ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 22/05/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

من يحكم سوريا؟

عبدالرحمن الراشد

الشرق الاوسط

21-5-2011

كم من مرة دار هذا السؤال؟ منذ أن أصبح بشار الأسد رئيسا والأسئلة المتشككة تبحث عن أدلة على من هو الحاكم الفعلي في هذا البلد المنغلق سياسيا.. على مدى سنوات يتساءل كثيرون إن كان بشار حاكما فعليا أم أنه واجهة لفرد أو جماعة في النظام. ربما الحاكم الحقيقي هو أخوه صاحب السمعة السيئة ماهر، أو أحد رؤساء المخابرات التسعة، مثل آصف شوكت الذي أزيح ورقي صوريا إلى نائب رئيس أركان ولا يزال خارج السلطة الضيقة.

والذين روجوا لفرضية الرئيس الواجهة «بشار لا يحكم» فريقان، الذي يحبه ويعتقد أن هذا الرجل «المتحضر» والمعتدل في لغته وصاحب التاريخ النظيف، لا يمكن أن يكون طرفا في أي من القضايا القذرة التي تتهم بها سوريا من اغتيال الحريري إلى قتل مئات المتظاهرين العزل. وفريق يقدح فيه، يروج منذ البداية أن بشار ليس إلا واجهة لآخرين يديرون البلد.

الحقيقة أننا لا ندري إلا ما نرى، وهناك كثير من الأدلة تؤكد أنه الرئيس الحقيقي وصاحب القرار الأخير، منذ توليه الرئاسة. أيضا توجد أدلة تشير إلى وجود سلطة أخرى داخل النظام. ففي مطلع الأزمة السورية الحالية، قبل أن تكبر، ظهر خبر على وكالة الأنباء الرسمية عن عفو رئاسي عن المحتجين وتضمن تعليقا من وزير الداخلية، إلا أن الخبر اختفى من نشرة الوكالة بعد ثلاث ساعات. وبعد أن اندلعت مظاهرات بلدة درعا وتحولت إلى حدث دولي ينذر بالخطر سربت مصادر رسمية قبيل خطاب الأسد بأربعة أيام جملة قرارات سيعلن عنها الرئيس، من بينها إنهاء احتكار حزب البعث وتشكيل لجان لاتخاذ قرارات إصلاحية والعفو عن المساجين السياسيين وغيرها. وتجرأ على التصريح بهذه التنبؤات مسؤولون في الدولة، لكن.. خطب الرئيس ولم يعلن شيئا مهما مما وعد به الشعب السوري. وحتى بعد صدور إعلان بإنهاء العمل بقانون الطوارئ دخلت الدبابات المدن لمواجهة الاحتجاجات السلمية. عم الاستغراب لأن العادة أن لا يرفع النظام توقعات الناس، ولا يعقل أن يرفع حالة طوارئ قديمة ويستعين بدبابات في مواجهة متظاهرين. ثم شاعت أنباء أنه سيعلن الإصلاحات في كلمة الحكومة الجديدة، وعقدت الجلسة لكن بلا كلمة ولا مفاجآت. ومرت أسابيع دامية بلا مفاجآت رئاسية، مجرد إشاعات، وانتقلت الحرائق من درعا إلى اللاذقية ومرت بكل الضواحي والمدن الرئيسية حتى وصلت النار إلى العاصمة دمشق.

فهل فعلا بشار عاجز عن اتخاذ القرارات الإصلاحية أم أن هناك رئيسا آخر؟ من المؤكد أننا سنسمعه لاحقا يعلن العفو عن المساجين، وقرارات إصلاحية كبيرة، وتحميل أطراف في داخل النظام مسؤولية الأخطاء، وسيكون الوقت حينها متأخرا، فما الفائدة من تضميد الجراح بعد مئات القتلى؟ بشار هو المسؤول أمام شعبه بغض النظر عن وجود قوى تحول دون اتخاذه قرارات. وبعد نحو ثلاثة أشهر من الانتفاضة السورية لم يعد هناك من شك في أن الحل الأمني فشل فشلا ذريعا، وأن الصمت السياسي ألحق أضرارا أفدح بالنظام الذي أصبح لا يدري من يطارد وعلى أي حدود وتحت أي عذر، وإلى متى. الآن على الرئيس الحقيقي أن يظهر، ويفعل شيئا ينقذ به نظامه ونفسه.

===================

والآن... جاء دور «الجوزة الصلبة» سورية!

السبت, 21 مايو 2011

سليم نصّار *

الحياة

منذ شهرين تقريباً، باشر المتظاهرون في سورية تحدياتهم من أجل كسر «الجوزة الصلبة».

وكان هنري كيسنجر أول من أطلق هذا الوصف على سورية، كونها أتعبته بمواقفها المتصلبة أثناء المحادثات التي أجراها مع الرئيس حافظ الأسد، بدءاً من 15 كانون الأول (ديسمبر) 1973 حتى 29 أيار (مايو) 1974. وقد استغرقت تلك المحادثات المتقطعة 130 ساعة من النقاش المضني خلال 13 جلسة اختتمت بحضور الرئيس ريتشارد نيكسون.

وفي الحديث الذي أجريته مع نيكسون عقب استقالته من الرئاسة بسبب فضيحة «ووترغيت»، لمح إلى دور وزير خارجيته كيسنجر في نسف التقدم الذي أحرزه مع الأسد. وقال إن الرئيس السوري وافق على قبول القرارين 242 و338 مشترطاً انسحاب إسرائيل إلى حدود ما قبل حرب 1967 وتنفيذ كامل الحقوق الفلسطينية. وبما أن هذا الحل لم يكن ملائماً لإسرائيل، لذلك تولى كيسنجر مهمة تخريب عملية المتابعة بواسطة الصحافيين بوب وودوارد وكارل بيرنستين.

بعد مرور 37 سنة تقريباً على ذلك التعهد الأميركي، ظلت سياسة سورية الخارجية تتأرجح في علاقاتها الدولية بين واشنطن وموسكو. وقد احتفظت بتعاطيها المتوازن عقب تفكك المنظومة الاشتراكية وانهيار الاتحاد السوفياتي. لذلك جرى تصنيفها كدولة معارضة للنظام العالمي القائم مثل كوبا وكوريا الشمالية. وقد اضطر الوريث بشار الأسد إلى المحافظة على هذا الخط السياسي الجامد، الأمر الذي عمق تحالفه مع إيران وفنزويلا، ومع انه يعرف جيداً أهمية الدور الأميركي في صنع سلام الشرق الأوسط، إلا أنه حاول إعطاء أوروبا وتركيا والبرازيل هامشاً واسعاً من حرية التعاطي مع شؤون المنطقة.

وقبل وصول بنيامين نتانياهو إلى الحكم، كادت الوساطة التركية تصل مع سلفه ايهود أولمرت إلى تجديد المفاوضات المباشرة بين إسرائيل وسورية. ويبدو أن ظروف تلك المرحلة لم تكن تسمح لرئيس وزراء إسرائيل بإعلان تعهده الانسحاب الكامل من الجولان. خصوصاً أن بشار الأسد حرص على وضع هذا المبدأ كشرط مسبق لأي خطوة تفاوضية. ثم تبين لاحقاً أن دمشق هي الأخرى غير مستعدة للتخلي عن المعسكر المتطرف الذي يخدم وضعها الداخلي. لذلك أيدت في قمة بيروت 2002 مبادرة السلام العربية... ثم تراجعت عن هذا الموقف بعد الاعتداء على غزة. وهكذا استمرت في إحياء هذه اللعبة المزدوجة إلى أن أدركها «التسونامي» الذي ضرب العالم العربي.

يستدل من التصريح الذي أدلى به الرئيس بشار الأسد اثر هرب الرئيس التونسي وتنازل الرئيس المصري، انه مقتنع بأن سورية محصنة ضد الزلازل السياسية. وربما تصور أن القائد الممسك بعنان جيش موال واستخبارات قوية، يصعب على الشارع إزاحته عن الكرسي. وفي الحالين، أزاح الشارع الغاضب في تونس ومصر، رئيسين يعتمدان كلياً على الجيش والاستخبارات.

وفي تحليل آخر، يرى بعضهم أن النظام السوري يراهن على أهمية دوره في المنطقة، وعلى تردد واشنطن في معاملته كما عاملت الرئيس الليبي معمر القذافي. أي بتحريض مجلس الأمن على اتخاذ عقوبات عسكرية لحماية المدنيين من اعتداءات القوات النظامية (القرار 1973).

إضافة إلى هذا الرادع، فإن دمشق كانت تراهن أيضاً على صداقة روسيا والصين في مجلس الأمن. وقد لبّت الدولتان الدائمتا العضوية، رغبة سورية في رفض مسودة البيان المقترح من قبل بريطانيا وألمانيا وفرنسا والبرتغال. أي البيان الذي يدعو إلى إدانة السلطات السورية بسبب قمع المعارضة.

وحول هذا الموضوع، أكد نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف، أن الوضع في سورية لا يشكل خطراً على السلام والأمن الدوليين... وأنه لا يجوز اتخاذ قرارات متسرعة قبل وضوح الصورة.

وقد أيدت الصين هذا التوجه على الفور. ويرى المراقبون أن موقف روسيا والصين نابع من اعتبارات سياسية واقتصادية عدة أهمها: أولاً – الخوف من إضاعة صفقات ببلايين الدولارات عقدتها موسكو مع حكومات شرق أوسطية. وهي تخشى من ردود فعل سلبية يقوم بها زعماء جدد ساعدتهم الدول الغربية على الوصول إلى الحكم. ثانياً – إعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط في غياب رؤساء يعتبرون من الأصدقاء التقليديين لروسيا والصين. ومثل هذا التغيير يؤثر على الدور السياسي الذي تقوم به هاتان الدولتان لحل قضية الشرق الأوسط.

الدول الغربية فوجئت يوم الأربعاء الماضي بالموقف المتشدد الذي وقفه الرئيس ديمتري مدفيديف عندما أعلن رفضه استخدام القوة العسكرية ضد السلطات السورية. وهو حالياً يمهد الأجواء لاستضافة وفد من المعارضة الليبية بعدما وافق القذافي على الإذعان لقرارات مجلس الأمن. ويشير هذا التوجه إلى رغبة موسكو في حماية مصالحها بعدما وقعت عقوداً ببلايين الدولارات في مجالات التسلح والطاقة والبنية التحتية.

القيادة الروسية دعمت موقفها المؤيد للسلطة السورية بتحذير الولايات المتحدة من أن قواعدها في تركيا وقبرص والعراق، ستكون هدفاً لصواريخ سورية. وبخلاف القذافي الذي سلّم صواريخه البعيدة المدى مع مخزون السلاح النووي، فإن سورية بقيت محتفظة بأكبر كمية من صواريخ «سكود» مع ما يرافقها من سلاح بيولوجي. وهي في الوقت ذاته تعتمد على ترسانة «حزب الله» الصاروخية إذا اضطرتها الظروف إلى خوض حرب إقليمية.

ولكن التحذيرات الروسية لم تردع الاتحاد الأوروبي من فرض حظر على ثلاثة عشر مسؤولاً بينهم ثلاثة من عائلة الأسد. وقد شملت القائمة رموز النظام من الذين اعتبرتهم فرنسا وبريطانيا وألمانيا متورطين في قمع المتظاهرين. وقد نال رامي مخلوف، ابن خال الأسد ورئيس شركة «سيريتل» للهاتف الجوال، الحصة الكبرى من قرار العقوبات نظراً لضخامة المحفظة الاقتصادية التي يملكها.

ومن المؤكد أن التصريح الملتبس الذي أدلى به مخلوف لصحيفة «نيويورك تايمز»، قد شجع المعارضة السورية على استغلاله للإيحاء بأن إسرائيل لا تريد تغيير النظام القائم لمصلحة نظام سلفي شبيه بالنظام الإيراني. فقد قال حرفياً: «لن يكون هناك استقرار في إسرائيل، إذا لم يكن هناك استقرار في سورية».

وكان من المنطقي أن يسارع سفير سورية في واشنطن عماد مصطفى إلى إعلان تبرؤ الدولة من هذا الكلام لأن مخلوف لا يتولى أي منصب رسمي. ولكن هذا التفسير أو التبرير لم يمنع أصوات المعارضة من إثارة الشكوك حول تصريح يحمل معاني عدة. منهم من قال إن كلام مخلوف يحذر من مخاطر إشعال حرب في المنطقة تنهي الهدوء المخيم على مرتفعات الجولان. ومنهم من قال إن سقوط النظام القائم منذ أكثر من أربعين سنة، سيشجع إيران على إحياء فرص المواجهة المتواصلة ضد إسرائيل بواسطة «حزب الله» و «حماس» والانتفاضة.

والمرجح أن رامي مخلوف كان يحذر إدارة أوباما من التمادي في ممارسة ضغوط سياسية – اقتصادية داعمة لموقف الاتحاد الأوروبي. وأن على إسرائيل التدخل مع واشنطن لمنع تغيير جذري في سورية لن يكون في مصلحة الاستقرار والسلام في المنطقة. خصوصاً بعدما قررت موسكو إحياء الحرب الباردة في الشرق الأوسط.

ومع أن اليونان والبرتغال وقبرص رفضت إدراج اسم الرئيس بشار الأسد في قائمة العقوبات الأوروبية، إلا أن المرسوم الرئاسي الذي أصدره باراك أوباما يوم الأربعاء الماضي، فاجأ حتى الرئيس الفرنسي ساركوزي. وينص المرسوم على فرض عقوبات على الرئيس بشار الأسد ونائبه فاروق الشرع ورئيس الوزراء عادل سفر وأربعة من الوزراء، إضافة إلى اثنين من قادة الحرس الثوري الإيراني بسبب دورهما في قمع الاحتجاجات.

ويُستخلص من هذا التحول الأميركي المفاجئ أن أوباما لم يعد يفرّق بين النظام ورئيسه، وأن الولايات المتحدة ستعلن حرباً سياسية ضد روسيا المدافعة عن الأنظمة العربية الصديقة مثل ليبيا وسورية. وهذا معناه توظيف كل الأسلحة المتاحة لدى سورية، لإرباك النفوذ الأميركي في المنطقة، وتصنيف المحتجين والمتظاهرين في عداد العملاء والمأجورين والمستحقين غضب النظام وقنابله المميتة!

لهذه الأسباب وسواها سيتأثر الوضع الداخلي اللبناني بمجريات الأحداث التي امتدت إلى منطقة عكار ومدينة طرابلس مع مئات الجرحى والمشردين. كما يتأثر الوضع السياسي الذي اعتمد على سورية في حل مشكلة الفراغ الحكومي وتسهيل مهمة نجيب ميقاتي بحسب الوعد الذي أعطاه بشار الأسد. علماً بأن الأحداث الدامية في سورية قد شغلت رئيسها عن كل أمر آخر. وعليه يرى المراقبون أن حكومة ميقاتي – لا فرق أكانت تكنوقراطية أم إنقاذية أم اتحادية – لن تبصر النور في ظل الأجواء السياسية القاتمة، وهذا معناه أن «حزب الله» سيتخذ قراراً جريئاً لحفظ نفوذه ومكاسبه على الأرض، بدلاً من استخدام العماد ميشال عون كواجهة إعلامية لرفع سقف المطالب المتعذرة التنفيذ.

ويعترف زعماء 14 آذار أن فرصة التدخل السوري قد فاتت، وأن دمشق تفضل وضع الورقة اللبنانية على طاولة المفاوضات مع واشنطن، بدلاً من تقديمها مجاناً لتشكيل حكومة يصعب أن تحكم!

* كاتب وصحافي لبناني.

===================

ربيع العرب: الدلالات والآفاق المحتملة

السبت, 21 مايو 2011

نسيم ضاهر *

الحياة     

أبعد من محاولة التعريف السياسي، يطرح الجاري من تحولات تعصف بمجموعة من الدول العربية، حجم ما ينتاب مجتمعاتها التي اختصرت طويلاً بالجماعة/ الرعية المؤتلفة في كنف أبوية مطلقة الصلاحيات تلمّ الشمل وتنير الطريق. ولا ريب أن ظاهرة الحراك الشعبي، ومضامين المسيرات والاعتصامات، معطوفة على تحدِّي منظومة الحكم من أساسها، رموزاً وصنمية وقوالب تحدد الجائز الطيِّع والناقد المندس والمدان، قد اتسمت بصفتين متلازمتين جمعتا جذرية المطالب الواضحة، المتصلة رحمياً بالحرية والكرامة على قابلية التضحية في سبيل الانعتاق كما يستأهله بشر عاديون.

لكن ثمة سؤال لا ينفك يستعاد كلما بلغت موجة التغيير ساحة حاضرة أو اجتاحت ريفاً منسياً ومهملاً ظُنَّ أنه ساكن مُدجَّن، مفاده الجغرافيا البشرية والسياسية، يؤول الى استيطان النزعة التحررية منازل العرب ومضارب سلاطينهم، على فاصل عقود ثلاثة من سائر المعمورة، وحينما دقت ساعة ما بعد الحداثة تجاوزاً للأمس القريب. بل إن ليس هناك من علامة ظاهرة أشّرت الى انطلاق قطار المتغيرات العميقة العابرة الحدود العربية، بالمقارنة مع محطات عبور مثابة دليل حقبات متعاقبة بدأت مع هزيمة الفاشية نهاية الحرب العالمية الثانية مروراً بتصفية الاستعمار وانهيار المعسكر الاشتراكي مطالع التسعينات من القرن الماضي، الى صعود كتلة الدول الناشئة، في موازاة العولمة. فمن حيث لم يكن منتظراً في المكان والزمان، انطلقت الشرارة تونسياً. وعلى مدى الأشهر الماضية انتقلت الشعلة من المغرب الى المشرق، فكان القاسم المشترك للانتفاضات رفض نظم الاستبداد على أشكالها كافة، ونزع الشرعية عنها بتعرية عمادها، ماكينة التسلط والقمع، من كل صفة قانونية ووظيفة تسبغ عليها الاعتبار. الى ذلك، أزال التصميم الشعبي الأقنعة وسواها من حيل التنكر، ومجمِّلات قبائح الطاعنين في دوائر القرار، فكأنما ضربت المعاول ركائز البنيان مقدمة انهيار أركانه وسط غبار كثيف لن ينجلي إلا مُخلِّفاً قوافل القتلى والمصابين وسجناء الرأي والأشلاء.

ولئن شهد العالم بأسره مخلّفات الشمولية المؤيّدة بحلم ضائع غلافه اشتراكي واعد، تعثّر وتقادم فعجز عن مقاومة نزعة الحرية المتمثلة بمساحة الديموقراطية والمجسّدة بقوام المواطن الفرد، من المتوقع قياساً، والحتمي في نهاية المطاف، انهيار العروش في بيئة تفتقد أبسط مقوِّمات التحديث البنيوي ومعالم الانجازات المحققة، خلا التغنِّي بالانتصارات الواهية وحراسة الأوطان في عهدة ولي على قاصر عنوانه مجمل الناس.

في المحصلة، يستحيل إطالة أمد المشتقات ذوات الخواء الإيديولوجي المرجعي المتين، حين هوى الأصل وهو نظرياً صاحب نسب علمي يتكئ على معارف وصيرورة تاريخية مرسومة وحيث حلّ الأمل بعالم جديد خال من الاستغلال. بل إن جمهوريات الصمت المنبثقة عن حركات انقلابية انتحلت كينونة الثورات، لطالما غالت في تشييئ التابع خدمة للمتبوع، وانتهت لزمة أسرية تتولَّى المناصب والمغانم وتراكم الثروات. بذلك سُلب الفرد أغلى رأسماله الحقوقي، وأضحى سلوكه اليومي مرآة لقبول ظاهري طبع العادات والتصرفات، ودُفع الناس من مصاف المؤثّرين النشطاء أصحاب الإرادات الحية، الى رتبة دنيا، رقمية المعطى، وفق تراتبية جامدة سلخت عنهم ملكة الوعي والنهوض بالمسؤولية على غرار الأحرار.

لقد فاتنا جميعاً استقراء تسارع التحولات، ولربما أخفقت المدارس الفكرية، على اختلافها، في مسألة حضور الحداثة ورافعتها الديموقراطية جرّاء المحمول الايجابي القادم من التواصل الكوني وثورة الاتصالات إضافة الى مأزق صيغة الاستبداد وعزلتها عن مفاهيم العصر واستنقاعها الدول المتخلفة عن ركب التقدم والإبداع. فمقاربة السيطرة الغامضة قوامها وفق كتاب الباحثة ليزا ويدين تجاوزات أو انتهاكات عادية لا تهدف بادئاً إلى الإطاحة بالنظام القائم. لكن تجاهل هذه الممارسات، كما أشار جيمس سي سكوت، قد يعني إهمال الظروف الحية التي عبرها تنتج تصرفات جماعية وتدام، فيمكن النضالات اليومية الاعتيادية أن تتطور الى تحديات واعية وعلى نطاق واسع للنظام السياسي. وعليه، يضيف، فإنها تبقى، على رغم ذلك، جزءاً مهماً من التجربة السياسية الاعتيادية. فالنضالات المتشرِّبة محتويات سياسية صريحة موجودة، منبتها الحياة اليومية، وهي تختبئ في الأغاني والقصائد الشعبية والنكات والأعمال الفنية والكاريكاتور والسخرية السياسية بعامة، تحاكي جدلية السيطرة والمقاومة حيث يُسجَّل تقنين السياسة وانعدام التنافس وجمود أو تكلّس هياكل المؤسسات.

يراقب العالم بشغف حكاية التغيير، والأهم، دخول الحركات الشعبية، حيثما نُظِّمت مسيرات واعتصامات سلمية في غلافها الأساس، عنصراً لا يُستدار عليه في رسم معالم الدستورية الديموقراطية، واجتماعها على الخلاص من موروث بطانة عصابية ومصادرة للحريّات الفردية والعامة. وليس المحوري تخمين هوية الطرف أو الأطراف التي ستخرج من صناديق الاقتراع وتمارس في الحقل العام والحيِّز السياسي العريض المُتاح. أي أن طبيعة المتغيرات المشهودة وما قد يستوي عليه الإصلاح الدستوري العميق، هي الدرع الواقي من السقطات، لن يقوى عليها استئثار فريق بالسلطة على وجه الديمومة والإقصاء. ستمضي فترة من المدّ والجذر، ولا يستبعد تسجيل انتكاسات. وريثما تستقر الأوضاع، في المعنى التصالحي والاستيعاب الكامل لوسائل الديموقراطية، لن توقف المسار عوارض الطفولية وبقايا أنماط وقوالب فكرية زرعتها عقود من الغربة عن مفاهيم العصر.

تكفلت الوثبة بقفزة سياسية هائلة، أخرجت الشرق الأوسط من سُبات موصوف، يكاد وقعها يوازي مفاعيل النهضة، عربون رفدها الدائم وشحنها بالمقوِّيات والمضادات، إنما مصدره تحديث البُنى الاجتماعية وشيوع ثقافة عصرية. ذاك بستان ما زالت تحفُّهُ الأشواك، في انتظار نقلة نوعية، ثقافية المحتوى، تزيل التابوات وتصدّع مسلّمات دهرية وسمت البيئة العربية (والإسلامية)، شرط مغادرة الهوامش والصوامع الى الفضاء الكوني الأرحب. والزمن كفيل بإعطاء الجواب.

* كاتب لبناني

===================

جمعة دموية اخرى في سورية

رأي القدس

2011-05-20

القدس العربي

خروج عشرات الآلاف من المتظاهرين في مختلف المدن والبلدات السورية بعد صلاة الجمعة بات أمراً مألوفاً، وكذلك اقدام قوات الامن على اطلاق النار على المتظاهرين المطالبين بالتغيير الديمقراطي واطلاق الحريات، لكن الجديد هذه المرة يتمثل في اتساع دائرة الاحتجاجات، مما يدحض اعتقاداً بدأ يتبلور بان حدتها، اي الاحتجاجات بدأت تتراجع بسبب نجاح الحلول الامنية التي تستخدمها السلطة وأجهزتها.

صحيح ان منظمات حقوق الانسان تحدثت عن استشهاد 27 شخصاً في مظاهرات يوم الجمعة الاحتجاجية وهذا رقم كبير بكل المقاييس، ولكن ما هو اخطر من ذلك يتجسد في نقطتين اساسيتين لابد من التوقف عندهما:

' الاولى: امتداد الاحتجاجات الى المناطق الشمالية الشرقية، وبالتحديد تلك ذات الكثافة الكردية العالية، في دير الزور والقامشلي.

' الثانية: استقالة الشيخ العلامة كريم راجح شيخ قراء بلاد الشام، على الهواء مباشرة، احتجاجاً على التعامل الامني الخشن مع المصلين رواد المساجد، بسبب منعهم من اداء فريضتهم تحت ذريعة الخوف من مشاركة هؤلاء في مظاهرات تنطلق بعد صلاة الجمعة.

نزول الاكراد وبمثل هذه الكثافة الى ساحة الاحتجاجات يوم امس يعكس تغييرا في موقف هؤلاء ربما تترتب عليه مشاكل خطيرة بالنسبة الى السلطات السورية. فقد اتسمت المناطق الكردية في الشمال السوري بالهدوء التام طوال الاسابيع الخمسة الماضية، مع بعض الاستثناءات المحدودة هنا وهناك.

الرئيس السوري بشار الاسد ادرك خطورة مشاركة الاكراد لاشقائهم العرب في الاحتجاجات، فاقدم على خطوة استباقية ذكية للغاية عندما اصدر مرسوما بمنح 200 الف كردي الجنسية السورية، ولكن هذه الخطوة، على اهميتها، جاءت بهدنة مؤقتة بدأت تتساقط احجارها بشكل متسارع اعتبارا من يوم امس.

الحكومة السورية في وضع صعب، فاستمرار عمليات القتل للمتظاهرين يؤدي الى تصاعد حالة الغضب في اوساط المواطنين، لان تزايد عمليات القتل يعني تزايد اعداد الجنازات، وفي الجنازات تتأجج مشاعر الغضب، الامر الذي قد يؤدي الى تدخل القوات الامنية واطلاق النار مجددا، وسقوط ضحايا جدد، وجنازات اخرى.

انها دائرة مرعبة دون مخارج حقيقية تصب في مصلحة تصاعد التوتر، وتأزيم الاوضاع اكثر فاكثر في ظل غياب اي حلول سياسية، او حوارات جادة مع جماعات المعارضة الوطنية وقياداتها.

لافتة رفعها احد المتظاهرين تلخص هذه المسألة تقول بانه 'لا حوار مع الدبابات' في اشارة الى انزال السلطات السورية دبابات الجيش الى شوارع المدن الثائرة، مثل حمص ودرعا وبانياس، وبعض بلدات ريف دمشق.

الرئيس السوري اصدر اوامره الى قيادة الاجهزة الامنية بالكف عن عمليات القتل، وتزايد اعداد الضحايا يوم امس يؤكد ان هؤلاء القادة يصرون على المضي قدما بنهجهم الدموي اعتقادا منهم انه السبيل الانجع للسيطرة على الوضع وانهاء الانتفاضة الشعبية، وهو نهج اثبتت الايام ليس عدم جدواه فقط، وانما اعطاءه نتائج عكسية تماما.

نعرف الآن ما حدث في جمعة يوم امس، ولكن لا نعرف، ولا نستطيع ان نتنبأ بما يمكن ان يحدث يوم الجمعة المقبل غير المزيد من الشهداء والجرحى والجنازات وهو امر لا يبشر الا بالسوء لسورية وسلطاتها وشعبها في الوقت نفسه.

===================

ظهر الثوار المكشوف في سورية!

سليم عزوز

2011-05-20

القدس العربي

 أتحاشى ما استطعت مشاهدة نشرات الأخبار هذه الأيام، حتى لا يتمزق قلبي حسرة على ما يجري للأشقاء في سورية، الذين يفترسهم النظام هناك، ولا يرقب فيهم إلاّ ولا ذمة.

بلاء أهون من بلاء، وما يتعرض الليبيون واليمنيون له، لا يمثل شيئاً مذكوراً بجانب ما يتعرض له السوريون على يد نظام قمعي بالوراثة، ويحكم بالحديد والنار. ففي ليبيا فان المعارضة قادرة على حمل السلاح لمواجهة مليشيات الأخ العقيد ومليشيات أنجاله، وقد تمكنت بسبب هذا من السيطرة على بعض المناطق، التي تجتاحها قوات القذافي، فيردهم الثوار من حيث أتوا، فضلاً عن أن هناك تدخلا خارجيا، يجعل يد الزعيم الليبي مغلولة الى حد ما وهي تبطش بالخصوم.

وفي اليمن فان الرئيس علي عبد الله صالح يقلد صديقه حسني مبارك، فيرد على الحشود بحشود، مع الفارق بالطبع، فهناك قبائل تجد مصالحها في وجود صالح، في حين أن مبارك لم يخرج معه احد لتأييده، سوى مجموعة من المرتزقة، حيث استعان ببعض الموظفين في التلفزيون، ووزارة البترول، والعاملين لدى بعض رجال الأعمال، وبالبلطجية المستأجرين، في حين اختفي حزبه 'الكبير' وكأنه فص ملح وذاب.. مصطلح 'الحزب الكبير' هو لخالد الذكر الرائد متقاعد صفوت الشريف.

في أيام الثورة المصرية سمعنا أصواتا من السلطة تقول، إذا قرر المتظاهرون عدم إخلاء 'ميدان التحرير' فليبقوا فيه حتى تنتهي ولاية مبارك في سبتمبر المقبل. وقد بدأ اليأس يترسب في النفوس، ولأن اليأس حر والرجاء عبد فقد روجت لفكرة تطوير أدوات النضال، حتى لا يتحول الوجود في 'ميدان التحرير' بمرور الوقت الى نوع من الاعتصام الاحتجاجي، ولإعطاء كل ذي حق حقه، فان محمد رمضان هو من أوحى لي بذلك، وهو مصري معارض يقيم في باريس.

قال لي رمضان لابد من محاصرة القصور الرئاسية، وفي يوم الجمعة الأخيرة كان الزحف الى قصر العروبة والى مبنى التلفزيون المحاصر بقوات من الحرس الجمهوري منذ اليوم الأول للثورة. ولأنني أتعامل في هذه الأيام على أني خبرة جبارة في إسقاط الأنظمة، فقد نصحت أحد اليمنيين بحصار مبنى التلفزيون، والزحف الى قصر الرئيس علي عبد الله صالح، لكنه لفت انتباهي الى اختلاف الأوضاع، فهم في اليمن حريصون على أن تظل ثورتهم سلمية، ونحن كنا حريصين على ذلك أيضاً، ومن الواضح أن الرئيس لا توجد لديه مشكلة في أن يجعل 'الدم للركب'، ولاحظ أن الأسلحة هناك مع الجميع، على العكس من الحال في مصر فالسلاح في يد السلطة فقط، ومع هذا فقد هزمها الثوار بصدورهم العارية.

عندما جرى حصار تلفزيون الريادة الإعلامية، تم منع الدخول والخروج منه، وظلت مذيعة يتيمة تقرأ نشرات الأخبار ليومين متتالين الى أن رحل مبارك، وكانت في حالة فزع مقيم، وقد اتصل بها احد الأشخاص وقال لها على الهواء مباشرة سوف ننتهي من مبارك ونتفرغ لكم، وارتج عليها، وأخذت تتودد له، فهي 'عبد المأمور'. ومنذ نجاح الثورة وحتى الآن وأنا أبحث عن 'المأمور' ولم أعثر عليه.

قيادات وزارة الداخلية يقولون انهم كانوا 'عبد المأمور' الذي هو وزير الداخلية فهو الذي أصدر لهم الأوامر بضرب الثوار بالرصاص الحي، والوزير يقول انه 'عبد المأمور' الذي هو الرئيس والقائد الأعلى للشرطة، ومبارك يقول ان زكريا عزمي رئيس الديوان قام بتضليله عندما أخبره أن الشعب يحبه فلا يترك الحكم. ومن الواضح انه لم يسأل نفسه ولماذا يحبه الشعب؟!

في الحالة المصرية، فقد علمت بعد أن ألقت الحرب أوزارها أن قوات من الجيش سبقتنا الى القصر الجمهوري عندما بدأ الزحف الى هناك، لتقف بيننا وبين الحرس الجمهوري، مخافة أن يفتك بنا، وفي الحالة اليمنية فانه لن يكون هناك فرق بين قوات الجيش وقوات الحرس الرئاسي!

لقطات فقيرة

لا تجد الثورة اليمنية مشكلة في أن يصل صوتها الى العالم أجمع، فالفضائيات تنقل لنا الصورة، وفي ليبيا فان الفضائيات لها مراسلون في المناطق التي يستولي عليها الثوار، وللأخ العقيد محطاته الخاصة ومذيعاته اللاتي يمثلن فتحاً في عالم الإعلام الفضائي غير مسبوق، وإحداهن عددت مناقب الأخ العقيد الى أن قالت إن الله أسقط بين يديه المطر، ولم يبق إلا أن تقول وانه يبصر الاعمى ويشفي الأبرص!.

في سورية فان الوضع مختلف تماماً، فالشعب السوري يباد في غيبة من وسائل الإعلام، وفي أيام السلم فانه يحظر على الصحافيين الأجانب السفر لسورية ولو للسياحة والتسوق إلا بموافقة وزير الإعلام، وهو نظام معمول به في الجماهيرية العربية الليبية.

ما تنقله الفضائيات من هناك هو مجرد لقطات فقيرة، ربما أخذت بواسطة الهاتف الجوال، وبالتالي فان ظهر الثوار مكشوف، ناهيك عن أن النظام السوري تمكن قرابة نصف قرن من أن يشكل له 'مليشيا إعلامية'، تقوم الآن بمحاولة شيطنة الثورة، والتعامل مع الثوار كما لو كانوا عملاء لدول أجنبية لأنهم يواجهون المناضل الثوري بشار الأسد.

المجتمع الدولي يبدو في حالة تواطؤ ضد الثورة السورية، لأن سقوط نظام الأسد، ليس في مصلحة إسرائيل، وهو النظام الذي لم يوجه طلقة رصاص أو رشة ماء على الاحتلال الإسرائيلي، وهو على مرمي حجر في الجولان. وبين الحين والآخر تحلق الطائرات الإسرائيلية فوق القصر الرئاسي في دمشق، فيكون الرد البليغ هو أن أحداً لن يفرض علينا موعد الحرب، وسنحدد نحن طريقة الرد وموعده.. يوم القيامة العصر بمشيئة الله.

كان الرئيس السوري يظن أنه تمكن بالاستبداد من أن يقضي على عزيمة الشعب السوري، وان يقمع الأمل عنده فلا يخرج مطالباً بحريته، وقد أكد على هذا المعنى في الرد الذي جاء في إطار سياسة 'كيد الضرائر' عقب نجاح الثورة المصرية، بأن سورية ليست مصر، وذلك رداً على عبارة لمبارك قالها ذات يوم عندما سئل عن التوريث: 'إن مصر ليست سورية'!

موافقة وزير الإعلام

الإفراط في استخدام أدوات القمع، هو ما جعلني على يقين من أن آخر نظام مستبد في الوطن العربي سوف يسقط هو النظام السوري، لكن الشعب السوري العظيم فاجأني بخروجه، فقد مثلت الثورة التونسية إلهاماً للمصريين، ومثلت الثورة المصرية إلهاماً للجميع.

في اليوم الذي تفجرت فيه جريمة المقابر الجماعية للثوار بدرعا، مما يسقط ما تبقى من شرعية للنظام السوري، كان ابن عمنا عثمان آي فرح مذيع الجزيرة القادم من ال'بي بي سي' يستضيف احد الإعلاميين السوريين الذي دافع عن حق بلاده في منع وسائل الإعلام من التسلل لداخله، لأنها لم تحصل على موافقات وزارة الإعلام، والوزارة بطبيعة الحال لا تعطي موافقات لأحد.

وبدا لي الإعلامي السوري أكثر متعة من مذيعات التلفزيون الليبي، ولعلكم تذكرون ما قالته إحداهن تعليقا على (تبني) مجلس الأمن قرار الحظر الجوي على ليبيا بأنه غير جائز شرعاً لأن الله سبحانه وتعالى حرم (التبني)!.

استنكر السوري كلام عثمان عن حظر وسائل الإعلام من العمل في بلاده وقال انه ناقش هذا الموضوع مع وزير الإعلام، وعدد أسماء الفضائيات التي تعمل، وهي الفضائية السورية.. وقناة 'الدنيا' .. السورية طبعاً، وعدد من القنوات التي تعمل وفق هدى وزارة الإعلام.. بدا لي الرجل وكأنه قادم تواً من كوكب المريخ، وهو من رجال النظام، وكانت لدينا هذه النوعية في مصر، وقد تحولت الآن، وصاروا اعلى صوتاً ممن كانوا في ساحات النضال، فلا يوجد من بينهم واحد استمر على موقفه وظل يؤيد نظام مبارك.. سقط الرئيس فتحولوا الى مناضلين وبدون فاصل، نمنا وهم حكوميون واستيقظنا لنجدهم ثواراً.

كله سيتحول، وليس هذا هو الموضوع، فقد بدا نظام الأسد هو الأشرس في مواجهة الإعلاميين، وتعامل مع بعضهم على أنهم أسرى حرب!

منذ أسابيع اختفى مذيع 'الجزيرة' اللامع فيصل القاسم، واخاف ان يفاجئنا يوماً بإطلالة عبر احدى الفضائيات يعلن خلالها براءته من 'الجزيرة' التي خالفت قواعد المهنة، وتخلت عن المهنية على النحو الذي قاله غسان بن جدو بعد لف ودوران، وقد يكون فيصل أكثر وضوحا بحكم الجنسية، وبحكم انه قيد الأسر، وبحكم أن أهله رهائن حرب هناك!

ما قاله غسان هو الحق الذي يراد به باطل، ولم تكن 'الجزيرة' تلتزم بالمهنية المنصوص عليها في كتب المطالعة، وهي تغطي أحداث الثورة التونسية، فقد مارست الكيد للنظام السابق ومنذ اليوم الأول، رداً على رفضه اعتماد مراسل لها هناك، ومع ذلك لم يستقل بن جدو لأن المحطة انتهكت قيم المهنة، وتخلت عن شعارها 'الرأي والرأي الآخر'.

غرفة جهنم

'لونة الشبل' التي كانت واحدة من خمس من مذيعات 'الجزيرة'، بقيادة خالدة الذكر جمانة نمور، استقلن بسبب إصرار إدارة القناة على فرض قواعد الحشمة، أطلت عبر احدى الفضائيات وقد وجدتها فرصة، لتقول في 'الجزيرة' ما قال مالك في الخمر!

تحدثت عن 'غرفة الأخبار' التي تحاك بها المؤامرات، حتى كدت أتصور أنها 'غرفة جهنم' التي قال حبيب العادلي وزير الداخلية في النظام المصري البائد إنها موجودة في المقر الرئيسي بالحزب الحاكم (رحم الله موتاكم) وقال انه قدم ملفات الفاسدين الى القيادة السياسية وأنها وضعتها في هذه الحجرة، وهو يرجع حريق مقر الحزب في يوم 'جمعة الغضب' الى وجود هذه الحجرة، وهو أراد أن يغسل بما قال يده من الفساد، ويؤكد انه كان يقف ضد الفاسدين، ولا يمكن لأحد أن يطالبه بالدليل فقد التهمته النيران.

العادلي كان يمارس الكذب البواح، فهو واحد من قمم الفساد في مصر، فضلا عن إن أركان الفساد في البلاد كانوا قيادات في هذا الحزب فكيف يمكن أن توجد هذه الغرفة في مقره وهو تجمع للفاسدين، إذ كان الفساد عندنا يمارس بالترخيص، ومن يمارسه بدون الحصول على الرخصة، فانه يعاقب على انه منتحل لصفة فاسد، وكانت عضوية الحزب الحاكم ولجنة السياسات هي الرخصة المطلوبة.

لونة الشبل سكتت دهراً ونطقت كيداً، فبعد عام من قبول استقالتها تكلمت الآن، وكنا في مسيس الحاجة لأن نسمع صوتها في حينه، لكنها تمسكت بالصمت، وقد ضربت أكثر من عصفور بحجر، بما قالت، فهي انتقمت من ناحية من إدارة 'الجزيرة' ومن ناحية أخرى تقربت من أهل الحكم بالنوافل، وقد تصبح وزيرة للإعلام، وقد يأتي يوم تقول فيه انها كانت تحت تهديد السلاح عندما قالت ما قالت، وأنها كانت أسيرة لدى النظام البائد، وما ذلك على الله بعزيز!.

البحث جار الآن عن سامي كليب، مذيع 'الجزيرة' وزوج السيدة لونة الشبل، وربما استقال، وربما حمل على الاستقالة، وهو من لبنان وليس سوريا، لكن جحا سئل ذات يوم عن بلده، فقال التي منها زوجتي.

قلبي مع الأشقاء في سورية ثواراً وإعلاميين.

صحافي من مصر

====================

سورية: حرب السلطة على الحرية

أحمد شاهين

القدس العربي

21-5-2011

ذكرت وسائل إعلامية أن الرئيس السوري بشار الأسد شكل لجنة للحوار الوطني ، وكلف نائبيه ، فاروق الشرع والسيدة نجاح العطار بإدارة هذا الحوار (لم نجد لهذا الخبر أي مرجعية على صفحات وكالة الأنباء السورية سانا). وكان وزير الإعلام السوري عدنان محمود قد أعلن أن الحوار الوطني سيجري في كل المحافظات السورية. كيف، ومع من؟ لم يحدد السيد الوزير.

وموضوع الحوار هذا كان قد أعلنه الرئيس الأسد في توجيهاته لحكومته الجديدة التي أعلن عن تشكيلها برئاسة عادل سفر، بعد انفجار الانتفاضة الشعبية في سورية، حيث قال 'نحن نريد أن نفتح حوارا موسعا مع الجميع ... لا بد أن نركز في حواراتنا الموسعة والمستمرة مع النقابات والمنظمات التي تمثل معظم أصحاب المهن والمصالح على ساحة الوطن'. ويعرف الرئيس الأسد أن النقابات والمنظمات التي أشار إليها في توجيهه هي من ملحقات السلطة، ولن تكون في أحسن الأحوال أفضل من مجلس الشعب الذي استقبله بالتصفيق دون أن يسأله أحد عن سبب القتل الذي تعرض له المحتجون. يعني أنه سيحاور نفسه. إنما من حق البعض القول أن مستشارته السيدة بثينة شعبان قد التقت مع بعض المثقفين من رموز المعارضة من أمثال ميشيل كيلو ولؤي حسين؛ والأصح أن نقول استدعتهم لسماع آرائهم فيما يجري على ساحة سورية، وليس للحوار معهم. وقد أشار الى شيء من ذلك في احد أحاديثه الصديق ميشيل كيلو.

وقد التقى الرئيس الأسد مع بعض 'الفعاليات الاجتماعية' من سكان حوران الذين تحدثوا عن إيجابيات اللقاء، حسب وسائل الإعلام السورية، لكن دبابات الفرقة الرابعة التي يقودها شقيق الرئيس السيد ماهر الأسد توجهت في اليوم التالي ل 'تحرير' درعا. كما اجتمع الرئيس الأسد مع مجموعة من الفنانين السوريين الذين قالوا أن اللقاء كان إيجابيا وتناول كيفية تجاوز سورية الحالة التي تواجهها.

من جهة أخرى كان الرئيس الأسد الابن قد أعلن أكثر من مرة أنه أعطى أوامره بعدم إطلاق الرصاص على المتظاهرين، ويستطيع القول أنه أمر بعدم اطلاق الرصاص لكنه لم يأمر بعدم إطلاق قذائف الدبابات، وهي شطارات التلاعب بالألفاظ التي يتعامل بها نخبويو الإعلام الذين تسمح لهم أجهزة المخابرات السورية بالحديث إلى وسائل الإعلام.

في موازاة خطب الرئيس الأسد وتوجيهاته، تحدث ابن خاله السيد رامي مخلوف في مقابلة مع جريدة 'نيويورك تايمز' عن الوضع الراهن في سورية، وقال في ما يمكن أن نطلق عليه وصف 'رسائل سياسية موجهة' أن عدم الاستقرار في سورية يعني عدم الاستقرار في إسرائيل، وهي رسالة واضحة الاتجاه، وفي موضوع آخر قال مخلوف أن بديل النظام الحالي هو سيطرة السلفيين، وأيضا من الواضح لمن توجه هذه الرسالة. وكان مخلوف قاطعا في مسألة الاستعداد 'للقتال حتى النهاية' وأضاف 'لدينا الكثير من المقاتلين'. وقد نفى سفير سورية لدى واشنطن أن يكون مخلوف يعبر في حديثه عن موقف رسمي لأنه لا يشغل أي منصب رسمي في السلطة السورية؛ لكن مراسل النيويورك تايمز الذي أجرى المقابلة مع مخلوف قال أنه 'يعبر عن طريقة تفكير الحكومة الخفية (opaque government) العائلية التي تحكم سورية. من هي هذه الحكومة الخفية؟ نستطيع الاجتهاد والقول أنها تتكون من: السيدة أنيسة مخلوف (التي تصر على أنها السيدة الأولى في سورية) وأخيها محمد مخلوف يرأسان هذه الحكومة (بحكم السن) أما أعضاؤها فهم: بشار وماهر وبشرى الأسد وزوج الأخيرة آصف شوكت، إضافة إلى رامي مخلوف المعروف بصفته مصرفي العائلة.

ما الذي يجري في سورية؟ تقول السلطة السورية وأدواتها الإعلامية، أفرادا ومؤسسات إعلامية، أن هناك مجموعات سلفية مسلحة تعيث فسادا وترهب المواطنين السوريين الذين طلبوا من السلطة إرسال الجيش لتخليصهم من هؤلاء الإرهابيين الذين ينوون إقامة إمارات إسلامية. ويشيرون لتأكيد مقولتهم إلى 'الشهداء' من أعضاء الجيش الذين يسقطون في المواجهة مع هؤلاء المسلحين. هل هناك حاجة للدبابات لملاحقة مجموعات مسلحة؟ أما كان يكفي لمثل هذا العمل قوات الأمن وزوار الفجر؟

ويقول المحتجون حسب شعاراتهم التي ترددها حناجرهم: 'الموت ولا المذلة' و 'ما في خوف، ما في خوف'، وبعد أن أرسلت السلطة دباباتها لإعادة زرع الخوف في قلوب هؤلاء المحتجين الذين لم يطالبوا أصلا إلا بشيء من الكرامة، رفعوا من مطلبهم بالإصلاح ليصبح 'الشعب يريد إسقاط النظام' وعبروا عن ذلك عمليا بتدمير تماثيل حافظ الأسد في بعض المدن وتمزيق صور ابنه بشار. وبغض النظر عن عدد المحتجين الذين يحاول إعلاميو السلطة تقليل عددهم نسبة إلى عدد السكان، ويحاول إعلاميو المعارضة تضخيمهم بالقول أن كل متظاهر سوري يعد بعشرة آلاف نظرا لجرأتهم على التظاهر في بلد مثل سورية (بلد الخوف)، ففي كل الحالات هم تعبير عن حالة اجتماعية سياسية بدأت بعدد لا يتجاوز الثلاثين شخصا في تظاهرة مطلبيه للإفراج عن معتقلين أمام وزارة الداخلية لتتحول إلى تظاهرات تطالب بالإصلاح إلى تظاهرات تطالب بإسقاط النظام.

قد يعيب بعض أفراد الحكومة الخفية التي أشار إليها مراسل إل 'نيويورك تايمز' على الرئيس بشار الأسد أنه كان 'رخوا' في تعامله مع الانتفاضة ، وأن خطابه في مجلس الشعب عن وجوب الإصلاح كان تنازلا 'لناس ما بتنعطى وجه ، وما يتمشي إلا بالعصا' حسب ثقافة السلطة في هذه المنطقة من العالم القائمة منذ سيطرة الإله مردوخ؛ وكان على أخيه ماهر أن يصحح خطأ أخيه الرئيس بتكليف من والدته، بعد أن ترحمت على غياب أخويهما باسل وعلى أبيهما حافظ اللذين لوكانا أحياء لما تجرأ أحد في سورية على التنفس بصوت مسموع، فكيف بالاحتجاج والتظاهر. وقد أشار الرئيس الأسد في توجيهه للحكومة عندما تحدث عن إلغاء حالة الطوارئ 'أن الأكثرية' واستدرك بالقول 'البعض' كانوا ضد إلغاء حالة الطوارئ. من هي تلك الأكثرية أو البعض ما لم يكونوا أعضاء الحكومة الخفية؟ هل هي لعبة توزيع أدوار، أو 'البقاء متحدين' حسب تعبير رامي مخلوف: دبلوماسية بشار وحديث الحوار، دبابات ماهر والقتل الجماعي، شبيحة آصف شوكت وعلاقات رامي مخلوف برأس المال المالي العالمي، ولعبة الوقت، وهي ثقافة مؤسس حكم 'الدولة الأسدية' في سورية، فقد أدار الجنرال حافظ الأسد في الثمانينات العملية ذاتها التي يكررها الآن أبناؤه. والتاريخ كما يقول ماركس يتكرر مرة مأساة وثانيا مهزلة. كان حافظ الأسد يمارس السيطرة وحده، أما الآن فهناك 'ورثة' ولكل حقه في التصرف بحصته من 'ارث أبيه السلطوية'، ولأن الأمر كذلك، دعا رامي مخلوف إلى وجوب البقاء متحدين.

جاء الرد الشعبي، بغض النظر عن عدد المحتجين، على إطلاق دبابات ماهر الأسد في شوارع درعا في عملية 'حرب إخضاع' اتسعت إلى حمص وبانياس وتلكلخ، جاء الرد الشعبي بتوسيع رقعة التظاهر جغرافيا ورفع سقف مطالبها، واستمرارها.

كانت جدتي تقول حين يعتدي أحد رجال السلطة على مواطن 'ياحسرة: العين لا تقاوم المخرز'، لكن زمن جدتي مضى، والعين أصبحت ترى فساد السلطة، وبدلا من 'قول كلمة حق أمام سلطان جائر' لإصلاحه، ارتقت إلى مقولة الأعرابي لعمر بن الخطاب 'لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا'. ولأن المواطنين يدخلون في هذه المنطقة من العالم، منذ انتفاضة تونس، عصرا إنسانيا يكون فيه المواطن مسؤولا، في مواجهة مع سلطات فاسدة، يطالبون بالحياة الكريمة لأنفسهم ولغيرهم في مواجهة مع أعداء الحياة أصحاب الدبابات وزوار الفجر: الشبيحة. وكما قال المخرج السينمائي الأمريكي مايكل مور 'ان كل الحركات العظيمة، وكل لحظات التحرر العظيمة، لم تحدث إلا لأن أهلها كانوا مستعدين للتضحية والمجازفة' (نص رسالة مور الى شعب سورية في: 'القدس العربي' ، 17 5 2011 )

' كاتب وسياسي من سورية

====================

في سوريا شعب عظيم

علي حماده

النهار

21-5-2011

كل يوم يطلق فيه النظام السوري الرصاص الحي على المحتجين المدنيين العزل في المدن والقرى من اقصى البلاد الى اقصاها، يقترب اكثر من حافة الهاوية. وهو بالتأكيد يقترب من نهاية سيئة لن يكون في مقدور كل اسلحة الكون ان تنقذه منها. فالمسألة لم تعد كما كانت في العقود الاربعة الاخيرة متعلقة بلعبة الامم في المنطقة، ولا هي جزء من "دياليكتيك" الخدمات المتبادلة التي اتقنها النظام ايام حافظ الاسد مع منظومتي العالم قبل انهيار الاتحاد السوفياتي. ولا هي قضية الخطوط الحمر التي احترمها النظام مع اسرائيل ولم يشذ عنها سوى مرّتين، الاولى سنة 2006 بالحرب التي اشعلها "حزب الله" في الجنوب في الخامس عشر من ايار الجاري عندما لوح بكسر قواعد اللعبة التي كانت سببا اساسيا في حماية النظام على مدى اربعين عاما، وقد كانت تجربة عام 2005 الصعبة احداها عندما ادى الاسرائيليون دورا محوريا في منع سقوط النظام على الرغم من اقتناع العالم اجمع بمسوؤليته المباشرة في اغتيال رفيق الحريري وسائر شهداء "ثورة الارز".

هذه المرة يأتي التحدي من الداخل. وقوة التحدي وأهميته انه سلمي الطابع، لا ينجر الى حيث يشعر النظام بأنه قادر على الحسم، اي الى ساحة النزال المسلح. وهنا لا حماية الانظمة العربية الاخرى الخائفة من التغيير ينفع، ولا خيار اسرائيل الدائم للتعامل مع نظام تعرفه وتفضله على المجهول يحول دون نزول الشعب السوري الى الشارع للمطالبة بالحرية والكرامة، ولا يمنعه من التضحية بالحياة في سبيل نيل ابسط الحقوق الانسانية التي حرم اياها منذ حكم حزب البعث البلاد قبل خمسين سنة، ثم مع انفراد حافظ الاسد بالحكم على الطريقة الستالينية. هذه المرة ثمة شعب ما عاد يقبل بأن يحكم بشروط الستالينية العربية. وما عاد يصبر يوما على البقاء نزيل هذا السجن السوري الكبير الذي كان يجب ان يسقط مع وفاة الاسد الاب.

وفي لبنان لا يسعنا نحن أبناء "ثورة الارز" إلا ان نكون بجانب احرار سوريا. وقول النظام لحلفائه القدامى والجدد أن من ليس معه هو ضده، ينطبق في الاتجاه المقابل على احرار سوريا. فمن ليس مع الحرية والكرامة في سوريا هو ضدها. بل هو مع إدامة السجن الكبير الذي كان كمال جنبلاط اكثر المحذرين منه، وأول رافضي دخوله، وقد فضل ان يدفع حياته ثمنا لحريته على ان يدخل السجن العربي الكبير. ليت بعضهم يتذكر. وليت بعض اللبنانيين يخجلون قليلا عندما يرون بطولات منتهى الاطرش وهاني حسن الاطرش وسهير الاتاسي وهيثم المالح وغيرهم من أحرار جبل العرب وسوريا ومعهم آلالاف من رفاقهم من حلب الى دير الزور واللاذقية وبانياس، ومن حماة الى حمص ودمشق وصولا الى درعا والسويداء.

ان شعبا يرفع شعار الموت ولا المذلة هو شعب عظيم ننحني امامه. وان نظاما لا يحسن سوى القتل لغة يتعامل فيها مع أهل البلاد هو نظام آيل الى نهاية سيئة سيئة.

===================

من يوهن نفسية الأمة؟

وسيم ابراهيم

السفير

21-5-2011

لا يوهن رأي مواطن، من كان، نفسية أمّة. يختلف الأمر، نسبياً، حين يكون صاحب منصب رسمي رفيع. لا يمكن غضّ النظر عن شعب دولة يتأرّق أو تضعف معنوياته من جراء حديث مسؤوليه. رئيسه مثلاً، أو طاقم حكم يحظى بامتياز قيادة الدولة. هؤلاء يتلقون أموالهم من الشعب كي يحسّنوا ظروف عيشه، وبالتالي نفسيته ومعنوياته. تحسينٌ مبنيّ على أرقام وجداول معلنة، متاحة للنقاش والتداول. متاحة للمحاسبة. لا شيء هنا يمسّ نفسية الأمة أو معنوياتها إلا من باب المجاز، فالحصيلة النفسية لمزاج الشعب هي، أولاً وأخيراً، نتيجة جهد موظفي الحكم، من أعلى مراتبه نزولاً. نفسية الأمة نتيجة برنامج الحكم وما أنتج. لكن مواطناً ما، وأيا كان، لا يمكنه وهن نفسية أمة. هذا استخفاف بالأمة. ما هذه الأمة الهشّة التي يمكن لرأي مواطن، أن يوهنها؟

ما قاله المواطن السوري رامي مخلوف لصحيفة «نيويورك تايمز» لا يوهن نفسية الشعب السوري. رغم أنه تحدّث عن قدس أقداس الهمّ الوطني، وهو المواجهة مع العدو الأول للسوريين. تحدّث السيد مخلوف، الذي تحلو له صفة رجل الأعمال، عن أن أمن اسرائيل مرتبط بأمن سوريا، مذيعاً أن استقرار العدو مرتبط باستقرارنا. هذا كلام لا يوهن نفسية السوريين. هذا في الأخير رأي، وكلام مخلوف قاله غيره أيضاً، وهم معارضون اختاروا مهاجمة النظام من باب مهادنته اسرائيل وإدامة وقف النار معها. رأي كهذا يمكن للكثيرين القول به، وهو قابل للأخذ والردّ، ويمكن الاتفاق مع وجوه له أو رفضها، أو الأخذ به أو رميه. يمكن تطويره، لمن يريد أن يأخذه على كامل محمل الجد، ويمكن إعداد دراسات وبحوث حوله، والوصول إلى نتائج. لكن الرأي يبقى رأياً، ولو حمل اتهاماً ما أو مدحاً. لا يحاسب من يمدح، ولا يجوز محاسبة من ينتقد. لا يحاسب لكن يناقش. الرأي يبقى رأياً، طالما من يقوله مواطن ليس من طاقم الحكم.

على من يطلبون حرية الرأي أن يدافعوا عن حق السيد مخلوف في قول رأيه، حتى لو لم يتفقوا معه. وأن يقول ذلك بدون خشية أن «يشحط» للتحقيق، أو يسجن سنوات بتهمة «وهن نفسية الأمة». الاعتقال والسجن على خلفية تهمة كهذه، والتهمة في حد ذاتها، هو وهن لنفسية الأمة، عندما نقول لها: إن ما يفكّر فيه أبناؤها يمكنه، إذا قالوه، أن يوهنها. أي أمة هذه، وأي حصانة ووعي لها، إذا كانت الأفكار توهنها. أمة كهذه الأجدر بها ألا تعيش، طالما يراد لها، وتقبل، الامتناع عن التفكير والنقاش.

لكن لكلام السيد مخلوف للصحيفة وجهاً آخر، هو الذي يستحقّ ليس الوقوف، بل التسمّر أمامه. يستحق وقوف الأمة وأبنائها، ومن ثم نفسيتها أمامه. يتحدّث الرجل وهو يضع نفسه في موقع القيادة السياسية السورية. يتحدث باسمها، وعنها، ولا يتردد في شملها تحت رأيه في ضمير الجماعة «نحن». يعرّف عن نفسه كرجل أعمال، لكنه لا يتردد في الحديث باسم رئيس الدولة، ويفهم من كلامه اشارته إلى «عائلة حاكمة». يدافع ويتهم، ويتحدث وكأنه مرابط في موقع الحكم، يداوم فيه ويمارس فاعلية، ويقول أخيراً «نحن». لكون للسيد مخلوف صلة قرابة برئيس الدولة هو أمر لا يعني الشعب في شيء، هو امر شخصي يخصه. لكن عندما تنتقل هذه القرابة من الموقع الشخصي، ويحاول أحد طرفيها دمجها وتفعيلها في ما يشبه «عائلة حكم»، هو أمر يعني الشعب بالتأكيد. إعلانه والحديث به بهذا الشكل، يحتمل أن يوهن نفسية الأمة التي تعرف أن من يمارس الحكم فيها، بحكم دستورها، هو موقع الرئاسة وصلاحياته. وعندما يقول لها، إين عم أو خال أو صهر أو غيره، أنه مشارك في الحكم، لا بل فاعل في تحديد طريقه ومنهجه، فهذا ما يمكنه أن يوهن نفسيتها. يمكنه طالما لم يتصدَّ له المعنيون المباشرون به، أي موقع الرئاسة ومن يمثله. تصريحات مخلوف مسيئة للدولة ودستورها وشعبها، والرد الذي نشره السفير السوري في واشنطن، وأوضح فيه أن مخلوف رجل أعمال و»مواطن سوري عادي»، لا منصب له وآراؤه شخصية، لا يجيب عن كل الأسئلة. فمخلوف، أساساً، لم يقل إنه جزء من حكومة، بل تحدث عن «النخبة الحاكمة»، فحتى لو كان للرئيس (حسبما نقلت عنه «نيويورك تايمز») الكلمة النهائية فإن السياسات تصوغها النخبة عبر «قرار مشترك»! والقول إن آراءه شخصية، يدعو للتساؤل ما هذه «الخلجات» الخاصة بمواطن «عادي»، والتي تدعوه للحديث من موقع القيادة السورية. هذا كله بحاجة إلى ردّ حاسم وتفصيلي، إذا كان هنالك من يريد معالجة جزء فعليّ من «الأزمة» في سوريا. هذا، عدا عن المفاعيل القانونية للتصريحات. والقصد هو الحديث من موقع القيادة السياسية، وبالنيابة عنها. هذا أمر متروك للمحامين والقضاة البتّ به، وما هي الحيثيات القانونية لحديث مواطن وانتحاله موقعاً في القيادة السياسية. الخطورة، في هذه الحال، لا تأتي أيضا من رأي مخلوف، وتحليله الذي يربط استقرار اسرائيل باستقرار سوريا، بل من الموقع الذي يدّعيه في القيادة السياسية ليطلق منه هذا الرأي.

لا يوهن رأي المواطن رامي مخلوف نفسية الشعب السوري، لكن رأي الشعب السوري أيضاً يستحق الوقوف عنده. ليس للأمر علاقة برأي الرجل، بل بسلوكه المثير للجدل. مواطنون كثيرون خرجوا في الاحتجاجات يتهمونه بالصوت العالي. رجال أعمال، شخصيات سياسية واقتصادية يتهمونه باحتكار الاقتصاد الوطني، والتصرف غير الشرعي فيه، ويوردون روايات وشهادات ويتحدثون عن وثائق. كلها أمور تستوجب من العدالة التحرك للتحقيق فيها. أن تكون ثروة الرجل، مشاريعه وادارتها، في متناول الرأي العام، هو أمر لا يمكن التغاضي عنه. رأيه التحليلي السياسي هو حرٌ فيه، اتفقنا أم اختلفنا حوله، لكن كلامه عن المشاركة في الحكم هو ما يجب الوقوف عنده. هذا إذا كنا حريصين على نفسية أمة لم تقرأ في دستورها أن سوريا ترأسها «عائلة حاكمة».

===================

مؤتمر الحوار السوري بين السلطة والمعارضة

حسين العودات

التاريخ: 21 مايو 2011

البيان

يبدو أن السلطة السورية بدأت تقتنع بوجود أزمة داخل النظام السياسي ومع المجتمع حيث كانت تنكر وجودها دائماً، بعد أن عجز الحل الأمني العنيف عن إسكات الاحتجاج والمحتجين والمتظاهرين، رغم ممارسته بأقصى درجات العنف، وإنزال الجيش لمواجهة هؤلاء المحتجين، واستخدام الدبابات بدون تحفظ أحياناً، كقصف الأفراد بقاذفات الصواريخ.

وكذلك بعد تزايد الضغوط الخارجية، ليس فقط من قبل الإدارة الأميركية والدول الأوروبية، بل أيضاً من قبل الأصدقاء والحلفاء أشخاصاً كانوا أم حكومات، فضلاً عن قرارات مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والتهديد بإحالة الأمر برمته إلى مجلس الأمن الدولي ليناقش قضية سورية داخلية، بحجة حماية المدنيين ومواجهة العنف المفرط ضد المتظاهرين لمنعهم من ممارسة حق من حقوقهم الدستورية.

ولعل هذه الأسباب هي التي ربما أقنعت أصحاب القرار في سورية بضرورة البحث عن مخرج آخر غير المخرج الأمني، وحل آخر لا يستخدم فيه العنف، قادر على بحث جذور الأزمة والاهتمام بمطالب المحتجين وحقوقهم والاعتراف بها والبدء في تحقيقها، باعتباره الحل الأساس المؤهل للوصول إلى اتفاقات شاملة بين الطرفين، .

وتأمين السلام والاستقرار للمجتمع السوري، وتحويل النظام من وضعه الحالي الشمولي الأمني إلى نظام ديمقراطي مقبول من شعبه خاضع لإرادة هذا الشعب ومحقق لمصالحه وأمانيه ومطالبه، والمعني هنا هو الحل السياسي الحواري، الذي ينطلق من القبول بالآخر شريكاً في السراء والضراء وفي اتخاذ القرار، وإجراء الحوار الديمقراطي معه للوصول إلى حلول للمعضلات المطروحة.

من الواضح إذن أن عدم نجاح القوة الأمنية وقوى الجيش في إخماد الاحتجاج إضافة إلى زيادة الضغوط الخارجية، (أقنعت) النظام السياسي السوري بضرورة التخلي عن الوسائل العنفية، أو بداية التخلي جزئياً عنها،.

والتوجه إلى عقد مؤتمر سياسي حواري جامع مع الآخر في المعارضة وغيرها، لأنه الوسيلة الوحيدة التي تقنع الداخل السوري والضاغطين الأجانب بأن النظام بدأ يغيّر أسلوبه وربما مساره، كما يمكن أن تشكل من جهة أخرى بداية حل لهذه الأزمة التي أصبحت خلال شهرين أكثر تعقيداً وخطورة.

إلا أن المشكلة التي ما زالت قائمة هي أن النظام السياسي السوري يرغب في تبنى حوار لا يخرج عن تبادل الآراء ووجهات النظر مع بعض المعارضين، على أن يتحدث مع هؤلاء كأفراد لا يمثلون أحزاباً أو تيارات سياسية، يسمح لهم بإبداء رأيهم مقابل أن يسمعوا رأي السلطة، وهذا ما تراه المعارضة غير مجد ولا مفيد ولا يحل أي مشكلة حيث تجاوزته الأحداث، .

وقد كان بالإمكان أن يلجأ إليه النظام قبلها، أما الآن، وبعد خروج عشرات آلاف المتظاهرين إلى الشارع واستمرار الاحتجاجات والمظاهرات أسابيع عديدة بل أشهراًً، وإنزال الجيش للمدن والبلدات، وإسالة الدماء، وبلوغ عدد الضحايا ألف قتيل وآلاف الجرحى والمعتقلين، فلم يعد ينفع تبادل الرأي هذا، حتى لو أراد النظام السياسي أن ينفّذ طلبات المعارضين جميعها،.

وأصبح الأمر حسب المعارضة يقتضي إجراء حوار شامل تشارك فيه أحزاب وقوى سياسية واجتماعية واقتصادية من الموالاة والمعارضة والشباب المحتجين، في إطار بيئة مناسبة للحوار، وجدول أعمال متعدد الجوانب وشامل، وقادر على استيعاب المشكلة وعقابيلها وحلها حلاً جذرياً كاملاً جدياً مسؤولا.

لقد أبلغت بعض فئات المعارضة السلطة التي اتصلت بها لعقد الحوار، بضرورة تحقيق حزمة من الإجراءات الكفيلة بإنجاحه، بعضها سابق للحوار والبعض الآخر لاحق له، فمن البعض السابق للحوار تهيئة مناخ صحي ينجم عن إيقاف العنف والحل الأمني، .

وذلك بسحب القوات العسكرية من المدن والإعلان عن ذلك، ثم الإفراج عن المعتقلين السياسيين، ومن البعض اللاحق له أن يكون الحوار من خلال مؤتمر وطني برعاية رئيس الجمهورية الذي يضمن تنفيذ مقرراته، وتدعى إليه أحزاب المعارضة جميعها، .

وممثلون عن الشرائح الاقتصادية والاجتماعية السورية، وعدد من قيادات المحتجين والمتظاهرين، ومن النقابات والمنظمات النسائية، على أن يبحث هذا المؤتمر مواصفات المرحلة الانتقالية والتعديلات الدستورية والسياسية والإصلاحات المطلوبة، بما في ذلك إصدار قوانين الأحزاب والإعلام وإقرار آلية لمكافحة الفساد، .

وإلغاء المادة الثامنة من الدستور التي تنص على قيادة حزب البعث للسلطة والمجتمع، وتعديل صلاحيات مجلس الشعب ومجلس الوزراء وضمان فصل السلطات، وتداول السلطة أي تحديد ملامح بنية النظام الجديد، وتهيئة الشروط الضرورية لترسيخ الديمقراطية والحريات والمساواة وتكافؤ الفرص وغيرها، .

ييدو أن النظام السياسي السوري يرى أن هذه الشروط ثقيلة عليه، وهو لا يريد، إن أمكنه ذلك، التخلي عن امتيازاته الحالية السياسية والإدارية والسلطوية وغيرها، كما أن بعض الشركاء في الحكم سوف يتضررون من هذه الإصلاحات.

وخاصة أولئك الذين يصب في خزائنهم نهر من الذهب بسبب الامتيازات التي يتمتعون بها، أو مناخ الفساد الذي يستظلون به، ويعتقد أن مثل هذه الحلول قد تؤدي إلى خلافات وانشقاقات داخل النظام وإلى تصدع فيه، لا يرغبها كثيرون من أهله، بل يخشونها ويصارعون من أجل أن لا تحصل.

ترى المعارضة السورية أن هذا السبيل، أي عقد مؤتمر حواري جامع، هو الطريق الوحيدة للتغلب على الأزمة، وإعادة الاستقرار والأمان للمجتمع السوري، أما النظام السياسي فيبدو أنه مازال متردداً في قبول اقتراحات المعارضة، ولذلك فهو يسعى إلى إصلاحات هينة لينة تقول المعارضة أنها تزيينية.

===================

تركيا وثورات الديموقراطية العربية

السبت, 21 مايو 2011

محمد زاهد جول

الحياة

قبل خمسة أشهر، كانت العلاقات التركية - العربية في صعود سريع ومتميز، وكانت الزيارات المكثفة للمسؤولين الأتراك إلى العواصم العربية حدثاً محبباً ومثيراً للتفاؤل، لما يحمله من مشاريع صداقة واسعة وواعدة في تحسين العلاقات السياسية، وتوقيع عشرات من الاتفاقات الاقتصادية. وإذا كان في الزيارة التركية لدولة عربية شيء من المشاكل الداخلية، فإن التفاؤل الشعبي الداخلي يتضاعف بحكم الثقة المتزايدة لدى المواطن العربي في صدقية المسؤولين الأتراك لتسوية الخلافات العربية – العربية، بعدما سُوِّيت كل الخلافات التركية – العربية، إذ تفاءل اللبنانيون بالدور التركي لحل أزمتهم العام الفائت، وتفاءل قبلهم الشعب العراقي، وكذلك اليمني والسوداني والفلسطيني لحل الخلافات التي نشأت بين فصائل تلك الشعوب، فكان الوسيط التركي مأمون الجانب في حياده واصطفافه مع المصالح العربية العامة والحفاظ على الدماء العربية، فلا تراق بين أبناء الوطن الواحد.

وكان لتبني تركيا القضايا العربية العادلة في المحافل الدولية، خصوصاً على صعيد القضية الفلسطينية وحرب غزة وحصارها و «أسطول الحرية»، الصدى الكبير في الشارع العربي وفي كل المدن والقرى العربية، حتى ان صور رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان رُفعت في التظاهرات الشعبية المؤيدة للقضايا العربية العادلة في تلك الدول، وعلى مستوى العالم الإسلامي. وعلى رغم عدم رضا تركيا عن مواقف بعض الرؤساء والمسؤولين العرب في الدفاع عن قضاياهم العادلة، إلا أنها لم تسعَ إلى إثارة المشاكل مع الحكومات العربية ولا الإساءة إليها وإن لم توافقها أو تقتنع بمواقفها، كما حصل مع الموقف المصري إبان حرب غزة، حين سعت الحكومة التركية إلى التنسيق مع الحكومة المصرية في تلك المرحلة، وإن لم تشاطرها ذاك الموقف المزري، فلما اندلعت الثورات العربية على حين غرّة من الأنظمة العربية والدول الأوروبية وأميركا، وعجزت أجهزة مخابراتها عن توقع الثورات وقوتها وقدرتها على تغيير أنظمة، التفت المحللون إلى الموقف التركي لمعرفة طبيعته ومكانته إزاء هذه الثورات، وهل له دور إيجابي فيها وإن لم يكن مباشراً، أو سلبي ومباشر من بعضها.

وكي يكون الحكم على الموقف التركي منصفاً، والحديث عن أثره معقولاً، لا بد من النظر إلى شعارات الثورات العربية، لجهة المطالبة بالحرية والديموقراطية والدولة المدنية، والقضاء على الاستبداد السياسي، ومنع الاستغلال الاقتصادي للسلطة والثروة، وحماية مقدرات الشعوب من النهب والسرقة، فهذه القيم التي ظن بعضهم أنها حكر على الشعوب الأوروبية والغربية، تبيَّن أنها قادرة على الفعل عند المسلمين وفي الشرق أيضاً، ونماذج ماليزيا وأندونيسيا وباكستان وتركيا حاضرة أمام العيون وفي الأذهان، فهذه القوميات الإسلامية استطاعت أن تصنع دولها العصرية، وتقيم الكيانات السياسية الديموقراطية، وتتبادل السلطة بطرق سلمية برلمانية، حرة ونزيهة، وأثبتت أن الحاكم يمكن أن يترك السلطة إلى غير القبر أو السجن.

هذه النماذج لأكثر من قومية إسلامية كان تأثيرها كبيراً لدى المواطن العربي، خصوصاً النموذج التركي، الذي مثّله «حزب العدالة والتنمية» منذ العام 2002، وقيادته الشابة المتمثلة في أردوغان ووزير خارجيته أحمد داود أوغلو، الذي عرفه المثقفون العرب محاضراً في مؤتمراتهم وندواتهم، وصاحب رؤية إسلامية، لا تركية ولا عربية فقط، تقوم على تصفير المشاكل بين تركيا وجيرانها واستثمار قدراتها معهم بأسس تعود بالنفع على مواطني تلك الدول، وليس لمصلحة أنظمتها.

الشعب التركي المعاصر الذي انتخب «حزب العدالة والتنمية» ليمثله في الداخل والخارج، ولا أقول تركيا الحزب فقط، بل شعب تركيا الديموقراطي الذي اختار بإرادته مساره نحو الحرية والديموقراطية والتداول السلمي والدستوري للسلطة، استطاع أن يقدم النموذج الذي يتمناه المواطن العربي، القريب بقيمه ودينه ومشاعره إلى الشعب التركي. وقف «حزب العدالة والتنمية» عقداً كاملاً تقريباً وهو يضرب أفضل مثل للمواطن العربي في القيادة الحكيمة، ويقدم أفضل نموذج في تعاون السلطات التشريعية مع السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، لتجاوز العديد من المشاكل التي واجهت الشعب التركي في السنوات القليلة الماضية. واستطاع هذا الشعب بحكمته أن يرسم طريق المستقبل أمام الشعوب الإسلامية الناهضة، فنالت تركيا إعجاباً عربياً منقطع النظير خلال السنوات التسع الماضية، وهذا يفرض سؤالاً مهماً: في ظل المكانة الكبرى التي حظيت بها تركيا لدى العرب، هل ستقف في وجه أي شعب عربي ينشد الحرية ويسعى الى الديموقراطية؟

الموقف التركي المبدئي من الثورات العربية ليس موضع تساؤل ولا اختلاف، وعبَّر عنه المسؤولون الأتراك مراراً، مؤيدين مطالب الشعوب العربية، ومطالب ثورات الشباب العربي الذي ينشد الحرية والديموقراطية، في تونس أو مصر أو ليبيا أو اليمن أو سورية أو غيرها من الثورات القائمة أو تلك الآتية. لكن المواقف الحكومية التركية قد تختلف بين دولة وأخرى، بحكم قراءتها ووضع الثورة وإمكاناتها في هذه الدولة أو تلك. وما هو أكثر ضرورة في التدقيق وعدم التسرع، ردود فعل بعض الدول العربية إزاء ثورات شعوبها.

كان تأييد الحكومة التركية للثورة المصرية واضحاً، إذ موقف الجيش المصري كان واضحاً، إذ وقف على الحياد في عدم ضرب الشعب وعدم قطف ثمار الثورة وتنفيذ انقلاب لمصلحته. وبقي النظام السياسي في صراع مع قوى الثورة في «ميدان التحرير» وغيره من ميادين المدن والقرى المصرية، وإنْ ظهرت محاولات لبعض «البلطجية» لضرب الثورة، فهي تصل إلى حد انقسام الجيش على نفسه ولا استعمال الطائرات العسكرية ولا راجمات الصواريخ والقنابل العنقودية ضد المدنيين المطالبين بالحرية وتغيير النظام بالطرق السلمية.

إن ما حاولت الحكومة التركية فعله نحو ليبيا، ولا تزال تفعله نحو سورية أيضاً، هو البحث عن السبل الكفيلة بحماية الشعب وحقن دمائه والحفاظ على أبنائه وأطفاله ونسائه قبل التفكير في الحفاظ على ممتلكاته ومدخراته النفطية أو غيرها... لأن ما حصل في ليبيا مثلاً يشبه الحرب الأهلية طالما أن النظام الليبي وجد من الشعب من يقاتل معه طوال هذه المدة ويدافع عنه. ودخول قوى غربية إن لم يكن محسوباً بحكمة ودقة، سيؤدي إلى تفاقم الوضع، ويجعل الثورة الليبية في يد القوى الأجنبية وأجندتها.

لا ينبغي قياس مواقف الحكومة التركية من الثورة الليبية أو السورية أو غيرها بمواقفها من الثورة المصرية ولا بغيرها من الثورات العربية، فالثورات العربية ليست حالة واحدة متكررة، بل لكل منها ظروفها وإشكالاتها وطرق حمايتها لتصل إلى أهدافها بطرق سلمية من دون إراقة دماء، أو بأقل مقدار من الدماء على الأقل. لا شك في أن المشاريع الاقتصادية التركية مع الدول العربية ستكون أكثر قوة وضمانة للبقاء والتقدم مع الأنظمة الديموقراطية، قياساً الى الدول الاستبدادية التي قد تلغي أو تغير كل شيء لأتفه الأسباب. ومن الخطأ الفادح مقارنة الموقف التركي بمواقف الدول الأوروبية أو دول «حلف الأطلسي» أو غيرها من الدول التي تحصر نظرتها بالمصالح الاقتصادية فقط، فتركيا الحديثة انطلقت من مواقف شعبها نحو الشعب العربي وجيرانه، لصنع مستقبل أفضل للشعبين، وليس لأصحاب المصالح الاقتصادية الخاصة.

والحكومة التركية في نظرتها الى الأحداث لا تحصرها بالمصالح الآنية السريعة، ولا تنظر اليها بسطحية وسذاجة تتفاعل مع عواطف الشعوب فقط، بل تنظر اليها بتفاعلاتها الداخلية، الطائفية والعرقية والقومية، هي الخبيرة بمثل هذه المشاكل التي عانت منها، واستطاعت بحكمتها وديموقراطيتها الدستورية تجاوُزَها ومنع تحولها إلى حروب أهلية، أو سبب لانقلابات عسكرية، أو تدخلات خارجية.

إن الانفتاح الاجتماعي الداخلي، وإرساء مفاهيم الحرية والديموقراطية الدستورية والتعددية الحزبية والتداول السلمي للسلطة، لا يتأتى عبر الحروب الأهلية التي يشهدها بعض الثورات العربية، ما يفرض مزيداً من الجهود الإسلامية والعربية الداخلية لإيجاد مخرج سلمي يوقف إراقة الدماء بين أبناء الشعب الواحد. أما مسؤولية جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، فتزداد لإيجاد حلول سلمية من أجل انتقال آمن للسلطة. والشعب التركي لن يتوانى يوماً عن أداء واجبه الأخوي والإنساني، مهما اتُّهم أو أسيء فهمه، وهو من أوائل الداعين إلى حرية الشعوب الإسلامية والعربية، شرط أن تحفظ استقلالها وأرواح أبنائها، فالثورات الديموقراطية إرادة شعوب أولاً، لا إرادة مجتمع دولي.

===================

لماذا تبقي واشنطن سفيرها في دمشق؟

تقرير / من حسين عبد الحسين - واشنطن

الرأي العام

21-5-2011

بعد العقوبات التي اعلنتها الولايات المتحدة على الرئيس السوري بشار الاسد وكبار اعوانه، وبعد ما ورد في خطاب الرئيس باراك اوباما حول ضرورة ان «يشرف الاسد على انتقال السلطة او يرحل»، يبدو جليا ان اميركا تخلت تماما عن الاسد ونظامه. ولكن، على عكس بعض الاصوات المطالبة، ترفض واشنطن سحب سفيرها في دمشق روبرت فورد، الذي عينه اوباما بمرسوم، مطلع العام، بعد رفض مجلس الشيوخ المصادقة على التعيين بقانون.

اسباب بقاء فورد في سورية تلخصها مصادر في البيت الابيض على الشكل التالي: «نحن نبحث حاليا في مرحلة ما بعد الاسد، وعلى غرار ما فعلنا في مصر عندما قمنا باتصالات بضباط الجيش الكبار الذين ضمنوا لنا انتقالا سلميا وآمنا، نبحث الآن في كيفية تأمين انتقال مشابه في سورية».

تقول المصادر ان في علاقاتها مع الدول عموما، تعتمد الولايات المتحدة على اربعة اساليب؛ «الاسلوب الاول والاكثر متانة هو علاقة جيش الى جيش، اي ان تكون مؤسسة الدفاع الاميركية على اتصال وتنسيق تامين مع مؤسسة الجيش في دولة ما، مثلا علاقتنا مع اسرائيل ومصر والعراق، ودول اخرى».

الاسلوب الثاني، حسب المصادر، «يأتي عن طريق الديبلوماسيين الاميركيين ووزارة الخارجية والسفارة الاميركية في بلد ما». والجدير بالذكر ان هذه السفارات، على الاقل حسبما اظهرت وثائق ويكيليكس، تعمل على اعداد تقارير عن كثب لاوضاع الدولة التي تعمل فيها، الصديقة منها وغير الصديقة، وتقدم توصيات وتقيم اتصالات بفعاليات سياسية اوغير حكومية او اجتماعية، «ما يمثل خط تواصل رديفا لخط التواصل الرسمي بين حكومة الولايات المتحدة ونظيراتها في هذه الدولة او تلك».

اما الاسلوب الثالث، تضيف المصادر، «فهو علاقة مع احزاب سياسية داخل الدولة». ويتبادر الى ذهن محدثنا لبنان كمثال، ويقول: «في لبنان لدينا صداقات متعددة مع اطراف مختلفة لديها حضور وتأثير على الارض، وهو ما يبقينا على علم بالتطورات ودعم ما يتناسب مع مصالحنا وابداء المعارضة مع ما يتعارض مع هذه المصالح، بغض النظر عن وضع علاقتنا بالحكومة الحاكمة».

اما الاسلوب الاخير، فهو «العلاقة مع الاحزاب المعارضة المقيمة في المنفى، في حالة الدول التي تعيش تحت قبضة حكام يبطشون بشعبهم ولا يسمحون بتعدد الآراء». الا ان هذا الاسلوب ثبت انه «مخادع، ويؤدي الى مشاكل جمة، كما حدث في العراق». ويقول المصدر المسؤول: «في العراق، رمينا بثقلنا خلف المعارضة في المنفى وتحالفنا معهم لتأمين انتقال سهل للسلطة بعد انهيار نظام صدام، الا اننا تعلمنا درسا كبيرا (مفاده ان) المعارضات المختلفة قد تكذب من اجل مصالحها، وقد تكون عاجزة تماما عن قيادة الدولة التي ينهار نظامها في المرحلة الانتقالية الى بر الأمان».

من بين الخيارات الاربعة هذه، ليس امام الولايات المتحدة في الشأن السوري الا «العلاقة الديبلوماسية». لذا، يقول المسؤول الاميركي، «لم نسحب سفيرنا فورد من دمشق ولم نطرد (سفير سورية في واشنطن عماد) مصطفى».

ويضيف: «في مصر، لدينا علاقات وعيون وآذان... قبل ان يطلب الرئيس من (الرئيس المصري السابق حسني) مبارك الرحيل، رفعنا سماعة الهاتف وتباحث جنرالاتنا مع نظرائهم المصريين، وزودوا فريق الامن القومي بمعطيات دقيقة حول الوضع وامكانات التغيير والفرص المتاحة».

الاهم من ذلك كله، يقول المسؤول، «هو اننا استطعنا ان نضع تصورا معينا للعملية الانتقالية، وبدا لنا ان الوضع لن يتأزم وان الاستقرار سيستمر في حده الادنى».

اما في سورية، «حتى اخبار التظاهرات تأتينا بوسائل غير اعتيادية عن طريق الانترنت ومواقع يوتيوب وفايسبوك، وهذا ما يجعل معلوماتنا عما يجري داخل سورية مجتزأة»

ورغم عدم اكتمال الصورة، يؤكد المسؤول الاميركي «قيام نظام الاسد بمجازر بحق السوريين المدنيين العزل». ولكنه يعتبر ان المعلومات المتواترة من سورية تخبر بما يحدث ولكنها «ليست كافية لاخراجنا من الظلمة التي نقف فيها». ويقول: «ما نفعله في سورية حاليا هو كمن يتجول في غرفة مظلمة، نريد معلومات كي نبني عليها سيناريوات لانتقال السلطة، ولكن هذه غير متوافرة، ووجود السفير هو من المصادر القليلة التي تزودنا بنصائح اضافية غير تلك التي يراها الجميع في وسائل الاعلام».

عن خوف واشنطن من قيام النظام السوري بترحيل السفير الاميركي ليمارس المزيد من التعتيم على الاحداث في سورية، يختم المسؤول: «هذا يعني اننا سنبادله الترحيل بترحيل سفيره، وسيصبح هو ايضا في الظلام عن خطواتنا ومواقفنا تجاهه».

===========================

الجماعة الإسلامية للاستفادة من الثورات العربية.. لبنانياً

غسان ريفي

السفير 19/5/2011

إذا كانت حرب العام 1973 شكّلت أول انعطافة في مسار «الإسلام الحركي» الذي انطلق من نتائج تلك الحرب نحو بداية التغيير في الأداء والفكر، مستفيداً من الفورة النفطية في الخليج العربي التي ساهمت، خصوصاً بعد توقيع مصر معاهدة كامب دايفيد وإخراجها من موقعها القطبي في العالم العربي، في تحوّل وجهة «المرجعية» من الأزهر في مصر نحو المملكة العربية السعودية، مع ما يعني ذلك من تغيير في النهج الفكري، فإن ذلك «الإسلام الحركي» الذي استُنهض بقرار أميركي سعودي بعد دخول الجيش السوفياتي إلى أفغانستان في العام 1979، شهد مساراً تصاعدياً على إيقاع الأحداث في المنطقة العربية، برغم ما أصيب به من نكسات و«هزائم» وضربات كانت تستهدف حالات محددة تبعاً لما تقتضيه المصالح السياسية الدولية التي كانت تحاول استثمار هذه التيارات «الأصولية» في مكان محدد أو إضعافها في مكان آخر عندما تقتضي التضحية بها قبل أن تتحوّل عبئاً على هذه المصالح.

مما لا شكّ فيه أن «الإسلام الحركي» وضع نفسه تحت المجهر منذ أن قرّر العمل على قلب أنظمة الحكم في العالم العربي ديموقراطياً أو بطرق أخرى، ويومها وجد نفسه في مواجهة مباشرة مع هذه الأنظمة التي لم تكن لتستسلم بسهولة أمام «المدّ الإسلامي»، إلى أن جاء تفجير برجي التجارة العالمية في نيويورك في 11 أيلول 2001 والذي جعل الولايات المتحدة الأميركية رأس حربة في هذه المواجهة مع «الإسلاميين» وقدّم أيضاً خدمة كبرى لأنظمة الحكم في العالم العربي لتخوض حرباً شرسة مع أصحاب مشروع إقامة «الإمارات الإسلامية» بدلاً من الممالك والجمهوريات الحزبية والعائلية.

مع هذه المواجهة المفتوحة، وخاصة بعد احتلال افغانستان والعراق، دخل «الإسلام الحركي» بما يمكن وصفه ب«أزمة وجود» بعد أن كان يعاني من أزمة «الهوية السياسية» وغياب المظلة التي يمكن أن تؤمن له الحماية في صراع البقاء.

لكن هذه التيارات التي كان أداؤها يساعد خصومها على الترويج لفكرة التصاقها بالإرهاب، لم تغيّر من نمطية مواجهتها برغم انتقالها من مرحلة الهجوم إلى مرحلة الدفاع عن النفس، وبدأت تدرك متأخرة أن المطلوب ليس القضاء عليها تنظيمياً، وإنما «اجتثاث» ايديولوجيتها المرتكزة على الفكر السلفي، لتكتشف بعد حين أن «الأصولية» باتت في نظر العالم رديفاً للإرهاب، وكل ذلك ساهم في ارتباك تلك التيارات وفي تعزيز مسارها التراجعي الذي اضطرها للتشرذم والبحث عن سقف سياسي رسمي يؤمن لها البقاء ولو في أحضان الأنظمة، فوقع بعضها في كمين «التدجين» وانكفأ بعضها إلى العمل السري وانشغل البعض الآخر في «تبييض» صفحته، بينما التزمت ثلّة من تلك التيارات بخيار العناد والمواجهة «حتى الاستشهاد».

كل ذلك ساهم في تهيئة الظروف للإنقضاض على تلك التيارات، لكن إدارة الأميركيين للمواجهة مع الأصولية الإسلامية، كانت تترافق دائما مع هاجس الحاجة إلى بديل من الصنف نفسه، لأن القضاء على هذه الأصولية قد يتسبب بخلق أصولية أكثر شراسة.

أنتجت القراءة المعمّقة ضرورة البحث عن «الإسلام الحركي الجديد»، فكان «النموذج التركي» أحد أبرز تلك البدائل. يعرف الأميركيون الذين واجهوا في ما مضى «إخوان تركيا» أن تجربتهم لم تحمل ضرراً للولايات المتحدة، وأن «حزب العدالة والتنمية» هو جزء من منظومة إسلامية عالمية هي حركة «الإخوان المسلمين»، حاله كحال تنظيمات أخرى مثل «حماس» في الساحة الفلسطينية و«الجماعة الاسلامية» في لبنان.

اتخذ القرار بطي صفحة.. كان الرهان في ما مضى على الإسلام السلفي لمواجهة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، وأيضاً لغايات أخرى، أما اليوم، فثمة حاجة تقتضي الرهان على «إسلام آخر» يمكن التفاهم والحوار معه، وخاصة في العنوان المركزي وهو الصراع العربي الاسرائيلي.

جاءت الثورة التونسية ومن بعدها المصرية لتطلق الشرارة.. نجح أداء الإسلاميين المعتدلين فارتفعت حظوظهم.. وفي المقابل، برزت سلفيات من هنا وهناك، وبالتالي، حان وقت إقفال ملف الإسلام الأصولي.. تمت تصفية زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن الذي كان رمز هذا الاسلام الأصولي الجهادي.. وفتحت صفحة جديدة ما تزال بحاجة إلى وقت لبلورة خطوط الطول والعرض فيها.. إنه عصر «الإسلام المعتدل»، فكيف سيتعايش معه «إسلاميو بن لادن»؟. يمكن القول أن «الجماعة الاسلامية» في لبنان قبل الثورات العربية، وخصوصا الثورة المصرية ليست كما بعدها، فهي تلقت جرعة معنوية كبيرة جعلتها تتنفس الصعداء من خلال ازالة القيود التي كانت تكبل حركة جماعة «الاخوان المسلمين» في مصر بعد الاطاحة بنظام الرئيس حسني مبارك، وفتحت عودة «الأخوان» الى الحياة السياسية المصرية الباب واسعا أمام حراك نوعي على الصعيد اللبناني بدأت معالمه تظهر منذ وفاة الأمين العام السابق ل«الجماعة» الشيخ فيصل مولوي، حيث اغتنمت مناسبة تشييعه للتذكير أنها تشكل امتدادا إستراتيجيا لجماعة «الأخوان المسلمين»، وأنها من نتاج مدرسة الامام حسن البنا الفكرية.

وقد ترجم ذلك بمشاركة «إخوانية» لافتة للانتباه في الجنازة، أعقبتها زيارة خاصة للمرشد العام ل«الأخوان المسلمين» في مصر الدكتور محمد بديع على رأس وفد من كبار القياديين، أعطى خلالها توجيهاته ونظرة «الأخوان المسلمين» حول ما يجري في المنطقة لكل الكوادر الأساسية في «الجماعة» والعاملين في مؤسساتها.

كما شكلت «قوات الفجر» التي برز حضورها في مأتم مولوي بالبدلات العسكرية السوداء وفي سائر النشاطات التي أعقبتها رسالة واضحة بأن «الجماعة الاسلامية» حاضرة لتلعب دورا ما على الساحة اللبنانية، وأنها تتمتع بعلاقة إستراتيجية مع المقاومة الاسلامية بما يخص مواجهة العدو الإسرائيلي، ليس في لبنان فحسب، بل حتى في داخل فلسطين التي تعتبرها «الجماعة الاسلامية» قضية الأمة، وأن لبنان هو جزء أساسي من هذا الصراع كونه أحد بوابات العالم العربي نحو الأراضي المحتلة.

ولا تخفي «الجماعة الاسلامية» أن ما استجد على صعيد الواقع المصري وخاصة لجهة انتهاء التضييق على «الاخوان المسلمين»، وإطلاق حريتهم في التعبير عما تختزنه مدرسة الامام حسن البنا، «يعطيها هامشا أكبر في نشر هذه الدعوة على صعيد الواقع اللبناني، لجهة تحقيق رؤية مشتركة على الساحة الاسلامية بهدف إيجاد أرضية تجمع بينها وبين مكونات المجتمع اللبناني للوصول في المستقبل الى صياغة جديدة للواقع اللبناني ضمن محيطه العربي، إنطلاقا من مشكلة الهوية اللبنانية في العداء لاسرائيل والتي كانت حسمت في شق منها في اتفاق الطائف، قبل أن تعود من جديد بعد الانقسام العامودي الحاد الذي أعقب اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

لذلك فان «الجماعة الإسلامية» تجد نفسها قادرة على لعب دور هام في بلورة موقع لبنان في الصراع العربي الإسرائيلي ككل وفي الانتماء للمحيط العربي. ويبدو واضحا أن «الجماعة» تستعد لمواجهة المتغيرات الناتجة عن الثورات في العالم العربي، انطلاقا من إيمانها بأن المسلمين أمة واحدة وأن ما يعني أي شعب مسلم، يعني المسلمين في كل بقاع الأرض، وهي تؤمن أن ثمة مرحلة جديدة ستصنعها الشعوب العربية ستكون مختلفة عما صنعه الاستعمار غداة «سايكس بيكو» وعما صنعته الأنظمة التي جثمت على صدور شعوبها عقودا من الزمن من استغلال للسلطة وسرقة الثروات.

وترفض «الجماعة الاسلامية» وصف الثورات العربية ب«المسلحة» بل تعتبرها سلمية وناتجة عن حال الظلم والقهر والاستبداد والتسلط الذي كانت تمارسه الأنظمة القائمة على شعوبها، وأنها ثورات نابعة من قناعات الشعوب، وليست ثورة حزب أو طائفة أو مذهب، لذلك فهي نجحت في مصر وتونس في تحقيق الحرية والعدالة وفي التأسيس لمرحلة جديدة من الحكم، لكن تدخل المجتمع الدولي الخائف على مصالحة من مسيرة التغيير الحاصلة، ومحاولته التحكم بهذه الثورات ليعيد صياغة منظومته من جديد، بدأ يعطي هذه الثورات طابعا مختلفا من القتل والتهديد بالتقسيم، وما يجري في ليبيا أكبر دليل على ذلك.

وفي هذا الاطار ترى «الجماعة الاسلامية» أن ما يجري في سوريا اليوم «هو ثورة شعب يريد إصلاحات، ولم يلمس حتى الآن رغبة حقيقية صادقة من النظام باجرائها، وأن هذا الشعب لم تكن لديه رغبة باسقاط النظام، لكن ممارسات هذا النظام لجهة تقديمه خطابات إنشائية وتعامله مع المتظاهرين بالقمع من قبل أجهزته الأمنية دفع بهم الى تصعيد المطالب نحو التغيير الكامل». الأيوبي ويبدي رئيس المكتب السياسي في «الجماعة الاسلامية» عزام الأيوبي تفاؤله الكبير بالثورات العربية، ويأمل أن تستجيب الأنظمة لتطلعات شعوبها لأن في هذه الاستجابة حقنا للدماء وسبيلا للحرية، وإلا فان استمرار هذه الثورات وتصاعدها سيكون السمة الأساسية للمرحلة المقبلة.

ويؤكد الأيوبي أن استمرار الاضطرابات في سوريا يجعل «الشام» غير قادرة على أن تكون جزءاً من مكونات الصراع العربي الاسرائيلي، متمنيا أن تنجز هذه الثورة بأسرع وقت ممكن سواء عبر الاصلاح الحقيقي الذي يحقق تطلعات وطموحات الشعب، وإما بالتغيير لأن حال المراوحة ليست في مصلحة أحد!

ويشدد الأيوبي على أن «الجماعة الاسلامية» ملتزمة بالدفاع عن المقاومة وحمايتها، كونها تعتبر نفسها جزءاً أساسيا من مكوناتها من خلال «قوات الفجر» التي تتمتع بجهوزية تامة، لافتا الانتباه الى أن العلاقة مع المقاومة هي علاقة إستراتيجية لمواجهة إسرائيل، «وعندما نرفع الغطاء عن أي استخدام للسلاح في الداخل فهذا من باب حماية هذه المقاومة وتأمين الاجماع الوطني عليها».

ومن هذا المنطلق، يؤكد الأيوبي أن عدم الاستقرار في سوريا ليس في مصلحة المقاومة و«الجماعة الاسلامية» على حد سواء. ويرى أنه حان الوقت الذي يجب أن تستفيد فيه «الجماعة الاسلامية» من وسطيتها ومن فكرها في الواقع السياسي اللبناني، لكي تلعب دورا جامعا في الساحة الاسلامية وضمن الساحة الوطنية لبناء أرضية عمل مشتركة تؤسس لقيام دولة حقيقية بعيدا عن المنطق الفئوي والطائفي والمذهبي، وضمن معيار واحد هو المواطن اللبناني تحت سقف الحرية والعدالة.

ويعتبر الأيوبي أن الانحياز لفريق دون آخر في لبنان هو خيار خاسر، لافتا الانتباه الى أن «الجماعة» ستكون اليوم وأكثر من أي وقت مضى خارج الاصطفافات السياسية سواء في 8 أو 14 آذار، وستحرص على أن تكون الوعاء الحاضن لجميع مكونات المجتمع اللبناني.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ