة السياسية، قد بدأ.

ففضلاً عن كسر حاجز الخوف، ظهرت وبقوة قيم الحرية والكرامة والمساواة ورفض الظلم ومكافحة الفساد، واستعيد التفكير والتحرك الجمعيان كوسيلة لتحقيق المطالب الفردية والمجتمعية، وطغى بوضوح مفهوم الهوية الوطنية والشعب الواحد على حساب الهويات الاثنية والمناطقية والطائفية وغيرها من الهويات ما قبل المدنية. هذا ما حصل بالأمس في مصر التي ساهمت ثورتها في تعزيز الوحدة الوطنية بين أفراد المجتمع المصري، وإعلاء قيم المحبة والتسامح، بين مسلميه وأقباطه.

ويتكرر اليوم المشهد نفسه في أكثر من بلد عربي. فعلى سبيل المثال، في اليمن، بات واضحاً تنامي قوة الحركة الاحتجاجية التي ترفع شعارات الوحدة اليمنية والدولة المدنية، واستقطابها لقطاعات واسعة من الشباب اليمني المتعدد الانتماءات القبلية والعشائرية. أما في سورية، التي تتميز بالتعدد الديني والطائفي والإثني، فقد أطلق على التظاهرات الأسبوعية أسماء مثل «الجمعة العظيمة» وهو مصطلح له دلالة دينية مسيحية، أو «آزادي» وهي كلمة كردية تعني الحرية. أما بالنسبة لاستعادة الحياة السياسية، فيكفي للدلالة عليها، متابعة ما يجري اليوم في تونس ومصر، من غليان سياسي (حوارات فكرية وسياسية وقانونية، تحركات شعبية، حل أحزاب، صراعات ضمن الأحزاب، تشكيل أحزاب جديدة، ظهور الشباب كقوة سياسية واجتماعية،...إلخ).

ما ذكرناه لا يعني أننا نضع جميع التجارب العربية في سلة واحدة، من حيث الأداء والنتائج، أو أننا ننظر الى النصف الملآن من الكأس فقط. لكن في الوقت الذي ندعو إلى عدم المبالغة بالتفاؤل، وتجنب استسهال رسم صورة وردية ونهائية، لما حدث ويحدث وسيحدث، فإننا نرى أهمية التأكيد على ما أثبته الواقع بالملموس، من أن الثورات الشعبية السلمية تُطلع بالفعل أجمل ما فينا. وحتى لو خرج معها، بعض أسوأ ما فينا، وهو، أمر لا يمكن بحال استبعاد حصوله، فإن ذلك لا يغير شيئاً من مشروعية تلك الثورات وأخلاقيتها، ونبل أهدافها، شرط أن يكون هذا البعض طارئاً وموقتا، وأن يكون أجمل ما فينا هو السائد والمهيمن.

==================

الثورة السورية السلمية المنتصرة

السوسنة 26/05/2011

الكاتب : المهندس ناصر المنصور الدرعاوي

الشعب العربي السوري هو الثائروالمنتفض على حكامه الظالمين المستكبرين ، ثورتنا هي ثورة سلمية سلمية ونحن عاريي الصدور، سلاحنا حناجرنا والتنديد بهذا النظام الدموي الوحش القاتل ، ونحن نريد الحريّة والكرامة والحياة ، لا ننتمي لأي جهة خارجية أو تنظيم أو حزب أو حركة أو جبهة ولا ندعو إلى أي نوع من أنواع القتال ونحن نرفض حمل السلاح ضد إخواننا في الجيش السوري ونطلب منهم أن يحمونا ويدافعوا عنا من رصاص الشبيحة الغادر والأجهزة الأمنية الدموية الفاشية ، نحن ضد الطائفية بكافة أشكالها والإعلام السوري يشوه صورتنا بأسلوب قذر من خلال أبواقه التي تناقض نفسها بنفسها.

 مبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي وأهدافه سقطت منذ زمن بعيد جدا فلا وحدة ولا حريّة ولا اشتراكية منذ استلام حزب البعث الحكم في سورية وكل ما شاهدناه كان خصاماً مع كل الدول العربية, ولكن التحالف كان فقط مع إيران وحزب الله اللذان يحلمان بإقامة دولة إسلامية كبرى في بلادنا يكون قائدها هو الخميني . نحن نريد أن نسقط النظام القمعي السوري ،لقد إتخذ الشعب قراره وانتهى ، لأنه فشل في تنفيذ وعوده بالإصلاح ، وطبق علينا قانون الطوارئ الظالم طيلة 40 عاماً واستعبدنا خلالها وأذلنا وحطم كرامتنا ، ولنستبدله بنظام ديمقراطي يقيم علاقات صداقة مع كل الشعوب. سورية لن تعود كما كانت ..... أبداً،

لقد بدأت الثورة ولن تتراجع مهما كانت التضحيات ، ونحن شعب مظلوم مسحوق في عهد النظام أو بعبارة أخرة ، نحن ميتون مع هذا النظام الهمجي والدموي ، فوجوده واستمراره يمثل الموت والدمار لهذا الشعب ، ورجوعنا عن الثورة يمثل الإنتحار لهذا الشعب لأنه سينفرد به وسيقتل الآلاف المؤلفة دون رحمة أو وازع من ضمير أو خلق أو إنسانية ، فطالما نحن ميتون على كلا الحالتين ، فالأشرف لهذا الشعب أن يموت ميتة شريفة بكرامة وفخر وإباء ، أو ينتصر ليحيا ويفوز بالحرية ويحقق طموحاته ويبدع كما هي الشعوب الحية . ...

 لايمكن لكائن طبيعي وإنسان سوي ان يدافع عن النظام السوري مهما كانت لوثة و عفونة هذا الكائن، ومهما زين له محاسن هذا النظام ، انت يكفيك ان تعيش ساعة في سوريا وستبصق على هذا النظام وعبيده من حزب البعث واجهزة الارهاب التي تسمى اجهزة امن وسائر الجوقة المطبلة والمزمرة لحديث عن ممانعة وعن دعم المقاومة ، وهو العميل الخائن لشعبه ووطنه وتاريخه وهو اول من اباد كل شيء أسمه مقاومة في جينات المواطن السوري حتى ظهرت فصائل هجينة لم تعرفها السلالات الثديية عبر مليارات مليارات السنين ظهر فريق الشراويل بباب الحارة بدلا من ان يركبوا فرصة الكرامة المتاحة لهم بالمجان تغلبت هرمونات النذالة لتفضح ان اجهزة الارهاب السورية فبركت تاريخهم من يوم ولدوا الى يوم اعلان ولائهم للعبودية للمرة المليون ويظهر كل يوم من يدافع عن نظام مهترأ وفاسد ضد المندسين والتدخل الخارجي والسلفيين والمسلحين حتى ان مظاهرات بانياس السلمية باتت لاناس عراة ليكشفوا فضيحة النظام عن المسلحين وزيف إعلامه .

 لا كرامة للمواطن السوري وهذا يعرفه كل مواطن في سوريا ويعرف ما مصير اعتراضه على كلام شرطي او عنصر من عناصر الاجهزة الساقطة التي تسمي نفسها مخابرات وامن سياسي وعسكري وجوي وبحري الى آخر قائمة في الأجهزة الأمنية وعددها 16 جهازاً أقل فعل لأحدها أن يعذب المعتقل ويسمل عينيه أو يخلع أظافره أو يمنع النوم عنه اسبوعاً كاملاً ودون طعام أو شراب ومعلق من رجليه في السقف ويضرب بالسياط بشراسة ويوضع الملح مكان السياط ثم يبولون عليه لتمتلأ جروحه بولاً وقذارة ، فمن يستطيع أن يتباهى بهذا النظام الدموي أو يدافع عنه بعد هذا الإجرام غير المسبوق في هذا العالم الأعمى والأصم الأبكم !!!!

فكيف يتباهى اي مخبول بانجازات الطاغية الجبان حافظ الاسد وابنه وهو يعيش تحت قانون الطوارئ وعندما الغاه كان لفظا لافعلا حيث غلب الطبع على التطبع فقد فاقت جرائم الهمج الذي يقودهم الاسد وعائلته كل تصور كلنا نعرفهم هذه الوجوه التي لاملامح لها والتي اغتنت من نصب وفساد قانون النظام السوري الأوحد الذي من اجله بنيت هذه الاجهزة الخرافية الكرتونية التي اسمها اجهزة امن او اجهزة حماية النصب والفساد وقل لي من يمجد النظام ويفيض بحسناته اقل لك ما هي درجة فساده وعبوديته وجرائمه وخيانته .

 يحاول ان يوهم دهاقنة الكذب للنظام انهم أذكياء وانهم يكشفون فبركة الجهات المعادية التي تفضح النظام ومقاومته لاحظوا ان الحديث عن دعم المقاومة مازال مستمرا رغم حديث احد اركان النظام الاساسيين رامي مخلوف عن حماية النظام لاستقرار اسرائيل الى صحيفة نيويورك تايمز اي ان هناك خطان يلتقيان مزاود للشعب ومناقص للصهاينة والامريكان. وايضا تسريبات عن خطابات لرأس النظام الارهابي الصهيوني السوري للادارة الامريكية عن رغبته بسلام مع الكيان النازي الصهيوني فهما يشتركان بنفس العقلية الاستعلائية الاستيطانية الاحتلالية الفاسدة فلم لايكون بينهما سلام كما وجد مبارك انه اقرب الى عالم الصهاينة العنصري و الاجرامي من ان يكون قريبا للشعب المصري.

سيسقط النظام السوري رغم كل خزعبلات المرتزقة ومن الافضل ان يطل كل انتهازي و حقير ليعلن عن فساده ويردد الشعارات الجوفاء التي يرفعها النظام السوري لعائلة الاسد مخلوف ليعرف الشعب من معه ومن عليه ، وكما احتقر القذافي شعبه ووصفهم بالجرذان والمقملين ، كذلك النظام السوري يحتقر شعبه ويقتلهم لأنهم ينادون بالحرية والتخلص من هيمنة البطش والتعذيب والتنكيل وهذا الاحتقار تحمله عائلة الاسد مخلوف للشعب السوري يكفي ان تعرف كيف يتعامل الشرطي والساقطين الذين هم عناصر المخابرات والامن السياسي والعسكري مع المواطن لتعرف ان تقييم ماهر وبشاروحافظ ورامي مخلوف لايختلف عن تقييم القذافي لشعبه حكاية المقاومة والممانعة خلصنا منها وانصح من يتبجح بها ان يعيد قراءة تصريحات رامي مخلوف لنيويورك تايمزفلا حاجة لأحد ان يزاود على الاخرين بشعارات ثبت كذبها اما حكاية المدسوسيين والسلفيين فهذه نكتة لاتباع الكذب والدهلزة لاجهزة المخابرات ومن في حكمهم من شبيحة المافيات التي تستفيد من النظام ومن رشاويه وفساده .

 سيسقط النظام المافياوي السوري لانه وصل الى زمن احتضاره الاخير ويعكس مأزقه وانتحاره ارقام الضحايا التي تتصاعد والتي تشعل الانتفاضة السورية من جديد بشعار الشعب يريد اسقاط النظام السوري واول شخوصه بشار وماهر ورامي وحافظ مخلوف .

==================

البعث السوري والاخوان المسلمون

موفق محادين

2011-05-26

العرب اليوم

صعد حزب البعث والاخوان المسلمون معا الى مسرح الاحداث في سورية في خمسينيات القرن العشرين .. ، وقبل ان يسيطر البعث على السلطة بانقلاب عسكري 1963 ، تقدم على جماعة الاخوان المسلمين بالانتخابات البرلمانية في تلك الفترة ...

ولم تكن العلاقة حسنة بين الطرفين حتى عندما كان الجناح "المعتدل" وممثلهُ في السلطة الضابط السني امين الحافظ ممسكا بالسلطة حيث كان اول من اقدم على قصف حماه واصطدم مع الاخوان المسلمين ...

ولم تتحسن هذه العلاقة إلا مع سيطرة الضابط العلوي القوي في وزارة الدفاع "حافظ الاسد" على السلطة عام 1970 وكان الاخوان وغرفة تجارة دمشق من اشد مؤيديه ضد الجناح اليساري السابق بزعامة الدكاترة الثلاثة "اثنان منهم من اهل السنة" رئيس الجمهورية نور الدين الأتاسي ورئيس الحكومة يوسف زعين ...."

لكن شهر العسل بين الاسد والاخوان لم يستمر طويلا فانفجر الصراع بين الطرفين, في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي وسط اتهامات الاخوان للنظام بالطائفية, واتهامات النظام لهم بتنفيذ اجندة اقليمية ودولية للتغطية على اتفاقيات كامب دي يد واستهدافات العدوان الصهيوني على لبنان 1982 ومشروع ريغان ومبادرة فاس الاولى للتسوية كما اتهمهم النظام بتلقي دعم بالاسلحة والاموال من القاهرة وبغداد وحزب الكتائب واوساط نفطية وعربية مجاورة ...

وبعد ان تمكن الاسد من تجاوز تلك الفترة عبر صدامات مسلحة تبادل الطرفان فيها استخدام العنف "حماة وتدمر مقابل حادثة مدرسة المدفعية" .. راح يبحث عن مجالات ودوائر سنية اخرى, منها توسيع نفوذ اهالي درعا وحوران في الاجهزة الامنية, ومنها توسيع نفوذ جماعات اسلامية جديدة برعاية كفتارو والبوطي وشيوخ اكراد آخرين, وكذلك حركة الاحباش, اضافة لما عرف بالمرسوم رقم (10) لصالح غرفة تجارة دمشق ...

في ضوء هذا التاريخ, ثمة ضرورة لاستعادة مناخات المصالحة السياسية مع جماعة الاخوان, بالدرجة الاولى ثم الحديث عن أي اصلاحات اخرى. ذلك ان جماعة الاخوان تشكل غطاء سياسيا مهما لاعتبارات داخلية وخارجية, داخلية بالنظر الى الخارطة الاجتماعية المعروفة في سورية, وخارجية بالنظر للمشهد الاقليمي الذي يتشكل في كل المنطقة ويلعب الاسلاميون والاتراك فيه دورا مهما لا فائدة من إنكاره...

==================

من أين يأتي كل هؤلاء السوريين؟

د. بشير موسى نافع

2011-05-25

القدس العربي

 نعم، من أين يأتي كل هؤلاء السوريين؟ كيف خرجوا بهذا الحجم وهذه الشجاعة، غير المسبوقة لأي شعب، في كل هذه المدن والبلدات والقرى. الذين ظنوا أنهم عرفوا سورية والسوريين فوجئوا بأسماء هذه البلدات والقرى، بلدات وقرى حمص وحماة واللاذقية ودير الزور وريف دمشق ودرعا.

في هذا البلد من الهلال العربي الخصيب، حيث استقر الإنسان قبل أن يستقر في أية بقعة أخرى من العالم، وحيث شيد الإنسان أولى المدن؛ في هذا البلد الذي يضم أقدم مدن معمورة بالحياة بلا انقطاع منذ آلاف السنين؛ في هذا البلد من الهلال العربي الخصيب، حيث عرفت الإنسانية أحرف الكتابة وسنت الشرائع للمرة الأولى؛ في هذا البلد الذي يختزن موروثه وثقافته حضارات العالم الكبرى ومعتقداته، من آشور إلى بيزنطة إلى فضاء الإسلام الفسيح؛ في هذا البلد الذي تقف على أرضه أقدم كنيسة على الإطلاق وأول مسجد جامع خارج مدينة رسول الله؛ في هذا البلد حيث ولدت الفكرة العربية وحملت راية الإصلاح الإسلامي الحديث، وحيث وقف العرب وقفتهم الأولى في مواجهة الغزو الإمبريالي الحديث للمشرق، وثاروا في واحدة من أكبر ثوراتهم بعد سنوات قليلة فقط من الاحتلال الأجنبي؛ في هذا البلد الذي قالت إذاعة عاصمته يوم أن صمتت الإذاعة المصرية في أول أيام العدوان الثلاثي على مصر: 'هنا القاهرة'؛ في هذا البلد الذي تنحى رئيسه يوماً عن الحكم من أجل إنجاز أول وحدة عربية في حقبة ما بعد الاستعمار المباشر؛ في هذا البلد الذي احتضن شعبه قضايا العرب جميعاً، وقدم الفوج وراء الآخر من الشهداء للدفاع عن حقوق العرب ومصالحهم؛ في هذا البلد يخرج السوريون اليوم كما لم يخرج شعب آخر للمطالبة بحريته وكرامته، ولوضع نهاية للاستبداد، مرة وإلى الأبد.

قدمت سورية في جمعة الحرية، جمعة آذادي، كما أطلق عليها ناشطو الثورة السورية، فوجاً آخر من الشهداء، أكثر من أربعين شهيداً في نصف نهار واحد. وفي اليوم التالي، قدم مشيعو فوج اليوم السابق فوجاً جديداً من الشهداء. في جمعة الحرية والأيام التي تلتها من هذا الأسبوع، لا تكاد توجد بقعة من الأرض السورية لم تشهد تظاهرة احتجاج. في المدن التي احتلتها قوات الأمن والجيش الخاصة، كما في درعا، لجأ السوريون إلى البلدات المجاورة للتعبير عن تصميمهم على مواصلة الحركة الشعبية. في المدن التي تراجعت عنها قوات الأمن والجيش قليلاً، كما في بانياس، عادت الحركة الشعبية أقوى وأبلغ تعبيراً عن أية جمعة سابقة.

خرج السوريون في الرستن وتلبيسة وجسر الشغور وإدلب، في القامشلي وعامودا والبوكمال، في دير الزور والسويداء، في ميدان سيف الدولة والمدينة الجامعية بحلب، في ركن الدين وباب السريجة والميدان بدمشق، في سقبا والمعضمية والحجر الأسود وداريا، وفي أحياء اللاذقية وحمص وحماة. الذين اشتكوا من، أو ادعوا، خلال الأسابيع الماضية أن حلب لم تقرر الالتحاق بركب الحركة الشعبية بعد، أو أن دمشق، حيث انطلقت أولى تظاهرات الثورة السورية في منتصف آذار/مارس الماضي، ليست على استعداد بعد للمواجهة مع النظام وآلته الأمنية والعسكرية، ليس لهم أن يشتكوا أو أن يدعوا بعد الآن. ليس ثمة موقع في سورية الآن إلا وشهد على القطيعة بين النظام وشعبه، في مظاهرات حاشدة أحياناً، وفي أخرى أقل حشداً في أحيان أخرى، في الأماكن ذات الوجود الأمني غير ثقيل الوطأة وفي الأماكن حيث الوجود الأمني أثقل وطأة. ولكن الإجماع السوري الشعبي على أن لا مستقبل لهذا النظام لم يعد من الممكن إغفاله.

خلال الأسابيع القليلة الماضية، واجه النظام الشعب السوري ليس بقوات الأمن ووحدات الجيش الموالية وحسب، بل وبتقديم سرديته الخاصة للحركة الشعبية أيضاً، سردية تسويغ القمع وسياسة القتل المباشر. وهنا كان الخطر الذي تتعرض له حركة الشعب السورية أكبر تهديداً حتى من وقع القتل نفسه ومن الاعتقال والتدمير. لا يكاد يوجد نظام حكم حديث في العالم بأسره وإلا يبذل ما يستطيع من الجهد والدهاء لتوحيد أكبر كتلة من شعبه وراءه. في سورية، بذل النظام جهوداً حثيثة منذ انطلاق الحركة الشعبية ليقسم السوريين طائفياً وإثنياً. في البداية، حاول رشوة الأكراد السوريين بمنح الجنسية السورية لمئات الآلاف ممن حجبت عنهم جنسية بلادهم وحقوقهم الوطنية منذ عقود، وأصدرت الأوامر للأجهزة الأمنية لتجنب إسقاط ضحايا من الأكراد.

وفي المرحلة التالية، وما أن امتدت رياح الحركة الشعبية إلى مناطق سورية واسعة، حتى لجأ النظام إلى الخطاب الطائفي، متهماً المتظاهرين بتهديد المسيحيين والدروز والعلويين من السوريين. كان هدف النظام وما يزال، الإيحاء بأن سورية لا تشهد ثورة شعبية وطنية مثل تلك التي شهدتها تونس ومصر وليبيا واليمن، وأن من يخطط للمظاهرات ويقودها ليس إلا مجموعات من المسلمين السنة المتشددين. ولأن الموجة السائدة لاتهام الإسلام السني منذ أحداث الحادي عشر من ايلول/سبتمبر محمولة على خطاب نمطي يدين السلفية ويحملها كل الشرور، فلابد أن يكون المتظاهرون السوريون من السلفيين، الذين يسعون إلى إقامة إمارات إسلامية في قرى درعا وبعض أحياء بانياس؛ والسلفيون ليسوا إلا قتلة طائفيين، يهددون وجود المسيحيين والعلويين والدروز وغيرهم.

ما تستهدفه الأقلية الحاكمة في دمشق، وهي ترى الأغلبية السورية ترفع صوتها من أجل الحرية والكرامة، أن تحتمي بالعصبية الطائفية، أن تستدعي الأقليات الإثنية مرة والأقليات الطائفية مرة أخرى للاصطفاف حولها ومواجهة الأكثرية الثائرة، وتأمين سيطرتها هي وتحكمها من جديد. ولكن الصلابة الأخلاقية للشعب السورية أوقعت الهزيمة بخطاب النظام ومخططاته، وكشفت هشاشة سرديته. لم يترد الأكراد السوريون في الالتحاق بأشقائهم العرب، بل وتراجعت مطالبهم الفئوية من أجل التوكيد على المطالب الوطنية. وفي كافة أنحاء سورية، خرجت القرى والبلدات ذات الأكثرية المسيحية، كما خرجت مدن الأغلبية المسلمة والدرزية. ظل المعارضون السوريون من خلفيات علوية على مواقفهم بالرغم من التهديدات التي وجهت إلى حياتهم وأسرهم، وامتنع ضباط وجنود عليون، كما رفاقهم من السنة، عن إطلاق النار على مواطنيهم، بكل ما يحمله هذا القرار من خطر على الحياة.

وكلما ارتفع عدد ضحايا حملة القمع الأمني والعسكري التي أطلقها النظام ضد شعبه، كلما ارتفع صوت الناطقين باسم النظام ومناصريه بادعاءات الخطر الإرهابي الذي يهدد أمن سورية، وأن قوات الأمن تواجه اختراقاً مسلحاً تدعمه دول وجهات أجنبية، وأن ضحايا الجيش وأجهزة الأمن في المواجهات مع المسلحين تفوق المئة.

لم يقل النظام مطلقاً للعالم أو للشعب السوري كيف اخترقت كل هذه العصابات المسلحة أنحاء سورية المختلفة، وأين كانت أشد مؤسسات الأمن في المجال العربي تحكماً وهذه العصابات تنتشر من إدلب إلى درعا ومن القامشلي إلى بنانياس؛ وبخلاف اتهامات ساذجة ومضحكة لنائب لبناني بالوقوف خلف الثورة المسلحة الموهومة، لم يحاول النظام مطلقاً تسمية دولة واحدة من الدول التي ادعى توفيرها الدعم لهؤلاء المسلحين.

ومرة أخرى، تسلح الشعب السوري بصلابته الأخلاقية ووعيه بشروط المواجهة مع النظام وأجهزته. لم يحمل سوري واحد السلاح، بالرغم من أن بيوت السوريين لا تخلو من الأسلحة، وظل العالم، يوماً بعد يوم، وإسبوعاً وراء الآخر، لا يشهد إلا مواطنين عزل، يرفعون شعارات سلمية ووطنية حركة الاحتجاج، يقتلون على أيدي قوات النظام. يخرج السوريون إلى التظاهرات بأطفالهم وأبنائهم، وأحياناً بنسائهم أيضاً. ويقتل السوريون عزلاً بسلاح قوات النظام، رجالاً وأطفالاً ونساءً.

خلال أسابيع قليلة من اندلاع الحركة الشعبية السورية لم يعد هناك من يستمع لادعاءات النظام، ناهيك عن أخذها مأخذ الصدق. وإن كان للشعب السوري أن يعتز بإنجازاته في هذه الفترة القصيرة من نضاله الشجاع من أجل الحرية والكرامة، فليس ثمة شك أن إسقاط سردية النظام وكشف هشاشة خطابه وادعاءاته تقف على رأس هذه الإنجازات. لم يعد ثمة من يصدق بأن الآلاف التي خرجت في جمعة الحرية تنتمي، بأي حال من الاحوال، لقوى راديكالية مندسة، سلفية أو غير سلفية، ولا أن هذه الجموع مدفوعة من الخارج، ولا أنها طائفية التوجه، أو مسلحة. ويأتي هذا الإنجاز في موازاة إسقاط الشعب السوري ل  'خيار حماة' وأوهام النظام في أن تستطيع أجهزة أمنه والقوات العسكرية الموالية له إخماد حركة الشعب بالقوة المسلحة، وبتعليم الشعب السوري درساً يماثل درس حماة قبل ثلاثة عقود. كلما سقط شهيد، سقط حجر آخر في رواية النظام واستراتجية مغالبة الشعب التي يتبعها، وبكل هؤلاء الشهداء لم يعد ثمة من مصداقية لأي من مقولات الأقلية الحاكمة ولا من أمل لها في إخماد حركة الشعب. واليوم، بتقويض مصداقية النظام وإيقاع الهزيمة بسياسة الموت والدمار التي تبناها، تقترب ساعة خلاص سورية كما لم تقترب من قبل.

' كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث

==================

فنانو سورية: من التمثيل الدرامي الى التهريج السياسي؟

نسوا قيم الكرامة والعدالة التي كانوا يجسدونها

محمد حسن فقيه

2011-05-25

القدس العربي

 تطورت الدراما السورية في العقدين الأخيرين تطورا ملحوظا، وانتشرت عبر جميع البلدان العربية، وأصبحت منافسة قوية للدراما المصرية، واعتبرها الكثير من الجماهير رائدة الدراما العربية، لما قدمت من مسلسلات تاريخية واجتماعية ووطنية، جسدت فيها قيم الشعب العربي والمسلم في العزة والكرامة، وعدم الصبر على الضيم، والوحدة ضد الأعداء، والتمرد على الظلم والقهر، والثورة على الفساد والاستبداد. وعلى المستوى المحلي والوطني برزت فيها معاني الرجولة والشهامة والإباء، ورفض الذل والهوان، ومعاني البطولة والتضحية والفداء ضد المحتل وأعوانه.

كما كان للدراما والمسرح السوريين حضور في نقد أوضاع البلد وسلطة الأمن الترهيبية على شتى مناحي الحياة، وإذلال المواطنين وترويعهم، بشكل كوميدي ساخر أحيانا وبالتلميح والإشارة أحيانا أخرى.

حتى عرضت بعض مشاهد تعذيب المواطنين داخل المعتقلات والسجون، واعتراف المعتقل بجميع التهم المنسوبة إليه، والتي لم تنسب إليه أيضا... قبل أن تحصل المفاجأة ويظهر المجرم الحقيقي والفعلي أمام الحدث، أو يظهر أن المعتقل شخص مقرب من أحد المسؤولين الأمنيين وأوصى به، ففهمت الرسالة من عناصره الأغبياء بشكل خاطئ، فأودع السجن واعترف بما طلبوه.. وما لم يطلبوه منه قبل أن يتذكره هذا (المعلم)، فيوبخ (المعلم) أدواته المتخلفة الهمجية مقرّعا إياهم ومبينا أنه كان يريد إكرام هذا المواطن الشريف، أو ندبه لتقديم دروس خاصة لأبنائه بسبب كفاءته وتميزه وشهرته.

ومشاهد أخرى ولقطات تتحدث عن غباء هذه الأجهزة الأمنية، حين قرأ أحد مسؤوليهم من (المعلمين) عن طبائع الاستبداد لعبدالرحمن الكواكبي، فاستشاط غيظا ووضع اسمه على جميع نقاط التفتيش وأمر بإحضار جميع من يحمل اسم عبدالرحمن الكواكبي ليحاكمه، فأحضروا له جميع من يحمل هذا الاسم، ولم يكن واحد منهم صاحب الكتاب... ولم يبق إلا طفل رضيع... فأمر بإحضاره ليحقق معه.

وقد لاقت مثل هذه اللقطات الفنية ارتياحا كبيرا وترحيبا لدى الجماهير، بسبب ملامستها لحقيقة المشكلة وضربها على الوتر الحساس   - كما يقال - لعرض معاناة المواطن حقيقة من هذه الأجهزة المتسلطة على رقاب العباد بمن فيهم الفنانون أنفسهم، وبغض النظر عن سماح الدولة لمثل هذه اللقطات بالخروج للمشاهد من باب التنفيس أو... غير ذلك، إذ أن مثل هذه اللقطات والمشاهد أضحت ظاهرة خطيرة تبث الرعب والقلق لدى جمبع الناس في حياتهم اليومية بمن فيهم الفنانون أنفسهم، أمام هذه الفئة الفوقية بصلاحياتها اللامحدودة المترافقة مع إمكانياتها العقلية المحدودة، والمتمردة على القانون بشكل همجي ومتخلف وغبي، ومهما قدم هؤلاء الفنانون من برامج ومسلسلات ودراما لخدمة النظام وإطرائه وبث سياسته وأجنداته لم يشفع لهم من هذا التسلط والظلم من قبل هذه الأحهزة.

لقد عرض التلفزيون الرسمي لقاء الرئيس بشار الأسد مع الفنانين السوريين، كما عرضت حوارات وندوات مع مجموعات منهم على الفضائية السورية، فما سمع منهم المواطن تلك المعاني الوطنية التي كانوا يجسدونها، وصورة الكرامة والإباء الذي كانوا يقدمونها، ومعاني البطولة والشجاعة التي كانوا يتغنون بها، وقيم التضحية والفداء التي كانوا يغرسونها، بل لاحظ أغلب المواطنين من جماهير هؤلاء الفنانين جبنا.. وذلا.. وتخاذلا.. ورعبا.. وخنوعا.

وليست المصيبة فقط في هز الرؤوس والجبن والتخاذل، والتنصل من المواقف البطولية التي جسدوها عند ساعة الآزفة، وإنما الأنكى من ذلك أن ينبري من كان يسمى نجما، فيبرر للنظام انتشار الأمن والجيش لقمع الشعب وقتله، بل يعتبر أن ذلك هو من مهمته، ولا أدري هل هو جيش لحماية الشعب أم لقتل الشعب؟ وإن كانت هذه  - من قتل وقمع - مهمته، فمهمة تحرير الجولان (الكرم المسروق)، مهمة من إذن؟

إن النفاق ليس نفاق أخلاق وقيم، وليس نفاق سياسة فقط، بل هناك نفاق إعلامي لا يقل خطورة عن تلك الأنواع من النفاق إن لم يكن أسوأها.

والنفاق: أن تظهر غير ما تبطن، وتعلن غير ما تؤمن به وتعتقده.

فهل كان هذا (المهرج) المنافق يؤمن بما كان يعرضه لنا على المسرح، أم أنه يؤمن حقيقة ويقتنع بما صرح به اليوم لتبرير إجرام النظام ضد الشعب والجماهير، التي صفقت له؟

أم أننا نحمّل الأمر أكثر مما يحتمل ونعامله كرجل مع أنه مجرد أداة تستخدم كما يريد (المعلم)، أو لعل (المعلم) رمى له بموزة كبيرة بعد هذا المشهد من الرقص على دماء الجماهير في حلقة السيرك.

وقد يقول قائل ان هؤلاء الفنانين بشر، يخافون ويرتعبون.. ويهددون ويذلون،

ولكن أيضا هؤلاء يعتبرهم بعض جماهيرهم قدوة، ومنهم استمدوا معاني الشجاعة والبطولة فكان ذلك حافزا على الانتفاض ضد الفساد والاستبداد.

الفنان ليس شخصا عاديا لما يقدم من بطولات ويجسد من فكر وقيم، فإما أن يرفع نفسه ليكون عملاقا، أو يهبط بها ليتحول إلى قزم في حلقة سيرك.

الفنانون ثلاثة: شخص يجيد دوره ويصدق مع نفسه ويحترم جمهوره، وهذا هو النجم الحقيقي.

وشخص يتخذ الفن حرفة للربح والتكسب التجاري، ويقوم بكل الأدوار، وهذا هو الممثل.

وشخص ثالث: لا شخصية له ولا مبدأ، يبحث عن شهرة فارغة، يبيع دمعة اليتيم بنفس السعر الذي يبيع به ضحكة مغناج فاجرة، لا يعنيه مبدأ ولا يسترعيه موقف، ولا تهمه قيم وأخلاق، متقلب الهوى معدوم الشخصية يسير كريشة في مهب الريح، أو قشة جوفاء يجرفها التيار حيث يسير، يؤجر كرامته ويبيع قضيته ويخذل جمهوره ويخون وطنه خوفا من السلطان المستبد.

فهل يستفيد المشاهد ويعتبر من الدرس ويثور ويجبن الفنان - النجم والقدوة - عند المواجهة فيخذل جمهوره ويخور؟

الفنان هو المبدع الذي يقدم لجمهوره معاني القيم والاخلاق ومعاني البطولة والكرامة، فينظر إليه المشاهد قدوة وبطلا حقيقيا، فإذا ما رأى المشاهد مواقف هذا الفنان في الموقف الحاسم وساعة الشدة رجلا جبانا ذليلا لا يتجرأ على أن يعبر عن مشاعره، ولا يستطيع أن يفي بوعوده ويحترم مواقفه ومشاهده التي جسدها في مسرحياته وأعماله الدرامية، فقد سقط في الامتحان وأصبح مجرد ممثل يتاجر بمشاعره وأحاسيسه ويضع مواهبه وابداعاته تحت الطلب، وقد تحولت جميع أعماله السابقة إلى معرض في سوق نخاسة داخل ردهة متحف شعبي قديم.

يا أيها الرجل المعلم غيره هلا بنفسه كان ذا التعليما.

إن الشخص الذي يجسد أدوار البطولة لعظماء الأمة أمثال خالد بن الوليد وعمر بن عبد العزبز وصلاح الدين والظاهر بيبرس... وغيرهم، إن لم يستطع أن يكون عظيما ويتشبه بهم، فعلى الأقل يجب الا يكون جبانا رعديدا، أو نذلا متخاذلا خوانا.

وهذا الكلام لا يتوقف عند هؤلاء الأشخاص الذين باعوا مهنة الفن والتحقوا بمهنة التمثيل، بل ينسحب ايضا على الكتاب والمخرجين والمنتجين، والجميع مطالبون اليوم بمواقف بطولية تتناسب مع السيناريوهات والمشاهد التي كتبوها وقدموها وأخرجوها وأنتجوها، وإلا فهؤلاء ممثلون يبيعون حركاتهم ومشاعرهم ومداد قلمهم وعرق جبينهم بدراهم معدودة، ومستعدون لتنفيذ أي دور يضمن لهم ربحا أكبر ولو كان سكوتا عن الظلم والفساد مع الذل والهوان... بتأييد الظلم ومناصرة الفساد والانحياز إلى القمع والاستبداد.

يتحول هؤلاء الرجال بل الأزلام إلى كومبارس، ومجرد أدوات تستعمل عند الحاجة للدور الذي يرسمه النظام الفاسد، ولو كان هذا الدور خيانة للمبادئ التي عرضوها وخذلانا للجماهير التي صنعت منهم نجوما!

يا لها من نجوم سوداء كالحة تحت سياط الذل والهوان، يستعين بها النظام الفاسد لشرعنة فساده والتغطية على جرائمه ومخازيه.

إذا تحول هؤلاء الأشخاص الى هذا المستوى وهبطوا الى ذلك الدرك ما داموا يجبرون على تنفيذ جميع ما يطلبه منهم (المعلم)، ليحقق أهدافه من متعة المتفرجين وإضحاكهم عليهم، حتى تنتهي الحفلة بتصفيق المتفرجين (للمعلم)، وأما الراقصون فمصيرهم بائس.

أتقدم بعميق الشكروالامتنان للفنانين الذين انحازوا إلى الشعب في هذا الزمن الصعب، وبقوا نجوما شامخين يؤيدون القول بالفعل.

كما أوجه دعوة للفنانين المترددين والصامتين أن يتحلوا بالشجاعة ويحسموا أمرهم وينحازوا الى جماهيرهم، وإلا فليعتزلوا الفن ويصبحوا أصفارا خيرا لهم من أن يكونوا أرقاما سالبة.

كما أدعو الفنانين الذين عبّروا في أعمالهم عن معاناة المواطن وتطلعاته... وقد خذلوه، أن يعيدوا حساباتهم وينحازوا الى شعوبهم، أفضل من تماديهم في خيانة شعوبهم وجماهيرهم التي أحبتهم وقدرت أعمالهم، فان يلتحقوا متأخرين خيرا من أن يبقوا في ركب الظلم والاستبداد.

كاتب من سورية

==================

السيد نصر الله والموقف من سورية

رأي القدس

2011-05-25

القدس العربي

 يحتل السيد حسن نصر الله زعيم 'حزب الله' مكانة خاصة في قلوب الكثير من العرب والمسلمين بسبب قيادته الحكيمة للمقاومة اللبنانية، وانجازاتها الكبيرة والمشرفة المتمثلة في الصمود لاكثر من شهر في مواجهة العدوان الاسرائيلي على لبنان صيف عام 2006 وقبل ذلك تحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي بعد تكبيد الاخير خسائر كبيرة مادية وبشرية.

السيد نصر الله تحدث امس في احتفال مركزي كبير للحزب في البقاع اللبناني بمناسبة الذكرى الحادية عشرة لعيد المقاومة والتحرير، واعاد التأكيد على ثوابت المقاومة، مؤكداً للحشد الغفير الذي استمع الى كلمته من خلال شاشة عملاقة 'ان هذا العيد ليس لجماعة او طائفة او فئة، وانما هو عيد لكل الشعب اللبناني'. وكان محقاً في هذا التوصيف، وان كنا نضيف عليه بانه عيد للأمتين العربية والاسلامية ايضاً، وفخر كبير لهما، لان هذا التحرير تم من خلال التضحيات الكبيرة، وليس عبر المفاوضات المذلة والمهينة، ولو كان الشعب اللبناني قرر السير في درب المفاوضات العبثية البائسة لما حقق انتصاره الكبير هذا، ولظلت القوات الاسرائيلية حتى هذه اللحظة في جنوب لبنان، ولزرعته بالمستوطنات مثلما هو حادث حالياً في الضفة الغربية وهضبة الجولان المحتلتين.

لا يختلف مع السيد نصر الله وانجازات حزبه الكبرى المعمدة بالتضحيات المشرفة، الا البعض الذي ينطلق من نظرة غير موضوعية، ترتكز على ارضية طائفية، في ظل عملية تحشيد واستقطاب طائفي تعيشها المنطقة العربية في الوقت الراهن، وتنفخ في نارها قوى استعمارية لا تريد لها، اي منطقتنا الاستقرار والتقدم.

ما يمكن ان يختلف فيه الكثيرون مع حزب الله، هو انتقائيته في التعاطي مع الثورات والانتفاضات الشعبية العربية المطالبة بالديمقراطية والعدالة والاصلاح السياسي. فبينما وقف الحزب بشجاعة وجرأة الى جانب الثورات العربية في مصر وتونس والبحرين، لم يكن حاله كذلك فيما يتعلق بالانتفاضة السورية، الامر الذي عرضه للكثير من النقد بل والتهجم غير الموضوعي من بعض الكارهين للحزب والمشككين في انتصاراته غير المسبوقة ضد العدوان الاسرائيلي.

صحيح ان السيد نصرالله في خطاب الامس اعترف بان السلطات السورية ارتكبت اخطاء في لبنان، وطالب ابناء جلدته من اللبنانيين بعدم التدخل فيما يجري في سورية، ولكنه لم يوجه اي نصيحة، ولا نقول نقدا، الى اصدقائه وحلفائه في دمشق بوقف نزيف الدماء في البلاد، واظهار بعض التعاطف، ان لم يكن كله، مع الشهداء الذين سقطوا برصاص قوات الامن طلبا للاصلاح ووضع حد للفساد، وترسيخ الديمقراطية.

كنا، وما زلنا نرى لو ان السيد نصرالله، قد استغل علاقاته القوية مع السلطات السورية، والرئيس بشار الاسد على وجه الخصوص، لمطالبته بوقف المجازر التي ترتكب كل يوم جمعة، والانخراط في حوار وطني حقيقي يؤدي الى البدء الفوري والجدي في الاصلاحات التي قال السيد نصرالله في خطابه ان الرئيس والقيادة السورية على قناعة تامة بضرورة اجرائها.

ندرك جيدا ان السيد نصرالله يريد الحفاظ على سورية وامنها واستقرارها، مثلما يثمن دورها في مواجهة المؤامرات الاسرائيلية، ولا خلاف معه حول هذه النقطة، ولكن، مطلوب منه ان يتفهم، وبقوة، مطالب الشعب السوري، وان يتعاطف معه، وهو الثائر المقاوم، في مواجهة المظالم التي يعيشها في ظل اجهزة امنية قمعية تتعاطى معه بقبضة حديدية تتواضع امامها قبضات حديدية مماثلة في مصر وتونس وحتى في البحرين.

نتمنى على السيد نصرالله ان لا يتمنى للسوريين اكثر مما يتمتع به اللبنانيون، اي الانتخابات الحرة، والتمثيل البرلماني، والمشاركة في تقرير مصيرهم ومستقبل اجيالهم في ظل نظام ديمقراطي حقيقي، وهو النظام الذي سمح ويسمح لحزب السيد نصر الله بالتمثيل الكامل في البرلمان، والمشاركة بوزراء في الحكومة، ونسج تحالفات مع كتل برلمانية اخرى تستطيع اسقاط او تشكيل حكومات.

السلطات السورية بحاجة الى نصائح الاصدقاء والحلفاء في هذا الظرف الحرج اكثر من تأييدهم المفتوح لها، لان هذا التأييد قد يدفعها للتغول في الحلول الامنية التي يمكن ان تفتح المجال لتدخلات استعمارية غربية ستكون كارثة عليها وعلى الجميع الذين يعارضون مثل'هذه التدخلات ويدينونها وعلى رأسهم حزب الله وكل المؤمنين بطريق المقاومة، واعتباره الطريق الاقصر لوضع حد للاحتلالات الاسرائيلية، وحال الهوان التي تعيشها الامة واستعادة الكرامة العربية المهدورة.

==================

عن الحوار المزعوم في سورية

الخميس, 26 مايو 2011

عمر الأسعد *

الحياة

 بعد أسابيع من الرصاص الذي انهال على رؤوس المتظاهرين والحصار المفروض على مدن وقرى عدة، بدأ النظام السوري يتحدث عن دعوةٍ إلى «الحوار». هذا الحوار كانت أصوات من المعارضة السورية تدعو إليه منذ عقد على الأقل، ولم يلق أذناً صاغية، لكن اليوم تحسس النظام على ما يبدو أن الأزمة تعمقت، وأن الذين خرجوا من بيوتهم إلى الشارع طفح كيلهم، ولن يسكتهم الحل الأمني «الثمانيني»، أو يعيدهم إلى منازلهم. وهو ما يؤكده ارتفاع سقف المطالب منذ بدء الانتفاضة السورية، على رغم تلويح النظام ببعض «الإصلاحات» التي أتت متأخرة عن الحراك القائم ومطالبه.

وإلى الآن لم يتضح شكل أو هدف هذا الحوار المزعوم. فبينما أشار محللون موالون ووسائل الإعلام الرسمية إلى أن الحوار بدأ مع بعض الشخصيات في المعارضة (في إشارة منهم إلى لقاء المستشارة بثينة شعبان بالمعارضين عارف دليلة وميشيل كيلو ولؤي حسين)، ذهب البعض الآخر منهم ليقول إن الحوار بدأ منذ زمن من خلال لقاء الرئيس الأسد بالوفود الشعبية ووجهاء المناطق والمحافظات، فيما رأى آخرون أن الحوار سيكون مع شخصيات «مثقفة وخلاقة ونزيهة من المعارضة السورية». من كل هذا الكلام لم نصل إلى نتيجة، فمن سيتحاور مع من؟ هل سيتحاور الرئيس مع زعماء عشائر ومجتمع أهلي ومناطقي؟ أم سيتحاور مسؤولون سوريون - صف أول أو ثانٍ لا فرق في ظل الوضع الراهن - مع مثقفين ومعارضين ينتقونهم لحوار فردي ومغلق ولقاءات عابرة أشبه باستطلاعات الرأي؟ أم سيشمل الحوار الجميع كما صرح أحد المحللين (الرسميين) من دون استثناء مع شخصيات «مثقفة وخلاقة ونزيهة»؟ وما هي، يا ترى، مقاييس السلطة للنزاهة والثقافة والشخصية الخلاقة؟

كل ما سبق ذكره لا يقود إلا إلى استنتاج وحيد، وهو أن الدعوة إلى الحوار حتى الآن هي دعوة من الأعلى للأدنى، يحاول من خلالها النظام أن يسابق معارضته وشعبه فقط، ويكسب عليهما بعض الوقت. وهي أيضاً دعوة مائعة لا شكل لها ولا طعم ولا لون، في ظل أزمةٍ وطنية حادة باتت تعصف بالمجتمع السوري والدولة السورية على حد سواء.

إلى هذا ما زالت عمليات الحصار العسكرية متواصلة، وحملات القمع الأمني بحق النشطاء السياسيين والحقوقيين والمثقفين المعارضين بلغت مرحلةً لم تشهد لها سورية مثيلاً، اللهم إلا مرحلة الثمانينات السيئة الذكر. فيما بات الإعلام السوري الرسمي أو شقيقه المملوك من قبل «البكوات الجدد» مثالاً صارخاً للنفاق والتلفيق وضخ السموم التي ساهمت إلى الآن في خلق حالة من التشويش والاستقطاب الشديدين داخل المجتمع السوري. كما بات مطلب وقف حملاته التخوينية أساسياً، بالتزامن مع حرمان مراسلي القنوات الفضائية ووكالات الأنباء العربية والعالمية من تغطية الأحداث.

ضمن كل هذه الظروف ما زالت تخرج الأصوات منادية بالحوار، بخاصة مع ضعف الخيارات البديلة في ظل الوضع الذي دفعت إليه آلة القمع. لكن ما هو هذا الحوار المطلوب للخروج من الأزمة التي تعيشها سورية، التي يبدو أنها تختلف من حيث بعض تفاصيلها عما شهدته مصر وتونس في ثورتيهما ضد نظاميهما، وإن كانت تشترك معهما في مبدأ التطلع إلى الحرية والكرامة.

الحوار المطلوب، يجب أن يحدد هدفه بوضوح، وهو التفاوض من أجل التأسيس لنظام سياسي جديد ينتقل بسورية من مرحلة حكم الحزب الواحد الذي تنص عليه المادة الثامنة في الدستور إلى سورية الديموقراطية والتعددية. ولذلك يتعين الالتزام بعدة مقومات كي تعود حالة الثقة وتخرج سورية من أزمتها الوطنية:

أولاً من حيث الشكل: بعد أسابيع القمع لا يمكن لهذا الحوار أن يتم من دون وجود رأس السلطة على طاولته، وجلوسه مع باقي الأطراف على طاولة مستديرة تمهيداً للوصول إلى حل لأزمة وطنية حقيقية يجب الاعتراف بوجودها. ولا بد أن يكون لهذا الحوار مكان محدد وجدول زمني، إضافة إلى سقف زمني محدد، وتكون جلساته معلنة أمام الرأي العام من خلال مؤتمرات صحافية تعقد بعد جلسات الحوار. وينبغي الأخذ في الاعتبار أن لا يكون الحوار مجزوءاً أو لفئة دون أخرى، بل هو حوار وطني شامل لكل مكونات المجتمع السوري وممثليه، وليس حواراً لأجل قضايا مطلبية لفئة أو منطقة، هذا إضافة إلى ضرورة وجود ممثلين عن الشباب فيه، بخاصة أنهم كانوا العنصر الأكثر فاعلية خلال الانتفاضة، ومعظم من استشهدوا أو اعتقلوا هم من هذا الجيل الشاب، الذي دخل في أزمة كبيرة من خلال اصطدامه بالعقلية السلطوية الجامدة، وعبّر عن هذه الأزمة بانتفاضه ونزوله إلى الشارع وتحمله كلفتها الباهظة، ورفعه شعار الحرية الطاغي على كل الشعارات.

ثانياً من حيث المضمون، أو موضوع التفاوض. هنا، على النظام السوري أن يعرف وجود فرصة لا تفوت بالانتقال إلى سورية ديموقراطية وعصرية وبطريقة سلمية! لذلك لا تفاوض مجدياً من دون الإقرار بمحاكمة المسؤولين عن عمليات القتل والقمع التي حصلت سواء من العسكريين أو الأمنيين، مع احتفاظ المتظاهرين بحق التظاهر السلمي وحمايتهم من قبل الأجهزة المختصة، وإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين والمعتقلين خلال الأحداث الأخيرة وطي ملف الاعتقال السياسي، وعودة المنفيين وإنهاء هذا الملف، والإقرار بوجود قانون جديد للأحزاب يضمن لها حرية العمل السياسي، وصياغة دستور جديد قائم على مبدأ التعددية والديموقراطية تكون المواطنة هي الأساس فيه من دون التمييز بين السوريين من حيث العرق أو الدين أو الجنس أو الانتماء السياسي، وفتح الباب لإجراء انتخابات عامة ورئاسية جديدة قائمة على تعدد المرشحين. إذا كانت دعوات الحوار جادة وحقيقية فلا بد لها من الالتزام بهذه الأسس، وإلا فلا حوار ضمن ميوعة الأفكار التي ما زالت تتداولها بعض الأوساط، على رغم حمام الدم القائم في البلد.

==================

سورية: سيناريوات المرحلة المقبلة

الخميس, 26 مايو 2011

رضوان زيادة *

الحياة

مع بدء الثورات العربية في تونس حيث نجحت في إسقاط زعيمين من أكثر الرؤساء العرب تسلطاً: زين العابدين بن علي في 23 يوماً ثم حسني مبارك في 18 يوماً، امتدت الثورات العربية لتشمل دولاً أخرى كليبيا، حيث تحولت إلى نزاع مسلح سقط فيه أكثر من عشرة آلاف قتيل، واليمن حيث يبدو أن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح عالق عند الحافة من دون أن يجد من يدفعه إلى السقوط، ثم سورية التي امتدت فيها التظاهرات إلى كل المحافظات تقريباً.

خلال هذه الثورات تبلور نموذجان للتحرير إذا صح التعبير:

* النموذج التونسي والمصري واليمني: وكان أكثر وضوحاً في الشكل المصري عبر احتلال الساحة الرئيسية في العاصمة (ساحة التحرير) ثم ازدياد أعداد المتظاهرين بشكل يومي حتى بلغ درجة دفعت الرئيس إلى التنحي. وفي كل هذه الحالات لعب الجيش دوراً محورياً في رفض الأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين أولاً ثم في إجبار الرئيس على التنحي. ويعد هذا النموذج مثالياً لجهة الحد الأدنى من سقوط القتلى.

في هذا النموذج حافظت الثورة على سلميتها المطلقة من قبل المتظاهرين الذين حافظوا على انضباطهم والتزامهم باللاعنف كمبدأ رئيسي من أجل إنجاح الثورة، وهو ما أعطاهم التعاطف المعنوي الكبير من قبل أخوتهم من أبناء الوطن أولاً ثم التعاطف الجماهيري الواسع من قبل المجتمع الدولي، وزاد حجم الضغوط الدولية على الرئيس من أجل التنحي.

* أما النموذج الثاني فكان النموذج الليبي، ويتمثل في تحرير جزء من الأرض ثم التوجه أو الزحف نحو تحرير الأجزاء الباقية، وعلى رغم أن رغبة المحامين والقضاة الليبيين الذين اعتصموا أمام مبنى المحكمة في بنغازي كان الاعتصام السلمي على الطريقة المصرية، إلا أن إطلاق النار الحي والمباشر من قبل أجهزة الأمن الليبية من دون حتى استخدام الغاز المسيل للدموع أو الرصاص المطاطي مما أدى إلى سقوط أعداد ضخمة من المتظاهرين، حوّل وجهة الثورة الليبية وبسرعة من الخيار السلمي إلى خيار العمل المسلح. ومع انتهاج كتائب القذافي خيار الأرض المحروقة باستخدام الطائرات والمدفعية الثقيلة، لم يكن أمام الليبيين من خيار سوى الاستنجاد بالمجتمع الدولي من أجل التدخل لوقف آلة القتل الليبية وهو ما أدخل ليبيا الآن في مرحلة نزاع مسلح ربما يطول بعض الشيء قبل نجاحها في إسقاط القذافي ويفتح ليبيا أمام خيارات مجهولة.

لكن أي من النموذجين ينطبق على الانتفاضة السورية؟ في الحقيقة حافظت التظاهرات السورية على طابعها السلمي المطلق بالرغم من الأعداد الكبيرة للذين سقطوا بالرصاص الحي وبرصاص القناصة، ففي كل مرة حاول فيها المتظاهرون بدء الاعتصام في ساحة رئيسية كانوا يواجهون بالرصاص الحي الذي خلّف سقوط عشرات القتلى. حدث هذا في المسجد العمري في درعا وفي ساحة الصليبية في اللاذقية وفي دوما وحمص أيضاً. في كل مرة تتدخل الأجهزة الأمنية وتقوم بتفريق الاعتصام ليس بالغاز المسيل للدموع أو الرصاص المطاطي وإنما بالرصاص الحي الذي يستهدف رؤوس وصدور المتظاهرين بشكل مباشر، مما يفسر سقوط هذه الأعداد الكبيرة من القتلى في كل مرة يجري فيها فض الاعتصام. إذاً هل ستتجه الانتفاضة السورية باتجاه النموذج الليبي؟ وكيف ستتطور الأمور في سورية؟ أعتقد أن هناك ثلاثة سيناريوات محتملة:

1- تجاوز النظام السوري للأزمة: أي أن يتدخل النظام السوري لقمع التظاهرات وإنهاء الاحتجاجات السلمية بشكل نهائي، وهذا ربما يتم خلال عام أو حتى أقل، كما جرى في إيران بإنهاء «الثورة الخضراء» عام 2009 وفي بورما بإنهاء «ثورة الزعفران» في عام 2007. كلا النظامين التسلطيين الإيراني ذي الوجه الديني، والعسكري في بورما، نجحا في إنهاء التحركات الاحتجاجية عبر استخدام العنف الأعمى تجاه المتظاهرين واستنفاد طاقة كل القوى الأمنية والجيش والميليشيات المختلفة في إنهاء التظاهرات الشعبية. وهو ما يضعه النظام السوري اليوم كنموذج له، إذ يعتقد أن بإمكانه إنهاء التحركات الاحتجاجية عبر استخدام العنف الأقصى وإطلاق الرصاص الحي والمباشر على المتظاهرين واتباع تكتيك القنص مما يزرع الرعب لدى المتظاهرين ويخفف عددهم تدريجياً، وفي حالة المدن التي خرجت عن السيطرة مثل درعا وبانياس يتم إرسال الحرس الجمهوري مع قوات الفرقة الرابعة بكل معداتها العسكرية، وهي الأكثر ولاءً للنظام، من أجل احتلال المدينة بشكل كامل واعتقال كل شبانها عبر فتح مراكز للاعتقال الجماعي واتباع سياسة التعذيب مما يقضي على الحركة الاحتجاجية بشكل نهائي.

كما تم وضع الحواجز الأمنية والعسكرية على مداخل كل المدن وعزلها عن بعضها البعض بما فيها الأحياء، مما يقيد حركة الاحتجاج أو الخروج إلى الشارع بشكل مطلق ويجبر المواطنين على التزام حظر التجول وإلا سيكون القتل نصيبهم، وهذا ما تم في دوما والمعضمية وداريا وغيرها من مدن ريف دمشق، وجاسم وطفس ودرعا البلد وغيرها من المدن داخل محافظة درعا، وبانياس واللاذقية وغيرها، مما أثّر بشكل أكيد في عدد المتظاهرين الذين خرجوا بنسب أقل في الأيام السابقة، إلا أن القاعدة الشعبية للنظام هي أضعف بكثير مما هي عليه في إيران.

فقد بدأت الانتفاضة من محافظة تصنف تقليدياً من قبل النظام على أنها موالية، ولم تبدأ في القامشلي أو الحسكة حيث مناطق تواجد الأكراد السوريين، تلك المناطق التي لديها تاريخ طويل في الخروج والتظاهر ضد النظام الحاكم منذ عام 2004، كما أنها لم تخرج من حماة أو حلب مناطق الوجود التقليدي لحركة «الإخوان المسلمين» السوريين، وبالتالي فإن خروج التظاهرات الكبرى في هذه المدن تبقى مسألة وقت، وحينها لن يفيد النظام الاستخدام الأقصى لقوات الأمن والجيش لأنها ستستنزف بشكل كبير ومتفرق على امتداد رقعة الجغرافيا السورية.

2- انشقاق الجيش السوري: أما السيناريو الثاني فهو استمرار خروج التظاهرات ولو بشكل أضعف مما كانت عليه واستمرار أجهزة الأمن السورية في الرد عليها بالرصاص الحي. ومع توريط الجيش في مدن سورية مختلفة فإن الانشقاق داخله سيزداد ويتعمق، كما حصل في درعا ومدينة الرستن في حمص وبانياس مما دفع بأجهزة الأمن السورية إلى تصفية هؤلاء الجنود، كما أكد أكثر من شاهد عيان وعدد من الجنود، وأثبت ذلك الكثير من أشرطة الفيديو المنشورة على الإنترنت.

وبالتالي إذا استمرت عملية توريط الجيش فإن انقسامه وبخاصة على مستوى الرتب العليا سيصبح مسألة وقت، وربما في النهاية يتخذ الكثير من قياداته قراراً بحماية المدنيين من المتظاهرين مما سيدخلها في صراع مسلح مع الأجهزة الأمنية وكتائب الفرقة الرابعة ذات التسليح والتدريب الجيد، وهو ما يضع وحدات الجيش على المحك ويحتم على القيادات العليا اتخاذ قرارات تتعلق بمصير الجيش ولمصلحة المتظاهرين وهو سيناريو يحتاج إلى بعض الوقت حتى تتأكد القيادات العليا من ولاء الرتب الدنيا لها في حال اتخذت قراراً بالانشقاق، كما يعتمد على استمرار الحركة الاحتجاجية وتصاعدها في أكثر من مدينة ومحافظة ومحافظتها على سلميتها.

3- التدخل الخارجي: أما السيناريو الثالث والأخير فهو استمرار التظاهرات وتصاعد المواجهة من قبل أجهزة الأمن وحدوث انشقاق داخل الجيش لكن من دون أن يكون حاسماً مما يزيد من عدد القتلى المدنيين ويفتح الباب للتدخل الدولي المباشر من أجل حمايتهم، ورغم أن هذا السيناريو هو الأسوأ وقد يُدخل سورية في النموذج الليبي تماماً، إلا أنه محتمل في ظل تصاعد أعداد القتلى وعدم اكتراث النظام السوري بالإدانات الدولية والمواقف المتصاعدة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

على العموم فإن فرص السيناريوات الثلاثة متقاربة نسبياً وتعتمد على تطورات الأوضاع الداخلية بشكل أساسي وعلى تطور المواقف الإقليمية والدولية بشكل ثانوي.

* باحث زائر في جامعة جورج واشنطن

==================

ما الذي يسيطر عليه النظام السوري؟

موفق ملكاوي

تاريخ النشر 25/05/2011

الغد الاردنية

"عاشت سورية، ويسقط بشار الأسد"، هذا هو الهتاف الذي يجد رواجا له في الشارع السوري اليوم. وانطلاقا منه، يحق لنا أن نتساءل عن الوضع الذي يسيطر عليه الرئيس السوري بشار الأسد اليوم!

إن الشرعية، حتى تلك التي تأتي بالتزوير والتدليس، لا يمكن لها أن تبقى مع إباحة دم الشعب الذي كان كل ذنبه أنه طالب بشروطٍ حياتية غير تلك التي أعطيت له على مدار نصف قرن، وأوغل في الحلم حتى تيقن أن الاحتجاجات السلمية يمكن أن تحسّن اشتراطات وجوده في بقعة جغرافية "أوقفها" مالكوها لما يمكن تسميته "أرض الممانعة والمغامرة المحسوبة". ما الذي يسيطر عليه النظام السوري اليوم،

سوى آلاف البنادق الموجهة إلى آلاف الصدور، والتي أبتْ إلا أن تخرج عارية من غطائها لتكشف للعالم أكذوبة المنظمات الإرهابية التي حاول هذا النظام أن "يسوّقها" على الجميع؛ ابتداء من شعبه الذي ثار على الظلم والهمجية، مرورا بالعرب الغارقين بأحلام التشبث بالأمر الواقع، وليس انتهاء بالغرب الذي يعاني قلقا رهابيا على سلامة "الطفل المدلل إسرائيل"، ويرجو له أسلم الظروف لكي "ينمو" كما هو مخطط له، بحدود لا تتسعها مخيلة أولئك المتواطئين مع رغباتها المعلنة.

ما الذي يسيطر عليه النظام السوري اليوم؟

درعا أصبحت مدينة محررة من البشر، بعدما استفحلت فيها قوات النظام، وعاثت بحاراتها فسادا لم تشهده بغداد على يدي هولاكو وقواته. حمص وقراها، تشتكي ظلم ذوي القربى، ويكفي أن نفتش قليلا على موقع "يوتيوب" لنكتشف كم من الحرائر تم اغتصابهن. أما حماة، فتلك قصة أخرى، فهي لم تتجاوز حتى اليوم 29 عاما من الألم، عندما فقدت المدينة، وبلا سابق إنذار، جزءا كبيرا من سكانها الذين قتلوا أو سجنوا، أو حتى "اختفوا" من دون جواب محقق حول حياتهم أو موتهم، كل ذلك بسبب أنهم "تجرؤوا" أن يقولوا للطاغية إنه طاغية، وحاولوا رفض الأمر الواقع، والحكم الواقع بأمر السيف والنار والحديد. ما الذي تبقى من شرعية النظام السوري اليوم ليراهن عليها، وهو الذي وقع في ذمته دماء زهاء أكثر من ألف سوري حرّ قالوا لا للظلم والقمع والحياة في حضن الموت؟

ما الذي يسيطر عليه النظام السوري اليوم، سوى "جيش" من الدبلوماسيين المضلَّلين، الذين يتوزعون على أقطار الدنيا، ويولمون ل "أصدقاء تاريخيين" يمكنهم تزوير أي منعطف لمصلحة "صديق الثورة والثوار". إننا نعيش اليوم في ظل لحظة تاريخية لا تجيز أن يتم تمويه الأشياء، ولا تغفر أن لا يكون الكتاب والمثقفون إلى جانب الشعوب التي تدافع عن كرامتها وتاريخها ومعنى وجودها. إنها لحظة تاريخية متميزة بلونها الناصع، ولا يمكن أن تقبل الرمادي الذي يقدم رجلا ويؤخر أخرى، بل هي تطلب موقفا "مرتفعا" عن كل صفاقة ونفاق.اليوم، لن تقبل الدماء السورية الزكية التي سالت في جميع مدن الدولة الغالية أن يتم تجاوزها، لا من أجل الممانعة، ولا من أجل ثورة عربية كبرى يتم خلالها استرجاع فلسطين.. كل فلسطين، فتلك الدماء تطلب أمرا صغيرا فقط، وهو أن يتم احتسابها في الطريق بين هدفين.

إنها لحظة الحقيقة أيها الكرام؛ إما أن تكونوا مع الشعب في خندقه المدافع عن الحرية والوجود والكرامة، وإما مع الطاغية المدافع عن مكتسبات الطائفة، ودماء الشعب المخزنة في بنوك تحسبها بالعملات الصعبة.

==================

سلاح الطائفية السوري

سوسن الابطح

الشرق الاوسط

26-5-2011

«ليس من سمع كمن رأى». الحكايا التي يرويها السوريون النازحون إلى لبنان مرعبة، وتدلل على وضع محتقن وشديد التعقيد. ليس فقط أن الدماء سالت والجثث رميت على الطرقات، والمعتقلات امتلأت، ولكن أيضا هناك النبرة الطائفية المقيتة التي ترفع منسوب الخطر إلى أعلى مستوياته. صحيح أن الخطاب على التلفزيونات من جهة السلطة والمعارضة يحتفظ بإيقاعه الوطني المطمئن، لكن الأرض شيء آخر. الخوف والحقد بين الطائفتين العلوية والسنية باتا كبيرين. ما يقوله النازحون، الذين أصبحوا يتوزعون في كل لبنان، من الصعب إعادة كتابته هنا، فهو فج ومخيف، ولا يبشر بغير الخراب. ومن الأصعب أن لا ترى الأجواء نفسها وقد انعكست على المناطق السنية المحاذية للحدود السورية بحكم عدوى قميئة ومقززة، يتمنى أي عاقل أن لا يراها أو يسمع بها. «دمنا عم يغلي» يقول اللبنانيون الذين يستقبلون النازحين، ربما لهذا كان على الجيشين السوري واللبناني أن يغلقا الحدود بإحكام، خوفا من فوران قادر على إغراق البلدين معا. لكن كم من الوقت يمكن للجنود من الطرفين أن يحرسوا جغرافيا عصية على الفصل محكومة بالوصل، رغم أنف المهووسين بترسيم الحدود؟ لا حل لمشكلة الحدود التي يتمناها البعض إلا بنصب سياج كهربائي أو جدار عملاق واق، على الطريقة الإسرائيلية العنصرية، وهو ما لا يقبل به أحد.

محاولة بعض اللبنانيين تهريب أسلحة فردية بدافع النخوة الطائفية إلى الداخل السوري ليس أمرا مستبعدا، كذلك وجود سلاح بين أيدي بعض المعارضين السوريين أمر وارد، في بلد ينام بين مستودعين كبيرين للأسلحة هما العراق ولبنان. فالحدود شاسعة الامتداد في المنطقة، وهي ملك لأهلها بقبائلها وعشائرها، المتداخلة والمتزاوجة أكثر مما هي ملك قبضات الأمنيين والعسكريين. والموضوع ليس موضوع مندسين وعصابات مسلحة، وإنما مواطنون مقهورون يستخدمون كل ما يصل لأيديهم من سلاح أبيض أو أسود، لتحقيق مآرب يئسوا وهم في انتظار تحقيقها، خاصة بعد أن قوبلت مظاهراتهم السلمية بالمدافع والدبابات. لذلك فإن وجود أسلحة فردية مع بعض الثوار هنا أو هناك لا ينفي عما يحدث في سوريا صفة التمرد والاحتجاج الشعبي الذي يستحق الإصغاء والتجاوب، ولا يعني أن الإمبريالية العالمية تمكنت من إقناع بعض السوريين ببيع أنفسهم لأعداء الأمة.

العنف يولد عنفا أكبر منه. أن يتواجد بين المحتجين عناصر قليلة من المسلحين تواجه الجيش لهو أدعى للتنبه والحيطة من الانزلاق صوب القتل والقتل المتبادل. أن يكون ثمة مؤامرة دولية، تدبر كما يقول النظام للانقضاض على سوريا، لهو مما يستدعي استدراكا سريعا، أكثر من أي وقت مضى، لإنقاذ سوريا وجيرانها من تدخلات أجنبية لم نحصد منها غير الويلات، وذلك بالإسراع إلى تنفيس الغضب وفتح طاقات الأكسجين التي يطالب بها الناس.

سئل وزير خارجية سوريا وليد المعلم: هل سيستفيد لبنان من الأزمة في سوريا؟ فأجاب دون تردد: «قطعا لا». وهو محق في ذلك، لكنه في الوقت نفسه، بدا أبعد ما يكون عن الواقع حين عبر عن اطمئنانه من أن تدويل المسألة السورية لن يبلغ حد الخطر. وهو ما يجافي كل المعطيات. فسريعا انزلقت ليبيا إلى حرب لا هوادة فيها، وبات حلف الناتو شريكا قصريا للثوار، فيما ينزلق اليمن صوب حرب أهلية، رغم صبر اليمنيين ورباطة جأشهم التي أذهلت المتابعين. نعم سوريا ليست ليبيا أو اليمن، لكنها أكثر إغراء للتدخل والعبث والتلاعب بأمنها والتحكم في المفاتيح الحساسة التي تملكها، وهي كثيرة ومثيرة.

قد يفلح النظام في إسكات المعارضين بالقوة والقمع، قد يتمكن من كم أفواه المثرثرين على الفضائيات، لكن سوريا تغيرت وإلى الأبد. سوريا اليوم ليست تلك التي كنا نعرفها منذ أشهر، مستكينة في خمول. ناسها يقولون كلمات لم نكن نسمعها من قبل، يتحدثون عن أن موتهم وعذابهم واقع، سواء تكلموا أم صمتوا، لذا فالسكوت لم يعد ينفع. يشتكون من مظالم تغاضوا عنها لسنوات وما عادوا يطيقون صبرا. يعدون موتاهم ويروون أن أشباحهم ستبقى تطاردهم إن لم يحققوا لهم ما قضوا من أجله. ما الذي ينتظر سوريا؟ ما الذي ينتظر لبنان؟ أين سيصب كل هذا الجحيم الهادر؟ هل يدرك النظام حجم المسؤولية التي يتحملها اليوم، بينما مواطنوه يغرقون في مزيد من التباغض؟ وما الذي سيجنيه لبنان إن أفلتت سوريا من عقالها؟ ليس في الأفق غير الفوضى الدموية إن لم تذهب سوريا بسرعة صوب الحرية.

==================

افتقارها للقيادة السياسية والميدانية هو مشكلة «الثورة السورية»

صالح القلاب

الشرق الاوسط

26-5-2011

ثبت بعد أكثر من سبعين يوما أن «الثورة السورية» قد انفجرت عفويا وتلقائيا، تأثرا بما جرى في تونس ومصر وليبيا واليمن، وأنه لم تكن هناك خطة مسبقة، لا داخلية ولا خارجية، وأن كل هذه الأحداث التي بدأت في درعا في الجنوب ثم عمت البلاد من دير الزور والقامشلي في الشرق، حتى اللاذقية وجبلة وبانياس وطرطوس في الغرب، كانت بلا قيادة مركزية واحدة، ولم يكن خلفها لا تنظيم بمفرده ولا تحالف من عدد من التنظيمات التي هي في معظمها وهمية وليس لها أي امتداد فعلي في القاعدة الشعبية العريضة.

كانت هناك بلا أدنى مشاركة من قبل حزب الاتحاد الاشتراكي (الناصري) الذي كان قد أسسه البعثي القديم جمال الأتاسي الذي كانت ابنته قد اعتقلت عشية انطلاق موجة الاحتجاجات وكانت هناك مشاركات متواضعة من قبل أحزاب وتنظيمات صغيرة أخرى، وحتى الإخوان المسلمون، الذين كانوا قد تعرضوا لحملات تدمير واقتلاع على مدى ال 40 سنة الماضية وتعرضوا لمذابح كثيرة أشدها عنفا مذبحة حماه في عام 1982، فإنهم التحقوا بهذه الحركة الشعبية متأخرين جدا، وذلك لاعتبارات كثيرة، ربما من بينها أنهم تلقوا نصائح من «إخوانهم» في مصر بأن عليهم التريث والانتظار حتى لا يتم الانفراد بهم على غرار ما حدث في بدايات عقد ثمانينات القرن الماضي.

لذلك، ولهذا كله، فإن حركة الاحتجاجات مع أنها بدأت بدرعا ثم ما لبثت أن عمت المناطق السورية كلها، فإنها بقيت عفوية وإنه لم يتوافر لها التوجيه القيادي المركزي ولم تتوافر لها التغطية الإعلامية الكافية، مما جعلها غير ضاغطة بما فيه الكفاية على الرأي العام العربي وعلى الرأي العام العالمي وجعل التحرك الأميركي والأوروبي يأتي متأخرا ومتواضعا إلى أبعد الحدود، قياسا بما كان قد جرى بالنسبة لمصر؛ حيث بقي الرئيس باراك أوباما يحرص على الظهور يوميا ليدلي بتصريحات ساخنة جدا طالب فيها الرئيس السابق حسني مبارك ب «التنحي فوريا ومن دون تباطؤ».

لو أنه كانت لثورة الاحتجاجات في سوريا قيادة مركزية واحدة لكان التنسيق الميداني أكثر جدوى وأكثر انضباطا، ولما كان هناك هذا الارتباك كله الذي ظهر أكثر من مرة، ولانكشفت كذبة «العصابات المسلحة» مبكرا، ولما انطلت هذه الكذبة على بعض السوريين وبعض العرب، ولجرت الأمور بصورة تصاعدية، ولكانت قد ظهرت في الجيش السوري انشقاقات فعلية ومؤثرة، ولما بقيت المدينتان الرئيسيتان، العاصمة دمشق وحلب، خارج دائرة هذا الذي جرى كله، ولكانت هناك خطة إعلامية تجري متابعتها من قبل أجهزة متخصصة مع وسائل الإعلام العربية والعالمية كلها.

وحقيقة أن هناك عوامل من بينها هذا العامل، الذي هو القيادة المركزية الموحدة، قد جعلت النظام يرتكب هذه الجرائم التي ارتكبها كلها بعيدا عن الأضواء وبعيدا عن الشهود، واللافت للنظر أنه حتى منع مؤسسات حقوق الإنسان الدولية التابعة للأمم المتحدة من الوصول إلى المدن والمناطق المنكوبة، وفي مقدمتها درعا، ولم يحظ بأي ردود فعل عالمية جدية، وأن حتى اكتشاف المقابر الجماعية لم يواجه بالاستنكار والشجب المطلوبين، على غرار ما كان يحدث ردا على أحداث مماثلة كانت قد وقعت في دول عربية أخرى وفي بعض الدول الأفريقية.

لم تستطع المعارضة السورية الخارجية أن تسير أي مظاهرة حقيقية ضد أي سفارة من سفارات سوريا في العواصم الأوروبية والعواصم الغربية بصورة عامة، ولم يحدث أي انشقاق لأي دبلوماسي سوري من العاملين في الخارج على غرار ما حدث في ليبيا، ويقينا لو أنه توافر لهذه الاحتجاجات قيادة مركزية لديها علاقات متينة مع القوى والتنظيمات العربية والعالمية لاستطاعت هذه الثورة الشعبية أن تفرض نفسها على الشارع العربي وعلى الرأي العام العالمي، ولكانت هناك حملات مؤازرة ودعم منظمة ومتواصلة، ولما استطاع النظام أن يستفرد بالثائرين هذا الاستفراد كله ويبطش بهم بهذا العنف كله وهذه القسوة كلها وبعيدا عن الأضواء.

لكن، ومع ذلك، فمن المفترض أن هذه الثورة قد استطاعت خلال أكثر من سبعين يوما، منذ بدء انطلاقها من درعا في جنوب البلاد، أن تفرز قيادتها السياسية والميدانية، وأن تفوت على النظام أن يلعب لعبة «اختراع» قيادات معارضة لإيهام العالم أنه ينخرط في عملية إصلاح حقيقية وأن هناك حوارا فعليا مع رموز الحركة الاحتجاجية السلمية الرافضة للعنف التي لا صلة لها بما يسمى «عصابات الإرهاب» التي يجري تحريكها من الخارج من قبل دول تستهدف «ممانعة» سوريا.

في الأحوال كلها، ومع أن النجاحات لم تأتِ بالمستوى الذي كان يجب أن يترتب على هذه التضحيات الجسام العظيمة كلها فإن ما هو ثابت ولا نقاش فيه أنه لا عودة لما كان عليه الوضع قبل انفجار هذه الثورة الشعبية، فمعادلة أنه إن لم يبادر النظام إلى التغيير الإرادي فإنه سيجري تغييره هو نفسه وبالقوة، لا تزال قائمة، فعجلة الإصلاح مستمرة في الدوران في المنطقة كلها، وأنظمة الحزب الواحد والقائد مبعوث العناية الإلهية لم تعد مقبولة، وحركة التاريخ لن تتوقف، والشعب السوري العظيم لن يسكت على الظلم حتى وإن طال مدى هذا الظلم.

قبل أيام أطلق وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه تصريحا قال فيه: إن العنف لا يمكن أن يضمن الاستقرار، وإن الديمقراطية هي التي تؤدي إلى الهدوء، وحقيقةً فإن الإفراط في البطش سيزيد الشعب السوري إصرارا على تحقيق بعض أهدافه، إن لم تكن كلها، فتجربة حماه عام 1982 لن تتكرر، ولأن حالة الغليان في المنطقة مستمرة ومتواصلة فإن جذور الاحتجاجات التي بدأت في درعا في 15 مارس (آذار) عام 1982 سوف تبقى متقدة وهي ستتجدد حتما حتى إن تراجعت بعض الشيء، وهذا يجب أن يعرفه الرئيس السوري بشار الأسد؛ إذ «ليس في كل مرة تسلم الجرة».

ثم، وحتى إن هدأت هذه الموجة وتوقفت تحت قسوة الإفراط في العنف والقمع وتحت سطوة الاستفراد، فإنه لا بد من أن تترك أعراضا جانبية، فالمعروف أن الجريح لا يصحو على ما أصابه إلا بعد أن يبرد الجرح، ويقينا أن ما جرى ستترتب عليه تحولات كبيرة وسيكون بمثابة الشرارة التي ستلهب الحقل كله، وهنا وقد وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه فإنه على الذين يمسكون بالسلطة في دمشق بأسنانهم وأظافرهم أن يدركوا أن كل ما يقومون به من معالجات تسكينية وتخديرية لن يفيد، وأن كل هذا الضغط الذي مورس والذي يمارس على الشعب السوري سيؤدي إلى انفجارات زلزالية وفي المدى القريب.

العرب يقولون: «لا ينام الثأر في صدري وإن طال مداه».. ولقد كان على الرئيس بشار الأسد أن يدرك أن العنف لن يولد إلا عنفا أشد منه، وأن الدماء عندما تجري على هذا النحو فإنها ستؤدي إلى المزيد من أنهار الدماء، وأن عليه، وإن كان هذا قد أصبح صعبا، أن يتدارك الأمور قبل أن تصل إلى نقطة اللاعودة وقبل أن تكبر كثيرا كرة الغضب المتدحرجة في اتجاه القصر الرئاسي من فوق جبل قاسيون الذي تغنى به شعراء البعث بعد مارس 1963 مباشرة:

من قاسيون أطل يا وطني

لأرى دمشق تعانق السحبا

ودمشق ستعانق السحب بالتأكيد، والأيام مقبلة وسنرى.. ويأتيك بالأخبار من لم تزود.

========================

السوريون يتحولون إلى شعب من المصورين والمراسلين.. ويرمون إعلامهم الرسمي في سلة المهملات!

محمد منصور

مداد القلم 26/5/2011

يبدو أن السوريين اليوم، يكتبون ملحمة تحرر جديدة من نوع فريد سيخلده التاريخ من دون شك. ملحمة ليست مليئة بالدم والدموع وحصار المدن وقصف الدبابات والمدرعات والموت تحت التعذيب في أقبية المخابرات وحسب، لكنها مستهدفة أيضاً بالتعتيم الإعلامي، وبميليشات إعلامية رسمية تتحول كاميراتها ومايكروفوناتها وكلمات مذيعيها وندوات استوديوهاتها ونشرات أخبارها، إلى حالة من التشبيح الأمني الذي لا يطالب مشاهديه بأي ذرة احترام، وهو يحرف الحقائق، ويفبرك الافتراءات، ويخون الشرفاء، ويمثل بجثث الشهداء، ويقتل القتيل ويمشي بجنازته، ويبارك عمليات القتل باعتبارها أعلى درجات الوطنية، ويصورها بوصفها أسمى حالات الحرص على الوطن.. والتضحية من أجل الوطن!

لم يحدث في أي بقعة من العالم أن قام نظام يواجه حملة احتجاجات شعبية، ويقوم بقمعها بعنف مفرط أو غير مفرط، بمنع حتى إعلامه الرسمي من تصوير أماكن الحدث..

لم يحدث أن طردت كل وسائل الإعلام، وأغلقت المناطق، وعلقت التصاريح، ومنع المراسلون المعتمدون من دخول المناطق التي يفترض أن تدخلها الكاميرات كي تنقل ما تيسير لها من حقيقة تحت إشراف السلطات الممسكة بزمام الأمور نفسها.

حتى في حرب أفغانستان.. وفي حرب احتلال العراق، وأثناء عملية السور الواقي وعناقيد الغضب وحصار جنين، وحرب تموز وحصار غزة، كان هناك إعلام يطمئن العالم إلى أن الجرائم إن حدثت لن تحدث وسط الصمت المطبق، والسيطرة المطلقة للجلاد على أصوات الضحايا وأنين الجوعى والمحاصرين.

وحتى في تونس وفي مصر وفي ليبيا كان هناك إعلام ومراسلون.. فأي شريعة غاب تحكم حق السوريين في المعرفة وفي نقل الصوت والصورة والألم وصرخات الاستغاثة، وأي مروءة إعلامية يمكن أن تشعر السوريين بأنهم لم يتركوا لقدرهم ومصيرهم كي يواجهوا نظاماً ضرب بعرض الحائط أبسط معايير التغطية الإعلامية، وراح يتحدث على هواه عن عصابات مسلحة وإمارات سلفية، ويصور ما يشاء من اعترافات تلفزيونية ليس لها أي قيمة قانونية في أي محكمة وأمام أي قضاء، وراح يصادر ما يشاء من كميات الأسلحة أمام كاميرات تلفزيونه، وترك العنان لأبواقه كي تخترع ما تشاء من روايات عن وزراء دفاع في إمارات سلفية، وعن أمراء كانوا يتأهبون للهرب على متن طائراتهم الحوامة، وعن كوماندوز إسرائيلي أخرج نائب تيار المستقبل عقاب صقر من بانياس في وقت سابق، وعن القبض على ضباط استخبارات عرب وإسرائيليين.. وعن حبوب هلوسة ضبطت وعلى أكياسها شعار قناة الجزيرة.. من دون أن يفكر بتقديم أي دليل جدي يقنع الأصدقاء قبل الأعداء بما يهذي به؟

سخر السوريون من سَفَه وجرائم إعلامهم.. ووجدوا أنفسهم وحيدين في الساحة، فقرروا أن يبدعوا ملحمة كسر التعتيم الإعلامي بشجاعة وذكاء قلبت تلك المعادلة الظالمة رأساً على عقب. رموا كل وسائل الإعلام الرسمية والحليفة في سلة المهملات، أسقطوها من حسابهم ووجدانهم.. وصنعوا لأنفسهم وسائل إعلام تواكب ملحمتهم الكبرى، التي لم تكن في أي لحظة من اللحظات مجرد مباراة ودية أو نزهة..

صار المتظاهرون المحتجون هم المراسلون وهم المصورون وهم الشهود في اللحظة التي كانوا يستشهدون فيها أيضاً. استخدموا كاميرات هواتفهم النقالة التي طالما ابتزهم السيد رامي مخلوف بها، وسرق من جيوبهم على مدار سنوات أغلى أثمان هذه الخدمة وأكثرها ارتفاعاً عالمياً، ليجعلوا منها أدوات نقل الحقيقة التي عتم عليها إعلامهم وقلبها من النقيض إلى النقيض. وعلى شبكة الانترنت، أسس مجموعة من الشباب السوريين على موقع التواصل الاجتماعي شبكة أخبار حملت اسم (شام) استطاعت بإمكانات بسيطة وعلى صفحة فيسبوك مجانية، أن تهزم ترسانة إعلامية من قنوات التلفزيون السوري والفضائية السورية والإخبارية السورية، التي تصرف عليها مليارات الليرات.. فنقلت الخبر أولا بأول، والصور والفيديوهات حدثاً بحدث، وشهيداً بشهيد، وحصارأ بحصار، ومجزرة بمجزرة.. وفنّدت أكاذيب الإعلام السوري أكذوبة أكذوبة.. حتى صار شعار هذه الشبكة يظهر على شاشات كبرى المحطات التلفزيونية يومياً عشرات المرات، لينافس أشهر وكالات الأنباء العالمية، ولتصبح هذه الشبكة مصدراً للخبر المصور تعتمده المحطات عبر تحميل الصور التي تنشرها شبكة (شام) على صفحتها يومياً، معتمدة معايير بسيطة وواضحة لتحديد تاريخ الخبر ومكان التقاط الصور، عبر معرفتها الشاملة بالجغرافيا المحلية.

وشبكة (شام) ليست استثناء، فقد أبدع السوريون آلاف الصفحات على شبكة الانترنت كي يخوضوا معركة الحياة أو الموت التي يواجهونها.. ففي كل مظاهرة، وفي كل شارع، وكل زاوية ومن على شرفة كل بيت، ووراء ستار كل نافذة، ثمة عين ترى الجريمة، وكاميرا موبايل تصور، وثمة صور تحرج هذا الإعلام الرسمي الذي خرج مجموعة من السوريين في منطقة برزة بدمشق، ليقولوا رأيهم الحقيقي فيه، فشكلوا فرقة عراضة شامية لشتم هذا الإعلام، وقول رأيهم الصريح في أبواقه، وقاموا بتصويرها في فيديو بدا أشبه بندوة شعبية لتقييم هذا الإعلام الذي ما زال يصر على ألا يستضيف في استوديوهاته إلا من يمدح جرائمه الموصوفة باعتبارها واجباً وطنياً يرفع الرأس، ومن يتهدج صوته حتى البكاء من فرط تصديقه لرواية العصابات المسلحة والإمارات السلفية.

وهكذا استطاع السوريون وهم على مقربة من رصاص القتل أن يكونوا الشهداء والشهود، وتمكنوا من أن يمدوا المحطات التلفزيونية بالصور الحقيقية التي تبقي قضيتهم في دائرة الحدث والضوء والمتابعة اليومية.. وكثير منهم اعتقلوا وعذبوا أو قتلوا في الشوارع لأنهم ضبطوا وهم يصورون ما يجري.. فالصورة ليست لقطة تذكارية لسائح عابر، لكنها صرخة الألم التي تنطلق من صدور أبناء البلد، وهتاف الحق ضد التعتيم الإعلامي الذي باستطاعته فيما لو تمكن أن يمنع تدفق الصور، أن ينكر طلوع الشمس في وضح النهار من دون أن يرف له جفن.

وفي موازاة ذلك.. انطلق العديد من الشباب السوريين كي يبدعوا أفلاماً وثائقية قصيرة، وكي ينجزوا "سلوغات" ساخرة تكمل خطابهم الإعلامي الخاص.. فصنعوا أفلاماً عن شهداء، وأنجزوا تقارير إخبارية عن ظواهر القمع، وصاغوا من تلك الصور أعمالا فنية تعبر عن الحقيقة وتفضح الزيف، وأنجزوا العديد من الأعمال البصرية التي فندوا فيها كذب الإعلام السوري، أو بعض الفيديوهات المفبركة التي تنجزها جهات أمنية وشركات فنية تابعة لمتنفذين، وتنشر على موقع اليوتيوب لخلط الحابل بالنابل وتشويه سمعة الثورة.. الأمر الذي دفع الجهات التي نشرتها إلى رفعها وحذفها بعد انكشاف حقيقتها.

أجل إنها ملحمة من نوع فريد، يبدع فيها السوريون إعلام الحقيقة بأدوات بسيطة وشجاعة نادرة، وفكر وثاب، وروح حرة عظيمة.. روح تقول للعالم كله:

انظروا نحن لسنا الشعب الذي يهتف ويصفق وينحني ويخرج في مسيرات تأييد كالقطيع..

ونحن لسنا الشعب الذي عدل نوابه الدستور في أقل من ربع ساعة قبل أحد عشر عاماً..

ونحن لسنا الشعب الذي يقول للسيد الرئيس: (مطرح ما بتدعس وتدوس.. نحنا بنوطي ونبوس)..

ونحن لسنا الشعب الذي يريد قائداً إلى الأبد خارج كل أعراف الحكم والسياسة والتداول السلمي للسلطة.

إننا هؤلاء الذين ينزلون إلى الشوارع بصدور عارية، والذين لم تستخدم السلطات ضدهم حتى اليوم أي رصاص مطاطي لأنها لا ترى أي حرج في استخدام الرصاص الحي..

ونحن الشعب الذي يعتقل الآلاف من أبنائه كل أسبوع، ويقضي أبناؤه شهداء تحت تعذيب وحشي..

نحن الشعب الذي لا مستشفيات لجرحاه، لأن مستشفياتنا صارت معتقلات، وسيارات الإسعاف تنقل بعض الجرحى إلى فروع التحقيق فوراً..

ونحن الشعب الذي لا حصة له في إعلامه..

ومع ذلك فكل هذا لم يفت من عزيمتنا، ولم يرهبنا، إننا شعب نستحق الحياة، ونستحق أرقى أشكال الحياة: حياة العزة والكرامة والكبرياء.

نشرة أخبار الحياة الطبيعية!..

في يوم (جمعة الحرائر) وبينما كانت كل المحطات الفضائية تعرض صور المظاهرات التي خرجت في أكثر من عشرين مدينة وبلدة، بما فيها محافظات كبرى كدمشق وحمص وحماة، كانت نشرة الأخبار في الفضائية السورية وعلى مدى ما يقرب من ساعة كاملة، تنقل صوراً لشوارع فارغة إلا من بعض المارة، وكانت تؤكد أن الحياة تجري بشكل اعتيادي لا أثر فيه لأي دعاية مغرضة، وكان جميع من أجرى التلفزيون لقاءات معهم في نشرته التاريخية يؤكدون في جوقة موحدة وعلى لسان واحد: "ما في شي أبداً... الحياة طبيعية جداً".

لا يفهم المرء الخبر فإذا كانت الحياة طبيعية جداً والشوارع شبه فارغة، والناس لا هم لهم إلا التسوق وشراء الخضراوات والفواكه والخروج للنزهات، فأين هو الخبر.. بل لماذا تكون هناك نشرة أخبار بالأساس؟ وإذا كان الخبر ليس فيه خبر في نشرة أخبار التلفزيون السوري، فإن الحوار ليس فيه أي معنى من معاني الحوار أيضاً.. ذلك أن التلفزيون السوري ما زال مصرا على مواكبة الأزمة بحوارات يتفق فيها المتحاورون على كل شيء منذ أول سؤال. المفردات نفسها بين السائل والمجيب، الرؤية ذاتها، حمى تكذيب الحقيقة ذاته، الخلط الفاجر بين بقاء الوطن وبقاء النظام ذاته.. بحيث أن أحداً لا يجرؤ على أن يسأل نفسه: إذا حدث مكروه للنظام هل ستزول سورية من على الخارطة؟!

لقد رحل حسني الزعيم وشكري القوتلي وهاشم الأتاسي وأديب الشيشكلي.. و.. و... لكن سورية بقيت، لم تذب من على الخارطة، ولم تتبخر تحت الشمس.. ولم يرم أبناؤها أنفسهم في البحر.. فلماذا هذا النظام فقط هو الذي سيحمي سورية من الزوال؟

===========================

أين بيروت من دمشق؟

الياس خوري

القدس العربي 23/5/2011

لم أر بيروت حزينة كما اليوم.

لم أرها عاجزة عن الكلام، وغارقة في الخجل مثلما هي اليوم.

حتى عندما كانت تحت القصف والخوف، لم تكن بيروت خائفة كخوفها اليوم.

لا، هذه ليست بيروت.

هذه مدينة لا تشبه بيروت، مدينة تختنق فيها الكلمات ولا تجد فيها الحرية زاوية تلتجىء اليها.

هذه مدينة مخجلة ومتواطئة مع القاتل.

بيروت تعرف ان الصمت مشاركة في الجريمة، ومع ذلك تصمت.

في الشام يقتل شعب بالرصاص وتداس وجوه الناس بالأحذية، في الشام شعب كامل ينتفض لكرامته وحريته وحقه في الحياة.

والشام ليست بعيدة عن بيروت، ولكن بيروت تبتعد عن نفسها.

صحافتها نصف صامتة، واعلامها اخرس، واذا تكلمت فالخجل يتكلم من خلالها وليس الحرية.

ساحاتها خالية، واذا جرؤ بعض الشبان والشابات على تنظيم اعتصام صغير صامت، كي يضيئوا الشموع تحية لأرواح الشهداء في سورية، يأتي شبيحة النظام الأمني المشترك ويدوسون الشموع، ويزأرون بهتافات تمجد الديكتاتور.

مثقفوها يدارون خجلهم وصمتهم متعللين بالظروف، وان حكى بعض الشجعان فيهم، فان كلامه لا يبرىء الصمت من صمته.

هذه ليست بيروت.

اما السياسيون فيتصرفون كرجال المافيا. يتغرغرون بكلام سمج عن عدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية، بينما يعرقل رجال الأمن قدوم اللاجئين السوريين الهاربين من المذبحة.

الأمن الموازي يهدد السوريين في لبنان، ويتم احصاء النازحين، وتوجه الاهانة الى من اثبت انه شعب على استعداد للموت كي لا يهان.

لن اتحدث عن ابطال 'الممانعة'، لن اسأل المقاومين كيف يغمضون عيونهم. فأنا اعرف ان الطائفية لا تغلق عيون اللبنانيين فقط بل تحولهم الى عنصريين.

كل طائفي عنصري، وكل بنية طائفية هي شكل عنصري.

لن اسأل زعماء الطوائف عن صمتهم، فالأفضل ان يصمتوا، بعدما استمعنا الى ما قالوه عبر فضيحة وثائق ويكيليكس.

والطائفيون يكررون اليوم خطيئتهم الأصلية.

حلفاء النظام السوري مخطئون في حماستهم لنظام يترنح، لأنهم يخافون من ان يكون سقوطه مقدمة لاسقاط هيمنتهم السياسية التي هي الاسم الآخر لفسادهم ونهبهم.

واعداء النظام السوري مخطئون في انتظاريتهم، لأنهم ينتظرون اشارة لم تأت من سيدهم السعودي، وهم متخوفون من اللا قرار الامريكي حول مصير النظام، ومن التعاطف الاسرائيلي مع نظام شرح لنا المليونير رامي مخلوف معانيه.

كل هذه الحثالة من السياسيين تتلوث اليوم بعار الصمت والتواطؤ.

الشعب السوري في انتفاضته البطولية المجيدة، في صبره وتفانيه وشجاعته، يعلن فضيحة مزدوجة: فضيحة النظام السوري بالقمع الوحشي والدم المراق، وفضيحة النظام اللبناني بالجبن والسفاهة.

نستطيع ان نحلل اسباب هذا الصمت المتذاكي، او اسباب الدعم المتغابي للنظام السوري، كما نستطيع ان نفهم ان لبنان الذي استطاعت الطوائف اجهاض استقلاله وتحجيم مقاومته وتصغيرها، بات عاجزا ومشلولا وفاقد الارادة.

لكنني لا استطيع ان افهم لماذا تنتحر بيروت بالصمت.

المدينة التي قاومت الغزاة الاسرائيليين واحتملت القصف والجوع والحصار، تبدو اليوم خائفة من مجموعة من الزعران والبلطجية الذين يصادرون صوتها.

شارع الحمرا، الذي كان عنوانا ثقافياً للحرية تستولي عليه مجموعة من الفاشيين الذين يروعون الناس بأسلحتهم الجاهزة للاستعمال.

هذه البيروت ليست بيروتنا،

وهذه الصورة الخانعة لثقافة الصمت ليست ثقافتنا،

وهذه اللامبالاة الذليلة ليست لا مبالاتنا.

لا اعرف كيف اداري خجلي من نفسي ومنكم ايها الناس.

السوريون والسوريات يواجهون القمع بالموت، اما بيروت التي استقالت من نفسها، وصارت مجرد زواريب للطائفيين والفاشيين فانها تموت من دون ان تواجه، تنتحر ويُنحر صوتها على مذبح الخوف والمهانة.

لا اعرف كيف انهي هذا المقال، فلقد بدأت في كتابته كرسالة اعتذار من بيروت الى دمشق، وكوعد بأن لقاء الحرية لا بد وان يجمع المدينتين اللتين عانتا كثيرا من القمع والترهيب.

كنت اريد ان استعيد صوت سمير قصير الذي كان اول من زرع ياسمين الحرية في الشام، وروى بدمه ربيع العرب قبل ان يبدأ.

لكنني عاجز عن الكلام.

اشعر بالعار والعجز، واحس ان صوتي يختنق، وان بيروت التي كتبتها وكتبتني تتلاشى امام عيني، وانا ارى كيف تغرق المدينة في الخوف وتفترسها اللامبالاة.

لكن رغم القمع والخوف فان لا شيء يستطيع ان يمحو واقعا مشتركا تعيشه المدينتان المسورتان بالتخويف.

سوف يفي الوعد بوعوده، وسيحملنا الحلم صوب الشام وفلسطين.

اما مرحلة هيمنة الخوف فستنطوي كذاكرة لا نريد لها ان تعود.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ